من أجل تجديد التشريع الإسلامي

تكوين

ما فتئ الفكر الإسلامي المُحدَث منذ عصر النهضة يتساءل عن سبب الضعف والقصور طارحا السؤال الشهير: ما السبيل إلى تحقيق التقدم؟ ولئن اختلفت السّبل حسب مشارب المفكرين ورؤاهم بين قائل بضرورة فكّ الارتباط بالاقتصاد الامبريالي (سمير أمين مثلا) وقائل بضرورة خلخلة بنية الأسرة الأبوية والمجتمع البطركي(هشام شرابي مثلا)…فإنّ العامل الديني كان كثيف الحضور في إنتاج المعاصرين من أهل الملّة الإسلامية. وتتجلى تلك الكثافة في كثرة الأصوات الداعية إلى فتح باب الاجتهاد، والداعية كذلك إلى مقاربة النص القرآني بغير ما تأوّل القدامى، دفاعا عن حق الخلف في الاستغناء عن وساطة السلف. بل إنّ عددا من المعاصرين قد تباروا في وسم أعمالهم في الفكر الإسلامي بـ”الجدّة” و”الجديد” و”التجديد”، مستشهدين في ذلك بالحديث النبوي: “إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينها”[1].

ويلاحظ الناظر في المصنّفات الصادرة والندوات المنعقدة والمجامع الملتئمة والروابط المستحدَثة منذ النصف الثاني من القرن العشرين في البلدان المسلمة كثرة الأصوات الداعية أو المدّعية للاجتهاد والتجديد والتغيير والتنوير والتثوير والإصلاح ….ثم ما لبثت الفضائيات والانترنت أن اقتحمت المجال الديني فأضحى لنا في كل يوم موعد مع فتوى جديدة و”مجتهد” جديد: فتاوى يتعقّلها الدارس ويُدينها الداعية أو يَدين بها لا فرق.

وتحتلّ قضية التشريع، باب المعاملات تحديدا، في هذا الجهد التجديدي الإسلامي حيّزا هامّا، سواء من جهة الوعي بتعقّدها والتفكير فيها قصد اقتراح الحلول لها، أو من جهة إثارتها للمعارك بين المشارب الفكرية المختلفة. وقد بلغت المعارك الفكرية أحيانا حدّ تبادل تهم التكفير أو الجمود الفكريّ من هذا الشق الفكريّ أو ذاك حسب موقعه من قضيّة تجديد الفكر الإسلامي نقضا أو إبراما. وممّا أسهم في تعميق هذه القضيّة تطوّر الأوضاع المحلية والعالمية فقد واجه المسلمون في العصر الحديث مسألة توقف العمل بأحكام الشريعة الإسلامية إذ عزّ تطبيق تعدّد الزوجات أو قُيّد الحكم، وأُلغي الرقّ، وانحلّ مفهوم دار الإسلام لتتوقف أحكام الجزية والخلافة، وأضحت البنوك بنظامها الرّبوي تتحكم في رأس المال المالي عالميّا، وقامت أخلاقية كونيّة حديثة تكرّس الحرية والمساواة والتسامح، وصار الفردُ مرجعا في التفكير وأصبح التعاقدُ أُسَّ صياغة القانون. فـــ”هناك الكثير من الأحكام القرآنية التي تعدّ في حالة إيقاف التنفيذ والتي منها الإنفاق على عمليات فك الرقاب، والأحكام الخاصة بالرقّ وبملك اليمين وبالسبي والأسرى وبغنائم الحرب وبالحدود وبأهل الذمة “[2]. وبالتالي، فإنّ “آيات الأحكام” والفقه الناشئ في محضنها قد دعا المسلمين المعاصرين إلى إعادة النظر في تشريعات كثيرة. لقد تعدّدت مقاربات آيات الأحكام في الفكر الإسلامي المعاصر، وهي مقاربات عادة ما تصنّف وفق اتجاهات أصحابها (أصولية، عقلانية، توفيقية…) أو وفق مناهج إجرائها ( جندرية، تاريخية، نقدية، قانونية دستورية…). وقد ارتأينا في هذا المقال تصنيفها وفق أهم آلياتها في تجديد التشريع الإسلامي. وهذه الآليات هي:

