تكوين
تمهيد:
إذا كان التحدي الذي جابه الإسلام بالأمس تمثَّل في اتهام الإسلام، بأنه السببُ الرئيسيُّ والجوهريُّ في تخلف العالم الإسلامي، مما جعل حركة الإصلاح الإسلامي -متمثلة في رواد النهضة- تقوم بالرد على هذا الإتهام، نافيةً عنه من حيث هو دين منزَّل من الله مسؤولية تخلف المسلمين، وربط هذا التخلف بسوء فهم الإسلام من جانب المسلمين، مؤسِسَّة قراءات ربما انحصرت في التأكيد على ضرورة التمييز بين النصوص الدينية وبين النصوص التراثية التي دخلت في جدل وحوار مع هذه النصوص، وأنتجت فيما يبدو اجتهادات ودلالات خاضعة بالطبع لسياقات المجتمع التي نشأت فيه، فإن التحدي الذي يجابه الإسلام اليوم -متمثلا في بعض التيارات الدينية المتطرفة- أضحي –وللأسى الشديد- يمثل دين الإرهاب والعنف، مما يُحيل بالطبع إلى أن الأمر الآن لا يتوقف فحسب على أهمية التمييز بين النصوص الدينية ونظيراتها التراثية!.
ولئن كان التركيز في حقل الدراسات القرآنية اليوم منصبًا على تساؤل فحواه كيف نؤسس منهجية جديدة في التعامل مع القرآن في محاولة لجعل القرآن أساس لقول جديد أو بالأحري لخطاب ديني جديد يتوافق مع متطلبات العصر ولا يتنافى بالطبع مع قدسية النص الإلهية؟ فلعل ذلك يستدعي بيان طبيعة النص القرآني محل التفسير والقراءة، ولكشف كيف تشكَّل هذا النص في قلب مجتمع خاضع لسياقات ثقافية تاريخية محددة، يتفاعل فيه وينفعل به. وانطلاقًا من ذلك سترتكز الدراسة حول إيضاح كيف تعامل معاصروا الوحي (الصحابة الأوائل) مع القرآن؟ وهو تعامل يتضمن مستويي (المبنى “أي بنية وتركيب وشكل الآيات القرآنية”، والمعنى “أي الدلالة التي تطرحها هذه الآيات”) بما يجوز أن يُطلق عليه -إذا صح التعبير- (جدل المبنى والمعنى)، وبالتالي سيكون البحث هو بحث في النص والتفسير معًا، آخذين في الإعتبار بيان العلاقة بين هذه المرحلة التأسيسية في التعامل مع القرآن، وبين مرحلة التطور التاريخي.
القرآن من منظور معرفى:
جدل المبنى والمعنى:
في تاريخ القرآن دائمًا ما يتم التمييز بين مرحلتين من مراحل تشكَّله، مرحلة القرآن المتلو الشفهى وذلك قبل الجمع والتقنين، _خاصة وأن الذاكرة الجمعية كانت من أهم آليات حفظ الوحى_،([1]) والقرآن بعد الجمع في مصحف واحد، وإذ يبدو أن هذا التمييز لذو دلالة هامة لا تكمُن بالطبع حول النصوص ذاتها من (الآيات والسور) بقدر ما تكمُن حول كيفية التعامل مع هذه النصوص، وهذا ما سنحاول بيانه تحت هذا العنوان.
تحوي كتب علوم القرآن على العديد من الروايات التي تُبين كيفية جمع القرآن، والمتأمل في هذه الروايات يكشف إلي أى مدى ساهمت الجماعة الأولى –الصحابة- في تشكيل نصوص القرآن ذاته، ليس على مستوى المعنى والدلالة فحسب، إنما بالأساس على مستوى البنية والشكل، فكيف تشكَّلت هذه النصوص القرآنية من آيات وسور، بل والأهم كيف تم التعامل معها؟!
لعل من المتعارف عليه، والشيء الذى لا جدال فيه سواء بين القدماء والمحدثين أن النبي –صلى الله عليه وسلم- قد انتقل إلى الرفيق الأعلى، وقد ترك القرآن دون جمعه في مصحف واحد، ولكن المثير للجدل والتساؤل أنه -صلى الله عليه وسلم- قد ترك ذلك القرآن مدونًا بالكامل، كما تشير كثير من الروايات، وذلك فى حين كان الهدف الأساسى من الجمع الأول للقرآن، خشية الضياع، نتيجة لمقتل قُرّاءه وحُفَّاظه، وذلك وفقًا لما رواه البخارى فى صحيحه “عن زيد بن ثابت قال: أرسل إلي أبو بكر، مقتل أهل اليمامة، فإذا عمر بن الخطاب عنده، فقال أبو بكر: إن عمر أتاني، فقال: إن القتل قد استحر بقراء القرآن، وإني أخشى أن يستحر القتل بالقراء في المواطن، فيذهب كثير من القرآن، وإني أرى أن تأمر بجمع القرآن..” ([2])، ولعل هذا قد يتنافى بالطبع مع الاعتقاد العام بأن القرآن كله مدون فى عهد النبى (ص)، الذي كان حريصًا على تدوينه، إذ كيف آثار موت حفظة القرآن حفيظة الخلفاء الأوائل مما أجمعوا على جمعه فى المصاحف، على الرغم من أن القرآن كله مُدون بالأساس كما تُشير كثير من الروايات؟!
