تكوين
مقدمة
يمثل الحديث النبوي تجليا جوهريا من تجليات المقدس الديني في ضمائر المسلمين يتنزل في المرتبة الثانية بعد النص القرآني. وقد ترسخت بداهة قدسية الحديث عامة وقدسية الأحاديث الواردة في الصحاح الستة خاصة وأحاديث الصحيحين بشكل أخصّ بفضل عدة علماء لعلّ من أهمهم الإمام الشافعي وابن حزم والغزالي وأجيال من العلماء بعدهم، لكن إلى أي مدى كانت هذه البداهة مجمعا عليها؟
يجرّنا الجواب عن هذا السؤال إلى ولوج منطقة المسكوت عنه والمحرّم الخوض فيه والمقصود نقد الحديث عامة وأحاديث الصحيحين خاصة. ويزداد الأمر صعوبة عندما يواجه الباحث بعض المسلّمات في هذا الموضوع من قبيل أن صحيح البخاري هو أصحّ كتاب بعد القرآن؛ وبالتالي لا جدوى من فتح الدفاتر القديمة التي أغلقت لأن فتحها يعني اتباع وجهة المستشرقين الرامية إلى هدم أصول الدين.
وقد برّرت مقاربة هذا المبحث استنادًا إلى أنّ نقد الحديث موضوع غير مبتدع برز منذ أقدم العصور، فعندما نفتح رسالة الشافعي أو كتابه الفقهي” الأم” نلفيه يدافع عن حجية خبر الآحاد ضد الطاعنين فيه ونراه يردّ على الطاعنين في الأخبار كلها. ويروى أن عائشة كانت تنقد مرويات أبي هريرة. فهل الأمر بدعة إذن؟
وقد حاولنا في بحثنا هذا استخلاص بعض معايير نقد أحاديث الصحيحين في الفكر الإسلامي الحديث، وسعينا إلى استنتاج ما ترتّب على اعتماد هذه المعايير وإلى النظر في الخلفية المنهجية التي تقف خلف هذا النقد الحديث.
معيار نقد الحديث لمخالفته للقرآن في الفكر الإسلامي الحديث
بدأ بعض ممثّلي الفكر الإسلامي الحديث منذ أواخر القرن التاسع عشر يوجّهون سهام نقدهم لجملة من أحاديث الصّحيحين لوقوفهم على معارضتها لبعض النّصوص القرآنيّة. ومن أهمّ الأحاديث التي انتقدوها في هذا السّياق حديث سحر النّبي. يقول رشيد رضا(ت1935م) :
“ولكنّه (صحيح البخاري) لا يخلو من أحاديث قليلة في متونها نظر قد يصدق عليها بعض ما عدّوه من علامة الوضع كحديث سحر بعضهم للنّبي (ص) الذي أنكره بعض العلماء كالإمام الجصاص (ت370هـ) من المفسّرين المتقدّمين والأستاذ الإمام محمد عبده(ت1905م) من المتأخّرين لأنّه معارض بقوله تعالى “إذ يقول الظّالمون إن تتّبعون إلاّ رجلا مسحورا انظر كيف ضربوا لك الأمثال فضلّوا فلا يستطيعون سبيلا”(الإسراء 47-48)[1].
وهذا الموقف الذي عبّر عنه بعض العلماء من داخل المؤسسة الدينيّة سيتواصل لدى أعلام ينتمون إلى هذه المؤسسة على غرار محمد الغزالي(ت1996م) الذي عرض نماذج من مواقف بعض الصّحابة والتابعين تعضد ما ذهب إليه عبده ورضا. ومن ذلك موقف عائشة فهي عندما سمعت حديث “إن الميّت ليعذّب ببكاء أهله عليه” أنكرته وحلفت أنّ الرّسول ما قاله وقالت بيانا لرفضها إيّاه : “أين منكم قول الله سبحانه : “ولا تزر وازرة وزر أخرى” (الأنعام 164)[2]. ويعتبر محمد الغزالي أنّ عائشة تردّ من خلال هذا الموقف ما يخالف القرآن بجرأة وثقة، ومع ذلك فإنّ هذا الحديث ما يزال مثبتا في الصّحاح.
ويعتمد هذا الباحث موقف عائشة أساسًا يشرعن به موقفه وقدوة يقتدي بها فيقول : “وعندي أنّ ذلك المسلك الذي سلكته أمّ المؤمنين أساس لمحاكمة الصّحاح إلى نصوص الكتاب الكريم”[3].
ويحرص الغزالي على تبرئة نفسه من تهمة السّعي إلى تضعيف الحديث معلنا أنّ غايته “أن يعمل الحديث داخل سياج من دلالات القرآن القريبة أو البعيدة”[4]. وأن يكون المعيار الأساسي في نقد الحديث متنه لا سنده فحديث الآحاد في رأيه يفقد صحّته بالشّذوذ والعلّة القادحة وإن صحّ سنده.
إنّ المسعى التأصيلي لهذا الموقف لم يقتصر على أنموذج واحد مثّلته عائشة وإنّما شمل أيضا بعض مؤسسي المذاهب الفقهيّة السنّيّة كالمذهبين الحنفي والمالكي. فأبو حنيفة رفض حديث “لا يقتل مسلم في كافر” مع صحّة سنده، لأنّ المتن معلول بمخالفته للنصّ القرآن “وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس والعين بالعين والأنف بالأنف والأذن بالأذن ” (المائدة 45). ولئن كان علماء الحنفية يقدّمون ظاهر القرآن على حديث الآحاد فقد كان علماء المالكية يقدّمون عمل أهل المدينة على أحاديث الآحاد.
والظّاهر أنّ من أهمّ خلفيّات هذا الموقف قديما وحديثا التصدّي لاتّجاه برز داخل أهل الحديث رفع منزلة الحديث وجعلها تضاهي القرآن بل تفوقه أحيانا لذلك صرّح محمد الغزالي أنّ الزّعم بأنّ حديث الآحاد ينسخ آية من القرآن الكريم زعم في غاية الغثاثة[5]، و”بأنّ القرآن هو الإطار الذي تعمل الأحاديث في نطاقه لا تعدوه ومن زعم أنّ السنّة تقضي على الكتاب أو تنسخ أحكامه فهو مغرور“[6].
وتعود جذور هذا الموقف النّاقد لما ذهب إليه بعض علماء أهل الحديث إلى أقدم العصور التي شهدت صراعا حادّا بين أهل الرّأي وأهل الحديث فقد كان ممثّلو الفريق الأوّل من روّاد اعتماد المتن للنظر في الحديث من خلال معايير في صدارتها مدى توافق الحديث مع القرآن. يقول إسماعيل الكردي في هذا السّياق : “كان لمدرسة الرّأي منهج نقدي شديد دقيق في قبول الأحاديث يتعلّق بتحليل المتن والنظر لدرجة توافقه مع القرآن الكريم أو مع عمل المسلمين وسيرتهم أو عمل أهل المدينة (بالنّسبة إلى الإمام مالك) أو توافقه مع القياس“[7].
وقد حرص بعض ممثّلي هذا الاتّجاه على التمييز بين مجال العبادات وخلاف هذا المجال في تطبيق معيار عرض الحديث على القرآن. ونجد محمد عابد الجابري يقول في هذا الصّدد :
“لا يمكن في التشريع الإسلامي الاستغناء بالمرّة عن الحديث فهو من حيث المبدأ الأصل الثاني، وضرورة اعتماده تفرض نفسها في العبادات على مستوى التّطبيق بصورة خاصة. أمّا خارج مجال العبادات وهو الميدان الذي استشرى فيه الوضع والبتر والزيادة والنّقصان، فكل حديث لا يشهد له القرآن بالصحّة أضعه بين قوسين، لا أثبته ولا أنفيه إلاّ بعد التأكّد منه فإذا لم أتأكّد منه أتركه بين قوسين”[8].
ويعدّ موقف جمال البنّا من السنّة قريبا جدّا من موقف الجابري، فقد سعى إلى ضبط معيار منهجي للتعامل مع الحديث وسمه بـ”العرض على القرآن الكريم” انتهى من خلاله إلى أن تطبيق هذا المنهج قد يفترض التوقّف أمام قرابة ألفي حديث يمكن أن يكون نصفها في الصّحيحين[9]. ويفضي عرض السنّة على القرآن عند جمال البنّا إلى إنكار اثني عشر نوعا من الأحاديث في عدّة مواضيع.
إقرأ أيضًا: من النقدِ إلى سلطة السَّرْدِ المُقدَّسِ: كيف خسِر علمُ الحديث منطقه الأول؟
ومن الجليّ أنّ مواقف البنّا وممثّلي الاتّجاه الذي ينادي باعتماد معيار عرض الحديث على القرآن تنأى عن الموقف القديم الذي دشّنه الشافعي عندما اعتبر أنّ السنّة وحي يماثل الوحي القرآني. فهي مواقف ترفض هذا الرّأي ولا تعلي منزلة السنّة ولا تؤمن ضرورة بعصمة ما وصلنا من أحاديث الرّسول بسبب قراءة التاريخ الحديث التي لا تهدر العوامل التاريخيّة التي فعلت فعلها فيه.
بناء على هذا انتقد أصحاب الاتجاه التقليدي مواقف التيّار المقابل انطلاقا من إيمانهم بأنّ المسلّمات الموروثة عن العصور السّابقة ذات أصول دينيّة وليست متّصلة في نشأتها وتطوّرها بالواقع التاريخي وبالاجتهاد البشري. ومن نماذج هذا النّقد ما وجّه إلى جمال البنّا من نقد يقوم على اتّهامه برفض السنّة وبأنّه “لم يجعل لها بجانب القرآن وجودا لأنّه لا يؤمن بها -وإن ادّعى حبّه لها ودفاعه عنها- وحيا من الله تبارك وتعالى إلى الرسول (ص) وهو بهذا يشكّك في عصمة الرّسول (ص) التي أجمعت الأمّة على ثبوتها له وذلك يستلزم حتما صدقه في كلّ ما يبلغه عن ربّه من قرآن وحديث وفي كلّ ما يصدر عنه“[10].
معيار العقل في نقد الحديث
حاول الباحثون المعاصرون في دراساتهم الدائرة على متون الأحاديث النبوية ن يؤصّلوا معيار العقل في الفكر الإسلامي وفي ممارسة المسلمين. وسعوا إلى أن يكون هذا التأصيل راجعا إلى أقدم فترة ممكنة من فترات التاريخ الإسلامي. ولذلك بحث بعضهم عن إرهاصات حضور هذا المقياس النقدي في عهد الصحابة.
وقد احترز أحد الباحثين من إمكانية اعتبار بعض مواقف الصحابة دليلا على حضور هذا المعيار. يقول في هذا الشأن الدميني :” بقي مقياس آخر في منهج الصحابة في نقد الحديث لا أجزم بأنه كان معتبرا عندهم لكنّه وقع منهم في بضع مسائل لا تجعل الباحث متيقنا من اعتباره مقياسا لهم وهو استخدام النظر العقلي في نقد بعض الأحاديث(1).
ولعلّ ما يبرّر هذا الاحتراز غياب التنظير المتأني لهذا المعيار. ومع ذلك فإنّ النماذج التي ذكرها الباحث تخبر عن إرهاصات وعي فطري باستخدام العقل للحكم على الحديث. ومن هذه النماذج مسألة الوضوء من حمل النعش في الجنازة. فقد روي قول أبي هريرة :”
من غسل ميّتا اغتسل ومن حمله توضّأ “. فبلغ ذلك عائشة فقالت: أو نجس موتى المسلمين؟ وما على رجل لو حمل عودا” (2).
