تكوين
تمهيد: تساؤلات حول أسلمة السبعينيات
هل الإسلام كدين يتنافَى مع أفكار اليسار الماركسي المادية، لهذا رفضَت غالبية المسلمين منظوره، وما ترتب عليه من نظم اقتصادية واجتماعية؟ أم أنهم فعلوا العكس: رفضوا النظام الاشتراكي في الأساس، ثم بحثوا عن أسباب مختلفة من جهة، وأكثر وجاهة في نظر من حولهم من جهة أخرى؟ هل تتعارض أصول الإسلام مع المادية، والاشتراكية معًا؟ وربما كان الإسلام يتوافق مع بعض عقائد الليبرالية الأساسية، على الأقل في الاقتصاد، فصار خصمهما واحدًا.
تلك أسئلة لا بد من أنها كانت كثيرًا ما تشغل بال الكثير من المثقفين العرب اليساريين خصوصًا في السبعينيات، وهم يشهدون كيف انحاز الناس بكل بساطة إلى صف الإسلاميين الخارجين توًّا من المعتقلات أصلاً لضرب مُناصري المشروع القومي العلماني الاشتراكي العربي. لعلهم –المثقفين اليساريين- سألوا أنفسهم: هل السبب هو انتكاسة هذا المشروع، أم حالة تعارُض أصيلة، أعمق من مجرد وضع مؤقت، بين عقيدة المسلمين وأيديولوجيات اليسار المتنوعة، سواءً دعا إلى تلك الأيديولوجيات مثقف حرّ، أو آلة إعلامية شمولية قمعية؟
دور المفكر العربي المعاصر
وهي أسئلة هامة من أجل إعادة تقييم دور المفكر العربي المعاصر، وعلاقته بجمهوره، ومن منظور أوسع لفهم طبيعة الانقطاع النسبي بين المثقف والجمهور في العالم العربي. وكخطوة أولى نحو إجابتها يحتاج المرء إلى فهم تصورات المسلمين عن العلاقة بين العقل والجسد، بين الفكر والمادة. وربما كانت النتائج مفاجئة بالنسبة لما عهدنا عليه من اعتبار الدين عمومًا، والإسلام خصوصًا في الحالة العربية، رؤية مثالية تتعارض مع مادية العلم، أو بالأحرى مع الأيديولوجيات المادية، التي تقيم حججها الأساسية على نتائج هذا العلم.
ولقد أنتج الفكر العربي المعاصر دراسات نقدية لمفهوم الجسد في الإسلام، وأحكامه، واستراتيجيات التعامل الفقهي معه، غير أننا يمكننا تصنيفها في فئتين لا ثالث تقريبًا لهما: دراسات تقليدية فقهية، وهي معروفة، ومعهودة في أبواب الفقه، تركز على الأحكام؛ من أحكام الزيّ، والزينة، إلى أحكام تنظيم العلاقة الجنسية، أكثر مما تركز على المفاهيم، وهي بعيدة نوعًا لذلك عن الدرس الفلسفي، ودراسات فلسفية نقدية، تحاول دراسة حقوق الجسد، وواجباته، في سياق نقد السلطة الاجتماعية في الإسلام، لكنها غير مؤسسة على درس أصولي عميق الجذور. وبالتالي ظهرت أوجه النقص في النوعين: ففي الدرس الفقهي التقليدي غاب البعد النقدي، وفي الدرس النقدي الفلسفي غاب الأساس الفقهي.[1]
أضف إلى ذلك أن تعبير “الجسد في الإسلام”، والذي كتبتْ في محيطه أقلامٌ عدة، تعبير واسع إلى درجة الإبهام؛ فأي إسلام بالضبط نعني؟ وليس المقصود اختلاف تأويل الإسلام ككل من الخليج إلى الشام ومصر، إلى المغرب العربي، إلى أوروبا وأمريكا.. إلخ، بل المعنيّ هو أن الإسلام تعبير حضاري وثقافي عام، من المستحيل تقريبًا على باحث واحد أن ينتج بحثًا وجيهًا في مفهوم ما، للجسد أو لغيره، في سياقه الشاسع، بل يحتاج الأمر في هذه الحالة إلى فريق من الباحثين. والأوقع إذن أن يحدد الباحث بعناية مجال العلم الإسلامي، الذي يُسأَل بالدرجة الأولى عن المفاهيم الموجِّهَة لإستراتيجية التعامل مع الجسد في المجتمع العربي. فالتصوف الإسلامي مثلاً يطرح مفاهيم متعددة حول الجسد والنفس والعقل، وكذلك فلسفة الفلاسفة المسلمين، والعلوم الطبيعية عند العرب، وعلم أصول الدين، لكن كل هذه السياقات إما هي غير استراتيجية؛ بمعنى كونها “نظريات” في الجسد، لا تبلوِر سياسة اجتماعية محددة تجاه الجسد في المجتمع، وإما هي محدودة بحدود طائفة معينة (كالتصوف)، وإنما السياق الفقهي بالذات هو الفاعل في هذا الصدد على المستوى الأعمّ.
وقد أثمر البحث الفلسفي –كما سبق تقديمه- دراسات نقدية، أو تقليدية، في الفقه بهذا الخصوص، لكنه تناسَى لسبب ما، لعله عدم التخصص العلمي بما يكفي، أصولَ الفقه. ذلك رغم أن أصول الفقه، هو المجال النظري العَدْلي التأويلي، الذي يوجّه الفقه. ولعل من أسباب ذلك أيضًا أن أصول الفقه علم جامد من النظرة الأولى، لا يسمح بحراك كافٍ للنقد، ويبدو علمًا دينيًا، ذا قواعد استدلالية صارمة، معدومَ المدخل الفلسفي بشكل عام. وهو نقص من الباحثين بلا مراء، الذين لم يحاولوا التوصل إلى فلسفة أساسية، يقوم عليها أصول الفقه، فيما يمكن تسميته بـ “ميتا-أصول”، أو “أصول الأصول”. وهو البحث في المفاهيم والمناهج الرئيسة، التي أنتجت هذه الأصول نفسها؛ فالمنطق الأرسطي أحد هذه الأصول، وذلك في منهجية الاستدلال، والمنهج الاستقرائي أصل في السبر والتقسيم، والمقاصد أصل في الأحكام. وقد قدمت مدرسة القاهرة في الدراسات الإسلامية (حسن حنفي-نصر أبو زيد-علي مبروك) التساؤلَ عن أصول الأصول بالمعنى السابق أعلاه بعبارة أو بأخرى، ولكنها إما انطلقت من موقف أيديولوجي سابق التجهيز على نحو معلَن (حنفي)، أو افترضت فروضًا دون منهجية محددة للتحقق منها في حدود المادة العلمية المتاحة، والتي كانت ناقصة للأسف في أغلب الأحيان من زاوية أصول الفقه (أبو زيد ومبروك).[2]
العقل والجسد
يمكن تحليل العلاقة بين العقل والجسد في سياق أصول الفقه عبر دراسة مفاهيم ثلاثة: الفطرة، والعقل، والبدن. فالفطرة مفهوم أساسي في موضوعنا، يتعلق بالطبيعة البشرية بصفة عامة، ولفظه وارد بوضوح في القرآن. وتحدد علاقة العقل-الجسد تخوم كل منهما، وأثره في الآخَر، وذلك بحسب كل نظرية، من ديكارت الذي فصم بين الجوهرين، المادي، والروحي، وجعل حلقة الصلة الوحيدة بينهما هي الغدة الصنوبرية la glande pinéale،[3] إلى النظرية الحزمية Bundle theory عند هيوم، التي أوّلتْ العقل في إطار الجسد، باعتبار العقل مجموعة، أو حزمة، من الإحساسات في الأساس،[4] وذلك تمهيدًا، ووصولاً إلى نظرية الحالة المركزية في العقل Central state theory of mind، أو نظرية الهوية Identity theory of mind، التي طورها كل من U.T. Place, Herbert Feigl, and J.J.C. Smart، والتي جعلت الجهاز العصبي بما هو جزء من الجسم متطابقًا في هوية واحدة مع العقل.[5] وبذلك تحرك تاريخ فلسفة الجسد من الفصل إلى الوصل بين الجوهرين، المادي، والعقلي (أو الرُّوحي).
