أخلاق الطاعة والقيم الكسروية: نحو فهم آليات الممارسة السلطوية في العقل العربي

  • مدخل إلى العقل العربي

حينما نتحدث عن العقل العربي فنحن بإزاء منظومة متكاملة تتداخل فيها مجموعة من العوامل، لتشكل بنية لها طبيعة تفكيرها ومدخلاتها ومخرجاتها، وبالتالي فهي تندرج ضمن قالب معروف بشكل مسبق ما دامت اتجاهات تفكيره محددة، ولهذا حينما ندرس العقل العربي، فنحن لا نتحدث عن نزعة شوفيينية، أو نظرة عنصرية تضفي على العرب العقل، وتنزعه عن الآخرين، بقدر ما هي نظرة بحثية تدرس العقل وآليات فهمه وربطه للأشياء من خلال استقراء الموضوعات التي اشتغل عليها، أو تخصص في مقاربتها، وهذا ما تنبه لهذا بالتحديد محمد عابد الجابري الذي قضى سنين طويلة في رسم معالم العقل العربي، وتحديد مجالات اشتغاله، وطرق وبنيات تفكيره، هذا المشروع الفكري الكبير للراحل الجابري كان من مواصفاته الأساسية أن الجابري يفضّل أن يطلق على مساره الفكري والفلسفي وصف مشاريع بالجمع وليس بالإفراد كما أشار إلى ذلك محمد الشّيخ. كما أنه رفض أن يوصف منتوجه الفكري بالتخطيط المسبق، لأنه يرى فيه طابع الصّدفة، واللاتّخطيط[1].

وحينما نتحدث عن العقل العربي خاصة في سياقات مجتمعاتنا العربية والإسلامية، فلا يمكن أن نتجاوز مشروع الجابري حول فكرة ” نقد العقل العربي “. والمقصود هنا بالمشروع هو ذلك الإطار النظري، والفرش الفلسفي الذي انطلق منه الجابري في مقاربة الموضوعات أو المجالات أو الأشياء التي حظيت باهتمام العقل العربي، خاصة أن الجابري من المفكرين والباحثين الذين مزجوا بين ثنائية التنظير والممارسة، فهو إلى جانب ممارسته لفعل التفكير والكتابة، كان ممارسا لفعل التأطير السياسي، ومنخرطا في العمل الحزبي بالفكر والعقل. على غرار ما كان يسمّيه غرامشي بفلسفة ” البراكسيس “، حيث أنّ المبدأ الأساس في نظرية المعرفة عنده تقوم على اللّحمة بين النظرية والعمل، لأنّ موضوعية المعرفة وحقيقتها هي في قلب الكلّية التاريخية لا خارج التّاريخ، ولا خارج الإنسان، ولا هي بأزلية…فالتّاريخ لا ينفصل عن الفلسفة، بل إنّهما يؤلّفان كتلة واحدة، ذلك هو موقف وجوهر فلسفة البراكسيس عند غرامشي[2]. ولهذا كان الهدف من دراسة العقل العربي حسب الجابري هو:” المساهمة فيما يرى أنّه الشّرط اللاّزم لنقل المجتمع العربي، إلى طوْرٍ من الترقِّي يناسب متطلّبات العصر، وهذا الشّرط هو إحكامُ عمل العقل، والاتّجاه بفعله إلى أمور هذا الترقّي.  [3].

وإذا عدنا لقراءة عبارة العقل العربي عند الجابري نجد بأنها عبارة مثيرة ومبهمة وموظفة بشكل يثير الكثير من التساؤلات، وهذا الأمر يقر به الجابري نفسه، لأنه يعي بأن عبارة العقل العربي قد وظفت في سياقات اعتبرت بأنها تمجيد للقومية العربية، وامتداد لمساراتها السياسي، كما أنها قد تفهم في إطار إيديولوجي تمّ فيه تصفية وتهميش وإقصاء مكونات غير عربية، في مجتمعات متنوعة ومتعددة على مستوى الأعراق والإثنيات واللغات الوطنية. لهذا فعبارة ” العقل العربي “ المثيرة للجدل، والمستفزّة بوصفها مشروعاً فكرياً تحيل بحسب الجابري إلى أكثر من سؤال؟: هل هناك عقلٌ خاصّ بالعرب دون غيرهم؟ أو ليس العقل خاصيّة ذاتية للإنسان، أيّ إنسان، دون تميّزه أو فصله عن الحيوان؟ وهل يتعلّق الأمر بالفصل الذي أقامه المستشرقون والمفكِّرون الأوروبيون بين العقلية السّامية والعقلية الآرية؟ أم أنّ الأمر يتعلّق بسرٍّ جديد، لا يفتأ العرب يكتشفونه في أنفسهم؟ ويقرؤون فيه عبقريتهم وأصالة معدنهم؟[4].