وإذا حاولنا البحث في مدى حضور معيار العقل لدى المحدّثين القدامى فإنّنا يمكن أن نخلص إلى نتيجتين أساسيتين: تتمثّل أولاهما في بقاء هذا المعيار في مجال التنظير دون التطبيق لذلك “لم يرد فيه نص أو مثال يثبت اعتباره مقياسا عند أئمة النقد إلاّ ما ورد في كتب المتأخرين. وقد أخذوه عن الأصوليين” (3).
وممّا يفسّر تهميش المحدّثين لمعيار العقل اعتقادهم أنّ الأحاديث الصحيحة لا تتعارض مع العقل لذلك جعلوا الأحاديث الموضوعة وحدها مجالا لتطبيق مقياس العقل لغربلة هذه الأحاديث وإن كانت أسانيدها لا تقبل الطعن. يقول ابن الجوزي في هذا السياق:”
واعلم أنّنا حرصا خرّجنا رواة هذا الحديث على عادة المحدّثين ليتبيّن أنّهم وضعوا هذا وإلاّ فمثل هذا الحديث لا يحتاج إلى اعتبار رواته لأنّ المستحيل لو صدر عن الثقات ردّ ونسب إليهم الخطأ ألا ترى أنّه لو اجتمع خلق من الثقات فأخبروا أن الجمل قد دخل في سمّ الخياط لما نفعتنا ثقتهم ولا أثرت في خبرهم لأنّهم أخبروا بمستحيل فكلّ حديث رأيته يخالف المعقول أو يناقض الأصول فاعلم أنّه موضوع فلا تتكفل اعتباره” (1).
وقد درس علماء أصول الفقه معيار العقل ابتداء من القرن الرابع للهجرة على الأقل: فقد وجدنا عند الجصّاص قوله: “وكلّ خبر يضادّه حجة للعقل فهو فاسد غير مقبول وحجة العقل ثابتة صحيحة إلاّ أن يكون الخبر محتملا لوجه لا يخالف به أحكام العقول فيكون محمولا على ذلك الوجه”(2). والظاهر أنّ هذا الموقف تجلّ من تجلّيات تأثر الجصّاص الحنفي بالمعتزلة.
والمعلوم أنّ أعلام هذه الفرقة شرعوا منذ القرن الثاني للهجرة يعتمدون معيار العقل لنقد الأحاديث. بل وصل بهم الأمر إلى حدّ اعتبار العقل قادرا على نسخ الأخبار دليلا على منزلة الصدارة التي ينزّلونه فيها. ونلفي في هذا الصدد شهادة مهمّة عن أهمّ ثلاثة معايير اعتمدها إبراهيم النظام لنقد الحديث: عرض الحديث على القرآن وعرضه على العقل، وعرضه على الحديث. يقول ابن قتيبة في هذا الصدد:” فهذه أقاويل النظّام قد بيّناها وأجبناه عنها ، وله أقاويل في أحاديث يدّعي عليها أنّها مناقضة للكتاب وأحاديث يستبشعها من جهة حجة العقل وذكر أن جهة حجة العقل قد تنسخ الأخبار وأحاديث ينقض بعضها بعضا” (1).
وقد عرض ابن قتيبة عدّة نماذج من الأحاديث التي تبطلها حجة العقل من وجهة نظر النظام وردّ عليها. ومنها ما ذكره في مبحث موسوم بـ ” قالوا حديث يدفعه الكتاب وحجة العقل” جاء فيه: “قالوا :
رويتم عن محمد بن إسحاق عن عبد الله بن أبي بكر عن عمره عن عائشة أنها قالت لقد نزلت آية الرجم ورضاع الكبير عشرا فكانت في صحيفة تحت سريري عند وفاة رسول الله (ص) فلمّا توفي وشغلنا به دخلت داجن للحي فأكلت تلك الصحيفة. قالوا : وهذا خلاف قول الله تبارك وتعالى: وإنّه لكتاب عزيز لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه” (فصلت 42) فكيف يكون عزيزا وقد أكلته شاة وأبطلت فرضه وأسقطت حجته. وأي أحد يعجز عن إبطاله والشاة تبطله. وكيف قالت : اليوم أكملت لكم دينكم وقد أرسل إليه ما يأكله؟ وكيف عرض الوحي لأكل شاة ولم يأمر بإحرازه وصونه؟ ولم أنزله وهو لا يريد العمل به؟
ويبدو أنّ اعتماد معيار العقل في نقد الحديث لم يبق حكرا على المعتزلة وغير السنيين، فقد وجدت بعض تجلياته حتى داخل المدونة السنية من ذلك قول القاضي أبي بكر بن العربي في حديث رواه أبو سعيد الخدري (2): “استشكل هذا الحديث لكونه يخالف صريح العقل لأنّ الموت عرض والعرض لا ينقلب جسما فكيف يذبح؟ فأنكرت طائفة صحة هذا الحديث ودفعته : وتأولته طائفة فقالوا : هذا تمثيل ولا ذبح هناك حقيقة، وقالت طائفة بل الذبح على الحقيقة والمذبوح متولّي الموت. وكلّهم يعرفه لأنّه الذي تولّى قبض أرواحهم” (2).
وجماع القول في استخدام معيار العقل في نقد الحديث في الفكر السني القديم أنّ ممثلي هذا الفكر كانوا موزعين بين اتّجاهين رئيسيين:
- اتجاه أهل الرأي المتأثرين بالمواقف غير السنية الاعتزالية أو الخارجية أو الشيعية،
- واتجاه أهل الحديث الذين تهيبوا من إعمال العقل في الحديث رغم اعترافهم أحيانا بورود الحديث على خلاف العقل.
يقول الخطيب البغدادي في هذا الشأن :” ولعمري إن السنن ووجوه الحق لتأتي كثيرا على خلاف الرأي ومجانبته خلافا بعيدا فما يجد المسلمون بدّا من اتباعها والانقياد لها ولمثل ذلك ورع أهل العلم والدين فكفهم عن الرأي ودلهم على غوره وغورته…” (1).
معيار نقد الحديث في ضوء العصر الحديث ومكتسباته العلميّة والقيميّة
من الطّبيعي أن يتفاعل ممثّلو الفكر الإسلامي الحديث مع عصرهم وأن يتبنّوا مكتسباته العلميّة والقيميّة والحقوقيّة وما أدّت إليه هذه المكتسبات على أرض الواقع من إنجازات نافعة للفرد وللمجتمع.
ومن البديهي أيضا أن يعيد علماء الإسلام النظر في نصوصهم وفي علوم القدامى التي ورثوها في ضوء ما استجدّ في مختلف مجالات العلم الإنساني والاجتماع البشري. وبناء على هذا اصطدم كثير من المسلمين بنصوص وردت في الصّحيحين لم تعد تتناسب مع الواقع الحديث. فهي تصلح لمجتمعات ما قبل العصر الحديث، ولا يمكن تطبيقها أو زرعها في دواليب الواقع المتطوّر المتحرّك فما العمل مع هذه الأحاديث؟ هل نقبلها أم نرفضها؟ هل نميّز بين ما يتعلّق منها بالدّين وما يتعلّق بالدّنيا فنقبل الصّنف الأوّل ونرفض الثّاني؟
إنّ هذه الأسئلة ما كانت لتطرح في الماضي لأنّ النّقد كان يتركّز أساسا على السّند فإن قبلت سلسلة رواة الحديث فهو مقبول، إلاّ أنّ العصر الحديث الذي فشا فيه منهج نقد المتن واعتماد العقل وتوظيف المنهج التاريخي والمنهج التأويلي وغيرهما من المناهج لدراسة الحديث جعل الدّارسين في حرج حقيقي لاختلاف طبيعة المجتمع الحديث والدّولة عن المجتمع القديم والدّولة الحديثة.
ويمكن أن نجد أمثلة تبرز هذه المسافة الفاصلة بين الأحاديث والواقع الحديث في عدّة مجالات ففي مجال التنظيم السّياسي للدّول الحديثة برزت معايير وقواعد جديدة لم تكن معروفة في العصور القديمة على غرار معايير مكافأة العاملين في الدّولة والمحاربين في صفوفها، فلم تعد الدّولة تعمل وفق نظام الغنائم. ونجد في هذا الصّدد حديثا رواه البخاري في صحيحه ينقل فيه قول بعض الرواة عن الرسول “قسم رسول الله الغنائم يوم خيبر للفرس سهمين وللراجل سهما“[11].
وقد لا يثير هذا الحديث لدى المسلم العادي ملاحظة تذكر ذلك أنّه يعتبره معطى تاريخيًا من معطيات سيرة الرّسول إلاّ أنّ العالم الذي يتوقّف عند نصّ الحديث وقفة تدبّر وتأمّل، ويستحضر الدّور التشريعي للسنّة والدّعوة إلى العمل بما قاله الرّسول وبما تضمّنته الصّحاح وخاصّة صحيحي البخاري ومسلم يدرك أنّ هذا الحديث تجاوزه الزّمن لذلك علّق الشّيخ محمد الغزالي على هذا الحديث قائلا : “ومع الأنظمة الجديدة يتغيّر نظام الغنائم تغيّرا تامّا، وتنشئ الدّولة تعاليم جديدة لمعاقبة مجرمي الحرب ومعاملة المحسن والمسيء… ومع أنّ الأحناف رفضوا الحديث وقدّموا عليه حديثا آخر وهو أنّ النبي (ص) “أعطى الفارس سهمين والرّاجل سهما“[12] فنحن نرى القضيّة كلّها منتهية لأنّ دور الخيّالة والرجّالة انقضى، وأضحى كسب الحرب منوطا بأجهزة أهمّ وأدقّ تعمل فيها المدرّعات والطّائرات.. ويجوز للدّولة أن تمنح جوائز خاصّة لمن أبلوا بلاء حسنا”[13].
هكذا يسعى الباحث المسلم الحديث إلى أن يؤكّد انتماءه إلى عصره وواقعه المختلف جذريا عن الواقع الذي يعكسه الحديث، وهو لا يروم التّوفيق بين النصّ والواقع بل يصدع بكلّ جرأة أنّ “القضيّة كلّها منتهية” أي إنّ متن الحديث انتهت صلاحيته ولم يعد للعمل به أيّ معنى.
والأمر ذاته توصّل إليه الغزالي وفريق من الباحثين المسلمين المحدثين عندما نظروا في أحاديث بدت لهم متعارضة مع الحقائق الطبيّة الحديثة. فبعض الأحاديث تفيد أنّ الأنوثة تنشأ من علوّ ماء الأنثى على ماء الرّجل إلاّ أنّ الشيخ محمد الغزالي يستثمر العلم الحديث لينفي أيّ دور لماء المرأة في تحديد الذّكورة والأنوثة معتبرا أنّ “اليقين الثابت بالعلم وبالوحي لا يجوز أن يتقدّم عليه ظنّ علمي يرويه حديث آحاد. ويضبط الغزالي ثلاثة معايير ينبغي ضرورة أن يستند إليها للنظر في الحديث والحكم على قبوله أو رفضه هي
- النصّ القرآني
- الحقيقة العلميّة
- الواقع التاريخي
يقول:
“إنّ حديث الآحاد يتأخّر حتما أمام النصّ القرآني والحقيقة العلميّة والواقع التاريخي”[14]. وهذا الموقف على قدر كبير من الجرأة لأنّه تخلّى عن الموقف التقديسي للسنّة ونظر فيها نظرة حركيّة تطوّرية تراعي مستجدّات العلم والعصر والواقع. وهذا ما يجعل مدوّنة السنّة متغيّرة متفاعلة مع زمنها على الدّوام.