أ-الفطرة:
نحاول هنا تتبع مفهوم الفطرة في أصول الفقه المقاصدي، ولدى الشاطبي (ت 790 هـ) بالذات (ولكن ليس حصرً)؛ أولاً لأن أصول الفقه المقاصدي أعلى مرحلة من مراحل النسقية في أصول الفقه، بحيث يمكن تتبع مفاهيم أو نظريات مباشرة، أو شبه مباشرة، وليس محاولة استخلاصها بتأويل معين، وثانيًا لأن الشاطبي هو أعلى مراحل هذه النسقية في أصول الفقه عمومًا. هذا لا يستبعد مصادر أخرى في أصول الفقه المقاصدي، كالدبُوسي، والجويني، والغزالي، والطوفي، والعز بن عبد السلام، وابن عاشور، ومحمد تقي المدرسي، ولكنها أقل وضوحًا في التنظير من الشاطبي.
ولم يخصص الشاطبي بابًا محددًا لبحث الفطرة في موافقاته، لكنها ممكنة البحث في سياق المقاصد التابعة (التي للمكلف حظ عاجل فيها): “[إن] حكمة الحكيم الخبير حكمت أن قيام الدنيا والدين إنما يصلح ويستمر بدواعٍ من قِبل الإنسان، تحمله على اكتساب ما يحتاج إليه، هو، وغيره. فخلق له شهوة الطعام والشراب، إذا مسه الجوع أو العطش، ليحركه ذلك الباعث […] وكذلك خلق له الشهوة إلى النساء، لتحركه إلى اكتساب الأسباب الموصلة إليها، وكذلك خلق له الاستضرار بالحر والبرد والطوارق العارضة، فكان ذلك داعية إلى اكتساب اللباس والمسكن […] فأخذ [المكلف] في استعمال الأمور الموصلة إلى تلك الأغراض. ولم يجعل له قدرة على القيام بذلك وحده، لضعفه عن مقاومة هذه الأمور، فطلب التعاون بغيره، فصار يسعى في نفع نفسه واستقامة حاله بنفع غيره، فحصل الانتفاع للمجموع بالمجموع، وإن كان كل أحد إنما يسعى في نفع نفسه”.([6])
كما يمكن كذلك إضافة النص التالي لابن برهان (ت 518 هـ): “ولو قدرنا فَقْدَ هذه المراسم المرعية، والأحكام الشرعية الموضوعة لأفعال الإنسانية، لصار الناس فوضى هملاً مضاعين، لا يأتمرون لأمر آمر، ولا ينزجرون لزجر زاجر، وفي ذلك من الفساد في العباد والبلاد لا خفاء به. وقال شاعرهم وهو الأفوه الأودي: لا يصلح الناس فوضى لا سراة لهم، ولا سراة إذا جهالهم سادوا“.[7]
ويكشف تحليل النصين عما يلي:
- أن تحقيق مصلحة الجماعة –التي يستهدفها أصول الفقه المقاصدي فيما يستهدف- يتم في إطار سعي الفرد تلقائيًا نحو ما يحفظ حياته، وما يقيه الألم، وبالتالي فإنّ الاجتماع مبنيّ في الأساس على حاجات الجسد.
- أن الفطرة المقصودة عند الشاطبي وابن برهان، فطرة بيولوجية، تعتمد على مكونين: الأول هو الشهوات، والحاجات الجسمية، من مأكل ومشرب وجنس وملبس ومسكن.. إلخ، والثاني هو الأنانية في طلبها حين يقول مرتين: “في نفع نفسه”. ولكن هذه الفطرة لا تنفك عن كونها مكلَّفة، وإلا “لصار الناس فوضى هملاً مضاعين”. ما يعني أن الفطرة مكلفة؛ لأنها في حقيقتها فوضوية شهوية.
- أن المقاصد الشرعية في النهاية (كما يصل تحليل الشاطبي، وكما يمكن استنتاجه من نص ابن برهان) تعسفية؛ فالفطرة خُلقت بهذه الصفة ليقوم الدين، وتستمر الدنيا، وقد وُضِعَ “الدين” -كأصل الأصول الخمسة في مقاصد الشارع- لضمان مصالح المكلف الأساسية بحسب متطلباته الفطرية، وهو دَوْر منطقي.
إنّ توقُّف الشاطبي عند المستوى البيولوجي من الفطرة يحول دون إدراك العديد من الخصائص الفطرية للجسد والعقل، ففي رأى جون فينِس John Finnis (1940-؟) مثلاً، أحد أهم فلاسفة القانون الطبيعي المعاصرين، أنه بالإضافة إلى حقي الحياة والدين (المتوفرين لدى الشاطبي) هناك حقوق أساسية أخرى، كحق المعرفة، واللعب، والخبرة الجمالية، والاجتماع والصداقة، وقابلية التعقل العملي Practical Reasonableness. وفينِيس، حتى في وضعه للدين في هذا السياق، لا يعتبره واجبًا بل حقًا، وهو يرى هذه الأساسيات عالمية وأخلاقية، أي تحمل قيمتها في ذاتها، ولا يمكن لأحد أن يتخذها وسيلة لغاية أبعد.[8] الفارق بين الشاطبي وفينيس أن الأول –مع سواه من الأصوليين كابن برهان وابن فورَك- نظر إلى الفطرة باعتبارها الحيوي البحت، والذي لا بد من أن يكون فوضويًا؛ ما دام لا يتمتع بإمكان التنظيم الذاتي، أما فينيس فقد اعتقد أن الفطرة الإنسانية أكثر من مجموع صفاتها الحيوية؛ فهي متمتعة أصلاً برغبات وآمال غير بدنية؛ كالفضول المعرفي، والإحساس بالجمال، والتعقل، وبالتالي فهي قادرة بالقوة على الأقل على الاستقلال التشريعي، أو “التحسين والتقبيح العقليين” باصطلاح الأصوليين.
وقد وصل الشاطبي إلى هذه النتيجة؛ نظرًا لأشعريته في مجال القيم، أيْ نفيه للتحسين والتقبيح العقليين.[9] ولمزيد من البيان يمكن أن نقارن هذا الموقف بالموقف المضاد من القضية الأخيرة. مثلاً يرى الدبوسي الماتريدي الحنفي (ت 430 هـ) أن العقل الإنساني قادر بنفسه على التوصل إلى مضامين الأحكام الشرعية في عمومها، أي القيم الخلقية الأساسية. [10] وإذا كان المباح كحكم تكليفي هو الأوثق ارتباطًا بمفهوم الطبيعة البشرية، والفطرة، فإن الدبوسي يقسم مباحات العقول في الحياة الدنيا إلى أربعة:
- ما تقوم به النفس: الحياة.
