المسكوت عنه في مقال كانط عن التنوير

 تكوين

مقدمة

قد يكتب الفيلسوف نصًا ظاهره واضح وبسيط ومباشر، لكن يقصد به أشياء أخرى غير التي يعلنها صراحة، ويكون أسلوب الوضوح والبساطة والمباشرة مجرد أسلوب في التخفي؛ في هذه الحالة يصعب على القارئ غير المتعمق اكتشاف الأفكار التي يريد المؤلف تسريبها أو الإيحاء بها، فليس شرطًا في النص المتضمن لآراء مستورة أن يكون غامضًا صعبًا، بل يمكن أن يكون واضحًا ويكون وضوحه هذا هو  الأسلوب الذي يتخفى به؛ فالنص الغامض الصعب سوف يثير شك القارئ من احتوائه على شيء يريد الكاتب إخفاءه وراء الصعوبة.

يتصف أسلوب كانط (1724 – 1804) بالوضوح والبساطة والمباشرة، وهو الأسلوب الذي استطاع به إخفاء الكثير من الآراء، مع تمريرها في الوقت نفسه بغير التصريح بها. قد يتعجب الكثير من القراء من هذا الرأي، إذ المشهور عن كانط صعوبة فلسفته وخاصة ما يتعلق منها بنظريته في المعرفة، التي وضعها في كتاب “نقد العقل الخالص“، الذي قيل عنه إنه نص صعب وعميق. لكن كل هذا “المشهور” عن كانط غير صحيح. فأعمق النصوص الفلسفية عند كانط ليس صعبًا، إذ يقود كانط قارئه بالتدريج حتى يستطيع أن يسير معه عبر حججه الكثيرة وبراهينه المركبة. وكي نعرف كيف أن نصوص كانط ليست صعبة بل واضحة وبسيطة، يمكننا مقارنتها بنصوص غيره من الفلاسفة الألمان، مثل هيجل، الذي يعد كتابيه الأساسيين “فينومينولوجيا الروح” و”علم المنطق” من أصعب النصوص الفلسفية في تاريخ الفلسفة، ومثل هايدجر، الذي يجمع الباحثون المتخصصون على الصعوبة البالغة لكتابه “الوجود والزمان“.

ولكن إذا قارنا أسلوب كانط بأسلوب مباشر وبسيط مثل أسلوب نيتشه فسوف نظلم كانط، ذلك لأن نيتشه كان يقصد كتابة نص ممتلئ بالعنف والثورة، نص راديكالي يهدم به المذاهب الفلسفية، ومن ثم جاء الأسلوب الواضح المباشر عند نيتشه جزءًا من مشروعه الفلسفي الهادم لمسلمات الفكر الغربي، وأسلوب كتابته المعتمد على الشذرات والفقرات الصغيرة والعبارات القصيرة كان مقصودًا، إذ كان غرضه أن تكون مثل دقات المطرقة، وقد وضع نيتشه عنوانًا فرعيًا لكتابه “أفول الأصنام” هو:”كيف تفكر بالمطرقة[1] Götzen-Dämmerung, oder, Wie man mit dem Hammer philosophirt.

ما هو التنوير؟

استخدم كانط أسلوبًا مستورًا في الكتابة، لم يكتشفه الكثيرون نظرًا لتخفيه وراء نصوص ظاهرها واضح ومباشر، ويظهر هذا واضحًا في مقاله الشهير: “إجابة عن السؤال: ما هو التنوير؟”[2]. سأحاول في هذه الدراسة القيام بتحليل تأويلي للبحث عما سكت عنه كانط، وعن الرسائل السرية التي أراد تمريرها، وعن الأثر الذي أحدثه هذا المقال في الفكر الألماني في عصره، والمختلف تمامًا عن الأثر اللاحق لهذا المقال وخاصة في الوقت الراهن. ذلك لأن الكثير من الباحثين في الشرق والغرب يستشهد بهذا المقال بالذات لتعريف التنوير، ويُشتهر عن كانط الآن بأنه فيلسوف تنويري؛ ولأن ذاكرة البشر قصيرة ومحدودة وتميل إلى الاحتفاظ بالشعارات والعبارات المأثورة أكثر من احتفاظها بالأفكار، فإن الذي بقى في الذاكرة من تعريف كانط للتنوير هو عبارته القائلة إن التنوير

“هو الشجاعة في استخدام العقل في المجال العام”.

لكن لم يكن كانط محسوبًا في عصره في زمرة التنويريين، والذين انتموا إلى تيار التنوير من المعاصرين له هم لسنج (1729 – 1781) ومندلسون (1729 – 1786) وهيردر (1744 – 1803)؛ أما كانط نفسه فقد كانت النظرة السائدة إليه في عصره أنه فيلسوف عقلاني ونقدي، والطريف أن بعض معاصريه قد نظروا إليه على أنه “هيوم ألماني”، أي على أنه أحد أتباع هيوم والذي أضفى على فلسفته الطابع المثالي المعقد للفلسفة الألمانية. وسبب هذا الربط بينه وبين هيوم، هو أنه كان مثله مثل هيوم ينكر إمكان توصل العقل إلى معرفة يقينية بالموضوعات الميتافيزيقية، وكل الفرق أن هيوم أنكر الميتافيزيقا من أسس تجريبية ووضعية، وأنكرها كانط بأسس عقلية نقدية.

