أنثروبولوجيا الشريعة الإسلامية الجزء الثامن

تكوين

1

 

قبل ظهور التوراة، كانت العبودية ظاهرة اجتماعية مقبولة في جميع السياقات الثقافية حول العالم، بما في ذلك الأنظمة الحضارية الأكثر تطوراً؛ في اليونان لم تقف الفلسفة التقليدية على التناقض الجسيم، الذي يشعر به الوعي المعاصر، بين العبودية والأخلاق. ووجد فيها أفلاطون وأرسطو ظاهرة اعتيادية منسجمة مع الطبيعة ومن ثم مع العقل.

وفي السياق الروماني، تنبهت الأفكار الرواقية لهذا التناقض فاعتبرت الرق ظاهرة منافية لمنطق الطبيعة، ونادت بوحدة الجماعة الإنسانية. ورغم انتشارها المعروف في الأوساط العليا من الدولة، لم تتمكن هذه الأفكار من إلغاء الرق أو تخفيف آثاره السلبية، بل على العكس من ذلك شهدت هذه الظاهرة انتكاسة لافتة، حيث كان للسيد الروماني حق التصرف في عبيده بالحياة والموت.

2

شرعية الرق في التوراة

التشريعات الدينية – بدورها- لم تحقق أي اختراق لهذه القاعدة: أقرت التوراة بشرعية الرق، ولم تناقشه كنظام مناف للمساواة والأخوة الإنسانية، بل شرعت في التعاطي معه وتنظيمه بأحكام تفصيلية، تضمنت المزيد من مجافاة الأخوة الإنسانية.

في التأسيس اليهودي للعبودية، لا تبرز فكرة التمييز من الأعراق بحكم الطبيعة كما روجها الفكر اليوناني، بل تظهر فكرة “اللعن” الدينية. لقد كتب الله الرق على شعب كنعان، وهم ذرية “حام” بن نوح، عقاباً له على فعله الشائن حين أبصر عورة أبيه الذي ” سكر وتعرى داخل خبائه”. نقرأ من سفر التكوين: ” فلما استيقظ نوح من خمره، علم ما فعل به ابنه الصغير، فقال: ملعون كنعان. عبد العبيد يكون لإخوته. وقال: مبارك الرب إله سام. وليكن كنعان عبدًا لهم. ليفتح الله ليافث فيسكن في مساكن سام، وليكن كنعان عبداً لهم”. (الاصحاح ج 9:20-27).ً

مقابل العرقية الطبيعية في الطرح اليوناني، تبرز عرقية دينية يهودية، موجهة إلى أبناء كنعان الحاميين، خصوم الشعب العبري. وهي توظف – كالعادة- في إطار الصراع السياسي الإثني، الذي يستغرق مادة النصوص في العهد القديم. في الحالتين نحن حيال تمييز عرقي، بصرف النظر عما إذا كان مصدره الطبيعة أو الحكم الإلهي المفارق.

لاحقاً، ستربط التفسيرات اليهودية لسفر التكوين بين لعنة حام والبشرة السوداء، وسوف ينتقل هذا التصور إلى الكتاب المسلمين. يقول ابن قتيبة (ت 276 هـ) نقلاً عن وهب بن منبه: ” حام بن نوح كان رجلاً أبيض حسن الوجه والصورة، فغيرًّ الله عز وجل لونه وألوان ذريته من أجل دعوة أبيه.. ولد حام كوش بن حام وكنعان بن حام” (كتاب المعارف، القاهرة 1969، ط4، ص 27).

وبوجه عام، ستتحول عرقية اللعن داخل الفكر اليهودي إلى عرقية طبيعية واسعة تشمل شعوباً غير سوداء.. ففي كتابه “دلالة الحائرين”، يشير ابن ميمون إلى الترك في الشمال والسودان في الجنوب بقوله ” وما هؤلاء عندي في مرتبة الإنسان، وهم من مراتب الموجودات دون مرتبة الإنسان، وأعلى من مرتبة القرد».

-3-

تشريعياً، تعاملت التوراة مع الرق كفعل مباح داخل الجماعة العبرية. وخلافاً للأنظمة اليونانية التي لم تجز استرقاق اليوناني من حيث المبدأ، أجازت التوراة حصول الرق على العبري إذا أصابه الفقر وأراد أن يبيع نفسه أو أولاده (كالتشريع البابلي)، أو إذا سرق ولم تكف أمواله لسداد غرامة السرقة.

ولكن التوراة نصت على أحكام خاصة بالعبد العبري: فهي تحض على الرفق به تمييزاً له عن بقية العبيد من الشعوب الأخرى أو المستوطنين: ” إذا افتقر أخوك عندك وبيع لك، فلا تستعبده استعباد عبد. أجير كنزيل يكون عندك.. لا تتسلط عليه بعنف، بل أخشى إلهك.. وأما عبيدك وإماؤك الذين يكونون لك فمن الشعوب الذين حولكم، منهم تقتنون عبيداً وإماءً. وأيضا من أبناء المستوطنين النازلين عندكم، منهم تقتنون، و من عشائرهم الذين عندكم الذين يلدونهم في أرضكم فيكونون ملكاً لكم”
( لاويين 25:39-54).

