ما وراء الأصول: الجزء الثالث…”الأصل والقانون”

تكوي

أولًا، الخير والشر، من الوثنية إلى التوحيد

ألا يُثير التساؤل أنّ أغلب الديانات فيما مضى من تاريخ البشرية ديانات تعددية؟ وهو ما يؤسس لسؤالٍ أبعد: لماذا إذًا وقع التحول من التعددية إلى التوحيد؟ نميل إلى الاعتقاد أن السبب الراجع إلى طبيعة تلك الديانات هو محاولة التوصل إلى صورة عامة مُتسقة مع الوجود، تضمُّ الدوائر الأساسية الثلاث: الإنسانية والطبيعية والإلهية، مع بنية معينة تُفسر وقوع الشر في العالم الإنساني. قد يكون هذا الشر مرضًا قاتلًا يصيب طفلًا صغيرًا لا يستحق ما يعذبه ويعذب أبويه، وقد يكون كارثة كبرى تودي بحياة المئات أو الآلاف بلا تمييز، من ثم لا يمكن تفسير وقوع الشر دائمًا بما هو “عقوبة” عادلة. ولهذا اتجه القدماء في عصور سحيقة، لم يتجاوز متوسط عمر الإنسان فيها الثلاثين وسط كوارث وأمراض وآلام وعذابات، إلى افتراض مجمَع من الآلهة متضاربة الإرادات، هي أقرب إلى البشر منها إلى صورة الإله الواحد المنزَّه. وإذا كان الإله منزَّهًا فعلًا عن نقائص البشر، فمن المنطقي أن يكون واحدًا، إذ كيف نُفسر وجود أكثر من إلهٍ منزَّه؟ وما الحاجة إلى افتراض الكثرة مع التنزيه أصلًا؟

ومع نشأة الدولة بعد الاستقرار الذي أدى إليه اختراع الزراعة منذ 12 ألف سنة تقريبًا، ومع حاجة الناس إلى تسجيل سِيَر الملوك والزعماء، نشأ التاريخ الذي نعرفه منذ حوالي ستة آلاف عام الذي لم يزل بعدُ تاريخًا للدول والحروب والثورات، بدلًا من أن يصير تاريخ الفن أو الاقتصاد أو أنماط العمل والإنتاج أو السكّان أو الأجناس البشرية. لم تزل الدولة بأشكالها المختلفة: دولة المدينة أو الإمبراطورية أو الدولة القومية الحديثة أو الشكل الجامع للإمبراطورية مع الدولة القومية مثل: روسيا الاتحادية والولايات المتحدة اليوم، هي الشخصية الأساسية على خشبة مسرح التاريخ. ومع تطور تلك الدولة عبر عدة آلاف من السنين التي ساعدت على مزيد من الاستقرار، ووقاية الشعوب جزئيًا من الأوبئة والمجاعات التي صار لها جيش منظم يحمي مواردها وشعبها، انحسرت الشرور إلى حد ما، وظهرت الحاجة إلى مركزية عقدية أشد، وصار الإنسان يُفكر في تصور أكثر عدالة مع الإنسان وأكثر تنزيهًا للإله، ومن ثمَّ شَرَعَ يتخيل حلًا جديدًا لمشكلة الشر.

وربما كانت الديانة اليهودية أول الخيط التي من حقنا كذلك أن نستبعد كونها أول محاولات التوحيد في شكل دين منظَّم، بيد أنها نقطة بداءة ملائمة ينطبق ما ينطبق عليها كذلك على ما يسبقها من محاولات. وهنا افترض الإنسان من أجل إكساب التصور العام سمة الاتساق، مبدأ التوبة؛ أن تكون أمام الإنسان الفرصة لتغيير مصيره بإرادته وجُهده الفردي الخاص، فلا عدل في إيقاع الشر بفرد معين بوصفه شريرًا بالتكوين والفطرة، لكن هذا المبدأ لا يكفي وحده لتفسير الأمثلة الواردة في صدارة المقال مثل: العذاب الحاقِّ بطفلٍ لم يبلغ بعد مَبْلغَ الرَّشَادِ الذي يُتيح لاختياراته أن تكون ذات معنى، ومن ثمَّ افترض الناس مبدأ آخرًا لا ينفكُّ عن الأول وعن طبيعة الحياة الدنيا، وهو مبدأ الابتلاء؛ أنّ بعض الشرور الدنيوية ليست عقابًا أصلًا، بل هي اختبار لإيمان الفرد. وإذا كان الله المتعالي المُنزَّه العليم بغير حاجة إلى اختبار الفرد لمعرفة حقيقة معدنه، فهذا الفرد ذاته في حاجة إلى اختبار، وإلا حاججَ يوم الحساب لأنه لم يختبَر، ولعله إنِ اختُبِر، من الصالحين. بعبارة أخرى: إن الشرور الدنيوية ليست شرورًا أصلًا، فإما هي عقابٌ مُستحَقّ، وإما هي اختبار لبيان مدى الاستحقاق ونوعه. يقوم هذا التصور إذًا على نفي الشر عن الإله في ذاته وفي أفعاله.

وكانت أزمة اليهودية تَقيُّدها بشعبٍ معينٍ، أما مع المسيحة ثم الإسلام فقد تحققت شروط انتشار هذا التصور التوحيدي الذي صار يشمل أغلب المتدينين في عالم اليوم. وحتى المُلحد فإنه يُنكر وجود إلهٍ لا آلهة. وهو ما يتسق مع افتراض قدرة هذا التصور التوحيدي على البقاء، ولا ينقضه الصراع بين التوحيد والتعدد مثل: صراع أخناتون مع الكهنة والرجوع إلى التعدد بعد وفاته، ولا استمرار ديانة كبرى تعددية مثل: الهندوسية التي لم تُحقق انتشارًا عابرًا للحدود بين الأجناس والقوميات على كل حال، وكما هي حال المسيحية والإسلام.

اقرأ أيضا: إشكاليّات العدل الإلهي في الأديان التوحيدية جزء الأول: في العقاب الجماعي

ومن المنطقي طلبًا لمزيدٍ من الاتساق أن ينعكس هذا التصور التوحيدي تدريجيًا على طبيعة التشريع الديني، فلا يُمكن أن نعتقد في عدالة الإله المطلَقة، ونعتقد في الآن نفسه أن التشريع غير عادلٍ، وبهذا صار علينا أن نفهم الأوامر والنواهي في سياق من التفعيل العملي يؤدي إلى وصفها بالعدل، وهذا السياق المذكور هو علم أصول الفقه في حالة الإسلام. إذًا فإن من أهداف علم أصول الفقه الأساسية تحقيق تصور يُوصف بالعدل لمجموع التشريعات القائمة في النصوص الأساسية، وما يُبنَى عليها من تشريعات في مسائل مستجدة. وتفصيلًا لما أُجمل أعلاه: على التشريع أن يكون حافظًا لضرورات ومصالح أساسية، وأن يكون مفهومًا من جهة المُكلَّف، وأن تُفهَم كذلك طبيعة التشريع ذاتها من كونها تكليفًا للإنسان، ومن كونها طالبةً لامتثالِ هذا المُكلَّف ضد دواعي هواه الشخصي. وهو “الوضع الرباعي للشريعة” في صياغة الشاطبي للمقاصد، كما دعوناه فيما سبق من الجزأين السابقين، وفي مواضع أخرى سواهما. ولهذا تُمثل نظرية المقاصد هذا المستوى مما وراء الأصول: الفهم المتسق لمجموع الأوامر والنواهي بما يتسق مع العدالة المُطلَقة. بيد أنها خُطوة غير كافية بذاتها لإنجاز هذه المهمة.