ولإزالة كل أشكال الميز العنصري، أو التفوق العرقي، يوضح الجابري بأن الغاية من توظيف هذه العبارة له دلالة معاكسة، حيث إن التعبير بكلمة العقل، هو أوسع من التّعبير بكلمة الفكر، لأنّ كلمة الفكر حينما تُقرن بشعْب أو قومية، تحيل مباشرة في ذهنية المتلقّي إلى ما عبّر عنه الجابري بمضمون الفكر ومحتواه، أيْ جملة الأفكار والآراء التي يعبّر من خلالها ذلك الشّعْب عن اهتماماته، ومشاغله، وأيضاً عن مُثله الأخلاقية، ومعتقداته المذهبية، وطموحاته السّياسية، والاجتماعية[5]. وهنا مكمَن الخطر حسب الجابري، حين يصبح التّعبير بالفكر قريناً للإيديولوجيا. وهو بعيد عن محتوى، ومضمون، وغاية الكتاب التي تتمحور حول الأداة المُنتجة لهذه الأفكار، وليست الأفكار في حدّ ذاتها. من هنا يأتي الجابري على تحديد ما يقصده من فكرة ” العقل العربي “، فهو:” الفكر بوصفه أداة للإنتاج النّظري، صنعتْها ثقافة معيّنة لها خصوصياتها، هي الثّقافة العربية بالذّات، الثّقافة التي تحمل معها تاريخ العرب الحضاري العامّ، وتعكس واقعهم، أو تعبِّر عنهم، وعن طموحاتهم المستقبلية، كما تحمِل، وتعكِس وتعبِّر، في ذات الوقت عن عوائق تقدّمهم وأسباب تخلّفهم الرّاهن “[6].

وإذا وصلنا إلى النقطة التي حددها الجابري من كون العقل العربي هو الأداة المنتجة للفكر وليس الفكر في حد ذاته أو مضمونه يحق لنا أن نتساءل عن سمة من السمات العميقة التي تميز الثقافة العربية، وتحدد معالمها، وترسم آفاق فكرها وتفكيرها. إنها ثقافة الشيخ والمريد، أو ثقافة الطاعة وتعطيل الحس النقدي، الذي ساهم وما يزال في صناعة السلطوية بمفهومها السلبي، سلطوية الذات، والنصوص، والقواعد، والأشخاص، والأمكنة والأزمنة. هذه الثقافة هي جزء من منظومة أخلاقية اتسم بها العقل العربي ودرسها الجابري موضحا ماهيتها وحدودها. فالجابري الذي درس العقل العربي في أبعاده السياسية والاجتماعية والفكرية، لم ينس أيضا أبعاده الأخلاقية، لهذا كان لزاما وهو يقارب موضوع الأخلاق أن يستعين بجهازٍ مفاهيمي آخر يتساوق وطبيعة الموضوع المطروح للنّقد، حيث اعتبر ” بأنّ العقل الأخلاقي العربي يؤسِّسه ويوجِّهُه نظامُ القيم، وليس النّظام المعرفي “[7]. والتّعبير هنا بكلمة نظام، لا تعني بحالٍ أنّ نظام القِيم في السّياق الثقافي العربي واحد، لا يعرف التعدّد، ولكنّ المقصود بالنّظام، هو محصِّلة تلك النّظم المتعدّدة والمتداخلة. إذن فالعقل الأخلاقي العربي، هو عقلٌ متعدّد في تكوينه، واحد في بِنيته، لأنّ روافدَه متعدّدة، ولم يقتصر على نظامٍ قِيَمي دون غيره. وحينما نفكك هذه البُنى الأخلاقية في العقل العربي، يتبين لنا ما أكّده الجابري على على أننا أمام منظومة متكاملة ومتداخلة من القيم المتعددة، ولو أنّه في خاتمة الكتاب بعنوان ” لم يدفنوا أباهم أردشير “، يؤكّد على هيمنة أخلاق الطّاعة، والقيم الكِسْروِية على الثّقافة العربية، الشّيء الذي أدّى إلى تهميش، بل إقبار لاجتهادات كان من المفروض أنْ تؤسِّس لثورة تجديدية في مجال القيم، كمشروع ابن الهيثم، وابن رشد، والعِزّ بن عبد السلام.