- دفع التّلف، واستمرار النسل: استمرار الحياة في وجود العائل.
- التربية والتعليم: التمهيد لاستمرار الحياة في عدم وجود العائل.
- ضمان استمرار النسل بعد وفاة العائل.
وبرغم أن العقل لديه هو الذي يتوصل إلى تلك المباحات الضرورية، فإن مفهومه كذلك عن الفطرة بيولوجي، حيث تتمحور المباحات السابقة حول قيام النفس حيويًا، واستمرارها، ثم استمرار نسلها، بما فيها التعليم؛ فهو يهدف في هذه الصياغة إلى “التمهيد لاستمرار الحياة في عدم وجود العائل”.
لقد قدم الأصوليون تصورًا عن الفطرة الإنسانية باعتبارها تسعى بطبيعتها الأصيلة إلى تحقيق المصلحة الشخصية، وهو ما ينفي قدرة هذه الفطرة، أو استعدادها، للتفرقة بين المصالح المشروعة وغير المشروعة تفرقة ذاتية[11]. ولم يتوقف الأصوليون أمام مفهوم الفطرة مباشرة، وإنما ظل –فيما وراء أصولهم- مفهومًا غائمًا، غير محدد، يتبادل التأثير مع أصولهم؛ فهو مؤسِّس لها من ناحية، ومؤسَّس عليها من ناحية أخرى. وربما كان هذا هو السبب في عدم توقفهم بوضوح عند هذا المفهوم. الأكثر أهمية أن هذا المفهوم، الذي قدموه، عن الفطرة الإنسانية يلخصها في لحظة واحدة أساسية، ولا يراعي كونها تطورية ديناميكية، وأعقد مما توصلوا إليه بكثير؛ فهي تختلف من عصر إلى عصر، ومن حضارة إلى أخرى. وقد وظفوا فيما بعد هذا المفهوم الحيوي البسيط عن الفطرة في المجال الاجتماعي؛ فطبقًا له لا يستغني الفرد عن جماعته، ولا يمكن لهذه الجماعة أن تتجنب الفوضى الخُلُقية، أو تتجاوزها، بذاتها؛ بل هي في حاجة دائمة إلى موجِّه سلوكي خارجي. [12] فمنطق الشرع إذن -من هذه الوجهة من النظر- أنه نزل لإصلاح الشر الفطري البيولوجي.
وختامًا لكل ما سبق نصل إلى نتيجة مفادها أن الفطرة عند الأصوليين مفهوم حيوي، ولكنها موجهة قبل وجودها عن طريق التكليف؛ لأنها فوضوية بالخلقة. وهو ما يعني أن الجسد بطبيعته ممتد بين البيولوجيا، والتكليف. بالرغم من ذلك فإننا نلاحظ كيف قامت هذه العلاقة على دور منطقي: فإن كلاً من الفطرة والتكليف بحسب الأصوليين مِن أفعال الله وخَلقه، فما الداعي لأن ينزل الله الشرع كتهذيب للفطرة، التي خلقها هو؟ لماذا لم يخلقها مهذبة؟ ومن جهة أخرى: ما طبيعة العلاقة بين الفطرة والتكليف بما هو تكليف؟ بعبارة أخرى: ما شأن من أملت عليه فطرته عصيان التكليف كتكليف، أو أدى به نظره إلى معتقَد مختلف؟ وهي التناقضات النظرية، التي تنتهي إليها محاولة تأصيل الأصول جذريًا مع إبطال دور العقل البشري في فهم القيَم الخلقية، أو من دون الاعتداد بقيَم خلقية أولية، وسابقة على التشريع في الوجود في قضية (حكم الأشياء قبل ورود الشرع) المعروفة في أصول الفقه، والتي تمثل حلقة الصلة الأساسية بين علمي أصول الفقه وأصول الدين.
ب-العقل:
العقل عند الأصوليين عمومًا مفهوم فيسيولوجي، لا إبستمولوجي، فهو أساسًا شرط من شروط التكليف. وهو صفة تميز العاقل عن المجنون، الذى لا تكليف عليه، وبالتالي حين ينزل الشرع لحفظ العقل، فإنه لا يعنى العقل كما نفهمه كقوة عارفة ناقدة، ولكنه يعني بالحفظ حفظ حالة التنبه والوعى الفيزيولوجية، ولهذا جاء أصل العقل أساسًا لحدّ الخمر.[13] وأحيانًا يستخدم (التعقل) في أصول الفقه باعتبار الحد الأدنى من الفهم، على أساس أن الشريعة أمية، ولا بد أن تأتى تكاليفها مما يسع الأميّ تعقله، أيْ: “وضْع الشريعة للأفهام” عند الشاطبي. والمقصود هنا هو الفهم اللغوي لنصّ الشرع، لا الفهم العِلّى (المنطقي) لنسق التشريع كنسق.[14] والعقل عند الشاطبي لا يحسّن ولا يقبح؛ فالواجبات والتروك أمامه سواء، ويأتي الشرع للبت فيها. [15]
وفي نظرية المقاصد الشاطبية يحتل (أصل العقل) موضع أحد الأصول الخمسة، أو الكليات الخمس، التي تمثّل غايات الشريعة الأساسية. لكن مفهوم العقل عند الأصوليين هو الذي يحدد حقيقة هذا الأصل. فالعقل عندهم هو حالة التنبّه واليقظة، أو بعض العلوم الضرورية.[16] وبهذا يكون العقل حالة فيسيولوجية، أو (محتوى) معرفيًا معينًا، وليس ثقافة، أو منهجًا صوريًا.[17] وما يعيب العقل في اعتبار الأصوليينَ أنه نسبى كمًا وكيفًا.[18] ولذلك يصير مصدرُ القيم الوحيد لديهم هو النص.
جـ-البدن:
وهو قد يترادف في استعمالنا مع مفردات مختلفة كالجسم، والجسد، ولكن “البدن” هو الأدق للدلالة على الجسد الإنساني تحديدًا، كما سيلي. وبدايةً فالـ “جسم” اسم عامّ، يشمل البدن، والجسد. وفي مستصفى الغزالي: “فإنه لو سئل عن حد الحيوان، فقيل جسم حساس”،[19] و” فمن يحد النبات يلزمه أن يقول جسم نامٍ”.[20] فالجسم إذن لفظ عام، يشمل الحساس وغير الحساس، وإذا خصص للحساس، وجبَ حدُّه بهذا الوصف. ويقول: “كل جسم مؤلف، وكل مؤلف حادث، فلزم أن كل جسم حادث”.[21] فالجسم هو المؤلَّف من أبعاض. وهو حادث بالضرورة في طبيعيات الأشاعرة. والله لا يمكن أن يكون له جسم: “الباري تعالى ليس بجسم؛ لأن الباري غير مؤلف. وكل جسم مؤلف، فالباري تعالى إذن ليس بجسم”.[22]
أما “الجسد” فهو الجسم الحيّ غالبًا، حقيقةً أو مجازًا. وقد ورد لفظ “جسد” في القرآن في أربعة مواضع:
- سورة الأنبياء: الآية 8: “وَمَا جَعَلْنَاهُمْ جَسَدًا لا يأكلون الطعام وما كانوا خَالِدِين”.
- سورة ص: الآية 34: “وألقينا على كرسيه جسدًا ثمّ أناب”.