ومن أشهر الأحاديث التي عدّت مصادمة للطبّ الحديث حديث الذّبابة[15]. وقد أنكر بعض العلماء هذا الحديث من جهة الطبّ على غرار محمد رشيد رضا[16] عندما دافع عن محمد توفيق صدقي الذي ردّ حديث الذّبابة علميّا على حسب ظنّه بحجّة أنّ الذّباب يقع على الأقذار الملوّثة بالجراثيم والأمراض فيأكل منها ويحمل بأطرافه فإذا وقع في الطّعام أو الشّراب رمى فيه من تلك الجراثيم والأقذار التي حملها فصار الطّعام ملوّثا بتلك الأقذار والجراثيم فأصبح الطّعام لا يجوز تناوله فكيف تأمر الشّريعة وتحثّ على التزيّد من تلك الجراثيم وأن يغمس الذّباب في الطّعام أو الشراب ثم يؤكل، والشّريعة جاءت موافقة للعلم والذّوق؟
ويركّز بعض العلماء الذين أنكروا هذا الحديث على جانب آخر في ردّهم له من ذلك اعتباره متعلّقا بأمر من أمور الطبّ، وهي أمور دنيويّة علميّة لم يبعث الرّسول لبيانها وتبليغها للنّاس وليست وحيا من الله. ويعدّ هذا الموقف الرّافض للحديث محاولة لتبرئة الرّسول من شبهة نسبة الحديث إليه بل تبرئة الله ذاته لأنّ مضمون الحديث يحرج الإنسان المعاصر وهو ما جعل الشّيخ عبد المنعم النمر يتساءل تساؤلا إنكاريا:
“فحتّى لو سلّمنا أنّ في أحد جناحيه دواء وفي الآخر داء فكيف يتغاضى الوحي من الله –وهو العليم الخبير- عمّا يحمله بقيّة جسمها من أمراض خطيرة”[17].
لقد صدم هذا الموقف ممثّلي التيّار المحافظ الذين لا يتصوّرون التّشكيك في أحاديث الصّحيحين لذلك انبروا يدافعون عن الأحاديث معتبرين أنّه لا يحقّ لأيّ أحد رفض حديث الذّبابة أو أيّ حديث آخر لعدم اتّفاقه مع العلم الحالي ذلك أنّ العلم يتطوّر ويتغيّر، وإذا كان الحديث يصادم العقل فالعيب ليس في الحديث وإنّما في العقل.
وفي السياق ذاته انتقد إسماعيل الكردي حديث “ما من مولود إلاّ نخسه الشيطان فيستهلّ صارخًا من نخسة الشّيطان إلاّ ابن مريم وأمّه”[18]. وهذا الحديث حسب الكردي يتعارض مع معطيات الطبّ
“فقد ثبت في الطبّ أنّ سبب صراخ كلّ مولود حين ولادته هو دخول الهواء لأوّل مرّة رئتيه بعد أن كان يتلقّى الأوكسجين من دم أمّه عبر الحبل السرّي ولو لم يبك لاختنق. ثمّ هل زوجة عمران (أمّ مريم) هي الوحيدة في الدّنيا التي أعاذت وليدها وذرّيته من الشّيطان الرّجيم، أليس كلّ مسلم يقول حين الجماع: “اللهم جنّبنا الشّيطان وجنّب الشّيطان ما رزقتنا”، فلماذا لا يعيذ الله (ت) مولوده حسب الحديث من نخسة الشيطان؟ وهل دعاء المسلمين جميعهم غير مقبول؟”[19].
لم يستسغ المحافظون هذا الموقف فردّوا عليه على أساس تغليب قوّة السّند على ضعف المتن والتّشكيك في قدرة العقل على انتقاد الحديث “فانظر كيف أعلّ حديثا برأيه ولو تأمّل لوجد أنّ الظنّ الذي حصل بقوّة إسناد الحديث أقوى بدرجات من الوهم الذي أناطه بمتن الحديث إذ لا مانع أن يكون لصراخ الطّفل عند الولادة سببان، سبب حسّي وسبب غيبي. وأمّا كون أمّ مريم أعاذتها من الشيطان فهذا غير مذكور في متن الحديث المرفوع فلا يصحّ الاعتراض به“[20].
إنّ كلّ شيء جائز -في نظر المحافظين– للدّفاع عن صحّة الحديث بما في ذلك الطّعن في العلم والعلماء “فالحديث إذا ثبت عندنا وصحّ بحسب القواعد العلميّة المؤصّلة فلا قدر عندنا بعد ذلك لتجربة أو تحليل مختبري أو غيره فإنّنا على يقين أنّ ما لم يتأهّل له الأطبّاء اليوم فقد يتأهّلون له غدا وليس هناك عامل يجزم أنّ عصرنا هذا أو أطباءنا وخبراءنا اليوم هم نهاية مطاف الدّنيا في البحوث والمكتشفات العلميّة والتجارب الطبية”[21].
ويذهب أصحاب هذا الموقف إلى أبعد من هذا معتبرين أنّه على خلاف من يعتقدون أنّ أحاديث البخاري تتصادم مع الطبّ الحديث فإنّ هذه الأحاديث مصدر من مصادر الطبّ البديل[22].
معيار نقد متن الحديث في الفكر الإسلامي الحديث
أقرّ فريق مهمّ من ممثّلي الفكر الإسلامي الحديث والمعاصر بأنّ اعتناء القدامى بالسّند فاق الاعتناء بالمتن. ولا يعدّ هذا الموقف أمرًا جديدًا فإنّ بعض الشهادات القديمة وقفت على هذه الحقيقة منها قول ابن الصّلاح : “أكثر استدراكاته –يعني الدارقطني- على البخاري ومسلم قدح في أسانيدها غير مخرّج لمتون الأحاديث من حيز الصحّة”[23].
وقد تبلورت الجهود التنظيريّة والتطبيقيّة لنقد المتن انطلاقا من محمد عبده ورشيد رضا. فمحمد عبده وإن كان لم يفصّل في المسألة كثيرا فإنّه دعا إلى عدم الأخذ بأحاديث الآحاد مهما بلغت درجتها من الصحّة إذا ما خالفت القرآن والعقل ونقد عدّة أحاديث اعتمادا على هذين المعيارين منها حديث تعرّض الرسول إلى السحر المروي في الصحيحين[24].
إقرأ أيضًا: سوسيولوجيا الفلسفة الإسلامية.. الجزء الأول علم الكلام والمجتمع في تاريخ المسلمين
توسّع رشيد رضا في هذا المنحى مبديا احترازه من متون عدد من الأحاديث المروية في الصّحيحين لكنّه لم يصل إلى حدّ التّصريح بأنّها موضوعة. يقول في هذا الصّدد :
“ودعوى وجود أحاديث موضوعة في أحاديث البخاري المسندة بالمعنى لا يسهل على أحد إثباتها، ولكنّه لا يخلو من أحاديث قليلة في متونها نظر قد يصدق عليه بعض ما عدّوه من علامات الوضع”[25].
ومن الأمثلة على النّقد التطبيقي لمتن الحديث ما ذكره رضا عند تفسيره للآية “ألا إنّ أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون” (يونس 62) فقد قال “لم نر في الأحاديث الصّحيحة ما هو أقرب إلى كلام الصّوفية منه إلى كلام الله إلاّ حديث “من عادى لي وليّا فقد آذنته بحرب…”. وقد انفرد به البخاري، وفي سنده كما في متنه غرابة… وأمّا الغرابة في متن هذا الحديث فهو قوله (ت) –والحديث قدسي- “ولا يزال عبدي يتقرّب إليّ بالنّوافل حتّى أحبّه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به…” الذي استدلّوا به على الحلول والاتّحاد. وقد أوّله العلماء وبيّنت أمثل تأويل له عند الكلام على حبّ الله (ت)”[26].
والملاحظ أنّ حرص رضا على أن لا يفهم من نقده لمتون بعض الأحاديث تشكيكه في منزلة صحيح البخاري جعله يصرّح بأنّ “الإنصاف يقضي عليّ بأن أؤكّد مكانة صحيح البخاري، فهو بلا ريب أدقّ كتب السنّة. ومن الإنصاف كذلك توكيد احتواء كتب السنّة على آلاف الأحاديث المقبولة بذل الأسلاف في تدوينها جهودا مضنية”[27].
وقد انتبه رشيد رضا إلى عدم اهتمام علماء الحديث القدامى بنقد متون الأحاديث في مقابل تركيزهم على نقد السند لذلك نلفيه يقول : “أمّا تمحيص متون الرّوايات وموافقتها أو مخالفتها للحقّ والواقع أو للأصول أو الفروع الدّينيّة القطعية أو الرّاجحة فليس من صناعتهم (أي رجال الحديث)، ويقلّ الباحثون فيه منهم ومن تعرّض له كالإمام أحمد والبخاري لم يوفه حقّه، كما تراه في ما يورده الحافظ ابن حجر في التعارض بين الرّوايات الصّحيحة له ولغيره، ومنهم من كان يتعذّر عليهم العلم بموافقته أو مخالفته للواقع”[28].
ويعدّ هذا الرّأي ركيزة من ركائز التجديد الحديث لمنهج نقد الحديث. ويعتبر بعض الباحثين المعاصرين في هذا السياق أن “المنهج الذي يدعو إليه الشيخ رشيد رضا يُعدّ من بعض نواحيه على الأقلّ مطالبة بإعادة النظر في الطّريقة التقليدية (التركيز على نقد السّند) المتّبعة في نقد الحديث”[29].
وقد سار كثير من الباحثين المسلمين على خطّ مدرسة عبده ورضا ومنهم الشّيخ محمد الغزالي (ت 1996م) فقد أبرز في عدّة مواضع من مؤلّفاته احترازه من متون بعض الأحاديث من ذلك قوله : “المشكلة تكمن في أحاديث أخرى صحيحة السّند غير أنّ متونها توقفنا أمامها واجمين لنبحث عن تأويل لها أو مخرج. خُذ مثلا حديث عائشة (رض) قالت:
دُعي رسول الله (ص) إلى جنازة غلام من الأنصار فقلت يا رسول الله طوبى لهذا العصفور من عصافير الجنّة، لم يدرك الشرّ ولم يعمله، قال : أو غير ذلك يا عائشة، إنّ الله عز وجلّ خلق للجنّة أهلا خلقهم لها وهم في أصلاب آبائهم وخلق للنّار أهلا خلقهم لها وهم في أصلاب آبائهم”[30].
إنّ هذا الحديث مستفزّ حقا لأنّه يتعارض مع ما ينصّ عليه القرآن من أنّ الجزاء على قدر العمل وإذن كيف يعاقب الله ناسًا قبل أن يخلقوا وقبل أن يرتكبوا أيّ شر؟ ألا يتعارض هذا مع مبدإ العدل الإلهي؟
وقد نادى هذا الشّيخ في كتابه “علل وأدوية” بضرورة اعتماد نقد المتن بدلا من التركيز على السّند وعلّق في هذا الصدد على إنكار عبده قصّة الغرانيق قائلا: “دمّر (محمد عبده) قصّة الغرانيق التي وجدت لها أسانيد عند بعض المحدّثين الكبار وأزال عن الشّريعة أوهاما تعكّر صفاءها. وبدا من أسلوبه أنّه استدرك على بعض المحدّثين اهتمامهم بالسّند وذهولهم عن المتن”[31].
ولئن اكتفى الشيخ محمد الغزالي بالتعبير عن وجومه إزاء الحديث المروي عن عائشة فإنّه عبّر في موضع آخر من مواضع نقده لبعض متون الأحاديث عن شعوره بالرّيبة ممّا يعني أنّه يشكّ في صحّة الحديث أصلا. وهو ما يعني في نهاية المطاف ترجيح وجود بعض الأحاديث الموضوعة ضمن الصحيحين. ويتعلّق الأمر بحديث يفيد بأنّ موسى فقأ عين ملك الموت عندما جاء لقبض روحه بعدما استوفى أجله. فهذا الحديث في نظر الغزالي صحيح السّند لكنّ متنه يثير الريبة إذ يفيد أنّ موسى يكره الموت ولا يحبّ لقاء الله بعدما انتهى أجله، وهذا المعنى مرفوض بالنسبة إلى الصّالحين من عباد الله كما جاء في الحديث الآخر : “من أحبّ لقاء الله أحبّ الله لقاءه” فكيف بأنبياء الله؟“[32].