1- ردّ أصول الفقه ما عدا القرآن: يمكن القول إنّ هذا الاتجاه قد أضحى مسيطرا على الفكر الإسلامي المُحدَث، سواء صرّح أصحابه باتجاهاتهم القرآنية أو لم يصرّحوا. ويبدو لنا أنّ النقد الشامل الذي تعرّضت له مدونة الحديث النبوي قد أضعف من سلطة الأحاديث النبوية. وهو نقد قد تعرّض لمدونة الحديث النبوي من جهة مدى تمثيلها لما قاله النبي حقا، والحال أن الأحاديث قد دوّنت بعد ما يقارب القرنين من الزمان، ومن جهة احتواء هذه المدوّنة على أحاديث متعارضة، ومن جهة احتوائها على أحاديث لا تلائم روح العصر، ومن جهة تناقض أحاديث كثيرة مع القرآن. أما أصول الفقه الأخرى كالإجماع، فقد عصفت به الدراسات التاريخية حين بينت أن لا إجماع إلا بقوة السيف. وكذا قُل عن القياس وعن الأصول المكمّلة كعمل الصحابة وعمل أهل المدينة والاستحسان…وعلى هذا الأساس ردّ طائفة من المجددين كلّ حكم فقهي لا يستند إلى القرآن. ويمكن التمثيل لذلك بردّ حكم قتل المرتدّ نظرا لعدم احتواء القرآن- وقد ذكر المرتدّين في آيات كثيرة- على حكم بقتل المرتدّ رغم توفر حديث منسوب إلى النبي: “من بدّل دينه فاقتلوه”[3]، ورغم الخبر عن الخليفة أبي بكر في قتال المرتدّين.

2- مراجعة آلية النسخ: احتلّ النسخ في التفكير الأصولي الفقهي القديم مكانة مرموقة، حتى أنهم اشترطوا في التعامل مع القرآن العلم بالآيات الناسخة والآيات المنسوخة وجوبا[4]. ويعني النسخ عند القدماء عموما إبطال الحكم القرآني السابق في الزمن بحكم قرآني لاحق. وعلى هذا الأساس تم إبطال جميع آيات المسالمة واللين في التعامل مع المخالف بآية السيف، نعني الآية 5 من سورة التوبة. ولئن ذهب كثير من المسلمين المعاصرين إلى إنكار وجود النسخ في القرآن[5]، فإن السوداني محمود محمد طه قد تميز بتقديم حلّ للتعامل مع الأحكام المتعارضة في القرآن، يقول: “تطوّر الشّريعة إنّما هو انتقال من نصّ إلى نصّ، من نصّ كان هو صاحب الوقت في القرن السّابع فأُحْكِم إلى نصّ اعتُبر يومئذ أكبر من الوقت فنُسخ. قال تعالى : ” مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ ننْسأها نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ” (البقرة 2/106)[6]، قوله (ما ننسخ من آية) يعني نلغي ونرفع من حكم آية. قوله (أو ننسأها) يعني : نؤجّل من فعل حكمها. (نأت بخير منها) يعني أقرب لفهم الناس وأدخل في حكم وقتهم من المنسأة. (أو مثلها) يعني نعيدها هي نفسها إلى الحكم حين يحين وقتها… فكأنّ الآيات الّتي نسخت إنّما نسخت لحكم الوقت، فهي مرجأة إلى أن يحين حينها. فإن حان حينها فقد أصبحت هي صاحبة الوقت، ويكون لها الحكم وتصبح بذلك هي الآية المحكمة. وتصير الآية التي كانت محكمة في القرن السّابع منسوخة الآن. هذا هو معنى حكم الوقت. للقرن السّابع آيات الفروع وللقرن العشرين آيات الأصول، وهذه هي الحكمة وراء النّسخ. فليس النّسخ إذن إلغاء تاما وإنّما هو إرجاء… هو انتقال من نصّ خدم غرضه، خدمه حتّى استنفده، إلى نصّ كان مدّخرا يومئذ إلى أن يحين حينه”[7]. أما آيات الفروع فهي القرآن المدني عنده، وهي موجهة للمخاطبين في القرن السابع، وأما آيات الأصول فهي القرآن المكي، وهي موجهة للمخاطبين في العصر الحديث. وهذا هو معنى حديث طه عن الرسالة الأولى والرسالة الثانية في القرآن. ولئن مثّلت آيات الفروع وجه التصاق النصّ بالواقع الّذي تنزّل إليه، فإنّ آيات الأصول تجعل منه نصّا منفتحا على أحوال المسلم عبر التاريخ لأنّها احتوت على مبادئ عامّة (الحريّة، المساواة، التسامح…) يمكن التشريع على ضوئها وفي هدي مقاصدها[8].

