نماذج الحكم الإسلامي: استدخال “الحكم” في الدين أو الدين في الدولة

تكوين

يجب الإقرار أن الفكر الإسلامي التقليدي المتبع لدى الدول والمجتمعات في مسألة الحكم في حاجة إلى مراجعة، وأن محتوى الفهم التاريخي المُتبع والمُستمد من التجارب الإسلامية التقليدية المعتدلة والمراجع الإسلامية التاريخية والتقليدية يمثل مصدرًا مشتركًا للدولة والإخوان المسلمين والجماعات المتشددة، وأن مساحة الاختلاف بين الفهم والفكر الرسمي الذي تتبعه الدول وبين الجماعات المتشددة ليست كبيرة.

ومؤكد بالطبع أننا في حاجة إلى البحث عن نموذج فكري وفقهي مقبول دينيًا ويساعد أكثر في المواجهة الفكرية مع المتطرفين، كما أنه يصلحُ للعصر الحديث وطبيعته ويمكنه أن يتقبل العالم ويتقبله العالم أيضًا، ولذلك فإن الدولة والمجتمع يمكن أن تجد نموذجًا فكريًا وفقهيًا لا يتعارضُ أبدا مع الضمير الديني ولا الشريعة الإسلامية ومقاصدها وجوهرها، وفي الوقت نفسه فإنه نموذجٌ أكثر فعالية وتأثيرًا في المواجهة الفكرية مع المتطرفين والخارجين عن الدولة والقانون أو الخارجين من المجتمعات باسم الدين، وهو أيضًا يمكن أن يجد احترامًا وقبولًا كبيرين في العالم المتقدم.

المقولة ببساطة إننا قادرون على فهم الإسلام وتطبيقه واتباعه دون الحاجة إلى الحرج مع الفهم الأكثر اتباعًا في التاريخ من الدول والمجتمعات، ودون أن نتخلى عن الإسلام وعلاقته بالتشريع والدولة والتراث والثقافة والتعليم والمجتمع، وفي الوقت نفسه فإننا قادرون على التمايز الفكري والفقهي الواضح والحاسم مع الجماعات المتطرفة والخارجة، وأن نكون أكثر انسجامًا مع العالم والعصر وأكثر تقبلًا بيننا نحن المسلمين والعالم.

في مسألة الحكم في الإسلام يمكن بناء نموذجًا مستمدًا من كتب معاصرة وقديمة أهمها: (الإسلام وأصول الحكم) تأليف علي عبد الرازق، (ودعاة لا قضاة) تأليف حسن الهضيبي، (وفصل المقال فيما بين الحكمة والشريعة من الاتصال) لابن رشد، (وبدائع الصنائع) للكاساني، (النص والسلطة والحقيقة) لنصر حامد أبو زيد، وغيرهم كثير…

نماذج الحكم الإسلامي أو مسألة الدين والدولة

ليست الدول والحكومات الإسلامية متشابهة في مسألة العلاقة بين الدين والدولة أو في فلسفتها ورؤيتها لدورها الديني، ويمكن أن نعرض نماذج عدة قائمة بالفعل أو نظرية لدى الجماعات والمفكرين.

  • الدولة ذات الشرعية الدينية، مثل أنظمة الخلافة أو الإمامة أو السلطة السياسية التي تضيف إلى دورها وشرعيتها الدور والالتزام الديني، على الرغم من إدراج النماذج الثلاثة في عنوان واحد فإنها مختلفة عن بعضها ولكنها تتشابه جوهريًا في مسألة دورها الديني ومرجعيتها الأساسية في الحكم ومصدر شرعيتها.
  • النموذج الواقعي “الخلدوني” الدولة المدنية الإسلامية أو دولة “المصالح” التي تستمد وجودها وفلسفتها ومبادئها من مصالح سياسية وعامة للبلد الذي تحكمه ومواطنو الدولة وفي الوقت نفسه، فإنها تتحرى الشريعة الإسلامية في الحكم والتشريع والمبادئ والقيم العامة، وهي في ذلك أيضًا ليست متشابهة تمامًا، فهناك نموذج المغرب الذي يجمع بين الدولة المدنية (المصالح) والشرعية الدينية للملك والذي يُوصف رسميًا بأنه أمير المؤمنين، وهناك نموذج مصر والذي تشترك فيه على اختلاف فيما بينها كثير من الدول العربية مثل الإمارات والأردن وعمان والكويت وقطر والبحرين والجزائر واليمن وليبيا (قبل الأحداث الأخيرة)، وهناك نموذج باكستان الذي يُضيف إلى مبادئ الدولة وطبيعتها الهُوية الإسلامية.

