مع انطلاقة النَفَسِ الأول للحياة والخُطوة الأولى في تلمُس معانيها، من طريق وسائل العقل والتجربة والحدس والتأرجح بين الإيمان وغير الإيمان… برزت في الأزمنة الفلسفية المُتعاقبة ومضاتٌ حملت الشك واليقين، إما ضمن مسارٍ جدلي تناسلي، وإما في إطار الوسيلة المنطلقة نحو المرمى المُرتجى.
في جميع الأحوال، لم يخلُ عقلٌ باحثٌ عن الحقائق من تريثٍ ما أو ريبةٍ ما أو شك خجول حينًا، وشك صارخ وواضح المعالم حينًا آخر.
من هذا المنطلق، يتحدد موضوعنا عن الشك في الفلسفة انطلاقًا من الشكوكية الإغريقية، مرورًا بشك الغزالي، وصولًا إلى مسألة الشك لدى كلٍّ من مونتين وديكارت وبيكون.
تعريف
الشك كلمة مشتقةٌ من اللغة اللاتينية Dubitare، وهو “التردد بين نقيضَين لا يُرجح أحدهما على الآخر، وذلك لوجود أمارات متساوية في الحُكمَين، أو لعدم وجود أية أمارة فيهما”1.
والشكوكية (أو الريبية) كلمة أصلها في اللغة اليونانية Skeptikos، وتعني حالة من يشك. هي “عقيدة تُجزم بأن العقل الانساني لا يستطيع بلوغ أية حقيقةٍ عامة ونظرية، ولا تأكيد ترجيح فرضية على أخرى”2، ويرفض الشكوكي تبني عقائد معتمدة، ويكتفي بالنظر إلى الأشياء مُبتعدًا عن الأحكام.
من أنواع الشك:
- الشك المنهجي الذي يُستخدم لبلوغ الحقيقة من طريق غَرْبلة المعارف السابقة، وطابعه مؤقت، لأن صاحبه يتخلى عنه حين تحقيق هدفه، هو وسيلةٌ لبلوغ اليقين
- والشك الاستدلالي المقترن بالبرهان
- والشك المطلق الذي لا يعرف قيودًا أو حدودًا، وهو غالبًا هدمي يقول باستحالة بلوغ المعرفة وانعدام الثقة في أدواتها، ويكون في ذاته غاية لا وسيلة، فيبدأ صاحبه شاكًا وينتهي إلى الحالة عينها، وهو يتفادى الخلافات التي تطرأ بين العلماء والفلاسفة، فيلجأ إلى الأمان ويُؤْثر الترجيح أو الاحتمال أو التوقف عن إصدار الحكم، وذلك وفق التوجه الفلسفي الذي ينبثق عنه هذا الشك
- والشك المذهبي الذي يجعل صاحبه يدور في حلقةٍ مفرغة من الشك المتواصل
- والشك المفرط وهو منهجي وشامل يمتد إلى كل شيء، إضافةً إلى أنه “نظري ومؤقت لا ينطبق على الحياة العملية“3.
ويُطلق الشك في الفلسفة على عددٍ من الفرضيات مثل: الحذر الفكري واعتماد النسبية في القيم الأخلاقية والركون إلى تفحصٍ متواصلٍ للموضوعات المعرفية. وتُضاف هذه الفرضيات، عندما يتعلق الأمر بالدين إلى الشك في المعتقدات والأركان الأساسية، كما أن هناك ما يُسمى بـ “جنون الشك” أو بـ “داء الشك”، وهو نوعٌ من الاضطراب العقلي المؤدي إلى عجزٍ عن الحكم أو أحد الحُكمَين مهما كانت الأمارات فيهما واضحة. “ويُطلق هذا الاصطلاح أيضًا على المبالغة في اجترار المسائل الفلسفية المتعارضة، أو على الميل إلى البحث في أسباب الأشياء التافهة، أو على الخوف من وقوع الحوادث، أو على المبالغة في القلق والتوهم وسوء الظن”4.
إقرأ أيضًا: تساؤلات وإشكالات راهنة
أولًا: مذهب الشكوكية في الفلسفة الإغريقية
على الرغم من أن الفيلسوف الاغريقي هيراقليطس Héraclite (نحو 540-480 ق.م.) كان من أطلق شرارة الشك في اعتقاده بالتبدل والتغير، وفي عبارته الشهيرة:
“لا تستطيع أن تغتسل في مياه النهر الواحد مرتين، لأن مياهًا جديدة تجري دائمًا عليك”
فقد كان الشك أكثر وضوحًا مع التحامه بالنسبوية وبـ الذاتانية في فكر السفسطائيين وتعاليمهم ومنطقهم الجدلي المُعتَمَد، وفي قول أبرزهم بروتاغوراس Protagoras (نحو 490- نحو 420 ق.م.): “إن الإنسان هو مقياسٌ لكل شيء“، وكذلك في رأي غورجياس Gorgias (480-375 ق.م.) أنه لا يوجد شيء، وحتى إن كان هناك شيء ما فلن نتمكن من معرفته، وحتى إن نحن عرفناه فلن نستطيع التواصل معه. إلا أن شكهما -إلى جانب سواهما من ممثلي المدرسة السفسطائية– كان نوعًا من الغلاف المُصطَنَع لتمرير أفكارهم وتحقيق مطامعهم في الشهرة والمال، بعيدًا عن السعي في الحق والحقيقة والعدالة.
وأما الشكوكية في أساسها المركزي المتأصل، فنجدها لدى أربعةٍ من فلاسفة الإغريق المتميزين:
- بيرون Pyrrhon (نحو 365-275 ق.م.).
- أركاسيلاوس Arcésilas (نحو 316- 241 ق.م.).
- كارنيادس Carnéade (نحو 215-129 ق.م. ).
- وأنيسيديموس Ænésidème (نحو 80- 10 ق.م.).
-
بيرون
فيلسوفٌ إغريقيٌ يُعدُّ أول فيلسوفٍ شكوكي ومؤسسًا للبيرونية. وُلِدَ في إليس Elis، ورافق الإسكندر المقدوني إلى الهند بصحبة أناكساركس Anaxarque (القرن الرابع ق.م.) الذي كان أستاذًا له، إلى جانب بريسون Bryson (القرن الرابع ق.م.). وهناك تعرف على النُساك الهنود Les Fakirs الذين كانوا يعيشون دون عملٍ ولا مأوى، وتعلم منهم القدرة على التحكم بالألم إلى درجة عدم الإحساس به.
عندما عاد إلى إليس، عَلَّمَ الفلسفة وعاش فقيرًا. ومثل سقراط (470-399 ق.م.)، لم يكتب شيئًا سوى قصيدةٍ وحيدة أهداها إلى الإسكندر. أطلق عليه مواطنوه لقب “كاهن“، وكانت حياته مثالًا لكثيرٍ من معاصريه، وقد نشر تلميذه تيمون الفليوسي Timon de Phlionte (نحو 325-235 ق.م.) أفكار أستاذه ونظرياته التي تميزت باللامبالاة المطلقة. حمل طلابه ألقابًا عدة، وكلها تحمل معنى “الشكوكيين“:
- Zététiques: الذين يبحثون دومًا عن الحقيقة، (من اللغة اليونانية القديمة Zetikos: من يعشق البحث ويملك فن الشك).