3- التمييز بين التشريع القرآني والشريعة الإسلامية: ليست الغاية من هذه الآلية بيان اتساع أحكام الشريعة الإسلامية مقارنة بقلّتها في القرآن، فذاك أمر طبيعي مادامت الشريعة قد اعتمدت على مصادر أخرى يتصدرها القرآن. وإنما الغاية بيان عدم وفاء الشريعة الإسلامية للتشريع القرآني. ومتى تم ذلك، رُفعت القداسة عن الشريعة الإسلامية. وقد تصدى عدد من الباحثين لهذه القضية، لعل أبرزهم الصادق بلعيد. جعل الصادق بلعيد ديدنه في مؤلفه “القرآن والتشريع، قراءة جديدة في آيات الأحكام” الوقوف على الفروق الكبيرة والدقيقة بين أحكام الفقهاء وأحكام القرآن. ففي باب النكاح حكم الفقهاء بتعدد الزوجات مطلقا بينما تشترط الآية “الخوف من عدم القسط في اليتامى:” وإنْ خفْتُم ألّا تُقْسِطوا في اليتامى فانْكحوا ما طاب لكُمْ من النّساء مثنى وثلاث ورباع ” (النساء4/3)، وأبطلوا زواج المتعة، وفي باب الميراث أهمل الفقهاء الوصية ، وفي باب الحدود لم يراع الفقهاء ارتفاع الحدّ في السرقة بالتوبة: “وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُما جَزاءً بِما كَسَبا نَكالًا مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ . فَمَنْ تابَ مِنْ بَعْدِ ظُلْمِهِ وَأَصْلَحَ فَإِنَّ اللَّهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ” (المائدة5/ 38-39 ) بينما راعى الفقهاء ارتفاع الحكم بالتوبة في الحرابة. وأقرّ الفقهاء حدّ الرجم في جريمة الزنى بديلا عن حكم الجلد القرآني، واخترعوا للردة والخمر حدّيْن لم يحتو عليهما القرآن. وفي باب المعاملات المالية لم يراع الفقهاء شرط تحريم الربا المتمثل في “الأضعاف المضاعفة” رغم نص الآية: “يا أيها الذين آمنوا لا تأكُلوا الرّبا أضعافا مضاعفة واتّقوا الله لعلكم تُفلحون” (آل عمران3/130)، وعمّم هؤلاء الفقهاء أحكاما كثيرة خاصة بأشخاص (مثل نساء النبي) أو بأحداث (مثل حادثة العُرَنيين) أو بأحوال (مثل حال الحرب بين النبي والمشركين)[9]. ولذلك قال الصادق بلعيد: “من الأساسي أن نفرّق بقوة بين “الشريعة القرآنية” وما يسمّى الشريعة الإسلامية. فالأولى تعيّن ما يوجد من أحكام في القرآن الكريم، أما الثانية فهي تتجاوز بكثير ما نصّ عليه القرآن الكريم لتشمل حصيلة اجتهادات الفقهاء والمفسرين وتصوّراتهم المختلفة والمتضاربة حسب الزمان والمكان “[10]. وانتهى الصادق بلعيد إلى التأكيد على ثلاث ملامح هي: إنطاق الشريعة الإسلامية القرآن عكس ما يقوله، وقلّة الأحكام القرآنية وغلبة الطابع الأخلاقي عليها، وضرورة الاعتبار بمقاصد الحكم، وهي مقاصد لا يفصح عنها القرآن صراحة، وإنما يمكن استنتاجها من خلال قراءة كلّيّة للخطاب القرآني حول قضية ما، أو من خلال السير في الاتجاه الذي سلكه القرآن مقارنة بواقع العرب في القرن 7 م.