وهنا يأتي دور نظرية الحق التي هي غير مصوغَة بطريق مباشر كنظرية المقاصد، ولكنها منطقيًا ضرورية لقيام نظرية المقاصد نفسها. لهذا فإن نظرية الحق في أي نسقٍ تشريعي، مهما كان مفصَّلًا وعميق القرار، هي أساس التشريع والقانون، ذلك أنّ تحديد غايات معينة للنسق التشريعي مثل: حفظ الدين أو النفس أو المال، لا يعني بذاته عدالة هذا النسق، إذ سوف يُثار السؤالُ أيضًا: لماذا يجب أصلًا حفظ هذه الضرورات؟ ومن أي جهة هي ضرورات؟ بمعنى هل هي ضرورة لدى صاحبها أم في الرؤية الإلهية؟ وهو ما يُمكن صياغته بصورة مباشرة كالتالي: هل المال مال الله كي نحفظه، أم أن مقصود الشرع حفظ حقوق الناس من جهة الناس؟ وهو ما يكشف لنا أن الحق هو أصل العدل، فلن يتقدم النسق التشريعي نحو العدالة المطلقة في التصور التوحيدي بمعرفة مقاصده، بل بالبرهنة على صفة العدل فيه كونه يحفظ حقوقًا أصلية، فإن العدل بأعمِّ معانيه هو حفظ الحقوق لمستحقيها.

بناءً على ما سبق فإن نظريَتَي المقاصد والحق تُمثلان مستوى ما وراء الأصول، وأن بناء نظرية المقاصد على أساس نظرية الحق هو الأساس المكين المُكتفي بذاته للنسق التشريعي في الإسلام، وإذا كنا قد استنبطنا عدة معانٍ أساسية للأصل في أصول الفقه، فإنها ليست سواء من جهة مستوى فاعليتها.

ثانيًا: الأصل المزدوج

توصلنا في الجزأين السابقين من هذه الثلاثية إلى ستة معانٍ أساسية للأصل في أصول الفقه، وذلك في مستويين: مستوى الأصول، أي مستوى كل من الأصل الأوّلي والتاريخي والمنطقي-اللغوي، ومستوى أصول الأصول، وهو الخاص بكل من الأصل الغائي والعدلي والميتافيزيقي. إن المعاني الثلاثة الأخيرة للأصل: الغائي والعدلي والميتافيزيقي، يُمكن أن يقوم علم أصول الفقه بصورته التقليدية، وأن يستوفي مطلبه المحدود من دونها، ولكنْ لا يمكنه اكتفاءً بها أن يُرسي الأساس المَكين المذكور أعلاه للنسق التشريعي، وسوف يظل به نقصٌ بَدَهي، وتناقضٌ أحيانًا مع مفهوم حقوق الإنسان الطبيعية. هذه الأصول الثلاثة الأخيرة اجتهادات فيما وراء العلم، تُمثل على نحو الدقةِ ما نعنيه بما وراء الأصول، ليس من الضروري أن يفهم الفقيه غاية التشريع الأساسية، مراد الشارع من وضع الشريعة، كي يجتهد في التشريع، بما يعرض عليه من حالات مستجدَّة تتطلب قياسًا أو استصلاحًا مثلًا. والشاهد على ذلك أن أول إرهاصات نظرية المقاصد جاءت مع الدبوسي، المُتوفَّى في 430 هــ، أي بعد تبلور العلم فعلًا. وحتى هذه الإرهاصات لم تتحول إلى نظرية واضحة إلا مع الجُويني المُتوفَّى في 478 هـ. وحتى مع الجُويني وُظفت نظرية المقاصد توظيفًا أدنَى، بطريقة لا نحتاج إليها إلا في حالة المصالح المُرسلة. وقد استمرَّ هذا الوضع حتى العز بن عبد السلام المُتوفى في 660 هــ. ويمكن القول إن المقاصد لم تتحول إلى غاية التشريع، بمعنى مراد الشارع الأصلي من وضع الشريعة، وبطريق مباشِرٍ إلا مع الشاطبي، المُتوفى في 790 هــ. أما نظرية الحق التي يقوم على أساسها مفهوم الأصل العدلي، فقد تأسست بعد قيام العلم كذلك على يد الدبوسي في القرن الخامس، وتحولت إلى نظرية واضحة على يد البزدوي المُتوفى في 482 هــ، واستمرَّ مُنحناها في الصعود والهبوط بحسب قوة ظهورها وفعاليتها حتى العصر الحديث. وأما الأصول الميتافيزيقية التي بدأت في القرن الخامس مع ابن حزم المُتوفى في 456 هـ، فلم تظهر بقوة إلا في الفترة المتأخرة من حياة العلم. وهنا ملاحظتان: الأولى، أن هذه الأصول الثلاثة: الغائي والعدلي والميتافيزيقي، قد ظهرت في القرن الخامس، بعد اشتداد عود العلوم الإسلامية، مثل: علم أصول الدين وعلوم القرآن وعلم أصول الفقه نفسه بالإضافة إلى علوم اللسانيات عند العرب. والأخرى، أن هذه الأصول الثلاثة ليست أساسية في تكوين العلم، بل هي آخر ثماره وقمة تطوره، وكان الداعي إليها فلسفيًا هو تعليل ما تبحث فيه الأصول الثلاثة الأولى: الأوّلي والتاريخي والمنطقي-اللغوي. إن الأصول الأولى الثلاثة المذكورة تبحث في تشريع قائم، وطريقة تكييفه مع الظروف المستجدَّة، أما الأصول الثلاثة الأخرى: الغائي والعدلي والميتافيزيقي، فهي لا تبحث في التشريع القائم في المستوى نفسه، بل في مستوى أعمق يبحث في الأسس التي عليها قام التشريع القائم.

إقرأ أيضا: عبد السلام بنعبد العالي وقَدَرُ الازدواجية: تمرينٌ لفهم وضعنا الفلسفي المعاصر

ونستخلص من ذلك في النهاية بنية مزدوجة لمفهوم الأصل في علم أصول الفقه: بنية الأصل، وبنية أصل الأصل، وبهذا نصل في الختام إلى الشكل النهائي لمفهوم الأصل مكوَّنًا من مستويين: يقوم أحدهما، مستوى الأصل، على نتائج آخرهما، مستوى أصل الأصل. وقد توصل سعينا في النهاية إلى مجموعتين أساسيتين من النتائج: الأولى، هي مراحل التحول في مفهوم الأصل. وكان أول التحولات المهمة ربما هو الأصل بما هو علة الحُكْم عند الحكيم الترمذي. وبعد نضج منهجية القياس صار للأصل معنى مقدمته الكبرى وما يقاس عليه. وبعد استقرار العلم اصطُلحَ على معنى الأصل المقصود بطريق عام في علم أصول الفقه: “ما يَثبت به حُكم غيره”، و “ما ثَبت حُكمه بنفسه”. ومع نضج اللسانيات ظهر الأصل بمعنى الحقيقة مقابل المجاز، واكتسب الأصل معنى المقصد مع ظهور نظرية المقاصد، ثم معنى الحق مع تأسيس نظرية الحق في أصول الفقه. وقد اكتسب الأصل كذلك معنى الأصل التاريخي عند الجُويني في القرن الخامس، ثم معنى المصلحة مع الطُّوفي بين القرنين السابع والثامن. ومع الشاطبي في النصف الثاني من القرن الثامن أُصِّلَت الأصول في الأصول الخمسة، ثم تأصيل الأصول الخمسة في أولها، وهو أصل الدين في “الموافقات“. وفي الفترة المتأخرة والمعاصرة تنوعت استعمالات الأصل على نحو فلسفي ليضاف إلى مفاهيم ميتافيزيقية.

أما المجموعة الأخرى من النتائج فهي تخصُّ بنية مفهوم الأصل. لقد انتهينا إلى بلورة ستة معانٍ أساسية للأصل: الأوّلي والتاريخي والمنطقي-اللغوي والغائي والعدلي والميتافيزيقي. ثم إلى تركيب هذه المعاني الستة في مستويين، يُعلل أحدُهما الآخَرَ، لتُعلل أصولُ الأصولِ: الغائي والعدلي والميتافيزيقي. بقيةَ الأصول: الأوّلي والتاريخي والمنطقي-اللغوي.