- Sceptiques: الذين يتفحصون المسائل من دون إيجاد أي أجوبة.
- Ephectiques: الذين يعلقون أحكامهم على الدوام.
- Aporétiques: وهم في حالةٍ متواصلة من اللايقينية لأنهم لا يجدون الحقيقة.
كان هدف بيرون عملانيًا ومنعقدًا على البحث عن سر “السعادة”. ويمكن اختصار عقيدته في النقاط الآتية:
- من الضروري تعليق الحكم (La suspension du jugement, en grec: époché ) في جميع المسائل. فلا يمكننا معرفة طبائع الأشياء، لأن الحواس هي وسيلتنا الوحيدة للمعرفة، والحواس تقول ما تبدو عليه الأشياء، لا كما هي في طبيعتها، ولا نملك وسيلة أخرى للمعرفة لنجعلها معيارًا للصواب من الخطأ، إذ لا يمكننا مقارنة إحساساتنا بالأشياء في ذاتها. وما دمنا لا نعرف شيئًا، فينبغي أن نعلق الحكم بوجود شيء سوى حالاتنا الشعورية المباشرة عن تلك الأشياء. وتعليق الحكم هو الشرط الأساسي لإمكان بلوغ السلام الروحي والطمأنينة (Ataraxie) بعيدًا عن أوهام المعتقدات والعلوم معًا.
- وبناءً على ذلك يجب التمييز بين الظواهر وأسبابها التي تبقى مجهولةً، مثلًا: إذا كنتُ متأكدًا من أنني أشعر بطعم العسل، فمن المستحيل أن أدرك الرابط بين إحساسي من جهة، وطبيعة العسل من جهةٍ أخرى.
- كلُّ ما نتصوره “حقيقةً” ليس سوى من باب العادات والأعراف، كمثل القول بالعدالة واللاعدالة، والجميل والقبيح…
- ويبقى الاستنتاج عمليًا: لامبالاةٌ مطلقة إزاء كل وجود. بما أن لا شيء في الواقع جيدٌ أو سيءٌ في ذاته، فلا مجال للمفاضلة بين أمرَين، فيكون الفقر كما الثراء والصحة كما المرض والحياة كما الموت… هنا يكمن سر “السعادة”.
كل الأشياء إذًا متساوية ومن غير اختلاف، خاضعة للتغير ومبهمة. ومن ثمَّ فأحاسيسنا واعتقاداتنا غير صحيحةٍ وغير خاطئةٍ. وقد وصف الفيلسوف والكاتب الفرنسي بريهييه Emile Bréhier (1876-1952) المدرسة البيرونية بأنها مدرسة سعادة على طريقتها. فغالبية البشر يعزون سعادتهم أو شقاءهم إلى الأشياء في ذاتها، كما في حالتي البؤس والغنى، في حين أن هذه الحالات توقعهم في التعاسة بسبب معتقداتهم.
“فإن نحن استطعنا أن نبرهن للإنسان أن لا شيء يستمر كما هو عليه، فإن كل معتقدٍ يزول، ويزول معه كل جزمٍ بأمرٍ ما، كما كل مسببٍ للقلق”5.
بيد أن هذا السلام الداخلي المنبثق عن تعليق الحكم لا يتأتى من تفكر الانسان بعدم ثبوت الأشياء، بل هو نتيجة ممارسة حالة تأملية في شكلٍ عملي. وهنا تجدر الاشارة إلى أن الطريقة التي اتبعها بيرون في حياته كانت تجسيدًا حاسمًا لمبادئه حتى فيما تحتويه من تناقضات. كان لامباليًا إزاء المخاطر التي تعترضه، ويُحكى عنه (في شكلٍ مبالغٍ فيه إلى حد “الخرافة”) أنه لم يكن يَحِيدُ في نُزهاته عن صخرةٍ أو شجرةٍ أو عربة… ولم يكن يُبدل طريق سيره حتى لينتشل صديقه أناكساركس الذي سقط في مستنقع ماء موحلة. كان بيرون الشكوكي الوحيد الذي عاش شكوكيته عمليًا وكليانيًا. وقد عده الكاتب والفيلسوف الروماني شيشرون Cicéron (106-43 ق.م.) العالِم في الأخلاق الأكثر تشددًا في عصره.
-
أركاسيلاوس وكارنيادس (الأكاديمية الجديدة)
يُعد أركاسيلاوس فيلسوفًا إغريقيًا ومؤسسًا للأكاديمية الجديدة في بداءات القرن الثالث عشر ق.م. والخصم الأشد للدوغماتية الرواقية. وكان يقول: بخلاف زينون الكيتيوني Zénon de Citium (نحو 480- نحو 420 ق.م.) بأن لا إشارة مؤكدة للحقيقة، وبأن تعليق الأحكام ضرورة، وفي رأيه أننا لا نعرف حتى أننا لا نعرف. وقد اتهمه خصومه في الفكر، وبخاصةٍ أبيقورس Epicure (341-270 ق.م.) بعدم إضافة أي جديدٍ في الفلسفة. كان متحدثًا ماهرًا، وديالكتيكيًا كبيرًا استطاع أن يُزعزع التشدد الرواقي العقيدي. وكان يحمل تقديرًا خاصًا لكل من الشاعر الإغريقي هوميروس Homère (القرن الثامن ق.م.) والفيلسوف الإغريقي أفلاطون Platon (427-347 ق.م.)
وكذلك كان كارنيادس الفيلسوف الأكثر شهرةً بين الأكاديميين الجدد، وصاحب مذهب “الاحتمالية” Le probabilisme وهي عقيدةٌ وسطية بين الدوغماتية والشكوكية، تنفي إمكان إدراك الحقيقة المطلقة، إلا أنها تميز بين حقائق محتَمَلة. لذا يجب على الانسان الحكيم أن يمارس تعليق الرأي، لأن النوايا والانطباعات تكون مُحتمَلة بنفسها. وكان هو من ذكر مفهوم “الاستحسان” الذي يمكن أن يكون مرشدًا عمليًا في الحياة، وهو مكون من درجاتٍ عدة للانطباع: تحمل الدرجة الأولى اقتناعًا قويًا بمدى صوابية الانطباع الحادث، وتؤدي الدرجتان الثانية والثالثة إلى مقارناتٍ لهذا الانطباع مع الانطباعات الأخرى المتصلة به، وإلى تحليل الانطباع ذاته. لم يترك كارنيادس أي أعمالٍ مكتوبة، بل كان التعرف على أفكاره يتم بواسطة خليفته كليتوماخوس القرطاجي Clitomaque de Carthage (187-110 ق.م.). كانت فلسفته جدليةً مناقضة لنظريات الرواقيين، وبخاصة المرتبطة منها باللاهوت والطبيعة. وفي رأيه أن الآلهة لا يمكن الاعتقاد بها، لا في شكلها الجسدي ولا الرُوحي، وأشار إلى تناقض خصائص الفردية واللانهائية. “فإن كان جسديًا فسيكون بسيطًا أو مركبًا، فإن كان بسيط وابتدائي الجوهر، فسيكون عاجزًا عن الحياة والتفكير؛ وإن كان مركبًا فسيحتوي نفسه في عناصر الانحلال، وإن كان رُوحيًا، فلا يمكنه الفعل أو الاحساس”6.
