{لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ}…قراءة معرفية لآيات المواريث

معظم الروايات التي ترسم لنا صورة المجتمع العربي قبل الإسلام تقدم لنا مجتمعًا حيث العائلة قائمة على تفضيل الآباء الذكور، فالمرأة مبعدة عن عائلتها الأصلية لتنضم إلى عائلة زوجها وهذا الآخر يكون قد حصل عليها إما بالشراء أو الأسر، ومنذ لحظة انضمامها إلى عائلة الزوج تصبح المرأة قسمًا من الميراث العائلي للزوج الذي له الحق أن يبيعها مثلما كان قد اشتراها من قبل، فإذا مات الرجل كان اولياؤه أحق بإمرأته ان شاء بعضهم تزوجها وإن شاؤوا زوجوها، وان شاؤوا لم يزوجوها، كما إن المرأة لم تكن تشارك مشاركة فعلية في الحروب أو الغارات –التي هى إحدى مصادر الثروة في ذلك الوقت- فلم يكن لها الحق أن تكسب أو أن تربح أي شيء من مغانم الحملات العسكرية، فكانت ردة فعل النبي ضد هذه المفاهيم ان حاربها، فسياسيًا ألغى الاختلافات القبلية ليؤسس الوحدة الوطنية المبنية على الإيمان، وفي نفس الوقت قلل من أهمية قيم العادات الذكورية المتواجدة في القبائل، وهكذا فإن شخصية المرأة من الآن فصاعدًا مرتكزة على حقها بأن ترث قسمًا من الأملاك، وهكذا أصبح يحق لها أن ترث إما من عائلتها الأبوية أو من عائلة زوجها([1])

كما كانوا لا يورثون الولد الصغير لأنه لا يركب ولا يكسب، وكان هذا من الجاهلية تصرفا بجهل عظيم; فإن الورثة الصغار الضعاف كانوا أحق بالمال من القوي; فعكسوا الحكم وأبطلوا الحكمة; فضلوا بأهوائهم وأخطئوا في آرائهم” ([2])

للرجال نصيب وللنساء نصيب:

وفي كنف هذه البيئة الاجتماعية التي رسخت كره الأنثي، وتفضيل الذكور على الإناث وحرمانهم من الإرث وكثير من الحقوق الأخرى، نزل القرآن الكريم محاولاً إصلاح وتقويم هذه البينة الاجتماعية، بتدرج وتوازن واقعي عقلاني. “لأن الانتقال عن العادة شاق ثقيل على الطبع، فإذا كان دفعة عظم وقعه على القلب، وإذا كان على التدريج سهل” ([3])

فأقر القرآن في البداية بفرض نصيب من الميراث للذين لم يكن لهم ذلك قبيل الإسلام كالنساء والأطفال فجاء قوله تعالى: {لِّلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِّمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِّمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيبًا مَّفْرُوضًا} (النساء: 7)، ليؤكد على أن للرجال والنساء نصيبًا مفروضًا من الميراث، قلَّ أو كَثُر وفقاً لدرجة القرابة والدم، ونظرًا لعموم هذه الآية، إذ أنها لم تحدد مقدار نصيب كلٍ من له فرض من الميراث، وبذلك فقد راح الناس يسألون الرسول عن مقدار هذه الفروض، فعن سعد قال: “عادني رسول الله صلى الله عليه وسلم عام حجة الوداع في مرض اشتد بي، فقلت: يا رسول الله; أنا ذو مال ولا يرثني إلا ابنة لي; أفأتصدق بمالي كله؟ قال: لا. قلت: فالثلثان؟ قال: لا. قلت: فالشطر؟ قال: لا. الثلث، والثلث كثير; إنك أن تذر ورثتك أغنياء خير من أن تذرهم عالة يتكففون الناس” ([4]). و”عن جابر: قلت: يا رسول الله; ما ترى أن أصنع في مالي؟ فنزلت: {يوصيكم الله في أولادكم}” ([5])

فنزل القرآن عند مقتضيات الواقع، فشرع قوله تعالى: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ ۖ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنثَيَيْنِ ۚ فَإِن كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ ۖ وَإِن كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ ۚ وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِن كَانَ لَهُ وَلَدٌ ۚ فَإِن لَّمْ يَكُن لَّهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ ۚ فَإِن كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ ۚ مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ ۗ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ لَا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعًا ۚ فَرِيضَةً مِّنَ اللَّهِ ۗ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا} (النساء: 11)

ومع ذلك، فإن القرآن قد سكت عن تحديد كثيرًا من هذه الفرائض، فوفقًا لميراث الصلب ويعني بهم أولاد المتوفى ذكورًا كانوا أو إناثًا، وذلك فى قوله: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ ۖ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنثَيَيْنِ ۚ فَإِن كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ ۖ وَإِن كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ…}، فإنه قد حدد نصيب النساء فوق الأثنتين بالثلثين، وحدد نصيب الأنثى الواحدة بالنصف، ولكنه قد سكت عن تحديد مقدار الأنثيين، هذا المقدار الذي يُقاس على أساسه كل أحكام المواريث، إذ تُعد هذه الآية هى القاعدة الأساسية لكل أحكام المواريث على (حد تعبير فخر الدين الرازي).

وقد مثلَّ سكوت القرآن عن تحديد حظ الأنثيين في حالة الإنفراد، مأزقًا أمام الفقهاء والمفسرين، بل معضلة عظيمة على (حد تعبير ابن العربي) “فإنه تعالى لو قال: فإن كن اثنتين فما فوقهما فلهن ثلثا ما ترك لانقطع النزاع، فلما جاء القول هكذا مشكلا وبين حكم الواحدة بالنصف وحكم ما زاد على الاثنتين بالثلثين، وسكت عن حكم البنتين أشكلت الحال” ([6])

وبذلك اختلفوا في تحديد نصيب الأنثيين، فذهب (ابن عباس) إلى القول بأن: الثلثان فرض الثلاث من البنات فصاعد وأما فرض البنتين فهو النصف، واحتج بآية “فان كن نساء فوق اثنتين فلهن ثلثا ما ترك” فالثلثين مشروط بكونهن ثلاثاً فصاعداً، وذلك ينفى حصول الثلثين للبنتين. ([7])

أما سائر الأمة فقد أجمعوا على أن فرض البنتين الثلثان، ولكن كلاً بطريقة مختلفة، فمنهم من ذهب إلى أن الأنثى لما وجب مع أخيها الثلث بدليل قوله تعالى “للذكر مثل حظ الأنثيين”، كانت أحرى أن يجب لها الثلث اذا كانت مع أخت مثلها، فوجب لهما الثلثان، وهذا قول (أبو بكر الرازى)، وذهب غيره إلى أن المتوفى إذا ترك ابنا وبنتا فيجب أن يكون نصيب الابن الثلثين، لقوله “للذكر مثل حظ الأنثيين”، فإذا كان نصيب الذكر مثل نصيب الأنثيين، ونصيب الذكر ههنا هو الثلثان، وجب لا محالة أن يكون نصيب الابنتين الثلثين، وهذا قول (أبو مسلم الأصفهانى) ([8])

إقرأ أيضاً: المفهوم القرآني لتحرير المرأة

والغريب أن هذين القولين قاموا بإقرار نصيب الأنثين بالثلثين بالقياس على تلك الآية التي هى أساس الإشكال، فإذا كان القرآن قد أقر بأن للذكر مثل حظ الأنثيين، فإنه لم يقر بأنه إذا اجتمع الذكر الواحد مع الأنثى الواحدة فله الثلثان وللأنثى الثلث، ولم يقر كذلك بنصيب الذكر الواحد فى حال الإنفراد، وأيضا بنصيب الذكر إذا اجتمع مع ذكر آخر!، كل هذه الإشكاليات التى نتجت عن صمت القرآن عن تحديد ميراث الأنثيين. ومن العلماء من ضعف هذا القول، على النحو الذى أقره النحاس إذ قال: “وهذا الاحتجاج عند أهل النظر غلط؛ لأن الاختلاف في البنتين وليس في الواحدة”([9])

ونجد (فخر الدين الرازى) الذي أقر أيضاً بالثلثان للأنثيين وذلك بالقياس على  قوله تعالى: {يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلَالَةِ ۚ إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ ۚ وَهُوَ يَرِثُهَا إِن لَّمْ يَكُن لَّهَا وَلَدٌ ۚ فَإِن كَانَتَا اثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا الثُّلُثَانِ مِمَّا تَرَكَ…} (النساء: 176)، فيقول: “أنه تعالى ذكر في هذه الآية حكم الواحدة من البنات وحكم الثلاث فما فوقهن، ولم يذكر حكم الثنتين، وقال في شرح ميراث الأخوات: (إن امرؤ هلك ليس له ولد وله أخت فلها نصف ما ترك)، (فإن كانتا اثنتين فلهما الثلثان مما ترك )، فههنا ذكر ميراث الأخت الواحدة والأختين ولم يذكر ميراث الأخوات الكثيرة، فصار كل واحدة من هاتين الآيتين مجملا من وجه ومبينا من وجه، فنقول: لما كان نصيب الأختين الثلثين كانت البنتان أولى بذلك، لأنهما أقرب إلى الميت من الأختين، ولما كان نصيب البنات الكثيرة لا يزداد على الثلثين وجب أن لا يزداد نصيب الأخوات الكثيرة على ذلك، لأن البنت لما كانت أشد اتصالا بالميت امتنع جعل الأضعف زائدا على الأقوى” ([10])