تاريخ السؤال ودوافعه المباشرة

الحقيقة أن هذا السؤال قد ظهر في السياق الثقافي الألماني في وقت متأخر للغاية؛ فعصر التنوير كان قد اقترب على النهاية سنة 1784، وكان قد قطع شوطًا طويلًا في البلدان الأوروبية الأخرى طوال القرن الثامن عشر، بل إن جذوره تمتد إلى العقود الأخيرة من القرن السابع عشر، مع سبينوزا (1632 – 1677) وبيير بايل (1647 – 1706) اللذان يعدان مفتتحا عصر التنوير. وقد كان يقترب من النهاية في ألمانيا بالذات، لأنه بعد وفاة ملك بروسيا فريدريك الثاني سنة 1786، الذي كان مناصرًا للتنوير ومشجعًا على شيء من الحريات الفكرية، تولي العرش من بعده ابن أخيه الملك فريدريك وليم الثاني (1786 – 1797)، الذي لم يكن متسامحًا تنويريًا مثل سابقه بل على العكس، إذ طبق وصاية سلطوية على المفكرين ووسع من سلطات رجال الدين.

وكان الدافع المباشر لطرح هذا السؤال”ما هو عصر التنوير؟” طريفًا وغريبًا. في عدد ديسمبر سنة 1783 من المجلة الشهرية ببرلين Berlinische Monatsschrift، كتب اللاهوتي والمربي الألماني يوهان فريدريك زولنر Johann Friedrich Zöllner  يقول إن عقول وقلوب الناس صارت في حيرة من مسألة التنوير، ومن ثم سأل “ما هو التنوير؟”، وذهب إلى أن هذا السؤال صار حيويًا وحاسمًا في عصره مثل السؤال عن ما هي الحقيقة، وأنه على المرء أن يعرف ما هو التنوير أولًا قبل أن يتكلم فيه أو يناقشه. واستجابة لهذا السؤال كتب كانط مقاله الشهير ونشره بعد سنة في عدد ديسمبر 1784.  كان زولنر بسؤاله هذا يستجيب لمقال منشور في عدد سابق من المجلة نفسها، لمؤلف لم يذكر اسمه، وكان هو محرر المجلة يوهان إريك بيستر (1749 – 1816) Johann Erich Biester، أمين المكتبة الملكية ببرلين، وأحد أبرز التنويريين الألمان في ذلك العصر[3].

تَضَمَّن هذا المقال دعوة والتماسًا للسلطات بأن تقر بالزواج المدني، على أساس مبادئ التنوير وانتشارها في المجتمع. ذهب بيستر في مقاله إلى أن قيام رجال الدين بمراسم الزواج سوف يعطي للعامة انطباعًا بأن الله نفسه هو الذي أقام عقد الزواج، مما يجعله استثنائيًا، في حين أن كافة العقود الأخرى لن تتصف بمثل تلك القداسة ومن ثم ستكون أقل شأنًا وأقل قيمة في أعين الناس، من حيث إنها تقام “بين الناس” وليس الله طرفًا فيها. وبالتالي طالب بيستر أن تكون عقود الزواج ومراسمه مدنية بدون مشاركة رجال الدين، كي تصير كل العقود في أعين الناس متساوية القيمة، ومن ثم يحترمون القوانين المدنية مثلما يحترمون القوانين الدينية[4]. واستجاب زولنر لهذا المقال بمقال له عنوانه “هل يمكننا التوقف عن إقرار الزواج دينيًا؟”[5]، والذي طرح فيه السؤال عن التنوير. إذن هذا المقال الذي دعا إلى الزواج المدني كان هو السبب الأصلي لطرح السؤال عن التنوير، أي أن السؤال لم يكن نابعًا من مجرد اهتمامات فكرية أو مناصرًة لمبادئ مجردة أو شعارات، كما سوف يحدث في عصور لاحقة وخاصة خارج أوروبا، بل كان مرتبطًا بشدة بعملية العلمنة الاجتماعية التي كانت تسير بوتيرة متسارعة في المجتمعات الأوروبية آنذاك.

إقرأ أيضًا: أنثروبولوجيا الشريعة الإسلامية الجزء التاسع: أحكام الزواج مشكل المرأة

والزواج المدني هو جزء من علمنة المجتمع وانفكاكه من سيطرة السلطات الدينية، وكانت المطالبة به غريبة على دولة بروسيا بالذات في ذلك الوقت؛ إذ قبل المناداة بفصل الدين عن الدولة، والتي ستكون من الملامح المميزة للعلمانية الفرنسية، نشهد في بروسيا في العقود الأخيرة من القرن الثامن عشر مناداة بفصل السلطة الدينية عن المجتمع، وهو وإن كان يكشف عن نزعة تقدمية بالنسبة إلى الأحوال في أوروبا آنذاك، إلا أنه في الوقت نفسه كان غريبًا على دولة بروسيا التي لم يكن لديها باع طويل في عصر التنوير، وإن كانت تتميز بملك مستنير أتاح حرية الفكر على نحو لم يكن مسبوقًا في الدول الأوروبية الأخرى في ذلك العصر.