إذًا كانت الأكاديمية الجديدة مُوجهة ضد تفاخر الرواقيين بعقيدتهم، وكان مرتكزها المذهب الاحتمالي، واعتماد النسبوية. ففي حقلي المنطق والفيزياء، لا حقيقة مؤكدة، ما يمكن الحديث عنه هو فقط الاحتمال، فالرأي يكون محتملًا حين يفرض نفسه على الفكر، ولا يحمل تناقضًا مع فكرةٍ أخرى، ويكون مُبرهنًا ما أمكن… لكن لا مجال لأن نكون أكيدين منه، لأننا لن نعرف مطلقًا توافقه مع الواقع. وفي حقل الأخلاق لا وجود لخيرٍ مطلق، هناك أنواع من الخير محتَمَلة: غياب الألم، لذة اليُسر والرفاهية والصداقة والصحة. هناك إذًا أسلوب حياةٍ “يُحتمل” أن يكون أفضل من سواه.
-
أنيسديموس
من تلامذة الفكر البيروني ومنظم المذهب الشكوكي. كان صاحب الاستعارات أو الحجج التي استخدمها لنسف الدوغماتية. إن المعرفة الحسية تخدعنا، فالسبب الخارجي ذاته قد يُحدث أحاسيس مختلفة بحسب:
- بنية الحس: فهناك اختلاف في شعور الأحياء وإدراكهم الحسي للأشياء. فما تراه عينٌ لا تراه الأخرى، لذا من غير الممكن أن نحكم على حقيقة الأشياء.
- الحالة الفردية: فالبشر يختلفون في المستويين الطبيعي والعقلي، ويجعل هذا الاختلاف الأشياء تظهر أمامهم بمظاهر مختلفة.
- أوهام الحواس: إذ إن اختلاف الحواس يُسبب اختلاف تأثرها بالأشياء. إذا كان الفرد في حالة ثباتٍ أو في حركة: فإن إدراكنا الأشياء يعتمد على حالتنا العقلية والطبيعية في وقت الادراك.
- إذا كان الفرد قريبًا أو بعيدًا عن الشيء: فتظهر الأشياء بمظاهر مختلفة بحسب الأوضاع والمسافات المختلفة.
- إذا كان الشيء صافيًا أو مختلطًا: فإدراكنا الحسي للأشياء ليس إدراكًا مباشرًا، بل هو بواسطة، فمثلًا نحن ننظر إلى الأشياء وقد توسط بينها وبين حواسنا الهواء.
- إذا كان الشيء بكمية صغيرةٍ أو كبيرة: إذ تختلف مظاهر الأشياء بحسب اختلاف كميتها ولونها وحركتها وكذلك درجة حرارتها.
- إذا كان الشيء يظهر بإحدى الخلفيات (كخلفية البحر مثلًا).
- إذا كان الشيء نادرًا أو عاديًا.
- أو كانت النظرة إليه أخيرًا مختلفة الأوجه.
وفي أواخر القرن الثاني وأوائل القرن الثالث بعد الميلاد، وضع أحد أتباع أنيسديموس، أمبيريكوس Sextus Empiricus ، وكان فيلسوفًا وعالِمَ فلكٍ وطبيبًا يونانيًا، موسوعةً لمذهب الشكوكية جمع فيها أفكار الشكوكيين الإغريق ونظرياتهم وحججهم، مؤكدًا استحالة برهنة أي شيء، ومن ثمَّ الوصول إلى معيارٍ للحقيقة. وقد انتقد انتقادًا لاذعًا كل الفلسفات الدوغماتية التي ادعت كشف الحقائق، مفترضًا أنه لا يمكننا معرفة الأشياء في صورةٍ يقينية، لأن إدراكنا العالم الخارجي بواسطة حواسنا يحمل تناقضاتٍ واختلافاتٍ، لعدم وجود معيارٍ معرفي يمكن اعتماده لتمييز صحة الانطباعات من عدمها، لا في العقل ولا في الحكم كذلك. إنه الشك المطلق الذي يُلغي كل معرفة، وهو وسيلةٌ وغايةٌ في آنٍ معًا.
نستنتج أخيرًا أن الشكوكيين الإغريق (ولا سيما منهم بيرون) قد اتخذوا مُنطلقًا لفلسفتهم العلاقة المركزية والضرورية بين تعليق الحكم وطمأنينة النفس. فكل قلقٍ مرده إلى تصور يقينية الأشياء والسعي في إلباسها قيمةً. والإيمان العقيدي بالخير وبالشر الطبيعَيين يُحدث ارتباكًا في بُنية الفرد الفكرية وفي حياته العملية.
ثانيًا: الشك في فكر الغزالي
نفسٌ قلقة عقلٌ حائر ومتعطش إلى إدراك الحقيقة… هكذا نشأ الشك في فكر أبي حامد الغزالي (1058-1111)، أحد أشهر علماء المسلمين وفلاسفتهم في عصره، وبخاصةٍ في كتابه “المنقذ من الضلال“.
فقد عايش التباينات بين المتصوفين والمتكلمين والباطنيين وسواهم، واعتمد الشك سبيلًا لاستخلاص الحق من بين اضطراب الفرَق وتعدد مسالكها. فاقتحم لُجَّة هذا البحر العميق، وتوغل في ظلماته وتفحص كل فرقةٍ، واستكشف أسرار كل طائفة، ليتمكن من التمييز بين المحق والمبطل. فلا:
“أغادر باطنيًا إلا وأحب أن أطلع على باطنيته، ولا ظاهريًا إلا وأريد أن أعلم حاصل ظاهريته، ولا فلسفيًا إلا وأقصد الوقوف على كنه فلسفته، ولا متكلمًا إلا وأجتهد في الاطلاع على غاية كلامه ومجادلته، ولا صوفيًا إلا وأحرص على العثور على سر صوفيته، ولا متعبدًا إلا وأترصد ما يرجع إليه حاصل عبادته، ولا زنديقًا معطلًا إلا وأتجسس وراءه للتنبه لأسباب جرأته في تعطيله وزندقته. وقد كان التعطش إلى درك حقائق الأمور دأبي وديدني، من أول أمري وريعان عمري، غريزة وفطرة من الله وضعتا في جبلتي، لا باختياري وحيلتي، حتى انحلت عني رابطة التقليد وانكسرت عليَّ العقائد الموروثة”7.
ما هالهُ فعلًا هو أن يلمس غلَبَة التقليد في نفوس البشر، وأن يجدهم أسرى بيئاتهم المتوارَثَة. فنشوء صبيان النصارى لا يكون “إلا على التنصر، وصبيان اليهود لا نشوء لهم إلا على التهود، وصبيان المسلمين لا نشوء لهم إلا على الاسلام”8.
