تكوين
كثيرةٌ في تاريخ ثقافتنا العربية الإسلامية الإجابات الجاهزة التي تُحاصر، وتُعطّل العقل، وتمنحه بكثرة تداولها إحساسًا كاذبًا بالإنجاز المعرفي؛ فالإجابات الجاهزة التقليدية تسْكينيه تُعطي شعورا بالأمان لمجتمع قلقٍ مما حوله، فكلّ محاولة بحثية لتفكيك تلك الأجوبة المسكّنة، وإعادة النظر فيها يُهدد وجود المستكينين أنفسهم، ممّا يدفعهم إلى استخدام العنف، والتعامل مع الباحث المتسائل كعدو.. في الوقت الذي تُبنى فيه المعرفة على حرية السؤال الذي لا يعرف خطوطا حمراء.
ومن تلك الأسئلة المكبوتة ما يتصل بإعادة النظر في أجوبة عقائدية ارتدت ثوب المقدس، وهي أبعد ما تكون عنه، وإدخالها في بنية المقدّس يضرّ بالتجربة الإيمانية، فلا بديل لبناء إيمان قادر على الصمود عن إعادة النظر في تلك الأجوبة، دون أن تُتّهم كلّ محاولة للتفكير بأنّها تشكيك، ودون النظر إلى كل محاولة لنقد الفكر الديني بأنّها نقض وهدم للدين، فالتفكير سؤال متواصل دائم، فإذا توقف السؤال تجمّد الفكر، وحين يُحاصر السؤال يُقتل التجديد قبل أن يبدأ.
في أربعينيات القرن الماضي كانت الأجواء الثقافية والدينية أقل توترا، وأكثر استجابة لإعادة النظر في الإجابات المعلّبة المعدّة سلفا، ففي ١١ مايو سنة ١٩٤٢م وصل إلى مشيخة الأزهر سؤال من حضرة عبد الكريم خان بالقيادة العامة لجيوش الشرق الأوسط، جاء فيه: “هل عيسى حي أم ميّت في نظر القرآن الكريم والسنة؟ وما حُكم المسلم الذي يُنكر أنّه حي؟ وما حكم من لا يؤمن به إذا فرض أنه عاد إلى الدنيا مرة أخرى؟”
ولم تكن تلك المرة الأولى التي يُطرح فيها مثل هذا السؤال، فقبل ذلك بأربعين عاما، وصل إلي الشيخ محمد عبده سؤال من دولة تونس، جاء فيه “ما حالة سيدنا عيسى الآن؟ وأين جسمه من رُوحه؟ وما قولكم في آية “إني متوفيك ورافعك”؟ وإن كان حيّا يُرزق كما كان في الدنيا فمما يأتيه الغذاء الذي يحتاج إليه كل جسم حيواني، كما هي سنة الله في خلقه؟”
كانت إجابة الشيخ محمود شلتوت، والشيخ مصطفي المراغي، والشيخ عبدالمتعال الصعيدي، ومن قبلهم الشيخ محمد عبده، ورشيد رضا على خلاف الإجابات المتداولة الشائعة في الثقافة الإسلامية، التي تُؤكد أن عيسى، عليه السلام، حي روحا وجسدا في السماء، وأنه سيعود مرة أخرى، دون أن يستوقف أصحابَ الإجابات الجاهزة المتداولة تناقضُ تلك الإجابات مع قول الله تعالي “وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِّن قَبْلِكَ الْخُلْدَ” [الأنبياء:٣٤]، بل حوّلوا إجاباتهم إلى مقدّس، فهي من ثوابت الدين التي حددها الإجماع، والنصوص القرآنية، والأخبار النبوية.