ووضعت التوراة حدًا أقصى لمدة الرق بالنسبة إلى العبري،  فهو يعتق، بقوة القانون، بمرور ست سنوات على استرقاقه، أو بحلول سنة اليوبيل (السنة التالية لسبع سنين سبتية، و هي تأتي كل خمسين سنة، وتعود فيها الأملاك لأصحابها الأصليين) “إذا بيع لك أخوك العبراني أو أختك العبرانية وخدمك ست سنين ففي السنة السابعة تطلقه حراً من عندك ” ( تثنية 12:23 ). ” أجير عندك إلى سنة اليوبيل، يخدم عندك” (لاويين 40:25).

وحرمت بيعه إلى غير العبري: إنهم عبيدي الذين أخرجتهم من أرض مصر لا يباعون مع العبيد ” (لاويين 42:25)، وإذا حدث أن بيع إلى غريب مستوطن فيجب السعي إلى فكه” فبعد بيعه يكون له فكاك، أو يفكه واحد من إخوته، أو يفكه عمه أو ابن عمه، أو يفكه واحد من أقرباء جسده من عشيرته، أو إذا نالت يده يفك نفسه” ( لاويين 25: 47، 48، 49 ). وأما غير العبري فيظل هو وأبناؤه عبيداً يتوارثهم العبريون إلى الأبد: ” تستعملونهم لأبنائكم من بعدكم ميراث ملك، تستعبدونهم إلى الدهر. أما أخونكم بنو إسرائيل فلا يتسلط إنسان على أخيه بعنف” (لاويين 25: 46).

-4-

ما أهدف إلى مناقشته هنا هو: دلالة الإقرار من قبل النصوص الدينية بظاهرة اجتماعية غير أخلاقية، فضلاً عن معالجتها بأحكام عنصرية هي بدورها غير أخلاقية، أعنى منافية للقيم “الكلية” المشتركة في الحس الإنساني. فالنصوص التوراتية لم تكتف بالاعتراف بالرق، بل كرست من خلاله فكرة التمييز العرقي بين البشر، وهو أمر لا يتصور إسناده إلى الأخلاق الكلية، وهي بحسب الطرح الكتابي ترجع إلى الله، وخيرة بالضرورة.

جميع البشر بالنسبة إلى الله شيء واحد، أي سواء، ومن ثم فإن القانون الإلهي حيال البشر واحد، وكل ما ليس كذلك ليس قانوناً إلهيًا. ومؤدى ذلك أن القانون “الإلهي” الوحيد هو “الأخلاق الكلية”              (المشتركة )، فهي القانون الوحيد الذي يصح وصفه بأنه واحد، أي مطلق ثابت. وهذا هو ما أعنيه بالقول: إن التشريعات الاجتماعية التفصيلية المتعددة، حتى وإن وردت في نصوص، لا تنتمي إلى جوهر الدين المطلق، بل إلى الاجتماع البشرى المتغير.

ولذلك فإن تغييرها جائز بمرور الزمن، وهو فعل طبيعي لا يتنافى مع الإيمان.

“واضح من سياقات الاجتماع الكتابي أن دائرة

التشريع لا تتطابق مع دائرة الأخلاق الكلية.

ومن هذه الزاوية يبدو الدين أحياناً وكأنه

مناقض للأخلاق، أو يمتلك أخلاقاً خاصة.

وهي زاوية لا يدركها الوعي الكتابي الداخلي،

الذي ينكر أي وجود للأخلاق خارج الدين ذاته”.

… ثمة نقطة تقاطع دقيقة بين الأخلاق الكلية وفكرة التحريم أو التأثيم الديني: (ليس كل محرم دينياً مؤثماً في الأخلاق) كما في الأطعمة التي يحرمها التشريع الديني مطلقاً أو في أوقات بعينها. وفي المقابل (ليس كل مؤثم أخلاقياً محرماً في الدين ) كما في القبول بالرق، وفي التمييز بين البشر في الحقوق بسبب الدين ذاته: الحالة الأولى يمكن تفهمها – بمنطق الأخلاق – لأن التشريع فعل اجتماعي تمليه ظروف الواقع. أما الحالة الثانية فيصعب تفهمها بمنطق الدين – لأن الدين يقول بأنه جاء ليحكم الاجتماع بالأخلاق.

-5-

فلسفة الروح المسيحية

فلسفة الروح والمحبة المسيحية لم تؤد إلى تحرير العبيد، حتى بعد امتلاكها لقوة الدولة وصلاحيات التشريع. وهو ما يكرس فكرتنا عن تاريخ الاجتماع، الذي ظل يؤكد أن غرائز الواقع كانت دائما أقوى من القيم. ويكرس أيضا فكرتنا عن تاريخ الدين، الذي ظل يشتغل من داخل الاجتماع، ويعجز عملياً عن احتواء الغرائز واخضاعها بشكل كليِّ لمنطق الأخلاق.