النصّ القرآني في أفق التّأويل الحداثي: إشكاليات ومنطلقات
ومن المثير للجدل والتساؤل أيضًا، هو ما يتعلق بكيفية ترتيب الآيات في السور القرآنية، ففى حين صار الإجماع على أن ترتيب الآيات توقيفي أى بأمر من النبى –صلى الله عليه وسلم-، إلا أن هناك بعض الروايات توضح أن ترتيبها إنما خضع لإجتهاد الصحابة الأوائل، منها “ما أخرجه ابن أبي داود في المصاحف من طريق محمد بن إسحاق، عن يحيى بن عباد بن عبد الله بن الزبير، عن أبيه، قال: أتى الحارث بن خزيمة بهاتين الآيتين من آخر سورة براءة، فقال: أشهد أني سمعتهما من رسول الله -صلى الله عليه وسلم – ووعيتهما، فقال عمر: وأنا أشهد لقد سمعتهما. ثم قال: لو كانت ثلاث آيات لجعلتها سورة على حدة، فانظروا آخر سورة من القرآن، فألحقوها في آخرها” ([3])
وبالرغم من قول ابن حجر أن “ظاهر هذا أنهم كانوا يؤلفون آيات السور باجتهادهم، وسائر الأخبار تدل على أنهم لم يفعلوا شيئا من ذلك إلا بتوقيف” ([4])، إلا أن السيوطى يعارض ذلك -على حد تعبيره- “بما أخرجه ابن أبى داوود عن أبي بن كعب أنهم جمعوا القرآن، فلما انتهوا إلى الآية التي في سورة براءة: ثم انصرفوا صرف الله قلوبهم بأنهم قوم لا يفقهون [التوبة : 127] ظنوا أن هذا آخر ما أنزل. فقال أبي إن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أقرأني بعد هذا آيتين لقد جاءكم رسول [التوبة: 128 – 129] إلى آخر السورة” ([5])
ولئن كان التواتر “وهو اتفاق شاهدين أو أكثر على آية قرآنية” هو المعيار الأساسي الذي أجمع علي إتباعه في كيفية الجمع كلا من “أبى بكر وعمر بن الخطاب وزيد بن ثابت” -أى من تولوا مرحلة الجمع الأول-، وذلك وفقًا لما أشار أبو بكر على عمر وزيد بقوله: “اقعدا على باب المسجد، فمن جاءكما بشاهدين على شئ من كتاب الله فاكتباه” ([6])
فإن هذا التواتر سرعان ما يتلاشى مع زيد بن ثابت الذى أخذ أخر سورة التوبة من طريق الآحاد إذ “لم توجد إلا مع خزيمة بن ثابت، فقال: اكتبوها فإن رسول الله (ص) جعل شهادته، بشهادة رجلين” ([7])
وإذ يبدو هكذا أن الأمر لم يقف فى بناء وتشكيل القرآن عند جمعه في مصاحف متعددة تحفظه من الضياع، بل تعدى ذلك إلى اختلاف وتباين هذه المصاحف فى ترتيب آياتها وسورها، بل وتباين عددها قلة وكثرة، ووجودًا وعدمًا، كالشأن في خلو مصحف ابن مسعود من الفاتحة والمعوذتين ([8]) –على سبيل المثال-، إلى أن وصل الأمر مداه مع عثمان بن عفان، وجمعه للقرآن فى مصحف واحد نهائي ومطلق.
وإذ يبدو كذلك أن ظاهر الهدف من وراء جمع عثمان للمصاحف في مصحف واحد، هو حصر قراءات القرآن المتعددة في قراءة واحدة وذلك خشية اختلاف الأمة، إلا أنه قد أضمر فى جوانبه بعض الإشكاليات، إذ أن الذي أسفر عن هذا الجمع الأخير، ليس حصر وتوحيد القراءات فحسب، بل أدى كذلك إلى إضافة وحذف بعض الآيات من القرآن.
والذي يحقق ذلك هو قول عائشة “إذ قالت: سورة الأحزاب تُقرأ في زمن النبى مائة آية، فلما كتب عثمان المصاحف لم نقدر منها إلا ما هو الآن” ([9])، ويورد السيوطى كذلك رواية عن حميدة بنت أبى يونس، قالت: قرأ علىّ أبى وهو ابن ثمانين سنة فى مصحف عائشة: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ ۚ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا}، وعلى الذين يصلون الصفوف الأولى، قالت: قبل أن يغير عثمان المصاحف”([10]).
ولعله يلزم التنويه أولاً وذلك استنادًا إلى هذه المعطيات والتى سيقت -على سبيل المثال- لا الحصر، -فيما يتعلق بكيفية تشكَّل النصوص القرآنية-، أن ليس في ذلك سعيٌ إلى التشكيك فى القرآن على الجانب الميتافيزقى، بل ربما تضع هذه المعطيات القرآن في مساره الأساسي باعتباره خطابًا للناس يمس واقعهم ويتفاعل معهم، وليس باعتباره نصا متعاليًا عن أى تفاعل إنساني، هذا المسار الذي ربما قد أدركه منذ البداية المخاطَبين الفعليين للقرآن “الذين عاصروا نزول الوحى”، إذ مضوا يتفاعلوا فيما بينهم، بل ويتباينوا ليس على دلالة النصوص القرآنية فحسب، بل على شكلها وبناءها كذلك.
ولعل مثالاً على ذلك أيضا -بالاضافة إلى ما سبق بيانه- يأتى من الحديث المشهور “أن القرآن قد أُنزل على سبعة أحرف”، وذلك فيما نُقل “عن ابن شهاب قال حدثني عروة بن الزبير أن المسور بن مخرمة وعبد الرحمن بن عبد القاري حدثاه أنهما سمعا عمر بن الخطاب يقول سمعت هشام بن حكيم بن حزام يقرأ سورة الفرقان في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستمعت لقراءته فإذا هو يقرأ على حروف كثيرة لم يقرئنيها رسول الله صلى الله عليه وسلم فكدت أساوره في الصلاة فتصبرت حتى سلم فلببته بردائه فقلت من أقرأك هذه السورة التي سمعتك تقرأ قال أقرأنيها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت كذبت فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أقرأنيها على غير ما قرأت فانطلقت به أقوده إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت إني سمعت هذا يقرأ بسورة الفرقان على حروف لم تقرئنيها فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أرسله اقرأ يا هشام فقرأ عليه القراءة التي سمعته يقرأ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم كذلك أنزلت ثم قال اقرأ يا عمر فقرأت القراءة التي أقرأني فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم كذلك أنزلت إن هذا القرآن أنزل على سبعة أحرف فاقرءوا ما تيسر منه” ([11]).
وبما لابد أن يترتب على ذلك من تعدد المعنى والدلالة، إذ اختلاف وتعدد الشكل والبنية، سيحيل بالضرورة إلى اختلاف وتعدد المعنى. ومثالاً على ذلك فقد اختلفوا حول “و(يَقُصُّ الْحَقَّ) و(يَقْضِي الحق)” ([12]) فى قوله تعالى: {قُلْ إِنِّي عَلَىٰ بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّي وَكَذَّبْتُم بِهِ ۚ مَا عِندِي مَا تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ ۚ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ ۖ يَقُصُّ الْحَقَّ ۖ وَهُوَ خَيْرُ الْفَاصِلِينَ (الأنعام: 57)، “فقرأه عامة قرأة الحجاز والمدينة وبعض قرأة أهل الكوفة والبصرة: (إنِ الْحُكْمُ إلا لِلهِ يَقُصُّ الْحَقَّ)، بالصاد، بمعنى “القصص”، وتأوّلوا في ذلك قول الله تعالى ذكره: نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ [سورة يوسف: 3] . وذكر ذلك عن ابن عباس.