وفي السياق نفسه نقد أحمد أمين(ت1954م) أهل الحديث لأنّهم لم يعنوا بنقد المتن عشر ما عنوا بنقد السّند. يقول :
“وقد وضع علماء الجرح والتعديل قواعد ليس هنا محلّ ذكرها ولكنّهم والحقّ يقال عنوا بنقد الإسناد أكثر ممّا عنوا بنقد المتن، فقلّ أن تظفر منهم بنقد من ناحية أنّ ما نسب إلى النبي (ص) لا يتّفق والظّروف التي قيلت فيه أوّ الحوادث التاريخية الثابتة تناقضه أو أنّ عبارة الحديث نوع من التعبير الفلسفي يخالف المألوف في تعبير النّبي أو أنّ الحديث أشبه في شروطه وقيوده بمتون الفقه وهكذا، ولم نظفر منهم في هذا الباب بعشر معشار ما عنوا به من جرح الرّجال وتعديلهم”[33].
يقرّ أحمد أمين في هذا القول بأنّ نقد المتن موجود لدى العلماء القدامى لكنّه قليل بل نادر وبأنّ ما كان ينتظر منهم اعتماد مناهج في مقاربة الأحاديث كان العمل بها معهودا على غرار فهم دلالة الحديث في إطار سياقه التاريخي للنظر في مدى اتّساق معطياته مع الحقائق التاريخية في عصره أو في غيره من العصور. وكذلك فهم موضوع الحديث من خلال تحليل لغته وخطابه والنظر في مدى تجانس طبيعة الخطاب في الحديث مع الخطاب اللغوي المعهود للنبوي. ولعلّ أحمد أمين يدعو ضمنيا من خلال رأيه هذا إلى استخدام المنهج التاريخي النقدي الحديث وكذلك منهج تحليل الخطاب لغربلة الأحاديث وفهمهما.
وما يلفت الانتباه أنّ نقد متون الأحاديث كان يصدر بالأساس من داخل المؤسسة السنيّة الرسميّة أي من علماء ينتمون إليها على غرار رشيد رضا ومحمد الطّاهر ابن عاشور، وهو ما شجّع الباحثين غير المنتمين إلى هذه المؤسسة على اقتفاء خطاهم. ولهذا عندما عاب طه حسين على محمود أبي رية كثرة نقله عن رشيد رضا في دراسته للحديث النبوي ولأعلامه ذكر أنّه لم يصنع ذلك عفوا وأنّه إنّما فعل ذلك لأنّ “هذا السيد يعتبر في هذا العصر من كبار أئمّة الفقهاء المجتهدين عند أهل السنّة الذين يُعتدّ برأيهم وأنّه بلا منازع شيخ محدّثي أهل السنّة في عصرنا“[34].
وممّا تختصّ به ظاهرة نقد المتن في الفكر الإسلامي الحديث صفة الشّمول إن جغرافيا وإن مذهبيا فعلى الصّعيد الأوّل امتدّ هذا النّقد من المشرق الإسلامي إلى المغرب الإسلامي ذلك أنّنا نجد الشيخ محمد الطّاهر ابن عاشور –على سبيل المثال- يضطلع بنقد متون بعض الأحاديث على غرار نقده متون أخبار المهدي المنتظر، فقد أوضح أنّ رواتها نسبوها إلى ثمانية عشر من الصّحابة[35]. وهذا الحرص من الرواة على تزيين تلك الأسانيد ونسبتها إلى عدد كبير من الصّحابة مع عدم خلوّ سند من تلك الأسانيد من مقال أو طعن، يجعلها مثارا للشكّ، فقد يكون ذلك مؤشّرا على حرص مشيعي ذلك الخبر على رواجه بين النّاس، فيكتسب بتلك الطّرق المختلقة شهرة وقوّة حتّى يطمئنّ له عامّة المسلمين.
ويستخلص ابن عاشور أنّ هذه المسألة من اختلاق الشّيعة في صراعهم السّياسي مع الأمويّين والعباسيين بحثا عن مؤيّدات شرعيّة لدعم ادّعائهم الأحقيّة بالخلافة.
ولا يقتصر نقد المتن عند ابن عاشور على الأحاديث المرويّة خارج الصّحيحين وإنّما يشمل أيضا بعض أحاديث الصحيحين على غرار ما ورد في صحيح البخاري في بابي وضوء الصّبيان وحضورهم الجماعة وخروج النّساء إلى المساجد من حديث عائشة : “اعتمّ رسول الله (ص) بالعتمة حتى ناداه عمر: قد نام النّساء والصّبيان فخرج النّبي فقال : ما ينتظرها غيركم من أهل الأرض”. وفي رواية: ليس أحد يصلّي هذه الصّلاة غيركم، ولم يكن أحد يومئذ يصلّي غير أهل المدينة”.
وقد اعتبر الشيخ ابن عاشور أنّ عبارة “ولم يكن أحد يومئذ يصلّي غير أهل المدينة” مدرجة في الحديث من قبل بعض الرواة وليست من كلام النّبي كما رجح أنّها ليست من إدراج عائشة خاصّة أنّ هذا الإدراك ينمّ عن خطإ في فهم قصد الرّسول لذلك يستبعد في نظره أن يكون من عائشة[36].
والظّاهر أنّ الآراء الناقدة لمتون بعض الأحاديث نهضت عند ابن عاشور على منهج تاريخي مقارن ينطلق على هداه من سياق الحديث والمراد منه أو من علاقته بالنّصوص الأخرى وبالقواعد العامّة المستقرأة من الشّريعة أو من مواقف أئمّة الفقه والرّواية في القرون الأولى”[37].
أمّا على الصّعيد الثاني المذهبي فإنّ نقد المتون في الفكر الإسلامي الحديث شمل الفكر الشّيعي إلى جانب الفكر السنّي. فقد عارض فريق من علماء الإماميّة أحاديث مستقرّة اعتمادا على نقد قائم على معايير من أهمّها معارضتها للقرآن، نصوصه أو روحه العامّة، وكذلك معيار العقل. ومن أهمّ الأمثلة على هذا نظريّة العلامة محمد حسين فضل الله في صفات الأنبياء والأئمّة وكمالاتهم. فقد رفض اختصاص الأنبياء والأئمّة من أهل البيت بعلم الغيب وبأنّهم واسطة في الفيض الإلهي وأنّ الإمامة باطن النبوّة وأنّهم تعبير آخر عن صورة الإنسان الكامل في عرفان محيي الدين ابن عربي(ت638هـ). وهذه النظريّة لا تقوم على نقد الأحاديث المروية في الكتب الإماميّة من زاوية أسانيدها وإنّما تنهض على نقد متونها على أساس معارضتها للقرآن. فهو يرسم في عشرات الآيات صورة للأنبياء والأولياء لا تتجاوز صورة البشر الذين لا يعلمون أسرار كلّ شيء والذين قد يشرفون على الوقوع في المعصية[38].
إنّ نظر المعاصرين في الحديث النبوي لم يكتف بملاحظة غياب نقد المتون أو قلّته وندرته لدى القدامى، وإنّما سعى كذلك إلى بيان أسباب هذا الغياب ونتائجه. فعلى الصّعيد الأوّل نشير على سبيل المثال إلى موقف إسماعيل أدهم، فهو يعتبر أنّ علماء الحديث وناقديه “لم يعنوا بانتقاد المتون نقدا علميا لأنّها تغاير مبادئهم الأولى ومقرّراتهم في الحديث وتعدّ شكّا في نزاهة الرّواة ومنهم العدد الكبير من صحابة الرسول“[39].
لقد تفطّن أدهم إلى أن نقد متون الأحاديث يؤدّي إلى مأزق لأنّ بعض الأحاديث لا تنسجم مع معطيات العقل فإن رفضت فإن ذلك يعني رفض الصّحابة الذين رووها وهذا يفضي إلى هدم الرّكن الأساسي الذي وصلنا الدّين عن طريقه وهم الصّحابة. وبناء على هذا يستخلص أدهم “أنّ تحكيم العقل الصّرف في انتقاد المتن يعني تحكيم العقل في مسائل الدّين الاعتقاديّة. وليس لهذا من نتيجة في نظره اللهم إلا تزلزل المعتقد تحت ضربات المنطق والقياس”.[40]
أمّا على الصعيد الثاني فقد توصّل بعض الباحثين المجدّدين في نظرهم في الحديث النبوي إلى أنّ من نتائج غياب نقد المتن لدى علماء الحديث القدامى واقتصارهم على نقد السّند رواية أحاديث متناقضة فيما بينها وأحاديث تناقض القرآن وتلغي أحكامه وأحاديث خالية من كلّ مضمون فكريّ أو اجتماعي أو تشريعي[41].
معيار نقد عدالة الرواة
يعتبر التّمسّك بالإسناد وجها من وجوه رفض أخبار أصحاب المذاهب فقد روي عن ابن سيرين “أنّ النّاس كانوا في الزّمن الأوّل لا يسألون عن الإسناد حتّى وقعت الفتنة فلمّا وقعت سألوا عن الإسناد ليحدّث حديث أهل السّنّة ويترك حديث أهل البدعة[42].
إنّ المتأمّل في هذه المواقف لا شكّ مدرك أنّ وراءها تناقضات فكريّة وسياسية واجتماعية بين المدارس والتّيّارات الفكريّة والدّينيّة في تلك الأزمنة المبكّرة للإسلام، من ذلك اعتبار قوم من أهل الحديث مدرسة الرّأي بالعراق مبتدعة حتّى لا يؤخذ برواياتهم، يقول معاذ بن معاذ :
“كنت عند سوار بن عبد الله فجاء الغلام فقال : زفر بالباب فقال : زفر الرّائي ؟ لا تأذن له فإنّه مبتدع…”[43].
ولعلّ ما يسند هذا التّأويل موقف أبي حنيفة الّذي رأى ألاّ يؤخذ الحديث ممّن يغشى مجلس السّلطان مختارا ويرى في هذا جرحا لعدالته. نقل عنه قوله جوابا لمن سأله عمّن يأخذ الآثار : “من كلّ عدل في هواه إلاّ الشّيعة… ومن أتى السّلطان طائعا… أما إنّي لا أقول إنّهم يكذبونهم أو يأمرونهم بما لا ينبغي ولكن وطأوا لهم حتّى انقادت العامّة بهم، فهذان لا ينبغي أن يكونا من أئمّة المسلمين”[44]. وهكذا فإنّ عدالة الرّاوي تتلاعب بها الأهواء السّياسيّة والمنازعات بين المذاهب والفرق الدّينيّة والسّياسيّة لذلك نجد منذ القديم من رفض مقياس العدالة على غرار النّظّام. فهو ينصّ على أنّه “لو وجب علينا تصديق المحدّث اليوم لظاهر عدالته لوجب علينا تصديق مثله وإن روى ضدّ روايته وخلاف خبره وإذ نحن قد وجب علينا تصديق المتناقض وتصحيح الفاسد لأنّ الغلط في الأخبار والكذب في الآثار لم نجده خاصّا في بعض دون بعض[45].
ويوحي هذا الموقف بإرهاصات الوعي بأنّ صحّة الحديث لا يمكن أن تقوم على المقياس الأخلاقي أو العدالة، وعلى هذا الأساس يمكن غضّ النّظر عن بعض العيوب الّتي لا يعري منها إنسان، وسيظلّ ما يجهله النّاس من سيرة كلّ عالم وكلّ راو أكثر ممّا يعرفونه “فليس من شريف ولا عالم ولا ذي سلطان إلاّ وفيه عيب لا بدّ، ولكن من النّاس من لا تذكر عيوبه“[46].