الزواج المدني وحدود السلطة الدينية وعلمنة المجتمع

ومن ثم كان السؤال عن التنوير هو سؤال غير مباشر عن حدود السلطة الدينية وإمكانات علمنة المجتمع بالزواج المدني. والملاحظ أن عددًا من الفلاسفة الألمان قد قدموا إجابات متنوعة عن هذا السؤال، أبرزهم موسى مندلسون وكانط، لكن لم يتعرض أحد منهم إلى مسألة الزواج المدني ولا إلى علمنة المجتمع بتقييد وصاية السلطات الدينية عليه، وإن كان هذا هو المسكوت عنه، وانحصرت كل إجابات الفلاسفة في تناول التنوير كفكر وحريات فكرية ومبادئ عامة مجردة.

لكن لماذا كان الزواج المدني مطلبًا ملحًا وتنويريًا في هذه الأثناء؟ لقد شهدت أوروبا تعددية دينية تمثلت في طوائف مسيحية كثيرة؛ فإلى جانب القسمين الأساسيين الكبيرين للمسيحية الغربية، الكاثوليكية والبروستانتية، انقسمت البروتستانتية ذاتها إلى العديد من الطوائف الفرعية، منها الطائفتين الأساسيتين اللوثرية والكالفينية. وإزاء هذه التعددية الطائفية، يقف المجتمع في حيرة من أمره في مسألة الزواج، إذا ما كانت الزيجة بين طرفين من طائفتين مختلفتين، فحسب شعائر أي طائفة سوف يتم الزواج؟ هنا يتضح أن التعدد الطائفي مضر بالمجتمع وعقبة أمام اندماج قطاعاته وأمام اندماجه في شعب واحد، خاصة وأن البورجوازية كانت في صعود، وهي بوصفها طبقة لا تعرف الانقسام الطائفي بل تسعى إلى الاندماج متجاوزة الطائفية على نحو متزايد. هنا يتضح أن الزواج الديني يقسم المجتمع المدني ومضاد لصعود البورجوازية الحديثة ومانع من تطورها، ولا سبيل إلا إلى الزواج المدني.

في مقال كانط عن التنوير، لن نجد أي حديث عن الزواج المدني ولا عن فصل الدين عن المجتمع، ولن نجد الكلمات التي وضعناها في تحليلاتنا مثل “علمنة” أو “مجتمع مدني” أو “بورجوازية”، أو “حريات مدنية”؛ هذا هو المسكوت عنه في مقال كانط، والذي يكمن خلف المصرح به من “كلام” حول مبادئ عامة مجردة تميل إلى أن تكون شعارات، مثل حرية استخدام العقل في المجال العام، والنضج الفكري، والوصول إلى الاستقلال والانعتاق من الوصاية من كل نوع. لكن لم يتزوج كانط وعاش عازبًا طوال حياته، ويبدو أن مسألة الزواج المدني لم تكن تهمه.

التعريف وإشكالياته

يبدأ كانط مقاله بتقديم تعريف مباشر للتنوير وهو أنه تَخَلُّص الإنسان من القصور الذي يفرضه على نفسه، وهو عدم القدرة على استخدام فهمه دون توجيه من أحد، وأن هذا القصور يكون الشخص متسببًا فيه عندما لا يكون الأمر متعلقًا بنقص في فهمه بل بفقدان الإرادة والشجاعة على استخدام العقل دون وصاية من أحد. ويُرجع كانط السبب في ذلك إلى الكسل والجُبن، اللذان يجعلان الإنسان خاضعًا لغيره على الدوام بعد أن صار متعلمًا؛ “فمن المريح للغاية أن يكون المرء قاصرًا”[6]، إذ هو يتخلص بذلك من عبء ومسئولية التفكير الحر ويلقي مسئولية توجيهه في حياته إلى آخرين.

“فإذا كان لديَّ كتاب يفهم بالنيابة عني، أو مرشد روحي يكون هو ضميري بالنيابة عني”[7]

فلن أتحمل عبء عن مسئولية نفسي. والأوصياء الذين فرضوا إرادتهم عليَّ سيكونون حريصين على أن أبقى في هذه الحالة، وسوف يبثون في نفسي كل الخوف والشك من أن أقود نفسي وأتخلص من وصايتهم. ويشبه كانط الوصاية على غير الناضجين فكريًا وثقافيًا بمشاية الأطفال التي تعلمهم المشي، والتي يجب التخلص منها بعد فترة، وإذا ما ظل الطفل يستخدمها صارت قيدًا عليه وأصابته بعدم قدرة على الحركة. والواضح للغاية للقارئ العربي المعاصر أن هذا التعريف يخاطبه، إذ تمتلئ حياته بالأوصياء على فكره وعقله؛ فهو يسأل من يعتقد أنهم أعلم منه وأتقى منه في كل شيء، وهو الذي يجعلهم أوصياء عليه، ويأخذ كلامهم حرفيًا دون نقاش ليوجه به حياته، خاصة وأن من يسألهم لديهم خزانة ضخمة من التوجيهات التفصيلية التي تخص كل حركات وسكنات الإنسان في حياته اليومية. ومن ذلك صار تعريف كانط للتنوير شهيرًا لدينا وفي عصرنا هذا بالذات وفق الحالة التاريخية التي نمر بها.