- سورة الأعراف: الآية 148: “وَاتَّخَذَ قَوْمُ مُوسَى مِنْ بَعْدِهِ مِنْ حُلِيِّهِمْ عِجْلاً جَسَدًا لَهُ خُوَارٌ”.
- سورة طه: الآية 20: “فَأَخْرَجَ لَهُمْ عِجْلاً جَسَدًا لَهُ خُوَارٌ”.
فالجسد في هذه المواضع إما جسم حيّ، ينطبق على الإنسان، وغيره، وإما صورة غير حية لجسمٍ حي. وفي القرآن، سورة يونس: الآية 92: “فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ”. فالبدن مخصوص للإنسان. وفي اللغة: “بَدَنَ” كفعل يعني ضَخُمَ جسمه، ومنها البدانة أي السمنة والجسامة. والضخامة معيقة للحركة، ومستنزفة للجهد. يقول الغزالي: “وتجشم القلب بالفكر لا يتقاعد عن تجشم البدن بالعبادات“.[23] فالجسد هنا تَحَدٍّ أمام الإنسان، وحاجز عن إدراك كينونته كمكلَّف.
وعند الشاطبي: “المقصود بالشرع: تقدم أن المقصود الشرعي في التشريع إخراج المكلف عن داعية هواه حتى يكون عبدًا لله وهذا كافٍ هنا”.[24] ويقول: “وأما سائر الأقسام – وإن كان ظاهرها الدخول تحت خيرة المكلف – فإنما دخلت بإدخال الشارع لها تحت اختياره، فهي راجعة إلى إخراجها عن اختياره. ألا ترى أن المباح قد يكون له فيه اختيار وغرض وقد لا يكون؟”[25] فالأصل في التكليف عنده أن يسلك المكلَّف ضد هواه الشخصي، وهواه شهوات الجسد، أو راحته. لذلك فإن الشاطبي يختم الوضع الرباعي للشريعة بوضعها للامتثال، وذلك بعد وضعها ابتداءً، ووضعها للأفهام، ووضعها للتكليف.[26] والامتثال فعل الجسد ضد الجسد. وبهذا يكون التكليف، في جانب كبير منه كالصلاة والصوم والحج، محاولة لهزيمة طغيان الجسد بأفعال الجسد. ويبدو الجسد في الأصول مفهومًا سلبيًا، فهو حاجز، لا مَجاز، أي ليس مجالاً للتجاوُز، والتعالي.
وختامًا يمكن بلورة العلاقة الشبكية بين المفاهيم، التي حللنا من خلالها علاقة العقل-الجسد بناءً على ما سبق. فالفطرة بطبيعتها لا أخلاقية، غير خيرة ولا شريرة، لكنها ستميل على المدى الأبعد والنطاق الأوسع للمجتمع ككل نحو التنازع، والأنانية. والعقل مفهوم فيسيولوجي كوظيفة لا كجوهر، ولا كمنهج، فهو حالة الانتباه، حالة الفهم، ما يناسب شروط التكليف، لكنه ما لا يكفي لتنظيم الشهوات، ولا لكفّ النفس عن الأنانية الأصيلة. والبدن مصدر الشهوات، والآلام، وهو ما يتعلّق به التكليف في الغالب على نحو مباشر أو غير مباشر.
إن الجسد الإنساني في أصول الفقه هو في الأغلب: مادة عاقلة، لكنها مستجيبة بفطرتها للشهوات، ويجب حوكمتها بتشريع خارج عنها؛ نظرًا لأن تعقّلها ذاك أقرب لوظيفة الانتباه. ولا يمكن لهذا التعقل حوكمة نفسه بنفسه. وقد كان مفهوم العقل هو المحدد الأساسي لهذا التعريف للجسد في الأصول؛ فهو غير قادر بذاته على تمييز الخير من الشر، بينما هو قادر على فهم التوجيهات الخارجية. وهو ما يتضح بمقارنة إحصائية بين عدد مُثبِتي التحسين والتقبيح العقليين، وبين عدد مبطليه.[27] ومن الصحيح أن الفارق الكمي بين المثبِتين، والمبطلين لهذا المبدأ لا يربو إلا بقليل على الخمسين بالمئة، ولكن الفارق الكيفي أكبر بقدر معتبَر؛ وذلك لسيادة الاتجاهات الأصولية المبطلة مقارنةً بالمثبِتة تاريخيًا وإلى اليوم. وهو ما يعني، وما يمكن تلخيصه في، أنّ العقل الإنساني -في غالبية آراء الأصوليين السائدة- يفهم التشريع، لكنه لا يضيف بنفسه إلى ما يفهمه من التشريع شيئًا. وعلى هذا النحو يمكن صياغة مفهوم الجسد العاقل، أو العقل المتجسِّد كمفهوم مركب عند الأصوليين من مفهومهم عن كل من العقل والجسد.
العقل المتجسِّد
تؤسس النصوص الأصولية استراتيجية معينة تجاه الجسد، وذلك من خلال “الأحكام”، التي تفترض مسبقًا قيَمًا معينة. ومِن الأحكام يَستنبط الشاطبي المقاصد أساسًا.[28] وأحكام الجسد –الأساسية- في الإسلام: العبادات، والجنايات؛ فالعادات، والمعاملات سلوك تلقائي، تحاول الشريعة ضبطه، لا فرضه من جهة الوضع باصطلاح فلسفة القانون، بعكس العبادات والجنايات. “فأصول العبادات راجعة إلى حفظ الدين من جانب الوجود، كالإيمان والنطق بالشهادتين والصلاة والزكاة والصيام والحج وما أشبه ذلك. والعادات راجعة إلى حفظ النفس والعقل من جانب الوجود أيضًا، كتناول المأكولات والمشروبات والملبوسات والمسكونات وما أشبه ذلك. والمعاملات راجعة إلى حفظ النسل والمال من جانب الوجود وإلى حفظ النفس والعقل أيضًا، لكن بواسطة العادات. والجنايات، ويجمعها الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ترجع إلى حفظ الجميع من جانب العدم”.[29]
فالعبادات وَضع معين للجسد، تمكينه من وضع إلى وضع، ووضعه من مكان إلى مكان. والجنايات كَفّه عن التمكّن أو التموضع؛ لعلةٍ راجعة إلى التجاوز فيهما. والعبادات إعادة تشكيل للجسد، وذلك باعتبار حركته وإحساسه جزءًا منه. لذلك يتوسع مفهوم الجسد في العبادات والجنايات ليشمل الجسد الممتد فِعلاً، وإحساسًا. حركات الصلاة تشكيل للجسد بالفعل، وغض البصر قطع لامتداده في الحاسّة. وحق الجسد القيمي هو قيمة الجسد. فالجسد تحقيق للقيمة، ووسيلةُ القيمةِ بذاتها قيمةٌ بغيرها؛ كما أنّ المالَ قيمةٌ بما يبتاعه. ولأن الجسد وسيلة إقامة العبادة، فهو قيمة لله، كما أنه قيمة للإنسان.