وهذا ما رفضه الإصلاحيون من شيوخ الأزهر، فلا إجماع عندهم سوى في الأحكام الشرعية العملية مثل صلاة النبي، أما الغيبيات من أشراط الساعة، وأمور الآخرة لا تثبت بإجماع؛ لأنّ المجمعين لا يعلمون الغيب، فكلامهم يعتمد على أخبار مسندة إلى النبي، صلي الله عليه وسلم، وهي، كسائر الأخبار، ينبغي أن نُخضعها متنا/ نصـّا، وسَنَدا/رواة للتدقيق والسؤال حول مدى صحة هذه الإخبار؟ هل هي قطعية الثبوت أم ظنية/احتمالية؟ وهل دلالتها على المعنى المتداول دلالة قطعية أم أنّ دلالتها ظنية/ احتمالية؟
إذا توقّفنا أمام سَنَد الإجماع الفزّاعة الأكثر استدعاء في الخطاب الديني التقليدي لإخراس العقل، فسنجد أنّ الشيوع والتداول لا يصنع إجماعا، ولا يُفيد ثبوتا، “فحياة عيسى عليه السلام جسدا وعودته ثانية” مختلف عليها قديما كما أشار إلى ذلك ابن حزم في كتابه “مراتب الإجماع”، والقاضي عياض في شرح مسلم، والسعد في شرح المقاصد، وعبارته في ذلك واضحة جلية في أنّ المسألة ظنية في ورودها ودلالتها! كذلك مختلف عليها حديثا كما أشار إلى ذلك شيخ الأزهر الشيخ محمود شلتوت.
فميّز الشيخ محمد عبده في تفسيره بين طريقتين: “إحداهما: وهي المشهورة أنّه رفع بجسمه حيا، وأنه سينزل في آخر الزمان، فيحكم بين الناس بشريعتنا، ثم يتوفاه الله تعالى … والطريقة الثانية أن الآية على ظاهرها، وأن التّوفي على معناه الظاهر المتبادر منه، وهو الإماتة العادية، وأن الرّفع يكون بعده، وهو رفع الروح”. ثم يذكر “أن لأهل هذه الطريقة في أحاديث رفع عيسى ونزوله آخر الزمن تخريجين: أحدهما أنها آحاد تتعلق بأمر اعتقادي، والأمور الاعتقادية لا يُؤخذ فيها إلا بالقطعي، وليس في الباب حديث متواتر. وثانيهما: تأويل النزول” بنحو ما سبق نقله عن شرح السعد في كتابه المقاصد من كون المسألة ظنية في ورودها ودلالتها”!
ولم يختلف رأي شيخ الأزهر الشيخ مصطفى المراغي عن رأي إستاذه الإمام محمد عبده، فكان ردّه على السؤال الذي وصل الأزهر أنه “ليس في القرآن الكريم نصّ صريح قاطع على أن عيسى عليه السلام رفع بجسمه وروحه، وعلى أنّه حي الآن بجسمه وروحه. وقول الله سبحانه: “إذ قال الله ياعيسى إني متوفيك ورافعك إلي ومطهرك من الذين كفروا” الظاهر منه أنه توفاه وأماته ثم رفعه، والظاهر من الرفع بعد الوفاة أنه رُفع درجات عند الله كما قال في إدريس عليه السلام: “ورفعناه مكانا عليا” وهذا الظاهر ذهب إليه بعض علماء المسلمين، فهو عند هؤلاء توفّاه الله وفاةً عاديةً، ثم رفع درجاته عنده، فهو حيّ حياة روحية كحياة الشهداء وحياة غيره من الأنبياء. لكنّ جمهور العلماء على أنّه رفعه بجسمه وروحه، فهو حي الآن بجسمه وروحه، وفسّروا الآية بهذا بناء على أحاديث وردتْ كان لها عندهم المقامُ الذي يسوغ تفسير القرآن بها” ثم قال فضيلته: “لكن هذه الأحاديث لم تبلغ درجة الأحاديث المتواترة التي تُوجب على المسلم عقيدة، والعقيدة لا تجب إلا بنصّ من القرآن أو بحديث متواتر”، ثم قال: وعلى ذلك فلا يجب على المسلم أن يعتقد أن عيسى، عليه السلام، حي بجسمه وروحه، والذي يخالف في ذلك لا يُعدّ كافرا في نظر الشريعة الإسلامية”.