4- التشريع في ضوء مقاصد القرآن: لقد شاع القول بالمقاصد في الفكر الإسلامي المحدث، وخصوصا في باب التشريع، حتى قال رضوان السيد :”لا أجْدى من آفاق مقاصد الشريعة للدخول في السياق الكونيّ المعاصر”[11]. وقد أجرى المحدثون آلية المقاصد إجراء يجعلها تتجاوز النصّ على عكس القدماء.  ويمكن تصنيف آلية المقاصد المعتمدة عند المحدثين إلى مقاصد جزئية ومقاصد كلية:

– المقاصد الجزئية، وتعني عندهم تتبع المسائل مسألة مسألة، والنظر في الأحكام فيها قبل نزول القرآن ومقارنتها بالأحكام القرآنية، فإذا استبانت من تلك المقارنة نزعة إلى التغيير، جاز استنباط حكم جديد مخالف للقرآن نصا، موافق له روحا. فعلال الفاسي قد أبطل حكم تعدد الزوجات بناء على هذه الآلية، يقول: ” “وقد أخذنا نحن مبدأ توقيف العمل بتعدد الزوجات في العصر الحاضر بناء على أنّ الأمر الوارد في القرآن يشتمل على أمر إرشاد المسلمين أن يواصلوا ما بدأه الشرع من تقييد التعدّد كلما خافوا عدم العدل (…) ومن جهة الدليل نستعمل أمر الإرشاد الذي نعتبره أصلا من أصول الشريعة ومن وسائل تطوّرها ولا نظن أن أحدا سبقنا إليه بهذا المعنى”[12]. اما محمد الطالبي، فقد عرّف القراءة المقاصدية كما يلي: ” إن القراءة المقاصدية ترتكز في مرحلة أولى على التحليل الاتجاهي (Analyse vectorielle) للنصّ. فهي قراءة في نفس الوقت تاريخيّة-إناسية-غائية، فهي إذن قراءة حركية للنص لا تقف بي عند حرفه-وما يقاس عليه-وإنما تسير بي في اتجاهه”[13]. وقد اشتق الطالبي مصطلح “السهم الموجّه” لالتماس مقاصد النصّ أو غاياته. يقول : ” إن القراءة التاريخية الإناسيّة يجب أن تسبق كل استقراء للنصّ كي نفهم فيه على حد السّواء ظرف التنزيل وغاية الشرع أي نقطة الانطلاق والهدف المقصود. أضرب مثلا إلغاء الاسترقاق… فأنا أضع نقطتين: نقطة أولى حالة الرقيق قبل التنزيل، ثم نقطة ثانية حالة الرقيق بعد التنزيل ثم أجرّ خطا تحدد اتجاهه النقطتان فأحصل هكذا على سهم موجّه يبين لي بوضوح مقاصد الشارع. فآخذ بالاعتبار في فهم النصّ هذه المقاصد وأسير في اتجاهها”[14]. وبالتالي ، فإنّ منع العبودية هو حكم قرآني، رغم خلوّ القرآن منه، لأنه حكم يسير في الاتجاه الذي رسمه القرآن في شأن معاملة العبيد.

