تكوين
“إن الأرثوذكسية بنسختيها السنية والشيعية ليست شيئًا آخر غير الدين الرسمي الناتج عن التعاضد والتضامن بين أغلبية من يُدْعَوْن بالعلماء (أي رجال الدين) وبين الدولة”. محمد أركون ([1])
مقدمة
تعمل الدراسة من خلال مشروع المفكر والقاضي المصري عبد الجواد ياسين وما طرحه حول المسكوت عنه في القرآن، وعده المسكوت عنه نص بالإباحة، حيث تعد الأمور التي سكت عنها النص منصوص عليها بأنها متروكة للإنسان وله حرية التصرف فيها، وفق ما يمليه واقعه. ومن خلال القاعدة الفقهية التي تقول “أصل الأشياء الإباحة إلا ما حُرم” والتي يدل اتفاق الفقهاء عليها، واعلانهم أن هذا الاتفاق يخرج من رغبة الشارع، أن طرح ياسين بنصية المسكوت عنه جاء يعبر عن طبيعة الفهم الإنساني للقرآن، حيث أفضى في الأخير إلى انتاج هذه القاعدة لموافقتها للإرادة الإنسانية وحاجة الواقع. وأجبرهم الواقع على انتاج هذه القاعدة نظريًا، وأجبرتهم السلطة على الاختلاف في تطبيقها والانحراف نحو رغبتها، والحد من سلطة المباح والعمل بالتحريم لتتمكن السلطة من خلال الفقهاء فرض رؤيتها.
وتأتي الدراسة في أربعة عناصرٍ رئيسية: القرآن وأصل الإباحة، عبد الجواد ياسين ونصية المسكوت عنه، تضييق المباح، إلغاء المباح وأساسية التحريم في مفهوم البدعة. وفي العنصر الأول تطرح الدراسة أصل الإباحة الذي جاء به القرآن، وذلك من خلال نصه على التحريم الذي يعنى أن أصل الأشياء الإباحة، والتحريم أمر طارئ ومحدد يوجب الخبر، وإلا جاء القرآن ينص بالتحليل وليس التحريم. وفي العنصر الثاني تقدم الدراسة رؤية عبد الجواد ياسين حول المسكوت عنه، وما يعنيه من نص بالإباحة للإنسان، خاصة أن هناك العديد من الأمور الدقيقة التي جاء بها النص، وهناك من الأمور الكبيرة مثل السلطة ونمط الحكم التي سكت عنها النص، وذلك لأنها أمور تخضع للترتيب الإنساني والحاجة الواقعية، وهذا ما يجعل ياسين يقول بنصية المسكوت عنه؛ أي أن المسكوت عنه يتمتع بإلزام المنصوص عليه، حيث يعد المسكوت عنه نص يحرم استنطاق النص به، ويحث على الحرية الإنسانية فيه.
وفي العنصر الثالث تبدأ الدراسة رحلة مختلفة من خلال فكر عبد الجواد ياسين والتاريخ الإسلامي معا، موضحة عملية تضييق المباح التي لجأت لها السلطة السياسية لفرض سلطانها، واستنطاق النص القرآني برغباتها. وجاءت عملية التضييق عبر مراحل مختلفة؛ أولها زواج الفقه بالسياسة، التي سعت فيه السلطة السياسية شرعنة وضعها من خلال الفقه، وإنتاج مصادر تشريع مجاوزة للقرآن والنص الديني، مثل الإجماع والقياس، وغيرها من الأدوات التي حدت من العمل بالرأي والاجتهاد. وثانيها دور الشافعي في تقييد العقل الإسلامي، وجاء دور الشافعي عبر ثلاث مراحل: مرحلة لا اجتهاد فيما فيه نص، ليلغي العمل بالرأي في النص والزعم بأن النص واضح ولا اجتهاد فيه، وهي قاعدة لم توجد في عصر الراشدين وهو العصر الذهبي في الذهن الإسلامي. ومرحلة تنصيص السنة ورفع الحديث النبوي موضع القرآن واعطائه مميزات القرآن وقوته الإلزامية، والاجتهاد لوضع الرواية منهجا لعمل الحديث ومرادفة للسنة. والمرحلة الأخيرة جاءت في سجن الاجتهاد داخل القياس، ليعد الاجتهاد مقصورًا على قياس حالة ما بحالة سابقة، أو على نص ما، حديث أو قرآن، ليصبح الاجتهاد بالرأي في مهب الريح. وبعد ذلك استكمال عملية سجن العقل مع الأشعرية والانتصار للجبرية من خلال نظرية الكسب الأشعري، وانتصارها وسوادها برغبة سياسية جاءت من الخليفة المتوكل.
وتنتقل السلطة في مرحلتها الأخيرة من تقييد المباح من السنة والحديث إلى القرآن، ولم يكن للقرآن السماح بالإضافة والتنقيح كما هي في السنة، وهذا ما دفع السلطة إلى انتاج التأويل، واستنطاق القرآن برغبات السلطة السياسي، ويظهر هذا مع التيار الشيعي الذي يصل إلى عد القرآن نص نزل في تولية علي وأبنائه الإمامة. وبالطبع نال التيار السني والأموين حظهم من القرآن من خلال التأويل، واستنطاقه بأحقيتهم في الإمامة. وفي العنصر الرابع المعنون ب ” إلغاء المباح وأساسية التحريم في مفهوم البدعة” توضح الدراسة مساهمة ابن تيمية ومن بعده محمد بن عبد الوهاب في انتاج وبلورة مفهوم البدعة؛ الذي عمل على إلغاء المباح وتأسيس التحريم وقلب القاعدة الفقهية “أصلا الأشياء الإباحة إلا ما حُرم” لتصبح أصل الأشياء التحريم إلا ما أبيح” وتصبح كل الأشياء محرمة في انتظار الحكم بإباحتها. ثم تأتي الخاتمة موضحة نتائج الدراسة ومستخلصها.
القرآن وأصل الإباحة
جاء الخطاب القرآني بنصوص مُلزمة حول تحريم بعض الأفعال والأشياء وإباحة البعض، وما سكت عنه النص عمل الفقهاء عليه، واجتمع الإمام أحمد، ومالك، والشافعي على أنه حلال ما لم يأت نص بتحريمه، وعمل أبو حنيفة بالعكس على أن كافة الأشياء حرام ما لم يأت دليل بتحليلها وإباحتها([2]). ورغم وجود رأي أبو حنيفة وهو من هو استقر الفقه على ارساء قاعدة (أصل الأشياء الإباحة إلا ما حُرم)، ويقول ابن تيمية: “اعلم أن الأصل في جميع الأعيان الموجودة على اختلاف أصنافها وتباين أوصافها: أن تكون حلالا مطلقا للآدميين”([3]). ورغم الاتفاق الفقهي النظري على أن أصل الأشياء الإباحة إلا أنهم على المستوى العملي سعو إلى تضييق المتسع، واستنطاق النص القرآني بما لم ينطق به، ومن خلال أدوات عملهم وخضوعهم للسلطان السياسي يتضح أنهم سعو إلى إعطاء الأشياء صفة التحريم، وامتلاك زمام الإباحية، ليكون لهم حق الفتوى بإباحة شيء ما أو عدم إباحته.
والاتفاق الفقهي على قاعدة (أصل الأشياء الإباحة إلا ما حُرم) جاء -حسب ما يذكر الفقهاء- متناغما مع مطلب الشارع (الله عز وجل)، حيث جاء الخطاب القرآني يحرم بعض الأشياء، ولم يأت يبيح، ويتضمن هذا أصل الإباحة التي جعلت التحريم استثناءً يوجب الخبر به. ويظهر هذا في قول الله تعالي: قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ ۖ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ … بَطَنَ ۖ وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ ۚ ذَٰلِكُمْ وَصَّاكُم … ﴿١٥١ الأنعام﴾، والخبر هنا يأتي بتحديد المحرمات، حيث تعد طبيعة الأشياء وأصلها أنها مباحة. وكذا أيضا قول الله تعالى: إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنزِيرِ وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ ۖ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ﴿١٧٣ البقرة﴾، وقوله تعالى: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَـٰنِ الرَّحِيمِ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ۚ أُحِلَّتْ لَكُم بَهِيمَةُ الْأَنْعَامِ إِلَّا مَا يُتْلَىٰ عَلَيْكُمْ غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ وَأَنتُمْ حُرُمٌ ۗ إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ مَا يُرِيدُ ﴿١ المائدة﴾، وقوله تعالى: قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَن تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَن تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ ﴿٣٣ الأعراف﴾، ومجمل هذا الآيات تخبر الناس عن التحريم، لأن أصل الأشياء الإباحة.
والواقع الإسلامي المعاصر حسب ما يطرح المفكر المغربي محمد عابد الجابري (1935-2010) لا زال يفكر بالعقل الذي تمت صياغته في العصر العباسي([4])، وهو العصر الذي دونت فيه الاجتهادات الإنسانية الإسلامية، والمنجز الفقهي الذي سعى إلى تقييد المباح وإغلاقه. ويقول الجابري أن “سلطة السلف تتجسم على المرويات والإجماع وتكتسب قوتها من اطرادها عبر العصور اطرادا يجعل منها ((عادة مستقرة))، لها من القوة ما لـ ((العادة)) الطبيعية، أي لقوانين الطبيعة”([5])، وهذا ما يجعل السلف حاضرًا في الواقع الإسلامي أكثر من أزمات الواقع، والقرآن، إلى الحد الذي جعل أزمة الواقع الإسلامي حضور السلف بهذه القوة التي جعلته يغفل عن أزماته، ويسعى لحضور السلف. فالواقع الراهن يصنع للمدونة التراثية التي قدمها السلف قدسية موازية للقرآن، بل نقول متعدية له، حيث تجعل الأشياء محرمة منتظرة من المنظومة السلفية تحليلها، وإذا كان ثمة رؤية تنطلق من القرآن ظهر الطلب في مراجعة السلف حولها، وعدم إعمال العقل الإنساني فيها، وكأن ما قدمه السلف مفسرًا وموضحا لما عجز الخطاب القرآني عن توضيحه، أو ما غمض فيه، ليجعل من المدونة التي تركها السلف مرجعية للقرآن أو مكملة له.