في ضوء هذا هل تكفي ضوابط العدالة والضبط التي وضعها علماء الجرح والتعديل لمنع تسرب كلّ وجوه الوضع إلى الحديث؟
إنّ الإجابة عن هذا السؤال تكون في نظرنا بالسلب لأنّ الراوي قد يكذب متعمدا أو غير متعمّد فقد يكون منافقا كذوبا لكنّه يتظاهر بالصلاح والتقوى فيعتبر به بعض الناس لعدم معرفتهم بدخائل نفسه، وقد يكون بعض الرواة من الصادقين ولكنّه يضطر في بعض الأحيان إلى الكذب أو يخطئ المراد ولا يفهم حقيقة ما سمعه فيحدّث كما فهم معتقدا أنّه صحيح[47].
لقد تردّد –كثير من أئمّة الجرح والتعديل– في الراوي يوثقونه مرّة ويضعّفونه أخرى وذلك لأنّ “دخول وهمه في حيز الكثرة ممّا لا يوزن بميزان معلوم والاحتراز عن الوهم غير ممكن والعصمة مرتفعة عن العدول بل العصمة لا تمنع من الوهم إلا في تبليغ النبي عن الله، فقد وهم الرسول أنّه صلّى بعض الفرائض على الكمال فقال له ذو اليدين: أقصرت الصلاة أو نسيت يا رسول الله“[48].
فكيف يمكن التسليم بمقياس عدالة الراوي والحال أنّه غير معصوم وأنّ هذا المقياس كثيرا ما استخدم لأغراض سياسيّة وإلى جانب ذلك فإنّ اختلاف نقاد الحديث حول توثيق الكثير من الرواة أمر مؤكّد من ذلك ما أورده أبو رية :
- أحمد بن صالح، المصري، أبو جعفر بن الطبري: أحد أئمّة الحديث الحفاظ المتقنين الجامعين بين الفقه والحديث أكثر عنه البخاري وأبو داود ووثّقه أحمد بن حنبل ويحيى بن معين وعلي بن المديني وغيرهم ولكن النسائي كانن سيء الرأي فيه، ذكره مرّة فقال : ليس بثقة ولا مأمون.
- أحمد بن المقدام بن سليمان العجلي: وثّقه أبو حاتم والنسائي وقال فيه أبو داود: لا أحدّث عنه لأنّه كان يعلّم المجّان المجون.
- محمد بن إسحاق: أكبر مؤرّخ في حوادث الإسلام الأولى، قال قتادة: لا يزال في الناس علم ما عاش محمد بن إسحاق وقال فيه النسائي: ليس بالقوي وقال سفيان: ما سمعت أحدا يتهم محمد بن إسحاق، وقال الدارقطني: لا يحتجّ به وبأبيه وقال مالك أشهد أنّه كذاب[49]. وإضافة إلى ذلك فإنّ عدالة رجال الأسانيد كثيرا ما تكون مرتكزة على شهادة محدّث واحد أو روايته فكأنّهم يثبتون صحّة الروايات بعدالة الرجال ثم يثبتون عدالة الرجال بالروايات، ولا يخفى على أحد فساد ذلك، فإن ما يقال في رجال الأسانيد يقال مثله جرحًا وتعديلا فيمن يشهد لهم ويوثّقهم، وربّما أدّانا ذلك إلى التسلسل أو الدور في البرهان”[50].
وقد تفطّن العلماء إلى أثر العوامل الذاتية في الحديث فلاحظوا أنّ المعاصرة حجاب وكرهوا التحديث عن الأحياء من ذلك ما يروى من تحذير الشافعي والشعبي من الرواية عن الأحياء[51]. وكلّ هذا يؤكّد تاريخية مقياس عدالة الراوي وبالتالي نسبيّته فالدقّة في شروط الراوي –في ضوء مصطلحات الناقدين- كانت تراعى حتى أواخر القرن الثالث الهجري بتحفظ شديد وحيطة بالغة لتيسير السماع بيد أنّ الرواة اضطروا بعد ذلك إلى كثير من التساهل في هذه الشروط فاكتفوا في تعديل الراوي بشروط العقل والبلوغ والإسلام والضبط وعدم التظاهر بالفسق لأنّ الرواية باتت دراسة للكتب لا نقلا بالمشافهة والسماع[52].
وقد أكّد أبو الحسين البصري حركيّة مفهوم العدالة بالتمييز بين فترة الرسول وما بعدها “ففي زمن النبي كانت العدالة منوطة بالإسلام فكان الظاهر من المسلم كونه عدلا أمّا في الأزمان التي كثرت فيها الخيانات ممّن يعتقد الإسلام فليس الظاهر من إسلام الإنسان كونه عدلا فلا بُدّ من اختباره”[53].
الخلفية المنهجية الحديثة لنقد أحاديث الصحيحين: النّزعة النّقدية الحديثة
يتّضح للناظر في أغلب كتب الفكر الإسلامي الحديث والمعاصر أنّ أصحابها تأثّروا بالنزعة النقدية والعقليّة التي كرّستها العلوم الإنسانيّة والاجتماعيّة الحديثة في الغرب.
وقد احتفوا بهذه النزعة منذ بواكير عصر النهضة وحاولوا تطبيقها في مقارباتهم لعلم التاريخ أو للسيرة أو للحديث النبوي وغيرها من العلوم الإسلاميّة. والجليّ أنّه منذ منتصف القرن التاسع عشر على الأقلّ عرف روّاد الإصلاح والنهضة المقابل الفرنسي لمصطلح النّقد ونقلوا المصطلح الفرنسي معرّبا دون ترجمته إلى العربيّة. وهو ما يعضده قول خير الدين (ت 1889م) “وأمّا علم التاريخ فمن تآليفهم فيه تاريخ المسعودي وأبي الفداء المذكورين وتاريخ المقريزي، غير أنّها تواريخ مختصّة بأبناء جنسهم وقلّ أن يوجد “الكريتيك” بمعنى أنّهم لا يسبرون منقولاتهم بمسبار العقل – وهو ما أشار إليه ابن خلدون- ولا يخرجون عن دائرة الوقائع المجرّدة“[54].
بدأ تطبيق المنهج النقدي الحديث في إطار علم الحديث عامّة وفي نطاق الصحيحين خاصّة منذ أن انتقد الشيخ محمد عبده عدّة أحاديث ونجد لدى الجيل الذي تلاه دعوة صريحة إلى هذه الممارسة النقدية. وينهض هذا النّقد المطبّق على الأحاديث على مراجعة نقدية لكثير من المسلّمات في صدارتها عدالة الصّحابة الذي يعني عند المحدّثين بشكل خاص أنّ كلّ الصّحابة عدول لا يجوز الطّعن فيهم. وهو موقف يختصّ به السنّيون مخالفين به الفرق غير السنيّة.
ويعتبر إسماعيل أدهم في هذا السّياق أن تعديل الصحابة هذا اعتمادا على الإجماع قرّره معظم النقّاد وقليل منهم من أجرى عليهم ما أجرى على غيرهم إلاّ أنّه من المهمّ هنا أن نقول إنّ الصّحابة كان يضع بعضهم بعضا في موضع النّقد. وعلى الإجمال كانت طريقة تعديل الصّحابي أو تجريحه جدليّة ونحن إذا رفضنا زعم علماء الحديث بنزاهة الصّحابة وأجرينا عليهم ما نجري على غيرهم كنّا أقرب إلى المنطق والعقل في عملنا هذا وكنّا لم نفعل أكثر من السّير ومقتضيات علم النّقد الحديث”[55].
تستوقفنا في هذا الشّاهد ملاحظات عدّة منها اعتماد أدهم على المنهج التاريخي فهو يعارض موقف التعديل الكلّي للصّحابة انطلاقا من معطى تاريخي لا شكّ فيه هو النّقد المتبادل بين الصّحابة. وبالإضافة إلى ذلك يعتمد منهجه على المنطق والعقل يعني هذا أنّه لا يهتمّ بسند الخبر وإنّما بمتنه ومدى انسجام هذا المتن مع المنطق السّليم والعقل. ويقرّ أدهم أنّه في عمله هذا لا يفعل أكثر من السّير ومقتضيات علم النّقد الحديث فماذا يقصد بعلم النّقد الحديث؟
الظّاهر أنّه يقصد بذلك المكتسبات المعرفيّة والمنهجيّة النقدية في العلوم الغربية الإنسانيّة والاجتماعية وتطبيقاتها على المجال الديني وغيره.
وقد كان مطلع القرن التاسع عشر فاتحة اهتمام الغربيّين بالدراسات الشرقيّة. ويذهب بعض الباحثين إلى أنّ هذا العهد الجديد بدأ مع عمل غوستاف فايل حول النّبي محمد (شتوتغارت 1843) ففيه أوّل تطبيق لمنهج حقيقي تاريخي نقدي لمسألة حياة محمد[56].
ومن أهمّ الدّارسين للحديث النبوي ولأعلامه في الفكر الإسلامي الحديث محمود أبو رية. وتتجلّى في كتابه “أضواء على السنّة المحمدية” (1957) نزعة مزدوجة لدى كاتبه تقوم على جانب النقد من جهة وجانب الحرص على اعتماد المنهج العلمي من جهة أخرى. يقول : “على أنّنا لم نجد في أيّ من هذه الكتب (الرّدود على كتابه) –على ضخامتها وكثرتها- دراسة قيّمة ولا نقدا موضوعيا يقوم على الأسلوب العلمي الحديث الذي يظهر حقا أو يصحّح غلطا أو يعدّل رأيا… ذلك أنّ النّقد الصّحيح في هذا العصر إنّما يقوم على أصول ثابتة من العلم الكامل والعقل الرّاجح والمنطق السّليم”[57].
والجلي فضلا عن ذلك أنّ هذا الكاتب وغيره من الكتّاب الذين تصدّوا لدراسة الحديث في الصحيحين وفي غيرهما اعتمدوا بشكل رئيسي على المنهج التاريخي ذلك أنّهم رأوا أنّ دراسة الحديث تقتضي قبل كلّ شيء دراسة تاريخ هذا العلم. يقول أبو رية في هذا السّياق: “ولقد كان يجب عليهم قبل أن يشتغلوا بعلم الحديث أن يعرفوا تاريخ هذا العلم ذلك أنّ العلماء قد أوجبوا معرفة تاريخ كلّ علم قبل دراسته فقالوا إنّ تاريخ كلّ مادّة يقع منها موقع البصر من الجسم“[58]. ويبرز هذا الشاهد الذي استقاه أبو رية من كتاب “مناهج وتجديد” للأستاذ أمين الخولي(ت1966م) أنّ الباحثين المسلمين المحدثين الدّاعين إلى التجديد اطّلعوا على دراسات روّاد التجديد في الفكر الإسلامي منذ عهد محمد عبده وتأثّروا بالدّراسات المنصبّة على تجديد المناهج –على قلّتها- لإدراكهم أنّ التجديد في الفكر ينهض أوّلا وأساسا على تجديد المنهج. هذا المنهج أراده العلماء المجدّدون في الفكر الإسلامي الحديث قائما على العلم مقرّا بحقائقه وقوانينه لأنّه لا معنى للانتماء إلى العصر الحديث من دون إيمان بأهمّ خاصيّة لهذا العصر وهي العلم الذي غيّر وجه الكون والإنسانيّة.
ومن النماذج التي تجسّد هذا التوجّه اعتبار الشيخ محمد الغزالي أنّ الرّسول وصحبه تعلّموا أن يكافحوا دون إلغاء أيّ قانون من قوانين الأرض لذلك نبّه المسلمين على ضرورة الاعتناء بحراسة أنفسهم بالسّلاح أثناء الصّلاة في زمن المعارك وبيّن أنّ النبوات بما قارنها من خوارق قد انتهت مع الماضي البعيد وأنّ معجزة محمد لم تكن على غرار ما سبقها بل كانت معجزة إنسانيّة عقليّة دائمة[59].