إقرأ أيضاً: “العصر الذهبي” للأمة: صناعة التاريخ المقدس أو عسكرة الإسلام
كذلك جاءت إجابة رشيد رضا في تفسير المنار، فبعد أن عرض لآيات وآراء المفسرين، لخّص كلامه “بأنه ليس في القرآن نص صريح في أن عيسى رُفع برُوحه وجسده إلى السماء، حيًّا حياة دنيوية بهما بحيث يحتاج بحسب سنن الله تعالى إلى غذاء، فيتوجه سؤال السائل عن غذائه، وليس فيه نص صريح بأنه ينزل من السماء”. ثم تكلّم عن الأحاديث، وقال: إنّ هذه المسألة من المسائل الخلافية حتى بين المنقول عنهم رفع المسيح بروحه وجسده إلى السماء”.
وبالعودة إلى القرآن الكريم فسنجد الآيات تتحدث صراحة عن وفاة عيسى عليه السلام، بقوله تعالى: “إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا” [آل عمران:٥٥]، وعلى لسان عيسى: “فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ” [المائدة:١١٧]، فالفعل “توفّي” في الآيتين لم يخرج عن معناه في القرآن الكريم،([1]) الذي يتفق مع المدلول اللغوي للفعل “تَوفّي” وهو “أمات”، ذاك المعنى الذي يتبادر إلى الذهن عند سماع كلمة “توفي” من الإماتة العادية للجسد التي يعرفها الناس.. “ولا سبيل إلى القول بأنّ الوفاة هنا مرادٌ بها وفاة عيسى بعد نزوله من السماء بناء على زعْم مَن يرى أنه حيّ في السماء، وأنّه سينزل منها آخر الزمان؛ لأنّ الآية ظاهرةٌ في تحديد علاقته بقومه هو.. وليس بالقوم الذين يكونون آخر الزمان، وهم قوم محمد باتفاق لا قوم عيسى”.
إذا كانت آيتا آل عمران، والمائدة صريحتين في موت عيسى، عليه السلام، فمن أين أتى القول بأنه حيّ جسدا لم يمت؟
أتى من ظاهر آية: “وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ، وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا” [النساء:١٥٨،١٥٧] فتبدأ إشكالية الاعتقاد بحياة عيسى جسدا عندما تُفسّر الآية بالأثر/ الخبر/ المرويّة، التي تحكي عن رفعه جسدا ونزوله بعد الدجال، وتلك الأخبار ضعّفها الشيخ محمود شلتوت لكونها:
“أولا: روايات مضطربة مختلفة في ألفاظها ومعانيها اختلافًا لا مجال معه للجمْع بينها؛ وقد نصّ على ذلك علماء الحديث. وهي فوق ذلك من رواية وهب بن عتبة، وكعب الأحبار، وهما من أهل الكتاب الذين اعتنقوا الإسلام، وقد عرفت درجتهما في الحديث عند علماء الجرح والتعديل.
وثانيا: كونها تعتمد على حديث مروي عن أبي هريرة اقتصر فيه على الإخبار بنزول عيسى؛ وإذا صحّ هذا الحديث فهو حديث آحاد. وقد أجمع العلماء على أن أحاديث الآحاد لا تفيد عقيدة، ولا يصحّ الاعتماد عليها في شأن المغيبات.
وثالثا: كونها تعتمد على ما جاء في حديث المعراج من أن محمداً، صلى الله عليه وسلم، حينما صعد إلى السماء، وأخذ يستفتحها واحدة بعد واحدة، فتفتح له، ويدخل، رأى عيسى، عليه السلام، هو وابن خالته يحي في السماء الثانية. ويكفينا في تَوْهِين هذا المستند ما قرره كثير من شرّاح الحديث في شأن المعراج، وفي شأن اجتماع محمد –صلى الله عليه وسلم– بالأنبياء، وأنه كان اجتماعا روحيا لا جسمانيا” [يُنظر فتح الباري وزاد المعاد وغيرهما].
ومن الطّريف أنّهم يستدلون على أن معنى الرّفع في الآية هو رفع عيسى بجسده إلى السماء بحديث المعراج بينما تَرى فريقا منهم يستدلّ على أن اجتماع محمد بعيسى في المعراج كان اجتماعا جسديا بقوله تعالى: “بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ” [النّساء:١٥٨]، وهكذا يتخذون الآية دليلا على ما يفهمونه من الحديث حين يكونون في تفسير الحديث، ويتخذون الحديث دليلا على ما يفهمونه من الآية حين يكونون في تفسير الآية! “إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيّ” [آل عمران:٥٥].