روح المسيحية التي نفرت من شكلانية الناموس، وعابت على الكهنة تدنيس الهيكل بالبيع والشراء، لم تظهر النفور من فكرة العبودية في ذاتها، فلم تتضمن النهي عن استعباد البشر للبشر:

في خطابه الدعوى، اعتمد المسيح على الأمثال التي يضربها لتلاميذه من واقع الحياة الاجتماعية. وبكثرة لافتة استخدم المسيح في هذه الأمثلة علاقة العبد بالسيد لشرح علاقة الإنسان بالله ما يشير إلى قبولها كفكرة طبيعية راسخة: ” وأنتم مثل أناس ينتظرون سيدهم متى يرجع من العرس، حتى إذا جاء وقرع يفتحون له للوقت. فطوبى لأولئك العبيد الذين إذا جاء سيدهم يجدهم ساهرين” (لوقا 12: 36)، وعند لوقا أيضا على لسان المسيح تبدو خدمة العبد لسيده واجباً بديهياً لا يستحق الشكر: ” ومن منكم له عبد يحرث أو يرعى، يقول له إذا دخل من الحفل تقدم سريعاً واتكئ، بل يقول له أعدد ما اتعشى به، وتمنطق واخدمني حتى آكل وأشرب، وبعد ذلك تأكل وتشرب أنت، فهل لذلك العبد فضل لأنه فعل ما أمر به؟ لا أظن. كذلك أنتم أيضا، متى فعلتم كل ما أمرتم به فقولوا إننا عبيد باطلون، لأننا ما عملنا إلا ما كان يجب علينا، (لوقا 17: 7 -10).

مع بولس، ستتأسس طاعة العبد لسيدة تأسيساً إلهياً صريحًا:” أيها العبيد أطيعوا سادتكم حسب الجسد بخوف ورعدة في بساطة قلوبكم كما للمسيح، لا بخدمة العين كمن يرضي الناس، بل كعبيد للمسيح، عاملين مشيئة الله من القلب، خادمين بنية صالحة كما للرب وليس للناس، عالمين أن مهما عمل كل واحد من الخير فذلك سيناله من الرب عبدًا كان أو حرًا. وأنتم أيها السادة افعلوا لهم هذه الأمور تاركين التهديد، عالمين أن سيدكم انتم أيضا في السماوات وليس عنده محاباة”  ( أفسس 6: 5-9).

 -6-

منذ أواخر القرن الرابع صارت المسيحية دولة تمتلك صلاحيات السلطة الزمنية، وبامتداد العصور الوسطى، ظلت تتوفر على مرجعية تشريعية مزدوجة، مستمدة من القانون الروماني وشريعة العهد القديم. وفي هذا السياق لم يظهر الفكر المسيحي أي موقف نظري مضاد لفكرة الرق، وجرى التعاطي معها كأمر واقع مباح، مفروغ من مشروعتيه. لكن هذا الموقف سيظهر لاحقاً تحت ضغط التحولات الاجتماعية الجذرية التي فرضتها الحداثة.

تاريخياً، وكما ظهرت العبودية بفعل الاجتماع، حرمت وتلاشت عمليًا بفعل الاجتماع؛ يمكن الحديث هنا عن مسار طويل من التطور الاقتصادي يشمل أدوات وعلاقات الإنتاج، وتغير القيمة النسبية للعمل البشرى كمصدر للطاقة إلى جانب التصورات الثقافية والسياسية التي وضعت الحرية على رأس المقومات الأساسية للإنسان، وأعادت الاعتبار لقيمة الذات الفردية.

ما أَلفتُ إليه هنا هو الموقف الرسمي للكنيسة (وهو نفس موقف الفقه الإسلامي) من تلاشى العبودية وتحريمها اجتماعياً. المؤسسة الرسمية في الثقافتين الكتابيتين لم تستطع – بالطبع – الوقوف في وجه التطور الاجتماعي الكاسح. ولم تقدم ا أي دفاع عن وضعية الرق كـ “حكم تشريعي مقنن في النصوص” أقرت الكنيسة، وكذلك الفقه بالواقع الجديد، وتكلمت عن العبودية كنظام تاريخي لا تقع مسئولية وجوده على الدين، بل على الظروف الاجتماعية.

وهو ما يعنى اعترافاً متأخراً – تحت الضغط – بمسئولية الاجتماع عن التشريع حتى في ظل حضور الدين.

(في السياق الإسلامي، لا يعبر هذا الموقف الرسمي عن رؤية التيارات السلفية الأكثر تطرفاً وعنفاً،

والتي تؤمن بحرفية النصوص، وتعلن عن رفضها الصريح لنتائج الحداثة، وتشير إلى “جواز” الرق كحكم شرعي دائم بسبب دوام حكم الجهاد، الذي يفتح الباب أمام الأسر والسبي مكافأة للمقاتلين).