يندرج هذا الموقف ضمن تيّار في الفكر الإسلامي الحديث استعاد التفكير في مسألة المعجزات المنسوبة إلى الرّسول والتي يتضمّن صحيحا البخاري ومسلم قسما كبيرا منها. وبيّن بعض كبار ممثّلي هذا الفكر رفضهم هذه المعجزات ما عدا معجزة القرآن وهو ما نجده لدى الشيخ محمد عبده و محمد مصطفى المراغي و رشيد رضا ومحمد حسين هيكل.
هكذا حكّم هؤلاء المفكّرون المنهج النّقدي العلمي الذي تشبّعوا به لغربلة مدوّنة أحاديث الصّحيحين ونفي القطعية عمّا لا ينسجم منها مع معطيات العقل والعلم الحديث إلاّ أنّ موقفهم منها لم يكن موحّدا إذ مرّ من النقد الخفيف متجسّما في اعتبار أنّ دلالة هذه الأحاديث لا تتجاوز الظنّ ووصل إلى حدّ اعتبارها موضوعة.
ويجلو موقف محمد عبده بداية هذا المسار، فهو في تعليقه على أحاديث شقّ صدر الرسول لإزالة أثر الشيطان ينكر أن يكون للشيطان سلطان على صنف من النّاس سمّاهم عباد الله المخلصين وأضاف إليهم صنفا اعتبره خير هؤلاء العباد وهم الأنبياء والمرسلون، يقول :
“وأمّا ما ورد في حديث مريم وعيسى من أنّ الشيطان لم يسمّهما وحديث إسلام شيطان النبي وحديث إزالة حظّ الشيطان من قلبه (ص) فهو من الأخبار الظنّية لأنّه من رواية الآحاد. ولمّا كان موضوعها عالم الغيب والإيمان بالغيب من قسم العقائد وهي لا يؤخذ فيها بالظنّ لقوله تعالى “إنّ الظنّ لا يغني من الحق شيئا (النجم 53/28) كنّا غير مكلّفين بالإيمان بمضمون تلك الأحاديث في عقائدنا”.[60]
يقوم هذا النقد على السّند أوّلا لأنّ الخبر آحاد لذلك يفيد الظنّ أمّا نقد المتن فهو يقوم على العقل لذلك فإنّ ما يتجاوز العقل لا يفيد القطع أيضا. ويصل هذا المسار النقدي لخبر شقّ الصّدر إلى منتهاه من خلال اعتباره موضوعا وهو ما تبنّاه كثير من الباحثين منهم منصف الجزّار نلفيه يقول: “ويمكن أن تفضي المقارنة بين عيسى ومحمد من خلال النظر في أبعاد حادثة شقّ الصّدر إلى إثبات أنّ دلالة الخبر تؤكّد مكانة عيسى المتميّزة وحاجة محمد إلى اجتياز امتحان شقّ الصدر لإزالة أثر الشيطان. وقد نلمس في كلّ ذلك أثرا واضحا للإسرائيليات في وضعها للأحاديث ونسبتها إلى الرسول[61].
مآل المنهج النقدي الحديث: نقد عصمّة الصّحيحين
أدّى اعتماد الباحثين المسلمين في العصر الحديث معايير نقدية منهجيّة حديثة –فضلا عن المعايير القديمة- في نقد أحاديث الصحيحين إلى استنتاج أساسي يفيد نفي العصمة التي حاول بعض القدامى إضفاءها عليهما ونفي القول بوجود إجماع على صحّتهما.
والظّاهر أنّ ما ساعد على وصولهم إلى هذه النّتيجة عوامل عدّة منها ما وجدوه في الفكر الإسلامي القديم من مواقف نقدية وجّهت إلى أحاديث الصحيحين سندا ومتنا. فلئن ذهب فريق من العلماء القدامى من أهل الحديث خاصّة إلى اعتبار ما اتفق البخاري ومسلم على روايته في حكم المتواتر، وما رواه أحدهما بالإسناد المتّصل إلى الرّسول ممّا لم يبلغ التّواتر كالحديث المتواتر في حصول العلم به والقطع بصحّته[62]، فإنّ فريقا آخر من العلماء عارض هذا الموقف معتبرا أنّ ما ورد في الصحيحين أو في أحدهما لا يفيد إلاّ الظنّ[63].
وعلاوة على هذا فإنّ القول بصحّة جميع أحاديث الصحيحين وأن الأمّة تلقّتهما بالقبول أمر غير مسلّم به. فقد تكلّم كثير من الحفّاظ وعلماء الجرح والتّعديل في أحاديث ضعيفة وباطلة، من ذلك ما كتبه الدارقطني(ت385هـ) في كتابه “علل الحديث”، وما أورده الضياء المقدسي (ت 643 هـ) في كتابه “غريب الصّحيحين” والفيروزآبادي (ت 817 هـ) في “نقد الصّحيح”، كما انتقد عدد من رواة الصّحيحين واتّهموا بالكذب والتدليس. وفي هذا السّياق يقول أبو الفضل الأدفوي[64] (ت. 748هـ):
“إنّ قول الشّيخ أبي عمرو ابن الصلاح(ت643هـ): إنّ الأمّة تلقّت الكتابين بالقبول، إن أراد كلّ الأمّة، فلا يخفى فساد ذلك، وإن أراد بالأمّة الذين وجدوا بعد الكتابين فهم بعض الأمّة، ثمّ إن أراد كلّ حديث فيهما تلقي بالقبول من النّاس كافّة فغير مستقيم. فقد تكلّم جماعة من الحفّاظ في أحاديث فيهما فتكلّم الدارقطني في أحاديث وعلّلها. وتكلّم ابن حزم(ت456هـ) في أحاديث كحديث شريك في الإسراء. وقال: إنّه خلط، ووقع في الصّحيحين أحاديث متعارضة لا يمكن الجمع بينها، والقاطع لا يقع التعارض فيه”[65].
ومن العوامل التي قدحت نقد عصمة الصّحيحين الثقافة الحديثة التي تكرّس التعامل العقلي مع التّراث وتتجاوز المواقف التّقديسيّة للبشر وللأشياء وتعمل على تكريس مبدإ نسبيّة الحقيقة وأولويّة العقل على النّقل. وهو ما جعل التّعليم الحديث يقوم على تجاوز الحفظ والتّقليد السّائدين في التّعليم القديم ويسعى إلى تدريب المتعلّم على حذق آليات الفهم والتعقّل للنّصوص والقضايا التي يقاربها ويدرسها. وهذا ما جعل الشّيخ محمد عبده يقول –وفق ما نقله عنه تلميذه محمود أبو رية(ت1970م)- في رجل قد حفظ متن البخاري كلّه: لقد زادت نسخة في البلد”[66]. ولو كان هذا الشّيخ يؤمن بعصمة صحيح البخاري لما تجرّأ على ما قال.
وسار على الخطّ نفسه محمد رشيد رضا (ت1935م) فهو وإن انتصر للصّحيحين في أكثر من موضع في مجلّة المنار فإنّه وجّه لهما عدّة آراء نقديّة وصلت إلى حدّ اتّهام بعض أحاديث البخاري بالوضع “ولكنّه لا يخلو من أحاديث قليلة في متونها نظر قد يصدق عليه بعض ما عدّوه من علامة الوضع“[67]. و قرّر رشيد رضا بناء على هذا قاعدة عقدية تبنّاها أغلب ممثّلي الفكر الإسلامي الحديث تنصّ على أنّه “ليس من أصول الدّين ولا من أركان الإسلام أن يؤمن المسلم بكلّ حديث رواه البخاري مهما يكن موضوعه، بل لم يشترط أحد في صحّة الإسلام ولا في معرفته التفصيليّة الاطّلاع على صحيح البخاري والإقرار بكلّ ما فيه”[68].
وقد فشا اعتماد معيار وضع الحديث لإبطال عصمة الصّحيحين عند كثير من الدّارسين العرب والمسلمين في العصر الحديث، من ذلك قول المولوي جراغ علي الهندي(ت1895م) في كتاب وسمه بـ”أعظم الكلام في ارتقاء الإسلام”:
“إنّ الحديث النبوي ليس قطعيا كما يظنّه المسلمون بل صحّته وحجّيته محلّ نظر وشكّ وهو لا يصلح لأنّ نعتمد عليه في معرفة الأحكام، وإن الجامع الصّحيح للإمام البخاري يتضمّن أحاديث موضوعة كثيرة، ولكنّ المسلمين يظنونه أصحّ الكتب بعد كتاب الله بناء على مغالاتهم في الاعتقاد وتقليدهم الأعمى”[69].
وقد وجّه المعاصرون تهمة الوضع لعدّة أصناف من الحديث في صدارتها الأحاديث المتعلّقة بالغيب على غرار ما أخرجه مسلم عن أبي هريرة عن الرّسول في “إنّ في الجنة لشجرة يسير الراكب في ظلّها مائة سنة” فهذا الحديث حسب جمال البنّا تكاد علامات الوضع فيه تنطق. وهو يعلّق عليه وعلى حديث آخر يشبهه: “والحديثان يتناولان أمورا من الغيب ولا يقدّمان طائلا أو أمرا مفيدا. وواضح تماما أنّهما قريبان من مواعظ القصّاص بقدر ما هما بعيدان عن حديث الرّسول وليس هناك أيّ مبرّر للدّفاع عنهما أو تقبّلهما إلاّ أنّهما جاءا في الصّحيحين، كأنّ البخاري ومسلم معصومان وكأنّ الصحيحين منزلان ولا يقول بهذا إلاّ أسرى الإسناد ومن تحكّمت في عقولهم ربقة التّقليد والاتّباع”[70].
هكذا ينفي جمال البنّا عصمة البخاري ومسلم ويبطل اعتبارهما وحيا في منزلة القرآن. ويرى أنّ هذا الموقف اتّخذه أهل الحديث ومن اقتفى خطاهم من الذين يرون نقد السّند لا المتن ويؤمنون بسلطة السلف والتقليد.
وفي الإطار نفسه رفض الشيخ محمد الغزالي عصمة صاحبي الصحيحين وعصمة مصنّفيهما معتبرا أنّه لا عصمة إلا للرّسول. يقول: والدّهماء عندنا ميّالون إلى القول بعصمة الأكابر ونحن لا نعرف في تاريخنا إلا معصوما واحدا هو محمد بن عبد الله”[71]. وبناء على هذا أقرّ الغزالي بأنّه نقد مرويات جاءت في الصّحاح رآها تمسّ صميم الدّين وتفتح ثغرات مخيفة ينفذ منها العدوّ.
وقد اعتمد بعض المعاصرين معيار ضعف الحديث للتدليل على عدم عصمة الصّحيحين ومن أشهر هؤلاء الباحثين الذين يتحرّكون داخل المنظومة السنيّة ناصر الدّين الألباني (ت. 1999م) الذي اعتبر علم الحديث أمّ العلوم وجعل محور اهتمامه علم الرّجال (علم الجرح والتعديل) بما يعنيه من حصر نقد المتن في مسائل شكليّة كالنّحو واللغة والتركيز على السّند وحده مع إعادة النظر في صحّة أحاديث مشهورة[72].
وقد أثنى الألباني على جهد البخاري ومسلم في القيام بواجب تنقية الأحاديث التي أودعاها في الصحيحين من مئات الألوف من الأحاديث إلاّ أنّه مع ذلك يقرّ أنّه “في أثناء البحث العلمي تمرّ معي بعض الأحاديث في الصحيحين أو في أحدهما فينكشف لي أنّ هناك بعض الأحاديث الضعيفة. لكن من كان في ريب ممّا أحكم أنا على بعض الأحاديث فليعد إلى “فتح الباري” فسيجد هناك أشياء كثيرة وكثيرة جدّا ينتقدها الحافظ أحمد بن حجر العسقلاني”[73].