ومما نستنتجه من هذا أن مستوى أصول الأصول، المستوى الثاني في البنية، هو ما يمكن أن نطلق عليه “فلسفة أصول الفقه”، وهو الجدير بالبحث الفلسفي، لأن المستوى الأول، مستوى الأصول، مستوى تقني، لا نجد فيه نظرياتٍ، بل مناهج وإجراءات.[1] صحيح أن المنهج كذلك جدير بالبحث تمامًا كالنظرية، ولكن طبيعة المنهج المقصود خاصة بأصول الفقه، ولا يمكن فهمها بمعزل عنه، وليست منهجًا عامًّا للمعرفة، هذا وإن كان يمكن أن نشتقَّ منه مبادئ لتفسير النص، لكن فقط إذا ما افتقرنا إلى علم نظري مُتَبلور يجمع تلك المبادئ تجميعًا نسقيًّا.[2] إن المُهمة الأساسية لعلم أصول الفقه تنحصر في منهجية استنباط الأحكام الشرعية، ولا يُمكن حمله على غير وجهه إلا بتكلُّف نظري واضح، وإيغال غير محمودٍ في التأويل.[3]

لكن المستوى الآخر، مستوى أصول الأصول، هو الذي يبدو لنا المدخلَ الفلسفي المُمكن لهذا العلم. فنظرية المقاصد تهدف بالأساس إلى فهم الغايات القصوَى للشريعة، وخلف تلك الغايات التي يستقرئها الأصولي من الأحكام تقبع مُوَجِّهات نظرية معينة، تتعلق بالطبيعة الإلهية والطبيعة الإنسانية. نعني أن وراء المقاصد مبادئ ميتافيزيقية معينة هي التي توجه الأصولي، وهي النظرية التي يشتمل عليها الأصل الغائي، أما الأصل العدلي فيتعلق بالدرجة الأولَى بنظرية الحق، وهي مبحث جوهري في فلسفتي الحق والقانون، في حين يشتمل الأصل الميتافيزيقي على أعمِّ التصورات الميتافيزيقية المتعلقة بالوجود والعدم والماهية والطبيعة. صحيح أن الأصوليين لم يتوسّعوا في تلك المباحث الميتافيزيقية في علم أصول الفقه، لكن استعمالاتهم للأصل مُضافًا إلى تلك المصطلحات بالذات لم يكن عبثًا، ولم يكن عن غير وعي، خاصةً وأنها تساوقت مع مراحل نضج الفلسفة الإسلامية والتأثر بالفلسفة الغربية.

وإلى جانب هذه النتائج الأساسية توصلنا كذلك إلى نتائج فرعية مهمة، مثل آلية التأصيل والاستئصال، وذلك في تعبيرات الأصوليين من قبيل: “ما له أصل“، و “ما لا أصل له“. وقد شاع –كما كشف عن ذلك التتبع التاريخي في الجزء الأول- مثل هذه التعبيرات مع نضج المصطلح، وتحديد الأصول، فأمكن للأصولي أن يستبقي ويستبعد وأن يؤصل ما استبقاه وأن يستأصل ما استبعَده. وقد لوحظَ كذلك في القسم الأول التاريخي كيف أن التوسع في آليات الاجتهاد يُفضِي تلقائيًا إلى التوسع في مفهوم الأصل وتنوع معانيه واستعمالاته والعكس صحيح. وقد وقع هذا التوسع في معاني الأصل في مستويين: أفقي في تنوع معانيه، ورأسي في نَظْم هذه المعاني في نسق تراتبي يُركّبها في بنية محددة، كما نجد في نظريتي الحق والمقاصد مثلًا.

ومن النتائج الفرعية بنية سلسلة الأصل-الفرع، فالأصل أساس الفرع، والفرع أساس فرع الفرع. و”فرع الفرعِ” يناظر مستوى “أصل الأصل”. وربما أمكن للباحث في المستقبل أن يغلق الدائرة، فيستكشف مفهوم الفرع وعلاقته بالأصل وإلى أي مستوى وأي مدًى تفرَّعت الأصول والفروعُ.

كما كشف بحثنا أيضًا عن أصول زمانية تتعلق بالتراكم التاريخي مثل: الأصل التاريخي وأصول مكانية لا تعتمد على الحركة في التاريخ، بل على بنية هندسية منطقية أو لسانية، كما في الأصل المنطقي-اللغوي. ومن معني الأصل اللغوية، كما سبقت الإشارة في التقديم، “المنشأ و “المنبَت”، وهو معنى زماني، فهو يتعلق بالتكوين، وفيه عنصر الحركة. هذا بينما نجد من معاني الأصل اللغوية الأساس أو القاعدة، وهو يفتقد عنصرَ الحركة ويدل على الأساس النظري البحت، الذي ينبني عليه نسقٌ ما، بحيث لا يصح اعتقاد فرعي إلا بالاعتقاد الأصلي. وهو ما يكشف عن النواة اللغوية للمفهوم التي تحكّمت في معناه وسمحت بدءًا باستعمالاته العديدة الواردة في كل ما سبق. وبالإضافة إلى الأصل الزماني مثل: التاريخي، والأصل المكاني مثل: المنطقي-اللغوي، هناك الأصل المجرد غير الزماني وغير المكاني، الذي لا يتعلق بأبعاد الزمان والمكان مثل: أصل الوجود أو أصل الماهية، وهي الأصول الميتافيزيقية. وفي مقابل الأصل المجرَّد يمكن القول كذلك بالأصل الزمكاني، أي الذي يُمثل نقطة تقاطع ضرورية بين الزمان والمكان، كي نعرِفه مثل الأصل الأوّلي، فالأصل الأوّلي المُعبِّر عن الحالة الأولَى للقانون يفترض أولًا أن نحدد كونه سابقًا في التاريخ وأساسًا في النسق.

ومن أهم النتائج الفرعية أيضًا ما يمكن أن ندعوه في هذا المقام بالدوْر اللغوي-التاريخي الذي يعني أننا حين نقول “أصل اللغة“، ونعني الاستعمال الأصلي للفظ ما في تلك اللغة، فإنما نقيم حججَنا على نتائج بحث تاريخي في الواقع. وهذا ما سبقت الإشارة له في موضعه بصدد الحديث عن الجصاص. بعبارة أخرى كيف يمكن لنا التحقق من معنى الألفاظ من دون بحث تاريخي علمي مُدقِّق؟ وهو ما يَردُّ هذا الجانب من اللسانيات إلى علم التاريخ، ويَردُّ هرمنيوطيقا النصّ إلى التاريخ. وتحتاج هذه الإشكالية، إشكالية الدور اللغوي-التاريخي إلى بحث قادم، يَقَفُ على هذه المسألة بالذات.

والملاحَظ أخيرًا أن الأصوليين حتى حينما تصوَّروا الأصل العدلي، أي الحقوق بما هي أصول بعيدة للشريعة، لم يقيموا بنيانَ العلم على هذا التصور، فظل هذا المفهوم كامنًا بلا فاعلية حقيقية. ونعني بالفاعلية هنا، وكما أُشير إليه في تقديم هذا المقال، أن تأصيل لقانون بعامة لا بُد وأن ينتهي إلى الحقوق، لأن القانون يعتمِد على الغاية منه، والغاية هي إقامة العدل، ولا تصوُّر عن العدل بلا تصوُّر عن الحق، بل أبعَد من ذلك، إذا حاولنا القيام بعملية تأصيل جذرية فسوف تنتهي بنا الحال إلى الحق الطبيعي تحديدًا، لأنه الحق البدهي الذي يشترك فيه الناس ولا تحدده سلطةٌ معينة. وقد قدمت الشريعة في نصوصها الأساسية أحكامًا، لكنها لم تقدم إعلانًا بالحقوق. والشاهد على ذلك أن ما توصل إليه الأصوليون من حقوق في الصياغات المختلفة لنظرية الحق عبر تاريخ أصول الفقه مُستنبَط من الأحكام، وربما من الواقع الاجتماعي كما هي الحال لدى الدبوسيّ، لا مِن الطبيعة البشرية.[4] وهو ما يعني أن الشريعة صمتت بإزاء تصوُّر الحق الطبيعي، ما يعني بالتبعية مشروعية الاعتقاد فيه.