بناءً على ما تقدم أفصح الغزالي عن أن مراده كان العلم بحقائق الأمور، فبان له أن العلم اليقيني هو الذي ينكشف فيه المعلوم انكشافًا يُزيل أيَّ ريب، ولا يقارنه إمكان الوهم والخطأ: “فإني إذا علمتُ أن العشرة أكثر من الثلاثة، فلو قال لي قائل لا، بل الثلاثة أكبر، بدليل أني أقلب هذه العصا ثعبانًا، وقلَبَها، وشاهدتُ ذلك منه، لم أشك بسببه في معرفتي، ولم يحصل لي منه إلا التعجب من كيفية قدرته عليه، وأما الشك فيما علمته فلا“9 وهكذا لا يمكن لأي برهانٍ أن يُشكك في العلم اليقيني: “فقلب العصا إلى ثعبان” هو برهانٌ حسي ظاهر، “والعشرة أكثر من الثلاثة” هو مثالٌ عقلي مجرد. وبهذا المثال المدروس بدقة، أراد الغزالي تأكيد علم اليقين. فلا ثقة إذًا بأي علمٍ غير يقيني، وهذا ما دفعه إلى الشك في سائر العلوم النظرية التي قد لا تبلغ حد العلم البديهي الأولي، فتمحورت شكوكه حول المحسوسات كما حول الضروريات معًا.
إقرأ أيضًا: أيدي الإمام الغزالي: 1- يد الفيلسوف. 2- يد الصوفي. 3- يد الفقيه.
ففيما خَصَّ المحسوسات أورد الغزالي أن البصر ينظر إلى الكواكب البعيدة فيراها صغيرةً جدًا، فيما تكشف الأدلة الهندسية أنها كبيرةٌ جدًا، وأنها “أكبر من الأرض في المقدار“10. كما أننا بالبصر ننظر إلى الظل فنراه واقفًا غير متحرك تدريجًا، ما أوقع حاسة البصر في الوهم. وكذلك الضروريات، فقد أخضعها الغزالي لوسائله الشكية. فالعقل قد يُكذب الإحساس، والإحساس أيضًا قد يفعل الشيء عينه، فلا يكون انتصارٌ ولا غلبة في الحالتَين، وفي هذا قال: “فقالت المحسوسات بمَ تأمن أن تكون ثقتك بالعقليات كثقتك بالمحسوسات، وقد كنت واثقًا بي فجاء حاكم العقل فكذبني، ولولا حاكم العقل لكنت تستمر على تصديقي، فلعل وراء إدراك العقل حاكمًا آخر، إذا تجلى كذب العقل في حكمه، كما تجلى حاكم العقل فكذب الحس في حكمه”11.
إلى ذلك تَطَرَّقَ الغزالي إلى ما يطرأ على النفس في النوم، فتندمج المتخيلات مع المعتقدات، فنتصور ما نراه ثباتًا وحقيقةً، فيما هو خيالٌ لا نتنبه له إلا ساعة الاستيقاظ. فبمَ نأمن أن يكون ما نعتقده في اليقظة بحسنا وعقلنا فعلًا؟ ألا يمكن أن نمر بحالةٍ تكون نسبتها إلى اليقظة كنسبة اليقظة إلى النوم؟ وكأن الحياة نومٌ بالنسبة إلى الآخرة، فعند موت الانسان، تظهر له الأشياء بخلاف ما يشاهده في الوقت الحاضر، “ويُقال له عند ذلك: فكشفنا عنك غطاءك فبصرك اليوم حديد”12.
وقد دامت الحالة الشكية لديه قرابة الشهرين، كان فيهما على مذهب السفسطة، ولم تعد نفسه إلى اعتدالها، والضروريات إلى يقينها، إلا بنورٍ قذفه الله في صدره، فانفتحت أُفُق تفكره على المعرفة، وكأن كشفًا باطنيًا يُقارب الحدس الداخلي وَلَجَ نفسه. فهل كانت هذه هي الوسيلة التي اعتمدها الغزالي بديلًا عن العقل للانعتاق من شكه والاتجاه نحو مرماه اليقيني؟ وهل تكون وسيلةً فاعلة وهي في الواقع ملتصقة بالعقيدة الدينية؟
ثالثًا: الشك في أدب مونتين
مونتين Michel de Montaigne (1533-1592)، أحد أكثر الكتاب الفرنسيين تأثيرًا في أوروبا، خصوصًا بسبب “مقالاته” Les Essais التي بدأ بخطها العام 1572، وأراد من طريقها أن يجد الحكمة في عزلةٍ اختارها بنفسه. أدخلته دراسة الأدب والفلسفة لدى الإغريق داخل عالمٍ متميز وَسَم شخصيته الفكرية وأسلوبه الكتابي، فاستعاد النصوص الشكوكية، ولا سيما البيرونية منها، ووصفها بالصدقية الخالصة التي آثرت أن تُقدم للإنسان الصورة المُثلى التي يجبُ أن يكون عليها: إنسانٌ معترف بضعفه، مبتعدٌ عن كبريائه، ومجردٌ من المعرفة الأكيدة، بعدما توقف عن إصدار الأحكام.
وقد بلغ مونتين عتبة توصيف هذا الإنسان بعدما تناول معيار الصواب والخطأ، فالحكم على المظاهر في حاجةٍ إلى أداةٍ حاكمة: عقل أو ضمير أو حس… لا يمكن للحواس أن تكون معيارًا للمعرفة ولا العقل كذلك في رأيه، فيكون تعليق الحكم الإجابة الشكوكية الملائمة في غياب معيارٍ ملائمٍ للمعرفة. وهذا ما دفع بعض المؤرخين إلى وصفه بالمؤيد للإيمانية الشكوكية. والحقيقة أنه افتتح مع “مقالاته” شكلًا حرًا من الأدب مطبوعًا بـ الذاتانية. وقد دلت حكمته التساؤلية: “ماذا أعرف؟” Que sais-je? على نقطة انطلاقه الشكوكية، فيبدو العالم في صيرورةٍ دائمة، مجزأٌ في تنوعه لدرجة أن العقل يُخطئ عندما يعتقد بقدرته على فهم شيءٍ ثابتٍ وأبدي.
ليس لوجودنا ولا لوجود الأشياء أية ثبوتية، ولذلك فالعلم “لا يعدو سوى قصيدةٍ سفسطائية“13 وأما حياة الانسان، فمنعقدة على انعدام الأمان والربية والخوف الدائم من الموت، إلا أن هذا الموقف الشكي لا يُفضي مع ذلك إلى الخضوع، وإنما هو يسمح بالتحرر من المظاهر الخادعة، وبالركون إلى التجربة الفردية، المصدر الأمثل للمعرفة.
إذًا عدَّ مونتين أن على الفلسفة أن تكون حيةً ومُعاشة، وأن قيمة الفكر تُقاس بالتجربة الشخصية والحكم النقدي. وفي تصارع الأديان وقف إلى جانب الكاثوليكية، لكن مع رفضٍ حاسمٍ لأية نزعةٍ عنفية ومع دعوةٍ متواصلة إلى التسامح في العلاقة مع الآخر. وقد دفعه تبنيه الشكوكية إلى القول بأن البشر ليسوا أسمى من سائر المخلوقات، في استباقٍ للنظرية الداروينية التي مثَّلت صدمةً في القرن التاسع عشر، كما أكد أن الغجر الموجودين في أراضٍ استعمرها الأوروبيون هم قومٌ أخيار وشرفاء وفق مفاهيمهم الخاصة.