هذا النموذج هو الأكثر شيوعًا وانتشارًا في التاريخ والواقع العربي والإسلامي، ويمثلُ حال الدولة الإسلامية منذ القرن الرابع الهجري/ العاشر الميلادي، ويمكنُ وصفه بالنموذج الواقعي أو “الخلدوني” نسبة إلى ابن خلدون.

  • دول علمانية ذات هُوية إسلامية، مثل البوسنة، وألبانيا، وكوسوفا.
  • دول علمانية يُؤدي الإسلام فيها دورًا مؤثرًا في الحكم والمجتمع والثقافة، مثل تركيا منذ 1924، وإندونيسيا وماليزيا ودول آسيا الوسطى.
  • دول مدنية إسلامية تحكمها جماعات وحركات إسلامية، مثل السودان وتونس (في فترة من الزمن) والعراق وأفغانستان. وهي ليست دولًا مختلفة كثيرًا عن النموذج الواقعي، ولا يميزها سوى أن المجموعة الحاكمة فيها تنتمي إلى جماعة إسلامية، وإن بقيت الدول والمجتمعات في أنظمتها وتقاليدها تشبه الدول الإسلامية الواقعية.
  • نموذج الجماعات المتشددة، وهي دول افتراضية غير قائمة بالفعل، وهي أقرب إلى الحلم أو المثال الذي يداعب خيال جماعات وفئات من المسلمين، وهو نموذج الجماعات الإسلامية السياسية، الإخوان والقاعدة وداعش وبوكو حرام والسلفيات القتالية… وعلى الرغم من عدم واقعية هذا النموذج وعدم تطبيقه في أرض الواقع فإنه يُمثلُ اليوم أكبر تحدٍ للدول والمجتمعات الإسلامية والعالم أيضًا، فهو مُلهم الإرهاب والتطرف وكثير من الأزمات والانقسامات السياسية والاجتماعية.

تحليل فكري عام للنماذج القائمة والنظرية للحكم الإسلامي

يعرض هذا التحليل أربعة نماذج فكرية تنظيرية للحكم الإسلامي، سوف تُسمى لأغراض التحليل في هذه الورقة بأسماء عملية وصفية، ليست بالضرورة هي ما يسمي أصحابها به أنفسهم، وهي: 1- النموذج الديني الغالب، الذي يرى الحكم مسألة دينية 2- نموذج الإسلام السياسي الحديث، والذي تعبر عنه الجماعات الإسلامية القائمة اليوم، مثل الإخوان والقاعدة والسلفيات القتالية. 3- النموذج الواقعي، وأفضل من عبر عنه في التراث الإسلامي هو ابن خلدون، ويعبر عنه على نحو دقيق وملائم كتاب “دعاة لا قضاة” تأليف حسن الهضيبي. 4- النموذج الإسلامي العقلاني، والذي يحاول أن يفسر النصوص والأحكام الدينية وفق مناهج عقلانية معاصرة، أو يراجع ويعيد النظر في أفهام سائدة ولكنه يردها وفقًا إلى القواعد والمبادئ التقليدية المُتبعة في الفقه والتشريع الإسلامي، وأفضل من يعبر عن هذا النموذج الشيخ علي عبد الرازق في كتابه “الإسلام وأصول الحكم” ويأتي في هذا السياق أيضًا كتب نصر حامد أبو زيد وأفكاره ومحمد أركون وعبد الله النعيم، وأما في التراث الإسلامي فأشهر من عبر عنه ابن رشد (فصل المقال فيما بين الحكمة والشريعة من اتصال) وهناك كثير غيره.

  • نموذج الحكومة الدينية

إن الموقف الغالب في الفكر الإسلامي السني والشيعي وتراثهما هو النظر إلى الخلافة والحكم بوصفهما ركنين أساسيين للدين والعقيدة، ويغلب على السلوك الإسلامي وفكره المُتبع حتى اليوم في الدول العربية والإسلامية إضفاء كثير من معاني وأحكام القدسية على الخلافة فالخليفة يستمد سلطانه من الله، ولكن هناك مذهب آخر نزع إليه بعض علماء الأمة، وهو أن الخليفة يستمد سلطانه من الأمة فهي مصدر قوته وهي التي تختاره لهذا المقام، ومثل هذا الخلاف بين المسلمين في مصدر سلطان الخليفة قد ظهر بين الأوروبيين وكان له أثرًا فعليًا كبيرًا في تطور التاريخ الأوروبي، يمثل الاتجاه الأول الفيلسوف توماس هوبز، والآخر جون لوك.