عبد الجواد ياسين ونصية المسكوت عنه
من قاعدة (أصل الأشياء الإباحة إلا ما حُرم) ينطلق المفكر والقاضي المصري عبد الجواد ياسين (1954) في نقده لمفهوم الإسلام العام والشائع الذي يراه قائماً على الفقه لا على النص، ويبنى رؤيته للمسكوت عنه في القرآن، ليمثل المسكوت عنه لديه نصا صريحًا بالإباحة، فيقول: “((الإباحة الأصلية)) التي نعني بها أن ((عدم النص)) في ذاته ((نص)) بالإحالة إلى المباح”([6])؛ وبهذا يضع ياسين المسكوت عنه ضمن بنية النص (القرآن والسنة)، ويجعله مُنتِجا للدلالة ويعتبره أحد مفردات الدائرة سمعية (أي واردة بالسمع)، وهذا ما يعنيه بقوله ((عدم النص)) في ذاته ((نص)). وعليه، يعتبر غياب نص إلزامي حيال أمر ما بمثابة نص واضح كتابي بحرية الإنسان في هذا الأمر، فهو يقول: “لا تعني ((دائرة المباح)) – من حيث هي في صميمها كف عن التكليف – شيئاً آخر غير إطلاق ((الحرية الإنسانية))… وذلك على شتى المستويات النظر إليها فلسفياً، وسياسياً، وتشريعياً؛ لأن الإسلام فيما نعتقد ينكر ((الجبر)) ويحرم ((الاستبداد))“([7]). والإباحة هنا حسب ما يقدمها ياسين واردة بالسمع وبالنص وفي تركها إثم، حيث إنها تعبر عن رغبة الشارع (الله عز وجل)، ومن ثم يكون لها القوة الإلزامية للمنصوص عليه، بل إنها يعدها ضمن المنصوص عليه، انطلاقًا من أن عدم النص على شيء يعد نصًا بإباحته.
تضييق المباح
ولم تقنع السلطة السياسية وفق عادتها بإعطاء الحرية وترك دائرة المباح وعملت على تضييق دائرة المباح قدر استطاعتها، ويرى ياسين أن العقل الإسلامي في بداياته انشغل كثيراً بتقييد المسكوت عنه، لأنه يمثل تلك المنطقة الحرة التي يمكن استنطاقها بما يريد هذا العقل ومن خلفه السلطة السياسية، وكان له النجاح المشهود تاريخيا. ومن رؤية ياسين لنصية المسكوت يعد الاجتهادات الفقهية التي قدمت حول النص، وتحد من حرية الفرد، وتسعى لتضييق دائرة المباح متعدية على الدين، وهذا ما جعل الإسلام المطروح هو إسلام تاريخي من صنع المنظومة السلفية([8]) التي يراها تنتصر للجبرية، وإن كانت تعلن نفي الجبر من أدبياتها فإنها تتضمنه في آلياتها وأحكامها، فالأشاعرة رُغم ما حاولوا إتاحته من الحرية إلا أنهم أفضوا إلى نفي القدرة الإنسانية على الفعل ونفي الإرادة الإنسانية على الاختيار([9]). وهذا ما كرس النفور من الرأي كمسلك عقلي وعادة نفسية ([10]) واضحة في الواقع الإسلامي المعاصر بشكلٍ كاف. ويتوجه ياسين إلى نقد العقل الإسلامي الساعي لتقييد المسكوت عنه، والمتحكم في الواقع العربي المعاصر، ويأخذ نقده تطورًا تراتبياً يبدأ من الفقه، وكيفية تقديمه لنفسه كسلطة موازية ومساوية (مفسرة) للنص (القرآن والسنة)، ثم يتوجه إلى النص السني وتوضيح كيفية الإضافة والتنقيح التي لحقت به، ويعترف بأن التدخل في النص القرآني لم يكن متاحاً، حيث إنه أغلق بموت النبي ﷺ، وعليه لجأ العقل الإسلامي للتأويل.
-
الزواج بين الفقه والسياسة
في رؤية عبد الجواد ياسين التي يطرحها في الجزء الأول من كتابه (السلطة في الإسلام)، جاء الفقه تاريخيًا بوصفه أداة شرعنة السلطة وتبرير أفعالها، فهو يصرح قائلاً: “نُقرر كقاعدة عامة أنه باستثناء هذه الحقبة الاعتزالية ذات النيف وثلاثين سنة، فإن التاريخ الإسلامي على طوله منذ معاوية بن أبي سفيان وحتى اليوم، هو تاريخ تحالف بين التيار السلفي وبين السلطة الحاكمة”([11]). وعن كيفية هذا التحالف بين الفقه والسياسة يجيب في الجزء الثاني من كتابه قائلاً: “بقدر ما كانت الخلافة نظرية كتبتها السلطة للسلطة… كانت تجميعاً لمجمل الردود التي أطلقها الكلام والفقه نيابة عن السلطة”([12])، فقد كان العقل السلفي يعمل تحت لواء السلطة ويصوغ لها مشروعيتها، ويبارك أهدافها إلى ذلك الحد الذي جعل العديد من المفكرين، ومنهم ياسين، يعترف بأن المدونة الإسلامية ما هي إلا صياغة لرغبات السلطة السياسية من خلال مفردات وبناء الخطاب الديني؛ فالخلافة في نظره هي نظرية كتبتها السلطة لنفسها من خلال رجال الفقه، وتجميع للسجال الكلامي الذي دار بين المتكلمين والفقه اللذين يراهما متحدثين نيابة عن السلطة السياسية. فالفقه يمثل بشكل كبير لدى ياسين الوعاء الخطابي للسلطة السياسية، فقد كانت دائرتا الفقه والكلام تنظر للإمامة، بوصفها حقّاً فردياً لشخص الحاكم، فكان موضوعها يدور حول الحاكم عادة في تغافل شبه تام عن المحكوم، حتى في مشكلة إسناد السلطة أو سحبها كان الحديث عن الحاكم([13]). وهذا ما يفسر تبنيه لزاوية النقد السياسية وتسليط الضوء على الدور الذي لعبته السلطة السياسية في صياغة التاريخ العربي/ الإسلامي والمنجز المعرفي لهما (الفقهي والكلامي)، ومن ثم صياغة العقل الإسلامي المعاصر، حيث إنه في الأخير يفكر من خلال المدونة الإسلامية التي أنتجتها السلطة السياسية عن طريق الفقهاء والمتكلمين.
وعن منطق عمل الفقه فيرى ياسين أن الفقه –في أغلب الأحيان- عمل على تقييد المباح واستنطاق المسكوت عنه، بالإضافة إلى نصوص السنة، وإنتاج تفسيرات ومصادر تشريع مجاوزة للنص كالإجماع والقياس، فهو يرى أن القياس هو أحد أدوات تنصيص غير المنصوص([14])؛ أي إنتاج الأحكام غير الواردة في النص وتضيق دائرة المباح، والإجماع كذلك؛ تمت صياغته لاختيار بيعة أهل الحل والعقد أو بولاية العهد([15])، وهو أيضاً شكل من أشكال تنصيص غير المنصوص. فعلى الرغم من أن التنظير الديني للسياسة بدأ في منتصف القرن الثاني الهجري مع الطرح الشيعي لنظرية الإمامة، إلا أنه استحضر الصراع السياسي منذ موت النبي محمد ﷺ([16]) محاولاً شرعنة أطروحاته من خلال محاولات انتقال السلطة السابقة، حيث إن حكومات الراشدين تمثل حالة مثالية طوباوية أشبه بجمهورية أفلاطون داخل المنظور السني يتم البناء عليها([17]). وبهذا أفضت حالة التنظير هذه بشيء من التشوش وعدم الاستقرار والوضوح؛ فالنظريات صيغت أولا ثم تم محاولة شرعنتها مما أفضى إلى نوع من التناقض أحيانا وعدم الاتساق والتكامل أحيانا أخرى، فتظهر وهي تستعيد حوادث الماضي بأثر رجعي، وفي الحين ذاته تظهر، وهي تكرس مفاهيمها لتصبح آليات عمل المستقبل من خلال صبغها بالصبغة الدينية التي تعطيها صفة التأبيد التي تحمله التعاليم الدينية.
وحسب ياسين فإن السلطة لم تتمكن من صياغة رغباتها بشكلٍ ديني إلا من خلال الفقه أولا ثم الحديث ثانيا، وتأويل القرآن بعد ذلك، وكان أداتها في ذلك الفقهاء والمتكلمين محاولة من خلالهم قلب منطق التشريع القائل بأصل الأشياء الإباحة، ليتمكنوا بذلك من استنطاق النص برغباتهم، ولم يكن لهم الإضافة في القرآن، لأنه كان قد جمع وانتهى، فما كان لهم باب غير الفقه، ووضعه في موضع تقديس موازي للقرآن. ويقول ياسين في هذا: “صرنا حيال نوعين من النصوص: النص الأصيل المتمثل في الوحي الخالص كتابًا وسنة. والنص الوافد المتمثل في الأحكام المستنبطة من النص الخالص نتيجة لحركة هذا النص الأخير مع المكان والزمان”([18]). ووضعت هذه النصوص إلى جوار النص كأصول يستمد منها التشريع([19])، وتعد هذه أولى وأهم خطوات تقييد المباح التي مارستها السلطة السياسية لصاح الفقهاء، كي تستخدمهم بعد ذلك. ووضع الفقه ضمن الدائرة النصية المقدسة في العقل الإسلامي وحرص السلطة الدؤوب على ذلك، جعل العقل الإسلامي الراهن يتأسس على الفقه أكثر من تأسيسه على القرآن، ويقول عبد الجواد ياسين: “إن العقل الإسلامي الراهن في مجمله، مؤسس على ((الفقه)) أكثر مما هو مبني على ((النص)) بمعنى أنه يستمد الخلفية المرجعية على المستوى الفكر والشعور، من تلك المنظومة الفقهفكرية المدونة”([20]).