لكن بناء النسق الأصولي على الحق الطبيعي لا يدعم سلطة الفقهاء، إذ يأخذ من أيديهم زمام الاجتهاد جزئيًا. علي أية حال وكما رأينا مع الدبوسي والطوفي، فهناك محاولات راسخة في تصور النسق التشريعي لبناء القانون على الحقوق والمصالح، ولكن لم يُكتَب لها الاستمرار ولا السيادة لأسبابٍ نظريةٍ استكشفنا بعضَها في هذه الثلاثية، وغيرها،[5] وعواملَ تاريخيةٍ-اجتماعيةٍ، يمكن فهمها عمومًا، لكن يصعب استكشافُها بدقةٍ، نظرًا إلى عدمِ الدقةِ الواردِ دائمًا في المصادرِ التاريخية، ومن ثمَّ عزوفِنا عن إعادة بناء نماذج تاريخية ناقصة، أو مزيَّفَة.

ثالثًا: العلاقة العمومية بين أصول الفقه وفلسفة القانون

1-موضع نظرية الحق في علاقة أصول الفقه بفلسفة القانون

النتيجة التالية في الأهمية هي طبيعة الحق في أصول الفقه. وقد سبق بحث العلاقة بعامة في التشريح الخارجي لنظرية الحق، وتُمثّل نظرية الحق لُبَّ العلاقة بين علم أصول الفقه وفلسفة القانون، لأن الموقف من القانون يحدده الموقف في الحق. وأغلب إشكاليات علم أصول الفقه –مثل مباحث الألفاظ مثلًا- وثيقة الصلة بالمصادر الشرعية الأربعة: الكتاب، السنة، الإجماع، القياس، ورغم ذلك فإن الإشكاليات الأساسية مشتركة مع فلسفة القانون، مثل الإشكاليات المتعلقة بطبيعة التشريع والحق والقانون والموقف من المعرفة والقيمة. فالغزالي في مُستصفاهُ مثلًا في تصوره عن أصول الفقه يُعيد بناءها على أصول الدين، وخصوصًا نظرية القيمة، فينفي الحُسن والقُبح العقليين بدءًا ليقيم أصوله المعتمدة على النصّ[6]. وإن الشاطبي في الموافقات يبني الأصول على أصل التعليل، ويُفنِّد محاولات إبطاله، وذلك لإعادة تصور الأصول على أساس المقاصد بوصفها عللًا غائية للشريعة[7]. وكلٌّ من الغزالي والشاطبي يطرح إشكالية مهمة في فلسفة القانون هي: مصدر القيمة، وهل القيمة مستقلة عن الأمْر Command أم أن وجودها مرهون به؟[8] وليس أغلب مصنفات أصول الفقه على هذه الدرجة من الجذرية والنسقية التي تمتع بها بحث كلًّا من الغزالي والشاطبي، لكن المُصنف سواءً أطرح الإشكالية مباشرةً أم لا يقوم على موقف منها، قد يكون صريحًا أو ضمنيًا.

ويمكن تقسيم أصول الفقه إلى أربعة أقسام رئيسة: الأدلة، وهي المصادر الشرعية، والاستدلال، وهو مباحث اللغة والقياس التي تتخذ من الأدلة مادة لفاعليتها، والأحكام، وهي أحكام الوضع أي كيفية الإلزام القانوني وشروطه، وأحكام التكليف، أي درجات هذا الإلزام بين الفرض والتحريم، والمقاصد، وهي غايات التشريع الأساسية. وبين هذه الأقسام يَطرح قِسما الأحكام والمقاصد أغلب إشكاليات فلسفة القانون الرئيسة، لذلك يُمكن دراسة أصول الفقه من زاوية اصطلاح فلسفة القانون في هذين القسمين تحديدًا.

ويمكن إضافة مبحث نظرية الحق إلى هذه الأقسام من ناحية الموضوع، لكن الأصوليين لم يطرحوه طرحًا مستقلًّا تحت هذا العنوان، ومع ذلك قد يتجدد العلم ليجمع أغلب الإشكاليات المشتركة بين أصول الفقه وفلسفة القانون في هذا المبحث الجديد.

2أهمية البحث المقارن وغايته

يُفيد البحث المقارن في إدماج اتجاهات نظرية الحق وإشكالياتها في أصول الفقه مع مباحث فلسفة القانون ومذاهبها. وهي خطوة ضرورية للتحوّل من الدرس الأصولي إلى الدرس الفلسفي، ومن البحث التاريخي-الوصفي إلى النقد والإبداع. ويوضِّح البحث المقارن أن إشكاليات مثل: الوضع والطبيعة أو طبيعة القانون ومصدره وطبيعة الحق وغيرها، ليست مُسْقَطَةً من علم على علم، بل هي إشكاليات أصيلة في كل من المجالين، نشأت وتطورت في سياقين مختلفين، وانقسمت إلى مذاهب واتجاهات، لكن يمكن دراستها في تواصل بناء على وحدة الإشكاليات وتشابه المصطلحات، كما يُسهم البحث المقارن إسهامًا كبيرًا في تحديد طبيعة الحق في أصول الفقه على نحو أكثر دقة عن طريق المقارنة. وقد حاول محمد تقي المدرسي دراسة أصول الفقه من منظور فلسفي، وربط مباحثها بمباحث فلسفة القيم والقانون، لكنه لم يبحث الإشكاليات بوصفه فيلسوفًا، بل من منظور المرجع الديني المُلتزِم هو نفسه بمرجعية نصّية وإمامية أعلى، فكان جُهده الذي سبق تحليله نقديًا هو أقصى ما يمكن أن يصل إليه داخل هذه الحدود[9].

3إشكالية الوَضْع والطبيعة بين أصول الفقه وفلسفة القانون

إن دراسة العلاقة بين أصول الفقه وفلسفة القانون جبهة بالغة الاتساع، ولهذا يقتصر هذا الجزء المحدود من هذه الثلاثية على جزء محدود بدوره من هذه الجبهة، غير أنه وثيق الصلة بالموضوع الأساسي للدراسة ككل، هو إشكالية الوَضْع والطبيعة بين أصول الفقه وفلسفة القانون، أو طبيعة الحق (والقانون) بينهما كونه وضعيًا أو طبيعيًا. وهي من أهم إشكاليات فلسفة القانون، فهي التي تسببت في افتراق فلاسفة القانون إلى مذهبين كبيرين: مذهب الوضعية القانونية Legal Positivism، ومذهب القانون الطبيعي Natural Law. ورغم ذلك فهي ليست إشكالية مطروحة مباشرةً في أصول الفقه، فإشكاليات أصول الفقه الهُمَّى هي مستويات الحجّية النقلية والعقلية، ولم تكن طبيعة القانون مجالًا للاهتمام إلى هذا الحد، رغم أنها متضمنة نوعًا في ما سُمي في هذا البحث بنوعي الإباحة: الوضعية والطبيعية، الإباحة الوضعية هي التي تفترض أن المباح مباح بالنصّ، أو أنه يحتاج إلى الإذن، وتقوم على تصور للمباح على أساس الجزاء، أي أنه ما لا ثواب ولا عقاب عليه، أما الإباحة الطبيعية فهي التي تفترض أن المباح مباح بالطبيعة، ولا يُنتظر موقف النص منه، لأنه حاجة أو مصلحة طبيعية. والإباحة الوضعية تعتمد على نص القانون لتُبيح المباح، أما الإباحة الطبيعية فتعتمد على طبيعة الشيء موضوع الحكم نفسه لا يخص ولا يضر أحدًا، وقد غلبت الإباحة الوضعية[10].