لقد أضفى التراث الإسلامي على الخليفة صفات دينية عظيمة: (الخليفة) يستمدُّ سلطانه من سلطان الله تعالى وقوته من قوته، ذلك رأي تجد روحه سارية بين عامة العلماء وعامة المسلمين أيضًا، وكل كلماتهم عن الخلافة ومباحثهم فيها تنحو ذلك النحو وتشير إلى هذه العقيدة، وقد جعلوا الخليفة ظلَّ الله تعالى. (على عبد الرازق، الإسلام وأصول الحكم، ص119) فالخليفة ينزل من أمته بمنزلة الرسول من المؤمنين له عليهم الولاية العامة والطاعة التامة والسلطان الشامل وله حق القيام على دينهم، فيقيم فيهم حدوده وينفذ شرائعه وله بالأولى حق القيام على شئون دنياهم أيضًا، وعليهم أن يحبوه بالكرامة لأنه نائب رسول الله فمن سما إلى مقامه بلغ الغاية التي لا مجال فوقها لمخلوق. (عبد الرازق ص 116 مقتبسًا من البيضاوي: مطالع الأنوار) وعلى المسلمين أن يسمعوا له ويطيعوه ظاهرًا وباطنًا، وليس للخليفة شريك في ولايته ولا لغيره ولاية على المسلمين. (عبد الرازق، ص 117، مقتبسًا عن الباجوري شيخ الأزهر في العام 1847 في شرح جوهرة التوحيد) لأن طاعة الأئمة من طاعة الله وعصيانهم من عصيان اللهن فنصح الإمام ولزوم طاعته فرض واجب وأمر لازم، ولا يتم إيمان إلا به ولا يثبت إسلام إلا عليه… وجملة القول إن السلطان خليفة رسول الله وهو أيضًا حمى الله في بلاده وظله الممدود على عباده… ولايته عامة مطلقة، مثل ولاية الله وولاية رسوله، ولا غرو حينئذ أن يكون له حق التصرف في ارقاب الناس وأبضاعهم.  (عبد الرازق ص 117، مقتبسًا من العقد الفريد)

ويذكر علي عبد الرازق بأنه يمكن أن ترى في مقدمات الكتب مثل (الرسالة الشمسية في القواعد المنطقية) للقزويني الكاتبي، وفي شرحها لقطب الدين الرازي، وحاشية السيالكوتي على الشرح المذكور، كيف أن الاعتقاد بسلطة الملك أو الخليفة مستمدة من الله مقولة راسخة بين العلماء وسائر الناس.

وفي مجمل كتب الفقه والعقيدة (علم الكلام) يمكن بوضوح ملاحظة أن الأغلبية ترى وجوب الخلافة، وقد خالفهم في ذلك بعض الفقهاء من المعتزلة والخوارج، والواجب عند هؤلاء إنما هو إمضاء أحكام الشرع فإذا تواطأت الأمة على العدل وتنفيذ أحكام الله تعالى لم يُحتج إلى إمام ولا يجب نصبه، وأما الموجبون فقد احتجوا بـإجماع الصحابة والأمة من بعدهم وضرورة تطبيق الأحكام والإصلاح والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. (عبد الرازق، ص123)

وعلى الرغم من أن المسلمين تخلوا عن نموذج الخلافة منذ قرون طويلة وتحولوا إلى سلطنات ودول سياسية مدنية فقد ظلت المرجعية الدينية والفكرية للدول والمجتمعات هي نفسها التي تؤسس للخلافة وللنظر إليها بوصفها جزءًا أساسيًا في الدين، وبسبب ذلك كانت تحدث تناقضات كبرى، فالدول والحكومات تسلك على نحو واقعي وإنساني، وتريد غطاء شرعيًا دينيًا، وهي بالطبع تكسب تأييد النخب والناس وكثير من الطبقات الاجتماعية، ولكنها تُحمل نفسها أعباء لا تريدها، وتجد نفسها في مواجهة جماعات وفئات تعتقد أنها تناقض الشريعة ولا تطبقها.

  • النموذج الواقعي

يعد كتاب (دعاة لا قضاة) أفضل تنظير فكري وشرعي إلى الواقعية السياسية، ولكنه ليس متبعًا ولا معتمدًا في الأنظمة السياسية الواقعية، ولا في جماعة الإخوان المسلمين رغم أن مؤلفه (الهضيبي) هو المرشد الثاني للجماعة بعد حسن البنا، ورغم أن الهضيبي ألف الكتاب عام 1969 للردِّ على الفكر القطبي التكفيري الذي اكتسح الجماعة في الستينيات فإنه يصلح للدول والمجتمعات بوصفه مصدرًا لتفسير الواقع والحكم عليه.