في نهاية التحليل، إذا كانت الأخلاق الكلية إلهية بالضرورة، يترتب على القول بإباحة الرق، إما أن الدين متناقض في جملته، وإما أن التشريع فعل اجتماعي لا ينتمي إلى جوهر الدين. يعني: أن الدين من حيث هو نظام أخلاقي كلى، لا يتدخل في التفاصيل الاجتماعية تدخلاً تشريعياً، وإلا لكان الأولى أن يتدخل لتأثيم العبودية من حيث هي فعل اجتماعي مناقض لماهيته، خلافاً للدولة، لا يقوم الدين على فكرة “القانون” المدعم بسلطة التنفيذ الجبرية بل يكتفى بالقوة الإيحائية الكامنة في قانون الأخلاق، تلك القوة الداخلية التي تظل أهم و”أفعل” آليات التكليف.

-7-

التشريع الإسلامي

مقارنة بالتوراة والتشريعات البابلية، تبدو المعالجة القرآنية لمسألة الرق أكثر دفئاً (أو بالأحرى أقل قسوة) فهي تكشف عن توجه واضح للحد من آثار العبودية وتقليص وجودها، كما تتضمن حضاً صريحاً على الإحسان إلى العبيد: بوجه عام، دعت النصوص إلى فلك الرقاب، واعتبرت ذلك عملاً من أعمال الخير التي يقتحم الإنسان بها عقبه نفسه الأمارة بالسوء:

“فلا اقتحم العقبة، وما أدراك ما العقبة، فك رقبة، أو إطعام في يوم ذي مسغبة” (سورة البلد 11 -14). وأدخلت العتق ضمن نظام التعويض بالكفارات كما في حكم القتل الخطأ: ” ومن قتل مؤمنًا خطأ فتحرير رقبة مؤمنة ودية مسلمة إلى ” (النساء 92)، وفى حكم الظهار: “والذين يظاهرون من نسائهم ثم يعودن لما قالوا، فتحرير رقبة من قبل أن يتماسا”(المجادلة 3).

لكن الواضح أن المعالجة القرآنية لم تسفر عن رؤية مختلفة جوهرياً، على مستوى الموقف من العبودية. فقد تعامل معها القرآن تماماً مثل التوراة، كأمر واقع مباح، وظل الرق نظاماً اجتماعية معترفاً به، وتجرى معالجته بأحكام تكليفية من قبل النصوص. وفي التفاصيل كانت هذه الأحكام مستمدة بشكل مباشر من الأعراف القبلية السائدة في المحيط العربي، والتي لم تختلف في جوهرها عن التشريعات المجاورة.

جريًا على منهجه الإجمالي، لم يعالج القرآن مسألة الرق كموضوع تشريعي متكامل، ولم يقدم في شأنها تغطية تفصيلية كما في التوراة أو قوانين حمورابي، تضمنت النصوص بعض الأحكام الجزئية الخاصة بالرقيق، وأحالت فيما سكتت عنه إلى النظام العرفي السائد، الذي نقلته إلينا الروايات الإخبارية، بما في ذلك أحاديث الرسول . تتضمن الأحاديث النبوية بعض الأحكام التفصيلية الإضافية الخاصة بآليات العتق كالمكاتبة، أو بآثاره كالولاء، وهي بدورها أحكام منقولة عن قواعد العرف السائدة.

ومع ذلك، كانت مقتضيات الاجتماع السياسي تدفع بالرسول إلى مخالفة هذه القواعد بغرض تحقيق أغراض سياسية مباشرة: ففي واقعة يرويها ابن سعد، دعا الرسول بعض العبيد إلى الفرار من ساداتهم والانضمام إليه مقابل الحصول على حريتهم.

وذلك يعنى إقراراً من قبله بشرعية فرارهم، في خرق صريح لقواعد العرف، التي تعاقب العبد الآبق بعقوبات محددة قد تصل إلى القتل. فكما يحكي ابن سعد في الطبقات الكبرى، كان بعض العبيد قد فروا من ساداتهم وانضموا إلى الصعاليك والخلعاء من كنانة، ومزينة، والحكم والقارة، الذين تجمعوا في جبل تهامة وأخذوا يغيرون على القرى والقوافل طلباً للغنيمة، وتزايدت قوتهم فيما يبدو حتى صاروا يشكلون خطراً أمنياً، فكتب إليهم الرسول “إن هم دخلوا في الإسلام فعبدهم حر ومولاهم محمد. وما كان فيهم من دم أصابوه أو مال أخذوه فهو لهم، وما كان لهم من دين في الناس رد إليهم”. الطبقات (1/ 278).

العرض المقدم من الرسول يتضمن إهدارًا لملكية السادة القدماء، أي وعداً بالعتق من قبله، وهو ما يستدعى تحويل ولاء العبيد له. هنا تظهر أحكام الرق كظاهرة متحركة بدواعي الاجتماع السياسي، رغم كونها مثبتة بقواعد القانون العرفي، سبب العرض المقدم لتحرير العبيد لم يكن الداعي الأخلاقي، بل الداعي السياسي الذي يتضمن العفو العام عما يفترض أنه جرائم تستحق العقاب بحكم القانون.