الجسد هو الجسد العارِف، والجسد المعروف، والجسد المُعَرِّف. ولأن الحواس امتداد للجسد، فلا يمكن فصل العقل عن الجسد في الأصول فصلًا تامًا. العقل في الأصول فيسيولوجيا، والفطرة بيولوجيا، ولا يمكن فصلهما؛ لأن الأُولَى فِعل للثانية بالبداهة. ونظرية العقل-الجسد في الأصول أقرب إلى “نظرية الهوية في العقل”، من حيث وحدة العقل والجسد، والفارق هو أن “نظرية الهوية في العقل” تعتبر العقل صراحةً وظيفة للجهاز العصبي المركزي تحديدًا، أما في الأصول فإن مصدر الملكة العاقلة في الإنسان غير محدد إلى هذه الدرجة، ولكن علاقة العقل بالجسد قائمة، ودائمة.
وعلى المستوى المعرفي يرتبط مفهوم الجسد بما هو عاقل بقضية تعليل الأحكام. الجسد يعرَف في الحركة والفعل. والأحكام، المعللة، والتعسفية، هي في مجموعها تعريف للجسد. ومن خلال شبكة أحكام التكليف: الفرض، والمباح، والمندوب، والمكروه، والحرام، يتشكل الجسد كتصور في الوعي، وكذلك في منظومة أحكام الوضع: السبب، والشرط، والمانع، والعزيمة والرخصة، والصحة والبطلان. وكل حكم من هذه الأحكام، التكليفية، والوضعية، يرسم الجسد بالاشتراك مع سواه. الفرض دَفْعٌ للجسد بحركة ضرورية، كأنه قوة قاهرة، تؤثر على مادة قاصرة. والحرام تقييد للجسد بقيود غير مرئية، أو قَطع/غَضّ لجزء منه، هو الحاسّة. والمندوب والمكروه مساحة حرة مُسوَّرة بسياج، لا يخرج عنه الجسد. والمباح بالشرع إطلاق للجسد في لحظة معينة. والمباح الطبيعي سَلْب للقيد، إلغاء له، أو عدمه. ومن الاستقراء المَسْحِي غلبتْ الإباحة بالشرع.[30]
وأحكام الوضع تَعرُّفٌ للجسد العاقل على بيئته، وتَلَمُّسٌ لعالَمه النفسي، والاجتماعي، والطبيعي. السبب، والشرط، والمانع ربطٌ له بالسببية: إيجابًا، وحَدًّا، وسلبًا، على الترتيب. والعزيمة والرخصة تعريف له بحدوده وممكناته. والصحة والبطلان تقييم نظري نهائي لوضعه، وحركته، من حيث مدى سلامة الأداء. والجسد حقيقة من جهة كونه محسوسًا، ومن وجه أنه مؤثِّر في العالم. وأحكام التكليف دليل على تأثيره، وأحكام الوضع برهان على إحساسه وتعقله.
ولأن أغلب العبادات في الإسلام بدنية على نحو مباشر، كالصلاة، والصيام، والحج، فإن الفصل بين العقل والجسد، أو بعبارة أخرى اعتبار العقل جوهرًا مستقلاً ككيان مختلف في طبيعته عن الجسد، كما اعتقد ديكارت مثلاً، أمر مستبعَد، وخاصةً أن القرآن قد تحدث بوضوح عن العقوبات الجسدية في الآخرة، بل إن من قضايا التكفير الثلاث الأساسية عند الغزالي في “تهافت الفلاسفة” كما هو معروف قضية البعث النفساني دون الجسماني، أي اعتقاد بعض الفلاسفة في أن البعث الأخروي هو للأرواح لا للأجساد. وبالتالي تكوّن التصور القائل بأنه ربما لا يوجد الإنسان أصلاً، إذا صار بلا جسد.
إن الجسد بهذا الاعتبار هو هوية الإنسان الأُولَى؛ فهو دال على البشرية؛ لأننا من الجسد نعرِف الإنسان بأنه إنسان، كما نعرِف الكائنات الحية وغير الحية بأجسامها. وفعل الجسد، وحاسّته، هما امتداده في العالَم، وهما بالتالي مجال التعرّف إلى العالَم، وإلى الذات. ونظرًا لعدم الفصل بين الجسد والعقل في الأصول، فإن الإنسان لا يوجد في الجسد، بل بالجسد. وبالتالي فإن حدود الجسد، وحواسه، هي الفيصل بين الذات والموضوع. هذا الوضع أو الظهور يفصل بين ذات، وموضوع، كلما وُلد إنسان، ووعَى شيئًا أو شخصًا، وهو التمييز الأنطولوجي-الخُلُقي بين الذات والموضوع، وهو أساس التمييز بين الحق والواجب؛ فبدون التمييز الأول لا يمكن بالبداهة افتراض واجبات على الذات تجاه “موضوع” ما، أو واجبات على الموضوع تجاه الذات.
ختام نظري: الإسلام بين المادية والمثالية
في الختام نستطيع مبدئيًا إعادة فهم علاقة العقل بالجسد عند الفقهاء والأصوليين في ضوء دراسة النصوص الأصولية ذات العلاقة، والتي قدمت تنظيرًا للجسد، والعقل عند الإنسان. يمكننا القول إن الجسد قد احتل موضعًا مركزيًا في الأهمية من جهة التشريع في الفقه الإسلامي، بينما لا نجد على الإطلاق أهمية قابلة للمقارنة لما يمكن التعبير عنه بالتشريع للروح، أو أحكام النفْس، أو أحكام العقل. الجانب الوحيد، الذي اهتم الأصوليون بتنظيره، وهو فعل للنفس والعقل، هو “النية”، وهي التي تحتل كل باب “مقاصد المكلَّف” عند الشاطبي. والمقصود بالنية نية المكلَّف لامتثاله لأمر الشارع، كنية المصلّي للصلاة، والصائم للصيام. ومع ذلك لم يتم تفصيل هذا الجانب، جانب النية، في سياق أشمل يستوعب الظواهر النفسية، أو الروحية.
ومن أهم أسباب ذلك ظاهرة شاملة لأغلب اتجاهات أصول الفقه، يمكننا أن نطلق عليها “ظاهرة العداء ضد المعتزلة”. وتتمثل في أن الاتجاهات الغالبة في أصول الفقه تقوم أصلاً على نفي أهم مقدمات نظرية المعتزلة في القيمة: قدرة العقل الإنساني على التمييز بين الخير والشر اعتمادًا على ذاته. وقد أشرنا أعلاه إلى أشعرية الشاطبي كمثال، والغزالي أحد أهم أعلام الأشعرية. وقدرنا في مواضع سابقة على هذه المقالة سبب ذلك: أن السلطات الحاكمة، المتعاقبة، في الإسلام وجدت صعوبة في حوكمة رعاياها متنوعي الديانة عن طريق نظرية المعتزلة في الأخلاق، التي يترتب عليها قابلية غير المسلم للتفوق الخُلُقي على المسلم من ناحية المبدأ، كما أنها تنزع من الفقهاء بعضًا من سلطانهم المعرفي على العقول؛ بسبب إقرارها بأن الناس متساوون في قدرتهم على تعقّل القيَم.