لكن بعد أن قدم كانط تعريفه ذاك الجريء للتنوير، سوف يفاجئنا في النصف الثاني من مقاله بشيء صادم، إذ سوف يطلق كانط على عصر التنوير “قرن فريدريك”[8]؛ أي فريدريك الثاني ملك بروسيا الذي تسامح مع حرية الفكر وصادق الفلاسفة (فولتير، هلفشيوس، دالامبير، لامتري). إن كانط يضع جوهر التنوير في رفض الوصاية على حرية الفكر، لكنه يعود سريعًا إلى وضع ملك مستبد مستنير ضامنًا وحاميًا لهذه الحرية الفكرية، أي وصيًا جديدًا بمعنى راعي حرية الفكر، والفرق قليل بين الوصي والراعي والحامي guardian. وهذا هو ما أعتقد أنه “جدل التنوير” الحقيقي، الذي ربما لم ينتبه إليه هوركهايمر وأدورنو في كتابهما الشهير الذي يحمل نفس هذا العنوان “جدل التنوير”. فالجدل هو داخل مقال كانط نفسه، بين التنوير بوصفه حرية فكرية وجرأة على استخدام العقل في المجال العام، ومن جهة أخرى احتياج التنوير إلى “فريدريك”، أي الحاكم القوي المستبد المستنير؛ والتنوير وبوصفه رفضًا للوصاية على العقل والفكر الحر من جهة، واحتياجه إلى وصي آخر يحميه، من اتجاهات رجعية أو متشددة.

ولكن بعد أن يُحَمِّل كانط الفرد مسئولية قصوره وعجزه عن استخدام عقله بحرية واصفًا إياه بالجبن والكسل، يعود بعد هذا مباشرة إلى القول إنه من الصعب للغاية على الفرد أن يخلص نفسه من هذه الحالة، لأنها تصير طبيعة لديه، فقد اعتاد عليها ولم يعتاد على استخدام عقله إذ لم يكن يُسمح له بذلك. ومن هنا نرى أن استخدام العقل بحرية في حاجة إلى أن يُرَبَّى الإنسان عليه بحيث يصير “عادة ومَلَكَة وجِبِلَّة” كما كان يقول الفلاسفة المسلمون. التنوير إذن ووفق منطق كلام كانط هو عملية من التعليم والتثقيف والتربية.

ولاشك أن جان جاك روسو قد سبق كانط والتنوير الألماني كله عندما وضع كتابه “إميل أو التربية”، وهو برنامج تربوي تنويري، أثر في العصر كله وخاصة كانط. ولأن التنوير كما يفهمه كانط هو عملية وفعل متواصل، فلذلك نراه في المقال نفسه يقول بعد ذلك إننا لا نعيش في عصر مستنير بل نعيش في عصر التنوير[9]، أي أن التنوير لم يتحقق بعد وبالكامل بل نحن نعيش في عملية التنوير بوصفها فعلًا جاريًا غير مكتمل.

ويستمر كانط ذاهبًا إلى أن القلة القليلة هي التي استطاعت تخليص نفسها من تلك الوصاية ومن حالة القصور وعدم النضج الفكري، بتنمية نفسها فكريًا. وعند هذه اللحظة من مقاله يمكن للقارئ أن يعتقد أن التنوير عند كانط سوف يكون مقتصرًا على الخاصة من النخبة المستنيرة المثقفة ثقافة عالية، وأن الأغلبية سوف تظل على جهلها وخرافاتها، يسيطر عليها الأوصياء من كل نوع، لكن نرى كانط يؤكد أن تنوير عامة الناس يجب أن يكون ممكنًا، وأن يكون حتميًا إذا ما تُرِك الناس لشأنهم أحرارًا[10]؛ فهذا كفيل بأن يظهر فيهم مفكرون مستنيرون ينشرون الاستنارة بين الشعب. الشعب إذن يجب أن يكون حرًا كي يتمكن من أن يكون مستنيرًا، ويكون حرًا بأن يتحرر ممن يكبلونه ويفرضون الوصاية عليه؛ وأعتقد أن في خلفية تفكير كانط بهذا الخصوص أن الذي سيحررهم من الأوصياء هو الحاكم القوي المستنير، فهذه هي بداية سلسلة التبريرات التي يضعها كانط لفكرته عن المستبد المستنير.

عصر التنوير أم “قرن فريدريك”؟

كان لمقال كانط عن التنوير تاريخ طويل، منذ اللحظة الأولى لنشره وحتى الآن. والملاحظ أن هذا المقال القصير الذي لم يتجاوز عشر صفحات في أصله الألماني وست صفحات في ترجماته قد حاز على شهرة مثيلة لشهرة مؤلفات كانط الكبرى مثل كتبه النقدية الثلاثة:

  • نقد العقل الخالص
  • نقد العقل العملي
  • نقد ملكة الحكم.