   -8-

التأصيل الفقهي

كما في الفكر اليهودي والمسيحي، سيذهب الفقه الإسلامي إلى تأسيس العبودية على إرادة الله: “فالكل عبيد الله، والمال مال الله، لكن سخرَّ بعضهم لبعض، وملك بعضهم بعضاً، إتماماً للنعمة وتنفيذاً للحكمة” (القرطبي، الجامع، م3، ج 5 ص 135).

لم يقف العقل الإسلامي بجميع مستوياته (الفقه / الكلام/ الفلسفة) على المشكل الأخلاقي الكامن في إباحة العبودية بنص ديني. فالفقه الذي انغمس في تفاصيل الحكم الشرعي، راح يفاضل بين الحر والعبد من جهة الفرص المتاحة لكسب الأجر والثواب، يشرح القرطبي: “اختلف العلماء من هذا الباب أيهما أفضل الحر أم العبد فروى مسلم عن أبي هريرة قال: قال رسول الله (ص) ” للعبد المملوك المصلح أجران” والذي نفس أبى هريرة بيده لولا الجهاد في سبيل الله والحج وبر أمي لأحببت أن أموت وأنا مملوك. وروى عن ابن عمر أن رسول الله (ص) قال: إن العبد إذا نصح لسيده، وأحسن عبادة الله فله أجره مرتين، فاستدل بذلك وما كان مثله من فضل العبد لأنه مخاطب من جهتين: مطالب بعبادة الله، ومطالب بخدمة سيده.. واستدل من فضل الحر بأن قال: الاستقلال بأمور الدين والدنيا إنما يحصل بالأحرار والعبد كالمفقود لعدم استقلاله، وكالآلة المصرفة بالقهر، وكالبهيمة المسخرة بالجبر. ولذلك سلب مناصب الشهادات ومعظم الولايات، ونقصت حدوده عن حدود الأحرار إشعاراً بخسة المقدار” (الجامع السابق، ص 136).

(يخلط العقل الفقهي – غالباً – بين “الأمر الواقع” و “الشرعية الإلهية “، بفعل اللازمة الدينية التي تسند جميع الأشياء إلى إرادة الله، من غير تفريق بين إرادته الشارعة (قانون الأخلاق الكلية) وإرادته الخالقة ( قانون الطبيعة وقانون الاجتماع ).

هل وجدت العبودية في التاريخ بإرادة الله الشارعة أم بإرادته الخالقة تماماً كالقتل والسرقة والظلم التي توجد في الواقع رغم النهي التشريعي عنها؟

ما الذي يعنيه كون العبودية لم يرد بشأنها نهى تشريعي، كما ورد بشأن القتل والسرقة والظلم، وهى محرمات أخلاقية؟

في الحد الأدنى، التطابق ليس ضرورياً بين دائرة التشريع ودائرة الأخلاق. التشريع، الذي هو من صلاحية الدولة، لا يدخل في جوهر الدين الثابت، بل تمليه ظروف الاجتماع المتغيرة.).

هذا التناقض الأخلاقي يظهر بشكل واضح في معالجات الفقه لأحكام العبودية، حيث تميز تميزًا صارخاً بين الأحرار والعبيد فيما يتعلق بالحق في الحياة، فبحسب الجمهور “لا يجوز قتل الحر بالعبد استثناء من مبدأ القصاص (مثلما لا يجوز قتل الرجل بالمرأة، ولا المسلم بغير المسلم):

في التعليق على الآية 178 من سورة البقرة “يا أيها. الذين آمنوا كتب عليكم القصاص في القتلى، الحر بالحر والعبد بالعبد، والأنثى بالأنثى.. ” نقرأ لابن العربي: وبالتنويع والتقسيم في الآية فإن جمهور العلماء لا يقتلون الحر بالعبد. وقال أبو ثور: لما اتفق الجميع على أنه لا قصاص بين العبيد والأحرار فيما دون النفوس، كانت النفوس أحرى بذلك، ومن فرق بينهما فقد ناقض، وأيضا فالإجماع فيمن قتل عبداً خطأ أنه ليس عليه إلا القيمة، فكما لم يشبه الحر في الخطأ لم يشبه في العمد، وأيضاً فإن العبد سلعة من السلع يباع ويشترى، ويتصرف فيه الحر كيف شاء، فلا مساواة بينه و بين الحر ولا مقاومة» (انظر القرطبي، الجامع لأحكام القرآن، م6، ج12، ص 72).

منطقياً، وبمقتضى سبب النزول، فإن التنويع والتقسيم الوارد في النص لا يؤدى إلى ما ذهب إليه الجمهور من تمييز في حرمة الدماء بين الحر والعبد، ولذلك فمن الواضح أن جمهور الفقه كان يوجه دلالة النص لتوافق الثقافة الاجتماعية السائدة.