ولكن ما يلفت الانتباه حقًا في المجال الأيديولوجي والسياسي هو اعتقاد الأصوليين في مبدأ ليبرالي أصيل، هو أن النفع العام يتحقق أصلاً كظُهور Emergence،[31] أي من خلال النتيجة النهائية لمجموع أفعال المتنافسين التلقائية، والذين يستهدفون أصلاً مصالحهم الشخصية الفردية. وهذا لم يكن مجرد تأمل حر، بل هو الأساس، الذي بنوا عليه مقاصد الشريعة؛ فالشريعة عند الشاطبي، وابن برهان، كما سبق ذكره، مثلاً هي المنظِّم الضروري لضمان عدم تحول ذلك التنافس إلى حرب. ومن البدهي أن ذلك المبدأ لا يستوعب الهيكل الكامل للفلسفة الليبرالية، ولا ينتهي بالضرورة إلى نتائجها بصدد السياسة، والاقتصاد، ولكنه يؤدي إلى إمكانية التفاهم المبدئي بين تصورات المسلمين عمومًا، والفقهاء خصوصًا، من أغلب المذاهب، وبين الفكر الليبرالي، والأيديولوجيات الليبرالية. ربما يتضح هذا حين نستنبط أنه، وطبقًا لمبدأ النفع العام سابق الذكر عند الأصوليين، ليس من الضروري إنجاز نوع من التخطيط المركزي، وأن الشريعة كافية للحد من التطرف في طلب النفع الشخصي. وهذا في حد ذاته لا يكفي بطبيعة الحال لتصنيف الشاطبي مثلاً في إطار الليبرالية، لكنه قد يكفي لتحقيق تحالف بين الفقهاء والليبراليين في مواجهة الاتجاهات اليسارية، المعتمدة على مبدأ أن النفع العام لا يستمر على المدى البعيد، إذا اعتمد على التنافس. وصحيح أن التضامن الاجتماعي فضيلة في الإسلام، ولكنه فضيلة عمومًا في أغلب الأديان والأيديولوجيات على نحو أو آخَر.
ولأن علم أصول الفقه الإسلامي قد تجمَّد في أغلبه، ومن جهة مبادئه الأساسية، منذ القرن الثامن الهجري، قرن ابن خلدون والشاطبي، فإن النظرية السارية فيه إلى اليوم هي النظرية المعادية للمعتزلة، والقائمة على كون الإنسان كائنًا أنانيًا بالفطرة، بحيث يتطلب التنظيم الاجتماعي بالضرورة آمِرًا مطلقًا لا تنطبق عليه شروطنا الطبيعية، لا يمكن مساءلته، ولا فهم حكمته بعيدة المدى، هو الله نفسه. وهذا فيما نرى هو السبب في أن غالبية الاتجاهات الإسلامية، بمعنى اتجاهات الإسلام السياسي، كانت أقرب إلى التصور الليبرالي في شكل الاقتصاد التنافسي، وأصل الاجتماع النفعي، وإن تناقضت معه في جانب الحريات الشخصية، والسياسية. وربما لا نجد سوى اليسار الإسلامي معبّرًا عن العلاقة المعاكسة، علاقة الإسلام بالاشتراكية، ولكنه صوت منفرد على كل حال.
ولم يكن التناقض بين الإسلام والاتجاهات الماركسية نتيجة لمادية تلك الاتجاهات، التي تغفل الحاجة الروحية؛ فلا إنسان بلا جسد عند الأصوليين، بل ترجع أسبابه –بالإضافة إلى الأسباب التاريخية والسياسية العارضة وعداء الدين بما هو دين عند الماركسيين- إلى الاختلاف الجذري في النموذج الاقتصادي والاجتماعي الراجع إلى اختلاف أعمق في رؤية العالَم ودور الإنسان فيه. يمكن فهم هذا التناقض الأخير بين الإسلام واليسار بشكل عام بما هو تناقُض أساسي بين المحافظة والتقدمية على الترتيب، وبينما يمكن تصنيف الليبرالية والإسلام على نحو مقنِع ضمن النزعة المحافظة، التي تعتقد في وجود مبادئ عامة حاكمة لسلوك البشر، وغير مشروطة من جهة وجودها وسيادتها برؤيتهم للمستقبل وللتاريخ، فإن اليسار، حتى المعتدل منه، يقوم على أساس أننا نحن البشر الذين صنعوا هذا الوضع، الذي نصفه بكونه “طبيعيًا”، إما باستحداثه، أو بالإبقاء عليه، وأن ما هو مستمر في العالَم حقًا هو التغيّر. وبناء عليه لا يمكن وصف الإسلام السياسي عمومًا بالثورية، إذا كنا نعني بها نقيض المحافظة، أي التقدمية. الإسلام الثوري الوحيد –كما يرى كذلك أشهر فلاسفة العالم اليوم سلافوي جيجك- هو اليسار الإسلامي.
ختام تاريخي: الإسلاميون بين اليسار واليمين
تبقى الفاعلية المعرفية الصرفة لأي نظرية أو مفهوم عاملاً مِن عدة عوامل للتغيّر الاجتماعي، من دون ادّعاء قدرة أيها على التفسير الكامل، وذلك بسبب جدل النظرية والممارسة. في الحالة المصرية مثلاً يمكن ملاحظة أن الاتجاهات اليسارية المختلفة، وخاصة المتطرفة منها، هي التي تعرضت لأقصى درجات الاستبعاد، والملاحقة، والمراقبة، حتى في العهد الليبرالي (بتوصية من الإنجليز) قبل تحولات يوليو 1952، وإلغاء الأحزاب 1953. وحتى بعد وصول قوة علمانية ذات انحياز للكتلة الشرقية إلى السلطة، وخاصة بعد تأميم القناة والعدوان الثلاثي 1956، فقد بدأ التنكيل باليسار قبل اليمين العلماني أو الديني. وحين تم العفو عن اليساريين في الستينيات، فإنه لم يُطرَح أصلاً كمجرد فكرة إلا بناء على تفاهم معين يضمن استثمارهم في دعم النظام الحاكم للقيام بعملية تعبئة جماهيرية، ولا يمنحهم سوى الخروج من السجن دون مكاسب سياسية، أو ضمانات بألا يتكرر دخولهم إياه.
ونظرًا لأن اليساريين كانوا الأطول عمرًا في المعتقلات، والأقل حظًا في العمل السياسي العلني، فإن مدى نفوذهم المحدود على مستوى القواعد الجماهيرية لم يكن ليُغري الإسلاميين كثيرًا بالتعان معهم. ونظرًا كذلك لنفوذ الاستعمار الأوروبي، الذي حمل معه قيَم الليبرالية لترسيخ أركان نظام حكم متوازن ومخلخَل في آنٍ، لا يسمح للملك بأن يحتكر الزراعة والصناعة كمحمد علي، أو أن يبدأ مشروعًا استعماريًا منافِسًا في إفريقيا كما حاول الخيديو إسماعيل، أو يتيح الفرصة للملك أو غيره للعمل على مشروع إعادة الخلافة الإسلامية أو ثورة اشتراكية. كان النظام الملكي الدستوري (المنتقص مع ذلك)، والديمقراطية النخبوية الجزئية، ما نطلق عليه “مصر لليبرالية”، أو العهد الليبرالي، هو الأكثر مناسبة لقوة استعمار غير استيطاني، كالاستعمار الإنجليزي في مصر، الذي اكتفَى بالسيطرة على موارد محددة، كقناة السويس، وقيادات الأجهزة الأمنية، وضباط الجيش، مع ترك مساحة حرة فيما دون ذلك للتعبير، والتفكير، الذي لا يصل إلى مستوى القواعد الشعبية لملايين الفلاحين في الريف، والذي هو بالتالي، وجوهريًا، مجرد حركة في المكان، لا تؤدي إلى هدف حقيقي. وهو ما كان يضمن لبريطانيا التدخل في السياسة المصرية وقت الضرورة في هذه البنية ذات النفاذيّة العالية (قابليتها للاختراق). هذه السياسة الإسفنجية لاءمت تصورات الاحتلال البريطاني من جهة، كما ناسبت طموحات السياسيين المصريين كمكاسب مرحلية. وهي لعبة خطرة في كل الأحوال، لكنها أقل خطرًا من السماح للملك بأن يستفحل نفوذه، وخاصة أن تمرد الأسرة العلوية ذو سوابق مقلقة، أو السماح بديمقراطية كاملة حقيقية، أو باتجاه يساري معتدل أو متطرف، يمكنه –إذا تركنا باب السجن مفتوحًا- أن يثبت قدميه في الريف الفقير، والحي الشعبي، الحيز الذي يضمّ غالبية الشعب. والتجارب الثورية الاشتراكية قديمة نسبيًا في أوروبا، قبل الثورة الروسية بعقود طويلة، وماثلة في الثورة الروسية نفسها، التي وصل فيها الماركسيون للسلطة في بلد زراعي، يصعب وصفه بالحداثة.