–  المقاصد الكلية، وتعني اجتراح قيم قرآنية عامة من خلال قراءة كلية للقرآن لا تقتصر على ما عُرف عند القدماء بآيات الأحكام، والتشريع من ثمة على ضوء تلك القيم. وهي بالتالي قراءة لا تلتفت إلى الأحكام القرآنية التفصيلية، وإنما تهتم بفلسفة القرآن في النظرة إلى الإنسان. وهي قراءة لا تهتم بمقاصد الشريعة بل بمقاصد القرآن في جوانبه الاعتقادية والأخلاقية والتشريعية. ولعلّ عبارة “روح الرسالة المحمدية” هي التعبير الأوفى عن كلية هذه المقاصد وشموليتها وتجريدها[15]. ويتجلّى تجريد هذه المقاصد في ما استنبطه نصر حامد أبو زيد من مقاصد كلية حصَرَها في مبادئ ثلاثة هي العقلانية والحرية والعدل[16]. ويتم تجديد التشريع الإسلامي بالنظر في جميع القوانين من جهة مدى ملاءمتها لهذه المبادئ الكلية الثلاثة.

5- العلمنة الصريحة: لئن كانت الآليات السابقة ضربا من الرفض الناعم لأحكام الشريعة الإسلامية، فإنّ آلية العلمنة الصريحة تقوم على مصارحة الذات بضرورة القطع مع التشريع الديني برمته، وهي آلية ورؤية في الآن نفسه، لأن العلمنة الصريحة تقوم على حصر مجال تدخل العامل الديني في الشأن الاعتقادي والأخلاقي لا غير. ولعل محمد النويهي خير ممثل لهذا الاتجاه، فقد أقرّ بعجز الدين الإسلامي – و يعني بذلك نصوصه الأساسية – عن حلّ كل مشاكل المجتمعات المعاصرة، فهو بالتالي ليس نظاما كاملا للحياة، وذهب إلى أنّ المُلزم للمسلم المعاصر إنما هو الاعتقاد فحسب فـ ” كلّ ما في القرآن و ما في السنّة من تشريعات لا تتناول العقيدة  وما يتعلق بها من شعائر العبادة ليست الآن ملزمة لنا في كل الأحوال”[17]. و قد كان النويهي جريئا في دعوته فأقرّ مساواة المرأة بالرجل في الميراث رغم وضوح النص أن ” لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأنْثَيَيْنِ ” (النساء 4/11)، مستندا إلى مبدإ المساواة فــ” كل النصوص الدينية بلا استثناء يجوز لنا أن نتجاوز حرفها في كل ما يتعلق بمعارفنا الدنيوية وأوضاعنا الاقتصادية مادمنا نستهدف المثل الروحية العليا التي نصبها الدين لنا. هذا هو التفسير الجديد للدين ورسالته الإنسانية ودوره الصحيح في المجتمع … أما الاقتصار على الإصلاح الجزئي المبعثر فإنه لم يعد يكفي ولم يعد يغني عن المواجهة الثورية الجذرية على صعيد الفكر الديني نفسه”[18].

إنّ جميع المحاولات المذكورة، وغيرها، نابعة من إقرار بعجز الشريعة الإسلامية عن استيعاب حاجات المسلم المعاصر. ولئن كان المجدّدون قد أدّوا واجبهم في باب التنظير، فإنّ مهمة التطبيق منوطة بعاتق السائس. ونحن نلاحظ أن كثيرا من قادة الدول العربية والإسلامية قد شرعوا في التخلّص من عادة تملّق الجماهير باسم الوفاء للإسلام، وطفقوا يغيّرون بعض الأحكام وإنْ على استحياء.

 

المراجع:

[1] – أبو داود: السنن، تحق محمد محي الدين عبد الحميد، المكتبة العصرية، بيروت، د.ت، ج4 ، ص109

[2]– أحمد البغدادي : تجديد الفكر الديني : دعوة لاستخدام العقل، دار المدى للثقافة والنشر. دمشق، 1999. ص 91.

[3] – انظر مثلا صحيح البخاري، حديث رقم 6922

[4] – انظر مثلا أبو جعفر النحاس : الناسخ والمنسوخ في القرآن الكريم، المكتبة العصريّة ، بيروت، ط1 ،  2007، ص9.