قُيِّمَت “مقالاته” بإيجابية، فكانت للبعض الكتاب الوحيد القادر على مرافقتنا بسلاسةٍ طوال الحياة، كما يفعل صديقٌ قديم. ورأى بعضهم الآخر أن كل قارئٍ يمكن أن يجد جزءًا من ذاته فيه… ما دفع الكاتب والفيلسوف الفرنسي فولتير François-Marie Arouet Voltaire (1694-1778) إلى وصف أَلَق ما كتبه مونتين والثناء على تصويره الطبيعة الإنسانية ببراعة، وما حدا كذلك الكاتب الفرنسي فلوبير Gustave Flaubert (1821-1880) إلى تقديم النصح لصديقةٍ له كانت تجد صعوبةً في مقاربة مؤلف مونتين، بقوله: “يجب ألا تقرأي للتعلم كما يفعل الأطفال، بل اقرأي لتعيشي”14.
رابعًا: الكوجيتو في فلسفة ديكارت
ديكارت René Descartes (1596-1650)، فيلسوف العقلانية الحديثة الذي تناول الشك من منظور تفكيره الرياضي والهندسي، فكانت مقولته الشهيرة: “أنا أفكر، إذًا أنا موجود“15 وباللاتينية: Cogito, ergo sum.
بداءةً وفي “مقال عن المنهج” Discours de la méthode ، عام 1636، وضع ديكارت أربع قواعد بالغة الأهمية:
تنص القاعدة الأولى، على “ألا أقبل شيئًا على أنه حقٌ ما لم أعرف يقينًا أنه كذلك، بمعنى أن أتجنب التهور واستباق الحكم قبل النظر، وألا أُدخل في أحكامي إلا ما يتمثل أمام عقلي في وضوحٍ وتميز، فلا يكون لديَّ أي مجال لوضعه موضع الشك.”16 أما القاعدة الثانية، المُسماة بقاعدة التحليل L’analyse ، فتنص على “أن أقسم كل واحدة من المعضلات التي سأختبرها إلى أجزاء قدر المستطاع، على قدر ما تدعو الحاجة إلى حلها على ذلك.”17 وتُلزمني القاعدة الثالثة، وهي قاعدة التركيب La synthèse “بأن أسير أفكاري بنظام، بادئًا بأبسط الأمور وأسهلها معرفةً، كي أتدرج قليلًا حتى أصل إلى معرفةٍ أكثر ترتيبًا بين الأمور التي لا يسبق بعضها الآخر بالطبع.”18 أما القاعدة الأخيرة Les dénombréments، وهي الخاصة بالاستقراء التام، فتنص على “أن أُجري في جميع الأحوال الإحصاءات والمراجعات الشاملة، ما يجعلني على ثقةٍ من أنني لم أُغفل شيئًا.“19.
تكون هذه القواعد الأربع البحث المنهجي الضروري لمعالجة المسائل وبلوغ “الحقائق” بعد طول تدقيقٍ ومراجعة. وفي رأيه أن ينبغي أن ننظر إلى كل ما نعده موضع شك بوصفه زائفًا. فالخضوع لامتحان الشك يوصلنا إلى اليقين من طريق البراهين العقلية، وذلك في جميع العلوم بما فيها الرياضية والهندسية، وأما العلم الطبيعي فيقيني من منطلق احتواء العقل على أفكارٍ واضحة ومتمايزة. وفيما يخص مجال الحواس، فهو أكثر المجالات خضوعًا للشك، لذلك هو يرفض الإدراك الحسي بوصفه أداةَ معرفة، وكذلك شهادة الحواس التي توقع الانسان دائمًا في الخطأ. فهناك كثيرٌ من الأفكار غير الصائبة التي نتلقاها منذ طفولتنا، ويجب هدمها بُغية معرفةٍ جديدة، ونعني بذلك هدم الحواس الخادعة. وفي هذا السياق، تحدث ديكارت في كتاب “التأملات” Les Méditations عام 1641 عن الشيطان الماكر والمخادع الذي يخلق عالمًا سطحيًا نتوهم أننا نعيش فيه، وهو روحٌ شريرٌ ومضلل. وقال في ذلك: “وإذًا سأفترض أن شيطانًا خبيثًا، مكره واضلاله لا يقلان عن بأسه، قد استعمل كل ما أوتي من مهارةٍ لإضلالي”20.
وإذا رأينا أن أفكارنا جميعها التي تأتينا في حالة اليقظة يمكن أن تأتينا أيضًا في حالة النوم من دون أن تكون أي منها حقيقية، “فقد قررت أن أتظاهر بأن كل الأشياء التي خطرت على بالي لم تكن أكثر حقيقةً من أوهام أحلامي.”21 ولا ينقذني من هذا المأزق سوى حقيقة الكوجيتو الصارمة والمؤكدة التي لا يتمكن أكثر المشككين من زعزعتها. “أنا أفكر، إذًا أنا موجود” هو “المبدأ الأول للفلسفة الذي كنتُ أبحثُ عنه.”22 “وإذا كان البيرونيون، وفق تعبيره، لم يبلغوا اليقين عبر شكوكيتهم، فهذا لا يعني أننا نحن لا نستطيع ذلك، وهذا ما سأفعله في مسألة إثبات وجود الله.”23 فالفكر يُمثل يقيننا الأول، ومن هنا سوف يستنتج الفيلسوف وجوده، ثم وجود الله عبر مفهوم “اللانهائي” الذي يسكن ذاتنا، وأخيرًا وجود العالم المادي عبر الشعور بأحاسيس جسدنا.
يُمكن القول أخيرًا إن النظرية الديكارتية المبنية على العقلانية والفكر النقدي والشك المنهجي طبعت أجيالًا عدة من الفلاسفة الديكارتيين منهم وغير الديكارتيين، وكونت أفكاره إرثًا فلسفيًا ذا قيمةٍ عليا حتى يومنا الحاضر.
خامسًا: الشك في فلسفة بيكون
بيكون Francis Bacon (1561-1626) هو الفيلسوف الإنكليزي الذي أطلق ثورةً علميةً مرتكزةً على قاعدتي الملاحظة والتجربة الموصولَتَين حكمًا بمنهجي الشك والاستقراء. “فلو بدأ الانسان من المؤكدات لانتهى إلى الشك، ولكنه لو اكتفى بالبدء في الشك، لانتهى إلى المؤكدات”. وكان هدف العلم، كما رآه، “السيطرة على الطبيعة بُغية التوصل إلى رفاه الإنسان في المجتمع.”24 فوحده العلم قادرٌ على إحداث تغييرٍ حقيقي مثمر في حياة البشر.
وقد عدَّ أن طرق الاستنتاج القديم لدى فلاسفة الإغريق والعصور الوسطى لا يمكن أن تؤدي إلى حقائق جديدة، لأنها اكتفت بالتأمل النظري بخصوص مسائل الطبيعة دون ملاحظة ظواهرها. فانتقد أفلاطون وأرسطو والفلسفة المدرسية، ساعيًا عبر الابتكار إلى كسر الجمود العلمي مصنفًا العلوم (أو القدرات الانسانية) في ثلاث خانات:
- “الذاكرة memoria : وموضوعها التاريخ،
- المُخيلة phantasia : وموضوعها الشعر،
- العقل ratio : وموضوعه الفلسفة.”25
إقرأ أيضًا: مفهوم التذكُّر: نماذج فلسفية
من هذا المنطلق طرح بيكون شرطَين مركزيَين لاستبدال منهج الكشف الاستقرائي المنعقد على الشك بمنهج البرهان القياسي: يكمن الشرط الأول، وهو ذاتي، في إبعاد العقل عن كل الأوهام والأحكام المسبقة. والثاني، وهو موضوعي، في رد جميع العلوم إلى الخبرة والتجربة عبر اعتماد الطريقة الاستقرائية. هكذا يتحرر الانسان بواسطة الشك من عُقم المناهج القديمة ومن كل ما كان يظنه “يقينًا حقًا”، فيكون الشك وسيلةً لإدراك الحقيقة وإنقاذ العقل الانساني من الأوهام الأربعة الآتية:
- أوهام الجنس أو القبيلة: والمقصود هنا الجنس البشري والقبيلة الإنسانية. وهي الأوهام الأقرب إلى الأعراف والعادات المتوارَثَة التي تسيطر على العقل البشري، فتوقع به في التعميمات وتأخذه إلى الأحكام الكلية.