لا يبدو الكتاب (دعاة لا قضاة لحسن الهضيبي) منتشرًا بين الإخوان المسلمين ولا يبدو في تأثيره مثل سيد قطب الذي استطاع أن يحول الإخوان المسلمين وكثيرًا من جماعات الإسلام السياسي في انعطافة كبرى ويجعلها في حال مختلف عن فكرتها المُنشئة، بل في حالة اختلاف كبير عن أفكار وتصورات مؤسسها حسن البنا، فاتبعت سيد قطب جماعات التحرير والجهاد والقاعدة.

يُركز الهضيبي في مناقشة الحكم والموقف الذي بنته جماعات الإسلام السياسي والقتالي عن الآية القرآنية ” وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ” وفي ذلك يقدم تأصيلًا جديدًا ومهمًا للحكومات الإسلامية “الواقعية” ويرد الموقف والفهم في مسألة الحكم إلى القواعد الأساسية في الدين، ومنها أن “حكم الناطق بشهادتي (أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله) أن نعده مسلمًا تجري عليه أحكام المسلمين، وليس لنا أن نمحض صدق شهادته” (ص27)، ولم ترد “الحاكمية” “حاكمية الله” في الكتاب والسنة ولكنه مصطلح حديث، ولكن ورد لفظ الحكم ” إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ” (سورة يوسف 40) وهناك أيضًا قوله تعالى ” لَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّىٰ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا” (النساء 65).

ويقول الهضيبي: “وقد توهم البعض في قول المودودي (المصطلحات الأربعة في القرآن) إن من مقتضى الإيمان ألا يكون الحكم والأمر والتشريع إلا بيد الله استحالة أن يأذن الله على للناس أن يضعوا لأنفسهم بعض التنظيمات أو التشريعات التي تنظم جانبًا من حياتهم… وهذا فهم خاطئ، كما أن عقولنا ليست حاكمة على الله بشيء، فلا يجوز لمسلم أن يجعل من عقله حدًّا لسلطة الله تعالى، والذي ينفي أن يكون الله عز وجل أذن للناس في وضع بعض التشريعات أو التنظيمات إنما يحدُّ بعقله من سلطان الله… والحق أن الله عز وجل ترك لنا كثيرًا من أمور دنيانا ننظمها حسبما تهدينا إليه عقولنا في إطار مقاصد عامة وغايات حددها سبحانه وتعالى وأمر بتحقيقها، وبشرط ألا نُحل حرامًا أو نُحرم حلالًا” (ص96 – 97) ولا يملك أحد أن يُبيح مُحرمًا، وأما المباحات فإن للمسلمين أن يسنوا فيها من الأنظمة التي قد تتخذ شكل قرار أو لائحة أو قانون، (ص98) وهي تشريعات لا يجوز أن يزعم أحد أنها من تشريع الله.

وما من أحد إلا وغاب عنه شيء من أحكام الشريعة وبعض من أوامر الله، وما من أحد إلا وقد أخطأ في حكم من أحكام الشريعة، فليس بعد النبي المعصوم معصوم، وعامة الناس أقل علمًا وأقل قدرةً على النظر في الأدلة وأكثر خطًأ في فهم النصوص واستنباط الأحكام الشرعية منها، وجُلَّهم عاجز عن النظر في الأدلة جاهل بمعرفة كيفية إقامة البراهين لمعرفة الحكم… (ص120) “فمن أخطأ في اعتقاد أو حكم جهلًا فإنه وإن كان مخطئًا محكوم بإسلامه وإيمانه” (ص135) حتى الرسول يمكن أن يخطئ في الحكم كما في الحديث “إنكم تختصمون إلي، وإنما أنا بشر مثلكم، ولعل أحدكم أن يكون ألحن بحجته من أخيه من الآخر، فأقضي على نحو ما اسمع، فمن قضيت له بشيء من حق أخيه فلا يأخذه فإنما أقطع له قطعة من النار”. (ص184)

