تكوين
– 1 –
نظریًا ليس ثمة فارق جوهري بين حزب الله الشيعي وتنظيم داعش السني، فكلاهما جماعة دينية أصولية تنتمي إلى نسق التدين الكتابي الحصري، الذي يدعو إلى نفي الآخر بقوة السلاح، وكلاهما يُمارس العنف تحت مُسمى الجهاد بهدف إنشاء الدولة “الإسلامية“، عقب تَوليه قيادة الحزب عام 1992، أعلن حسن نصر الله في خطاب مُسجل أن:
“مشروعنا الذي لا خيار لنا غيره، كوننا مؤمنين عقائديين هو مشروع دولة إسلامية وحكم الإسلام، وأن يكون لبنان ليس جمهورية إسلامية واحدة، وإنما جزء من الجمهورية الإسلامية الكبرى، التي يحكمها صاحب الزمان ونائبه بالحق الولي الفقيه الإمام الخميني“.
هذا التصريح يكشف بوضوح عن طبيعة الحزب بوصفه تنظيمًا “دينيًّا” يخضع لدولة أجنبية، ويعمل بوصفه جزءًا من مشروعها الأصولي “المذهبي“، الذي يهدف إلى تصدير التوتر والعنف داخل المحيط السني، استئنافًا لجهاد آل البيت وتمهيدًا لدولة المهدي المُنتظر، عبر استخدام الأقليات الشيعية وتأجيج شعورها التاريخي الموروث بالمظلومية، وهو الهدف الذي تحقق حرفيًا في لبنان وسورية والعراق وحتى اليمن.
لاحقًا ومع مزيد من الانخراط في لعبة السياسة اللبنانية، سوف يلجأُ الحزب إلى استخدام “التقية“، السلاح الشيعي التقليدي، ليخفف من حدة خطابه الأُممي، ويشير إلى أهداف وطنية تدور حول مقاومة الاحتلال الإسرائيلي، وهي أهداف يلتقي فيها مع بعض التيارات القومية واليسارية، لكنه ظلَّ يُعلن صراحة عن ارتباطه العضوي بإيران، وتبنيه المطلق لنظرية ولاية الفقيه، وظل يوجه سلاحه إلى الداخل ضد إرادة القوى السياسية التي تُمثل بقية مكونات المجتمع اللبناني.
رغم وجوده داخل دولة متعددة الطوائف والمذاهب، صار الحزب يفرض رؤيته الأيديولوجية بقوة السلاح، وفي خرق واضح لمبادئ الدستور صار يصادر حق الدولة المطلق في قرار الحرب والسلم، وهو المظهر الأول لفكرة السيادة، تحت عنوان “المقاومة“. وهو يفترض -بسذاجة أيديولوجية- أن عنوان المقاومة يجب أن يكون مَحَلَّ إجماع إما من مُنطلق الشعار الديني المُقدس، أو الشعار القومي الموروث من أدبيات الحقبة القومية.
كلا الشعارين لا يحظى بإجماع المجتمع السياسي الداخلي، بسبب اختلاف التوجهات الأصلية للطوائف والمذاهب، التي تحركها رؤى أيديولوجية مُغايرة، وتتبنى حلولًا “سياسية” مختلفة، وتجادل من ناحية المبدأ في انفراد طرف مذهبي بعينه بقرار الحرب نيابة عن الدولة، ناهيك عن كون هذا الطرف تابعًا لدولة أجنبية من جهة، وكونه عاجزًا عن إنجاز نجاح حقيقي في عملية الحرب، في ظل الاحتلال الصارخ لميزان القوى العسكرية، ما أسفر عن سلسلة متواصلة من حلقات التدمير والخراب، وعَطَّلَ حركة التطور الاقتصادي والاجتماعي من جهة أخرى.
– 2 –
برفع شعار المقاومة ضد الاحتلال الإسرائيلي، طرح الحزب نفسه بوصفه حركةً من حركات التحرر الوطني، وحقق شيئًا من الشعبية داخل المحيط العربي الذي لا يزال مُتأثرًا بشعارات الحقبة القومية. وهو طرح مُضلل لا يُعبر عن حقيقة المشهد، أعني أنه يحجب القراءة الصحيحة لهذا الحزب “بوصفه جماعةً دينية أصولية”، نشأت وظلت تشتغل، لا بدوافع وطنية عربية، بل بمثيرات مذهبية شيعية/إيرانية خالصة.