وإذ يبدو هكذا أنَّ الرازى الذي أقر بأن الثلثين هما نصيب ميراث الأنثيين بالقياس على نصيب الأختين، وذلك بالإعتماد على سمة أساسية من أساسيات تحديد الميراث، وهى “القرابة”، فإن هذه الحُجة التي ساقها الرازى هى حُجة عليه وليست له -إذا صح التعبير-، إذ أنه إذا كان البنتان أقرب للميت من الأختين، فلماذا يكون مقدار نصيبهما هو نفس مقدار نصيب الأختين؟ لماذا لا يكون أكثر؟!، علاوة على ذلك فقد اعترض العلماء على هذا القول، “لأن ذلك منصوص عليه في الأخوات، والإجماع منعقد عليه فهو مسلم بذلك” ([11])

وما لبث القرطبى كذلك يقر بأن الثلثين هو مقدار نصيب الأنثيين، ولكن بالإعتماد على حديث للرسول (ص)، فيقول: وأقوى الاحتجاج في أن للبنتين الثلثين الحديث الصحيح المروي في سبب النزول، عن الترمذي وأبو داوود وابن ماجه عن جابر بن عبد الله “أن إمرأة سعد بن الربيع قالت يا رسول الله، إن سعداً هلك وترك ابنتين وأخاه، فعمد أخوه فقبض ما ترك سعد، وإنما تنكح النساء على أموالهن، فلم يُجبها في مجلسها ذلك، ثم جاءت فقالت يا رسول الله ابنتا سعد؟ فقال رسول الله “ادع لي أخاه”، فجاء فقال له “ادفع إلى ابنتيه الثلثين، والى إمرأته الثمن، ولك ما بقى” لفظ أبى داود في رواية الترمذي وغيره: (فنزلت آية المواريث) قال هذا حديث صحيح ([12]).

وينفرد القرطبي دون غيره من المفسرين ببيان أن هذا الحديث قد نزل قبل الآية، في حين أن المفسرين يسردون نفس الرواية كسبب لنزول الآية، ولكن فحوى الحديث يوضح أنَّ الرسول قد سكت عن بيان نصيب البنتين إلا بعد نزول الآية وليس قبلها([13])

بيد أن الأمر الأكثر غرابة هو إذا كان الحديث قد حدد ميراث الأنثيين، فلماذا اختلف الفقهاء والمفسرون إذن!! خاصة ابن عباس الذي أقر بأن نصيبهم النصف من الميراث!، لماذا لم يعتمدوا جميعهم على الحديث لإقرار نصيب الأنثيين؟ وما السبب في إنفراد القرطبى دون غيره بإقراره أن الحديث قد رُوى قبل نزول الآية؟ هل كان هذا الحديث محل إشكال بين المفسرين؟ إذ نتعجب حينما نرى (الطبرى) يسكت عن تحديد ميراث الأنثيين ويكتفى فقط بقوله: فإن قال قائل: “فأين فريضة الأنثيين؟، قيل فريضتهم بالسنة المنقولة نقل الوراثة التى لا يجوز فيها الشك” ([14])

كما يتعجب كذلك محقق تفسير الطبرى (محمود محمد شاكر)، من عدم ذكر الطبرى للحديث السالف، فيقول: “وعجيب أن يترك أبو جعفر سياق الأثار، لحجته فى هذا الموضع…، وهذه أول مرة يخالف أبو جعفر نهجه فى تأليف هذا التفسير” ([15]). فلماذا سكت الطبرى عن تفسير ميراث الأنثيين واكتفى فقط بالإشارة الموجزة جدًا، إلى أنَّ فريضتهم بالسنة المنقولة، ولم يرد ذكر للحديث الذي يحدد نصيب الأنثيين؟! لنتأمل إذن هذا الحديث.

راوى الحديث، هو”الإمام المحدث أبو محمد عبد الله بن محمد بن عقيل ابن عم النبي -صلى الله عليه وسلم- أبي طالب، الهاشمي، الطالبي المدني، وأمه هي زينب بنت الإمام علي بن أبي طالب. احتج به الإمام أحمد وغيره، وقال أبو حاتم: لين الحديث، وقال ابن خزيمة: لا أحتج به لسوء حفظه. وقال الترمذي: سمعت محمدا يقول: كان أحمد، وإسحاق، والحميدي يحتجون بحديثه، وعن البخاري: هو مقارب الحديث، وقال ابن معين: ضعيف، وقال ابن المديني: لم يدخله مالك في كتبه، وكان يحيى بن سعيد القطان لا يحدث عنه. وقال آخر: كان من العلماء العباد. وقال الفسوي: صدوق في حديثه ضعف، قلت : لا يرتقي خبره إلى درجة الصحة والاحتجاج” ([16])

وقال عنه علماء الحديث أنه “مُقارَبُ الحديث” ([17])، والمقارب فى لسان العرب، “قال الجوهري: شيء مقارِب بكسر الراء، أي: وسط بين الجيد والرديء، قال: ولا تقل مقارَب، وكذلك إذا كان رخيصا” ([18])، “فإذا كان بفتح الراء: أى حديثه يقارب حديث غيره، فهو على المعتمد _بالكسر والفتح_ وسط لا ينتهى إلى درجة السقوط، ولا الجلالة، وممن ضبطها بالوجهين ابن العربى، والبطليوسى، وابن رشيد، قال: ومعناه: يقارب الناس فى حديثه، ويقاربونه، أى ليس حديثه بشاذ أو منكر” ([19])، وبالتالى “فقد قبل جماعة من أهل العلم حديثه، وخالفهم أخرون، وقد طعن فيه بعضهم من قبل حفظه” ([20]).

ولئن كان “مقارب الحديث”، يعنى عند بعض العلماء أنه ضعيف لا يُحتج بحديثه، فإنه عند البخارى على حد تعبير “الترمذى” “ثقة”، فقد نقل الترمذي في “سننه” عن البخاري أنه قال في بعض الرواة: “ثقة مقارب الحديث”، وذلك على سبيل المثال “ما قاله فى أخر باب من فضائل الجهاد من جامعه، وقد جرى له ذكر اسماعيل بن رافع، فقال ضعفه بعض أهل الحديث، وسمعت محمداً يعنى البخارى يقول: هو ثقة مقارب الحديث، وقال فى باب ما جاء ما جاء من أذن وهو يقيم: والإفريقى، يعنى عبد الرحمن ضعيف عند أهل الحديث، ضعفه يحيى بن سعيد القطان وغيره، وقال أحمد لا اكتب عنه، قال الترمذى: ورأيت البخارى يقوى أمره ويقول: هو مقارب الحديث” ([21])

ولعل المثير للغرابة هو إذا كان عبد الله بن محمد بن عقيل، هو عند البخارى “ثقة مقارب الحديث” كما قال الترمذى، فلماذا لم يكتب البخارى عنه فى صحيحه هذا الحديث السالف الذى حُدد فيه نصيب الأنثيين بالثلثين!!، فقد ورد البخارى فى هذا الشأن رواية واحدة ليست عن الرسول، بل عن زيد بن ثابت، فيذكر فى (باب ميراث الولد من أبيه وأمه) “قال زيد بن ثابت: إذا ترك رجل أو امرأة بنتا فلها النصف وإن كانتا اثنتين أو أكثر فلهن الثلثان وإن كان معهن ذكر بدئ بمن شركهم فيؤتى فريضته فما بقي فللذكر مثل حظ الأنثيين” ([22])

وإلى جانب ذلك فهذا الحديث وفقًا لأصحاب السنن، يوضح أن المرأة التي جاءت للرسول (ص)، هى إمرأة سعد بن الربيع، دون ذكر اسمها، توفى زوجها سعد وترك ابنتين وأخا، أما الواحدى النياسبوى في أسباب النزول، فيروى عن بشر بن المفضل، عن بن عقيل، عن جابر، أن المرأة التى جاءت إلى الرسول هى امرأة سعد بن الربيع، أو ثابت بن قيس، فيقول: “حدثنا بشر بن المفضل قال: حدثنا عبد الله بن محمد بن عقيل، عن جابر بن عبد الله قال: جاءت امرأة [إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-] بابنتين لها فقالت: يا رسول الله، هاتان بنتا ثابت بن قيس -أو قالت سعد بن الربيع- …”([23]).

ويروى ابن حجر فى كتابه (الإصابة فى تمييز الصحابة)، عن بشر بن الفضل كذلك، أن الزوج هو ثابت بن قيس، فيقول: “عن بشر بن المفضل عن عبد الله بن محمد عن جابر أخرجه أبو داود من طريقه قال خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى جئنا امرأة من الأنصار في الأسواق فجاءت المرأة بابنتين فقالت يا رسول الله هاتان بنتا ثابت بن قيس قتل معك يوم أحد وقد أخذ عمهما مالهما كله فلم يدع لهما مالا…” ([24])

ومن ثم “فقد اختلف في اسم الميت فقيل ثابت بن قيس وقيل أوس بن ثابت وقيل أوس بن مالك واختلف في اسم هذا الذي حاز المال على أقوال” ([25])

كما يروى ابن حجر كذلك، عن سفيان عن عبد الله بن محمد بن عقيل عن جابر، أن المرأة التى جاءت إلى الرسول (ص) تدعى أم كجة، “قال جاءت أم كجة إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت يا رسول الله إن لي ابنتين قد مات أبوهما وليس لهما شيء فأنزل الله عز وجل للرجال نصيب مما ترك الوالدان والأقربون وللنساء نصيب مما ترك الوالدان والأقربون ثم أنزل الله عز وجل يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين” ([26])