- أوهام الكهف: والكهف هو بيئة الفرد المنطوية على أوهام المعارف والمعتقدات القديمة المهلكة للمجتمع.
- أوهام السوق: وهي المعتقدات والأمثال الشعبية، وهي كذلك الأكثر خطورةً على العقل لأنها تعمل لتعطيله، مع سوء استخدامٍ للغة: فكأن نستخدم أسماء أشياء لا وجود لها، “ثم نتصور وجود هذه الأشياء الزائفة، أو نترك أشياء حقيقية بلا أسماء نتيجةً لقصورٍ في الملاحظة”26
- أوهام المسرح: وهي الاستسلام للفلسفات والأفكار القديمة. وهنا كان اتهامه أفلاطون بالشاعر المتعجرف الغارق في الخيال، وأرسطو بأنه أسوأ من السفسطائيين بصياغته القواعد وفق القياس، ثم البحث عما يلائمها في ظواهر الطبيعة.
ومن طريق كتابه “العلم الجديد” Novum Organum، اقترن اسم بيكون بحركة العلم الحديث، فافتتح عصر التنوير وطبع من أتى بعده من فلاسفة بمنحاه المُستحدث في الشك الاستقرائي الذي عدَّه درعًا يقي الفلسفة من الوقوع في الخطأ، ويحفز الفرد على الاستزادة من المعرفة، تلك المعرفة التي رأى في امتلاكها قوة للإنسان. فتأثر بفكره الفيلسوف وعالِم الرياضيات والراهب الفرنسي جاسندي Pierre Gassendi (1592-1655) الذي دعا إلى دراسةٍ علميةٍ تجريبية براغماتية بهدف اكتشاف طبيعة الأشياء.
سادسًا: نظرة تقييمية
نبدأ تقييمنا مع بيرون الذي لا شك كان متأثرًا بالأجواء التشاؤمية المسيطرة في الحقبة التي عاش فيها. وهو لم يكن أبدًا، وفق بريهييه، “ذاك الـ “سقراط” الذي يعيش في المدينة ويحب الناس، بل كان من اختار العزلة وازدراء البشر.“27 وكان الأكثر تطرفًا في شكوكيته الرافضة إمكان أي معرفة قطعية أو الثقة بأي فرضيةٍ معرفية. وتبعه سائر الشكوكيين -وإن بوتيرةٍ أخف حزمًا- فعدل أركسيلاوس عبارة سقراط الشهيرة “كل ما أعرفه هو أنني لا أعرف شيئًا” بإضافة “ولا أعرف هذا أيضًا”. فقد بحث بيرون عن السلام الداخلي للنفس عبر تعليق الحكم، فلم تكن الفلسفة البيرونية تؤكد ولا تنكر، حتى قال الفيلسوف وعالِم الرياضيات الفرنسي باسكال Blaise Pascal (1623-1662)
“إن البيرونية على صواب لأن البشر قبل المسيح لم تكن لهم دراية بمكان وجودهم ولا بكيفيات هذا الوجود ولا بكونهم كبارًا أو صغارًا. ومن قال خلاف ذلك، لم يكن يدري شيئًا، بل كان يخمن بالصدفة وبعيدًا عن العقلانية.”28
ومع ذلك فقد خلق الشكوكيون جوًا من الارتياب والحيرة في الفكر، والتضارب في الآراء، أفضى بهم إلى إنكار الركائز الفكرية للإنسان، لكن إذا ما قارنا بين الشكوكية البيرونية والنزعة الشكية في الأكاديمية الجديدة، لوجدنا أن الأولى مَثَّلت نظرةً تشاؤميةً سلبيةً للمعرفة، فيما كانت الأخرى أكثر قُربًا من التفاؤل، وإن كان تفاؤلًا حذرًا.
ونصل إلى الغزالي في قوله:
“من لم يشك لم ينظر، ومن لم ينظر لم يُبصر، ومن لم يُبصر بقي في العمى والضلالة.”29
عبارةٌ حكيمةٌ صادقة تُلقي الضوء على أهمية الشك وإعمال الفكر في فلسفته. ويُشهَد له ترافق شكه مع رفضه التعصب المذهبي، وهو القائل:
“إنما يرتفع حجاب التقليد بأن يُترك التعصب للمذاهب… فإن غلَبَ عليه التعصب لمعتقده ولم يبقَ في نفسه متسعٌ لغيره، صار ذلك قيدًا له وحجابًا، إذ ليس من شرط المُريد الانتماء إلى مذهبٍ معينٍ أصلًا.“30
لكن تَهَجُّمه على الفلاسفة المسلمين، وبخاصة الفارابي وابن سينا، واتهامهم بالضلال عن سبيل الله الحق، دفع الفيلسوف الأندلسي المسلم ابن رشد (1126-1198) إلى رؤية أنه كان من الصعب تحديد الموقف الفلسفي الحقيقي للغزالي، فقال فيه: “لم يكن الغزالي منتميًا إلى أي “طائفة”: كان أشعريًا مع الأشاعرة، وصوفيًا مع المتصوفين، وفيلسوفًا مع الفلاسفة. وفي “تهافت الفلاسفة“، أراد أن يدرأ حقد اللاهوتيين الذين لطالما عدهم أعداء الفلاسفة.”31 فأصبح ابن رشد نصير الفلسفة في الإسلام بمحاولة هدمه تهافت الغزالي في كتابه “تهافت التهافت“. وفي الحقيقة أن الغزالي رأى في اختلاف الفلاسفة الإغريق في شأن المسائل الإلهية دليلًا قاطعًا على وجوب الشك في نظرياتهم، فقال في ذلك:
“ولو كانت علومهم الإلهية مُتقنة البراهين، نقيةً عن التخمين، مثل: علومهم الحسابية والمنطقية، لما اختلفوا فيها كما لم يختلفوا في الحسابية.”32
وهو نازعهم خصوصًا فيما يتعلق بأصول الدين والمسائل الميتافيزيقية. في الواقع أكان الغزالي شكوكيًا أم لا، فإننا نجد بوضوح في تفكره الفلسفي نوعًا من النقد الشكي للمعرفة: الشك في الحواس المتعارضة مع العقل، والشك في العقل ذاته. وقد وصف في “المنقذ من الضلال” تجربته الشخصية في بحثه عن الحقيقة، وكأنه أجرى نوعًا من التقييم الذاتي لتطوره الفكري، وذلك باستخدامه ضمير المتكلم الذي يمنح الصدقية للفكرة ومعالجتها، فكان هدف شكه تأسيس بحث معرفي بناء وهادف، عبر مراجعةٍ نقديةٍ فاعلة لكل مصادر المعرفة، الحسية والعقلية وتلك المبنية على التقليد.