2. دور الشافعي في تقييد العقل الإسلامي
-
لا اجتهاد فيما فيه نص
يظهر دور الشافعي في تقييد العقل الإسلامي بداية في تنصيب قاعدة “لا اجتهاد فيما فيه نص” وهي قاعدة وفق ما يرى ياسين ويقره التاريخ، لم يكن لها وجود في عصر الصحابة الذين عملوا بالرأي والاجتهاد وارتكنوا إلى العرف في العديد من الأحيان، ويرى أن هناك نماذج عديدة مثل الأحكام التي كان يصدرها عمر بن الخطاب، تجاوز فيها دلالات صريحة في النص القرآن. ويرى ياسين أن عمليات الخروج عن النص لم تكن لرغبة في خرق النص بقدر ما كانت “تصور أنه الروح الكلي للدين”([21])، وهذه الروح الكلية للدين بدأ سجنها بالعملية النصية التي سعت إلى الحد من الرأي لصالح النص. ويذكر ياسين أن هذه القاعدة هي “التي تصلح حرفيا كتعريف لمفهوم ((النصية))“([22])، والنصية هنا تعني تنصيب النص حاكمًا للحكم من خلفه، وكانت هذه القاعدة مقدمة لتقييد دائرة المباح واستنطاق المسكوت عنه، وتلاها في ذلك تنصيص السنة.
-
تنصيص السنة
يرى عبد الجواد ياسين أن الديانة الإسلامية في الفترات التأسيسية الأولى كانت ترى في القرآن مصدر التشريع الوحيد الملزم، طوال ما يقرب من قرنين، أو على حد تعبيره “الوثيقة النصية الوحيدة في الإسلام”([23])، وقبل نهاية القرن الأول بدأ الطلب على الأحاديث المذكورة عن النبي (ص) ضمن سيرة الرسول، وكان للرأي وجود في هذه المرحلة إذ مثل سكوت القرآن عن شيء إباحته ومثوله للرأي الإنساني، ومع زيادة الروايات حول الأحاديث النبوية، وزيادة الطلب عليها ومساعي السلطة بالاتشاح بالوشاح الديني تم تضييق دائرة الرأي لصالح الحديث. فكان للحديث سلطة معنوية تمكن الفرد من صياغة رغباته بصياغة دينية، وكذلك السلطة، ودعمت الصراعات على السلطة وادعاء كل طرف صلاحيته للسلطة لصلته بالنبي، والسعي نحو حمل الراية النبوية الإرشادية حضور الحديث مقابل الرأي. وظل حضور الحديث معنويا إلى أن وصل إلى مرحلة التنصيص وعدها ضمن الوحي على يد الشافعي، وأضحت مصدرًا مرجعيا وتشريعيًا ملزمًا ومكافئً للقرآن([24]).
وعمل الشافعي على أن تكون السنة مصدر تشريع ثاني بشكلٍ مقننٍ وملزمٍ مثل الذي يتمتع به القرآن، وقد ربط السنة بالنص القرآني في منهجه من ثلاث جهات، أولها تكرار السنة للوحي القرآني وتبنيه، وما ينتج عنه من تشابه دلالي بينهما. وثانيها: تبني السنة تفسير ما غمض من الآيات القرآنية([25]). وثالثها: وضع السنة بوصفها مكملًا للنص القرآني فيما سكت عنه الوحي القرآني([26])، ويضرب الصلاة مثال على ذلك، حيث فرضها القرآن وبينت السنة أعدادها وكيفية أدائها([27]). يذكر الشافعي في رسالته، أنه كان ثمة اتفاق على الوجهين الأولين، بيد أن الوجه الثالث اختلف عليه البعض، باعتبار القرآن النص الموحى به إلى النبي، وهو وثيقة التشريع الأم([28]). ويلجأ الشافعي إلى اعتبار السنة وحياً على نمط مغاير للوحي القرآني، وهو الإلقاء في الروع، أي ما يمثل الإلهام([29]) للرد على المختلفين حول اعتبار السنة مكملة للنص القرآني؛ وذلك من خلال تأويله للفظة “الحكمة” الواردة في النص القرآني، على أنها السنة النبوية، “ما مَنَّ الله به على العباد من تعلم الكتاب والحكمة : دليل على أن الحكمة سنة رسول الله ﷺ”([30]).
كما أنه يقدم فرض الله لطاعة النبي دليل على أن السنة بها ما بينه الله على لسان نبيه بلا نص أو كتاب([31])، “فاعلم أن معصيته في ترك أمره وأمر رسوله، ولم يجعل لهم إلا اتباعه”([32]). ويوحد بين مصدر القرآن والسنة في الرسالة بقوله “من قبل عن رسول الله فعن الله قد قبل”([33]). هكذا عمل الشافعي على التنظير لسلطة الحديث([34])، واعتبار السنة المصدر الثاني للتشريع، وتأصيل السنة لتصبح جزءً من الوحي يتضمن تفسيره وتوضيحه، وإكمال ما سكت عنه.
وانتصر الشافعي للرواية في تدوين الأحاديث مقابل أي آلية أخرى، حيث وضع الرواية “كآلية وحيدة للتعبير عن السنة النبوية”([35]) على حد قول ياسين، عملا بمبدأ الحق يعرف بالرجال، وانتصارً للطبيعة العربية الحكاءة من جهة، ومن جهة أخرى حسب ما يرى ياسين فإنه كان انتصارا للرواية الموثقة بالإسناد والمعروفة مقابل مفهوم (ما جرى العمل عليه) غير المحدد. وعبر تحديد الرواية كآلية لعمل السنة وحد الشافعي بينها وبين مفهوم السنة، فأضحى عمل علم الحديث من خلال الرواية؛ ومن ثم أخذت الرواية موثوقية دينية، وأصبحت تحفظ كحفظ النص القرآني، وربما تمتعت بقوته الإلزامية، ويعبر عن هذا عبد الجواد ياسين بقوله: “مع تنصيب الشافعي للروايات في موقع النص، اتسعت مساحة المرجعية الملزمة”([36]).
وفيما قدمه الشافعي تطورًا لمفهوم النص؛ حيث تصبح السنة ضمن البنية النصية وتعمل على استكمال ما سكت عنه النص، ووضع الشافعي الرواية منهجا للسنة، بل مرادفة ومتماهية معها. والسنة كانت مفتوحة للإضافة والتنقيح، مما جعلها أداة من أدوات السلطة السياسية، وسعى كل فريق إثبات أحقيته للسلطة من خلال الأحاديث المذكورة فيه وفي خلافته. وبعد عملية جمع النص القرآني، لم يكن هناك مجال للاختلاف عليه أو إضافة شيء من أي سلطة، فما كان من التيارات السياسية طريق غير التأويل حيال النص القرآني؛ بيد أن النص السني كان مفتوحاً حينها([37]) فـ”كانت الأفكار التي تتناول هذه المسائل (السياسية، الدنيوية) شأنها شأن المذاهب التي تستند إليها، تقدم في شكل الحديث النبوي”([38]). وساهم هذا في تقييد دائرة المباح والمسكوت عنه في النص، من خلال استنطاق السلطة إياه من خلال إضافة الأحاديث في السنة، واردافها بالقرآن، ووضعها ضمن بنية النص وقدسيته.
-
تقنين الاجتهاد
بعد أن أنهي الشافعي مهمة وضع السنة ضمن النص الإلزامي داخل الإسلام سعى إلى تقنين الاجتهاد وعمل على الحد من مساحة الاجتهاد، وأغلق باب الاجتهاد عما ورد فيه نص، ولا يمكننا الجزم بأن إغلاق الاجتهاد فيما ورد فيه نص كان معروفاً لدى الصحابة ([39])، وبالرغم من وضوح التجربة العمرية (نسبة لعمر بن الخطاب) وانتشار سيرتها في السنة، فإن الشافعي تغافل عنها وأقصاها، ليحكم غلق باب الاجتهاد فيما ورد فيه نص([40]).
وإن كان الشافعي قد نجح في إغلاق الاجتهاد فيما فيه نص فإنه عجز عن إغلاق باب الاجتهاد فيما لم يرد فيه نص، لذا فتحه فتحاً مضبوطاً ومؤطراً، فوضع القياس إطاراً للاجتهاد، ويقول في رسالته بوضوح: “إذا أمر النبي بالاجتهاد، فالاجتهاد لا يكون أبداً إلا على طلب شيء، وطلب الشيء لا يكون إلا بدلائل والدلائل هي القياس”([41]) وتظل المماهاة بين الاجتهاد والقياس للحد من الإحداث والابتداع، حتى أنه يوحد بين المفهومين في رسالته قائلا:
” قال: فما القياس؟ أهو الاجتهاد؟ أم هما مفترقان؟
قلت: هما اسمان لمعنى واحد.
قال: فما جمعهما؟
قلت: كل ما نزل بمسلم ففيه حكم لازم، أو على سبيل الحق فيه دلالة موجودة، وعليه إذا كان فيه بعينه حكم: اتباعه. وإذا لم يكن فيه بعينه طلب الدلالة على سبيل الحق فيه بالاجتهاد. والاجتهاد القياس”([42]).