وذلك فى حين أن هناك رواية أخرى، توضح أن “أم كجة” هذه هى امرأة أوس بن ثابت، توفى زوجها وترك ثلاث بنات، ورجلان هما ابن عم الميت ووصياه، فيروى القرطبى فى تفسيره لقوله تعالى: {للرجال نصيب مما ترك الوالدان والأقربون وللنساء نصيب مما ترك الوالدان والأقربون مما قل منه أو كثر نصيبا مفروضا}، فيقول: “نزلت الآية في أوس بن ثابت الأنصاري، توفي وترك امرأة يقال لها: أم كجة وثلاث بنات له منها، فقام رجلان هما ابنا عم الميت ووصياه يقال لهما: سويد وعرفجة؛ فأخذا ماله ولم يعطيا امرأته وبناته شيئا، وكانوا في الجاهلية لا يورثون النساء ولا الصغير وإن كان ذكرا، ويقولون: لا يعطى إلا من قاتل على ظهور الخيل، وطاعن بالرمح، وضارب بالسيف، وحاز الغنيمة. فذكرت أم كجة ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فدعاهما، فقالا: يا رسول الله، ولدها لا يركب فرسا، ولا يحمل كلا ولا ينكأ عدوا. فقال عليه السلام: انصرفا حتى أنظر ما يحدث الله لي فيهن. فأنزل الله هذه الآية ردا عليهم، وإبطالا لقولهم وتصرفهم بجهلهم،…، فأثبت الله تعالى للبنات نصيبا في الميراث ولم يبين كم هو؛ فأرسل النبي صلى الله عليه وسلم إلى سويد وعرفجة ألا يفرقا من مال أوس شيئا؛ فإن الله جعل لبناته نصيبا ولم يبين كم هو حتى أنظر ما ينزل ربنا. فنزلت يوصيكم الله في أولادكم إلى قوله تعالى: الفوز العظيم فأرسل إليهما أن أعطيا أم كجة الثمن مما ترك أوس، ولبناته الثلثين، ولكما بقية المال” ([27])

وإذا كان أوس بن ثابت وفقاً لهذه الرواية المذكورة فى معظم كتب التفسير، وأسباب النزول ([28])، قد توفى وترك ثلاث بنات، وزوجته (التى اختلفوا كذلك فى كنيتها)([29])، فهو وفقاً لابن حجر قد توفى وترك بنتين وابنًا صغيرًا، فيروي عن “الكلبي عن أبن صالح عن أبي عباس قال كان أهل الجاهلية لا يورثون البنات ولا الأولاد الصغار حتى يدركوا فمات رجل من الأنصار يقال له أوس بن ثابت وترك بنتين وابنا صغيرا فجاء ابنا عمه خالد وعرفطة فأخذا ميراثه فقالت امرأته للنبي صلى الله عليه وسلم ذلك فانزل الله {للرجال نصيب مما ترك الوالدان والأقربون } فأرسل إلى خالد وعرفطة فقال لا تحركا من الميراث شيئا ورواه أبو الشيخ من وجه آخر عن الكلبي فقال قتادة وعرفطة ورواه الثعلبي في تفسيره فقال سويد وعرفطة ووقع عنده أنهما اخوا أوس وذكر بن منده في ترجمة هذا انه أوس بن ثابت أخو حسان وهو خطأ لأنه لأن أوسا ليس له أحد من إخوته ولا من أعمامه يسمى عرفطة ولا خالدا”([30])

إقرأ أيضاً: النبي لم يضرب زوجاته قط فكيف نفسر قوله تعالى: {وَاضْرِبُوهُنَّ}؟!

ويروي الطبري عن السدي أن “أم كجة” هى امرأة عبد الرحمن أخو حسان الشاعر، توفى زوجها وتركها وخمس أخوات، فيقول: “حدثنا محمد بن الحسين قال: حدثنا أحمد بن مفضل قال: حدثنا أسباط، عن السدي: يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين، كان أهل الجاهلية لا يورثون الجواري ولا الصغار من الغلمان، لا يرث الرجل من ولده إلا من أطاق القتال، فمات عبد الرحمن أخو حسان الشاعر، وترك امرأة يقال لها أم كجة، وترك خمس أخوات، فجاءت الورثة يأخذون ماله، فشكت أم كجة ذلك إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فأنزل الله تبارك وتعالى هذه الآية: فإن كن نساء فوق اثنتين فلهن ثلثا ما ترك وإن كانت واحدة فلها النصف ثم قال في أم كجة: ولهن الربع مما تركتم إن لم يكن لكم ولد فإن كان لكم ولد فلهن الثمن” ([31])

ورواية أخرى يرويها الطبرى عن سبب نزول قوله تعالى: {لِّلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِّمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِّمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ..} “عن ابن جريج، عن عكرمة قال: نزلت في أم كحلة وابنة كحلة، وثعلبة وأوس بن سويد، وهم من الأنصار. كان أحدهم زوجها والآخر عم ولدها، فقالت: يا رسول الله، توفي زوجي وتركني وابنته، فلم نورث! فقال عم ولدها: يا رسول الله، لا تركب فرسا، ولا تحمل كلا ولا تنكى عدوا، يكسب عليها ولا تكتسب! فنزلت: “للرجال نصيب مما ترك الوالدان والأقربون وللنساء نصيب مما ترك الوالدان والأقربون مما قل منه أو كثر نصيبا مفروضا” ([32])، ويذكر محمود محمد شاكر، محقق التفسير متفقاً مع (الحافظ ابن حجر العسقلانى) الذي روى هذه الرواية عن الطبرى في كتابه “الإصابة فى تمييز الصحابة”، ولكنه ذكر (أى ابن حجر)  أن أسم المرأة هى أم كجة وليست أم كحلة فيقول: “ذكر الحافظ رواية الطبري وقال فيها: “نزلت في أم كجة، وبنت أم كجة، وثعلبة، وأوس بن ثابت” فخالف نص الطبري في هذا الموضع، في”أم كجة”، و”أوس بن ثابت” كما ترى. وكانت في المطبوعة: “أم كحة” وبنت كحة بالحاء المهملة، والصواب بضم الكاف وتشديد الجيم المفتوحة، كما ضبطها الحافظ في الإصابة” ([33]).

وإذا جرى الإحتجاج بأن الإجماع، كان هو المُحدد لنصيب الأنثيين بالثلثين، فهذا الإجماع مردود على (حد تعبير القرطبى)، فى تفسيره لقوله تعالى: {فإن كن نساء فوق اثنتين فلهن ثلثا ما ترك}. فرض الله تعالى للواحدة النصف، وفرض لما فوق الثنتين الثلثين، ولم يفرض للثنتين فرضا منصوصا في كتابه؛ فتكلم العلماء في الدليل الذي يوجب لهما الثلثين ما هو؟ فقيل: الإجماع وهو مردود؛ لأن الصحيح عن ابن عباس أنه أعطى البنتين النصف؛ لأن الله عز وجل قال: فإن كن نساء فوق اثنتين فلهن ثلثا ما ترك وهذا شرط وجزاء” ([34])

وإذ يبدو هكذا أن سكوت القرآن عن تحديد مقدرا نصيب الأنثيين، لم يكن فحسب المعضلة التي واجهت الفقهاء والمفسرين، لا سيمَّا أن مقدار حظ الأنثيين هو المقدار الذى يقدر به حظ الذكر، وقد سكت القرآن عن تحديد حظ المقدارين (أى مقدار الذكر، ومقدار الأنثيين)، وفي حين أن لفظ “مثل” فى قوله تعالى: “للذكر مثل حظ الأنثيين”، هو “ما جعل مثالا أي مقدارا لغيره يحذى عليه، مثلت الشيء بالشيء إذا قدرته على قدره” ([35])، فإنه قد تم تفسيره من قِبل الفقهاء والمفسرين على أنه يعنى التساوى، أى أن “حظ الذكر يساوى مثلي حظ الأنثى، وحظ الأنثى نصف حظ الذكر” ([36])

وإذا جاز القول بحسب الفقهاء أن حظ الذكر يساوى حظ الأنثيين، وقد تم تحديد نصيب الأنثيين بالثلثين، فهل أعطى الفقهاء والمفسرون الذكر الثلثين نصيب الأنثيين!! بل نراهم قد ذهبوا مذهبًا آخر، “فقد أجمعوا على أن ميراث الابن الواحد إذا انفرد فله جميع المال” ([37])، ويستدل الرازى بذلك من دلالة قوله “”للذكر مثل حظ الأنثيين”، فإن هذا يدل على أن نصيب الذكر مثل نصيب الأنثيين، ثم قال تعالى في البنات “وإن كانت واحدة فلها النصف” فلزم من مجموع هاتين الآيتين أن نصيب الابن المفرد جميع المال” ([38])

وتبعًا لذلك فإذا كان الرازي يستدل بأن للولد إذا انفرد يأخذ كل المال بآية “للذكر مثل حظ الأنثيين”، فلماذا لم يأخذ نصيب الأنثيين الذى أجمعوا أنه الثلثين؟!، وأيضًا يستدل بأنه “وإن كانت واحدة فلها النصف” فلماذا لم يعطوا الأنثيين إذا انفردوا المال كله؟!

وإذ يبدو أن الحُجة وهى (القياس على قوله: “للذكر مثل حظ الأنثيين”) التي استند عليه الفقهاء والمفسرين فى تحديد نصيب كلا من الأنثيين والذكر فى حالة الإنفراد، لم تكن بالحُجة الكافية القاطعة، إذ راح المفسرون يعللوا حكم انفراد الذكر بجميع المال، فيقول الرازى: “أن خرج المرأة أقل؛ لأن زوجها ينفق عليها، وخرج الرجل أكثر لأنه هو المنفق على زوجته، ومن كان خرجه أكثر فهو إلى المال أحوج. الثاني: أن الرجل أكمل حالا من المرأة في الخلقة وفي العقل وفي المناصب الدينية، مثل صلاحية القضاء والإمامة، وأيضا شهادة المرأة نصف شهادة الرجل، ومن كان كذلك وجب أن يكون الإنعام عليه أزيد. الثالث: أن المرأة قليلة العقل كثيرة الشهوة، فإذا انضاف إليها المال الكثير عظم الفساد.