والسبب معروف بالطبع وهو أن هذا المقال القصير يتناول موضوعًا حيويًا في عصره ولا يزال، خاصة وأن كانط كان معتبرًا من بين فلاسفة التنوير. لكن شهد التاريخ الطويل لهذا المقال القصير مصائر غريبة، إذ كان دائمًا ما يُحال إليه لكن دون تحليله بدقة، وكان دائمًا ما يتم اقتباس فقرته الأولى الشهيرة التي يقول فيها كانط إن التنوير هو الجرأة على استخدام العقل في المجال العام، وأنه هو وصول الإنسان إلى نضجه وتخليه عن الوصاية على عقله.

سياسات التنوير

وقد تم فهم مقال كانط على نحو خاطئ على أن بقيته تتناول هذا الموضوع وحسب، في حين أن النصف الثاني منه يتناول ما يمكن أن نسميه سياسات التنوير[11]، أي أي السياق السياسي المناسب الذي يمكن أن يحدث فيه التنوير، حيث يربط كانط التنوير بفكرته عن المستبد المستنير، ويذكر صراحة ملك بروسيا فريدريك الثاني وأفضاله على حرية الفكر في عصره، ويفاجئنا كانط بأنه يعلن صراحة أن “هذا القرن” ويقصد به القرن الثامن عشر الذي شهد عصر التنوير، “هو قرن فريدريك”. إن أغلب الذين تناولوا هذا المقال ومجمل نظرية كانط في التنوير قد تجاهلوا، ربما عن قصد، ربط كانط التنوير بالمستبد المستنير[12]. إن فكرة المستبد المستنير الذي سوف يحمي التنويريين ويضمن ألا تزعزع الأفكار التنويرية استقرار البلاد والنظام الاجتماعي، مسكوت عنها في أغلب الأدبيات التي لا تحصي، المكتوبة عن مقال كانط بكل اللغات الأوروبية، كما أنها مسكوت عنها في الكثير من الكتب التي تقدم مجمل فلسفة كانط. لم يرد الغربيون التشديد على تمسك كانط بفكرة المستبد المستنير، وتصريحه بها في مقاله عن التنوير. لقد كان أكثر جرأة منهم في الإعلان عنها والتصريح بها وتبريرها، ولم يكونوا هم بالجرأة على التصريح بتبني كانط لها.

هل التنوير بحاجة إلى مستبد مستنير؟

ولنا الحق في أن نتساءل: هل من غير الممكن قيام تنوير بدون مستبد مستنير؟ هل يحتاج التنوير دومًا إلى حاكم قوي مسيطر كي يحمي حرية الفكر من رجال الدين والاتجاهات الرجعية والمحافظة المتشددة في المجتمع؟

نعم يمكن. سبينوزا تمكن من تقديم فلسفة جريئة تدرس الكتاب المقدس دراسة تاريخية نقدية تهدم المسلمات التقليدية، وتنقد الخرافات والأوهام المسيطرة باسم التراث على عقول الجماهير، ولم يكن في عصر سبينوزا مستبد مستنير، بل كان يعيش في جمهورية تعددية اعترفت بكل الطوائف الدينية، وكان هذا النظام هو الذي وفر له الأمن والحماية التي مكنته من الإبداع الفلسفي ومن تقديم أفكاره الراديكالية[13].

كما أن عصر التنوير الفرنسي لم يكن في حاجة إلى مستبد مستنير، فلم يكن ملوك فرنسا في القرن الثامن عشر مستنيرين، كما أن من الصعوبة وصف حكمهم بالاستبدادي فقد كانوا ضعفاء بالمقارنة بالحكام الأوروبيين الآخرين في عصرهم، ومع هذا كاد عصر التنوير في القرنا الثامن عشر أن يكون فرنسيًا، دون أن يكون على رأس فرنسا مستبد مستنير، بل على العكس، فقد كان ملوك فرنسا يقاومون التنوير. وأتى التنوير الفرنسي بفضل بنية تحتية من المجلات والصحف الفكرية والصالونات الأدبية ودور النشر، التي نشرت التنوير في السر والعلن معًا وتحدت الرقابة[14]؛ فقد كان التنوير الفرنسي حركة اجتماعية ثقافية بأبعاد تاريخية واسعة لم تقدر الحكومات الفرنسية المتعاقبة مواجهته أو تعطيله أو إيقافه.

الاستعمال العام والاستعمال الخاص للعقل

يبدأ الجانب السياسي من مقال كانط في الوضوح بعد الفقرة الأولى التي يتحدث فيها عن التنوير بوصفه تخلص الإنسان من الوصاية على عقله وتخلصه من حالة الاعتماد على الآخرين ووصوله إلى الاستقلال الفكري؛ إذ يميز كانط بين الاستعمال العام والاستعمال الخاص للعقل،

  • والاستعمال العام هو في حالة الكاتب الذي يتوجه إلى جمهور من القراء
  • أما الاستخدام الخاص فهو عندما يستخدم الإنسان عقله، أي حريته الفكرية، في مجال خاص، يعمل فيه موظفًا منتميًا إلى هيئة رسمية، ومن ثم يكون ملتزمًا بالقواعد الداخلية الخاصة بها المجال.في هذا المجال على المرء أن يعمل كما لو أنه جزء من آلة، ملتزمًا بقواعد صارمة، لخدمة أهداف عامة[15]؛ وفي هذه الحالة ليس من المسموح أن يجادل المرء، بل عليه أن يطيع قواعد المجال الذي يعمل فيه ويطبقها على نفسه وعلى غيره.