فقد وحد الشافعي بين المفهومين ليحصر الاجتهاد في القياس على النص، دون أي جهد عقلي من الفرد أو مراعاة للمصلحة، فهو يمثل بيانًا لحكم الشرع. فالقياس يتم على مثال من النص القرآني أو النص السني، وبغير ذلك يكون حكم الهوى والتضليل وليس حكم الشرع([43]). يمثل الاجتهاد على حد قول الشاعر السوري أدونيس “وسيلة للكشف عما أراده الشارع القديم في الحادثة الجديدة، وليس للكشف عما يريده الإنسان الذي يواجه هذه الحادثة”([44]). فكان مشروع الشافعي وجهوده تهدف للوقوف ضد الإحداث، وتكريس سلطة القديم. فنظام البيان الشافعي –الذي لم يكن معروفا بصورته التنظيرية قبله- لا يعدو كونه حلقة مفرغة أو عجلة تنتهي حيث تبدأ، فهي تبدأ من النص وتنتهي إلى أحكام تشريعية يتم استنباطها من النص عن طريق القياس على النص.
فقد حد الشافعي الاجتهاد في موضع أقرب للمحظورات التي تبيحها الضرورات، ثم أفرغه من معناه وجعله قياسا على السابق؛ لذا اعتبر العديد من الباحثين منهج الأصول الذي وضعه الشافعي يهدف إلى القطع مع الاختلاف والرأي وإقصائهما من الحقل الفقهي([45]). فيرى أركون أن الشافعي جعل أي تفكير أو فتوى عليها أن تمر عبر سبع مراتب، وهي حسب ما يذكرها أركون: “كتاب الله، سنة رسوله، قول عامة من سلفنا، قياس على كتاب الله، قياس على الحديث أو السنة النبوية، قياس على قول عامة من سلفنا، الإجماع”([46])، وهو ما يعني ضبط الحركات الاجتماعية حسب ما قُدم سلفا في سياقات اجتماعية وتاريخية مختلفة، وهو أمر ينفي الواقع قبوله، لذا أفضى الأمر حسب ما يذكر أركون إلى أن: “بقيت أصول الفقه عبارة عن علم نظري تأملي ولم تمنع تشكل القانون ونموه على هيئة تركيبات وممارسات وضعية واقعية طيلة الفترة الكلاسيكية على الأقل”([47]).
3. الأشعرية والانتصار للجبرية
لم يختلف مستوى حضور السلطة في علم الكلام عنه في الفقه ولا في الكيفية كذلك، فبالرغم من أن علم الكلام هو مختص بكلام الله والذات والصفات، إلا أن للإمامة قوة الحضور الرئيسية فيه، وهذا ما دفع الشهرستاني وهو من هو أن يقول في حديثه عن الملل والنحل “ما سُل سيف في الإسلام قط مثلما سُل على الإمامة”، فالإمامة كانت المحرك الرئيس في الفكر الإسلامي بالجملة والمتحكمة فيه. وكانت المدارس الكلامية عبارة عن افراز فكري لتقنين وتشريع الإمامة، ويقول الباحث والفيلسوف المصري أحمد أمين: “كانت الخلافة أول مسألة اشتد فيها الخلاف بين المسلمين. وتشعبت فيها أراؤهم، وتكون حولها أهم الفرق الإسلامية، وهي الخوارج والشيعة ثم المرجئة”([48])، فكانت الفرق الكلامية تكميلية لدور السيف من حيث تشريع ما تفعله دينيًا؛ فالخوارج، والشيعة، والجهمية، والمعتزلة، والأشاعرة لعبت دورًا تنظيريًا عادة لم ينتصر إليه السيف، وأفضت في نهاية الأمر إلى سيادة الفكر الأشعري بآليات الفرض السياسي وليس السجال المعرفي. وحسب ما يذكر ياسين فإن “السلطة الأموية كانت ترفع راية جبرية صريحة منذ البداية، تبرر تحتها مظالم الحكم ومفاسده الشائعة فضلًا عن تبرير شرعية وجودها أصلًا. باعتبار أن ذلك كله إنما كان قضاء من الله وقدره”([49]). وهذا النفي للإرادة الإنسانية لم يكن شيء غير تبرئة السلطة من مفاسدها ونسبها لله.
وانطلاقًا من تخفي السلطة خلف القدرة والمشيئة الإلهيتين، تنبهت السلطة الأموية إلى ما يمثله معبد الجهني المقتول 80ه من خطر بقوله بحرية الإرادة الإنسانية، وأن الإنسان هو الفاعل للخير والشر وهو الذي سيُحاسب عليه، والله تعالى هو الذي أعطاه هذه القدرة، وكان يعرض بأباطيل السلطة، وينفي أن يكون الظلم من الله، إلى أن انتهى الأمر بقتله، وعد القول بإرادة الإنسان وقدرته على أفعاله بدعة منكرة تفضي إلى الشرك([50]). وانتصار السلطة للجبرية وعد القول بحرية الإنسان ابتداعًا وضع نظرية الكسب الأشعرية في الصدارة، لموقفها المراوغ غير ذي المعنى القائل بأن الأفعال كلها خلق لله كسب للإنسان([51])، وهي نظرية لا تختلف عن جبرية الجهم بن صفوان في نظر ياسين، إذ يقول: “نعم إن الجهمية ينفون وجود القدرة أصلًا وبالتالي ينفون أن يكون لها أثر في الإيجاد أو الإحداث، بينما يثبت الأشاعرة القدرة. ولكنه إثبات كالنفي سواء بسواء”([52]). وهذا ما جعلها تحظى بتأييد السلطة السياسية من ناحية، ومن ناحية أخرى لزعمها الانتصار للسنة والجماعة وصحيح الدين، وما يتضمنه أن الفرق الأخرى خارجة عن صحيح الدين، ولم تطلب السلطة السياسية غير هذه الامتيازات.
وساهمت الأشعرية في تضييق دائرة المباح إذ أنكرت أي دور للعقل في الواجبات، وجعلتها كلها سمعية جاء بها النص، فالفعل المأمور به في النص حسن، حتى وان لم يتبين للعقل أنه كذلك([53])، وسعت إلى نفي النظريات المقابلة بدعوى أنها تمثل العودة إلى صحيح الإسلام (أهل السنة والجماعة)، لذا تعد أول ظهور للماضي بوصفه نسقًا مكتملًا إلهي مفارق عن الذات الإسلامية القائمة، وكان هذا مع أبو الحسن الأشعري حين خلع ردائه على المنبر وأعلن عودته للسنة والجماعة، وبلورة هذا نظريا في كتبه وتكملة أعضاء المدرسة بلورة لنظريته([54]). فقدمت الأشعرية مذهبها على أنه يمثل الوحدة والائتلاف في مقابل التفرق والاختلاف اللذان يمثلان مقدمة لسقوط الأمم، لذا أعلن الأشعري سعيه إلى الأصل الذي لا يعرف الاختلاف([55])، ونفي كل ما عداه باعتباره انحرافا عن الأصل.
ويرى ياسين في تقنين الأصول وتقييد الاجتهاد بالقياس عند الشافعي، ونظرية الكسب الأشعرية جناحي تقييد وتقليص دائرة المباح ويقول: “كلاهما كان ينظر للوسطية الجامحة بعيدًا عن الحرية. ونحن نشبه القياس الفقهي لدى الشافعي، بمفهوم الكسب الكلامي لدى الأشعري”([56])، ويتفق كلاهما في تقنين الرأي والحد من الحرية الإنسانية والانتصار للجبرية، وكان السبق للشافعي؛ وذلك لاستخدامه القياس الذي حصر الاجتهاد في القياس على أراء السابقين، وجعل الرأي والاجتهاد في حكم العدم. وانتصرت السلطة للجبر الفقهي والكلامي، وظهر هذا فيما أسماه ياسين الانقلاب المتوكلي، الذي حسم الصراع بين المعتزلة ممثلين للرأي والاجتهاد، والأشاعرة ممثلين للجبر والاتباع، لصالح الثانية. وما أن انتصرت السلطة للجبرية والاتباع، حتى صار النظر العقلي جريمة مؤثمة على المستوى السياسي الرسمي، ومعصية محرمة على المستوى الجنائي الفقهي.
التأويل والاستنطاق السلطوي للنص
يرى عبد الجواد ياسين أن السلطة السياسية لم تقف عند حد التدخل في البناء الفقهي والكلامي والمرجعيات التراثية ووضعها في مصاف المصادر المرجعية المفارقة فحسب، بل حاولت التدخل في بنية النص وكان لها النجاح في النص السني، في حين كان نجاحها ضعيفا فيما يتعلق بالقرآن؛ فالتأثير في السنة وصل إلى حد الوضع والإنشاء؛ وذلك لطبيعتها الشفهية حينذاك. أما بالنسبة إلى القرآن، فالأمر لم يتعد حدود التأويل والتفسير([57]) فقد ظهر مبكراً التأويل كآلية لإسقاط الأغراض السياسية على النص القرآني. فعبرت كل فرقة عن نفسها بشكل ديني (تبعاً لنمط المشروعية المتبع حين ذاك) من خلال إسناد موقفها إلى (الله عز وجل) من خلال نسبة أفعالها إلى النص([58]) وتبريرها عبر بعض آياته؛ وذلك بآلية التأويل التي تعطي للنص دلالة فضفاضة تمكن العنصر السياسي من إضفاء رغباته على النص واستنطاقه بها.