والرابع: أن الرجل لكمال عقله يصرف المال إلى ما يفيده الثناء الجميل في الدنيا والثواب الجزيل في الآخرة، نحو بناء الرباطات، وإعانة الملهوفين والنفقة على الأيتام والأرامل، وإنما يقدر الرجل على ذلك لأنه يخالط الناس كثيرا، والمرأة تقل مخالطتها مع الناس فلا تقدر على ذلك.

الخامس: روي أن جعفرا الصادق سئل عن هذه المسألة فقال : إن حواء أخذت حفنة من الحنطة وأكلتها، وأخذت حفنة أخرى وخبأتها، ثم أخذت حفنة أخرى ودفعتها إلى آدم، فلما جعلت نصيب نفسها ضعف نصيب الرجل قلب الله الأمر عليها، فجعل نصيب المرأة نصف نصيب الرجل. ولما كان الذكر أفضل من الأنثى قدم ذكره على ذكر الأنثى، كما جعل نصيبه ضعف نصيب الأنثى” ([39])

ولعل يلزم التنويه أن هذه العلل قد تبدو في جوهرها علل اجتماعية تاريخية، وبما ينطوى على ذلك بالضرورة من دلالات عديدة أهمها أن الحكم المعلل هو كذلك حكمًا اجتماعيًا تاريخيًا، إذ ارتباط الحكم ببعض العلل والشروط يجعل منه فى حد ذاته حكمًا غير مطلق، ناهيك على أنه حكمٌ فقهي لا قرآني، فالقرآن لم يصرح بأن نصيب الذكر ضعف الأنثى، وأن نصيب الأنثى نصف نصيب الذكر، وكذلك دلالة أن الإجماع الحاصل هو أيضًا إجماعًا تاريخيًا، ناتجًا عن ثقافة أبوية ذكورية قائمة على التمييز بين الرجل والمرأة، أبت أن تعطى المرأة نصيب مساوي للرجل فى الميراث، بل أبت فى البداية أن تعطى المرأة أى نصيب من الميراث، إذ “أنهم فى الجاهلية كانوا يورثون الذكور دون الإناث، “ولما نزلت الفرائض التي فرض الله فيها ما فرض للولد الذكر والأنثى والأبوين، كرهها الناس أو بعضهم، وقالوا: “تعطى المرأة الربع والثمن وتعطى الابنة النصف، ويعطى الغلام الصغير، وليس من هؤلاء أحد يقاتل القوم ولا يحوز الغنيمة !! اسكتوا عن هذا الحديث لعل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ينساه، أو نقول له فيغيره”. فقال بعضهم: يا رسول الله، أنعطي الجارية نصف ما ترك أبوها، وليست تركب الفرس ولا تقاتل القوم، ونعطي الصبي الميراث وليس يغني شيئا؟! وكانوا يفعلون ذلك في الجاهلية، لا يعطون الميراث إلا من قاتل، يعطونه الأكبر فالأكبر” ([40])

 

التعصيب والحُجب:

ولقد كان لصمت القرآن عن كثير من أحكام المواريث، سببًا في صياغة المفسرين لبعض المفاهيم ليفسروا بها ما سكت القرآن عنه، ومن هذه المفاهيم “التعصيب والحُجب”، فالتعصيب هو إعطاء ما تبقى من المال بعد توزيع الفرائض لأقرب ولي عصبة ذكر، بالاستناد الى حديث عن الرسول (ص) “ما أبقت السهام فلا ولى عصبة ذكر”، وقد إستخدموا هذا المفهوم عندما أجمعوا أن الإبن إذا انفرد أخذ المال كله، لأن الابن عصبة ذكر، وهو أقرب العصبات إلى الميت، ولما كان الابن آخذاً لكل ما بقى من السهام وجب فيما إذا لم يكن سهام أن يأخذ الكل، وكذلك استخدموه فى ميراث الأبوين فى قوله تعالى: {وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِن كَانَ لَهُ وَلَدٌ..}، وإذ توضح هذه الآية أن نصيب الأبوين السدس وذلك إذا ترك المتوفى ولدٌ، ولفظ الولد فى الإستخدام القرآنى شاملاً الذكور والإناث، وذلك كما فى قوله تعالى: “يوصيكم الله فى أولادكم…”، أى إذا ترك المتوفى ولداً ذكراً كان أو أنثى، كان للأبوين كل واحد منهما السدس.

إلا أن جمهور الفقهاء “على أن الولد هو الذكر دون الأنثى” ([41])، وذلك “أن يحصل مع الأبوين ولد ذكر واحد، أو أكثر من واحد، فههنا الأبوان لكل واحد منهما السدس، وأن يحصل مع الأبوين بنت واحدة فههنا للبنت النصف، وللأم السدس وللأب السدس بحكم هذه الآية. والسدس الباقي أيضا للأب بحكم التعصيب” ([42])

وكذلك قد أجمع الفقهاء والمفسرون على أنه ليس لبنات الابن ميراث مع بنات الصلب، أما أبناء الابن “الذكور” فيرثون مع بنات الصلب، واختلفوا حول إذا كان أولاد الابن ذكوراً وإناثاً، فمنهم من ذهب “كأبو ثور وداود أنه إذا استكمل البنات الثلثين أن الباقي لابن الابن دون بنات الابن كن في مرتبة واحدة مع الذكر أو فوقه أو دونه، أما جمهور فقهاء الأمصار فقالوا: إنه يعصب بنات الابن فيما فضل عن بنات الصلب فيقسمون المال للذكر مثل حظ الأنثيين، وبه قال علي -رضي الله عنه- وزيد بن ثابت من الصحابة” ([43])

أما ما يخص بنو البنات فقد أجمعوا على أنهم لا يرثون مع أولاد الصلب لأنهم من ذوو الأرحام، “وذوو الأرحام هم بنو البنات، وبنات الإخوة، وبنو الأخوات، وبنات الأعمام، والعم أخو الأب للأم فقط، وبنو الإخوة للأم، والعمات، والخالات، والأخوال، وقد أجمع الفقهاء أنه لا ميراث لهم” ([44])

أما مفهوم الحُجب، فقد تناولوا هذا المفهوم عندما فسروا قوله تعالى:فإن كان له أخوة فلأمه السدس…”، هذه الآية توضح أن المتوفى الذى يترك أباً وأماً وإخوة، فللأم السدس، ويسكت القرآن عن نصيب الأب والإخوة، وقد أجمع المفسرون على أن الإخوة حجبوا الأم من الثلث إلى السدس، وأجمعوا على أن الإثنان من الإخوة يحجبون بعد الإختلاف حول عدد الإخوة الذين يحجبوا الأم، واحتجوا بقوله “فإن كنا نساء فوق إثنتين…” فيقول الرازى: “لأنا رأينا أن الله تعالى نزل الأنثين من النساء منزلة الثلاثة فى باب الميراث، ألا ترى أن نصيب البنتين ونصيب الثلاثة هو الثلثان، فهذا الاسقراء يوجب أن يحصل الحجب بالأختين، كما أنه حصل بالأخوات الثلاثة، فثبت أن الأختين يحجبان، وإذا ثبت ذلك فى الأختين لزم ثبوته فى الأخوين، لأنه لا قائل بالفرق” ([45])

والغريب أن الرازى يقول أن الله نزل الأنثين من النساء منزلة الثلاثة فى الميراث، ولكن الله لم يقل ذلك كما رأينا، ولعل الرازى نفسه قد ادرك أن حُجته غير مقنعة البتة، ولم يجد سوى الإجماع ليسوقه حُجة فى هذا الموضع، فيقول: “وهذا إشكال لأن إجراء القياس فى التقديرات صعب لأنه غير معقول المعنى،….، إلا ان هذا الطريق غاية فى الضعف، واعلم أنه تأكد هذا بإجماع التابعين، والأصح فى أصول الفقه أن الإجماع الحاصل عقيب الخلاف حُجة. ([46])، ولكن ابن عباس الذى دائما يخالف الإجماع يقر بأن الأثنين من الإخوة لا يحجبون الأم، ويحتج بأن لفظ الإخوة جمع، وأقل الجمع ثلاثة على ما ثبت فى أصول الفقه.

وإذا كان القرآن قد سكت فى هذ الآية عن نصيب الأب والإخوة، فنجد المفسرين قد أجمعوا على أن الأب يرث كل الباقى وهو خمس اسداس سدس بالفرض والباقى بالتعصيب، فى حين أن الإخوة لا يرثون ويكتفون بحجب الأم من الثلث إلى السدس، فلماذا إذن لم يعط المفسرون الإخوة نصيباً من الميراث؟ والحُجة التى يسوقها ابن العربى فى ذلك أن الإخوة غير محددين من هم، ولم يحدد نصيبهم، فيقول: “فإن قيل: يعطى للإخوة، قلنا: ومن هم؟ أو كيف يُعطى لهم؟ فيكون القول مشكلاً غير مبيّن ولا مُبين، وهذا لا يجوز” ([47])، ولعل لو دقق ابن العربى نظره فى القرآن قليلا سيجد أن عدم التحديد هو النهج الذى اتبعه القرآن فى معظم أحكام المواريث، لا سيمَّا نجد ابن عباس يخالف الإجماع كعادته، ويقر بأن الإخوة يرثون السدس الذى حجبوا الأم عنه.