أما في المجال العام فيعمل الكاتب بوصفه جزءًا من مجتمع كوزموبوليتاني عالمي، وأما في المجال الخاص، والمقصود به المجال الرسمي الحكومي، فيعمل المرء وفق قواعد الهيئة أو المؤسسة التي يعمل بها، أي عليه ألا يجادل وألا يشكك في النظام العام حتى ولو لم يكن مقتنعًا به في داخله. ويذهب كانط إلى أن الاستخدام العام للعقل هو الوحيد الذي يعمل على تقدم التنوير، أما استعماله في المجال الخاص فيمكن أن يؤدي إلى مخالفة النظام العام، ومن ثم تظهر فيه أضرار التنوير على الاستقرار الاجتماعي.

ويضرب كانط مثالًا على المجال الخاص الذي يجب أن يتقيد فيه العقل، وهو المجال الديني، ومجال المؤسسة الدينية تحديدًا. فرجل الدين عليه أن يلتزم بالعقيدة الرسمية المعتمدة داخل الكنيسة التي يعمل بها، ويقدمها إلى الناس بالطريقة التي أقرتها السلطات الكنسية، حتى ولو لم يكن في داخله مقتنعًا بها، ثم عليه أن يستخلص منها كل ما يمكن من قيمة عملية نافعة للناس في حياتهم، إذ ليس من المستحيل أن تكون هذه العقيدة خالية تمامًا من أي نفع عملي[16].

ويتضح لنا من ذلك أن كانط ينظر إلى الدين من جهة منفعته العملية، لا من جهة صحة أو عدم صحة تعاليمه اللاهوتية، فهذه لا تهم بالمقارنة بما يعود على المجتمع من أثر للدين على الأخلاق والترابط الاجتماعي. ولذلك نرى كانط يصرح بوضوح أن على رجل الدين ألا يُعَلِّم شيئًا مضادًا للعقيدة الرسمية أثناء عمله المؤسسي، وإذا ما فعل ذلك فلن يكون قادرًا على أداء وظيفته الرسمية بضمير حي ومن ثم عليه الاستقالة[17]. وطالما كان رجل الدين داخل أبرشيته أو كنيسته أو جماعته الدينية التي يكون مكلف رسميًا برعايتها، فيجب عليه الالتزام بالعقيدة الرسمية، كما لو كانت جزءًا من توصيفه الوظيفي، أما في الحالة التي يكون فيها نفس هذا الرجل خارج كنيسته ويكتب بوصفه باحثًا ومفكرًا لمجال مفتوح من القراء، فيمكنه أن يكتب آراءه الحرة كما يشاء، حتى ولو كان بها ما يخالف العقيدة الرسمية التي يلتزم بها في كنيسته.

الازدواجية والتنوير المتخفي

والواضح هنا مدى التناقض بين الاستعمال العام والاستعمال الخاص، ولا أعرف كيف لم يدرك كانط العواقب السلبية لهذه الثنائية بين الاستعمالين؛ فإذا التزم رجل الدين بشيء في كنيسته وخالف نفس هذا الشيء خارجها، لصار منافقًا، ولأصبح مجرد موظف بيروقراطي داخل كنسيته يطبق قواعد ويعلم عقيدة لا يؤمن بها، ويكتم عدم اقتناعه بها عن العامة، حتى إذا خلا إلى قُرَّائه، يتحرر ويكتب ضدها. ومن ثم يمكن أن تؤدي توصية كانط إلى ازدواجية واضحة لدى رجل الدين، إذ يمكن أن يصير تقليديًا محافظًا في كنيسته، فيلسوفًا راديكاليًا خارجها؛ ولا يسعني هنا إلا أن أتذكر نظرية ازدواجية الحقيقة التي شاعت في تيار الرشدية اللاتينية والتي قيل إنها نابعة من ابن رشد، والتي تقول بحقيقتين على الفيلسوف الاعتراف بهما معًا، الحقيقة الدينية والحقيقة العقلية، حتى ولو كانا في تناقض؛ إذ على الفيلسوف أن يقبل حقائق الفلسفة بالبرهان العقلي، وإذا ما تناقضت مع بنود إيمانية فيجب أن يعلن عن قبوله لهذه البنود. لقد استمرت نظرية ازدواجية الحقيقة حية لدى كانط، بل إنه طور منها وأكسبها صورة جديدة. لكن كانط هو فيلسوف الثنائيات، إذ كان مولعًا بإقامتها: ثنائية معرفية بين الحس والعقل، وثنائية بين العقل النظري والعقل العملي، وثنائية بين الإيمان والعقل، وثنائية بين الأخلاق العقلية الخالصة المتمثلة في الواجب والضمير الأخلاقي من جهة، والأخلاق التي تحتاج إلى مسلمات لا يمكن البرهنة عليها بل يجب التسليم بها حول الإله ومملكة الغايات والحرية الإنسانية. إن كانط الذي أوصى في نظريته الأخلاقية بأن يفعل المرء الفعل وكأن الإنسانية هي غاية للفعل لا مجرد وسيلة، يوصي في مقاله عن التنوير بأن يعمل رجل الدين داخل كنيسته و”كأنه” يؤمن بالدوجما الدينية الرسمية لهذه الكنيسة، حتى ولو لم يكن يؤمن بها في داخله.