ويظلّ السؤال، إذا كان التفسير بالمأثور غير دقيق، فكيف يُمكننا أن نفهم آية سورة النساء “بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ”؟
يُمكننا أن نفهم آية سورة النساء بشكل جيد إذا وضعناها بجوار آية سورة آل عمران “إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيّ”، فالله أخبر بموت عيسى/ توفّيه أولا، ثم رفع مكانته ثانيا، فالرفع ليس للجسد، لأن الوفاة وقعت، وإنما رفع مكانة مثل إدريس في قوله “ورفعناه مكانا عليا”، ورفع ذكرٍ مثل محمد صلى في قوله “ورفعنا لك ذكرك” فبمثل هذه المعاني جاءت كلمة “رفع” في القرآن الكريم.
وقد فسّر الألوسي قوله تعالى: “إِنِّي مُتَوَفِّيكَ” بوجوهٍ منها، وهو أظهرها “إنّي مُستوفي أجلك ومميتك حتْف أنفك لا أسلط عليك من يقتلك؛ وهو كناية عن عصمته من الأعداء، وما هم بصدده من الفتك به عليه السلام؛ لأنه يلزم من استيفاء الله أجله، وموته حتف أنفه ذلك “وظاهر أن الرفع الذي يكون بعد التوفية هو رفع المكانة لا رفع الجسد خصوصا، وقد جاء بجانبه قوله: “ومطهرك من الذين كفروا” مما يدل على أن الأمر أمر تشريف وتكريم. وقد جاء الرفع في القرآن كثيرا بهذا المعنى: “فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ”. “نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَّن نَّشَاءُ”. “وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ”. “وَرَفَعْنَاهُ مَكَانًا عَلِيًّا”. “يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ” إلخ… وإذن فالتعبير بقوله: “وَرَافِعُكَ إِلَيّ” وقوله: “بَل رَّفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ” كالتعبير في قولهم: “لحَق فلان بالرفيق الأعلى” وفي “إن الله معنا” وفي “عند مليك مقتدر” وكلها لا يفهم منها سوى معنى الرعاية والحفظ والدخول في الكنف المقدس. فمن أين أتوا بأنه رفع إلى السماء؟! من كلمة (إليه)؟! اللهم إن هذا لظلم للتعبير القرآني الواضح، في محاولة لإخضاع الآية لقصص وروايات لم يقم على الظنّ بها، فضلا عن اليقين برهان، ولا شبه برهان!
فمكرُ الكافرين بعيسى هو تآمرهم على اغتياله، ومكْرُ الله هو حفظه وعصمته له، فالله في قوله: “إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا”. يبشّر عيسى بإنجائه من مكرهم، وأنّه سيستوفي أجله، وسيموت من غير قتل ولا صلب، ثم يرفعه الله إليه، وهذا هو ما يفهمه القارئ للآيات متى خلا ذهنه من تلك الروايات التي لا ينبغي أن تحكم في القرآن، ويُؤكد ذلك الشيخ محمود شلتوت بقوله: “ولست أدري كيف يكون إنقاذ عيسى بطريق انتزاعه من بينهم ورفعه بجسده إلى السماء مكرا؟ وكيف يُوصف بأنّه خير من مكرهم مع أنه شيء ليس في استطاعتهم أن يقاوموه، فهو شيء ليس في قدرة البشر! ألا إنه لا يتحقق مكر في مقابلة مكر إلا إذا كان جارياً على أسلوبه غير خارج عن مقتضى العادة فيه. وقد جاء مثل هذا في شأن محمد صلى الله عليه وسلم “وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ”.
وبمثل هذا الرأي قال الشيخ عبد المتعال الصعيدي ردّا على المختلفين مع الشيخ محمود شلتوت الذين يتمسّكون بقوله تعالى: “بل رفعه الله إليه” بعد قوله “وما قتلوه يقينا” فظنوا: أن الرفع بعد نفي القتل هو رفع الجسم حتما، وإلا لما تحققت المنافاة بين ما قبل “بل”، وما بعدها، فيردّ عليهم بأن “المنافاة متحققة؛ لأن الغرض من الرفع رفع المكانة، والدرجة بالحيلولة بينهم وبين الإيقاع به كما كانوا يريدون. والمعنى: إنّ الله عصمه منهم، فلم يُمكّنهم من قتله، بل أحبط مكرهم، وأنقذه، وتوفاه لأجله، فرفع بذلك مكانته، والآية بهذا تتّفق تماما مع ظاهر قوله تعالى: “إني متوفيك ورافعك إليّ ومطهرك من الذين كفروا”، وهذا احتمال قوي في الآية يمنع الزعم بأنها نصّ أو ظاهر في رفعه بجسمه حيا”.