واقعيًا تكونت هذه الجماعة وتطورت إلى صيغتها الراهنة نتيجة لتضافر عاملين:
- الظروف السياسية (الاقتصادية والاجتماعية) فضلًا عن الوضع الديموغرافي للطائفة الشيعية في لبنان في أواخر السبعينيات من القرن الماضي، فقد بدا أنها الطائفة الأكثر فقرًا وتهميشًا مقارنة بالموارنة والسنة، وهي من ناحية أخرى، الطائفة الأكثر تعرضًا للبطش الإسرائيلي بحكم تمركزها الجزئي في الجنوب، حيث سيطرت منظمة التحرير الفلسطينية ومارست عمليات مقاومة ضد شمال إسرائيل، بالتعاون مع بعض التكوينات اللبنانية اليسارية. وهو ما أدى إلى عمليات اجتياح إسرائيلية، تعقبها حركات نزوح متكررة من السُكان الشيعة.
بطريقة اضطرارية كان على الكتلة الشيعية المُتاخمة للحدود الانخراط في مواجهة مع إسرائيل في ظل غياب قوة عسكرية مكافئة من الجيش اللبناني، ومع تكرار حركات النزوح من الجنوب سوف تظهر تكتلات شيعية أوسع في البقاع، وفي بيروت حيث تكونت “الضاحية الجنوبية” بوصفها كتلة شيعية جديدة أكثر وعيًا بحضورها الطائفي، أعنى أكثر شعورًا بالغبن السياسي والاجتماعي. بعامة نحن أمام شعور مزدوج بالنقمة: حيال إسرائيل من جهة، وحيال المسيحيين الموارنة والسنة من جهة أخرى، هذا الشعور الأخير بالذات يُغذيه إحساس تاريخ موروث بالمظلومية والثأر المؤجل لحق آل البيت.
صار الوعي الطائفي يتفاقم لدى الشيعة مع تزايد الحجم الجزئي قياسًا إلى عدد السكان (حوالي 30%)، خصوصًا بعد ظهور حركة “المحرومين“، التي أسسها موسى الصدر، رجل الدين الشيعي القادم من إيران في ستينيات القرن الماضي (أي قبل قيام الثورة الإسلامية). وقد أنشأ عددًا من المؤسسات الاجتماعية، وترأس المجلس الشيعي الأعلى في لبنان، قبل أن يكون “حركة أمل عام 1974 بوصفها جناحًا عسكريًّا مقاومًا للاحتلال الإسرائيلي في الجنوب، ومن هذه الحركة سوف ينشق كثير من الكوادر الشيعية ذات الميول الأصولية، التي سوف تتولى لاحقًا قيادة “حزب الله” بعد استقطابها وتوجيها من إيران الخمينية.
2. قيام الثورة الإسلامية في إيران عام 1979:
وهو عامل التأثير المباشر فيما يتعلق بظهور حزب الله وتطوره بوصفه تنظيمًا “دينيًّا” مُسلحًا، يخضع صراحةً لأهداف الأصولية الشيعية الجديدة التي تقوم على ولاية الفقيه، وفى هذه النقطة يكمن الفارق بينه وبين حركة أمل، التي تكونت قبل الثورة الإيرانية، وتبنت قضايا البيئة الشيعية بما في ذلك مقاومة الاحتلال في الجنوب، من منطلقات سياسية علمانية، وتفاعلت -وفقًا لرؤية موسى الصدر– مع السياق المدنى التعددي في لبنان.