المواجهة المستورة للتنوير الراديكالي

لكن ما الذي كان يخشاه كانط من الاستخدام الخاص للعقل؟ هل كان هناك خطر من استخدام الحرية الفكرية والعقلانية الصارمة في مجال الدين والسياسة ومؤسسات الدولة في عصر كانط؟ نعم. لقد كان كانط على معرفة وثيقة بعصر التنوير الفرنسي، والذي كان يميل نحو الراديكالية والمواقف الثورية الحاسمة تجاه النظم السياسية والدينية والاجتماعية، فقد رفض التنوير الفرنسي وخاصة جان جاك روسو والاتجاه المادي لدى ديدرو وهولباخ وهلفشيوس النظم الملكية وكانت توجهاته جمهورية[18]، وكان يرفض الوصاية الدينية وسلطة رجال الدين، وكان ينظر إلى الكثير من العقائد الدينية على أنها خرافات تهدف السيطرة على العامة أو إبقائها في حالة استكانة وقبول بسلطة رجال الدين عليها، كما نظر هذا الاتجاه بعين ناقدة إلى الترتيب الطبقي آنذاك والذي يمنح امتيازات خاصة لطبقات بعينها مثل الأرستقراطية والمناصر للإقطاع. لقد كان كانط على وعي كامل بأن التنوير في أصله الفرنسي كان راديكاليًا ثوريًا، وأن الاستخدام الحر للعقل يعني النقد الجذري لكل النظم السائدة، فأراد تنويرًا لألمانيا لا يزعزع الاستقرار السياسي والاجتماعي والديني هناك، تنويرًا نخبويًا يسير في حماية المستبد المستنير ملك بروسيا فريدريك الثاني، والحقيقة أن التنوير الذي يحميه مستبد مستنير لا يمكنه إلا أن يكون نخبويًا، خاصًا بفئة قليلة من الشعب، أي بالنخبة عالية الثقافة، التي يسميها كانط “العلماء” scholars، وجمهورهم من القراء الذين يستطيعون فهم واستساغة اللغة عالية التجريد التي يضعون فيها فلسفاتهم، ويظل الشعب مستقرًا على تراثه وثوابته.

إنني لا ألوم كانط على لجوئه إلى صيغة مخففة للغاية من التنوير، ودعايته إلى تنوير معتدل يقترب من أن يكون محافظًا في الشئون السياسية والدينية، فقد كان يعمل أستاذًا جامعيًا في دولة فريدريك الثاني، وكان يشعر بالمسئولية تجاه استقرار النظام السياسي والاجتماعي، وكان يعرف جيدًا خطورة الفكر وأهميته خاصة في ذلك العصر. وقد كان التنوير الراديكالي الثوري هو السائد في فرنسا في عصر كانط، وكانت أعين الملك فريدريك الثاني عليه، ويتابعه بحرص شديد واهتمام بالغ، إلى درجة أنه كان يتابع بنفسه الإنتاج الفكري للفلاسفة الفرنسيين، مثل مؤلفات روسو، خاصة “العقد الاجتماعي” و”إميل أو التربية”، وموسوعة ديدرو[19]؛ وفور صدور كتاب هولباخ “نظام الطبيعة”، وصلته نسخة منه وقرأها، واستاء من توجهاته المادية والإلحادية، وأمر بحظر الكتاب في بروسيا. هذا التنوير الراديكالي كان من الأسس الأيديولوجية التي قامت عليها الثورة الفرنسية بعد صدور مقال كانط بخمس سنوات (1789). فعندما نقول إن الثورة الفرنسية قامت على أساس، وبدوافع فكرية من عصر التنوير، فنحن نقصد تحديدًا الجناح الراديكالي من التنوير. وبالطبع فلم يكن كانط ليتوقع أن تُحدث أفكار التنوير الراديكالي ثورة في عصره، لكن كان على وعي بأن هذه الأفكار قادرة على زعزعة الاستقرار الاجتماعي والسياسي وعلى أن تُفقد العامة ثوابتها الأخلاقية التي تكون في غيبة الوازع الأخلاقي الداخلي منفلتة أخلاقيًا. والحقيقة أن نشوب الثورة الفرنسية أمام عيني كانط كان كفيلًا بتأكيد آرائه المتحفظة من الأفكار الثورية للتنوير الراديكالي، خاصة بعد أن انقلبت الثورة الفرنسية إلى الدموية واستولى عليها الجناح الراديكالي المتمثل في اليعاقبة وقيادة روبسبيير، وما نتج عن ذلك من محاكمات أدت إلى إعدام الملك لويس السادس عشر والكثير من أفراد الطبقة الأرستقراطية. لقد أثبتت أحداث الثورة الفرنسية لكانط أن التنوير الراديكالي يمكن أن يؤدي بالشعوب إلى قتل ملوكها، وإلى عنف ثوري وعصر إرهاب وإلغاء لمؤسسة الكنيسة. كل هذه الأحداث أكدت للألمان أن التنوير الراديكالي الفرنسي كان على خطأ وأن صيغتهم المخففة من التنوير كانت هي الأصح والأنسب؛ وكان رجال الدولة البروسيين يفتخرون بعدم حدوث ثورة في بلدهم مماثلة للثورة الفرنسية، وقد اشتُهِر وزير بروسي يسمى ستروينسي Karl August von Struensee بقوله لدبلوماسي فرنسي سنة 1799 “إن الثورة التي أحدثتموها من أسفل سوف تحدث في بروسيا بالتدريج من أعلى”[20]؛ أي بالإصلاحات السياسية التدريجية.