وقرأ ذلك جماعة من قرأة الكوفة والبصرة: (إنِ الْحُكْمُ إلا لِلهِ يَقْضِي الْحَقَّ) بالضاد، من “القضاء”، بمعنى الحكم والفصل بالقَضَاء، واعتبروا صحة ذلك بقوله: “وهو خير الفاصلين”، وأن “الفصل” بين المختلفين إنما يكون بالقضاء لا بالقَصَص” ([13])
وإلى جانب اختلاف القراءات الراجع إلى مسألة التنقيط هذه، اختلفت القراءات كذلك نتيجة لاختلاف التشكيل (الفن النحوى)، أى اختلاف الحركات الذي يرتبط ببناء الجملة فى الآية، ومثالاً على ذلك قوله تعالى: {وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَسْتَ مُرْسَلًا ۚ قُلْ كَفَىٰ بِاللَّهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِندَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ} (الرعد: 43)، فاختلفوا حول قراءة قوله “وَمَنْ عِندَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ”، على ثلاث قراءات، فمنهم من قرأها بهذا الشكل وفسرها بأن المراد “شهادة أهل الكتاب من الذين آمنوا برسول الله صلى الله عليه وسلم وهم: عبد الله بن سلام، وسلمان الفارسي، وتميم الداري”، والقراءة الثانية: “وَمِنْ عِندَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ” على من الجارة، فالمعنى: ومن لدنه علم الكتاب؛ لأن أحدا لا يعلم الكتاب إلا من فضله وإحسانه وتعليمه، أي هذا العلم إنما حصل من عند الله”، والقراءة الثالثة: “وَمِنْ عِنْدِهِ عُلِمَ الكِتَابُ” بضم العين وبكسر اللام وفتح الميم على ما لم يسم فاعله، والمعنى: أنه تعالى لما أمر نبيه أن يحتج عليهم بشهادة الله تعالى على ما ذكرناه، وكان لا معنى لشهادة الله تعالى على نبوته إلا إظهار القرآن على وفق دعواه، ولا يعلم كون القرآن معجزا إلا بعد الإحاطة بما في القرآن وأسراره، بين تعالى أن هذا العلم لا يحصل إلا من عند الله” ([14])
إعادة تعريف القرآن في مشروع نصر أبوزيد (من النص إلى الخطاب)
ولئن كانت الشواهد والقرائن السابقة تدور حول دلالة فحواها أن الإختلاف في المبنى “أى شكل وتركيب وبناء القرآن” نتج عنه اختلافًا وتعددًا في المعنى، فهناك عدد من الشواهد توضح كذلك أن التباين حول المعنى قد أدى بالضرورة إلى تباين حول المبنى، ولعل مثالًا على ذلك قوله تعالى: {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَىٰ وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ} (البقرة: 238)، وقد اختلفوا حول تعيين معنى الصلاة الوسطى، وذهب الأغلب إلى أنها تعنى “صلاة العصر”، ولفرض هذا المعنى استدل أصحابه بقراءة مختلفة للآية فحكوا عن عائشة أنها “قالت: كنا نقرؤها في الحرف الأول على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم: “حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى صلاة العصر وقوموا لله قانتين” ([15])، وفي رواية أخرى “ثني عبد الله بن رافع مولى أم سلمة قال: أمرتني أم سلمة أن أكتب لها مصحفا وقالت: إذا انتهيت إلى آية الصلاة فأعلمني! فأعلمتها, فأملت علي: “حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى صلاة العصر” ([16])، وفى رواية أخرى ربما تحوى نفس هذه الرواية الأخيرة مع تباين المروى عنها “عن حفصة زوج النبي صلى الله عليه وسلم أنها قالت لكاتب مصحفها: إذا بلغت مواقيت الصلاة فأخبرني حتى أخبرك بما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ! فلما أخبرها قالت: اكتب, فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: “حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وهي صلاة العصر” ([17])
كما يستدل من رأى أن الصلاة الوسطى غير صلاة العصر، على نفس رواية حفصة السالفة، ولكن مع وجود حرف “الواو” بين الصلاة الوسطى وصلاة العصر، مما يوحى بالمغايرة، “عن عبد الرحمن بن قيس, عن ابن أبي رافع, عن أبيه -وكان مولى لحفصة- قال: استكتبتني حفصة مصحفا وقالت لي: إذا أتيت على هذه الآية فأعلمني حتى أمليها عليك كما أقرأنيها! فلما أتيت على هذه الآية: {حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى} أتيتها, فقالت: اكتب: حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وصلاة العصر. فلقيت أبي بن كعب أو زيد بن ثابت, فقلت: يا أبا المنذر إن حفصة قالت كذا وكذا. قال: هو كما قالت, أو ليس أشغل ما نكون عند صلاة الظهر في غنمنا ونواضحنا؟” ([18])
وفي قوله: {لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَٰكِن يُؤَاخِذُكُم بِمَا عَقَّدتُّمُ الْأَيْمَانَ ۖ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ ۖ فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ ۚ ذَٰلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ..} (المائدة: 89) “اختلف أهل العلم في صفة الصوم الذي أوجبه الله في كفارة اليمين, فقال بعضهم: صفته أن يكون مواصلا بين الأيام الثلاثة غير مفرقها عن أبي جعفر, عن الربيع بن أنس, قال : كان أبي بن كعب يقرأ: “صيام ثلاثة أيام متتابعات” ([19])
وفي سبيل بيان المعنى وتوضيحه فقد أجاز الصحابة قراءة كلمة غامضة، بأخرى واضحة الدلالة وذلك فى قوله تعالى: {أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِّن زُخْرُفٍ..} (الإسراء:93)، وكانوا لا يدرون معنى “زُخْرُفٍ”، وذلك على حد قول مجاهد “كنا لا ندري ما الزخرف حتى رأيناه في قراءة ابن مسعود: “أوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِنْ ذَهَبٍ””([20])
وبناءا على ما سبق فإن هذه الشواهد التي سيقت -على سبيل المثال-، توضح إلى حد ما كيف تعامل الأوائل “معاصروا النبى” مع النص القرآنى، فقد كان لديهم مساحة من الحرية في التعامل مع القرآن، مدركين بالطبع قدسيته الإلهية باعتباره كلام الله “وحيه” الذى أنُزل على نبيه (ص) والذى لا يتنافى بالضرورة مع علاقتهم المعرفية تلك مع القرآن، هذا التعامل المعرفي الذي لم يقف عند حدود الدلالة والمعنى، بل تعدى ذلك إلى بنية النص ذاته. وذلك إلى الحد الذى أجازوا فيه قراءته بالمعنى، فقد أجاز بعض الصحابة القراءة بالمعنى خاصة فى الصلاة، وروى عن ابن مسعود أنه “قرأ “اهدنا الصراط المستقيم” أرشدنا” ([21]).