4المصطلح والسياق

أول الإشكاليات التي تواجه البحث في هذا السياق هي المصطلح؛ فمصطلح الوَضْع Position في القانون والأصول قد يعني ثلاثة معانٍ متباينة حسبَ السياق:

  • الوضع في أصول الفقه في تعبير (أحكام الوضع)، فيعني وضع الشريعة من ناحية شروط التكليف ودرجاته.
  • الوضع في المجال القانوني العام في تعبير (القانون الوضعي) المُباين للقانون الشرعي، تمييزًا للمَصدر في كل منهما.
  • الوضع في فلسفة القانون في تعبير (مذهب القانون الوضعي) أو (الوضعية القانونيةLegal Positivism) المُباين لمذهب القانون الطبيعي. ويعني الوضع هنا كون القانون وما يقوم عليه من حقوق مفروضًا من سلطة عُليا على أفراد خاضعين لها[11]. وهذا المعنى يُضادُّ المذهب الطبيعي في الحق والقانون، لأن المذهب الطبيعي يؤسس القانون على حقوق أصلية يُقر بها ويصونها. هذه الحقوق في المذهب الطبيعي ليست مفروضة ولا ممنوحة من أية سلطة.

وفي هذا الجزء من الدراسة يُستعمَل الوضع بالمعنى الثالث في فلسفة القانون، فالقضية ليست مُنحصرة في أحكام الوضع، ولا يُغني استعمال الأصوليون قديمًا لهذا المصطلح عن دراسته، فقد استعملوه بمعنى مباينًا تمامًا لما يُستعمَل له في فلسفة القانون، كما أن المسألة ليست مصدر القانون إذا كان النصَّ أو الفتوى الشرعية أو غير ذلك من آليات التشريع والتنظيم للسلطتين التشريعية والتنفيذية في الدولة. المسألة هي طبيعة الحق: هل هو وضعي يمنحه الشارع، أم طبيعي أصلي يتمتع به الإنسان فور ميلاده؟ وعلى أساس الإجابة التفصيلية لهذا السؤال تتحدد طبيعة القانون.

ولا يعني مُجرَّد وجود النص في أصول الفقه تحديد طبيعة معينة للحق والقانون، فقد اعتُرف بالنص بوصفه مصدرَ تشريع لدى الوضعيين، كما اعتُرف به بالصفة نفسها من الطبيعيين: فجون أوستن J. Austin (+1859 م) -وهو من أهم أعلام المذهب الوضعي- يعدُّ القوانين الإلهية قوانينَ Laws بالمعنى الحقيقي للكلمة[12]. ويقِيم نظريته في القانون على أساس نوعين من تلك القوانين الإلهية: قوانين موحىً بها في النص المقدّس بتوسّط اللغة، وقوانين غير موحىً بها لكنها متضمنة في الطبيعة البشرية والاجتماع المدني، وهي قوانين إلهية بدورها لأن الله وضعها كونها فطرةً واستعدادًا في النفس البشرية على انفرادها واجتماعها[13]. وفي الناحية الأخرى ففي اللاهوت المسيحي المُبكر والوسيط ظهر مبدأ القانون الطبيعي بوصفه جزءًا من الشريعة الإلهية، فأوريجن السكندري Origenes of Alexandria (+254 م) قَسَّم الوحي الإلهي إلى ثلاثة أنواع: الإنجيل وشريعة موسى والقانون الطبيعي[14]. وتوما الأكويني (+1274 م) يعدُّ القانون الطبيعي قانونًا إلهيًا قابلًا للتعقل في منطقة مشتركة بين العقلين الإلهي والبشري، وذلك في تفرقته بين القانون السرمدي والقانون الطبيعي والقانون المقدّس والقانون البشري[15]. يرى الأكويني أن العقل البشري حازَ جزءًا من القانون السرمدي الذي وضعه الله، فصارت لدى البشر ميولًا وتوجهات إلى غايات بعينها. هذه الميول والتوجهات هي القانون الطبيعي. وهي فكرة لا تختلف عن فكرة أوستن كثيرًا بصدد أصل القانون الطبيعي[16]. وهذا يعني أن وجود النص من عدمه ليس عاملًا مُحددًا لطبيعة الحق والقانون في ذاته. وتوضح هذه المقارنة السريعة أيضًا أن القانون الطبيعي بوصفه مصطلحًا وإشكالًا لم يظهر بالصورة نفسها صراحةً أو ضمنًا في أصول الفقه كما ظهر عند أوريجن والأكويني فيما يمكن أن يُوصف فلسفةَ قانونٍ أو أصولَ فقهٍ مسيحيٍّ، ويرجع ذلك إلى اتصال التراث المسيحي المُبكر والوسيط بالتراث اليوناني والروماني، الذي نشأت وارتقت فيه هذه الإشكالية، في حين بدأ الفقه وأصوله في الإسلام بداءة جذرية جديدة لا تتصل بتراث سابق تقريبًا عدا النصوص الإسلامية الأولية: القرآن والسنة، كما أن الكنيسة المسيحية كان لها من الأسباب ما جعلها تهتم بهذا المبدأ[17].

إذًا فالحقُّ في أصول الفقه قد يكون طبيعيًا وقد يكون وضعيًا طبقًا لنظرة الأصولي نفسه. ولا يعتمد الأمر على وجود النص المقدّس بأي شكل، لكنه يعتمد بالدرجة الأولى على الموقف من المعرفة والقيمة، أو المعرفة الأخلاقية: هل باستطاعة الإنسان التوصل إلى معايير الأخلاق الأولية على الأقل دون نصٍّ؟ وإلامَ يحتكم الناس اجتماعيًا دون نصٍّ، سواء قبل النص أو مع النص في مسائل لم ترد فيه؟ هل يحتكمون إلى الحق الطبيعي أم لمبدأ المنفعة الاجتماعية أم الإرادة الجمعية أم غير ذلك؟

5النسق العقلي والطبيعيون

لقد مَثَّل النسقَ العقلي-الاجتماعي ترجيحُ الحُسن والقُبح العقليين، والاعتماد على التجربة الاجتماعية في مبدأ المصلحة[18]. وهذا النسق يمكن تفريعه إلى نسقين: نسق عقلي طبيعي ونسق اجتماعي نفعي وضعي. لقد جمع هذا النسق عنصرين متناقضين في الحقِّ: الطبيعة والوضع. تظهر الطبيعة في مبدأ الحُسن والقُبح العقليين، ويظهر الوضع في مبدأ المنفعة. وهذه الفِقرة معنية بعلاقة النسق العقلي بالمذهب الطبيعي في فلسفة القانون، بينما تختص الفِقرة التالية بعلاقة النسق الاجتماعي بمذهب المنفعة في الوضعية القانونية.

والحُسن والقُبح العقليان مبدأ يعتمد على قدرة العقل على التوصل إلى مبادئ الأخلاق الأساسية، ولهذا يمكن عن طريقه -من ناحية المبدأ- التوصل إلى الحقوق الطبيعية. مثلًا أقرَّ الدبوسي بأن الحقوق قد تجبُ عقلًا[19]، وأقرَّ بتحسين العقل للصلاة في نفسها وتقبيح العقل للسفه والعبث[20]، ثم توصل الدبوسي إلى المُباحات العقلية التي تقوم بها الحياة الدنيا من الطبيعة لا النصّ: الحياة، دفع التلف واستمرار النسل، التربية والتعليم، ضمان استمرار النسل بعد وفاة العائل[21]، وكذلك يتوصل العقل لدى الدبوسي إلى مُحرّمات عقلية قد تؤدي حالَ الوقوع فيها إلى الإخلال بالحياة الدنيا: الجهل والظلم والعبث والسفه[22].