عقب الاستيلاء على السلطة في إيران، رفع التيار الأصولي الشيعي سقف الأهداف السياسية، وظل يتصرف بذهنية “جماعة دينية” لا بذهنية “دولة” مدنية، فكشف عن توجهه لتصدير الثورة عبر المحيط السُني المجاور، بتأليب الأقليات الشيعية داخل هذا المحيط واستخدامهم كأذرع للتمدد المذهبي واستئناف الصراع التاريخي لنصرة آل البيت بوصفه هدفًا شيعيًا مؤجلًا. الآن وفي ظل التنظير الذي قدمه الخميني لولاية الفقيه صار السعي في تحقيق هذا الهدف جائزًا بعد تعطيله الطويل وفق النسخة القديمة للنظرية الشيعية، التي تقول بالتقية والانتظار حتى عودة الإمام من غيبته، ما يجب الجهاد من أجله الآن هو إقامة الدولة التي سوف يحكمها الفقهاء تمهيدًا لعودة الإمام صاحب الزمان.
عمليًا وبحكم النظام الكهنوتي الشيعي الذي يقوم على مرجعية التقليد، ظلت الأقليات الشيعية الإمامية في المنطقة ترتبط بعلاقات تنظيمية مع الفقهاء المعروفين في النجف وقم، ويظهر ذلك ظهورًا خاصًا في الروابط القديمة التي تصل هؤلاء الفقهاء بشيعة لبنان في جبل عامل. (كان موسى الصدر نفسه قد جاء إلى لبنان بوصفه مبعوثًا يُمثل “آية الله” حسين البروجردي، وآية الله محسن الحكيم).
– 3 –
مثلت الطائفة الشيعية لدى النظام الإيراني في لبنان بيئة مثالية للاستقطاب المذهبي، في ظل المناخ السياسي الساخن بسبب إسرائيل، وتفاقم مشاعر الاستياء حيال الموارنة والسنة، بطريق انتقائي منظم التُقطت العناصر الأكثر راديكالية داخل حركة أمل، ومن بين الدارسين في حوزات النجف، لبناء تنظيم جديد تابع كليًا للولي الفقيه الحاكم في إيران.
استمر التنظيم في رفع شعار المقاومة ضد إسرائيل، لكن هذا الشعار لم يعد يستغرق أهداف الحزب، الذي صار جزءًا من المشروع الأصولي الإيراني الساعي في تحقيق أغراض مذهبية أوسع، موجهة بالأساس إلى داخل المنطقة “السنية“.
هذا واضح في ممارسات الحزب الذي انخرط فى تنفيذ الأجندة الإيرانية خارج نطاق لبنان وبعيدًا عن مقاومة الاحتلال، فقد لعبَ أدوارًا قتالية وسياسية بالنيابة عن إيران فى العراق وفي اليمن، وبخاصة في سورية لدعم النظام “العلوي” المُتهالك، لا بوصفه حليفًا سياسيًا للمقاومة كما روجت آلته الإعلامية، بل بوصفه جزءًا من التحالف الشيعي الواسع الذي خلقته إيران، والذي يضم الأقليات الشيعية المتعددة بما في ذلك الأقليات غير الإمامية من الزيدين والعلويين.
(عمليًا قام النظام السوري منذ أوائل السبعينيات على أساس طائفى مباشر، بالاعتماد على الأقلية العلوية القريبة مذهبيًا من الإثنى عشرية. ورغم رفعه لشعار المقاومة والقومية العربية، لم يقدم إنجازًا حقيقيًا واحدًا فى مواجهة إسرائيل، ودخل مبكرًا في التحالف الإيراني، مُوجهًا آلته القمعية الداخلية إلى الجمهور السُني خصوصًا).
– 4 –
وفي داخل لبنان كشفت ممارسات الحزب عن توجه تسلطى شمولي مناقض لطبيعة الدستور المدني وتقاليد التعددية اللبنانية. فقد استخدمت ترسانة السلاح التي مولتها إيران -حسب المفترض- لردع العدوان الإسرائيلي، في إرهاب القوى السياسية المعارضة، وفرض وصاية كاملة على قرار الدولة، التي صارت تنكمش عمليًّا بسبب تعطيل مؤسساتها السيادية بما في ذلك تعيين رئيس الجمهورية وتكوين الحكومة.