جدل القرآن والواقع:
وفضلا عن ذلك فيبدو أن هذا التعامل المعرفي مع القرآن، لم يقف على هذا الحد الخاص بتعدد وتباين القراءات، والذي نتج عنه بالضرورة تعدد على مستوييى (المبنى والمعنى) بما يجوز أن يُطلق عليه إذ صح التعبير (جدل المبنى والمعنى)، هذا الجدل والتفاعل الذى وصل مع (عمر بن الخطاب) إلى تعطيل آيات وأحكام قرآنية بهدف المصلحة العامة، فانتقل بذلك من هذا الجدل الأخير إلى (جدل القرآن والواقع)، (بل لعل إدراك هؤلاء الجماعة لجدل القرآن والواقع هذا “أى لكيفية تعامل وتفاعل القرآن مع واقعهم الإجتماعى التاريخى، كان سابقًا وناتجًا لتفاعلهم أنفسهم مع القرآن على مستوى الدلالة والبنية).
ويتجلَّى ذلك في عدة شواهد تاريخية مشهورة لعل أهمها هو تعطيل عمر لحد السرقة فقد “أسقط القطع عن السارق في عام المجاعة” ([22])، ويظهر ذلك في حادثة سرقة غلمان حاطب بن أبى بلتعة، ناقة ليأكلوها، فرفع ذلك إلى عمر، فأمر عمر بأن يقطع أيديهم، ولكنه عدل عن ذلك، ويورد ابن القيم الحادثة كاملة “عن هشام بن عروة أن غلمة لحاطب بن أبي بلتعة سرقوا ناقة لرجل من مزينة، فأتى بهم عمر، فأقروا، فأرسل إلى عبد الرحمن بن حاطب فجاء فقال له: إن غلمان حاطب سرقوا ناقة رجل من مزينة وأقروا على أنفسهم، فقال عمر: يا كثير بن الصلت اذهب فاقطع أيديهم، فلما ولى بهم ردهم عمر ثم قال: أما والله لولا أني أعلم أنكم تستعملونهم وتجيعونهم حتى إن أحدهم لو أكل ما حرم الله عليه حل له لقطعت أيديهم، وايم الله إذا لم أفعل لأغرمنك غرامة توجعك، ثم قال: يا مزني بكم أريدت منك ناقتك؟ قال: بأربع مائة، قال عمر: اذهب فأعطه ثماني مائة” ([23])، ثم أقر عمر بأنه “لا تقطع اليد في عذق ولا عام سنة”، ” والعذق: النخلة، وعام سنة: المجاعة” ([24])
كذلك منَعَّ صدقات المؤلفة قلوبهم، التي استحقوها وفق ما تجلى في قوله تعالى:”إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ [التوبة:60]. ويبدو من خلال بعض الأخبار -وفقا لما أقره السرخسي في كتابه المبسوط- أن عمر رأى منع المؤلفة قلوبهم منذ خلافة أبي بكر، فقد رُوى أن أبا بكر حينما تولى الخلافة جاء المؤلفة قلوبهم لاستيفاء سهمهم جرياً على عادتهم مع النبى (ص)، إذ كان -صلى الله عليه وسلم- يعطى لبعض أشراف قريش سهماً يتألفهم ليسلموا، ومنهم قوماً أسلموا بنيات مغرضة أو ضعيفة فيؤلف قلوبهم باجزال العطاء كأبى سفيان -على سبيل المثال- وعيينة بن حصن، والأقرع بن حابس.. وغيرهم، فكتب لهم أبو بكر بذلك فى البداية، ولكن سرعان ما منعهم اقراراً لما فعله -ابن الخطاب- الذي رفض اعطاءهم السهم بقوله لهم: لا حاجة لنا بكم فقد أعز الله الإسلام وأغنى عنكم، فإن أسلمتم وإلا السيف”.
ولم يُسقط عمر فقط سهم المؤلفة قلوبهم، بل قد أسقط أيضا سهم قرابة النبي من الخمس المنصوص عليه بالآية “وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ..”. ([25])
هكذا تعامل معاصروا القرآن “الذين تلقوه فعلياً عن النبي” معه، باعتباره خطابًا يمس واقعهم الإجتماعي، متفاعلًا معهم في جميع أوقاتهم، وضروب معائشهم ومختلف مواقفهم، مدركين طابعه الجدالي الذي استمر إلى ما يقرب ربع قرنا من الزمن، يحاورهم فى شئونهم، مجيبًا على تساؤلاتهم، متبعاً صيغته الحوارية “يسألونك… قل”
من المعرفي إلى السلطوي:
ولكن يبدو أن هذا التعامل قد أخذ منحى مختلف، ابتداءًا من جمع القرآن في مصحف واحد على قراءة واحدة، والذي مضى العلماء والفقهاء ربما بداية من القرن الثانى الهجرى –قرن تأسيس الأصول- فى تثبيت هذه القراءة الأُحادية، لذلك فقد عمد هؤلاء لتقديم تفسيرات وتبريرات مختلفة حول تلك الروايات الخاصة بتعدد القراءات، فاختلفوا في البداية على تفسير الأحرف، فنفى بعضهم تفسير الأحرف بالقراءات وذلك على النحو الذي أقره الطبرى بقوله “اختلاف القراء انما هو كله على حرف واحد من الأحرف السبعة التى نزل بها القرآن، وهو الحرف الذى كتب عليه المصحف” ([26])
وهذا القول راجع إلى اعتبار الطبري “أن الأحرف الستة قد نُسخت وبقي حرف واحد؛ حرف زيد، وهو ما في مصحف عثمان فقط” ([27])، بيد أن هذا القول وفقًا لأبي الفضل بن حسن الرازي: “مما يدخله النقض من وجهين: أحدهما: أن مصحف عثمان لم يكن على نسخة واحدة، بل كانت نُسَخًا، وقد كان في كل واحد منها حروف ليست في الأخرى، ولا شك في أن الاختلاف الذي ما بين النُسخ من الأحرف السبعة المنزلة، وذلك غير حرف. والثاني: أن جميع نسخ مصحف عثمان كُتبَ غُفلًا من غير شكل ولا نقط، فلما كانت كذلك، وقرأ أئمة الأمصار من الصورة الواحدة، التي ليست بمشكولة ولا منقوطة، أوجهًا مختلفة الألفاظ باتفاق المعاني تحتها واختلافها…، دلَّ على أن جميع ذلك غير حرف من الأحرف المنزلة، ولا حرفين ولا أكثر، فإن نُسخ شيء من الأحرف السبعة فهو الأقل. الثالث: التوسعة بالأحرف السبعة تثبت بقاء جميع الأحرف وعدم نسخها…، وتلك التوسعة كانت لمعنيين: الأول: إما لائتلاف قوم بالأحرف السبعة على الإسلام ليقرأ كل أحد بلغته…، والثاني: لعجز آخرين، أن لو حُملوا على وجه واحد في القراءة مما لم يكن في طباعهم. فإن عَزَّ الإسلام وذلك الائتلاف، فإن العجز والضرورة باقيان في هذه الأمة، وكيف يجوز أن يكون وُسعَّ على أوائل الأمة، بأن يقرأ القرآن على سبعة أحرف، ورُدَّ أواخرها إلى حرف واحد بنسخ ستة منها، تضييقا عليهم!؟ مع بقاء الضرورة فيهم، التي من أجلها وُسّع عليهم قراءة القرآن بالسبعة الأحرف”([28]).