ولئن كان الخطاب الفقهى قد جعل من الذكورة شرطًا أساسيًا من شروط المواريث، فقد جعل الخطاب القرآنى في المقابل من القرابة والنسب والدم “صلة الرحم”، شروطًا ومعايير تُفرض على أساسها الفرائض، حيث كان التعصيب والذكورة أساس المواريث فى الجاهلية، والتي جاء القرآن ليغيرها لا ليقرها، وإذا كان الحديث أقر بالتعصيب فهو مجرد إقرارًا بواقع قائم، وليس حكمًا مطلقًا، خاصة إذا كان ذلك يتنافى مع شروط المواريث التي أقرها القرآن([48])

وإذ يبدو أن إجماع الفقهاء على أن نصيب الذكر ضعف نصيب الأنثى ليس مقصورًا فحسب على أولاد الصلب، بل وكذلك في “ميراث الأب والأم”، إذ “متى إجتمع الرجل والمرأة من جنس واحد كان للذكر مثل حظ الانثيين، فالابن مع البنت كذلك والأخ مع الأخت كذلك، وأيضا الأم مع الاب كذلك” ([49])، ففى قوله تعالى: {فَإِن لَّمْ يَكُن لَّهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُۚ..} هذه الآية توضح نصيب الأم بالثلث فى ثلاث حالات، الأولى: فى حال وفاة الزوجين إن لم يكن لهم ولدٌ، وأقر المفسرون أن الأب يأخذ الثلثين منهم السدس بالفريضة فى قوله “لأبويه لكل واحد منهما السدس مما ترك إن كان له ولد”، والنصف الباقى بالتعصيب، وهذه الحالة كانت محل اتفاق بين الفقهاء والمفسرين، والحالة الثانية: والتى حظت كذلك باتفاقهم فى حال وفاة الزوج فالزوجة الربع وفقاً لقوله: {وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إِن لَّمْ يَكُن لَّكُمْ وَلَدٌ..} (النساء: 12)، والأم الثلث والباقى للأب، أما الحالة الثالثة: والتى كانت محل خلاف بينهم هى فى حال وفاة الزوجة، فيكون نصيب الزوج النصف وذلك وفقاً لقوله: { وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ إِن لَّمْ يَكُن لَّهُنَّ وَلَدٌ..} (النساء: 12)، ويكون نصيب الأم الثلث، ويأخذ الأب الباقى، وهذا قول (ابن عباس)، لكن المفسرين قد أجمعوا على أن الأم تأخذ ثلث مابقى بعد إخراج نصيب الزوج، لأنه لو أخذت ثلث المال كله فبذلك ستأخذ ضعف الأب، ويخالفهم بن عباس بقوله “لا أجد فى كتاب الله ثلث ما بقى”

ومن ذلك فإذا جاز القول بأن إجماع العلماء، قد حل محل النص القرآنى حينما صمت النص عن الكلام، فلم يكتف الإجماع بالحضور فى حالة سكوت القرآن فحسب، بل يحضر كذلك فى حالة منطوقه.

وبالتالى فمن خلال تعامل الخطاب القرآنى مع أحكام المواريث، يتضح مدى مرونة القرآن، وعدم إطلاقيته للأحكام التي كانت سبب تشريعها تفاعل وحوار بين القرآن من جهة والواقع الذى تنزلت فيه من جهة أخرى، ومع ذلك لم يغلقها على ذلك الواقع فحسب، بل ظلت مفتوحة لتعددية القراءة والتأويل وفقًا لمقتضيات وتغيرات الواقع، فرأيناه كيف سكت عن حظ الأنثيين، وكذلك عن حظ الذكر، فى آية يعتبرها المفسرون القاعدة الأساسية لكل أحكام المواريث، ورأيناه يستخدم ألفاظًا عامة لا يخصصها، مثل لفظ الأم، والإبن، والأخوة، فلفظ الأم لفظ عام يشمل الأم والجدة، وكذلك لفظ الأولاد يشمل الأبناء والأحفاد، ولفظ الإخوة، فلم يخصصهم بإخوة الأم أو إخوة الأب أو كليهما، وقد تساءل المفسرون عن ذلك، فالرازى الذى يتساءل هل يتناول لفظ الأب والأم الأجداد والجدات، يقر بإمكان ذلك إذ يقول: “لا شك أن ذلك واقع بدليل قوله تعالى: “نعبد إلهك وإله آبائك ابراهيم واسماعيل واسحق” ([50])، ولكنه يتراجع إذ يتصل الأمر بفرض نصيب من الميراث للأجداد، فيقول: “والأظهر أنه ليس على سبيل الحقيقة فإن الصحابة اتفقوا على أنه ليس للجد حكم مذكور فى القرآن” ([51])، وكذلك لفظ الأم دال على “كل إمرأة لها عليك ولادة ويرتفع نسبك إليها بالنبوة كانت منك على عمود الأب أو على عمود الأم وكذلك من فوقك” ([52])، ومع ذلك فقد نفوا أن الجدة ترث الثلث النصيب المفروض فى هذه الآية، “ولا يفرض لها الثلث بإجماع، فخروج الجدة من هذا اللفظ مقطوع به” ([53])

ويتكرر نفس الموقف فى لفظ أولادكم فى قوله: “يوصيكم الله فى أولادكم …” وبالمثل يقر المفسرون أن اللفظ عام يقع على ولد الصلب، وولد الابن كذلك، قال تعالى (يا بنى آدم)، وقال الذين فى زمان الرسول(ص) (يا بنى إسرائيل) ([54])، ومع ذلك نفوا أن ولد الإبن له نصيب من الميراث فى هذه الآية، لأن إذا “كان فى ولد الصلب ذكر، لم يكن لولد الولد شيئ، وهذا مما أجمع عليه أهل العلم” ([55])

ميراث الكلالة:

ويتوالى سكوت القرآن عن معظم أحكام المواريث، وهذا إن دل على شيئ فإنما يدل على مرونة القرآن الذى يسمح بالإجتهاد والتأويل وتعددية القراءة، ففى قوله تعالى: {وَإِن كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلَالَةً أَوِ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا السُّدُسُ ۚ فَإِن كَانُوا أَكْثَرَ مِن ذَٰلِكَ فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ…} (النساء: 12)، وقوله: {يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلَالَةِ ۚ إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ ۚ وَهُوَ يَرِثُهَا إِن لَّمْ يَكُن لَّهَا وَلَدٌ ۚ فَإِن كَانَتَا اثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا الثُّلُثَانِ مِمَّا تَرَكَ ۚ وَإِن كَانُوا إِخْوَةً رِّجَالًا وَنِسَاءً فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنثَيَيْنِ ۗ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَن تَضِلُّوا ۗ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ}(النساء: 176)، وقد وجد المفسرون أنفسهم إزاء معضلة أمام لفظ الكلالة، فها هو عمر بن الخطاب الذى يجتهد فى القرآن أيما إجتهاد يقول فى الكلالة “إنها لم تتبين لى” ويقول: “إنى لا أدع بعدى شيئاً هو أهم عندى من الكلالة، وفى رواية أخرى أهم عندى من الجد والكلالة، وما راجعت رسول الله (ص) فى شيئ ما راجعته فى الكلالة وما اغلظ لى فى شيئ ما اغلظ لى فيها حتى طعن بإصبعه فى صدرى وقال يا عمر أما تكفيك آية الصيف يعنى الآية التى فى آخر سورة النساء” ([56])، وعلى الرغم من إلحاح عمر على الرسول ليوضح له معنى الكلالة “إذ كان يطلب من الرسول النص القاطع للعذر” ([57])، إلا أنه عليه السلام حمله على الإجتهاد بالأخذ من اللغة ومُقاطع القول ومرابط البيان ومفاصله، وذلك(على حد تعبير ابن العربى)، الذى يقر بأن هذا النص يجوز فيه الإجتهاد، والتكلم بالرأى المستفاد. ([58])

وبالطبع إختلف المفسرون حول معنى الكلالة، فذهب (ابو بكر) إلى القول بأن الكلالة من لا ولد له ولا والد، أما (عمر بن الخطاب)، فيروى المفسرون له روايتين، رواية وهى التوقف، وكان يقول: ثلاثة إن يكون بينها الرسول (ص) لنا أحب إلى من الدنيا وما فيها: الكلالة، والخلافة، والربا، والرواية الأخرى يقر بأن الكلالة من لا ولد له فقط، واحتج بقوله تعالى: “قل الله يفتيكم فى الكلالة إن إمرؤ هلك ليس له ولد…” قال: لأن المذكور ههنا فى تفسير الكلالة: هو أنه ليس له ولد ([59])، والواضح هنا أن عمر قد إحتج بالآية التى أشار الرسول إليها عندما سأله عن معنى الكلالة، وعلى الرغم من إستناد عمر إلى حُجة يسوقها ليقر بأن الكلالة من لا ولد له فقط، سواء كانت الرواية المنسوبة إلى الرسول (ص) التى يسأله فيها عن الكلالة، أو الآية الأخيرة من سورة النساء التى يحتج بها أيضاً، وذلك فى حين عدم إستناد أبو بكر إلى أى حُجة يعتمد عليها ليقر بأن الكلالة هو من لا ولد له ولا والد، إلا أن المفسرين قد أجمعوا على الأخذ بقول أبو بكر بل جعله الرازي هو المختار والقول الصحيح، ويكاد المرء يتعجب من إجماع المفسرين على الأخذ بقول أبو بكر وترك قول عمر، عمر بن الخطاب الذى نزل القرآن موافقاً له فى كثير من المسائل، ذكر السيوطى فى منظومته “قطف الثمر فى موافقات عمر”، أن القرآن الكريم نزل موافقاً لعمر بن الخطاب فى ست عشر مسألة، حتى قال عبد الله بن عمر: ما نزل بالناس أمر قط فقالوا فيه وقال فيه عمر إلا نزل فيه القرآن على نحو ما قال عمر” ([60])، فما السبب وراء إجماع المفسرين على الأخذ بقول أبو بكر وترك قول عمر؟!