وفي هذا السياق تظهر أهمية الدور الذي لعبه النظام السوري في أثناء فترة احتلاله للبنان في تمكين الحزب من هذه الوصاية الإيرانية وتكريسها لما يزيد على ثلاثة عقود.
لكن ممارسات الحزب كشفت -في الوقت نفسه- عن أداء براجماتي مُركب، يسمح بالدخول في تحالف سياسي مع بعض القوى المسيحية، والانغماس عمومًا في منظومة “الفساد” اللبنانية التي تكونت على يد الطبقة الحاكمة، في تناقض صريح مع شعاراته الدينية الطهرانية. وهي المنظومة التي أدت تحت الوصاية الإيرانية إلى فشل اقتصادى ذريع، بالإضافة إلى الشلل السياسي.
أما النتائج الأكثر خطرًا فتأتى من جهة الانفراد بقرار الحرب بعيدًا عن مؤسسات الدولة، الأمر الذي أدى إلى الدخول في مواجهات عسكرية “غير متكافئة” مع إسرائيل المُدعمة من القوى العالمية، وأسفر عن حلقات متعاقبة من الاحتلال وسقوط الضحايا وتهجير المدنيين، فضلًا عن التدمير الواسع للبنية التحتية، وهي نتائج فادحة بالنظر إلى وقوعها المُتكرر في بلد صغير يعتمد على اقتصاديات السياحة والخدمات.
– 5 –
الحجة التي يطرحها الحزب الشيعي هي غياب قوة رسمية قادرة على رد العدوان الإسرائيلي، الذي يتعرض له الشيعة بالذات أكثر من أي طائفة أخرى بحكم التوزيع الديموغرافي. فى الوعي الشيعي -المسكون بمظلومية تاريخية موروثة- للطائفة أن تمارس حق الدفاع عن النفس طالما أن الدولة لا توفر، أو لا تستطيع توفير الحماية اللازمة.
في المقابل -ترد القوى السياسية المعارضة- بأن الطائفة الشيعية لا تعيش بمفردها فى لبنان، البلد الصغير المتعدد دينيًا ومذهبيًا، وبأن آثار الحرب تتجاوز هذه الطائفة إلى المجتمع اللبناني كله. الحرب ليست الخيار الوحيد لفرض الأمن، خصوصًا عند غياب التكافؤ أو حتى التقارب فى موازين القوى، فيمكن الوصول إلى حلول سياسية في حال الاعتماد على آليات الدولة الاعتيادية، وخلق استراتيجية دفاعية تحظى باتفاق القوى السياسية المختلفة، وتتوافق مع الإمكانات المحدودة لبلد صغير مثل لبنان.
هذه القوى المعارضة للحرب يتنامى حضورها مع توالي فشل الحلول العسكرية، التي كشفت عن اختلال هائل في موازين القوى مع إسرائيل المدعومة بالقوى العالمية، وفي ظل التراجع الجزئي للشعارات القومية التي سادت في ستينيات القرن الماضي، وتصاعد التوجهات الإقليمية للدخول في عملية السلام مع إسرائيل، والبحث عن حلول “سياسية” للقضية الفلسطينية، وهي التوجهات التي فرضت نفسها على منظمة التحرير الفلسطينية ذاتها بوصفها الممثل الرئيس للشعب الفلسطيني.
صار هذا الاختلال في موازين القوى واضحًا لدى اللبنانيين وضوحًا صارخًا في الحرب الأخيرة بين إسرائيل والحزب الإيراني. الحرب -التي بدأها الحزب تحت عنوان إسناد المقاومة في غزة– لم تقدم أي إسناد حقيقي للشعب الفلسطيني في غزة، لكنها أدت إلى نكبة إضافية جديدة تتمثل في إعادة احتلال الجنوب، وإزهاق آلاف الأرواح من المدنيين، وتشريد مئات الآلاف من المُهجرين، وتدمير واسع النطاق للبنية التحتية في عموم لبنان.