ومن الغزالي إلى مونتين الذي كان له الأثر الكبير في إدخال مفهوم “الشك” في الفكر الحديث. صحيحٌ أنه كان كاثوليكيًا، إلا أن مواقفه المضادة للدوغماتية جعلته محركًا للروح الفرنسية المناقضة للخضوع والامتثال. وقد تأثر بمؤلفاته كل من الكاتب المسرحي الانكليزي شكسبير William Shakespeare (1564-1616)، والفيلسوف الفرنسي روسو Jean-Jacques Rousseau (1712-1778)، والفيلسوف الألماني نيتشه Friedrich Nietzsche (1844-1900) وسواهم… فشكسبير على سبيل المثال أخذ عن مونتين فكرته في أن المحرمات التي قد تبدو طبيعيةً في مجتمعٍ من المجتمعات، ليست في الواقع نتيجة طبيعةٍ بشريةٍ أساسية، بل نتيجة تكيفٍ ثقافي، ومن ثمَّ فإن ما نعده “همجيًا أو “غير متحضر” يكون كذلك لأنه غير مألوفٍ لنا، وكل ما نُسميه “حقيقة” ونبني عليه رؤيتنا للطبيعة البشرية ليس عالميًا، بل هو مشروطٌ في المستوى الثقافي وخاضعٌ للشك لا محالة.
كان مونتين صارمًا في رفضه تبرير المعتقدات التي ورثناها بوصفها عقلانية، فيما ينبغي إخضاعها للتشكيك، وكان صائبًا في مطالبته بعمليةٍ تفكريةٍ لا تقيدها أي مبادئ أو أسس عقيدية، فكان في نظر بعضهم متأثرًا بجوانب عدة من كل مدرسةٍ إغريقيةٍ، وليس فقط الشكوكية… إنما من الضروري أن نشير إلى أن ما كان يهمه فعليًا ليس الوصول إلى الحقيقة، بل صوابية المنهج الشكي المُتبع لبلوغها، حتى حمل لقب زعيم “البيرونيين الجدد“. والحقيقة أن شكوكية مونتين تعود إلى جانب تأثره ببيرون وأمبيريكوس، إلى تجاربه في الحياة، وقد حدته إلى التعلم مرارًا وتكرارًا أن المظاهر العقلانية خادعة، لأن العقل أداةٌ محدودة لا تمكننا من بلوغ الحقيقة لاعتمادها على الحواس، وخير الفلسفات هي التي تؤكد أننا لا نعرف شيئًا. كما أن خير مثالٍ على ذلك كانت الثورة الكوسمولوجية التي أطلقها عالِم الفلك البولوني كوبرنيكوس Nicolas Copernic (1473-1543) بخصوص الهيليوسنترية في القرن السادس عشر، في وجه الجيوسنترية لدى عالِم الفلك ذو الأصول المصرية/الرومانية بطليموس Claude Ptolémée (نحو 100 م.- نحو 180 م.) في القرن الثاني بعد الميلاد، الذي كان يؤكد أن النظام الفلكي يقوم على أساس أن الأرض ثابتة، وأن الأفلاك تدور حولها. رأيان متناقضان! فما الذي يمنع من أن يأتي رأيٌ ثالثٌ يومًا ما، فيكسر ما نراهُ اليوم يقينًا؟!
أما فيما يخص ديكارت، فقد رأى كثيرٌ من الباحثين في الغرب، كما في الشرق أن الكوجيتو الديكارتي هو الصورة عينها للمرحلة الشكية التي مر فيها الغزالي، وهو القائل: “أنا أريد، إذًا أنا موجود.” هذا التشابه لمسه كل من الدكتور المصري محمود حمدي زقزوق (1933-2020) في رسالته للدكتوراه في الفلسفة (جامعة ميونخ – ألمانيا)، والتي جاءت تحت عنوان: “المنهج الفلسفي بين الغزالي وديكارت“، والدكتور المصري نجيب محمد البهبيتي (1908-1992) في كتابه “المدخل إلى دراسة الأدب والتاريخ العرَبيَين“. وكذلك أكد المؤرخ والباحث التونسي عثمان الكعاك (1903-1972) أن ديكارت كان يحتفظ في مكتبته بنسخةٍ من “المنقذ من الضلال” للغزالي، مترجَمَة إلى اللاتينية، وعلى بعض المقاطع بشأن الشك واليقين فيها إشاراتٌ باللون الأحمر. وكذلك فعل الفيلسوف والروائي والشاعر المغربي عبد العزيز الحبابي (1922-1993) فقد رأى في القسم الثالث من كتابه “إلى أي درجة أثَّر الغزالي في الفكر الأوروبي” أن التشابه جَلَيٌّ بين الغزالي وديكارت، وبخاصة في القضايا المرتبطة بمنهجية الشك للوصول إلى الحقيقة، وقواعد المنهج.
وفي إطار التشابه أيضًا بين الغزالية والديكارتية، نعود لنؤكد أن الشك الديكارتي المنهجي كان الطريقة الفلسفية الموصلة إلى اليقين، فقد قال: “ينبغي لي أن أرفض كل ما يُخيل إلي أن فيه أدنى شك، وذلك لأرى هل يبقى لدي بعد ذلك شيء لا يمكن الشك فيه أبدًا. وهذا شبيهٌ بقول الغزالي: “فقلتُ في نفسي: أولًا، إن مطلوبي العلم بحقائق الأمور، فلا بُد من طلب حقيقة العلم ما هي، فظهر لي أن العلم اليقيني هو الذي ينكشف فيه المعلوم انكشافًا لا يبقى معه ريب، ولا يقارنه إمكان الغلط والوهم، ولا يتسع القلب لتقدير ذلك، بل الأمان من الخطأ ينبغي أن يكون مقارنًا لليقين…”33 وقد نفى ديكارت عن نفسه تهمة الشك المطلق، وكي نُقرر شيئًا مُحققًا في العلوم، كما يقول، فلا بُد لنا من “أن نطرح كل ما في داخل عقلنا من معارف في جميع طرق العلم وأساليبه، مثلنا في ذلك مثل البناء الذي يرفع الأنقاض ويحفر في الأرض حتى يصل إلى الصخر الذي يقيم عليه بناءه، والأساس الذي تريد الوصول إليه هو العقل، مُجردًا خالصًا” 34.
وننهي تقييمنا مع بيكون الذي عدَّ أن الفلسفة تجمدت مدةً طويلة، لذلك احتاجت إلى منهجٍ جديدٍ لإعادة إحيائها. وكان الخطأ الكبير لفلاسفة الإغريق “أنهم صرفوا وقتًا كبيرًا في النواحي النظرية، والقليل في الملاحظة والبحث العلمي. وكان بيكون يتحدى كل ما جاء به الفلاسفة من ميتافيزيقيا، فهو يقول إن الانسان بوصفه مفسرًا وشارحًا للطبيعة يُدرك ويعمل بقدر ما تسمح له ملاحظاته عن نظام الطبيعة، لذلك تكون الخطوة الأولى هي تطهير العقل وتنقيته وكأننا أطفالًا عدنا صغارًا أبرياء من الأفكار المجردة، وغسلنا عقولنا من التصورات السابقة والآراء المتحيزة، لذا يجب أن نحطم أوهام العقل وبقية الأوهام.”35 والحقيقة أن اعتماد بيكون على التجربة والشك معًا أفضيا حكمًا إلى رفضه المطلق عالمي أفلاطون وأرسطو الفلسفيَين، على تناقضهما، وكذلك الفلسفة الوسيطة التي وصفها بالجمود القاتل.