ويردُّ على القائلين بأن الحاكم بمعنى ولي الأمر الذي لا يحكم بما أنزل الله كافر، بصريح قوله تعالى ” وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ” وقالوا أيضًا إنه حكم معلوم من الدين بالضرورة فمن توقف عن الحكم على ذلك الحاكم بالكفر فقد أنكر معلومًا من الدين بالضرورة، وأن من لم يحكم بتكفير ذلك الحاكم فهو بدوره لم يحكم بما أنزل الله فهو كافر، وهكذا… (ص191) يقول الهضيبي: “وقد توهم البعض أن قول الله عز وجل ” وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ” مقصود به الحاكم بمعنى ولي الأمر أو القاضي وهذا غير صحيح، وإنما الآية عامة في كل حكم في دين الله تعالى، سواء كان وليُّ أمرٍ أو قاضيٌ أو مفتيٌ أو غير ذلك من عامة الناس، إذ أن تخصيص النص بغير برهان مما لا يجوز شرعًا، ذلك أن معنى الحكم هو إنفاذ الأمر في قضية ما، وهو في الدين تحريم أو إيجاب أو إباحة مطلقة أو بكراهية أو باختيار، (الإحكام في أصول الأحكام لابن حزم، 1/49) فالحكم إذًا بإنفاذ الأمر أو وضع صفة شرعية للشيء أو الفعل.” (ص194) وفي قواميس اللُّغة فإن من معاني الحكم القضاء والحكمة والإتقان والتصرف أو التحكم والحكم: التنفيذ… (ص194)

إقرأ أيضاً: في علاقة الدين والفنّ: من خلال إغاثة اللّهفان في مصائد الشّيطان لابن قيم الجوزية

وعلى هذا الأساس فإن كل قرار أو فعل أو اعتقاد هو حكم أو مبني على حكم، يقول: “…وإذ ذلك هو معنى الحكم فإن كل معتقد في دين الله يكون باعتقاده حاكمًا فيما اعتقد، ويكون كل قائل في دين الله حاكمًا بقوله فيما قال به، ويكون كل عامل حاكمًا بعمله الذي فعله، ويستوي في ذلك ولي الأمر والقاضي والمفتي وأي شخص” (ص195) وقد ورد في الخبر الصحيح أن ابن عباس وطاووس اليماني قالا إن الآية ليست على ظاهرها وإطلاقها وأن الكافر هو من حكم بغير ما أنزل الله جاحدًا وبذلك قال السدي وعطاء وجميع فقهاء أهل السنة… وجميع الفرق الإسلامية” (ص197)

ويحتج بعضهم بالآية القرآنية ” أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَن يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَن يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُضِلَّهُمْ ضَلَالًا بَعِيدًا” (النساء 60) والآية “وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَن يَعْبُدُوهَا وَأَنَابُوا إِلَى اللَّهِ لَهُمُ الْبُشْرَىٰ ۚ فَبَشِّرْ عِبَادِ”  (الزمر 17) والطاغوت في اللغة عند العرب ما عُبد من دون الله، الوثن أو الشخص وقد يكون الشريعة الزائدة عن حد الله تعالى… وفرقٌ كبيرٌ بين أن نكفر بالطاغوت فننكره ونجحده ونكذب بدعواه ولا نتبعه ولا نطيعه وبين أن نُصدر عليه حكمٌ بأنهُ كافرٌ، فهذه قضية وتلك قضية أخرى متمايزة عنها ومختلفة (ص201 -202)

وأخيرًا يؤكد الهضيبي أنه “لا بد حتى يكون الحكم بالكفر أن يكون معلنًا بالكفر وأن يكون متبرئًا من دين الإسلام جملة وعلانية بحيث لا يجوز الاختلاف في حقيقة صفته، أما من يُظهر الإسلام ويأتي علنًا شعائره ولكن يكون كفره من جهة تحتاج إلى علم ببعض أعماله وأقواله على حقيقتها وعلى حقيقة أمر الله تعالى فيها فهذا في الأغلب مما تختلف فيه الآراء ويخفى أمره على كثير من الناس خاصة عامتهم، فلا يتأتى القول بأن عامة الناس أو المتأولين قد خرجوا عن الحكم الواجب وصفه به، وأنهم بذلك آثمون أو كافرون” (204ص) عدا أيضًا عن الإعذار بالجهل والخطأ والإكراه…

  • نموذج جماعات الإسلام السياسي

ورغم أن جماعات الإسلام السياسي والجماعات المتشددة والمسلحة الخارجة عن دول متعددة ومختلفة فيما بينها فإنه يمكن القول إنها جميعًا تنهلُ من كتاب “معالم في الطريق” تأليف سيد قطب، وهناك مراجع وكتب كثيرة أخرى تخص الجماعات المتشددة إضافة بالطبع إلى “المعالم” والمصادر التقليدية والتاريخية المعروفة والمُتبعة لدى الأمة بعامة وبخاصة ابن تيمية، ومن أهم هذه الكتب: نقد أيمن الظواهري لجماعة الاخوان وانحرافاتها (الحصاد المُرّ: الإخوان المسلمون في ستين عامًا) وكتب محمد أبو فارس مفاهيم إسلامية وحكم المشاركة في الوزارة في الأنظمة الجاهلية والبيعة وأركانها وملة إبراهيم، تأليف أبو محمد المقدسي و(الفريضة الغائبة) لمحمد فرج مؤسس جماعة الجهاد في مصر.