أما البعض الآخر فقد كاد أن يجمع على أن المغزى من تعدد هذه القراءات هو “التيسر والتسهيل ورفع المشقة” والذي تم رده وإحالته بالطبع إلى تعدد اللهجات العربية، خاصة وأن هناك روايات تدعم هذا المغزى وذلك “في حديث أبيّ عند مسلم: إن ربي أرسل إلي أن أقرأ القرآن على حرف. فرددت إليه: أن هون على أمتي، فأرسل إلي أن أقرأ على حرفين. فرددت إليه: أن هون على أمتي، فأرسل إلي: أن اقرأه على سبعة أحرف” ([29])
ولعل هذا السبب (تعدد اللغات “اللهجات” العربية)، يُخرج هؤلاء العلماء من كثير من الإشكاليات التي قد تحيط بهم، خاصة بعد جمع القرآن فى عهد عثمان على قراءة واحد، وهى قراءة قريش، فوفقاً للسبب السالف فقد حصروا تعدد القراءات هذا في زمن النبى فحسب، إذ لم ينقضِ هذا الزمن إلا وقد استقرت قراءة واحدة للقرآن، وهذا ما عبر عنه الزركشى بقوله (على حد قول كثير من العلماء كالقاضى أبو بكر بن الطيب، وابن عبد البر، وابن العربى، وغيرهم): “رأوا أن ضرورة اختلاف لغات العرب، ومشقة نطقهم بغير لغتهم، اقتضت التوسعة عليهم في أول الأمر، فأذن لكل منهم أن يقرأ على حرفه، أي على طريقته في اللغة; إلى أن انضبط الأمر في آخر العهد، وتدربت الألسن، وتمكن الناس من الاقتصار على الطريقة الواحدة; فعارض جبريل النبي صلى الله عليه وسلم القرآن مرتين في السنة الآخرة، واستقر على ما هو عليه الآن، فنسخ الله سبحانه تلك القراءة المأذون فيها بما أوجبه من الاقتصار على هذه القراءة التي تلقاها الناس، ويشهد لهذا الحديث الآتي من مراعاة التخفيف على العجوز والشيخ الكبير، ومن التصريح في بعضها بأن ذلك مثل: هلم وتعال” ([30])
إلا أنه قد يبدو أن هذا السبب والمغزى من وراءه لم يكن الأساسي والجوهري وراء إختلاف القراءات، إذ اعترض بعضهم على هذا التفسير بقول “أنه لو كان كذلك لم ينكر القوم بعضهم على بعض فى أول الأمر، لأن ذلك من لغته التي طبع عليها، وأيضاً فإن عمر بن الخطاب وهشام بن حكيم كلاهما قرشى، وقد اختلف قراءتهما، ومحال أن ينكر عليه عمر لغته” ([31])
ولئن كان الهدف من تأويل الأحرف السبعة بمجرد اللغات، هو “تغاير الألفاظ دون المعاني، إذ لا تأثير لتغايرها في معنى الحكم” ([32])، فإن من العلماء من راح يفند، وينقد هذا القول وهو (أبو الفضل بن حسن الرازي) بقوله: “أن لو اختلاف الأحرف هو اختلاف في الألفاظ دون المعاني فلم يكن يأخذ في الصحابة حتى يزعج مثل عمر بن الخطاب [فيُساور](*) مثل هشام بن حكيم بن حزام، مع مرتبته من الصحابة فيأخذ بجوامع ثوبه، فينازعه إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ولا يحتمل أُبي ابن كعب مع جلالته في القراءة وعلمه بالقرآن (حتى يشير بيده بين يدي رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ويقول: (قد أحسنت، قد أحسنت) محاكيًا لقوله -عليه الصلاة السلام- كالشاك، حتى ضرب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بيده في صدره، وقال: (اللهم أذهب عن أبي الشك، ولا أن يقول أبي: “ما تخلج فيَّ شيء من الإسلام ما تخلج يومئذ”([33]).
إلى جانب ذلك فقد أكد “أبو الفضل الرازي” أيضًا أن الاختلاف إذا كان في الألفاظ فقط، فإنه سيؤدي بالضرورة إلى اختلاف المعنى، وذلك بقوله: “كان في ضمن كل لفظة من (هلم، وتعال) ونحوهما لطيفة في المعنى ليست في الأخرى، لأن عامة العربية إذا اشتركت فيها ألفاظ مختلفة على معنى بعينه، فقد يوجد في كل لفظة معنى لست تجده في الأخرى […] ففي كل ذلك دليل على أنهم سمعوا ضربا ثالثا من الاختلاف الذي هو اختلاف المعنى باللفظ، فقول النبي: “أُنزل القرآن على سبعة أحرف”، أراد به ما يتغير به الألفاظ دون المعاني، وأخرى ما يتغير به المعاني دون الألفاظ، والثالثة ما تجمع الأمرين، لوجود هذه الأشياء الثلاثة في القرآن، وتكرار القول منه -عليه الصلاة والسلام-“([34]).
ولعله يلزم التنويه أن كل هذه التفسيرات كانت تخص علماء من المتأخرين منهم (القاضي أبا بكر الطيب، وابن قتيبة، والماوردي، وابن عبد البر، وابن العربي، والقرطبي وغيرهم” ([35])، وهذا يُحيل بالضرورة إلى أن هؤلاء قد أدركوا الدلالات التى قد تنطوى على مسألة تعدد القراءات تلك، وهذا هو بيتُ القصيد _إذا صح التعبير_، لا سيمَّا أن هذه الدلالات قد تتباين بالكلية مع الدلالات التي سادت بعد عملية جمع القرآن وتقنينه في مصحف واحد.