إقرأ أيضاً: العقل العربي بين الأخلاقي والديني عند الجابري
ولهذا كانت الولايات المتحدة نفسها تضغط على بريطانيا لتفعيل الإصلاح الزراعي في مصر؛ لأن الظروف المتطرفة هي التي يمكن توقع نتائجها على نحو مُجْدٍ سياسيًا. في الظروف المتطرفة تقل الاختيارات أمام كل فرد، ويميل الناس للسير في الطريق المزدحم، ولو من دون معرفة نهايته. وقد أدت الظروف المتطرفة في روسيا إبان الحرب العظمَى، وفي ألمانيا والإمبراطورية العثمانية بعد هزيمتهما في الحرب نفسها، وخلال مدة وجيزة، إلى تحولات سياسية، واجتماعية عميقة وغير متوقعة وذات رد فعل عالمي. وكان الخوف الأساسي هو أن يستغل أحد الوجوه الجديدة نسبيًا، ممن لا يحسبون عادةً على القوى السياسية التقليدية في مصر الليبرالية، تطرف الأوضاع الاجتماعية ليصعد إلى السلطة بدعم شعبي من الريف والمدن معلنًا الجمهورية، أو التحييد الكامل لدور الملك على الأقل، ثم ينفرد بالحكم والقوة، معتمدًا على المبدأ السابق الخاص بإمكانية التنبؤ بحركة المجتمع في الحالات المتطرفة، مما يتيح له أن يسبق خصومه ولو بخطوة واحدة لبعض الوقت. وقد وقع هذا فعلاً، ولكن من خلال الجيش، لا السياسة المدنية، وصعد في 1952 إلى السلطة صوت زعامي، سبب صداعًا للقوى الأوروبية التقليدية، وللقوى العالمية الشابّة: الولايات المتحدة، والاتحاد السوفييتي، حتى مع الاختلاف الكبير في تقدير دوره كمًا وكيفًا. ولكنْ لا يوجد خلاف في تقدير دور مصر الإقليمي؛ بحيث يسهل جدًا تصدير ثورة شعبية اشتراكية، إذا وقعتْ، وقد صدّق التاريخ -بما هو مُختَبَر الفلسفة- على هذه الفرضية، حيث انتشرت حركات الضباط الأحرار شرقًا وغربًا على مستوى الشرق الأوسط. كل هذه المخاوف، التي اتضح بالفعل فيما بعد مدى جديتها، كان لها أن تصير كابوسًا، إذا تزعم الحراكَ الاجتماعي في الظرف التاريخي المتطرف تنظيم تقدمي.
يقبع الخوف من الحركات التقدمية عمومًا في موضع بعيد الغور في قلب القوى الليبرالية؛ لأن التقدمي لا يحتفظ بقداسة أو شبه قداسة لأي من عناصر الوضع الاجتماعي السابق، ويتحدد موقفه منه بناء على عاملين رئيسَيْن: الأيديولوجيا التي يعتنقها من جهة المبدأ، والاختيارات البراجماتية، التي يعززها الظرف التاريخي. ولهذا يصل إلى أبعد مدى ممكن في الثورية سواءً في حركة وصوله إلى السلطة، أو هندسته الكلية للمجتمع بعد بلوغه إياها، بما يعوق إمكانية التفاهم معه على أساس مثل عليا سياسية مشتركة، أو التنبؤ بردود أفعاله هو. وبالإضافة إلى ذلك فإن التحالف على نطاق واسع بين قوة اشتراكية مدعومة شعبيًا في مصر، تحتكر لنفسها السلطات، وبين الاتحاد السوفييتي هو مجرد مسألة وقت بديل عن الزمن البريطاني الإمبراطوري الضائع. ولهذا كله ظَل اليسار المصري فاعلاً تحت الأرض بين الموت والحياة، كالمعذَّب في القبر.
وربما كان هذا تحديدًا من أسباب اقتصار الإسلام الثوري على اليسار الإسلامي، وضعف التفاهمات عمومًا بين اليسار الماركسي خصوصًا من جهة، وبين الإسلاميين من جهة أخرى، إضافة إلى ملاءمة المناخ الديمقراطي غير الكامل، النفّاذ، للإسلاميين، وخاصة مع تطوير الأجنحة العسكرية للأحزاب، كحزب مصر الفتاة، ثم الوفد، وغيرهما، بما ينزع الشرعية عن النظام ككل بما هو ديمقراطي، وينسف شعبيته عند الجمهور المسيَّس، فتنضج الثمرة المتحللة، التي كان يمكن لها أن تقع في يد الإخوان المسلمين بناء على تحقق شرطين في النظام الديمقراطي المنتقص والمهدَّد والمهزوم: شرط القدر الكافي من حرية العمل السياسي والتنظيمي، التي تضمنها الديمقراطية، وشرط فشل تلك الديمقراطية في مواجهة تحديات الأمن القومي. ولذلك فإن الإسلاميّ الذكيّ هو الذي سيؤيد الديمقراطية مبدئيًا، وربما سيكافح من أجلها كذلك؛ لأنه من خلالها يستطيع العمل بأمان لأطول وقت ممكن في مرحلة صعوده إلى السلطة، المرحلة التي سيكون فيها في أضعف حالاته. أما في حالة وصول اليسار إلى السلطة، حتى لو كان يسارًا ديمقراطيًا معتدلاً، فسوف تضيق مساحة حركة ذلك الإسلامي الذكي على نحو درامي، بل ستضيق كذلك قنوات تمويله مع الرقابة على الثروات، ومصادر الكسب، والتبرعات، وحركة الأموال عمومًا داخل حدود الدولة، وعَبْرها.