وفي مقابل محاولات اكتشاف الحق الطبيعي لدى الأصوليين نجد نظريات الحق الطبيعي عند هوبز Hobbes (+1679 م) ولوك Locke (+1704 م) وروسو Rousseau (+1778 م). يشتقُّ هوبز القانون الطبيعي من الحقوق الطبيعية، فهو يُعرِّف الحق الطبيعي بأنه حق كل إنسان في حفظ حياته[23]، ومن ثم يكون القانون الطبيعي هو قانون عام يكتشفه الإنسان بواسطة العقل، ويُحرّم عليه أن يُدمّر حياته الخاصة، أو يتسبب في ذلك[24]. وبينما يشتق هوبز القانون الطبيعي من الحق الطبيعي، يقوم لوك بالعكس فهو يشتق الحق الطبيعي من القانون الطبيعي؛ وذلك أن الحق الطبيعي عند لوك ليس تلقائيًا ولا تفرضه الطبيعية، بل يفترضه العقل البشري، ويرى لوك أن الحياة قبل التعاقد الاجتماعي كانت على ما يرام سوى أن المِلكية لم تكن محميّة كما يجب، لذلك وجب تأسيس نظام يحمي الملكية الخاصة، وهذا النظام يمكن أن تُشتق منه الحقوق الطبيعية الأساسية: الحياة والصحة والحرية والمِلكية الخاصة[25].

وعند روسو فالقانون الطبيعي الأصلي هو حفظ الرفاهية والحياة، ورفْض أن يتألم مخلوق آخر -خاصة من البشر- أو يموت[26]، وهو ما يعني أن الحق الطبيعي لدى روسو هو الحياة والرفاهية للكل. لكن هذا القانون لا يمكن تفعيله قبل التعاقد الاجتماعي، فلا يُمكن أن يَدينَ أحد لأحد بشيء في حال الطبيعة، أما بعد التعاقد فالإرادة العامة تسيطر على عملية سنّ القوانين بوصفها السلطة العليا تشريعيًا[27].

والملاحَظ أن كُلًّا من الدبوسي وهوبز ولوك وروسو يقدم حق الحياة على ما سواه بوصفه حقًّا متعقَّلًا، ويحدد وظيفة القانون الأولى كونها صيانة الحياة من كل ما يُهلكها أو يتسبب في هلاكها. والجدير بالذكر أن المَدرسي أيضًا قَدَّم الحياة على ما سواها من الغايات، لكنه قدمها بوصفها مقصدًا لا بوصفها حقًّا[28]. والملاحظة الثانية الأهمُّ هي أن الدبوسي على خلاف الفلاسفة الغربيين الثلاثة يقدم الحياة بوصفها حقًّا مباحًا، أي بوصفها حقًّا يُقابل الحرية في التصرف، وذلك تحت عنوان: “مباحات العقول للحياة الدنيا”، في حين يقدمها الفلاسفة الثلاثة كونها حقًا يفرض واجبًا على الآخرين[29]. والدبوسي لا يقدم هذه النظرة إلى حق الحياة لأنها ليست مما يجب حفظه على الآخرين، ولكن لأنها ليست واجبة الحفظ على الآخرين بالعقل، بل بالشرع. وهذا ما أكَّدَتهُ سابقًا عدة مرات، أن التيار الرئيس في نظرية الحق في أصول الفقه لا يقدم مذهبًا في الحق الطبيعي.

6النسق الاجتماعي والنفعيون

النسق الاجتماعي يُقدِّم المصلحة على النصّ، ويقيم التحسين والتقبيح العقليين على المصلحة الاجتماعية العامة لا الذوق الشخصي أو الحس المشترك فحسب، ويمكن تمثيل هذا النسق في الطوفي الذي قَدَّم المصلحة على الإجماع، ثم قدم المصلحة على سائر النصوص[30]، وكان مفهوم المصلحة عنده هو المفهوم الجامع لمفهومي الحق والمقصد[31]. ويُعرِّف الطُوفي المصلحة بأنها السبب المؤدي إلى الصلاح والنفع عرفيًا، والسبب المُؤدي إلى مقصود الشارع اصطلاحيًا، مما يعني أن إرادة المصلحة تتفق مع إرادة الله[32]. ويمكن رسم نسق في نظرية الحق بداءةً من النقاط التي توقف عندها نسقه، فتقديم المصلحة يعني أن الواقع الاجتماعي هو مصدر الحقوق ومصدر التشريع، وأن الحق إذا تعارض مع المنفعة العامة تُرجَّحُ المنفعة، نظرًا إلى أن هذه المصلحة مشروطة بتحقيق مقصد الشارع ورعايته.

وهذه النظرية تتشابه في نقاط أساسية مع نظرية النفعيين في الحق والقانون، فجيرمي بنتام J. Bentham (+1932 م) يُقيم نسقه القانوني على المنفعة بوصفها مبدًا، ويصل في نهايته إلى الوضعية القانونية. يرى بنتام أن القوتين الأساسيتين المسيطرتين على الإنسان هما اللذة والألم، وأن الإنسان لا يُفكر إلا تحت ضغط كلًّا منهما[33]. وتكون المنفعة هي ما يُحقق السعادة واللذة[34]. وبناء على ذلك تكون مصلحة المجتمع في تحقيق سعادة أفراده ومصالحهم[35]. وينفي بنتام أن تكون هناك أية مبادئ إضافية تتحكم في الحياة البشرية غير مبدأ المنفعة، فينقد كلًّا من مبادئ الزهد والتعاطف والمبدأ اللاهوتي والحق الطبيعي[36]، ومن ثم كان لا بُد من القانون ليضمن هذه المنفعة ويستبعد الضرر، فيشتق القانون من المنفعة، وليس من الحق الطبيعي، ليكون تعريفه للقانون: مجموع القوانين التي يُعَبر عنها تعبيرًا شاملًا ومجرَّدًا[37]. وهكذا يصل بنتام إلى الوضعية وينقد القانون الطبيعي وما يتفرع عنه من حقوق الإنسان بوصفها تعبيرات انفعالية لا تُعبر عن واقعة قانونية تجريبية[38]. ويتضح هنا وجه الشبه بين الطوفي وبنتام في اشتقاق القانون من المصلحة، وتقديمها على ما عداها بوصفها الغاية والأصل.

وقد سبقت الإشارة إلى نظرية أوستن التي لا تختلف عن نظرية أستاذه بنتام كثيرًا، لكنه يقوم بخطوة أعمق نحو تنظير مبدأ المنفعة في فلسفة القانون على نحو يجعله وحيًا إلهيًا مُباطنًا. فالوحي الإلهي لديه ينقسم إلى نوعين: نوع موحىً به من طريق اللغة، ونوعٌ يستنبطه العقل من حال النفس البشرية والاجتماع المدني، وهذا النوع الآخر ينقسم إلى: الحس الأخلاقي أو الحس المشترك[39]. وذلك قريب للغاية من فكرة المعتزلة عن الحُسن والقُبح العقليين، والمنفعة الاجتماعية التي تقترب من فكرتهم عن المصلحة، وعن فكرة الطوفي عنها. غير ذلك تتشابه فكرة أوستن الفيلسوف القانوني الوضعي مع فكرة الطوفي عن المصلحة في رؤية كلٌّ منهما للمصلحة نوعًا من الوحي الإلهي أو مقصدًا شرعيًا.