وإلى جانب الإشكال الذى طرحه لفظ الكلالة من حيث المعنى، فهناك إشكال آخر يطرحه اللفظ من حيث وجوده فى آيتين مختلفتين فى الأحكام، ولم يجد المفسرين من حل هذا التباين بين أحكام الآيتين سوى أن يجمعوا على أن الأخ والأخت فى آية “وإن رجل يورث كلالة أو إمرأة وله اخ أو أخت فلكل واحد منهما السدس…” المراد بهما الأخ والأخت للأم، أما الأخوة المذكورين فى آخر السورة هم إخوة المتوفى لأبيه وأمه، أو لأبيه، بل ونجد المفسرون ينسبون إلى (سعد بن ابى وقاص) قراءة غير التى فى المصحف المتعارف عليه “العثمانى” وهى “له أخ وأخت من أمه” !! ([61])، هذا ما أجمع المفسرون عليه على الرغم من أن القرآن لم يخصص الأخوة بأنهم للأب أو للأم أو لكليهما.

من بعد وصية يوصي بها:

وهكذا إذا كان القرآن لم يجعل من أحكام المواريث أحكامًا مطلقة وجازمة، بل هى أحكامًا مشروطًة بسياقها الاجتماعى، فإنه علاوة على ذلك أعطي الإنسان حرية فى توزيع ماله وذلك وفقًا للوصية التى يتركها بعد وفاته، وذلك فى قوله تعالى: “من بعد وصية يوصى بها أو دين” هذه الآية التى ترد فى القرآن خاتمة لمعظم آيات المواريث، قال تعالى: { يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ ۖ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنثَيَيْنِ ۚ فَإِن كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ ۖ وَإِن كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ ۚ وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِن كَانَ لَهُ وَلَدٌ ۚ فَإِن لَّمْ يَكُن لَّهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ ۚ فَإِن كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ ۚ مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ..} (النساء: 11)، وقال تعالى: { وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ إِن لَّمْ يَكُن لَّهُنَّ وَلَدٌ ۚ فَإِن كَانَ لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمُ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْنَ ۚ مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ ۚ وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إِن لَّمْ يَكُن لَّكُمْ وَلَدٌ ۚ فَإِن كَانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُم ۚ مِّن بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ ۗ وَإِن كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلَالَةً أَوِ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا السُّدُسُ ۚ فَإِن كَانُوا أَكْثَرَ مِن ذَٰلِكَ فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ ۚ مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَىٰ بِهَا أَوْ دَيْنٍ غَيْرَ مُضَارٍّ ۚ وَصِيَّةً مِّنَ اللَّهِ ۗ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَلِيمٌ} (النساء: 12).

وفى حين أن الخطاب القرآني قد راح يطرح فضاءات متعددة للمعنى ناتجة عن تعددية الخطابات من جهة، فالخطاب الإجتماعي القرآني إنما ينطوي بداخله على خطابين خطاب إجتماعي مرحلي مرتبطًا بالسياق الإجتماعي الذي تنزل فيه (كالمواريث على سبيل المثال)، وخطاب آخر كلى جوهرى مجاوزا لذلك السياق الاجتماعى (كالوصية)، وتعددية المخاطَبين من جهة أخرى إذ ليس المخاطَبين بالقرآن هم فحسب أولئك الذين تلقوه عن النبي الكريم فعليا، بل كل من يأتي بعدهم أيضا، فإن الخطاب الفقهي قد مضى يطرح فضاء واحد للمعنى ثابت ونهائي، فعلى الرغم من أن الفقهاء والمفسرين قد أكدوا “أن ظاهر الآية يقتضى جواز الوصية بكل المال وبأى مال أريد” ([62])، بل ويستندوا إلى حديث عن الرسول يوافق ذلك “ما روى عن نافع عن ابن عمر قال: قال رسول الله (ص): “ما حق إمرء مسلم له مال يوصى به ثم تمضي عليه ليلتان إلا ووصيته مكتوبة عنده” ([63])، فيؤكد الرازى أن هذا الحديث يدل على الإطلاق فى الوصية، إلا أنهم أجمعوا أن الآية مخصوصة بدلالة القرآن والسنة، القرآن لوجود الآيات الدالة على المواريث، والسنة إستنادًا إلى حديث الرسول (ص): “الثلث والثلث كثير إنك إن تترك ورثتك أغنياء خير من أن تدعهم عالة يتكففون الناس” ([64]).

لقد طرحت هذه الآية إشكالا قد واجه المفسرون أنفسهم، لأنهم إعتقدوا أن هذه الآية قد تتناقض مع آيات المواريث، لذا لم يجدوا طريقًا لنفى ذلك التناقض المُتوهم، سوى أن يقروا بأن الأية قد خُصصت بحديثين عن الرسول (ص) الأول، يوضح أن الوصية بالثلث لا أكثر، أما الحديث الثانى وهو “لا وصية لوارث”، الذى يؤكد الرازى أنه تخصيص لعموم الآية، وذلك لأنه لا يجوز الوصية لوارث ([65]).

وإذا كان الرازى لم يجرؤ على الإقرار بأن هذا الحديث قد نسخ الآية، وإستخدم لفظ تخصيص بدلاً من النسخ، إلا أن سابقه الشافعى لم يتحرج من التأكيد على أن حديث “لا وصية لوارث” قد نسخ آية الوصية، فيؤكد أن إذا كانت الآية تحتمل معنيين وتُثبت الميراث مع الوصية، فوجب نسخ إحداهما بالأخرى، (ومحتملة بأن تكون المواريث ناسخة للوصية) كما قال، فلما كان الكتاب غير مبين أى الآيتين ناسخة للأخرى، لذا وجب البحث فى السنة، فيقول: “فلما احتملت الآيتان ما وصفنا، كان على أهل العلم طلب الدلالة من كتاب الله، فما لم يجدوه، نصا فى كتاب الله، طلبوه فى سنة رسول الله، فإن وجدوه فما قبلوا عن رسول الله فعن الله قبلوه، بما افترض من طاعته” ([66])، وبالتالى نُسخت آية الوصية، المنصوصة نصاً صريحا فى القرآن، بحديث آحاد منسوب إلى الرسول(ص) “لا وصية لوارث”، ويأخذ الشافعى هذا الحديث من أهل الفتيا وأهل العلم بالمغازى، فيقول: “ووجدنا أهل الفتيا ومن حفظنا عنه من أهل العلم بالمغازى، من قريش وغيرهم، لا يختلفون فى أن النبى قال عام الفتح: “لا وصية لوارثٍ، ولا يُقتل مؤمن بكافرٍ” ([67])

ومن خلال الرجوع إلى أهل الفتيا الذى أخذ الشافعى عنهم الحديث، لنأخذ مثلا “مالك” الذى كان يُعتبر واحدًا من أشهر أهل الفتيا في عصر الشافعى، فمالك لم يعتد حديث “لا وصية لوارث” حديثاً نبوياً، بل أدرجه فى عداد سنة أهل المدينة المجتمع عليها فيقول: “السنة الثابتة عندنا التى لا إختلاف فيها: أنه لا يجوز وصية لوارث، إلا أن يُجيز له ذلك ورثة الميت، وأنه إذا أجاز له بعضهم وأبى بعض، جاز له حق من أجاز منهم، ومن أبى أخذ حقه من ذلك” ([68])، وكذلك لم يدرج بخارى ومسلم هذا الحديث فى صحيحهما، علاوة على ذلك فقد يتعارض هذا الحديث، والحديث الذى خصص الوصية بالثلث فقط “الثلث والثلث كثير إنك تترك ورثتك أغنياء…”، مع الحديث الذى يدل على الإطلاق فى الوصية “ما حق إمرئ مسلم له مال يوصى به..”.

ومن ثمَّ فإذا كانت المواريث هي من قبيل الخطاب المرحلي الظرفي، فإن الوصية هى من قبيل الخطاب المقاصدي الكلي القائم على مبادىء جوهرية “كالحرية والمساواة والعدالة”، علاوة على ذلك فقد كان المقصد القرآنى من تشريع المواريث، مقصدًا قيميًا قائم على تأسيس المساواة بين الذكر والأنثى، إذ عنى بفرض نصيب للنساء من الميراث فى مجتمع كانت الذكورة هى حجر أساسه، ومع ذلك لم يحدد مقادير تلك الأنصبة بشكل قاطع ومطلق بل ظلت منفتحة على الزمن لكى يتم تأويل وقراءة هذا الخطاب الإجتماعى “المواريث” بل ومعظم الخطابات الإجتماعية المرحلية لصالح الخطابات الكلية الجوهرية خاصة إذا كانت هذه الأخيرة قائمة على مبادىء جوهرية تتصف في كونها ذات طابع وجوديّ، وهو ما يجعلها مبادئ تتجاوز الزمان والمكان، وذلك فى حين أن الأحكام والحدود الإجتماعية تتسم بالمرحلية الظرفية، إذ ارتبط تشريعها بالواقع الإجتماعى آنذاك.