فلم تستطع السلطة السياسية التوجه حيال النص القرآني إلا بالتفسير والتأويل؛ وذلك لأن القرآن اجتمعت لحظتاه النصيتان؛ لحظة النزول ولحظة التدوين، مما جعل عملية اكتماله وإغلاقه ممكنة، على خلاف النص السني الذي تم تناقله شفهيا عبر الأفراد والأجيال –مما يبيح احتمالية الإضافة والتنقيح- إلى أن تم تدوينه([59]) مع بدايات عصر التدوين. وذلك ما دفع السلطة لإنتاج التأويل ليعمل كآلية تتمكن من خلالها استنطاق النص بما سكت عنه في القضايا السياسية خاصة، ويقول ياسين: “الواقع السياسي الديني اللاحق، أضاف إلى النص القرآني الخالص لا سيما في قضية السلطة، أبعاداً تأويلية لم تكن له وقت التنزيل، أعني وقت اكتماله ككتاب محكم بوفاة النبي ﷺ”([60]). ويرى أن النصيب الأكبر للتأويل السياسي للنص القرآني كان للشيعة، فكما كانوا الأسبق في استخدام التأويل، كانوا الأكثر تأويلاً للآيات القرآنية، في حين كان التأويل السياسي السني أقل، وجاء لاحقاً على التأويل الشيعي، وهذا ما يجعله يرى أن التأويل السني في أغلبه كان ردّاً على التأويل الشيعي.
وتبعاً للتدخل السياسي في تأويل النص القرآني، يرى ياسين أن ثمة مستويين لقراءة النص القرآني؛ في المستوى الأول يتمثل النص الخالص بمفرده، الذي يسكت فيه النص حيال النظرية السياسية (ولا يغفل علينا أن الصمت لديه يعني الإباحة بحكم أن (أصل الأشياء الإباحة إلا ما حرم)، أو توصية لحاكم أو تعيين نظام أو شكل للحكم، ويظهر هذا بشكل واضح وجلي. أما في المستوى الثاني، فيخضع النص لعملية استنطاق تاريخية([61]) بدأت بزعم التيار الشيعي أن ولاية علي وأبنائه على الأمة الإسلامية واجبة بالنص القرآني، ولخلو النص القرآني من مثل هذه النصوص -وهو ما يعني إحالة القضية لدائرة المجتمع- لم يكن ثمة طريق أمام التيار الشيعي غير التأويل واستنطاق النص ليقوض مسألة الحكم بقيود دينية، ويصوغ حكمه من خلال النص القرآني، خاصة وأنه لم يكن يملك سلطة بمقدوره أن يتحدث من خلالها، وتعطيه شرعية ومنبراً كالأمويين الذين ملكوا السلطة السياسية وأطلقوا على أنفسهم التيار السني. بالمقابل ذهب أهل السنة إلى أن القرآن يؤيد الخلافة لأبي بكر، فكان للشيعة السبق في استخدام التأويل، ثم جاء التأويل من داخل التيار السني كرد فعل في أغلب الأحيان([62]).
ويتضح توظيف النص القرآني بشكل كبير في ذهاب النظرية السنية للخلافة بأن الخلافة تكون في قريش، وهي نظرية تعارض المطالبة بالمساواة وعدم التفضيل اللذين جاء بهما القرآن، حيث يقول عز وجل في سورة الحجرات (يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ۚ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (13)، وفي سورة النساء (۞ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَىٰ أَنفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ ۚ إِن يَكُنْ غَنِيّاً أَوْ فَقِيراً فَاللَّهُ أَوْلَىٰ بِهِمَا ۖ فَلَا تَتَّبِعُوا الْهَوَىٰ أَن تَعْدِلُوا ۚ وَإِن تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيراً (135). وحسب ياسين لجأت السلطة حينها إلى إنتاج إحدى أدواتها المهمة لتقويض النص، وهي تخصيص العام، وهذا ما تقره المنظومة السلفية –غير أبي حنيفة- وتعطي لأحاديث الآحاد صلاحية وإمكانية تخصيص العام في القرآن، وتجعل الحديث الذي يقول فيه النبي ﷺ: الأئمة من قريش([63])، مقوضاً ومخصصاً للطرح المساواتي الذي يطرحه القرآن، ويضفي على القرآن الطابع الذي ترتضيه وتباركه السلطة السياسية.
وبالنسبة إلى التيار الشيعي، فإن عبد الجواد ياسين يرى أن التأويل لنظرية الإمامة كان كبيراً إلى درجة تشعرك أحيانا بأن القرآن لم ينزل أصلاً إلا لإثبات إمامة علي وأبنائه، والنعي على المخالفين لهم والمنكرين([64])، وغني عن البيان أن الإمامة أحد أصول الدين بالنسبة إلى الشيعة، بل هي الأساس الذي قام عليه التيار الشيعي وانخلع عن التيار العام، فلا عجب إذن حين يستخدم النص القرآني ويستنطقه بأهدافه ورغباته، التي تنحصر عادة في ولاية علي وأبنائه.
ويرى ياسين أن صمت النص عن التنظير للخلافة مكن السلطة السياسية من التلوي مع التاريخ والظروف الاجتماعية والاقتصادية المتاحة وإنتاج ما يوافق رؤيتها من النص القرآني عبر التأويل، فالواقع السياسي كان يكتب التنظير للخلافة ومن ثم يلبسون النص لباسها ويلحقونها به. فما من شيء إلا وانبصم ببصمة السلطة، ويقول: “كان كل شيء يبدأ من السلطة .. فما من شيء في هذا التاريخ إلا هو مبصوم بخاتم السياسة: الفكر والفقه، والاجتماع والاقتصاد، واللغة والفن، والجغرافيا السيكولوجيا، بل والنص الشرعي ذاته”([65])، إذ ألبسوا الصراع السياسي لباسًا دينيًا ينزههم، ويمكنهم من صناعة ما يريدون من جرائم ولا يعاقبون عليها، حيث تكون في خدمة الدين وحفظه، ومن ثم صنعوا نمطا من التدين يوافق تسلطهم ورغبتهم.
إلغاء المباح وأساسية التحريم في مفهوم البدعة
حسب ياسين فإن ابن تيمية حاول من خلال امكانياته العقلية الكبيرة أن يقدم صورة محسنة عن المنظومة السلفية، وما أفضت إليه من جبر وسلب للإرادة تحت لواء ورغبة السلطة السياسية. ويرى ياسين أن النتيجة كانت صورة “تيموية أكثر من كونها سلفية”([66]) على حد تعبيره. أي أنها تعبر عن ابن تيمية أكثر مما تعبر عن المنظومة السلفية، فابن تيمية ألحق بالمنظومة ما لديه من أفكار وأسقط عليها ما له من رؤى أكثر مما فتح لها باب التعبير عن نفسها. وأنتج ابن تيمية نمطًا أخرًا من إغلاق دائرة المباح، حيث أغلق دائرة المباح من خلال مفهوم البدعة، الذي يجعل كل ما هو جديد بدعة محرمة تنتظر الحكم بحلها من عدم حلها، ومن ثم يصبح الأصل في الأشياء التحريم وتحتاج إلى الحكم بجوازها.
وللفيلسوف الفرنسي فرانسوا ريكاناتي Francois Recanati (1952) رؤية يطرحها في كتاب عنونه ب (Literal Meaning المعنى الحرفي) مفادها أن “المكان ولزمان مكونان لمضمون القول”([67])، وهذه الرؤية تفيدنا هنا من حيث إنها توضح انتقال الفكر الإسلامي من مرحلة تضييق المباح إلى سيادة التحريم من خلال مفهوم البدعة، الذي يقلب الأساس التشريعي القائل: “أصل الأشياء الإباحة إلا ما حرم” إلى “أصل الأشياء التحريم إلا ما أبيح”، وذلك من خلال زعم أنه بدعة ومحدث وعليهم البحث في إباحته من عدمها. وجاء مع ابن تيمية توسيع للدائرة المفاهيمية للبدعة، وعد كل محدث بدعة، والمرج في هذا غزو التتار للدول الإسلامية، وحالة من الضعف والوهن اللذان كانت تعانيهم الدولة الإسلامية حينها. وما يعنيه الغزو والاستعمار من محاولة فرض ثقافة الغير الذي يفتح الباب للوذ بالقديم على مصراعيه، خاصة أن ثمة تعدٍ قد تم على الشريعة الإسلامية التي كانت تحكم حينها من قبل جنكيز خان قائد المغول، حين وضع دستورًا يحكم به المسلمين اقتبس فيه العديد من شرائع اليهودية والمسيحية([68])، وهو ما يعني هزيمة للدين وللشريعة خاصة في حال تفوقه العسكري.
ومن زاوية أخرى في ظل هذا الضعف السياسي والعسكري الذي عادة ما يترجم إلى ضعف ديني داخل التاريخ الإسلامي، يعلوا صوت لطائفية والمذهبية، وهو الأمر الذي دفع ابن تيمية إلى رد الأمر إلى بواكير الإسلام وسلك مذهبية اللاتمذهب، ومحاربة كافة التيارات ورفضهم، وتوسيع دائرة مفهوم البدعة والتشديد عليه، خاصة مع شيوع الفرق الصوفية حينها ومعروف عنه عداؤه لها([69])، فضلا عن ما يعنيه دور النضالي وقائد الجيش، من القيادة وعدم الفرقة وتجميع الصفوف وابن تيمية عمل قائدًا ومحاربًا في فترة من حياته، وحسب ابن كثير جاء بالنصر في حين كانت الرجال والنساء العجائز والأطفال يعانون الويل ويرفعون أكفهم تضرعًا إلى الله([70]). ومن المعروف في الفكر الإسلامي أن حالات الانهزام مردها إلى التقصير في العبادة وكثرة البدع لتكون حالات الانهزام هذه تعبيرا عن غضب الله وعدم رضاه([71])، ويعد هذا تفسيرا كافيا لحالة اللوذ بالدين والالتزام بتعاليمه ومحاربة البدع.