7علاقة الحق الطبيعي بالقانون الوضعي

طرح بعض فلاسفة القانون هذه الإشكالية، مثل إسبينوزا وكانط وهيجل وغيرهم. ونعدُّ هذه الإشكالية ذات أهمية خاصة في مجال أصول الفقه، نظرًا إلى أن أصول الفقه في كل الأحوال يتعامل مع واقع وقانون، هو لا يقوم بسن القانون من نقطة الصفر، بل نشأ علم أصول الفقه والنص تامٌّ والفقه يافعٌ، لذلك من المستحيل تجاهل الطبيعة الوضعية للقانون في الأصول. وفي حالة ظهور نظرية طبيعية للحق في الأصول فسوف تُثار قضية علاقتها بالأحكام القائمة: ما علاقة الحق الطبيعي المُكتشَف بالأحكام (الموضوعة) أو ذات الخاصية الوضعية التي تكون الصورة الوضعية للقانون؟

والمقاصد هي حلقة الصلة بين الحق الطبيعي والحكم الوضعي القائم بالفعل، فالمقصد يعني أن الحكم غير قائم بذاته، وأن له غرضًا. في حالة الحق الطبيعي فإن هذا الحق هو الغرض النهائي للمقاصد وللشريعة، ومن ثم فيكون مقصد الشارع الأساسي حفظ الحق الإنساني الطبيعي الأصيل، فتنتظم العلاقة بين الحق الطبيعي والحكم الوضعي على هذه الصورة، ليصير الحق الطبيعي غاية للقانون الوضعي.

وعند إسبينوزا Spinoza (+1677 م) تنتظم العلاقة بين الحق الطبيعي والقانون الوضعي ليُرجَّح الحق الطبيعي إذا ما وقع التعارض بينهما[40]. وقد قَسَّم كانط Kant (+1804 م) الحق إلى فئتين: الحق الطبيعي أو الخاصّ Private، والحق المدني أو العامّ Public. الأول يوجد في حالة الطبيعة قبل نشأة الدولة، والآخر، يُشرعه المجتمع[41]. وفي موضع آخر يعرِّف كانط الحق الطبيعي كونه يستند إلى مبادئ عقلية قبلية، أما الوضعي فيستند إلى إرادة المُشرِّع[42]، وهو ما يعني أن الحق الطبيعي لا يجد فاعليته وتمثّله الحقيقي الواقعي إلا على يد المشرّع، مما يعني التكامل بين المذهبين: الطبيعي والوضعي. ويتفق هيجل Hegel (+1831 م) مع كانط، فالحق لا يُكتسب فعلًا واقعيًا موضوعيًا إلا حينما يصبح قانونًا وضعيًا[43].

ووجه الصلة بين هذه التنظيرات لهذه العلاقة وبين علاقة الحق الطبيعي والمقصد سالفة الذكر في أصول الفقه أن كلًّا من النموذجين يضع الحق الطبيعي هدفًا للقانون الوضعي، ليكون القانون صورة ووسيلة، والحق الطبيعي مضمونًا وغايةً.

ختامٌ عام

فيما وراء الأصول يتكامل بحث مفهوم الأصل مع بحث نظرية الحق، إذ لا بُد من الوقوف على معنى الأصل في أصول الفقه لفهم أسس النسق التشريعي الإسلامي من جهة، ولفهم علاقة الأصول بنظرية الحق من جهة أخرى، مما يؤدي إليه هذا الفهم الأخير إدراك أن الحق الطبيعي لا يتناقض من ناحية المفهوم مع أصول التشريع في الإسلام، بالأحرى قد يتناقض -حين يتناقض- مع الفروع، أي الأحكام ذاتها. من دون مفهوم للحق الطبيعي -كما رأينا- لا مجال لتقديم تصور متسق عن التشريع عمومًا، يتلاءمُ مع مبدأ العدل الإلهي التوحيدي. وهو ما يُكسبنا أحقية القول بأن فرضية الحقوق الطبيعية، التي تقوم عليها فكرة حقوق الإنسان العالمية، هي لُبّ التصور الأخلاقي التوحيدي، لا متوافقة معه فحسب.

ويمكن لما وراء الأصول أن يصير مجال دراسة الأسس العميقة للتشريع الإسلامي، دراسةٌ تلتقي فيه أصول الفقه بحقوق الإنسان عن طريق نظرية المقاصد. وربما لو كان التاريخ قد أتاح فرصةً لتطوير أصول الفقه بخُطى جذرية بعد صياغة الشاطبي في القرن الثامن الهجري، لأمكن لنا اليوم أن ندرس نظرية الحق ومبادئ حقوق الإنسان الطبيعية ضمن المباحث الأساسية لعلم أصول الفقه، ومن جهة أخرى فإن دراسة أصول الفقه في سياق فلسفة القانون هو في رأينا المجال الذي يمكننا طريقه تطوير المفاهيم والإشكالات الأصولية في إطار البحث الفلسفي العام. وهو مجال ممكن من ناحية الوجود كما حاولنا أن نُوضح في القسم الأخير من هذه المقالة. كل هذا نعتقد أنه بحث ضروري اليوم في عالَمٍ يُساء فيه إلى الإنسان وإلى حقوقه وإلى أصول القانون، بحثٌ قد يصير أساسًا لتعايش سِلمي بنّاء بين المسلم وغير المسلم، طالما كان التعايش بين الأصل والقانون من جهة، وبين الحق والعدل من جهة أخرى ممكنًا، ومن ثمَّ ضروريًا.

 

المراجع:

[1] -انظر لمحاولة معاصرة لإدماج أصول الفقه في الفلسفة الإسلامية، ونقاط التلاقي بينهما: علي جمعة محمد: علم أصول الفقه وعلاقته بالفلسفة الإسلامية، المعهد العلمي للفكر الإسلامي، القاهرة، ط1، 1996، ص 12-18.

[2] -وكانت هذه فكرة أطروحة الدكتوراه الأولى لي في أنطولوجيا تفسير القرآن بجامعة كولونيا بألمانيا 2018.

[3] -انظر مثلًا لوجهة نظر معاصرة في الغاية من أصول الفقه: محمد الخضري: أصول الفقه، المكتبة التجارية الكبرى، القاهرة، ط6، 1969، ص 19-20. انظر لوجهة نظر مخالفة: يمنى طريف الخولي: نحو منهجية علمية إسلامية: توطين العلم في ثقافتنا، المؤسسة العربية للفكر والإبداع، ط1، 2017.

[4] -لمزيد من التفصيل في تطور نظرية الحق، وبنيتها، انظر للباحث: كريم الصياد: نظرية الحق- دراسة في أسس فلسفة القانون والحق الإسلامية، سبق ذكره، الباب الأول والثاني.

[5] -السابق، ص 139-165.

[6]– أبو حامد الغزالي: المستصفى في علم الأصول، سبق ذكره، ص 6-7.

[7] – أبو إسحاق الشاطبي: الموافقات في أصول الشريعة: سبق ذكره، مج1، القسم الثالث: المقاصد، ص 4.

[8] -Raymond Wacks, Philosophy of law, op. cit., p. 18.

[9] – انظر النظام المقترح لتطوير التشريع ودور ولاية الفقيه فيه: محمد تقي المدرسي: التشريع الإسلامي، مناهجه ومقاصده، سبق ذكره، 2/243. وانظر مراتب القيم التي تبدأ بالنصّ: السابق، 3/265-267.