 

قائمة المصادر والمراجع: 

[1]) انظر، منصور فهمي، أحوال المرأة في الإسلام، منشورات الجمل، وأيضأ،  فخر الدين الرازى، مفاتيح الغيب، أو (التفسير الكبير)، ت: سيد عمران، دار الحديث، القاهرة، ج5، ص195، 196

[2]) ابن العربى، أحكام القرآن، ج1، ص426

[3]) فخر الدين الرازى، مفاتيح الغيب، أو (التفسير الكبير)، ت: سيد عمران، دار الحديث، القاهرة، ج5، ص188

[4]) ابن العربى، أحكام القرآن، دار الكتب العلمية، بيروت، ج1، ص430، 431، وأخرجه البخارى فى كتاب الوصايا، باب:(أن يترك ورثته أغنياء خير من أن يتكففوا الناس)، حديث رقم (2742)، ومسلم فى كتاب الوصية، باب (الوصية بالثلث)، حديث رقم (1628).

[5]) ابن العربى، أحكام القرآن، ج1، ص433، وأخرجه البخارى فى كتاب التفسير، باب (يوصيكم الله فى أولادكم)، حديث رقم (4577)

[6]) ابن العربى،أحكام القرآن، ج1، ص436

[7]) فخر الدين الرازى، ج5، ص197، وانظر كذلك، ابن العربى، أحكام القرآن، سبق ذكره، ج1، ص436

[8]) انظر، فخر الدين الرازى، التفسير الكبير، سبق ذكره، ج5، ص197

[9]) القرطبى، الجامع لأحكام القرآن، دار الفكر للطباعة والنشر، ج5، ص56، 57

[10]) الرازى، سبق ذكره، ج5، ص198

[11]) القرطبى، سبق ذكره، ج5، ص56

[12]) القرطبى، الجامع لأحكام القرآن، دار الفكر للطباعة والنشر، ج5، ص51

[13]) انظر، الرزاى، مفاتيح الغيب، سبق ذكره، ج5، ص196، والنياسبورى، أسباب النزول، ت: محمد عبد القادر شاهين، دار الكتب العلمية، بيروت، 76

[14]) الطبرى، جامع البيان عن تأويل القرآن، مكتبة ابن تيمية، الطبعة الثانية، تحقيق: محمود محمد شاكر، ج8، ص 36

[15]) الطبرى، جامع البيان عن تأويل القرآن، الهامش، ص 36

[16]) الذهبى، سير أعلام النبلاء، مؤسسة الرسالة، 2001م، ج6، ص205

وذكره كذلك بعض من علماء الجرح والتعديل، “كابن أبى حاتم الرازى” فى كتابه (الجرح والتعديل) فقال: “عن عبد الرحمن عن أبو زرعة عن الحميدى قال قال سفيان: كان بن عقيل فى حفظه شيء فكرهت أن القيه. عن عبد الرحمن قال قريء على العباس بن محمد الدورى عن يحيى بن معين أنه قال عبد الله بن محمد بن عقيل ضعيف فى كل أمره. عن عبد الرحمن قال سألت ابى عن عبد الله بن محمد بن عقيل فقال: لين الحديث، ليس بالقوى ولا ممن يحتج بحديثه” انظر بن أبى حاتم الرازى، الجرح والتعديل، دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الأولى، 1952م، ج5، ص153، 154. وانظر، علاء الدين مُغلطاى بن عبد الله البكجرى، إكمال تهذيب الكمال فى أسماء الرجال، ت: أبو عبد الرحمن عادل بن محمد، أبو حمد أسامة ابراهيم، الفاروق الحديثة للطباعة والنشر، 2001، ج8، ص178، 179.

[17]) انظر ابن العربى، أحكام القرآن، سبق ذكره، ج1، ص449

[18]) لسان العرب، مادة (قرب)

[19]) السخاوى، فتح المغيث بشرح ألفية الحديث، ت: عبد الكريم بن عبد الرحمن الخضير، محمد بن عبد الله آل فهيد، دار المنهاج للنشر والتوزيع، الرياض، ج2، ص283، وهناك من العلماء من فرق بين اللفظ إذا كان بفتح الراء أو بكسرها، : “مقارِبُ الحديث، أو مقارَبُ الحديث: “بفتح الراء، وبكسرها، فهو لفظ تعديل، فإن كان بكسرها، فهو مقارب لحديث الثقات، وإن كان بفتحها، فمعناه، أن حديث الثقات يقربُ منه، وقال بعضهم: إذا كان بفتح الراء، فهو تجريحٌ، بمعنى أنه رديءٌ” انظر، أبي الحسن المآربي، شفاء العليل بإلفاظ وقواعد الجرح والتعديل، ت: مقبل بن هادى الوداعى، مكتبة ابن تيمية، القاهرة، الطبعة الأولى، 1991م، ص142.

أما ابن العربى فقد رأى أن المعنى واحد، إذا كان بالفتح أو الكسر، فيقول: “مقارب الحديث يروى بفتح الراء وبكسرها وبفتحها قرأته، فمن فتح أراد أن غيره يقاربه فى الحفظ، ومن كسر أراد أنه يقارب غيه فى الحفظ، فهو فى الأول مفعول، وفى الثانى فاعل، والمعنى واحد” انظر، ابن العربى، عارضة الأحوذى بشرح صحيح الترمذى، دار الكتب العلمية، بيروت، ج1، ص16.

[20]) ابن رشد، بداية المجتهد ونهاية المقتصد، ت: فريد عبد العزيز الجندى، دار الحديث، القاهرة، ج4، ص126، وابن العربى، عارضة الأحوذى بشرح صحيح الترمذى، دار الكتب العلمية، بيروت، ج1، ص16

[21]) السخاوى، فتح المغيث بشرح ألفية الحديث، سبق ذكره، ج2، ص284.

[22]) صحيح بخارى، كتاب الفرائض، (باب ميراث الولد من أبيه وأمه)، وكذلك مسلم لم يذكر الحديث عن ابن عقيل، أما أصحاب السنن كالترمذى، وابن ماجه، والحاكم فى المستدرك، فقد ذكروه ولكن باختلاف الأسانيد التى روت عن ابن عقيل!! فروى الترمذى فى (باب ما جاء في ميراث البنات)، “عن عبد بن حميد حدثني زكرياء بن عدي أخبرنا عبيد الله بن عمرو عن عبد الله بن محمد بن عقيل عن جابر بن عبد الله قال: جاءت امرأة سعد بن الربيع بابنتيها من سعد إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت يا رسول الله هاتان ابنتا سعد بن الربيع قتل أبوهما معك يوم أحد شهيدا وإن عمهما أخذ مالهما فلم يدع لهما مالا ولا تنكحان إلا ولهما مال قال يقضي الله في ذلك فنزلت آية الميراث فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى عمهما فقال أعط ابنتي سعد الثلثين وأعط أمهما الثمن وما بقي فهو لك قال أبو عيسى هذا حديث حسن صحيح لا نعرفه إلا من حديث عبد الله بن محمد بن عقيل وقد رواه شريك أيضا عن عبد الله بن محمد بن عقيل” انظر، الترمذى، السنن، حديث رقم (2092)

ورواه ابن ماجه فى (باب فرائض الصلب)، “عن محمد بن أبي عمر العدني حدثنا سفيان بن عيينة عن عبد الله بن محمد بن عقيل عن جابر بن عبد الله قال: جاءت امرأة سعد بن الربيع بابنتي سعد إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت يا رسول الله هاتان ابنتا سعد قتل معك يوم أحد وإن عمهما أخذ جميع ما ترك أبوهما وإن المرأة لا تنكح إلا على مالها فسكت، رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أنزلت آية الميراث فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم أخا سعد بن الربيع فقال أعط ابنتي سعد ثلثي ماله وأعط امرأته الثمن وخذ أنت ما بقي” انظر، سنن ابن ماجه، حديث رقم (2720)

أما الحاكم، فقد رواه عن أحمد بن سلمان، الفقيه ثنا هلال بن العلاء الرقي، ثنا أبي، ثنا عبيد الله بن عمرو الرقي، عن عبد الله بن محمد بن عقيل، عن جابر، رضي الله عنه” انظر، “المستدرك على الصحيحين حديث رقم” (8024)

[23]) النياسبورى، أسباب النزول، ت: محمد عبد القادر شاهين، دار الكتب العلمية، بيروت، ص76

[24]) ابن حجر العسقلانى، الإصابة فى تمييز الصحابة، المكتبة العصرية، بيروت، الطبعة الأولى، 2012م، ص2029

[25]) ابن حجر، الإصابة، سبق ذكره، ص2029

[26]) ابن حجر العسقلانى، الإصابة، سبق ذكره، ص2029

[27]) القرطبى، سبق ذكره، ج5، ص42.

[28]) انظر، النياسبورى أسباب النزول، سبق ذكره، ص76، وفخر الدين الرازى، سبق ذكره، ج5، ص187.

[29]) إذ هى وفقاً للواحدى النياسبورى فى أسباب النزول، هى “أم حجة”، فيروى “إن أوس بن ثابت الأنصاري توفي وترك امرأة يقال لها: أم حجة وثلاث بنات له منها، فقام رجلان: هما ابنا عم الميت ووصياه، يقال لهما: سويد وعرفجة، فأخذا ماله ولم يعطيا امرأته ولا بناته شيئا، وكانوا في الجاهلية لا يورثون النساء ولا الصغير وإن كان ذكرا، إنما يورثون الرجال الكبار، وكانوا يقولون: لا يعطى إلا من قاتل على ظهر الخيل وحاز الغنيمة. فجاءت أم حجة إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقالت: يا رسول الله إن أوس بن ثابت مات وترك علي بنات وأنا امرأته، وليس عندي ما أنفق عليهن، وقد ترك أبوهن مالا حسنا وهو عند سويد وعرفجة، لم يعطياني ولا بناته من المال شيئا، وهن في حجري، ولا يطعماني ولا يسقياني ولا يرفعان لهن رأسا. فدعاهما رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقالا يا رسول الله، ولدها لا يركب فرسا، ولا يحمل كلا، ولا ينكي عدوا. فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: انصرفوا حتى أنظر ما يحدث الله لي فيهن. فانصرفوا، فأنزل الله تعالى هذه الآية (يقصد قوله تعالى للرجال نصيب مما ترك الوالدان..)” أسباب النزول، مصدر سابق، ص76.