وإلى جانب ذلك لم يكتفوا الفقهاء بتبرير أُحادية القراءة تلك بتأويلات مختلفة، بل مضوا ينفوا أدنى فاعلية للصحابة الأوائل فيما يتعلق بتشكيل النصوص القرآنية، وذلك بتأويل الروايات المعنية بذلك تارة، ونفيها تارات
علاوة على ذلك اخضاع القرآن للممارسات السياسية، فمنذ أن أصبح القرآن أرضًا للمعارك الفكرية والسياسية بين المتنازعين، فإنه قد أُجبر على الصمت، ليتم التحدث دائماً نيابة عنه، وقد كانت أولى هذه المعارك، “معركة صفين” المشهورة، بين على بن أبى طالب، ومعاوية بن أبى سفيان، إذ تم الإحتكام إلى القرآن، باعتباره سلاحًا ذو سلطة، مهمته الفصل بين المتنازعين، وذلك فى حين أن مهمته الأساسية ورسالته الجوهرية هى نشر الرحمة والعدل بين الناس {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ} (الأنبياء: 107)، فتم توجيه القرآن منذ ذلك الحين إلى الآن توجيهًا سياسيًا إيديولوجيًا.
هذا التعامل السلطوي والتوجيه الايديولوجى للقرآن الذي مضى الفقهاء بتأسيسه على أسس وقواعد دينية، وذلك من خلال تعاملهم مع القرآن تعاملاً ميتافيزيقيا بالطبع، حين ربطوا بين القرآن والذات الالهية، على اعتبار أنه صفة قديمة لله.
القرآن وواقعنا المعاش:
إن إدراكنا نحن في الوقت الحاضر للذي لم يدركه الفقهاء، ونحن الذين لم نتلقى القرآن مباشرة من النبى (ص)، ربما سيجنبا ذلك كثير من الإشكاليات التى تتعلق ببناء وشكل النصوص التى وصلت إلينا، ولكنه يلزم التنوية بأن التسليم بصحة وثبات هذه النصوص من حيث البنية والشكل، لا يتطلب بالضرورة التسليم بثباتها من حيث الدلالة الناتجة عن تفاعل الجماعة مع واقعها الإجتماعي التاريخي، لأن هذه الدلالات إنما خاضعة بالطبع لسياقات ذلك الواقع من جهة، وللسياقات والأطر المعرفية لتلك الجماعة من جهة أخرى، وخاصة مع تباين ذلك الواقع التاريخي مع واقعنا المعاش، ونقصد بالجماعة هنا ليسوا فقط أولئك الذين تلقوا القرآن مباشرة من النبى (ص)، بل كل من أتى بعدهم أيضًا واندرجوا تحت ساحة التراث.
لذلك فربما علينا العودة مرة أخرى بالقرآن لما قبل السلطوي _الذى يؤسسه الميتافيزيقى_، ونقصد به المعرفى بالطبع، ولكنه تعاملًا لا يرتقى إلى تعامل الجماعة الأولى مع القرآن، إذ كان تعاملهم المعرفى هذا يتضمن مستوييي المبنى والمعنى كما سبق الإشارة، وبالتالى فإننا لا نملك بالطبع التعامل مع القرآن أو بالأحرى “المصحف العثمانى” إلا على مستوى المعنى فحسب، _إذ حتى كنا نملك ذلك بالفعل_، فكيف سنتعامل مع القرآن تعاملاً معرفياً؟ محاولين كذلك بيان مدى العلاقة بينه وبين المنظومة التراثية الفقهية منها بالذات ([36]). وذلك نظًرا لما جرى ربما منذ القرون الوسطى إلى الآن من الإعتقاد بالتطابق التام بين القرآنى والتراثى.
لعله يلزم التنويه أولاً أن التعامل مع القرآن سيكون باعتباره نصًا قد أُنتج في مجتمع خاضع لسياقات تاريخية محددة، والسياق التاريخى إنما نعنى به السياق السوسيو ثقافى لمجتمع الجزيرة العربية ككل، والسياق المقامي الخاص بتشريع كل آية من القرآن، معنيين بالطبع بالسياق المقاصدي الكلي الذي به مضى القرآن في تغيير بنية الثقافة السائدة.
سنحاول بيان ذلك من خلال نموذجًا مختصرًا لان ذلك سيحتاج بالطبع إلى دراسة كاملة موسعة تتجاوز هذه الورقة البحثية، وذلك سنقتصر على مثال وهو “حد القصاص فى القتل” لقد شُرع قوله تعالى فى حد القصاص {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنثَىٰ بِالْأُنثَىٰ فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ ذَٰلِكَ تَخْفِيفٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ فَمَنِ اعْتَدَىٰ بَعْدَ ذَٰلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ} (البقرة: 178)
ولئن كان المقصد القرآنى الكامن وراء تشريع هذه الآية هى المساواة بين الناس جميعًا في الدماء وذلك -على النحو الذي أقره فخر الدين الرازى- فى سبب نزول هذا الآية إذ يقول “أحدها: أن سبب نزوله إزالة الأحكام التي كانت ثابتة قبل مبعث محمد عليه السلام، وذلك لأن اليهود كانوا يوجبون القتل فقط، والنصارى كانوا يوجبون العفو فقط، وأما العرب فتارة كانوا يوجبون القتل، وأخرى يوجبون الدية، لكنهم كانوا يظهرون التعدي في كل واحد من هذين الحكمين، أما في القتل فلأنه إذا وقع القتل بين قبيلتين إحداهما أشرف من الأخرى، فالأشراف كانوا يقولون: لنقتلن بالعبد منا الحر منهم، وبالمرأة منا الرجل منهم، وبالرجل منا الرجلين منهم، وكانوا يجعلون جراحاتهم ضعف جراحات خصومهم، وربما زادوا على ذلك، على ما يروى أن واحدا قتل إنسانا من الأشراف، فاجتمع أقارب القاتل عند والد المقتول، وقالوا: ماذا تريد؟ فقال إحدى ثلاث قالوا: وما هي؟ قال: إما تحيون ولدي، أو تملئون داري من نجوم السماء، أو تدفعوا إلي جملة قومكم حتى أقتلهم، ثم لا أرى أني أخذت عوضا. وأما الظلم في أمر الدية فهو أنهم ربما جعلوا دية الشريف أضعاف دية الرجل الخسيس، فلما بعث الله تعالى محمدا صلى الله عليه وسلم أوجب رعاية العدل وسوى بين عباده في حكم القصاص وأنزل هذه الآية.([37] (
“ولأن المعتبر في القصاص المساواة، ولهذا سمي قصاصا مأخوذ من قول القائل التقى الدينان فتقاصا أي تساويا أصلا ووصفا” ([38])