  -9-

الإماء: أحكام الوطء، والزواج، والزنا

الأمة هي العبدة المملوكة للرجل بالسبي أو بالشراء. وبحكم القرآن يجوز معاشرتها جنسياً استثناءً من عقوبة الزنا: “والذين هم لفروجهم حافظون إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين” (المؤمنون: 5، 6). يتوافق هذا الحكم مع العرف الاجتماعي الجاهلي ويحيل إليه ضمنياً في التفاصيل. ورغم صيغة العموم الواردة في النص، ستنصرف دلالته في كتب التفسير والفقه بحث تقتصر على الرجال دون النساء: يقول ابن العربي: “من غريب القرآن أن هذه الآيات العشر عامة في الرجال والنساء، كسائر ألفاظ القرآن التي هي محتملة لهم فإنها عامة فيهم إلا قوله “والذين هم لفروجهم حافظون فإنما خاطب بها الرجال خاصة من دون الزوجات، بدليل قوله ” إلا على أن أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم”، وإنما عرف حفظ المرأة فرجها من أدلة أخرى كآيات الإحصان عموما وغير ذلك من الأدلة”(أحكام. القرآن، تفسير سورة المؤمنو.ن وانظر التأويل نفسه على سبيل المثال عند الطبري، والقرطبي، والرازي، وعند الطبرسي من التفاسير الشيعية).

وعلى هذا التأويل – يشرح القرطبي – “لا يحل لامرأة أن يطأها من تملكه إجماعاً من العلماء، لأنها غير داخلة في الآية. ولكنها لو أعتقته بعد ملكها جاز له أن يتزوجها كما يجوز لغيره عند الجمهور” (الجامع، م6، ج12، ص 72). وتنقل الروايات عن قتادة أن امرأة تسررت غلامها ( ضاجعت عبدها ) فذكر ذلك لعمر فسألها: ما حملك على ذلك ؟ قالت: كنت أراه يحل لي بملك يميني كما تحل المرأة للرجل بملك اليمين، فاستشار عمر في رجمها اصحاب النبي (ص) فقالو: تأولت كتاب الله عز وجل غير تأويله، لا رجم عليها . فقال عمر لا جرم . والله لا أحلك لحر بعده أبداً.

عاقبها بذلك، وأمر العبد ألا يقربها » ( الجامع، السابق، وانظر ابن العربي، أحكام القرآن، سورة المؤمنون ).

واضح أن التفسير – وهذا طبيعي. يعبر عن الثقافة الاجتماعية السائدة وهي ثقافة ذكورية لا تحل للمرأة ما يحل للرجل في خصوص الأعراض. ومن اللافت أن عمر من موقع الحاكم، أعطى لنفسه الحق في تحريم الزواج على المرأة لاحقاً، حتى لو من حر. وهو حكم لا سند له من النصوص، لكنه يكشف عن طريقة التعاطي مع التشريع كفعل اجتماعي يتعلق بالسلطة.

-10-

“والمحصنات من النساء إلا ما ملكت أيمانكم، كتاب الله عليكم، وأحل لكم ما وراء ذلكم أن تبتغوا بأموالكم محصنين غير مسافحين. فما استمتعتم به منهن فآتوهن أجورهن فريضة ولا جناح عليكم فيما تراضيتم به من بعد الفريضة، إن الله كان عليمًا حكيما (24). ومن لم يستطع منكم طولاً أن ينكح المحصنات المؤمنات فمن ما ملكت أيمانكم من فتياتكم المؤمنات، والله أعلم بإيمانكم بعضكم من بعض، فانكحوهن بإذن أهلن، وآتوهن أجورهن بالمعروف، محصنات غير مسافحات ولا متخذي أخدان، فإذا أحصن فإن أتين بفاحشة فعليهن نصف ما على المحصنات من العذاب، ذلك لمن خشى العنت منكم، وأن تصبروا خير لكم، والله غفور رحيم (25)”. في هاتين الآيتين من سورة النساء ثلاثة أحكام تشريعية. تتعلق بالإماء:

  • إباحة وطء الأمة ولو كانت متزوجة.
  • إباحة زواج المسلم الحر من أمة.
  • عقاب الأمة الزانية بنصف عقوبة الحرة الزانية.

وهي جميعاً أحكام مهجورة تمثل نموذجاً لتشريعات منقرضة جرى تجاوزها في الواقع بحكم تغير الثقافة الاجتماعية، وهي تقدم شرحاً للقاعدة التاريخية المضطردة، والتي تقول بأن القانون، فعل اجتماعي متحرك يتطور بالضرورة بفعل الظروف البيئية التي لا تكف عن التغير، ويتعدد بالضرورة بفعل الظروف البيئية المتنوعة.