ويقول الإمام الرازي في تفسيره “ومُطهِّرك”: مخرجك من بينهم ومُفرّق بينك وبينهم. وكما عظّم شأنه بلفظ الرفع إليه أخبر عن معنى التخليص بلفظ التطهير، وكلّ ذلك يدلّ على المبالغة في إعلاء شأنه وتعظيم منزلته. ويختار في معنى قوله تعالى: “وجاعل الذين اتّبعوك فوق الذين كفروا”، القول الثاني: المراد من هذه “الفوقية” الفوقية بالحُجّة والبرهان”. ثم يقول: واعلم أنّ هذه الآية تدل على أنّ رفعه في قوله “ورافُعك إِلَيّ” هو رفع الدرجة والمنقبة لا بالمكان والجهة، كما أن الفوقيّة في هذه الآية ليست بالمكان بل بالدرجة والرفعة”، فلذا لم نفكر فيها، وحسبنا الآن أن نُمثّل لهذا النوع بما قال أحدهم: “ولك أنْ تضم إلى ما ذكرناه قوله تعالى عنه عليه السلام “وجيهًا في الدنيا والآخرة ومن المقرَّبين”.
ففي قوله: “ومن المقرّبين” إشارةً إلى رفعه إلى محل الملائكة المقربين”. والذي يُنكر على الشيخ شلتوت يُريد السماء طبعا، وهو لَيٌّ للكتاب غريب، فقد وردت كلمة “المقربين” في غير موضع من القرآن الكريم: “وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ أُولَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ”. [سورة الواقعة:١١،١٠] “عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا الْمُقَرَّبُونَ”. [المطففين:٢٨] “فَأَمَّا إِن كَانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ وَجَنَّةُ نَعِيمٍ”. [الواقعة:٨٩،٨٨] إذن فليس عيسى وحده هو الذي يعيش بجسمه في السماء، بل معه أفواج من عباد الله يعيشون فيها، ويزداد عددهم يوما بعد يوم. وهكذا فليكن المنطق!
ويردّ على من يقول: بأن “وجيها في الدنيا والآخرة” فيها إشارة إلى رفع جسده إلى السماء؛ لأن الوجيه بمعنى ذي الجاه، ولا أدلّ على كونه ذا جاه في الدنيا من رفعه إلى السماء”، بأن هذا كلام لا يصح أن يُقال، فإنّ وجاهة عيسى في الدنيا هي الرسالة المؤيّدة بالمعجزات البينات، وأن يعلمه الله الكتاب، والحكمة، والتوراة، والإنجيل، وليس كونه رسولا إلى السماء التي يرغمون هذه الآية أن تدل على إفادتها أو الإشارة إليها، وكيف يكون وجيهًا في الدنيا مَن غادر الأرض وترك أهلها الذين يحسّون وجاهته؟! وهكذا ينتزع القوم من كل عبارة إشارة أو تلميحا؛ ليؤيّدوا ما زعموا أنه عقيدة يكفر منكرها”!