والحديث عن البدعة عادة ما يستند إلى الحديث النبوي الذي قال فيه النبي (ص):”فَإِنَّهُ مَنْ يَعِشْ مِنْكُمْ بَعْدِي فَسَيَرَى اخْتِلَافًا كَثِيرًا، فَعَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ الْمَهْدِيِّينَ، تَمَسَّكُوا بِهَا، وَعَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ، وَإِيَّاكُمْ وَمُحْدَثَاتِ الْأُمُورِ، فَإِنَّ كُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ “([72]) والبدعة كما يقدمها الحديث المذكور عن النبي (ص) يتفق في المعنى اللغوي المطروح في ابن منظور: البِدْعةُ: الحَدَث وما ابْتُدِعَ من الدِّينِ بعد الإِكمال. ابن السكيت: البِدْعةُ كلُّ مُحْدَثةٍ([73]). فالبدعة حسب الحديث والمعنى المطروح في ابن منظور تمثل كل ما هو محدث وجديد، وإذا كان كذلك فمضمون الحديث يرفض كل ما هو محدث وجديد وهو أمر ينافيه العقل الإنساني لأنه ليس بمقدوره فعل ذلك. ومن خلال الحديث النبوي (أنتم أعلم بشئون دنياكم) يمكن القول إن التشديد كان على الأمر العقائدي، وهو أمر مفهوم في المرحلة التأسيسية للدين الإسلامي. بيد أنه تم توسيع مفهوم البدعة إلى ذلك الحد الذي جعله يشمل كل شيء ويعمل على قلب الأساس الديني القائل: أصل الأشياء الإباحة إلا ما حرم الذي جاء مضمونا في النص القرآني بتحريم بعض الأفعال وإلا جاء ليحل ويبيح بدلاً من التحريم([74])، فيُقَدَم مفهوم البدعة عادة داخل البناء العقائدي ويعد طريقا للعقيدة النقية الخالية من أي تشويه أو تشويش وحارسًا عليها، ويماثل مفهوم الهرطقة في المسيحية، فهو يعني القول غير المقبول من الأطر الاجتماعية والدينية، وهو ما يعني أصل الأشياء التحريم إلا ما أبيح، وهو ما سيتم توضيحه في السطور التالية.
يضع ابن تيمية مقترحه، لا نقول في موضع متماهي مع القرآن والسنة، بل يتكلم باسمهم إي ما يقوله هو الكتاب والسنة، ويقول في هذا الأمر: “الْبِدْعَةُ: مَا خَالَفَتْ الْكِتَابَ وَالسُّنَّةَ أَوْ إجْمَاعَ سَلَفِ الْأُمَّةِ مِنْ الِاعْتِقَادَاتِ وَالْعِبَادَاتِ. كَأَقْوَالِ الْخَوَارِجِ وَالرَّوَافِضِ وَالْقَدَرِيَّةِ وَالْجَهْمِيَّة وَكَاَلَّذِينَ يَتَعَبَّدُونَ بِالرَّقْصِ وَالْغِنَاءِ فِي الْمَسَاجِدِ وَاَلَّذِينَ يَتَعَبَّدُونَ بِحَلْقِ اللِّحَى وَأَكْلِ الْحَشِيشَةِ وَأَنْوَاعِ ذَلِكَ مِنْ الْبِدَعِ الَّتِي يَتَعَبَّدُ بِهَا طَوَائِفُ مِنْ الْمُخَالِفِينَ لِلْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ”([75]). ويتسع هنا مفهوم البدعة مع ابن تيمية ويرفض كافة الاجتهادات الفقهية والكلامية التي قدمت في التاريخ الإسلامي ويرى أن كل ما يخرج عن إطار القرآن والسنة النبوية وما يمسهم بالسلف الصالح فهو بدعة، فعندما سألوه عما قدمه بأنه موافق ومطابق لما قدمه الإمام أحمد بن حنبل قال: “مَا جَمَعْت إلَّا عَقِيدَةَ السَّلَفِ الصَّالِحِ جَمِيعِهِمْ لَيْسَ لِلْإِمَامِ أَحْمَدَ اخْتِصَاصٌ بِهَذَا، وَالْإِمَامُ أَحْمَدُ إنَّمَا هُوَ مُبَلِّغُ الْعِلْمِ الَّذِي جَاءَ بِهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَوْ قَالَ أَحْمَدُ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِهِ مَا لَمْ يَجِئْ بِهِ الرَّسُولُ لَمْ نَقْبَلْهُ وَهَذِهِ عَقِيدَةُ مُحَمَّدٍ ﷺ”(([76].
إقرأ أيضاً: حد الردة..مع الأستاذ عبد الجواد ياسين
والتطور الذي يقدمه ابن تيمية لمفهوم البدعة يجعله أكثر حضورًا في الذهن الإسلامي، كما أنه يقترب أكثر من موضع المحافظ والحارس على الدين، حيث يكون التهديد هنا للقرآن والسنة وهما العنصران التأسيسيان للديانة الإسلامية؛ لذا ليس من الغريب أن يفضي إلى مزيد من التشدد والإصرار على عدم المساس بما هو بدعة، والتشدد هنا يعد تشددًا محمودا من حيث هو للحق وللدين وهذا ما يعطي المفهوم تغلغلًا أكبر في الذهن الإسلامي والأطر الاجتماعية. خاصة حين يوضع مقرونا بالفرقة ومضادًا للسنة والجماعة كما يقول هو: “والبدعة مقرونة بالفرقة كَمَا ان السّنة مقرونة بِالْجَمَاعَة فَيُقَال أهل السّنة وَالْجَمَاعَة كَمَا يُقَال أهل الْبِدْعَة والفرقة”([77])، وللفرقة طابع هدمي لدى العرب نظرا للطابع القبلي، لذا تعد البدعة هنا هدما للأمة وللدين.
ويميز ابن تيمية بين البدعة في معناها اللغوي والبدعة الشرعية، ويرى أن التقسيم المعروض للبدعة؛ الحسن وغير حسن يقع في البدعة اللغوية، بيد أن ما تم الاتفاق عليه من أمور محدثة في الشريعة فليس ببدعة، مثل صلاة التراويح التي أضحت بمقام الفرض، وجمع القرآن في المصحف، كل هذه الأمور لا يراها ابن تيمية بدعة من حيث الشرع ولكنها بدعة من جهة التصنيف اللغوي([78]). وفي ظني أن ابن تيمية بهذا التقسيم يضع ما يقره هو ضمن الشرع ويضع ما يقر بأنه ليس كذلك ضمن البدعة، مما يجعل المفهوم أكثر اتساعًا ومرونة بين يديه. فكما ذكر يضع صلاة التراويح وخلافها ضمن موجب الشريعة، ويضع بيع مستلزمات الأعياد غير الإسلامية ضمن البدع([79])، رغم ما هو معروف من حق العيش المشترك الذي قدمته وثيقة المدينة التي عقدها رسول الله ﷺ.
3-محمد ابن عبد الوهاب، أصل الأشياء التحريم إلا ما أبيح.
لا يعد ما قدمه محمد بن عبد الوهاب (1703-1792) حيال مفهوم البدعة أكثر مما قدمه ابن تيمية؛ من التشديد على الاتفاق مع معتقد أهل السنة والجماعة والسير عليه، وتكريس الجزء الأكبر من جهوده لتبديع عقائد الصوفية وطرق عباداتهم([80]). فتعريف البدعة عنده لا يختلف عن تعريف البدعة عند ابن تيمية فيعرفها بأنها: “كل شيء أحدث على غير مثال يسمى بدعة سواء كان محمودًا أو مذمومًا وكذا القول في المحدث”([81])، لهذا يعد الباحث والمؤرخ المصري محمود إسماعيل (1940) محقًا في جانب من رؤيته أن ابن عبد الوهاب نقل عن ابن تيمية ولم يعط تجديدًا ذا بال، “بحيث يستحيل الحكم بخصوصية تميز الوهابية”([82]). فما فعله محمد بن عبد الوهاب في معظمه احياء لما قدمه ابن تيمية وعرضه بوصفه منهجًا لإحياء الدين، وذلك لاعتباره إحياء الدين وسنة القدماء يحمل الحل السحري لكافة مشكلات عصره.
واستدعاء ابن عبد الوهاب مقترحات ابن تيمية كان في جانب منه شكلًا من أشكال المقاومة ضد الأتراك، ومشروع لإقامة سلطنة إسلامية بديلة([83])، وفي جانب آخرًا كان ردًا على المتصوفة في عصره، وكان التدين الصوفي شائع حينها في نجد([84]). ويبدو هذا واضحًا في تحالفه مع آل سعود، حيث يكون لآل سعود شئون الحكم والسياسة ويكون لابن عبد الوهاب وابناؤه الشئون الدينية([85])، وفي تناول تعليماته التشديد على عدم الابتداع والتزام ما تركه السلف، أو حسب ما يقول اتباع السنة والجماعة وانكار كل ما هو محدث.