لقد كشفت هذه الحرب -مرة أخرى- أن الشعارات الحماسية التي تطلقها الأيديولوجيا الدينية، لا تكفي لمواجهة آلة الحرب المتطورة في أرض الواقع. وبات واضحًا حجم الأوهام السياسية التي باعها هذا الحزب الأصولي إلى اللبنانيين وإلى مُجمل المنطقة بخصوص قدرته على ردع إسرائيل ومنعها عودة الاحتلال إلى لبنان وتدمير بنيته التحتية.
– 6 –
وفق القوى اللبنانية المعارضة يؤدي إصرار الحزب على التسلح وانفراده بقرار الحرب، إلى استمرار ضعف الجيش، ويمنع الدولة ممارسة صلاحياتها الدفاعية في المستويين السياسي والدبلوماسي.
وتلفت هذه القوى إلى أن إسرائيل ظلت تمتنع عن مهاجمة الحدود اللبنانية تطبيقًا لاتفاقية الهدنة المُبرمة عام 1949 تحت إشراف الأمم المتحدة، وذلك حتى عام 1968 عندما بدأت الفصائل الفلسطينية تدخل إلى جنوب لبنان وتوجه هجمات عسكرية إلى شمال إسرائيل بمساعدة صريحة من بيئة الجنوب ذات الأغلبية الشيعية.
في هذا السياق تكونت جذور الأزمة التي أدت إلى اشتعال الحرب الأهلية، نتيجة لتوسع الوجود الفلسطيني في لبنان خصوصًا في الجنوب، على إثر انتقال منظمة التحرير الفلسطينية من الأردن بعد أحداث أيلول/ سبتمبر 1970، في هذه المرحلة التي شهدت ذروة المد القومي العربي، تعاطفت التيارات القومية اليسارية مع حركة المقاومة، وبحكم الموقع انغمس شيعة الجنوب تلقائيًا في الصراع.
ولدى التيارات المعارضة -خصوصًا من الجانب المسيحي القوي نسبيًا حينذاك- لم يكن لبنان بإمكاناته المحدودة مُهيئًا للدخول في حرب مع إسرائيل تفرضها الفصائل الفلسطينية وحلفاؤها من القوى اليسارية والشيعية المتضررة من إسرائيل. وفي غضون ذلك كانت الطائفة الشيعية قد صارت تتوفر على تشكيلات عسكرية مُنظمة فقد تكونت “أفواج المقاومة“، التي سوف تحمل اسم “حركة أمل“، التي سوف يتولد منها “حزب الله” بصناعة إيرانية.
عمليًا بدأت سيادة الدولة اللبنانية تتراجع تحت سيطرة الفصائل الفلسطينية، قبل أن تضيع تمامًا بعد ظهور الحزب الإيراني وسيطرته، بشعاراته الأيديولوجية الزاعقة، وموروثه المذهبي المُحمل بُعقدة المظلومية، يُمثل التيار الأصولي الشيعي بقيادة إيران رافدًا من روافد العنف الديني، الذي لا يكاد ينقطع في هذه المنطقة المنكوبة من العالم، حيث لا يزال الجميع يتحدث باسم الله، الإله المشترك في الكتب الثلاثة، سواء بطريق مضمر مثل مُعظم الأطراف، أو بلغة مباشرة مثل الحزب الإيراني الذي يحمل اسم “حزب الله“.
تكشف التسمية وهي من اختيار الخميني شخصيًا، عن نَفَسٍ أصولي صدامي، فهي تنطوي على معانٍ استبعادية مُضمرة للآخر السياسي، خصوصًا في هذا السياق الثقافي الإقليمي المشحون دينيًا.
رغم التحول الإنساني الواسع في مستوى الوعي وتغير طرق التفكير وتفاقم حضور المنهج العلمي والنموذج العلماني للدولة المدنية، لا يزال الفعل السياسي في هذه المنطقة أسيرًا لمفردات السردية الدينية التاريخية، التي تقوم على حصرية اللاهوت، وتدعو إلى نفي الآخر المُخالف بقوة السيف.
عمومًا تلك مسألة تستحق مزيدًا من النقاش، يظلُّ الوعي الديني من بين جميع الأنساق الأيديولوجية، هو الأكثر قُدرة على اجترار الشعارات، مهما بدت مناقضة لحركة التاريخ.
يتبع