أما بينه وبين ديكارت، فالفارق يكمن بين بيكون التجريبي وديكارت التنظيري. فالبرهان الديكارتي عقلي، أما عند بيكون ففعلي. وقد رأى بيكون أن على الانسان أن يُجرب أكثر مما يفكر، وكان ذلك منهج المدرسة العلمية الإنكليزية بعامة. وفي هذا السياق، يُمكن أن نذكر الفيلسوف والاقتصادي الإسكتلندي هيوم David Hume (1711-1776)، وهو الذي سلك، مثل بيكون، طريق النقد ومنهج الشك فيما يخص الفلسفات والعلوم والمعارف السائدة خصوصًا في عصره. غير أن شكه عُرِفَ “بالخجول” أو “الملطف” لأنه اتخذ طابعًا معتدلًا. فينبغي أن نرتاب في كل نظريةٍ لا تؤكدها التجربة، وأن نعترف تاليًا بجهلنا في طبيعة الأشياء، والعلاقة القائمة بين الأحداث، وبعجزنا عن إدراك أسرار الطبيعة البشرية بكليانيتها.
خاتمة
في عالم الثنائيات المتناقضة، وذات العلاقة التواصلية الجوهرية مثل: ثنائية الحياة والموت… وجد الانسان نفسه منذ بداءة بحثه عن تتبع حقائق الأشياء، فكريًا وحسيًا، أمام معضلة التشكيك في غالبية المسائل الوجودية. فقد سيطر على ذاته عبر أزمنةٍ وعصورٍ متعاقبة سيلٌ من التساؤلات المُقلقة التي لم تنتهِ يومًا بإجاباتٍ حاسمة.
بلغ الشكوكيون الإغريق قمة اللامبالاة اللامتناهية بحثًا عن نُطفة أملٍ في سلامٍ داخلي، وحاول الغزالي إنقاذ نفسه “والآخرين” من الضلال توصلًا إلى العلم اليقيني. وبين “ما الذي أعرفه؟” لمونتين، وارتباط الشك والفكر بالوجود مع ديكارت، والتجربة الشكية المتميزة لدى بيكون… نجدنا اليوم في زمنِ غيابٍ للصدقية الحقيقية في العلاقات بين البشر، ما يبرر ارتفاع مستوى الشك، ليس في ذات الإنسان نفسه، بل في تعامله مع الآخر في المجتمع.
هل نحن نشك لنعرف؟ هل تُجردنا الحجج المنطقية، إذا ما وجدت، من شكوكنا؟ هل الإيمان بالله نهايةٌ قطعيةٌ للشك، أم أن هذا الشعور ما يزال يتسلل إلى ذواتنا بدافع الخوف أو العجز؟ وهل نحن نبالغ في اجترار المسائل الفلسفية المتعارضة؟!
مهما كانت الإجابات، فسيكون الشك مُرافقًا للإنسان كظله: إن هو وعى ذلك، اعترف به، وإن لم يعِ تصور نفسه في “يقينٍ” ينفتح، في رأينا وفي شكلٍ متواصل، على جميع الاحتمالات!
المراجع:
[1] جميل صليبا، المعجم الفلسفي، بالألفاظ العربية والفرنسية والانكليزية واللاتينية، الجزء الأول، دار الكتاب اللبناني، بيروت، لبنان، 1982، ص. 705.
[2] André Lalande, Vocabulaire technique et critique de la philosophie, Paris, PUF, 1986, p. 949.
[3] جميل صليبا، المعجم الفلسفي، الجزء الأول، مرجع مذكور، ص. 706.
[4] المرجع نفسه.
[5] Emile Bréhier, Histoire de la philosophie, Tome I, Paris, Quadrige/PUF, 1989, p. 328.
[6] كارنيادس ar.wikipedia.org.
[7] جميل صليبا، تاريخ الفلسفة العربية، (عن: “المنقذ من الضلال”، ص. 62-63)، دار الكتاب اللبناني، بيروت، لبنان، 1981، ص. 393-394.
[8] المرجع نفسه، ص. 394.
[9] المرجع نفسه.
[10] المرجع نفسه، ص. 395.
[11] المرجع نفسه.
[12] المرجع نفسه.
[13] Peter Kunzmann, Franz-Peter Burkard…, Atlas de la philosophie, Librairie générale française, Paris, 1993, p. 99.
[14] Les Essais, Montaigne, tour historique, site official. www.chateau-montaigne.com.
[15] Descartes, Œuvres philosophiques, Tome I, Discours de la méthode, Ed. Garnier, Paris, 1963, p. 603.
[16] Ibid, p.586.
[17] Ibidem.
[18 ] Ibid, p. 586, 587.
[19] Ibid, p. 587.
[20] جميل صليبا، المعجم الفلسفي، الجزء الأول، مرجع مذكور، ص. 714. (عن: Descartes, Méditations, I, 14 ).
[21] Descartes, Œuvres philosophiques, Tome I, Discours de la méthode, op.cit, p.603.
[22] Ibidem.
[23] Descartes, Œuvres philosophiques, Tome II, Méditations, Ed. Garnier, Paris, 1967, p.54.
[24] Peter Kunzmann, Franz-Peter Burkard…, Atlas de la philosophie, op.cit, p.95.
[25] Ibidem.
[26] فرانسيس بيكون… الأكثر جدارةً بين فلاسفة المنهج في “الأرغانون الجديد”، الشرق الأوسط، aawsat.com .
[27] Emile Bréhier, Histoire de la philosophie, Tome I, op.cit., p.329.
[28] Pascal, Pensées, J. Delmas et Cie, 1967, p.167.
[29] عبد الرحمن بدوي، دور العرب في تكوين الفكر الأوروبي، مكتبة الأنجلو المصرية، 1967، ص. 189.
[30] أبو حامد الغزالي، إحياء علوم الدين، الجزء الثالث، دار الفكر، بيروت، ص. 75.
[31] Emile Bréhier, Histoire de la philosophie, Tome I, op.cit., p.552. (cité par Worms, dans BAUEMKER, Beitrage sur Philosophie des Mittelalters, III, p.51.).
[32 ] أبو حامد الغزالي، تهافت الفلاسفة، طبعة الأب بويج، بيروت، ص. 9.
[33] جميل صليبا، المعجم الفلسفي، الجزء الأول، مرجع مذكور، ص. 705-706.
[34] يوسف كرم، تاريخ الفلسفة الحديثة، دار القلم، بيروت، ص. 66.
[35] ول ديورانت، قصة الفلسفة، ترجمة د. فتح الله محمد المشعشع، مكتبة المعارف، الطبعة الخامسة، بيروت، 1995، ص. 163.