الروايات الواردة في أسباب النزول، والشروح الفقهية حول الآيتين توفر لنا فرصة الحضور في أجواء الثقافة الاجتماعية التي أفرزت النص في مرحلة التنزيل، والتي ظلت سارية إجمالاً حتى مرحلة التدوين الفقهي وفرصة المقابلة بينها وبين أجواء الثقافة الاجتماعية الراهنة:

 الوطء

الرق يفسخ الزواج

يتحدث النص عن “المحصنات من النساء”أي المتزوجات من النساء عموما، فكل امرأة متزوجة لا يجوز عقد الزواج عليها، وبالطبع لا يجوز وطؤها من غير زوجها، “إلا ما ملكت أيمانكم” أي إلا الإماء فيجوز – استثناء – وطؤهن ولو كن ذوات أزواج. بحسب الروايات، نزلت الآية بعد أن بعث الرسول يوم حنين جيشاً إلى أوطاس فلقوا عدواً فقاتلوهم وظهروا عليهم، وأصابوا لهم سبايا فكان ناساً من أصحاب النبي (ص) تحرجوا من غشيانهن من أجل أزواجهن من المشركين ” (انظر صحيح مسلم، كتاب الرضاع، باب جواز وطء المسبية بعد الاستبراء، وإن كان لها زوج انفسخ نكاحها بالسبي: 1456 ) .

بالتأسيس على ذلك، ذهب جمهور الفقهاء إلى أن السبي في الحرب يقطع العصمة، أي يؤدى تلقائياً إلى انفساخ زواج المرأة المسبية. وعمم الفقه ذلك على الأمة المشتراة، واعتبر بيعها طلاقها، لأن الفرج محرم على اثنين من الرجال في حال واحدة بإجماع المسلمين” (انظر القرطبي، الجامع، م3، ج5). ومعنى ذلك أن العبودية تجب عقد الزواج، وإذا كان لابد للفرج من رجل واحد فالأولوية للمالك وليس للزوج.

هل تبدو المرأة هنا وكأنها تختزل إلى مجرد فرج، يمكن الاستيلاء عليه بالقتال، أو شراؤه بالمال؟ في الحالتين تسفر العبودية هنا عن وجه صارخ من وجوه القسوة البشرية، وهي تنتزع المرأة من زوجها، مطلقة العنان لغرائز الغابة الكامنة في الإنسان. ومن جديد يظهر السؤال عما إذا كان ممكنًا إسناد هذا الحكم إلى الدين المطلق، من حيث هو مرادف للأخلاق الكلية.

-11-

زواج الحر من امة

يمنع الفقه زواج العبد من المسلمة الحرة، لكنه بالتأسيس على الآية الثانية، يبيح زواج الحر من الأمة، وفي الفقه الشافعي يعتبر الرازي أن: الآية دالة على التحذير من نكاح الإماء، وأنه لا يجوز الإقدام عليه إلا عند الضرورة، والسبب فيه وجوه؟ الأول: أن الولد يتبع الأم في الرق والحرية، فإن كانت الأم رقيقة كان الولد رقيقاً، وذلك يوجب النقص في حق ذلك الإنسان وفي حق ولده. الثاني: أن الأمة قد تكون تعودت الخروج والبروز والمخالطة بالرجال وصارت في غاية الوقاحة، وربما تعودت الفجور، وكل ذلك ضرر على الأزواج. الثالث: أن حق المولى عليها أعظم من حق الزوج، فمثل هذه الزوجة لا تخلص للزوج كخلوص الحرة، فربما احتاج الزوج إليها جداً ولا يجد إليها سبيلاً لأن السيد يمنعها ويحبسها. الرابع: أن المولى قد يبيعها فعلى قول من يقول بيع الأمة طلاقها تصير مطلقة شاء الزوج أم أبي، وعلى قول من لا يرى ذلك فقد يسافر المولى الثاني بها وبولدها، وذلك من أعظم المضار – الخامس: أن مهرها ملك لمولاها، فهي لا تقدر على هبة مهرها من زوجها، ولا على إبرائه عنه بخلاف الحرة، فلهذه الوجوه، ما أذن الله في نكاح الأمة إلا على سبيل الرخصة (الرازي، مفاتيح الغيب فقها، م 5، ص 48، 49).

فقهيًا، حكم الزواج بالأمة هو الإباحة مع الكراهة، فهو رخصة مقررة لرفع الحرج عند عدم القدرة على الزواج من حرة، وعلى غير العادة الفقهية، يقدم الرازي تأصيلاً ” اجتماعياً” للحكم الشرعي فالزواج من أمة يخلق وضعية اجتماعية حرجة، تتمزق فيها المرأة بين واجباتها حيال مالكها وواجباتها حيال زوجها، فهي في الواقع مملوكة لسيدين في وقت واحدة ملكية متعارضة، ويصعب ضبط المسألة فيما يتعلق بحق الوطء.

لكن هذه الوضعية المستحيلة، ورغم تداولها في كتب التفسير لم تدفع إلى إثارة النقاش في العبودية من حيث المبدأ بوصفها أصل المشكل، بل دفعت الفقه إلى التأكيد على أن حق المالك أعظم من حق الزوج.