وربما يكفي كتاب (معالم في الطريق) لسيد قطب لفهم موقف هذه الجماعات وفكرها، فمن المؤكد أن سيد قطب هو الأكثر حضورًا وإلهامًا للجماعات الإسلامية السياسية (أغلبها)، ويمثلُ كتابه معالم في الطريق الدليل الأساسي الذي تبني عليه الجماعات برامجها وتصوراتها وفكرها ومواقفها وأعملها، وفي كثير من الأحيان تجد أعضاء الجماعات الإسلامية وشبابها يحملون أفكار سيد ومقولاته دون أن يقرأوا كتبه أو يعرفوا أنها له، لقد أصبحت منظومةً فكريةً تتلقاها الجماعات على نحو جماعي وشفاهي وخفي، بل إنها متجذرة وحاضرة في أذهان وتفكير كثير من المتدينين غير المنتظمين في جماعات، والأكثر غرابة أن نسبة كبيرة من المشتغلين في المؤسسات الدينية الرسمية مثل التعليم والأوقاف والإفتاء والقضاء يؤمنون بأفكار المفاصلة والرفض القطعي التي أنشأها قطب، وإنك لتعجب كيف يوفقون بين ولائهم السياسي للحكومات والأنظمة وأفكارهم المتشددة التي يؤمنون بها.

يعدُّ د. عبد الإله بلقزيز كتاب “معالم في الطريق” بمنزلة الإعلان الإسلامي المقابل للمنفستو الشيوعي، أو بيان الحزب الشيوعي الذي كتبه كارل ماركس وفريدريك انجلز عام 1848، ويقول غازي القصيبي على لسان بطل روايته “العصفورية” إن كتاب معالم في الطريق أهم كتاب عربي أُلِّفَ في السنوات الخمسمائة الأخيرة…

يقول سيد قطب، إن وجود الأمة المسلمة يعد قد انقطع من قرون كثيرة، ولا بد من إعادة وجود هذه الأمة، فالعالم اليوم يعيش كله في “جاهلية” ونحن اليوم في جاهلية مثل التي عاصرها الإسلام أو أظلم، كل ما حولنا جاهلية… تصورات الناس وعقائدهم وتقاليدهم وعاداتهم وثقافتهم وفنونهم وآدابهم وشرائعهم وقوانينهم، حتى كثير مما نحسبه ثقافة إسلامية ومراجع إسلامية وفلسفة إسلامية وتفكيرًا إسلاميًا هو كذلك من صُنع الجاهلية، ولأجل ذلك لا بُدَّ لنا من التخلص من ضغط المجتمع الجاهلي والتصورات الجاهلية والتقاليد الجاهلية والقيادة الجاهلية في خاصة نفوسنا، وأن أولى الخطوات في طريقنا هي أن نستعلي على هذا المجتمع الجاهلي وقيمه وتصوراته، وألا نعدل نحن في قيمنا وتصوراتنا قليلًا أو كثيرًا لنلتقي في منتصف الطريق، كلا! إننا وإياه على مفرق الطريق، وحين نسايره خطوة واحدة فإننا نفقد المنهج كله ونفقد الطريق.

ويكون الجهاد في سبيل الله لأجل إقامة “مملكة الله في الأرض” التي لا تقوم إلا بأن تكون شريعة الله هي الحاكمة وأن يكون مرد الأمر إلى الله وفق ما قرره من شريعة مبينة، ولذلك فإن كل قتال دفاعا عن أوطان أو صد عدوان عليها ليس جهادا، فلا جهاد إلا لأجل تحرير الإنسان برده إلى عبودية الله والتي هي اتباع ما أمر الله، ويدخل في العبادة التشريع، فالذين يتبعون مشرعين من دون الله إنما يعبدونهم… وحيثما وجد التجمع الإسلامي الذي يتمثلُ فيه المنهج الإلهي فإن الله يمنحه حق الحركة والانطلاق لتسلم السلطان وتقرير النظام… وإذا كف الله أيدي الجماعة المسلمة فترة عن الجهاد فهذه مسألة خُطة لا مسألة مبدأ.