  • ثقافة الشيخ والمريد: أخلاق الطاعة والقيم الكسروية

يبدو بأن العقل العربي يمتح من مجموعة من الأصول المعرفية، بنفس المقدار الذي ينهل فيه من القيم الأخلاقية، ولعل أكبرها ما نحن بصدد التعريف به، والإشارة إلى بعض أبعاده. إنها ثقافة الشيخ والمريد، أو ثقافة التجسيد العملي لقيم الطاعة في المنظومة الأخلاقية العربية، وهي كما مرت معنا إحدى تجليات العقل العربي كما درسه الجابري في شقه الأخلاقي. وحينما نتحدث عن أخلاق الطاعة فالأمر ليس فيه مبالغة، أو تجاوز لحدود الممكن، بدليل أن هذا الشكل في البناء الثقافي العربي يبدو أنه جزء أصيل، بل أكثر من ذلك حينما سيتحول إلى قيمة من القيم التي ترتكز عليها مجموعة من العلوم الإسلامية كعلوم الحديث والتفسير والفقه وأصول الفقه. والمشكلة في هذا النسق المغلق، ليس فقط هو أنه ينحو بالإنسان إلى حيث يغيب عقله أو تفكيره، أو حتى قيمته الإنسانية، بل الأخطر من ذلك أن داخل هذا النسق المغلق نكون قد دخلنا بشكل أو بآخر لممارسة السلطة على الذات وعلى الآخر وفق آليات تغيب الحس النقدي، والإنساني الذي يقف حدا فاصلا بين الإنسان بوصفه كينونة مستقلة ومريدة، وبين الإنسان بوصفه ذاتا مهدورة على جميع المستويات. وإذا كان الهدر بمعناه الإنساني يعني في نهاية المطاف المستوى الأقصى الذي يصل إليه الإنسان في علاقته بذاته وبالآخر حينما تنعدم سبل التواصل والتفكير والتفاعل، فإن أخلاق الطاعة تظل المجسد الوحيد لهذه القيم الارتكاسية التي تواجه الإنسان في أي مستوى من مستويات حياته المعيشية. هذا ما تنبه إليه مصطفى حجازي وهو يدرس انعكاس قيمة الطاعة السلبية على الهدر الإنساني[8]، فداخل هذا النسق القائم على الطاعة ليس هناك حوار أو تبادلية، بل فوقية من جانب السلطة، وتبعية من جانب الأتباع. هنا ينتفي الحس النقدي، والتفاعل الإيجابي بين مكونات المجتمع، وتنتفي المرجعية الذاتية عند أفراد الجماعة. ويصبح مركز الضبط خارجي، بمعنى أن هناك غياب تام للمبادرة الفردية، وحضور كامل للتبعية والطاعة للآخر. هذا النمط السلطوي يغيب بشكل كبير جانب الإبداع والمشاركة والحوار والتبادلية، مما يتيح ظهور أشكال كثيرة من أنماط التفكير والتدين قائمة على التبعية العمياء، والتطرف القاتل، والتشدد والإقصاء أمام كل مظاهر الاختلاف الممكنة. هنا نصبح أمام معضلة حضارية وإشكالية حقيقية، تتمثل في أشكال لممارسة السلطة الثقافية والسياسية أساسها التبعية والطاعة، أكثر من قيم الاختيار والحرية والإرادة، وما بني على باطل فهو باطل كما يقول الأصوليون.

وإذا وصلنا إلى الحد الذي نقر فيه بأن جزءا كبيرا من الثقافة العربية تستند على قيم الطاعة والولاء، أكثر من قيم الاختيار والإرادة، فإن ذلك يمنحنا إمكانية تحديد ملامح الهدر الإنساني داخل هذا النسق الأخلاقي العربي، من خلال النقاط التالية:

  • التحيز المعرفي: أخطر ما يمكن أن ينتج عن ثقافة الطاعة والولاء هو التحيز للمسبقات، والتمركز حول متطلبات الذات المتخنة بالجروح النرجسية، هنا تمارس الثقافة شكلا آخر من السلطة، حين تغلق أبواب الحوار مع الذات ومع الآخر، وتتحيز لأصولها وقواعدها وضوابطها، وتقمع كل أشكال السؤال، والانفتاح، والتلاقي مع الآخر المختلف من زاوية التبادل والحوار، لا زاوية الإقناع والإكراه.
  • الخضوع لسلطة السلف والآباء: هذا ما يمكن تسميته بالفكر الآبائي أو الآبائية، وهي فكرة محورية تحدث عنها القرآن الكريم في مختلف آياته. وتعني بشكل مبسط بأن السلطة لا تتجسد في مدى إمكانية التواصل الإنساني مع بعضه البعض، وفتح الآفاق أمام البشرية لتخطو خطواتها الجبارة نحو التحرر والانعتاق من ربقة الجهل والخرافة والتفاهة، بل تتمثل السلطة الحقيقية في مرجعية الآباء والسلف، والتبعية المطلقة لما تجسد بشكل فعلي في لحظة من لحظات التاريخ يعتبرها الإنسان بفعل نظرته المثالية، أنها اللحظة اليوتوبية الحالمة بعالم المدينة الفاضلة. لهذا كان الناس يبررون كل أفعالهم وأقوالهم وممارساتهم السلوكية بأنها جزء من ثقافة الآباء:” هذا ما وجدنا عليه آباءنا “، وهي حالة مثالية تعتبر بأن حالة الثبات والركون إلى الماضي، أقوى بكثير من حالة التغير والتحول التي تفرضها المعطيات المعاصرة. والمعلوم أن تطور الأفراد والجماعات يكون دوما رهينا بالحالة التي يخرجون فيها أو يتزحزحون عن مواقع أمانهم، وبالتالي فكل ارتكاس أو ارتكان إلى الماضي والإقامة فيه يجسد عائقا من عوائق التنمية والتطور الذي يحدث انقلابات معرفية وفكرية توازي الثورات العلمية التي حدثت في التاريخ الإنساني. فكارل بوبر مثلا وهو يتحدث عن طبيعة العلم يخلص إلى أن أهم سمة يتميز بها العلم وهي القابلية للتكذيب، أي أن طبيعة العلم تراكمية وليست نهائية، وهذا ما يضفي عليه طبيعة إنسانية نسبية، ويفتح الآفاق للبحث والدراسة والتطوير. أما أصحاب اليقين الدوغمائي فلا يفهمون التطوير إلا داخل منظومات معرفية متآكلة وهشة على المستوى التنظيري والتطبيقي. ولا يكفي أن نسبغ على الفكر طابعا دينيا ليصبح الأمر محسوما، أو متجاوزا لحدود النقد، فالمعرفة الدينية أيضا معرفة تراكمية تخضع لتطور المجتمع وبنيته النفسية والذهنية، وحينما نغلق سبل الاجتهاد والتجديد والتطوير نحكم على أنفسنا بالبقاء رهائن للماضي، والآباء والسلف، وهو ما يدحضه القرآن الكريم بشكل واضح حينما قال:” أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ شَيْئًا وَلَا يَهْتَدُونَ “. فالأصل هو أن يتجاوز الأبناء آباءهم، فهم الأحق والأجدر أن يفهموا ويعوا متطلبات واقعهم المعاصر، لا أن يظلوا مستمسكين بسلطة الآباء في مغالطة معرفية مفادها أن الأقدم أفضل من الحاضر والمعاصر، وهو ما يعتبر فضيلة من الفضائل لدى العصبيات ذات الجذور السلفية الماضوية، وذات السلطة البطريركية الفوقية التي تقدس الماضي، وتمجد السلف، وتجعل الإقامة في الماضي جزءا لا يتجزأ من الدين.

هذه هي ثقافة الشيخ والمريد أو ثقافة الطاعة والقيم الكسروية كما كان يسميها محمد عابد الجابري. ثقافة تمتد بأبعادها إلى عمق الفكر الإنساني، حيث الهدر والإقصاء والتهميش لما هو إنساني على حساب الآخر والسلف، وكأن هذه الثقافة لا تراعي بأن صناعة الإنسان تمر من هنا، حيث زرع الثقة في الذات البشرية، ووضع حدود فاصلة بينها وبين عالم الغرائز والتبعية العمياء للجماعة وشروطها الهادرة. هذا العنصر تحديدا يتأتى من خلال التعامل مع أفكار السلف والآباء خارج الشروط المنتجة للفكر، على اعتبار أن هذا الأخير لا ينشأ في فراغ، فهو ابن بيئته يتأثر بالثقافة والجغرافيا والتاريخ، والسقف المعرفي والظروف الاقتصادية، وكل العوامل التي ينشأ ضمن شروطها الكائن الإنساني الفاعل.  وهذا ما جعل القرآن الكريم يفكك هذا النمط في التفكير، ويتساءل حول إمكانياته وممكناته، غير أن المفسرين القدامى لم يتنبهوا أو لم يقرؤوا القرآن الكريم في اتساع معانيه، والإمكانيات التي تتيحها بعض نصوصه، فمثلا قوله تعالى: ” إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مقتدون”؟. هل النهي هنا مقتصر فقط على ما كانت تعرفه الإنسانية حينذاك من مظاهر الوثنية والتعددية الإلهية، أم يمكن أن نضيف إمكانيات أخرى يتيحها التعامل مع مثل هذه النصوص؟. ولماذا ظلت التفاسير القرآنية في العلوم الإسلامية تتعامل مع القرآن بنظرة تجزيئية، بدل النظرة الموضوعية التي تهدف إلى قراءة القرآن على شكل موضوعات، مبرزة موقفه منها، بما يحقق كرامة الإنسان، وعلو حريته وإرادته.