[10]الإباحة الوضعية:

  • أبو الحسن علي بن عمر البغدادي المعروف بابن القصار المالكي: مقدمة في أصول الفقه، سبق ذكره، ص 314.
  • أبو بكر محمد بن الطيب الباقلاني: التقريب والإرشاد، سبق ذكره، 1/288، 2/17.
  • حد الإباحة: مجرد الإذن، حد المباح: هو تخيير المخاطب بين فعل الشيء وتركه، الجاري مجرى الإباحة، من غير تخصيص ذم ولا مدح بأحدهما” أبو بكر محمد بن الحسن الأصبهاني ابن فورَك: الحدود في الأصول (الحدود والمواضعات)، سبق ذكره، 137-138.
  • أبو محمد علي بن أحمد بن سعيد بن حزم: النبذة الكافية أو النبذ في أصول الفقه، سبق ذكره، ص 44.
  • موفق الدين عبد الله بن أحمد بن قدامة المقدسي الحنبلي: روضة الناظر وجنة المناظر في أصول الفقه على مذهب الإمام أحمد بن حنبل، سبق ذكره، ص 21-23.
  • الحسن بن شهاب العكبري: رسالة في أصول الفقه، متن شرح رسالة في أصول الفقه للحسن بن شهاب العكبري، سبق ذكره، ص 31-32.
  • أبو يعلى محمد بن الحسين الفراء البغدادي الحنبلي: العدة في أصول الفقه، سبق ذكره، 1/167.
  • “(المباح) ما ثبت من جهة الشرع أنه لا ثواب في فعله ولا عقاب في تركه من حيث هو ترك له على وجه ما” أبو الوليد سليمان بن خلف الباجي الأندلسي: الحدود في الأصول، سبق ذكره، ص 55.
  • أبو حامد الغزالي: المستصفى في علم الأصول، سبق ذكره، ص 45.
  • أبو عبد الله محمد بن علي بن عمر بن محمد التميمي المازري: إيضاح المحصول من برهان الأصول، سبق ذكره، ص 245-246.
  • علاء الدين شمس النظر أبو بكر محمد بن أحمد السمرقندي: ميزان الأصول في نتائج العقول في أصول الفقه، سبق ذكره، ص 66-68.
  • سيف الدين أبو الحسن علي بن محمد الآمدي: الإحكام في أصول الأحكام، سبق ذكره، 1/165-166.
  • سيف الدين أبو الحسن علي بن محمد الآمدي: منتهى السول في علم الأصول، سبق ذكره، ص 36.
  • جمال الدين أبو عمرو عثمان بن عمر بن أبي بكر المقري النحوي الأصولي الفقيه المالكي المعروف بابن الحاجب: منتهى الوصول والأمل في علمي الأصول والجدل، سبق ذكره، ص 28.
  • أبو إسحاق الشاطبي: الموافقات في أصول الشريعة، مج1، كتاب المقاصد، سبق ذكره، ص 130.
  • الجائز: ما شرع فعله وتركه على السواء… ويرادف الجائز: المباح والحلال” زكريا بن محمد الأنصاري: الحدود الأنيقة والتعريفات الدقيقة، سبق ذكره، ص 75.
  • محمد باقر الصدر: المعالم الجديدة للأصول، سبق ذكره، ص 107.
  • محمد سعيد الطباطبائي الحكيم: المحكم في أصول الفقه، سبق ذكره، 1/20.

الإباحة الطبيعية:

  • أبو الحسن عبيد الله بن دلال بن دلهم الكرخي: أصول الكرخي، سبق ذكره، ص 368.
  • أحمد بن علي الرازي الجصاص: الفصول في الأصول، سبق ذكره، 3/247-248.
  • أبو الحسن عبد الجبار الأسد آبادي المعتزلي: المغني في أبواب التوحيد والعدل-الشرعيات، سبق ذكره، ص 145.
  • أبو الحسين محمد بن علي بن الطيب البصري: المعتمد في أصول الفقه، سبق ذكره، ص 315.
  • صارم الدين إبراهيم بن عبد الهادي الوزير: الفصول اللؤلؤية في أصول فقه العترة الزكية، سبق ذكره، ص 103-104.

[11]– Raymond Wacks, Philosophy of law, op. cit., p. 18.

[12] – John Austin: The Province of Jurisprudence Determined, (John Murray, Albemarle Street, London, 1832), p. 31.

[13] -Ibid., p. 32.

[14] – Charles Bigg: The Christian Platonists in Alexandria, (The Claredon Press, New York, no date, no ed. No.) p. 207.

[15]– Thomas Aquinas, Treatise on Law (Summa Theologica, Questions 90-97)، with an introduction by Stanely Parry (A Gateway Edition, Henry Company, Chicago, USA, no date, no ed. No.) pp. 11-26.

[16] -Ibid., p. 15.

[17] -كانت فكرة القانون الطبيعي في البداية فكرة محافِظة تضمن نفوذ السلطة الدينية، ثم استقلّ هذا المبدأ عن اللاهوت وعن الكنيسة ليصير مبدأ سياسيًا تحرريًا على يد جروسيوس، دنيس لويد: فكرة القانون، سبق ذكره، ص 76-78.

 

[18] -انظر هذا الباب، الفصل الثاني، رابعًا: التشريح النسقي، النسق العقلي-الاجتماعي.

[19] – أبو زيد عبيد الله بن عمر بن عيسى الدبوسي الحنفي: تقويم الأدلة، سبق ذكره، ص 61.

[20] -السابق، ص 44، 53.

[21] -السابق، ص 449.

[22] -السابق، ص 455.

[23] -Thomas Hobbes, Leviathan, (Clarendon Press, Oxford, 2nd Ed., 1929) p. 99.

[24] -Idem.

[25] -Raymond Wacks, Philosophy of law, op. cit., p. 8.

[26] – J. J. Rousseau, A Discourse on the Origin of Inequality in The Social Contract, Tr. and Introduced by G.D.H. Cole (The Temple Press, Letchworth, England, no date, no ed. No.) p. 171-172.

[27]– J. J. Rousseau, The Social Contract, in The Social Contract; op. cit., p.32-33.

[28] -وذلك في نقده لنظرية الشاطبي في المقاصد: محمد تقي المدرسي: التشريع الإسلامي، مناهجه ومقاصده، سبق ذكره، 3/275-277.

[29] – أبو زيد عبيد الله بن عمر بن عيسى الدبوسي الحنفي: تقويم الأدلة، سبق ذكره، ص 449.

[30] – سليمان بن عبد القوي بن عبد الكريم بن سعد بن الصفي المعروف بابن العباس الحنبلي ونجم الدين الطوفي: رسالة في رعاية المصلحة، سبق ذكره، ص 25، 34-36، 45.

[31] -السابق، ص 25، 47.

[32] -السابق، ص 25.

[33] -Jeremy Bentham, An Introduction to the Principles of Morals and Legislation, (Clarendon Press, Oxford, UK, 1823) p. 1.

[34] -Ibid., p. 2.

[35] -Ibid., p. 3.

[36]– Ibid., pp. 8-23, 330-336. See also: Jeremy Bentham, Theory of Legislation, Translated from the French of Etienne Dumont by R. Hildreth (Trubner & Co., London, no date, no ed. No.) p. 13.

[37] -Jeremy Bentham, An Introduction to the Principles of Morals and Legislation, op. cit., p. 324.

[38] -Jeremy Bentham, Theory of Legislation, op. cit., pp. 6-7, 330-336. See also: William Graham, English Political Philosophy from Hobbes to Maine, (Edward Arnold. London, 1st Ed., 1917) p. 213.

[39] – John Austin: The Province of Jurisprudence Determined, op. cit., p. 32.

[40] – باروخ إسبينوزا: رسالة في اللاهوت والسياسة، ترجمة: حسن حنفي، مراجعة، فؤاد زكريا (دار التنوير، بيروت، ط1، 2005) ص 371.

[41] -Immanuel Kant, The Philosophy of Law, An Exposition of the Fundamental Principles of the Jurisprudence as the Science of Right, Tr. by W. Hastie (T. & T. Clark, Edinburgh, 1887) p.58.

[42] -Ibid., p. 55.

[43] -ج. ف. ف. هيجل: أصول فلسفة الحقّ، ترجمة إمام عبد الفتاح إمام (مكتبة مدبولي، القاهرة، مصر، 1996 م) 2/452-453.

المزيد من المقالات

مقالك الخاص

شــارك وأثــر فـي النقــاش

شــارك رأيــك الخــاص فـي المقــالات وأضــف قيمــة للنقــاش، حيــث يمكنــك المشاركــة والتفاعــل مــع المــواد المطروحـــة وتبـــادل وجهـــات النظـــر مــع الآخريــن.

error Please select a file first cancel
description |
delete
Asset 1

error Please select a file first cancel
description |
delete