الخاتمة
إنّ المنهج الذي حاول الباحثون المسلمون المحدثون والمعاصرون تطبيقه في مقارباتهم لمنزلة الصحيحين يتّسم بخاصيّة أساسيّة تتمثّل في أنّه منهج مفتوح أو لنقل إنّه يسعى إلى فتح المغالق التي أرساها القدامى. فمن ذلك اعتبار المحدثين أنّ عمل البخاري ومسلم تمّ وفق اجتهادهما ومن زاوية نظرهما دون أن يعني ذلك ضرورة الصحّة المطلقة لما قاموا به أو تقديس ما جمعوه واعتباره أصحّ كتاب بعد القرآن.
يرى في هذا الشّأن محمود أبو رية أنّه “لا يكاد يوجد في كتب الحديث كلّها ممّا سمّوه صحيحا، أو ما جعلوه حسنا حديث قد جاء على حقيقة لفظه ومحكم تركيبه كما نطق الرسول به. ووجدت أنّ الصحيح منه على اصطلاحهم إن هو إلاّ معان ممّا فهمه بعض الرّواة.. وتبيّن لي أنّ ما يسمّونه في اصطلاحهم حديثا صحيحا إنّما كانت صحّته في نظر روّاته لا أنّه صحيح في ذاته، وأن ما يقال عنه متّفق عليه ليس المراد أنّه متّفق على صحّته في نفس الأمر، وإنّما المراد أنّ البخاري ومسلم قد اتّفقا على إخراجه“[74].
وفي السّياق نفسه يعتبر محمد أركون أنّ “النقد الذي حصل من قبل البخاري ومسلم والكليني والطوسي كاف ونهائي. ومجموعات الحديث التي تشكّلت على أساس هذا النّقد هي رسميّة نهائيّة تماما كالمدوّنة النصيّة القرآنيّة“[75].
إنّ انفتاح هذا المنهج على المراجعة النقدية لمدوّنة الصّحيحين لا ينبغي أن تقوم على المنهج النقدي الطاغي في كتب القدامى وهو المنهج الشكلي المرتكز على السّند وعلى الجرح والتعديل وإنّما ينبغي أن ينهض على الدراسة العلمية القائمة على التاريخ من جهة وعلى العلوم الحديثة من جهة أخرى.
لكن هل توجد في واقعنا الحديث عمليّة شاملة لمراجعة مدوّنة الصحيحين مراجعة نقدية؟ يجيب أركون بالنّفي قائلا : “ولكن لم تحصل حتى اليوم مراجعة شاملة لكلّ مجموعات الحديث باستثناء المماحكات التقليدية التي جرت بين ممثّلي الاتجاهات الثلاثة الكبرى في الإسلام، وهي لا تشكّل دراسة علميّة حول الموضوع وإذا حصلت هذه المراجعة الشاملة استطعنا أن نطرح مشكلة التراث الإسلامي الكلّي من وجهة نظر تاريخية أساسا“[76].
لا يشذّ هذا الموقف عن كلّ المواقف الحديثة بدءا من الشيخ محمد عبده فقد سعت إلى اعتماد المقاربة التاريخية لنزع الأسطرة والتعالي عن كثير من مكوّنات الصحيحين وخاصّة ما تعلّق بالسّيرة. ولا مناص في نظر المحدثين من القيام بهذه المهمّة الشاقّة اعتمادا على العقل وعلى العلوم الإنسانيّة حتى يتزحزح ميدان الدراسة من المنهج التقليدي القائم على السند إلى منهج يقوم على التاريخ وعلى علم الألسنيّة الحديثة وعلم النفس التاريخي والأنتروبولوجيا الاجتماعية والثقافية.
كلّ هذا الجهد يبذله الباحث المعاصر ليختبر المسلّمة التي ورثناها جيلا بعد جيل وهي اعتبار السنّة دينا مقدّسا كالقرآن تماما. يقول نصر حامد أبو زيد في هذا الشأن : “إنّ القراءة المتمهّلة لكتب السّنن وعلى رأسها سنن البخاري ومسلم تكشف أنّها جميعا حشد مسهب للسّيرة النبويّة.. ومع افتراض الصحّة الكاملة المطلقة لصدور تلك الأقوال والأفعال والموافقات عن الرسول يظلّ السّؤال قائما هل يندرج هذا التراث كله (السنّة) في مفهوم الدّين المقدّس؟[77]
ولا شك في ختام هذا البحث أنّ القداسة التي أسبغت على الصحيحين لم تتأسس في عصر كاتبيهما وإنما برزت في القرن الرابع2 .
الحواشي والمراجع:
إسماعيل أدهم، من مصادر التاريخ الإسلامي، ط1، القاهرة، مطبعة صلاح الدين الكبرى، 1936.
محمد أركون، الفكر الإسلامي نقد واجتهاد، ط1، لندن، دار الساقي، 1990.
الألباني،فتاوى الشيخ الألباني، جمع عكاشة عبد المنان الطيبي، مكتبة التراث الإسلامي، 1994.
أبو الحسين البصري، المعتمد في أصول الفقه، ط1، بيروت، دار الكتب العلمية، 1983.
الخطيب البغدادي، الفقيه والمتفقه،- الفقيه والمتفقّه، ط2، بيروت، 1980.
الخطيب البغدادي، الكفاية في علم الرّواية، الكفاية في علم الرواية، بيروت، دار الكتب العلمية، 1988.
جمال البنّا، الأصلان العظيمان، الكتاب والسنّة، رؤية جديدة، القاهرة.
جمال البنا، نحو فقه جديد، الكتاب الأوّل، السنّة في الفقه السلفي، دار الفكر الإسلامي،1996،انظر https://dn790006.ca.archive.org/
خير الدّين التونسي، أقوم المسالك في معرفة أحوال الممالك، تحقيق المنصف الشنوفي، ط2، تونس، الدار التونسية للنشر، 1986.
محمد عابد الجابري، موقع “منبر الدكتور الجابري الإلكتروني” على العنوان التالي :
http://www.aljabriabed.net/hadth1.html
منصف الجزّار، المخيال العربي في الأحاديث المنسوبة إلى الرسول، ط1، بيروت، مؤسسة الانتشار العربي / صفاقس، دار محمد علي، 2007.
أبو بكر الرازي الجصاص، الفصول في الأصول، تحقيق عجيل جاسم النشمي، ط1، الكويت، وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بالكويت، 1985.
حيدر حب الله، نقد المتن في التجربة الإماميّة، مجلّة الاجتهاد والتجديد، العدد 23، صيف سنة 2012.
محمد حمزة، الحديث النبوي ومكانته في الفكر الإسلامي الحديث، ط1، الدار البيضاء—بيروت، المؤسسة العربية للتحديث الفكري- المركز الثقافي العربي، 2005.
أبو نشوان الحميري، رسالة الحور العين وتنبيه السّامعين وشرحها، تحقيق كمال مصطفى، ط2، بيروت، دار آزال للطباعة والنشر، 1985.
يوسف بن عبد العزيز أبو الخيل، السلفيّة الجديدة في تدشينها لمبدإ نقد متون الأحاديث، جريدة الرّياض، العدد 16609.
مسفر عزم الله الدميني، مقاييس نقد متون السنة، طبعة 5، الرياض، 1984.
رشيد رضا، مجلة المنار، ج 29،1928 .
محمود أبو رية، أضواء على السنّة المحمديّة، ط3، شركة الأعلمي للمطبوعات، بيروت (د.ت.).
الزركشي ، الإجابة لما استدركته عائشة، ط3، بيروت، 1980.
نصر حامد أبو زيد، النص السلطة الحقيقية، ط1، المركز الثقافي العربي، الدار البيضاء-بيروت،1997.
جميل أبو سارة، المنهجيّة المنضبطة في تعليل بعض أحاديث الصحيحين عند النقّاد المتقدّمين، ط1، الجامعة الأردنية، عمّان.
عبد المجيد الشّرفي، الإسلام والحداثة،، ط1، تونس، 1990.
صبحي الصّالح، علوم الحديث ومصطلحه، ط17، بيروت، 1988.
ابن الصلاح، صيانة صحيح مسلم من الإخلال والغلط وحمايته من الإسقاط والسقط”، تحقيق موفق بن عبد الله بن عبد القادر، ط2، بيروت، دار الغرب الإسلامي، 1408 هـ.
محمد الطاهر ابن عاشور، تحقيقات وأنظار في القرآن والسنّة، فصل “المهدي المنتظر”، ط2، دار سحنون- تونس، دار السلام- القاهرة،2008.
ابن حجر العسقلاني ، فتح الباري ، بيروت، دار المعرفة ، 1960.
محمد الغزالي، السنّة النبويّة بين أهل الفقه وأهل الحديث، القاهرة، دار الكتاب المصري، بيروت، دار الكتاب اللبناني، 2012.
إبراهيم فوزي، تدوين السنّة، ط2 ، رياض الريس للكتب والنشر ، لندن،1995.
عبد الكريم علي الفهدي، الطبّ البديل في صحيح البخاري ومسلم في ضوء الأبحاث العلميّة، دار النشر للجامعات/ مؤسسة الريّان،صنعاء/بيروت، 2009.
ابن قتيبة ، تأويل مختلف الحديث ،تحقيق عبد القادر أحمد عطا، ط1، بيروت، مؤسسة الكتب الثقافية، 1988.
الكتاني، نظم المتناثر من الحديث المتواتر، ط2، مصر، دار الكتب السلفية،د.ت.
إسماعيل الكردي، نحو تفعيل قواعد متن الحديث، دمشق، دار الأوائل، 2002.
موسى شاهين لاشين، السنّة والتشريع، كُتيّب مهدى رفقة مجلّة الأزهر، فيفري – مارس 1991.
عبد الغني بن أحمد جبر مزهر، أصول التصحيح والتضعيف، مجلة البحوث الإسلاميّة، العدد 41، ص 329 – 365
http://alukah.net/sharia/0/335/=ixzz3ToykQQtr
فتحي حسن الملكاوي، الشيخ محمد الطّاهر ابن عاشور وقضايا الإصلاح والتجديد في الفكر الإسلامي المعاصر : رؤية معرفيّة ومنهجيّة، ط1، الأردن، المعهد العالمي للفكر الإسلامي، 1432هـ/2011.
رجب أبو مليح وعبد التواب مصطفى، أشواك في طريق التجديد الفقهي، جمال البنّا نموذجا، ط1، شركة منارات للإنتاج الفني والدراسات، 2010.
النّيسابوري، معرفة علوم الحديث، ط1، بيروت، دار إحياء العلوم، 1986.
[1] – مجلة المنار، ج 29،1928 ، ص 104 و 105.
[2] – محمد الغزالي، السنّة النبويّة بين أهل الفقه وأهل الحديث، القاهرة، دار الكتاب المصري، بيروت، دار الكتاب اللبناني، 2012، ص 24.
[3] – المرجع نفسه، ص 26.
[4] – المرجع نفسه، ص 28.
[5] – المرجع نفسه، ص 170.
[6] – المرجع نفسه، ص 191.
[7] إسماعيل الكردي، نحو تفعيل قواعد متن الحديث، دمشق، دار الأوائل، 2002 ، ص 54.
[8] – محمد عابد الجابري، موقع “منبر الدكتور الجابري الإلكتروني” على العنوان التالي :
http://www.aljabriabed.net/hadth1.html
[9] – جمال البنّا، الأصلان العظيمان، الكتاب والسنّة، رؤية جديدة، القاهرة، ص 276.