  • العلاقة الطفلية وغرس الطفيلية: هذا المبحث درسه مصطفى حجازي[9]وهو يقارب موضوع الهدر الإنساني الذي تفرزه أخلاق التبعية والطاعة والولاء التام، وتعني أن العلاقة القائمة بين الفرد والجماعة داخل البنيات العصبية الهادرة للإنسان تقوم أساسا على التعامل البطريركي بين الجماعة التي تقوم بدور الأب السلطوي والآمر والناهي، وبين الفرد الذي يمثل الطفل القاصر والمطيع. هذه الاستراتيجية التي تمتح منها الأصوليات كانت دوما تختبئ وراء أساسين اثنين: الأول: حاجة الإنسان إلى الانتماء والشعور بالقوة والاندماج داخل بنية جماعية معينة، وهذا يوفر له الأمان النفسي، والمعنوي إزاء الأخطار المحدقة به في حالة الشرود والبقاء وحيدا. والثاني: الحظوة التي ينعم بها الإنسان والمغانم التي يغتنمها الفرد في حالة الطاعة والانصهار الكامل في بنية الجماعة وتأصيلاتها. هنا تتحول الجماعة في لاوعي الفرد إلى أم حاضنة ومرضعة، أي أن الجماعة تتحول إلى دلالة الأم في تمثلاتها، مما يجعل التسلط البطريركي محتملا ويعوض عن أزماته وحرمانه، وحينما تقوم الجماعة بهذا الدور اللاواعي في مخيلة الفرد، فإنه يستأنس به، وينعم بحنانه، وبالتالي يديم سلطته عليه دون وعي منه أو قصد. هنا يمكننا أن نفهم مركزية الأم في ثقافة العصبيات والأصوليات عموما، إنها أداة التزاوج الداخلي والمصاهرة الخارجية.
  • غياب ثقافة النقد: داخل الأنساق المغلقة ليس هناك إمكانية للنقد، لأن النقد هو الإمكانية الوحيدة نحو الانفتاح، ورؤية الذات من خارج أسوارها المغلقة. هذا الغياب راجع بالأساس إلى فعل التنشئة الاجتماعية، والتربية التي يتلقاها الإنسان في مختلف مراحل تطوره المعرفي، بحيث لا يرى ذاته إلا من خلال ذاته أو مسبقاته أو جماعته. هكذا تعلَّمْنا، وهكذا مارسنا على أنفسنا سلطة التمويه والتزييف والمخاتلة، دون أن ندرك بأن غياب النقد هو مسار يتكرر فيه الإنسان إلى حيث لا يبقى من وجوده إلا ظلالا باهتة من التضليل والتشويه الفكري، وإذا كان من يعتبر بأن النقد هو هدم لا طائل من ورائه، إلا جلد الذات، أو كشف عيوب التاريخ، والمزيد من الهدر الإنساني على جميع المستويات، والمحافظة على الوضع القائم ثقافياً بالتجريم والتحريم والتأثيم، فإن الأصل هو أن عملية النقد ليست معزولة عن سياقات تشكلها، ولا هي مفصولة عن مقاصد من يمارسها ويكشف عنها. إنها عملية تطهير شامل تؤلِم ولكنّها تريح. هكذا كان يراها سيوران بأنها تفسيرخاطئٌ ومعكوس، حيث ينبغي أن يكون النقد من أجل فهم الذات، لا من أجل فهم الآخر. وهذا ما يغيب داخل أنساقنا المغلقة، فكلّ ما يشير إليه النَّقد في ثقافتنا، يكون موجها للآخر، متهكما على ثقافته، كاشفا لعيوب تفكيره، وكأننا نقوم بعملية تطهير ذاتي مقابل شيطنة وأبلسة الآخر. هذه الاستراتيجية التي يكشف عنها الفكر الأصولي والعصبي، تكشف لنا عن جانب آخر من عيوب تفكيرنا، وهي أننا بفعل الهدر الذي نتعرض إليه من خلال استدماجنا لأخلاق الطاعة، أننا نبدأ بتقديس الذات في مرحلة من مراحل تطور بنيتنا القيمية والأخلاقية، وكأننا نقيم علاقة معها بالمنطق نفسه الذي نقوم به اتجاه العصبيات والأصوليات الهادرة للفعل الإنساني. نحن نخاف النّقد لأنّ الخوف والتردّد من ملامسة المسكوت عنه، أو ملامسة الفم المقموع في التاريخ كما يطلق عليه جمال علي الحلاق مهمّة صعبة في واقع ثقافي مغلق، واقع من الطابوهات والمحرمات والممنوعات التي تقدم عليها لوائح الثقافة القامعة. مما يكشف الممارسات الخفية والآليات التي تتستر ضمنها الثقافة بغية ضمان استمراريتها وبسط نفوذها على هذا الكائن الإنساني، وهو ما يتحقق لها بفعل الانغلاق والجمود والثبات والمحافظة على الوضع القائم، وهي قيم هادرة للكينونة الإنسانية، لأنها لا ترى الفرد إلى كيانا فردا ضمن قطيع، يفضل الطّاعة على التّفكير، والخضوع على بديهيات وأولّيات الفعل الإنساني.
  • وقفة مع الدكتور البوطي من خلال كتاب:” اللامذهبية أخطر بدعة تهدد الشريعة الإسلامية “:

سبق أن أشرنا إلى أن جزءا كبيرا من البنية الفكرية التي يتحرك فيها ومن خلالها العقل العربي هي تلك التبعية المطلقة للسلف، أو الارتهان إلى سلطة الآباء. هنا نصبح أمام إشكالية أخرى من الإشكاليات التي تمارسها علينا سلطة الآباء، وهي التمذهب، أو التخندق داخل أنساق فكرية ومذهبية وطائفية، الشيء الذي يخالف المنطق القرآني، ومقررات العقل السليم، خاصة أن وقفتنا تستهدف كتابا يصف اللامذهبية، أو الوقوف خارج الأنساق المذهبية بالبدعة التي تهدد الكيان والشريعة الإسلامية. يقول الدكتور البوطي: “وقد علم كل عاقل في الدنيا أن الناس جميعا لو عرفوا كيفية اتباع المعصوم والوسيلة إلى فهم المراد من كلامه لما انقسموا إلى قسمين، مقلدين ومجتهدين. ولما قال الله للصنف الأول:” فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون ” فقد أمرهم باتباع أهل الذكر مع أنهم غير معصومين، ولم يأمرهم بالرجوع إلى ألفاظ الكتاب والسنة مع أنهما معصومان[10].”

  • تقسيمه الناس إلى مجتهدين ومقلدين:

اكتفى البوطي من خلال المقولة السابقة بتقسيم الناس إلى صنفين: مجتهدين ومقلدين. وهذا الأمر فيه مخالفة واضحة للتقسيم الثلاثي الذي يقول به مجموعة من العلماء، حيث يقسمون الناس إلى: مجتهدين ومقلدين ومتبعين. والمجتهد بالنسبة للبوطي هو الذي خبر الأدلة وطرق الاستنباط منها. والمقلد غير الخبير أو القادر على استنباط الأحكام منها، أما المتبع فهو ذاك الذي يستطيع أن يميز الأقوال عن بعضها بقوة الدليل، وضعفه، فهذا هو عين الاجتهاد[11].

وإذا أمعنا النظر بشكل دقيق في تقسيم البوطي يمكننا أن نؤكد بأن التقسيم الثنائي ليس تقسيما دقيقا، بل لم يراع الكثير من الجوانب التي يجب أن ينتبه إليها الباحث، فالتقليد ليس هو العجز عن الاستنباط من الأدلة وكفى، وإنما هو اتباع لقول أو فتوى دون الاعتماد على حجة مقبولة، أو دليل معتمد، عن طريق الدفاع عنه والتعصب له. أما الاتباع فهو رؤية مبنية على الدليل الراجح، والحجة المقبولة عقلا وشرعا، وعلى الأساس يمكننا أن نفهم قوله تعالى: ” فبشر عباد الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه “[12].

  • قوله بأن الله قال للمقلدين: ]فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون[:

إن الآية التي استدل بها البوطي خارجة عن محل النزاع إذا حكمنا السياق الواردة فيه، لأنها رد على الذين أنكروا أن يكون الرسول بشرا، قال تعالى:” وما أرسلنا قبلك إلا رجالا يوحى إليهم فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون “.[13] فالآية كما ترى تخبر بأن الله يصطفي لرسالاته رسلا من الناس، يبلغون وحيه. وتأمر الناس أن يسألوا أهل الذكر -وهم كل من يتذكر هذه الحقيقة- وما الكتب السماوية إلا جزءا من هذا التذكير، قال تعالى:” وما أرسلنا من قبلك إلا رجالا يوحى إليهم من أهل القرى “[14] فالآية ترد على من ينكر أن الله لا يبعث بشرا رسولا، كما قالوا عن نوح:” فقال الملأ من قومه ما هذا إلا بشر مثلكم يريد أن يتفضل عليكم ولو شاء الله لأنزل ملائكة ما سمعنا بهذا في آبائنا الأولين [15] وقال الله في شأن عاد وثمود:” فإن أعرضوا فقل أنذرتكم صاعقة مثل عاد وثمود إذ جاءتهم الرسل من بين أيديهم ومن خلفهم ألا تعبدوا إلا الله قالوا لو شاء ربنا لأنزل ملائكة فإنا بما أرسلتم به كافرون “[16].