فإنه يبدو هكذا أن الخطاب الفقهى قد انحاز لسطوة التقليد الاجتماعى، على النحو الذي لم يقدر معه على إدراك المقصد القرآنى الكامن، إذ مضى يؤسس للتمييز فى الدماء بحسب الدين والنوع والمكانة الإجتماعية، أما الدين على سبيل المثال، فذلك استنادًا إلى حديث منسوب إلى النبى –صلى الله عليه وسلم- “لا يقتل مسلم بذمى” أو “لا يقتل مسلم بكافر”، وقد احتجت “الشافعية والحنابلة” بالذات بهذا الحديث فى الإقرار بأن لا يُقتل مسلم، ولو كان زانياً محصناً، أو تاركاً للصلاة متعمداً، بذمي ولا كتابي” ([39])
وتبعًا لذلك فإن المنظومة الفقية السنية منها خاصة –عدا الحنفية- قد راحت تؤسس التمييز فى الدماء على السنة، وذلك فيما كانت المساواة فى الدماء تؤسس نفسها على القرآن، وذلك على النحو الذي أدركته الحنفية بالذات، إذ قالوا: “يقتل المسلم بالذمى، لأن الله تعالى قال {الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنثَىٰ بِالْأُنثَىٰ}، وقوله: {وكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ}، وقتل المسلم بالذمى نفس بنفس، والمسلم مع الذمى متساويان فى الحرمة التى تكفى فى القصاص، وهى حرمة الدم الثابتة على التأبيد والمسلم كذلك، وكلاهما قد صار من أهل دار السلام، والذى يحقق ذلك: أن المسلم تقطع يده بسرقة مال الذمى، وهذا يدل على أن مال الذمى قد ساوى مال المسلم، فدل على مساوته لدمه، إذ المال إنما يحرم بحرمة مالكه” ([40])، وكذلك احتجوا بجانب القرآن للإقرار بالمساواة فى الدماء بحديث منسوب كذلك إلى النبى –صلى الله عليه وسلم- وهو ما رواه محمد بن الحسن عن ابراهيم “أن رجلاً من المسلمين قتل رجلاً من أهل الذمة، فرفع ذلك إلى رسول الله (صلى الله عليه وسلم) فقال: “أنا أحق من وفىَ بذمته، ثم أمر فقتل” ([41])
وإذا جاز القول بأن تشريع حد القصاص في القتل قد ارتبط بسياق مقامى محدد([42])، كما وضح ذلك الفخر الرازى فى سبب تشريع الاية المعنية بذلك، والتى أراد بها القرآن مع ذلك تغيير بينة الثقافة السائدة القائمة على التمييز فى شتى مجالاته، فأسس المساواة التامة فى الدماء.
فإنه لم يكتف بذلك بل مضى يطرح سياق آخر كلي مقاصدي من خلال دعوته إلى تحريم القتل وحفظ النفوس، وفقًا لقوله تعالى: {وَلَا تَقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا} (النساء: 29)، والتي هى من المقاصد الكلية للدين.
ومن ثَّم فهل نستطيع من خلال تعاملنا المعرفي مع القرآن، تأويل ما هو إجتماعي كالشأن فى الأحكام والحدود الاجتماعية، لا سيمَّا تم تشريعها مرتبطة بسياق إجتماعى مقامى محدد بما يشير بالطبع إلى مرحليتها وظرفيتها، بما هو مقاصدي كلي، خاصة وأن هذا الأخير بما ينطوى عليه من الإيمان بالله وتأكيد وحدانيته، والعمل الصالح الذي يتحدد في صورة بعض الأوامر والنواهى تتمثل في الدعوة إلى قيم ومباديء أخلاقية محددة لإصلاح الناس وتقويم سلوكهم، وهذه القيم الدينية والأخلاقية وإن اشتملت على مبادئ تشترك فيها كلّ الأديان (كالمساواة والعدل، وتحريم القتل والسرقة والكذب والزنا، إعانة الضعيف والمحتاج…)، فإنها بذلك تتصف في كونها ذات طابع وجوديّ، وهو ما يجعلها مبادئ تتجاوز الزمان والمكان؟!
ولعل ذلك يلزم أولاً التمييز داخل الخطاب القرآنى ذاته بين آيات كلية تأسيسية تُعتبر مقاصد أساسية كالآيات التى توحي بالمساواة والعدل، وبين أخرى (تكاليف وأحكام إجتماعية) تختلف بإختلاف الأنبياء والأمم، والتى كانت سبب تشريعها حورا وجدال بين القرآن من جهة والواقع الذي تنزل فيه من جهة أخرى، لا سيمَّا ما يؤديه هذا التمييز من محاولة تقديم قراءة جديدة لآيات الأحكام والحدود، تتفق مع تلك المقاصد الجوهرية، ولا تتناقض كذلك مع الواقع المعاش.
قائمة المصادر والمراجع:
[1]) يروي القرطبي في تفسيره تحت “باب ذكر جمع القرآن”: “كان القرآن في مدة النبي -صلى الله عليه وسلم- متفرقا في صدور الرجال وقد كتب الناس منه في صحف وفي جريد وفي لخاف وظرر وفي خزف وغير ذلك، فلما استحرّ القتل بالقرّاء يوم اليمامة في زمن الصديق -رضي الله عنه-، وقتل منهم في ذلك اليوم فيما قيل سبعمائة، أشار عمر بن الخطاب على أبي بكر الصديق -رضي الله عنهما- بجمع القرآن مخافة أن يموت أشياخ القراء، كأبيّ، وابن مسعود، وزيد; فندبا زيد بن ثابت إلى ذلك، فجمعه غير مرتب السور، بعد تعب شديد، -رضي الله عنه-“، القرطبي، الجامع لأحكام القرآن، دار الفكر، ج1، ص57
[2]) السيوطى، الإتقان فى علوم القرآن، دار الحديث، ت: أحمد بن على، القاهرة، 2006م، ج1، ص186، 187
[3]) السيوطى، الاتقان، ج1، ص195
[4]) السيوطى، نفس المصدر، ج1، ص195
[5]) السيوطى، نفس المصدر، ج1، 195، 196
[6]) السيوطى، الاتقان، ج1، ص188.
[7]) السيوطى، الاتقان، ج1، ص189.
[8]) السيوطي، الإتقان، سبق ذكره.
[9]) السيوطى، الاتقان، مصدر سابق.
[10]) السيوطى، مصدر سابق
[11]) صحيح بخارى، كتاب فضائل القرآن، باب أنزل القرآن على سبعة أحرف
[12]) الزركشى، البرهان، ج1، ص484
[13]) الطبرى، جامع البيان عن تأويل آي القرآن، سبق ذكره.
[14]) انظر، فخر الدين الرازى، مفاتيح الغيب، دار الحديث، وانظر كذلك، الطبرى، جامع البيان عن تأويل آي القرآن، سبق ذكره
[15]) الطبرى، سبق ذكره
[16]) الطبرى، سبق ذكره
[17]) الطبرى، سبق ذكره
[18]) الطبرى، جامع البيان، مصدر سابق
[19]) الطبرى، ويورد الزركشى أمثلة أخرى لهذا النوع من القراءات “كقراءة ابن مسعود (والسارق والسارقة فاقطعوا أيمانهما) (المائدة: 38 ).