ولكن ما هو المجتمع الجاهلي؟ وما هو منهج الإسلام في مواجهته؟ يتساءل سيد قطب، ويجيب إن المجتمع الجاهلي هو كل مجتمع غير المجتمع المسلم، وإذا أردنا التحديد الموضوعي قلنا إنه كل مجتمع لا يُخلص عبوديته لله وحده، متمثلة هذه العبودية في التصور الاعتقادي وفي الشعائر التعبدية وفي الشرائع القانونية، وبهذا التعريف الموضوعي تدخل فعلًا في إطار المجتمع الجاهلي جميع المجتمعات القائمة اليوم في الأرض. تدخل فيه المجتمعات الشيوعية… والوثنية التي لا تزال قائمة في الهند اليابان والفلبين وإفريقية، والمجتمعات اليهودية والنصرانية في أرجاء الأرض جميعا… وأخيرا يدخل في إطار المجتمع الجاهلي تلك المجتمعات التي تزعم لنفسها أنها مسلمة.

فالأصل الذي يجب أن ترجع إليه الحياة البشرية بجملتها هو دين الله ومنهجه للحياة، والأصول المقررة للاجتهاد والاستنباط مقررة وليست غامضة… أن يكون مصدرُ السلطات هو الله سبحانه لا (الشعب) ولا (الحزب) ولا أي من البشر.

وفي المقابل فإن المجتمع الإسلامي هو المجتمع الذي يُطبق فيه الإسلام عقيدة وشريعة وعبادة ونظاما وخلقا وسلوكا، ويمتد ذلك إلى الثقافة والفنون والمعارف الإنسانية والاجتماعية، وليس من مجال للتلقي في الحضارة والثقافة عن غير الله… يمكن ذلك في العلوم البحتة والتقنية… فشريعة الله تعني كل ما شرعه الله لتنظيم الحياة البشرية، وهذا يتمثلُ في أصول الاعتقاد وأصول الحكم وأصول الأخلاق وأصول السلوك وأصول المعرفة أيضًا، ويجد سيد قطب أن اتجاهات الفلسفة بجملتها واتجاهات تفسير التاريخ الإنساني بجملتها واتجاهات علم النفس بجملتها ومباحث الأخلاق بجملتها واتجاهات دراسة الأديان المقارنة بجملتها واتجاهات التفسيرات والمذاهب الاجتماعية بجملتها… كلها في الفكر الجاهلي أي غير الإسلامي قديمًا وحديثًا متأثرة تأثرًا مباشرًا بتصورات اعتقادية جاهلية، وقائمة على هذه التصورات ومعظمها إن لم يكن جميعها يتضمن في أصوله المنهجية عداء ظاهرا أو خفيا للتصور الديني جملة وللتصور الإسلامي على وجه خاص .

وليست وظيفة الإسلام أن يصطلح مع التصورات الجاهلية السائدة في الأرض ولا الأوضاع الجاهلية القائمة في كل مكان، فالإسلام لا يقبل أنصاف الحلول مع الجاهلية لا من ناحية التصور ولا من ناحية الأوضاع المنبثقة عن هذا التصور فإما إسلام وإما جاهلية!

  • النموذج الإسلامي العقلاني، وأفضل من يعبر عن هذا الاتجاه/ النموذج هو الشيخ علي عبد الرازق أحد علماء الشريعة الإسلامية في الأزهر وقد درس أيضًا القضاء في الجامعات البريطانية، وأَلَّفَ كتاب “الإسلام وأصول الحكم” عام 1925 في ظل الحالة السياسية التي تكونت بإلغاء الخلافة العثمانية على يد مصطفى كمال أتاتورك، ومحاولة ملوك وجماعات إسلامية إحياء الخلافة، وقد تعرض عبد الرازق بسبب كتابه هذا إلى الحرمان من الأزهر والفصل من القضاء والوظائف العامة، ولكن كتابه لا يزال هو الأكثر حضورًا في مسألة الفهم العقلاني للشريعة الإسلامية في مجال الحكم.

يقول علي عبد الرازق: لم نجد فيما مرَّ بنا من مباحث العلماء الذين زعموا أن إقامة الإمام فرض من حاول أن يقيم الدليل على فرضيته بآيات من كتاب الله الكريم، ولو كان ثمة دليل واحد لما تردد العلماء في التنويه والإشادة به، (ص124) وأنت إذا تتبعت أدلة من يقولون بدليل الوجوب من الكتاب والسنة لن تجد فيها شيئا أكثر من أنها ذكرت الإمامة والبيعة والجماعة وأولي الأمر، مثل ما رُوي “الأئمة من قريش” و “تلزم جماعة المسلمين” و “من مات وليس في عنقه بيعة فقد مات ميتة جاهلية” و “من بايع إماما فأعطاه صفقة يده وثمرة قلبة فليطعه إن استطاع، فإن جاء آخر ينازعه فاضربوا عنق الآخر” فلوا افترضنا جدلًا أنها صحيحة، ولو افترضنا صحة حمل دلالتها على الخلافة، فإنها لا تنهض دليلًا لأولئك الذين يتخذون الخلافة عقيدة شرعية وحكمًا من أحكام الدين.