وهي استراتيجية متوقَّعة، أو مِن المفروض أن تكون كذلك من وجهة نظر السياسيين من الاتجاهات الديمقراطية من اليمين واليسار. طبيعي أن يحاول الإسلاميون استغلال الموقف، كما استغلته بنجاح الحركات الفاشية في إيطاليا، ثم ألمانيا فيما بين الحربين. وحين طال قليلاً أمد الديمقراطية الإسفنجية المصرية صعد الضباط الأحرار إلى السلطة، وفازوا بلقب أول حاكم مصري لمصر منذ آخر أسر الفراعنة، ولقب أول حاكم لمصر يوجّه خطابه مباشرة إلى المصريين، بدلاً من توجيهه إلى ملِك أو مستعمِر. وكان الحل الوحيد لتلافِي هذه النتيجة، التي كانت مأساوية بما ترتب عليها من هزائم اقتصادية، وعسكرية، وأخلاقية، هو اتحاد اليمين واليسار الديمقراطيَّيْن بما يحول دون دفن اليسار حيًا تحت أرض السياسة من جهة، ويمنح الديمقراطية عمومًا، كمبدأ ونظام حكم، القواعد الشعبية المطلوبة لتصير مكسبًا حقيقيًا للفلاحين المنسيين (بتعبير أحمد بن إياس) يصعب أن يتخلوا عنه من جهة أخرى. وهو الحل الوحيد البديل عن الاختيارين الأكثر خطورة وكآبة: تحالف أحد الطرفين مع الإسلاميين، أو مع الضباط الأحرار. في كلا الاختيارين الكئيبين لن يستمر ذلك التحالف طويلاً، وسيكون بالبداهة في صالح الطرف الأقوَى ما استمرّ، ذلك الطرف، الذي لا بد أنه يضحك كثيرًا، حين يتذكر كيف أن فريقًا من المطالبين بالديمقراطية قد استعان به هو تحديدًا، استعان بالإسلاميين أو الضباط الأحرار، لإصلاح الديمقراطية!
المراجع والمصادر:
[1] انظر مثالاً: سامح الرياحي: الجسد في ثقافة الإسلام بين الفقه والبيان، مؤسسة مؤمنون بلا حدود، مارس 2016، حيث لم يضمن الباحث مصادر في أصول الفقه سوى موافقات الشاطبي (ص 5)، ورسالة الشافعي (ص 18)، ولم يوضح علاقة الفقه بالمراقبة والضبط؛ وإنما أشار إليها أكثر من مرة في ثنايا البحث، كأنها بداهة (ص 2، 7-8، 20).
[2] للباحث عدة دراسات ومقالات في نقد منهجية مدرسة القاهرة للدراسات الإسلامية: انظر: الصياد، كريم: منهج الحفر الأيديولوجي عند نصر أبو زيد، مؤسسة مؤمنون بلا حدود، 2017، و”المنهجية الافتراضية عند علي مبروك” بجريدة القاهرة 20-3-2017، و “نصر أبو زيد مشروع لم يكتمل-قراءة في (مفهوم النص)”، مجلة أدب ونقد، يوليو 2018. وتعبير “مدرسة القاهرة للدراسات الإسلامية” من صياغة الباحث في الدراسات والمقالات سابقة الذكر في هذا الهامش.
[3] Descartes, René, (1996), Les Passions De L’âme“, GF Flammarion, Paris, pp. 17-18.
[4] Hume, D., (1978), A treatise of Human Nature, London, p. 2.
[5] Armstrong, D. M., (1963), Materialist Theory of Mind, Routledge, p. 11.
[6]– أبو إسحاق الشاطبي: الموافقات في أصول الشريعة، مج1، كتاب المقاصد، (دار الكتب العلمية، بيروت، ط1، 1991م)، ص 136، 137.
[7] أبو الفتح أحمد بن علي بن برهان البغدادي: الوصول إلى الأصول، تحقيق: عبد الحميد علي أبو زنيد (مكتبة المعارف، الرياض، المملكة العربية السعودية، 1404هـ/1984م)،، 1/47-48. وانظر كذلك: أبو بكر محمد بن الحسن الأصبهاني ابن فورَك: الحدود في الأصول (الحدود والمواضعات)، قراه وقدم له وعلق عليه: محمد السليماني (دار الغرب الإسلامي، بيروت، لبنان، ط1، 1999م)، ص 35-36.
[8] Raymond Wacks, Philosophy of law, Oxford University press, New York, 1st Ed., 2006, p. 14.
[9] أبو إسحاق الشاطبي: الموافقات في أصول الشريعة، مج1، كتاب المقاصد، سبق ذكره، ص 253، كذلك: ص 283-286.
[10] -“موجِبات العقول لا يرد الشرع بخلافها، لأن الشرع والعقل حجتان من الله على عباده” أبو زيد عبيد الله بن عمر بن عيسى الدبوسي الحنفي: تقويم الأدلة في أصول الفقه، قدم له وحققه الشيخ: خليل محيي الدين الميس (دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، ط1، 2001م)، ، ص 458.
[11] -أبو إسحاق الشاطبي، الموافقات في أصول الشريعة، سبق ذكره، مج1، القسم الثالث: المقاصد، ص 136-137. -كذلك: أبو الفتح أحمد بن علي بن برهان البغدادي: الوصول إلى الأصول، سبق ذكره، 1/47-48. وانظر كذلك: ابن فورك: كتاب الحدود في الأصول، سبق ذكره، ص 35-36.
[12] أبو الفتح أحمد بن علي بن برهان البغدادي: الوصول إلى الأصول، سبق ذكره، 1/47-48.
[13] الشاطبي، سبق ذكره، ص 8، “والحدّ – للعقل”.
[14] السابق، ص 67.
[15] السابق، ص 253، ص 286.
[16] -“حد العقل: هو البداءة من العلوم التي لا يشرك في علمها العاقلون البهائم، والمتيقظون النوَّم” أبو بكر محمد بن الحسن الأصبهاني ابن فورَك: الحدود في الأصول (الحدود والمواضعات)، سبق ذكره، ص 79-80. كذلك: أبو حامد الغزالي: المستصفى في علم الأصول، سبق ذكره، ص 20.
[17] لمزيد من التفاصيل يمكن الرجوع إلى: الصياد، كريم: نسق المنطق ومنطق النسق، مجلة الجمعية الفلسفية المصرية، عدد سنة 2008.
[18] انظر مثلًا وهبة الزحيلى في: الزحيلى، وهبة وجمال عطية: تجديد الفقه الإسلامي (دار الفكر، دمشق، ط1، 2000م) ص 163-164.
[19] أبو حامد الغزالي: المستصفى في علم الأصول، سبق ذكره، ص 12.
[20] السابق، نفسه.
[21] السابق، ص 31.
[22] السابق، ص 32.
[23] السابق، ص 283.
[24] أبو إسحق الشاطبي: الموافقات في أصول الشريعة، سبق ذكره، ص 149.
[25] السابق، ص 130.
[26] السابق، نفسه.
[27] انظر في هذا: الصياد، كريم: نظرية الحق، دراسة في أسس فلسفة الحق والقانون الإسلامية، مركز الكتاب للنشر، القاهرة، 2015.
[28] أبو إسحق الشاطبي: الموافقات في أصول الشريعة، سبق ذكره، ص 298-301.
[29] السابق، ص 7-8.
[30] انظر في هذا أيضًا: الصياد، كريم: نظرية الحق، دراسة في أسس فلسفة الحق والقانون الإسلامية، مركز الكتاب للنشر، القاهرة، 2015.
[31] يعبّر الظهور Emergence عن نشأة خاصيةٍ في نظامٍ ما على نحو تلقائي بسبب اجتماع أجزائه، لا يمكن ردها إلى مجموع الأجزاء، أو الأجزاء المفردة، كالبلل مثلاً بسبب اجتماع جزيئات الماء مع النسيج، أو ظهور سلوك المستعمرة في مجموعة من النمل، أو ظهور الوعي كنتيجة لاجتماع عمل الخلايا العصبية. وهو بصفة عامة انتقال تلقائي من الأبسط إلى الأعقد، ويتأصل في ظهور تلقائي لنمط منتظِم أو شبه منتظِم في المجموع.