ومثل قراءة أبي: ( للذين يؤلون من نسائهم تربص أربعة أشهر فإن فاءوا فيهن ) ( البقرة : 226 ).
وكقراءة سعد بن أبي وقاص: (وإن كان له أخ أو أخت من أمه فلكل ) (النساء : 12) .
وكما قرأ ابن عباس: (لا جناح عليكم أن تبتغوا فضلا من ربكم في مواسم الحج) (البقرة : 198)، انظر، البرها، ج1، ص486
وقد عدَّ العلماء المتأخرين هذا النوع من القراءات من قبيل الزيادات التفسيرية، بل هى قراءة شاذة هدفها تفسير القراءة المشهورة وذلك على النحو الذى أقره الزركشى بقوله: “قال أبو عبيد في كتاب “فضائل القرآن”: إن القصد من القراءة الشاذة تفسير القراءة المشهورة وتبيين معانيها” انظر، الزركشى، البرهان، ج1، ص486
[20]) الطبرى، سبق ذكره
[21]) الزمخشرى، الكشاف، مكتبة العبيكان، ت: عادل أحمد عبد الموجود، الطبعة الأولى، ج1، ص121
[22]) ابن القيم، إعلام الموقعيين عن رب العالمين، دار الكتب العلمية، ت: محمد عبد السلام ابراهيم، بيروت، 1991م، ج3، ص17
[23]) ابن القيم، إعلام الموقعين، ج3، ص17
[24]) ابن القيم، إعلام الموقعين، ج3، ص17
[25]) ومن الأمثلة الدالة كذلك على تعطيل ومنع بعض التشريعات التي ورد فيها نص قرآني قطعي، ما أورده مسلم في صحيحه، هو ما تعلق “بمتعة النساء” أو ما يُعرف “بنكاج “زواج” المتعة”، لاسيمّا وقد أقره النبى (ص) فى عهده، واستمر المسلمون على العمل به فى عهد أبى بكر، إلى أن جاء عمر حتى نهى عنه بقوله: “متعتان كانتا على عهد رسول الله وأنا أنهى عنهما وأعاقب عليهما: متعة الحج، ومتعة النساء”.
[26]) الزركشى، البرهان فى علوم القرآن، دار المعرفة، ت: يوسف عبد الرحمن المرعشلى، بيروت، 1990م، ج1، ص305
[27]) أبو الفضل أحمد بن حسن الرازي، معاني الأحرف السبعة، ت: حسن ضياء الدين عتر، وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية، قطر، الطبعة الأولى، 2011م، هامش ص 319
[28])) أبو الفضل أحمد بن حسن الرازي، معاني الأحرف السبعة، سبق ذكره، ص319- 322
[29]) السيوطى، الاتقان فى علوم القرآن، دار الكتاب العربى، ت: فواز أحمد زمرلى، 1999م، ج1، ص172، وهذا نص الحديث عند مسلم “حدثنا محمد بن عبد الله بن نمير حدثنا أبي حدثنا إسمعيل بن أبي خالد عن عبد الله بن عيسى بن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن جده عن أبي بن كعب قال كنت في المسجد فدخل رجل يصلي فقرأ قراءة أنكرتها عليه ثم دخل آخر فقرأ قراءة سوى قراءة صاحبه فلما قضينا الصلاة دخلنا جميعا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت إن هذا قرأ قراءة أنكرتها عليه ودخل آخر فقرأ سوى قراءة صاحبه فأمرهما رسول الله صلى الله عليه وسلم فقرآ فحسن النبي صلى الله عليه وسلم شأنهما فسقط في نفسي من التكذيب ولا إذ كنت في الجاهلية فلما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما قد غشيني ضرب في صدري ففضت عرقا وكأنما أنظر إلى الله عز وجل فرقا فقال لي يا أبي أرسل إلي أن اقرأ القرآن على حرف فرددت إليه أن هون على أمتي فرد إلي الثانية اقرأه على حرفين فرددت إليه أن هون على أمتي فرد إلي الثالثة اقرأه على سبعة أحرف فلك بكل ردة رددتكها مسألة تسألنيها فقلت اللهم اغفر لأمتي اللهم اغفر لأمتي وأخرت الثالثة ليوم يرغب إلي الخلق كلهم حتى إبراهيم صلى الله عليه وسلم حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا محمد بن بشر حدثني إسمعيل بن أبي خالد حدثني عبد الله بن عيسى عن عبد الرحمن بن أبي ليلى أخبرني أبي بن كعب أنه كان جالسا في المسجد إذ دخل رجل فصلى فقرأ قراءة واقتص الحديث بمثل حديث ابن نمير”، انظر صحيح مسلم، “كتاب صلاة المسافرين وقصرها” باب بيان أن القرآن على سبعة أحرف وبيان معناه.
[30]) الزركشى، البرهان فى علوم القرآن، ج1، ص305
[31]) الزركشى، البرهان، ج1، ص311
[32])) معاني الأحرف السبعة، سبق ذكره، ص291
(*) يساوره: أي يقاتله، ويواثبه، وفي الحديث المشهور عن هذه الواقعة ذُكر على لسان عمر بن الخطاب أنه لبب هشام بن الحكم بردائه: أي: “جمع ثيابَه عند صدره ونحره في الخصومة وجرَّه”.
[33])) معاني الأحرف السبعة، سبق ذكره، ص346
[34])) معاني الأحرف السبعة، ص341، 346
[35]) الزركشي، البرهان في علوم القرآن، ج1، من ص306- 313، ويذكر الزركشي قول كل منهم، فيذكر على سبيل المثال لا الحصر، قول القاضي أبي بكر بن الطيب الذي قال أن الحرف بمعنى الجهة والطريقة، كقوله -سبحانه-: {ومن الناس من يعبد الله على حرف} ( الحج: 11).
[36]) لقد تم التعامل مع القوانين الفقهية من ذلك الحين إلى الآن بوصفها التعبير الكامل والصحيح للقانون الالهى، لدرجة أنها عتّمت على النص القرآني ذاته، وكانت النتيجة هي الانفصال عن النص الاصلى ومقاصده الأساسية.
[37]) فخر الدين الرازى، مفاتيح الغيب، أو التفسير الكبير، دار الحديث، القاهرة.
([38] السرخسى، المبسوط، ج26، ص125
[39]) انظر، عبد الرحمن الجزيرى، الفقه على المذاهب الأربعة، دار الحديث، القاهرة، ج4، ص220
[40]) الجزيرى، الفقه على المذاهب الأربعة، سبق ذكره، ج5، ص220
[41]) الفقه على المذاهب الأربعة، سبق ذكره، ج5، ص221
[42]) ليس حد القصاص فحسب، بل معظم الحدود والاحكام الاجتماعية