كل ما جرى في أحاديث النبي من ذكر الإمامة والخلافة لا يدل على شيء أكثر مما دل عليه المسيح حينما ذكر بعض الأحكام عن القيصر، وإذا كان صحيحًا أن النبي أمرنا أن نطيع إمامًا بايعناه فقد أمرنا الله أن نفي بعهدنا لمشرك عاهدناه وأن نستقيم له ما استقام لنا، فما كان ذلك دليلا على أن الله رضي الشرك، وقد أمرنا أن نطيع البغاة إذا تغلبوا فليس ذلك موافقة لهم، وأمرنا أن نُحسن إلى السائلين والفقراء وليس ذلك دعوة إلى وجوب إيجادهم. (ص127)

ويقول عبد الرازق: صحيح أن الأحكام لا تُطبق إلا بحكم، ولكن أي حكومة ديمقراطية أو استبدادية رأسمالية أو اشتراكية جمهورية أو ملكية أو مهما كان نوعها يمكن أن تقوم بذلك، ولا يشترط أن تكون من النوع المُسمى خلافة، والواقع المحسوس الذي يُؤيده العقل ويشهد به التاريخ أن شعائر الله ومظاهر دينه لا تتوقف على ذلك النوع من الحكومة الذي يُسميه الفقهاء خلافة ولا على أولئك الذين يُلقبهم الناس خلفاء، والواقع أيضًا أن صلاح المسلمين في دنياهم لا يتوقف على شيء من ذلك، (ص128 – 140)

ويخلصُ المؤلف إلى أن الرسول لم يكن إلا رسولا لدعوة دينية خالصة للدين، لا تشوبها نزعة ملك ولا حكومة، وأنه لم يقم بتأسيس مملكة بالمعنى الذي يُفهم سياسة من هذه الكلمة ومرادفاتها، ما كان إلا رسولًا، وما كان ملكًا ولا مؤسسَ دولة ولا داعيًا إلى مُلك، وأما ما كان عليه من الزعامة فهي زعامة رسول وليست زعامة ملك. والقرآن نصَّ بصراحة على أن الرسول ليس وكيلًا على الناس ولا جبارًا ولا مسيطرًا، وما عليه إلا البلاغ، فالإسلام دعوة دينية إلى الله ومذهب من مذاهب الإصلاح للبشر، وحدة دينية أراد الله أن بها البشر اجمعين، دعوة قدسية طاهرة لهذا العالم، وإلى المثل الأعلى للسلام والكمال، والتآخي. (ص166)

ويقول عبد الرازق: أن يُؤخذ العالم كله بحكومة واحدة وجمعه تحت وحدة سياسية مشتركة فذلك مما يُوشك أن يكن خارجًا عن الطبيعة البشرية، ولا تتعلق به إرادة الله، على أن ذلك إنما هو غرض من الأغراض الدنيوية التي خلى الله بها بينها وبين عقولنا، وترك الناس أحرارًا في تدبيرها على ما تهديهم إليه عقولهم وعلومهم ومصالحهم وأهواؤهم ونزعاتهم ” وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً ۖ وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ (118) إِلَّا مَن رَّحِمَ رَبُّكَ ۚ وَلِذَٰلِكَ خَلَقَهُمْ” (ص167) لسنا نتردد لحظة في القطع بأن كثيرًا مما سموه حروب المرتدين في الأيام من خلافة أبي بكر لم يكن حربًا دينية وإنما كان حربًا سياسيةً صرفة حسبها العامة دينا وما كانت كلها من الدين. (181)

إذا الخلافة قد أصبحت تلصق بالمباحث الدينية، وصارت جزءًا من عقائد التوحيد، يدرسه المسلم مع صفات الله تعالى وصفات رسله، ويُلقنه كما يُلقن الشهادة.

    اقرأ ايضا

    المزيد من المقالات

    مقالك الخاص

    شــارك وأثــر فـي النقــاش

    شــارك رأيــك الخــاص فـي المقــالات وأضــف قيمــة للنقــاش، حيــث يمكنــك المشاركــة والتفاعــل مــع المــواد المطروحـــة وتبـــادل وجهـــات النظـــر مــع الآخريــن.

    error Please select a file first cancel
    description |
    delete
    Asset 1

    error Please select a file first cancel
    description |
    delete