عقيدة التوحيد
ويضع ابن عيد الوهاب الإيمان بالبدعة ضمن عقيدة التوحيد، فعند تحديده لمعنى التوحيد يقول: “المسألة الكبيرة: أن عبادة الله لا تحصل إلا بالكفر بالطاغوت”([86]) ويحدد الطاغوت قائلًا: “هو ما تجاوز به العبد حده من معبود أو متبوع أو مطاع”([87])، وإذا كان اتباع المتبوع والمطاع حسب ما يقدمه ابن عبد الوهاب هو ضمن عقيدة التوحيد، فإن الخروج عن المتبوع الذي يحدده بالسنة والجماعة يعد شركًا لله عز وجل، ويجعل البدعة مقام الشرك ويقول هذا صراحةً: “والشرك بدعة، والمبتدع يؤول إلى الشرك، ولهذا لم يوجد مبتدع إلا وفيه نوع من الشرك”([88])، ومن ثم تأخذ البدعة بعدًا أكثر عمقا داخل الوجدان والعقل الإسلاميين، حيث يرتبط معتقد المرء بالتزامه بما سبق وإلا كان غير موحد، ومن ثم غير مسلم. وانطلاقًا من أن البدعة جزء من الإيمان بالتوحيد، فإن عدم التحريم يعد شركًا، والشرك هو التهمة التي تمت بها تصفية كافة المخالفين عبر التاريخ الإسلامي، ويهرب منها كل فرد. والواقع المعاصر يجتهد في إظهار تدينه، وذلك لأنماط الحكم الاجتماعية عليه، وجعل التدين أحد مواضع التقدير، كما أنه لعب دورًا اقتصاديا في ظل الفساد والغش، حيث يعد ضمانة لعدم الغش في التجارة أو البضاعة؛ ومن ثم وفود الأفراد وزيادة البيع، كل هذا جعل الأفراد يهتمون بتدينهم والهروب من الاتهام بالشرك، وعليه سيادة مفهوم البدعة، وإغلاق دائرة المباح.
وحسب ياسين فإن محمد بن عبد الوهاب لم يخرج من الإطار السلطوي الذي وحد بين الدين والسياسة، إذ يقول: “إذ يكفي لبيان ذلك أن نقرر كقاعدة عامة أنه باستثناء هذه الحقبة الاعتزالية ذات النيف والثلاثين سنة فإن التاريخ الإسلامي على طوله منذ معاوية بن أبي سفيان وحتى اليوم، هو تاريخ التحالف بين التيار السلفي والسلطة الحاكمة”([89])، وهذا ما يقره اتفاق الدرعية الذي عقده محمد بن عبد الوهاب مع أمير الدرعية محمد بن سعود في عام 1157هـ الموافق 1744. والذي جاء في صيغة اتفاق على محاربة البدع والدعوة إلى صحيح الدين، ولكنه كان اتفاق تقاسم الحكم ليكون لأبناء محمد بن عبد الوهاب الحكم الديني، ولأبناء محمد بن سعود الحكم السياسي، وما انتجه هذا الاتفاق دولة السعودية، وليس دعوة دينية.
الخاتمة
من أهم ما أفضت به الدراسة اجتهاد السلطة في تنصيب القرآن على أنه أداة حكم لتحكم من خلاله، وتوسيع الدائرة النصية على حساب الرأي وحرية الإنسان، وبصم التاريخ ببصمتها على حد قول ياسين، فحتى الخطاب القرآني عز عليها ترك مساحة الحرية التي تركها من خلال ما سكت عنه، واستنطقته بها لتحد من دائرة الحرية الإنسانية، وطوال التاريخ الإنساني كان السعي نحو الحد من الحرية الإنسانية عادة من السلطة لتطلق يدها، تحت أي مسمى كانت، ومن ضمن هذه المسميات وأقواها الدين. وبدأت السلطة بتوسيع دائرة الإلزام النصية إلى السنة وعدها وحيًا بطريقة مختلفة، وإنتاج مدونة موازية للقرآن ووضعها في مستوى التقديس للقرآن، ومد النص المقدس ليحوي هذه المدونة، وهي المدونة الفقهية بوجه خاص والتراثية بوجه عام للحد من إعمال العقل والرأي.
والواقع الإسلامي المعاصر محكوم بهذه المدونة أكثر مما هو بالقرآن، وهذا ما انطلق منه عبد الجواد ياسين في مشروعه نحو إعادة الاعتبار الديني للحرية الإنسانية، وإبراز المسكوت عنه الذي تم استنطاقه من قبل السلطة، لمآرب سلطوية سياسية خالصة. لذا جاء مشروع ياسين بادئا بمحاولة فصل المدونة التراثية عن النص القرآني ووضعها في مصاف الاجتهاد البشري، ثم الانطلاق نحو السنة ومفهومها وكيفية بلورة مفهومها واتساع الدائرة النصية من خلالها، والإضافة والتنقيح التي تعرضت له لعدم اغلاقها من قبل السلطات السياسية، فطرح الأمويون أحاديث نبوية تقول بأن حكمهم باقي إلى يوم الساعة، وكذا الدولة العباسية، وكل فئة كانت تنتج مجموعة من الأحاديث تثبت وجهة نظرها ورؤيتها.
وفي تعريف السنة انتقد ياسين وضع الشافعي الرواية كآلية عمل الحديث والتماهي بينها وبين السنة، وأضحت الرواية والأسانيد ضمن بنية علم الحديث، إن لم تكن هي علم الحديث ذاته، وساعد هذا السلطة كثيرًا من خلال شراء وضع الأحاديث من خلال الرواة، ومن زاوية أخرى كرس منطق الاستماع إلى الرواية أكثر من إعمال العقل والرأي، وأوضح ياسين انتقال الشافعي إلى الحد من الاجتهاد من خلال وضعه مرادفًا للقياس، أي يقتصر الاجتهاد على قياس الغائب على الشاهد، أو قياس مالم يرد فيه نص على ما ورد فيه نص، ليغلق بذلك دائرة الاجتهاد بالرأي. واستكمل هذا الإغلاق أبو الحسن الأشعري بإنتاج نظرية الكسب الأشعرية التي تنتصر للجبر، فأنتج الشافعي الجبر الفقهي وعدم الحرية الإنسانية، وأنتج الأشعري الجبر الكلامي الذي يطلق يد السلطة في الأفراد باسم الله، وهذا ما تمت ترجمته من خلال قتل آل بيت النبي والتكبير بعد قتلهم.
وأخر واهم ما أفضت به الدراسة التحول الذي أحدثه ابن تيمية ومن بعده محمد بن عبد الوهاب من التشديد على مفهوم البدعة، وإعادة انتاجه بوصفه ضمن عقيدة التوحيد ليقلب الشريعة الربانية ويجعل كل الأشياء محرمة في انتظار الفتوى بإباحتها، وهذا ما يجعل الواقع الإسلامي المعاصر يعاني من شلل عام، حيث ينتظر الفتوى عادة بتحليل مجمل ما ينتجه من معارف وانجازات، وما يتطلبه هذا من اطلاع رجال الدين الموكلين بالإباحة على هذه العلوم، وهو ما لا يحدث، مما يفضي إلى تحريمها. ومن ثم هجر هذه العلوم التي تكون منبوذة في الواقع الإسلامي ويدفع المشتغل بها ثمن النبذ والإقصاء من الأطر الاجتماعية، إن لم يطور الأمر إلى المؤسسات القانونية ويتم الحكم عليه. ولم يأت محمد بن عبد الوهاب بوصفه دعوة دينية فحسب، بل كان له مآرب سياسية، تمت ترجمتها في الاتفاقات التي عقدها مع الدولة العثمانية، وما للدولة أن تتفق مع جماعة دعوية إلا وإن كان لها مآرب سياسية، وترجمت الدعوة الوهابية على أرض الواقع في الدولة السعودية وهي ترجمة سياسية صريحة، وهذا ما جعل عبد الجواد ياسين يصر على أن السلطة هي الفاعل الأول في التاريخ، ولا سيما التاريخ الديني، والواقع الإسلامي المعاصر.
المصادر والمراجع:
[1] – أركون (محمد)، الفكر الإسلامي قراءة علمية، ترجمة هشام صالح، ط2، مركز الإنماء القومي، بيروت/ المركز الثقافي العربي، الدار البيضاء، 1996، صـ 168.
[2] – مصطفى محمد الزحيلي، القواعد الفقهية وتطبيقاتها في المذاهب الأربعة، ط1، ج1، دار الفكر، دمشق. 1427هـ، 2006م، ص190.
[3] – ابن تيمية، مجموع الفتاوى، ج21 ، مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف، المدينة المنورة، 2004، صـ535. العناوين التي وضعها محققا طبعة دار الوفاء (أنور الباز وعامر الجزار) ط ٣، ١٤٢٦ هـ – ٢٠٠٥ م
[4] – محمد عابد الجابري، تكوين العقل العربي، ط 6، مركز دراسات الوحدة العربي، بيروت، 1994، صـ 62.
[5] – محمد عابد الجابري، بنية العقل العربي: دراسة تحليلية نقدية لنظم المعرفة في الثقافة العربية، ط 5، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، 1996، صـ 560.
[6] – ياسين، السلطة في الإسلام، ج 1، ص 141
[7] – عبد الجواد ياسين، السلطة في الإسلام، ج1، دار التنوير، بيروت، 2015، ص 126 – 127
[8] – السابق، ص 126
[9] – السابق، ص 128
[10] – السابق، ص 64
[11] – ياسين، السلطة في الإسلام، ج 1، ص 149
[12] – السابق، ص 110
[13] – السابق، ص 127 – 128
[14] – شريفي (مصطفى بن محمد)، قراءة نقدية في كتاب السلطة في الإسلام، ج (1)، جامعة الأمير عبد القادر للعلوم الإسلامية – كلية أصول الدين، مجلة المعيار، ع 35، 2014، عدد صفحات البحث 221 – 245، ص 11
[15] – عبد الجواد ياسين، السلطة في الإسلام، ج 2، نقد النظرية السياسية، دار التنوير، بيروت، 2012، ص 110
[16] – ياسين، السلطة في الإسلام، ج 2، ص 111
[17] – السابق، ص 113
[18] – ياسين، السلطة في الإسلام، ج1، ص 34.
[19] -السابق، ص 35.
[20] – السابق، ص34.
[21] – عبد الجواد ياسين، الدين والتدين: التشريع والنص والاجتماع، التنوير، بيروت، 2012، ص394.
[22] – السابق، الموضع نفسه.
[23] – السابق، ص 24.