لم تنته اشتباكات الفكر الديني عند هذا الحدّ، فشهدت مجلة الرسالة في أعداد مايو ١٩٤٣ معركة فكرية بين الطّرح الإصلاحي العقلاني والتقليدي الإخباري حول آيتي “وَإِن مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا”. [النساء: ١٥٩] “وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِّلسَّاعَةِ فَلَا تَمْتَرُنَّ بِهَا وَاتَّبِعُونِ هَذَا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ”. [الزخرف: ٦١]
فقد ادّعت مدرسة الخبر أنّ الآيتين نصّان قاطعان على عودة المسيح الحيّ جسدا من السماء إلى الأرض، وهذا ما أكّدت المدرسة الإصلاحية عدم صحّته، فالآيتان مختلف في تأويلهما، تعددت آراء المفسرين قديما حول المراد منهما، لكن كعادة المدرسة الخبرية الحرفية تختار رأيا، وتُنكر وجود ما عداه، وبالتكرار والترديد يُصبح الرأي الذي اختارته دينا، تحكم بالكفر على مخالفه، “فالآية الأولى للمفسرين فيها آراء مختلفة، أشهرها رأيان: الرأي الأول: أن الضميرين في “به” و”موته” لعيسى. والمعنى: ما من أحد من أهل الكتاب إلا ليؤمنن بعيسى قبل أن يموت عيسى. قالوا: أخبرت هذه الآية أن أهل الكتاب سيؤمنون بعيسى قبل موته، وهم لم يؤمنوا به إلى الآن على الوجه الذي طُلب منهم، فلا بد أن يكون عيسى إلى الآن حيّاً، ولابد أن يتحقق هذا الإيمان به قبل موته، وذلك إنما يكون عند نزوله آخر الزمان.
الرأي الثاني: أن الضمير في “به” لعيسى، وفي “موته” للكتابيّ. والمعنى: أنه ما من أحدٍ من أهل الكتاب إلا ليؤمنن قبل موته بعيسى، والإخبار بإيمان أهل الكتاب على هذا الوجه لا يتوقف على حياة عيسى الآن، ولا على نزوله في المستقبل، لأنّ المراد أنّهم يؤمنون عند معاينتهم الموت بأنّه نبي الله وابن أمَتِهِ.
وقد ساق هذين الرأيين ابن جرير الطبري في تفسيره، وذكَر الآثار التي تدلّ على كلّ منهما، مرجّحا الرأي الأول مما حكاه أهل المأثور، وهو ما تستدعيه المدرسة الإخبارية التقليدية عند الاستدلال بالآية، وكأن هذا الرأي، بترجيح ابن جرير، دليل قاطع على ما يزعمون من نزول عيسى، متجاهلين الرأي الثاني الذي رجّحه النووي والزمخشري والرازي وابن حجر في فتح الباري، بقوله: “ورجّح جماعة هذا المذهب، يريد الثاني، بقراءة أبي بن كعب: “إلا ليؤمنن به قبل موتهم” أي أهل الكتاب. قال النووي: معنى الآية على هذا: ليس من أهل الكتاب أحد يحضره الموت إلا آمن عند المعاينة قبل خروج روحه بعيسى، وأنه عبد الله وابن أمته، ولكن لا ينفعه هذا الإيمان في تلك الحالة كما قال تعالى: “وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّىٰ إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ”.[النساء:١٨] ثم قال: وهذا المذهب، أظهر لأنّ الأول يخص الكتابيّ الذي يدرك نزول عيسى، وظاهر القرآن عمومه في كلّ كتابيّ في زمن نزول عيسى وقبله”.
وهذا ما استدلّ به الشيخ محمود شلتوت على ما يلي:
“١- أن هذه الآية ليست نصا في معنى واحد حتى تكون دليلا قاطعا فيه.
٢- أن ما تمسّك به ابن جرير في ترجيحه للرأي الأول غير مُسلّم له، فقد بناه على أن المراد بالإيمان في الآية هو الإيمان المعتبر الذي ينفع صاحبه، وتترتب عليه الأحكام، مع أنه إيمان، كما قرره العلماء، ومنهم ابن جرير نفسه، لا يُعتدّ به، ولا يُقام له وزن، ولا تترتب عليه أحكام؛ لأنه إيمان جاء في غير وقته.
٣- أن من ينظر فيما تمسّك به أصحاب المذهب الثاني: من العموم الواضح في قوله: “وإن من أهل الكتاب” ومن قراءة أُبَيّ “إلا ليؤمنن به قبل موتهم”، ومن أن إيمان المعاينة لا ينفع صاحبه عند الجميع، لا يسعه إلا أن يخالف ابن جرير فيما ذهب إليه، وأن يقول مع النووي عن المذهب الثاني: “وهذا المذهب أظهر”.
والنتيجة الحتمية لهذا كله أن الآية ليست ظاهرة فيما يقتضي نزول عيسى فضلا عن أن تكون قاطعة فيه!