أما فخر الدين الرازى، فيروى نفس الرواية دون ذكر أسم الزوجة، ويذكر فحسب بأنها امرأة أوس فيقول: “إن أوس بن ثابت الأنصاري توفي عن ثلاث بنات وامرأة، فجاء رجلان من بني عمه وهما وصيان له يقال لهما: سويد، وعرفجة وأخذا ماله. فجاءت امرأة أوس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وذكرت القصة، وذكرت أن الوصيين ما دفعا إلي شيئا، وما دفعا إلى بناته شيئا من المال، فقال النبي صلى الله عليه وسلم” ارجعي إلى بيتك حتى أنظر ما يحدث الله في أمرك” فنزلت على النبي صلى الله عليه وسلم هذه الآية، ودلت على أن للرجال نصيبا وللنساء نصيبا، ولكنه تعالى لم يبين المقدار في هذه الآية، فأرسل الرسول صلى الله عليه وسلم إلى الوصيين وقال: “لا تقربا من مال أوس شيئا” ثم نزل بعد:( يوصيكم الله في أولادكم )، ونزل فرض الزوج وفرض المرأة، فأمر الرسول عليه الصلاة والسلام الوصيين أن يدفعا إلى المرأة الثمن ويمسكا نصيب البنات، وبعد ذلك أرسل عليه الصلاة والسلام إليهما أن ادفعا نصيب بناتها إليها فدفعاه إليها، فهذا هو الكلام في سبب النزول” انظر، التفسير الكبير، سبق ذكره، ج5، ص187

ولعله يلزم التنويه هنا، أنه فى حين أن رواية النياسبورى لم تحدد نصيب الثلاث بنات، وأمهما، وكذلك رواية الرازى لم تحدد كذلك ميراث الثلاث بنات، فإن رواية القرطبى أعلاه قد حددت نصيب الزوجة والثلاث بنات، وإذ جاز القول بأن الرسول ذاته وفقاً لرواية كلٍ من النياسبورى والرازى لم يحدد نصيب الثلاث بنات، هذا النصيب المنطوق به فى القرآن فعلياً، فهل فى رواية أخرى سيصرح بنصيب “الأنثيين”، هذا النصيب المسكوت عنه فى القرآن؟!، علاوة على اشكاليات الرواية (الحديث) من حيث السند والمتن!!

[30]) ابن حجر، الإصابة، ص110

[31]) الطبرى، جامع البيان عن تأويل آي القرآن، ت: محمود محمد شاكر، دار المعارف، مصر، ج8، ص31،32

[32]) الطبرى، سبق ذكره، ج7، ص598، 599

[33]) الطبرى، سبق ذكره، الهامش، ج7، ص598، ونسوق رواية ابن حجر عن الطبرى، فيقول: “أن الطبري أخرج من طريق بن جريج عن عكرمة قال نزلت في أم كجة وبنت أم كجة وثعلبة وأوس بن ثابت وهم من الأنصار أحدهما زوجها والآخر عم ولدها قالت يا رسول الله مات زوجي وتركني فلم نورث فقال عم ولدها لا تركب فرسا ولا تحمل كلا ولا تنكأ عدوا وأخرجه بن أبي حاتم من طريق محمد بن ثور عن بن جريج قال بن عباس نزلت في أم كلثوم وبنت كجة وثعلبة بن أوس وسويد فذكر نحوه ومن طريق أسباط عن السدي كان أهل الجاهلية لا يورثون الجواري ولا الضعفاء من الذكور فمات عبد الرحمن أخو حسان الشاعر وترك امرأة يقال لها كجة وترك خمس جوار فجاء العصبة فأخذوا ماله فشكت أم كجة ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فأنزل الله هذه الآية فإن كن نساء فوق اثنتين فلهن ثلثا ما ترك الآية وأما المرأة فلم يختلف في أنها أم كجة بضم الكاف وتشديد الجيم إلا ما حكى أبو موسى عن المستغفري أنه قال فيها أم كحلة بسكون المهملة بعدها لام وإلا ما تقدم أنها بنت كجة في روايتي بن جريج فيحتمل أن تكون كنيتها وافقت اسم أبيها وأما ابنتها فيستفاد من رواية بن جريج أنها أم كلثوم”، انظر الإصابة، سبق ذكره، ص2029

[34]) القرطبى، سبق ذكره، ج5، ص56

[35]) لسان العرب، مادة “مثل”

[36]) انظر ابن العربى، أحكام القرآن، ج1، ص452

[37]) ابن رشد، بداية المجتهد ونهاية المقتصد، ت: فريد عبد العزيز الجندى، دار الحديث، القاهرة،ج4، ص125

[38]) الرازى، سبق ذكره، ج5، ص199

[39]) الرازى، التفسير الكبير، ج5، ص199، 200

[40]) الطبرى، جامع البيان عن تأويل آي القرآن، ج8، ص32

[41]) ابن رشد، بداية المجتهد، سبق ذكره، ج4، ص127

[42]) الرازى، التفسير الكبير، ج5، ص204، وانظر كذلك، ابن العربى، أحكام القرآن، ج1، ص456

[43]) ابن رشد، بداية المجتهد، سبق ذكره، ج4، ص126

[44]) ابن رشد، مصدر سابق، ج4، ص124

([45] ) الرازى، سبق ذكره، ص 223

([46] ) نفسه

([47] )ابن العربى، أحكام القرآن، سبق ذكر، ج1، ص 440

[48]) وإذا كان القرآن قد جعل القرابة شرطاً من شروط الميراث، فقد أبيَّ الفقهاء والمفسرون ذلك، واختلفوا حول من هم الأقربون، فأبو بكر الرازى عرف الأقربون على أنهم ذوى الأرحام من العمات والخلات والأخوال واولاد البنات من الأقربين، فوجب توريثهم لوجوب دخولهم تحت قوله تعالى “للرجال نصيب … وللنساء نصيب”، أما الرازى فيقول أن الأقربون هم من كان أقرب الناس، وما ذاك إلا الوالدان والأولاد، والآية ما تناولت ذوى الأرحام، لان توريث ذوى الأرحام ليس من باب ما عرف بدليل قاطع باجماع الأمة” انظر، الرازى، التفسير الكبير، سبق ذكره، ج5، ص188، 189

وفى الآية الثانية أقر ابن عباس أن هذه الآية منسوخة، بل أعدها من ثلاث آيات ترك الناس العمل بهما، ومنهم من ذهب أنها تفيد حكماً لا على سبيل الفرض والإيجاب وإنما على سبيل الندب والاستحباب “لأنه لو كان فرضاً لكان استحقاقا فى التركة ومشاركة فى الميراث، لأحد الجهتين معلومٌ وللاخر مجهول، وذلك مناقض للحكمة، وسبب للتنازع والتقاطع” انظر، القرطبى، الجامع لأحكام القرآن، سبق ذكره، “وأن هذا الندب إنما يحصل إذا كانت الورثة كباراً، أما إذا كانوا صغاراً فليس إلا القول المعروف، وهذا المذهب هو الذى صار عليه فقهاء الأمصار” انظر، الرازى، سبق ذكره، ج5، ص190، فصار وفقا للإجماع أن الحكم فى الآية إنما على سبيل الندب وليس الفرض.

[49]) الرازى، سبق ذكره، ج5، ص206

[50]) الرازى، سبق ذكره، ج5، ص

[51]) الرازى، التفسير الكبير، ج5، ص201

[52]) ابن العربى، أحكام القرآن،

[53]) ابن العربى، أحكام القرآن، ج1، ص455

[54]) الرازى، التفسير الكبير، ج5، 200

[55]) القرطبى، الجامع لأحكام القرآن، سبق ذكره،

[56]) ابن العربى، أحكام القرآن، سبق ذكره،

[57]) ابن العريى، أحكام القرآن، ج1، ص469

[58]) انظر، ابن العربى، أحكام القرآن، ج1، ص469

[59]) الرازى، التفسير الكبير، ج5، 213

[60]) محمد رواس، موسوعة فقه عمر بن الخطاب، دار النفائس، الطبعة الأولى، 1981، ص 888

[61]) القرطبى، سبق ذكره، وانظر كذلك ابن رشد، بداية المجتهد، ج4، ص129

[62]) الرازى، التفسير الكبير، ج5، ص215

[63]) الرزاى، التفسير الكبير، ج5، ص215

[64]) الرازى، التفسير الكبير، ج5، ص216

[65]) الرازى، التفسير الكبير، سبق ذكره، ج5، ص216

[66]) الشافعى، الرسالة، دار التأصيل، تحقيق: أحمد محمد شاكر، ص 138، 139

[67]) الشافعى، الرسالة، ص139

[68]) مالك، الموطأ، دار الحديث، تحقيق: محمد فؤاد عبد الباقى، ص 529

    اقرأ ايضا

    المزيد من المقالات

    مقالك الخاص

    شــارك وأثــر فـي النقــاش

    شــارك رأيــك الخــاص فـي المقــالات وأضــف قيمــة للنقــاش، حيــث يمكنــك المشاركــة والتفاعــل مــع المــواد المطروحـــة وتبـــادل وجهـــات النظـــر مــع الآخريــن.

    error Please select a file first cancel
    description |
    delete
    Asset 1

    error Please select a file first cancel
    description |
    delete