[5] – راجع عبد المتعال الجبري: لا نسخ في القرآن…لماذا؟ دار التضامن للطباعة، القاهرة، ط1 ،1980

[6] -يأخذ طه بالقراءة الرائجة في التراث، وهي”أو ننسأها” من نسأ ينسأ أي أجّل، انظر مثلا ابن خالويه (الحسين بن أحمد) : الحجّة في القراءات السّبع، تحقيق عبد العال سالم مكرم، دار الشّروق – بيروت، ط1، 1401هـ، ج1، ص 86، كذلك الداني(أبو عمرو) : جامع البيان في القراءات السّبع، ج2، ص570. ولمزيد التوسع انظر مقالنا “القراءات القرآنية وأثرها في مفهوم النص القرآني، البقرة2/106 أنموذجا” ضمن: النص وأفعال القراءة والفهم والتأويل، منشورات مخبر تجديد مناهج البحث والبيداغوجيا في الإنسانيات وكلية الآداب والعلوم الإنسانية بالقيروان 2014 ص ص169-191

[7] – محمود محمّد طه: الرّسالة الثانية من الإسلام، ، ضمن : نحو مشروع مستقبلي للإسلام، المركز الثقافي العربي، بيروت ودار قرطاس، الكويت، ط1، 2002، ص 78.

[8] – تمكّن محمود محمّد طه بفضل هذه المنهجيّة من مراجعة أحكام كثيرة كالجهاد والملكيّة الخاصّة ووضع المرأة والرقّ وأحكام أهل الذمة … انظر الباب الخامس من الرسالة الثانية من الإسلام، ص 149-166. وقد واصل تلميذه عبد الله أحمد النّعيم تعميق هذه المنهجيّة في كتابه : نحو تطوير التّشريع الإسلامي، ترجمة وتقديم حسين أحمد أمين، دارسينا للنشر – القاهرة، ط1، 1994.

[9] – وردت هذه الأمثلة مبثوثة في كتاب الصادق بلعيد: القرآن والتشريع، قراءة جديدة في آيات الأحكام، مركز النشر الجامعي، تونس 1999

[10] – الصادق بلعيد: القرآن والتشريع، ص37

[11] – رضوان السيد:  مقاصد الشريعة والمدخل القيمي:النظرية الاجتماعية والسياسية، ضمن مجلة الكوفة،س1 ع2شتاء2013 ،ص ص 21-30

[12]– علال الفاسي: مقاصد الشريعة الإسلامية ومكارمها، دار الغرب الإسلامي، ط5، 1993، ص ص183-184

[13]– محمد الطالبي: عيال الله، سراس للنشر، تونس، 1996، ص 144

[14]– نفسه، ص144

[15] –  نصر حامد أبو زيد : الخطاب والتأويل، المركز الثقافي العربي، ط1، 2000 وخصوصا الفصل الموسوم بــ: “قراءة جديدة للمقاصد الكلية للشريعة”، ص ص201-208، كذلك عبد المجيد الشرفي: الإسلام بين الرسالة والتاريخ. دار الطليعة، بيروت، ط1، 2001.

[16]– نصر حامد أبو زيد : الخطاب والتأويل. ص ص 203-207.

[17]– محمد النويهي: نحو ثورة في الفكر الديني، دار الآداب. بيروت، 1983،  ص 148.

[18] – نفسه، ص. ص 162-163.

    اقرأ ايضا

    المزيد من المقالات

    مقالك الخاص

    شــارك وأثــر فـي النقــاش

    شــارك رأيــك الخــاص فـي المقــالات وأضــف قيمــة للنقــاش، حيــث يمكنــك المشاركــة والتفاعــل مــع المــواد المطروحـــة وتبـــادل وجهـــات النظـــر مــع الآخريــن.

    error Please select a file first cancel
    description |
    delete
    Asset 1

    error Please select a file first cancel
    description |
    delete