ويبدو من صيغة الآية، التي تهدف إلى رفع الحرج، أن الأعراف الجاهلية لم تكن تستحب هذا النوع من الزواج، فليس في المصادر الاخبارية ما يشير إلى وجوده في أوساط القبائل العربية. ولذلك يمكن لنا قراءة الآية كأحد نماذج التفاعل بين النص التشريعي والعرف الاجتماعي من خلال التعديل “الجزئي” لسد “حاجات” الجماعة المسلمة في ظل تزايد أعدادها، وتفاقم نشاطها العسكري، في سياق اقتصادي فقير بوجه عام. فرضت هذه الحاجات سياسة التسهيل أمام عنوان “الزواج” كإطار مشروع أخلاقيا للوطء الجنسي. وهو العنوان ذاته الذي يمكن أن نقرأ تحته حكم “المتعة” وهو يتردد في السياسة التشريعية بين الإباحة والتحريم من قبل الرسول، فكما ينقل ابن العربي: ” كان للمتعة في التحليل والتحريم أحوال، فمن ذلك أنها كانت مباحة ثم حرمها النبي (ص) زمن خيبر، ثم حللها في غزاة الفتح، ثم حرمها بعد”( أحكام القرآن ، القسم الأول ، سورة النساء).

-12-

زنا الأمة

“فإذا أحصن فإن أتين بفاحشة فعليهن نصف ما على المحصنات من العذاب”

تعالج الآية حالة الأمة التي تتزوج ثم ترتكب الزنا، فعقوبتها نصف عقوبة الحرة الزانية، أي خمسين جلدة ، وظاهر النص يقتضى أنه لا عقوبة على زنا الأمة غير المتزوجة، وهذا ما انتهى إليه فقه الصحابة ، فقد سئل عمر بن الخطاب عن حد الأمة فقال : ” إن الأمة ألقت فروة رأسها من وراء الدار” وتعليقاً على ذلك ينقل القرطبى عن أبي عبيدة ( إنما أراد بالفروة القناع ، يقول ليس عليها قناع ولا حجاب ، وأنها تخرج إلى كل موضع يرسلها أهلها إليه ، لا تقدر على الامتناع من ذلك ، فتصير حيث لا تقدر على الامتناع عن الفجور، فكأنه رأى ألا حد عليها إذا فجرت لهذا المعنى”( القرطبي ، الجامع ، م 3 ، ج 5، ص 103  ،104) ، وفى الحوار الذى جرى بين علي بن أبي طالب وزيد بن ثابت حول ما إذا كان المكاتب يظل عبداً حتى يتم أداء المال ، قال زيد لعليِّ: أكنت راجمه لو زنى ، أو مجيزاً شهادته لو شهد ؟ فقال علىّ: لا ، فقال زيد هو عبد ما بقى عليه شيء.” (الجامع، م 6، ج12، ص166).

يعبر هذا الفقه عن ثقافة الأعراف الجاهلية ، فبحسب المصادر العربية لم تكن هذه الأعراف تعاقب الإماء على الزنا، فالزنا لم يكن فعلاً مؤثماً في ذاته تأثيما جنائيًا، بل كان المؤثم هو زنا “المرأة ” المتزوجة بوجه خاص بوصفه اعتداء على عرض الزوج، وعلى ذلك كان من المقبول في العرف العربي استخدام السادة لإمائهم في الزنا لكسب المال، أو بغرض الاستبضاع (طلب الولد ). وتذكر الروايات أن عبد الله بن أبي كانت له ست جوار يكرهن على الزنا ويأخذ أجورهن، وهن معاذة، ومسكية، وأميمة وعمرة، وأروى، وقتيلة”. ويشرح الواحدي: “وكذلك كانوا يفعلون في الجاهلية، يؤاجرون إماءهم، فلما جاء الإسلام اشتكت مسكية إلى الرسول (ص) فأنزل الله تعالى ” ولا تكرهوا فتياتكم على البغاء إن أردن تحصناً”. (أسباب النزول، ص 250 ،251).

النهي هنا عن الإكراه وليس عن فعل الزنا في ذاته، ولذلك فنحن في هذا النص حيال تعديل تشريعي للنظام العرفي العربي، لكنه تعديل “جزئي” يبقى على وضعية الأمة غير المتزوجة من دون عقاب ولو كانت مسلمة، وهو ما صرح به سعيد بن جبير، والحسن وقتادة، وروى عن ابن عباس، وأبي الدرداء، وبه قال أبو عبيد الذي نقل حديث عمر” (الواحدي، أسباب النزول، ص 250، 251). ولذلك سيذهب البعض إلى أن العقوبة على زنا الأمة غير المحصنة مصدرها السنة وليس القرآن، يقول الزهري: “المتزوجة محدودة بالقرآن، والمسلمة غير المتزوجة محدودة بالحديث، أما الكافرة فلا تحد إذا زنت في قول الجمهور.

    اقرأ ايضا

    المزيد من المقالات

    مقالك الخاص

    شــارك وأثــر فـي النقــاش

    شــارك رأيــك الخــاص فـي المقــالات وأضــف قيمــة للنقــاش، حيــث يمكنــك المشاركــة والتفاعــل مــع المــواد المطروحـــة وتبـــادل وجهـــات النظـــر مــع الآخريــن.

    error Please select a file first cancel
    description |
    delete
    Asset 1

    error Please select a file first cancel
    description |
    delete