لم يكن كانط يريد لألمانيا ثورة فرنسية، ومن ثم لم يكن يريد لها التنوير الراديكالي على النمط الفرنسي. وعندما يعلن كانط في مقدمة “نقد العقل الخالص” أنه كان عليه تقييد العقل لإفساح المجال للإيمان، فقد كان يقصد في الحقيقة أنه كان مضطرًا إلى تقييد العقل التنويري الراديكالي الفرنسي الذي أدى إلى المادية والإلحاد والربوبية الفرنسية، لإفساح المجال لإيمان تحتاجه ألمانيا اللوثرية والكالفينية المتدينة بطبعها.

 

المراجع:

[1]) Nietzsche. 2005. The Anti-Christ, Ecce Homo, Twilight of the Idols, and Other Writings. Edited by Aaron Ridley, and Judith Norman, New York: Cambridge University Press.

[2]) Kant, “An answer to the question: What is enlightenment?”, in, The Cambridge edition of the works of Immanuel Kanr:  Practical Philosophy. (Cambridge: Cambridge University Press, 1996).

[3]) James Schmidt. “Kant and the Politics of Enlightenment: Reason, Faith, and Revolution”. Studies in Eighteenth-Century Culture, Volume 25, 1996, pp. 225-244.

[4]) James Schmidt. “The Question of Enlightenment: Kant, Mendelssohn, and the Mittwochsgesellschaft”, Journal of the History of Ideas, Vol. 50, No. 2 (Apr. – Jun., 1989), pp. 269-291, (at 271).

[5]) Johann Friedrich Zöllner, “Ist es rathsam, das Ehebundniss nicht ferner durch die Religion zu sanciren?” Berlinische Monatsschrift lI (1783): 516. Reprinted in Was ist Aufkliirung? Beitrage aus der Berlinischen Monatsschrift, ~d. ed., ed. Norbert Hinske (Darmstadt: Wissenschaftliche Buchgesellschaft, 1977), 115; cited in, James Schmidt. “What Enlightenment Was: How Moses Mendelssohn and Immanuel Kant Answered the Berlinische Monatsschrift.” Journal of the History of Philosophy, vol. 30 no. 1, 1992, p. 77-101 (at 77).

[6]) Kant, “An answer to the question: What is enlightenment?”, p. 17.

[7]) Ibid, loc. cit.

[8]) Ibid, p. 21.

[9]) Ibid, loc. cit.

[10]) [10]) Ibid, p. 17.

[11]) Cronin, C. (2003). Kant’s Politics of Enlightenment. Journal of the History of Philosophy, 41(1), 51–80.

[12]) أشار فوكو إشارة عابرة سريعة إلى مسألة المستبد المستنير في مقاله عن مقال كانط:

Foucault, Michel (1984). “What is Enlightenment?”. The Foucault Reader. New York: Pantheon Books. pp. 32–50.

[13]) Jonathan Israel. Radical Enlightenment. Philosophy and the Making of Modernity 1650-1750. (Oxford: Oxford University Press, 2001).

[14]) Jonathan Israel. Enlightenment Contested. Philosophy, Modernity, and the Emancipation of Man 1670 – 1752 (New York: Oxford University Press, 2006).

[15]) Kant, “An answer to the question: What is enlightenment?”, p. 18.

[16]) Kant, “An answer to the question: What is enlightenment?”, p. 20.

[17]) Kant, “An answer to the question: What is enlightenment?”, p. 19.

[18]) Jonathan Israel. A Revolution of the Mind: Radical Enlightenment and the Intellectual Origins of Modern Democracy (Princeton & Oxford: Princeton University Press, 2010).

[19]) Jonathan Israel. Enlightenment Contested, pp. 853–4, 859–60.

[20]) Hans Rosenberg, Bureaucracy, Aristocracy, and Autocracy: The Prussian Experience 1660-1815 (Boston, 1966), 161p cited in, James Schmidt. “The Question of Enlightenment”, p. 273, no.17.

اقرأ ايضا

المزيد من المقالات

مقالك الخاص

شــارك وأثــر فـي النقــاش

شــارك رأيــك الخــاص فـي المقــالات وأضــف قيمــة للنقــاش، حيــث يمكنــك المشاركــة والتفاعــل مــع المــواد المطروحـــة وتبـــادل وجهـــات النظـــر مــع الآخريــن.

error Please select a file first cancel
description |
delete
Asset 1

error Please select a file first cancel
description |
delete