أما الآية الثانية “وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِّلسَّاعَةِ” فللمفسرين فيها آراء مختلفة، منها: أن الضمير في قوله تعالى: “وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ للسَّاعَةِ” راجع إلى محمد، صلى الله عليه وسلم، أو إلى القرآن، وهذا ما استبعده الشيخ شلتوت مرجحا أن الضمير راجع إلى عيسى، كما يراه كثير من المفسرين؛ وذلك لأن الحديث في الآيات السابقة كان عن عيسى، لكن يختلف معهم في أدّعاء أن للآية تأويل واحد وهو نزول عيسى قبل الساعة/ يوم القيامة كعلامة من علاماتها، فالواقع أن في الآية، كما جاء في تفسير أبي السعود ثلاثة أقوال: الأول: أنه بنزوله آخر الزمان علامة من علامات الساعة. الثاني: أنه بحدوثه من غير أب دليل على إمكان الساعة. الثالث: أنه بإحيائه الموتى دليل على إمكان البعث والنشور.
فالآية ذات دلالات احتمالية، وليست نصا قطعي الدلالة، وأن الرأي الأول المتداول في ثقافتنا يُرجح شيخ الأزهر محمود شلتوت بأنه ليس الرأي الراجح، فيرى أن القول الثاني الأرجح، وهو “أن عيسى بحدوثه من غير أب دليل على إمكان الساعة” معتمدا في هذا الترجيح على ما يأتي:
١- إن الكلام مسوق لأهل مكة الذين يُنكرون البعث، ويعجبون من حديثه، وقد عني القرآن الكريم في كثير من آياته وسوره بالردّ عليهم واقتلاع الشكّ من قلوبهم. وطريقته في ذلك أن يلفت أنظارهم إلى الأشياء التي يشاهدونها فعلا أو يؤمنون بها “يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِن مُّضْغَةٍ مُّخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِّنُبَيِّنَ لَكُمْ وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحَامِ مَا نَشَاءُ إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلًا ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ وَمِنكُم مَّن يُتَوَفَّى وَمِنكُم مَّن يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلَا يَعْلَمَ مِن بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئًا وَتَرَى الْأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ”.[الحج:٥] “فَانظُرْ إِلَىٰ آثَارِ رَحْمَتِ اللَّهِ كَيْفَ يُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ ذَٰلِكَ لَمُحْيِي الْمَوْتَىٰ”. [الروم:٥٠] وقد عرضت سورة الزخرف التي وردت فيها هذه الآية إلى هذا المعنى في أولها “وَالَّذِي نَزَّلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً بِقَدَرٍ فَأَنشَرْنَا بِهِ بَلْدَةً مَّيْتًا كَذَلِكَ تُخْرَجُونَ” [الزخرف:١١]
وهذه هي الطريقة المستقيمة المنتجة في الاستدلال المقتلعة للشكّ، أما أن يلفت أنظارهم إلى أشياء يخبرهم هو بها كنزول عيسى، وهي أيضا في موضع الشكّ عندهم، ويطلب منهم أن يقتلعوا بهذه الأشياء ما في قلوبهم من شكّ، فذلك طريق غير مستقيم؛ لأنه استدلال على شىء في موضع الإنكار بشيء، هو كذلك، في موضع الإنكار!
٢- ومما يؤيد هذا قول الله تعالى تفريعا على أن عيسى علم للساعة: “فلا تمترنّ بها” فإنّه يدلّ على أنّ الكلام مع قوم يشكّون في نفس الساعة، والعلامة إنّما تكون لمن آمن بها، وصدق أنها آنية لا ريب فيها؛ أما الذي يُنكر وقوعها، أو يشكّ فيها، فهو ليس بحاجة إلى أن يتحدث معه عن علامتها، بل لا يصح أن يتحدث في ذلك معه، وإنما هو بحاجة إلى دليل يحمله على الإيمان بها أولا؛ ليُمكن أن يقال له بعد ذلك: هذا الذي آمنت به علامته كذا.