والآية التي استدل بها البوطي تدعو إلى سؤال أهل الذكر، الذي هو التوراة والإنجيل قال تعالــى:” ولقد أتينا موسى وهارون الفرقان وضياء وذكرا للمتقين “[17]، والإنجيل بهذا المعنى أيضا ذكر كالتوراة والقرآن لأنه مصدق لما بين يديه من التوراة، قال تعالى في حق عيسى:” وأتيناه الإنجيل فيه هدى ونور ومصدقا لما بين يديه من التوراة “[18]. إذن نخلص أن الآية لا تسعف البوطي فيما ذهب إليه من أن المقلد أمره الله باتباع أهل الذكر الذين هم العلماء حسب تفسيره، لأنه على فرض أن أهل الذكر هم العلماء، فالآية حجة على المقلدة، وليست حجة لهم، لأن الأمر بالسؤال ينافي التقليد الذي هو قبول قول الغير دون المطالبة بالدليل والحجة. والقرآن الكريم يطالب كل من فيه ذرة عقل بالسؤال بما في ذلك رسوله محمد:” فإن كنت في شك مما أنزلنا إليك فسأل الذين يقرؤون الكتاب من قبلك[[19]، وقال:” واسأل من أرسلنا من قبلك من رسلنا أجعلنا من دون الرحمن آلهة يعبدون “[20].

إن القناعة التي يمكن أن تدلنا عليها هذه الآيات وغيرها هي أن الخطوة الأساسية في تكوين القناعات وبديهيات المعرفة هي الشك المنهجي، أو الشك الديكارتي الذي يبني من خلال التشكيك في بديهيات المعرفة قناعات راسخة وموصولة بالعقل الإنساني. ولا يمكن أن نبدأ رحلة الشك إلا عن طريق السؤال، والبحث عن مسارات نخرج بها ومن خلالها عن المألوف، أو ما استقرت عليه خيمة الجماعة، وقناعات الذات ومسلماتها. ولعل القرآن نفسه قد تحدث عن هذا المسار المعرفي من خلال نموذج إبراهيم:” رب أرني كيف تحيي الموتى قال أو لم تؤمن قال بلى ولكن ليطمئن قلبي “[21]. فتجربة إبراهيم هي تجربة كل إنسان لا يقنع بما استقرت عليه مجامع الناس ومسلماتهم، لأنه يدرك يقينا أن صوت القلب أو العقل لا يهدأ إلا إذا بنى يقينياته عن أسس المعرفة الحقة، والمنهجية الموضوعية، وإلا كان الإيمان جزءا من الخرافة، أو طريقا للإكراه والوراثة. وعلى هذا الأساس تأسست التجربة المحمدية، فلم يكن محمدا نبيا خارج حدود البشرية التي تبحث عن الاطمئنان القلبي والعقلي، ولا هو متجاوز لحدود التأمل والتفكر الموصل إلى يقينيات المعرفة الدينية. فداخل هذا البناء النبوي استقرت التجربة المحمدية في بعدها الإنساني، حيث يقول القرآن:” وإن كنت في شك مما أنزلنا إليك فاسأل الذين يقرؤون الكتاب من قبلك [22]، فالشك هنا ليس شيئا خارج حدود العقل أو المنطق السليم، بل هو المحرض والمحفز على السؤال، وليس السؤال في نهاية المطاف إلا ذلك الشيء المحرض على المعرفة والبحث خارج خيمة الجماعة. وبما أن محمدا بشر تسري عليه سنن البشرية في مسارات بنائها الفكري والمعرفي، فإن المطلوب منه هو السؤال المحطم لقناعات الذات، وبديهيات المعرفة، والهادف إلى الوصول إلى يقينيات المعرفة الدينية، من قبيل الوجود والنشأة والمصير والمآل. وبهذا يتحول فعل السؤال إلى الوسيلة الفضلى التي يتوسل بها الإنسان للتأسيس للقناعات الإيمانية، والوصول إلى الحالة التي يلتئم فيها العقل والقلب في انسجام كامل.

وإذا كان القرآن الكريم قد خط هذا الأمر، وطلب من النبي محمد اتباعه، فإن ذلك لا يعني أن محمدا كان مقلدا. وهذا يدعونا إلى وضع فصل منهجي، بين الدعوة إلى التقليد، والدعوة إلى الاتباع عن طريق السؤال، وبالتالي، فقول البوطي وتأكيده على أهمية تقليد العلماء، وعدم الخروج على التمذهب الفقهي بالنسبة للعامي هو في الحقيقة تكريس للحقيقة التاريخية التي أدامت سلطة رجال الدين أو الكهنوت الديني على رقاب الناس، سواء من خلال احتكار الحق في المذهب والنحلة والطائفة، أو من خلال تجاوز العلماء لحدود البشرية عن طريق إلباسهم ثوبا من العصمة والبطريركية الفوقية وهو ما أكدته الآية:” اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله “[23].