[24] – السابق، الموضع نفسه، ص 24.
[25] – THEARCHITECTS OF ISLAMIC CIVILISATION, Editor by ALEXANDER WAIN MOHAMMAD HASHIM KAMALI, Pelanduk, iais Malaysia, 2017, pp54.
[26] – أبو زيد (نصر حامد)، الإمام الشافعي وتأسيس الأيديولوجية الوسطية، ط1، المركز الثقافي العربي، الدار البيضاء، 2014، صـ 118.
[27] – رسالة الشافعي، صـ 92.
[28] – السابق الموضع نفسه.
[29] – أبو زيد، الإمام الشافعي، صـ 119.
[30] – رسالة الشافعي، صـ 32.
[31] – السابق، صـ 32-33.
[32] – الشافعي (محمد بن إدريس)، الأم، تحقيق، رفعت فوزي عبد المطلب، ج9، كتاب إبطال الإحسان، دار الوفاء، المنصورة، 2001، صـ 57.
[33] – الشافعي، الرسالة، صـ 33.
[34] عبد الجواد ياسين ، اللاهوت، مؤمنون بلا حدود للدراسات والنشر، بيروت، 2019، صـ 400.
[35] – السابق، ص 402.
[36] – السابق، ص 403.
[37] – عبد الجواد ياسين، تشكل المدونة الرسمية في الإسلام السني، مركز المسبار للدراسات والبحوث، الإمارات العربية المتحدة، الكتاب 137، بعنوان (الإسلام التقليدي: التشكل التاريخي والتحديات الراهنة) 3/7/2018، ص 3
[38] – تسيهر (جولد)، دراسات إسلامية، ج1، ترجمة. شيحة عطية، مراجعة. خيري قدري، مركز الحضارة العربية للأعلام النشر والدراسات الجيزة، 2008، ص 114
[39] – ياسين الدين والتدين، صـ 394.
[40] – ناجية الوريمي، في الإتلاف والاختلاف (ثنائية السائد والمهمش في الفكر الإسلامي القديم)، دار المدى للثقافة والنشر، دمشق، 2004، صـ 141.
[41] – الشافعي، الرسالة، صـ 505.
[42] – السابق، صـ 477.
[43] – أدونيس الثابت والمتحول، ج2، الهيئة العامة لقصور الثقافة، القاهرة، 2017صـ 11.
[44] – المرجع السابق، صـ 13.
[45] -علي مبروك ، ما وراء تأسيس الأصول (مساهمة في نزع أقنعة التقديس)، دار رؤية للنشر والتوزيع، القاهرة، 2007، صـ 72.
[46] – محمد أركون، نحو نقد العقل الإسلامي، ترجمة، هاشام صالح، دار الطليعة، بيروت، 2009، صـ 109.
[47] – أركون المرجع السابق، صـ 111.
[48] – أحمد أمين، فجر الإسلام، ط2، مطبعة الاعتماد، القاهرة، ص 396.
[49] – ياسين، السلطة فيي الإسلام ج1، ص132.
[50] – السابق، ص132-133.
[51] – السابق، ص 314
انظر أيضا أبو الوفا التفتازاني، علم والكلام وبعض مشكلاته، ص 150
[52] – ياسين، السلطة في الإسلام، ج1، ص128.
[53] – التفتازاني، علم الكلام وبعض مشكلاته، صـ 159-160.
[54] – راجع، مبروك، الإمامة والسياسة (الخطاب التاريخي في علم العقائد)، ط1، المركز الثافي العربي، الدار البيضاء، مؤمنون بلا حدود بيروت، 2015، صـ 189.
[55] – راجع، مبروك، الخطاب السياسي الأشعري من إمام الحرمين إلى إمام العنف، ط1، المصرية العربية للنشر والتوزيع، القاهرة، 205، صـ 125.
[56] – ياسين، السلطة في الإسلام، ج1، ص 136.
[57] – ياسين السلطة في الإسلام، ج2 ص 195 – 196
[58] – ياسين، اللاهوت، سبق ذكره، ص 391
[59] – ياسين، السلطة في الإسلام، ج 1، 196
[60] – ياسين السلطة في الإسلام،ج1، ص 201
[61] – ياسين السلطة في الإسلام، ج 1، ص 202
[62] – ياسين، السلطة في الإسلام، ج 1، ص 201
[63] – السابق، ص 208
[64] – السابق، ص 213
[65] – السابق، ص 168.
[66] – السابق،، ص135.
[67] – ريكاناتي (فرانسوا)، المعنى الحرفي، ط1، ترجمة أحمد كروم، دار الكتاب الجديد المتحدة، بيروت، 2018، صـ 22.
[68] – البغدادي (احمد مبارك)، دراسات في السياسة الشرعية عند فقهاء أهل السنة، مكتبة الفلاح، الكويت، ذ987، صـ 224-225. نقلا عن محمد حافظ دياب، نقد الخطاب السلفي، الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة، 2017، صـ 125.
[69] – ابن كثير، البداية والنهاية، ج14، ط7، مكتبة المعارف، بيروت، 1988، صـ 36.
[70]– ابن كثير، البداية والنهاية، ج14، صـ 25-26.
[71] – ابن تيمية، مجموع الرسائل الكبرى، ج1، دار احياء التراث، بروت، د.ت، صـ 133.
[72] -احمد بن حنبل ، مسند الإمام أحمد بن حنبل، ج28، ط1، مؤسسة الرسالة، 2001، صـ375. حديث رقم 7145.
عن الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ قال حَدَّثَنَا ثَوْرُ بْنُ يَزِيدَ، حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ مَعْدَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَمْرٍو السُّلَمِيُّ، وَحُجْرُ بْنُ حُجْرٍ، ورواه مسلم، في الجزء الثاني، صـ 592، حديث رقم 867، مطبعة عيسى الحلبي وشركاه، القاهرة، 1955.
[73] – لسان العرب لابن منظور.
[74] – يمكن في ذلك مراجعة ما كتبه عبد الجواد ياسن في كتابه السلطة في الإسلام، حول سكوت النص القرآني كتشريع نصي، في الجزء الأول، ط4، التنوير للشر والتوزيع، بيرت، 2012،صـ 126-141.
[75] – ابن تيمية، مجموع الفتاوى، ج18، مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف، المدينة المنورة، 2004، صـ346. العناوين التي وضعها محققا طبعة دار الوفاء (أنور الباز وعامر الجزار) ط ٣، ١٤٢٦ هـ – ٢٠٠٥ م
[76] – ابن تيمية، مجموع الفتاوى، ج3، وزارة الشؤون الإسلامية السعودية، 2004، صـ 169.
[77] – ابن تيمية، الاستقامة، تحقيق محمد رشاد سالم، ج1، جامعة الامام محمد بن سعود، الدينة المنورة، 1403 هـ1982 م، صـ 42.
[78] – (ابن تيمية) أحمد بن عبد العليم بن عبد السلام، تحقيق، علي بن محمد العمران، دار عطاء العلم الرياض، دار ابن حزم، بيروت، 2019، صـ 14. راجع أيضا، (ابن تيمية)، اقتضاء السراط المستقيم لمخالفة أصحاب الجيم، ج2، دار عالم الكتاب بيروت، 1999، صـ 93.
[79] – راجع ابن تيمية، اقتضاء السراط المستقيم لمخالفة أصحاب الجيم، ج2، دار عالم الكتاب بيروت، 1999، صـ 12-13.
[80] – راجع، بن عبد الوهاب (محمد)، التوحيد، تحقيق أبو مالك الرياشي أحمد بن مثنى القفيلي، ط1، مكتبة عباد الرحمن، مصر، مكتبة العوم، مصر، 2008، صـ 58-62.
[81] – محمد ن عبد الوهاب، أصول الإيمان، تحقيق باسم فيصل الجوابرة، ط5، وزارة الشئون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد، المملكة العربية السعودية، 1420 هـ 1999، صـ 126.
[82] – إسماعيل (محمود)، الفكر الإسلامي الحديث بين السلفيين والمجددين، ط1، رؤية للنشر والتوزيع، القاهرة، 2006، صـ 31. راجع أيضا، محمد حافظ دياب، نقد الخطاب السلفي، الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة، 2017، صـ 174.
[83] – دياب (محمد حافظ)، نقد الخطاب السلفي، الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة، 2017، صـ178. راجع أيضا ، دينا رزق، المجتمع السياسي في عصر الإصلاح والتمرد والإمبراطورية (1780-1820)، دراسة منشورة ضمن كتاب، الفكر العربي بعد العصر الليبرالي، تحرير، دجنس هانسن -ماكس واسي، ترجمة فؤاد عبد المطلب، ط1، مؤمنون بلا حدود للنشر والتوزيع، بيروت، 2019، صـ 213.
[84] – الآلوسي (محمود شكري)، تاريخ نجد، تحقيق محمد بهجة، ط1، الفرات للنشر والتوزيع، بيروت، 2007، 101-105.
[85] – راجع، دياب، نقد الخطاب السلفي، صـ 182.
[86] – بن عبد الوهاب، التوحيد، صـ 11.
[87] – محمد بن عبد الوهاب، أصول الدين الإسلامي مع قواعده الأربع، رتبها محمد الطيب بن إسحاق الأنصاري، دار الحديث الحيرية بمكة المكرمة، صـ 24.
[88] – محمد بن عبد اوهاب، مسائل لخصها الشيخ محمد بن عبد الوهاب من كلام ابن تيمية، نشر وتحقيق، جامعة الإمام محمد بن سعود، الرياض، 1206 هـ، 1791، صـ 83. (طبع الكتاب ضمن مؤلفات محمد بن عبد الوهاب الجزء الثاني عشر)
[89] – ياسين، السلطة في الإسلام، ج1، ص149.