٣- ثم إنه من الأصول المقررة في فهم أساليب اللغة العربية أن الحكم إذا أسند في اللفظ إلى الذات، ولم تصح إرادتها معنى، قدر في الكلام ما كان أقرب إلى الذات وأشد اتصالا بها. فإذا طبقنا هذه القاعدة على قوله تعالى: “وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ للسَّاعَةِ” وعلمنا أن ذات عيسى من حيث هي لا يصح أن تكون مرادة هنا، وإنه لا بد من تقدير في الكلام، ثم وازنّا بين النزول، والخلق من غير أب، وإحياء الموتى، فلا شك أننا نجد الخلق من غير أب أقرب هذه الثلاثة إلى الذات، لأنه راجع إلى إنشائه وتكوينه لا إلى شيء عارض له، وحينئذ يتعين الحمل عليه ويكون معنى الآية الكريمة: “لا تشكوا في الساعة، فإن الذي قدر على خلق عيسى من غير أب قادر عليها”.
وبهذا يتبين:
أولا: أن الإخبار بنزول عيسى لا يصلح دليلا على الساعة يقتلع به ما في نفوس المنكرين لها من شكّ، ويصحّ أن يقال عقبه “فلا تمترن بها”.
وثانيا: أن جعل عيسى بنزوله آخر الزمان علامة من علامات الساعة لا يستقيم هنا؛ لأن الحديث مع قوم منكرين للساعة فهم بحاجة إلى دليل عليها، لا مع قوم مؤمنين بها حتى تذكر لهم علاماتها.
وثالثا: أن أقرب ما تحمل عليه الآية هو المعنى الثاني الذي بيناه.
ولا شكّ أنّ القارئ المنصف بعد هذا العرض لا يخامره شكّ في أنه ليس في القرآن الكريم ما يفيد بظاهره غلبة ظن بنزول عيسى أو رفعه فضلا عما يفيد القطع الذي يكون العقيدة، ويكفر منكره كما يزعمون”.
فالخلاصة، أن العلماء قديما وحديثا قرروا أن مسألة حياة عيسى وعودته مسألة خلافية في الإسلام، وأن الآيات المتصلة به ظاهرة في موته عليه السلام موتا عاديا، وأن الأحاديث الواردة فيها أحاديث آحاد لا تُثبت عقيدة، وهي مع هذا تحتمل التأويل، وأنّه لا تكفير لمسلم بإنكار رفع المسيح جسدا أو نزوله آخر الزمان؛ لإنه لم يثبت بدليل قطعي، فلا يخرج المنكر عن إسلامه وإيمانه، فالقرآن الكريم وإن كان كلّه قطعي في وروده، إلا أنّه، في إفادته للمعني، نوعان: قطعي لا يحتمل التأويل، وغير قطعي يحتمل معنيين فأكثر، وأن هذين النوعين قد وُجدا في العلميات والعمليات، وأن النوع الثاني لا يصلح أن يُتخذ دليلا على عقيدة يحكم على منكرها بأنّه قد كفر.
هذه المعالجة لتلك القضية، وإعادة النظر في المتداول حولها، وعدم التسليم للإجابات الجاهزة يُمثّل نموذجا للأصوات الإصلاحية التي قدّمت طرحا عقلانيا، وحوار علميا راقيا في شجاعة وجرأة، لم تُغازل مشاعر العامة، ولم تُميّع الأفكار استرضاء لمخالفين وتخوفا من غاضبين، تحرّوا التقوى المعرفية في بحث القضية، منطلقين من إنجازات المدرسة العقلانية القديمة، فهدموا فكرة المخلّص المنتظر، تلك الفكرة التي تنال من أيّ مشروع إصلاحي، فالإصلاحيون يرون الخلاص ليس في انتظار مجدد أو مخلّص وإنما في وعي جماعي نقدي يقوم على الجمع بين الإيمان كتجربة روحية فردية وإعمال العقل النقدي في دراسة الفكر الديني.
أ.د عبد الباسط سلامه هيكل
([1]) “قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ” [السجدة:١١]، إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ” [النساء:٩٧]، “لَوْ تَرَى إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُوا الْمَلائِكَةُ” [الأنفال:٥٠]، “تَوَفَّتْهُ رُسُلُنا” [الأنعام:٦١]، “وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى” [الحج:٥]، “حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ” [النساء:١٥]، “تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ” [يوسف:١٠١].