  • قوله: لم يأمرهم بالرجوع إلى الكتاب والسنة مع أنهما معصومان:

إن المتأمل في آيات القرآن المختلفة وفي سياقات متنوعة، يتأكد بما لا مجال للشك فيه أن هناك نوعا من التحريض الظاهر على التفكر والتعقل والتدبر، وهي أفعال كلها تدل على أن حالة الثبات الفكري حالة نفسية غير مرغوب فيها قرآنيا، لأنها لا تنتج إلا نوعا من العقائدية المقيتة إن لم نقل المميتة. ومقولة البوطي ” لم يأمرهم بالرجوع إلى الكتاب” ليس دقيقا، لأن التوجيه القرآني الذي قصد به سؤال أهل الذكر، لم يكن في الواقع الفعلي يهدف إلى السؤال عن آراء خاصة، أو التقوقع داخل منظومة مذهبية معينة، بل الهدف منه هو البحث عن الدليل والحجة والبرهان عبر السؤال المحفز والمحرض، وهذا الأمر لا يقوم به المقلد، لأنه ببساطة لا يستطيع أن يقوم بهذا الدور المحوري، ولا يعمل عقله إلا في حدود ما تسمح به غرائزه، وبما أن القرآن الكريم يتحدث عن سؤال أهل الذكر فالمقصود هنا الاتباع وليس التقليد، وقد بينا الفرق بين المصطلحين فيما سبق. ثم كيف لم يأمرهم بالرجوع إلى الكتاب، والله يقول:” أ فلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها [24] وقال:” كتاب أنزلناه مبارك ليدبروا آياته وليذكر أولوا الألباب “[25]، فهل هذا الأمر بالتدبر ليس إلا رجوعا بالناس إلى القرآن ليغرفوا من معينه، وينهلوا من صفائه.

المصادر والمراجع:

[1] – الشّيخ، محمد.(2011). محمد عابد الجابري: مسارات مفكر.(ط1). مركز دارسات الوحدة العربية. بيروت. ص: 14

[2] – المديني، توفيق.(1997). المجتمع المدني والدولة السياسية في الوطن العربي. منشورات اتحاد الكتاب العرب.ص: 102.

[3]– العظمة، عزيز.(1987). التّراث بين السّلطان والتاريخ.(ط1). الناشر عيون المقالات. مطبعة دار قرطبة للطباعة والنشر. الدار البيضاء. ص: 129

[4] – الجابري، محمد عابد. نقد العقل العربي: تكوين العقل العربي.  مركز دراسات الوحدة العربية. بيروت. ص: 11

[5] – المرجع السابق. ص: 14

[6] – نفسه. ص: 17

[7] – الجابري، محمد عابد. نقد العقل العربي(4) العقل الأخلاقي العربي: دراسة تحليلية نقدية لنظم القيم في الثقافة العربية. مركز دراسات الوحدة العربية. ص: 20

[8] – مصطفى، حجازي. الإنسان المهدور دراسة تحليلية نفسية اجتماعية. المركز الثقافي العربي، ط1، 2005. ص: 57.

[9] – مصطفى، حجازي. الإنسان المهدور دراسة تحليلية نفسية اجتماعية. المركز الثقافي العربي، ط1، 2005. ص: 60.

[10] – البوطي، محمد سعيد رمضان، اللامذهبية أخطر بدعة تهدد العالم الإسلامي، مكتبة الفارابي، ط 2، ص: 23

[11] – المرجع السابق، ص:102- 103

[12] – سورة الزمر الآية 17- 18

[13] – سورة الأنبياء الآية 7

[14] – سورة يوسف الآية 109

[15] – سورة المؤمنون الآية 24

[16] – سورة فصلت الآية 13- 14

[17] – سورة الأنبياء الآية 48

[18] – سورة المائدة الآية 46 / مجموعة من المفسرين تبنوا هذا الرأي:الطبري 7/586، السيوطي في الدر المنثور 5/132، الشوكاني في الرسائل السلفية ص191

[19] – سورة يونس الآية 94

[20] – سورة الزخرف الآية 45

[21] – سورة البقرة الآية 260

[22] – سورة يونس الآية 94

[23] – سورة التوبة الآية 51

[24] –  سورة محمد الآية 24

[25] – سورة ص الآية 29

    اقرأ ايضا

    المزيد من المقالات

    مقالك الخاص

    شــارك وأثــر فـي النقــاش

    شــارك رأيــك الخــاص فـي المقــالات وأضــف قيمــة للنقــاش، حيــث يمكنــك المشاركــة والتفاعــل مــع المــواد المطروحـــة وتبـــادل وجهـــات النظـــر مــع الآخريــن.

    error Please select a file first cancel
    description |
    delete
    Asset 1

    error Please select a file first cancel
    description |
    delete