[10] – رجب أبو مليح وعبد التواب مصطفى، أشواك في طريق التجديد الفقهي، جمال البنّا نموذجا، ط1، شركة منارات للإنتاج الفني والدراسات، 2010، ص 194.
1 مسفر عزم الله الدميني، مقاييس نقد متون السنة، طبعة 5، الرياض، 1984، ص 95..
2 الزركشي ، الإجابة لما استدركته عائشة، ط3، بيروت، 1980 ، ص 121-122.
3 معتبر الخطيب: ردّ الحديث من جهة المتن. دراسة في مناهج المحدّثين والأصوليين ، ط 1، بيروت، الشبكة العربيّة للأبحاث والنشر، 2011، ص 356.
1 عبد الرحمان بن الجوزي، الموضوعات ، ط 3، المدينة المنورة، المكتبة السلفية، 1966، م، 3/106.
2 أبو بكر الرازي الجصاص، الفصول في الأصول، تحقيق عجيل جاسم النشمي، ط1، الكويت، وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بالكويت، 1985، 3/122.
1 ابن قتيبة ، تأويل مختلف الحديث، تحقيق عبد القادر أحمد عطا، ط1، بيروت، مؤسسة الكتب الثقافية، 1988،ص50.
2 قال أبو سعيد الخدري : قال رسول الله (ص) يؤتى بالموت كهيئة كبش أملح فينادي مناد : يا أهل الجنة فيشرئبون وينظرون فيقول : هل تعرفون هذا؟ فيقولون : نعم. هذا الموت. وكلّهم قد رآه : ثم ينادي : يا أهل النار ، فيشرئبون وينظرون: فيقول هل تعرفون هذا ؟ فيقولون : نعم. هذا الموت وكلّهم قد رآه. فيذبح ، ثم يقول يا أهل الجنة خلود فلا موت ويا أهل النار خلود فلا موت ثم قرأ “وأ نذرهم يوم الحسرة إذ قضي الأمر وهم في غفلة”: وهؤلاء في غفلة أهل الدنيا::” وهم لا يؤمنون” (مريم /39)، صحيح البخاري، .باب وأنذرهم يوم الحسرة،4/176، رقم 4453.
2 نقله عنه ابن حجر العسقلاني ، فتح الباري ، بيروت، دار المعرفة ، 1960، 11/421.
1 الخطيب البغدادي، الفقيه والمتفقه،- الفقيه والمتفقّه، ط2، بيروت، 1980، 3/393 و 395، وانظر معتز الخطيب، المرجع المذكور ، ص 396-370.
[11] – البخاري، صحيحه.
[12] – البخاري، صحيحه.
[13] – الغزالي، المرجع المذكور، ص 217.
[14] – محمد الغزالي، المرجع المذكور، ص 277.
[15] – عن أبي هريرة وأبي سعدي الخدري وأنس بن مالك عن النبي قال: “إذا وقع الذّباب في شراب أحدكم فليغمسه ثم لينزعه فإنّ في إحدى جناحيه داء وفي الأخرى شفاء”، صحيح البخاري، كتاب بدء الخلق، باب إذا وقع الذّباب في إناء أحدكم” ، 3/1206، حديث رقم 13142.
[16] – رشيد رضا، مجلّة المنار، 21-37.
[17] – انظر هذا الموقف والردّ عليه عند موسى شاهين لاشين، السنّة والتشريع، كُتيّب مهدى رفقة مجلّة الأزهر، فيفري – مارس 1991، ص 53.
[18] – مسلم، صحيحه، كتاب الفضائل، باب فضائل عيسى (ع)، الحديث رقم 2366.
[19] – الكردي، نحو تفعيل قواعد متن الحديث، ص 279.
[20] – جميل أبو سارة، المنهجيّة المنضبطة في تعليل بعض أحاديث الصحيحين عند النقّاد المتقدّمين، ط1، الجامعة الأردنية، عمّان، 1998، ص 6.
[21] – عبد الغني بن أحمد جبر مزهر، أصول التصحيح والتضعيف، مجلة البحوث الإسلاميّة، العدد 41، ص 329 – 365
http://alukah.net/sharia/0/335/=ixzz3ToykQQtr
[22] – انظر عبد الكريم علي الفهدي، الطبّ البديل في صحيح البخاري ومسلم في ضوء الأبحاث العلميّة، دار النشر للجامعات/ مؤسسة الريّان،صنعاء/بيروت، 2009.
[23] – ابن الصلاح، صيانة صحيح مسلم من الإخلال والغلط وحمايته من الإسقاط والسقط”، تحقيق موفق بن عبد الله بن عبد القادر، ط2، بيروت، دار الغرب الإسلامي، 1408 هـ، ص 177.
[24] – انظر عبد المجيد الشّرفي، الإسلام والحداثة، ط1، تونس، 1990، ص94.
[25] – رشيد رضا، مجلّة المنار، المجلّد 29، ص ص 104-105.
[26] – رشيد رضا، تفسير المنار.
[27] – محمد الغزالي، السنّة بين أهل الفقه وأهل الحديث، ص 98.
[28] – يوسف بن عبد العزيز أبو الخيل، السلفيّة الجديدة في تدشينها لمبدإ نقد متون الأحاديث، جريدة الرّياض، العدد 16609.
[29] – عبد المجيد الشرفي، الإسلام والحداثة، ص97.
[30] – محمد الغزالي، المرجع المذكور، ص 249.
[31] – محمد الغزالي، علل وأدوية.
[32] – محمد الغزالي، السنّة بين أهل الفقه وأهل الحديث، ص 40-41.
[33] – أحمد أمين، فجر الإسلام، فجر الإسلام، ط11، بيروت، 1975، ص 366.
[34] – محمود أبو رية، أضواء على السنّة المحمديّة، ط3، شركة الأعلمي للمطبوعات، بيروت (د.ت.)، ص ص 34-35.
[35] – محمد الطاهر ابن عاشور، تحقيقات وأنظار في القرآن والسنّة، فصل “المهدي المنتظر”، ط2، دار سحنون- تونس، دار السلام- القاهرة،2008. ص 55.
[36] – انظر لمزيد التوسّع : ابن عاشور، المصدر نفسه، ص 15-16.
[37] – فتحي حسن الملكاوي، الشيخ محمد الطّاهر ابن عاشور وقضايا الإصلاح والتجديد في الفكر الإسلامي المعاصر : رؤية معرفيّة ومنهجيّة، ط1، الأردن، المعهد العالمي للفكر الإسلامي، 1432هـ/2011، ص 539.
[38] – حيدر حب الله، نقد المتن في التجربة الإماميّة، مجلّة الاجتهاد والتجديد، العدد 23، صيف سنة 2012.
[39] – إسماعيل أدهم، من مصادر التاريخ الإسلامي، ط1، مطبعة صلاح الدين الكبرى، القاهرة، 1936 ، ص 22.
[40] – المرجع نفسه، ص 22.
[41] – انظر إبراهيم فوزي، تدوين السنّة، ط2 ، رياض الريس للكتب والنشر ، لندن،1995، ص 16.
[42] – الخطيب البغدادي، الكفاية في علم الرّواية، الكفاية في علم الرواية، بيروت، دار الكتب العلمية، 1988، ص 197.
[43] – النّيسابوري، معرفة علوم الحديث، ط1، بيروت، دار إحياء العلوم، 1986، ص ص 137-139.
[44] – البغدادي، المصدر المذكور، ص 126.
[45] – أبو نشوان الحميري، رسالة الحور العين وتنبيه السّامعين وشرحها، تحقيق كمال مصطفى، ط2، بيروت، دار آزال للطباعة والنشر، 1985، ص 285.
[46] – صبحي الصّالح، علوم الحديث ومصطلحه، ط17، بيروت، 1988، ص 131 .
[47] – توفيق صدقي، مجلّة المنار، م11، ص 692.
[48] – محمود أبورية، أضواء على السنّة المحمدية، ص 335. وقد ذكر أن الحديث يوجد في الصحيح.
[49] – انظر محمود أبو رية، المرجع المذكور، ص ص 333-336.
[50] – توفيق صدقي، مجلّة المنار، م11، ص 693.
[51] – صبحي الصالح، المرجع المذكور، ص 136.
[52] – المرجع نفسه، ص 138.
[53] – أبو الحسين البصري، المعتمد في أصول الفقه، ط1، بيروت، دار الكتب العلمية، 1983 ، 2/620.
[54] – خير الدّين التونسي، أقوم المسالك في معرفة أحوال الممالك، تحقيق المنصف الشنوفي، ط2، تونس، الدار التونسية للنشر، 1986، ص 125.
[55] – اسماعيل أدهم، مصادر التاريخ الإسلامي، ص 23.
[56] – Arthur Jeffery, The quest of Historical Muhammad
ترجمة مالك مسلماني تحت عنوان “بحثا عن محمد التاريخي”.
[57] – محمود أبو رية، أضواء على السنّة المحمّدية، ص 29-30.
[58] – المصدر نفسه، ص 19.
[59] – انظر كتابه “عقيدة المسلم” ص 52.
[60] – رشيد رضا، تفسير المنار، 3/321-392.
[61] – منصف الجزّار، المخيال العربي في الأحاديث المنسوبة إلى الرسول، ط1، بيروت، مؤسسة الانتشار العربي / صفاقس، دار محمد علي، 2007، ص 206.
[62] – الكتاني، نظم المتناثر من الحديث المتواتر، ط2، مصر، دار الكتب السلفية،د.ت، ص 11.
[63] – يقول الكتاني : “وعزا النووي في “التقريب” للمحققين والأكثرين خلافه وأن إخراجهما للحديث لا يفيد إلا الظن”، ص24.
[64] – جعفر بن ثعلب كمال الدّين أبو الفضل الأدفوي، سمع الحديث بقوص والقاهرة ودرس على علماء عصره كابن دقيق العيد وبدر الدّين بن جماعة. شارك في علوم متعدّدة. صنّف كتابا في “أحكام السّماع” وتاريخا للصّعيد، و”البدر السافر في تحفة المسافر” في التّاريخ. راجع ابن قاضي شهبة، طبقات الشّافعيّة، 3/21.
[65] – علي الحسيني الميلاني، التحقيق في نفي التحريف، ص 312 وهو منشور بالموقع www.rafed.net
[66] – أبو رية، أضواء على السنّة المحمدية، ص 329.
[67] – رشيد رضا، المنار، 29/104.
[68] – المصدر نفسه، 2/104-105.
[69] – انظر موسى لاشين، المرجع المذكور، ص 10.
[70] – جمال البنا، نحو فقه جديد، الكتاب الأوّل، السنّة في الفقه السلفي، دار الفكر الإسلامي،1996،دون رقم صفحة، انظر https://dn790006.ca.archive.org/
[71] – محمد الغزالي، السنة عن أهل الفقه وأهل الحديث، ص 255.
[72] – Stéphanie Lacroix, Al Albani’s revolutionary Approach to Hadith, Isim Review 21/spring 2008, p. 6.
[73] – الألباني،فتاوى الشيخ الألباني، جمع عكاشة عبد المنان الطيبي، مكتبة التراث الإسلامي، 1994، ص 526.
[74] – محمود أبو رية، المرجع المذكور، ص 20.
[75] – محمد أركون، الفكر الإسلامي نقد واجتهاد، ط1، لندن، دار الساقي، 1990، ص 102.
[76] – المرجع نفسه، ص 102.
[77] – نصر حامد أبو زيد، النص السلطة الحقيقية، ط1، المركز الثقافي العربي، الدار البيضاء-بيروت،1997، ص 17.
2 انظر لمزيد التوسع الدراسة الممتازة لمحمد حمزة، الحديث النبوي ومكانته في الفكر الإسلامي الحديث، ط1، الدار البيضاء—بيروت، المؤسسة العربية للتحديث الفكري- المركز الثقافي العربي، 2005،ص249.