الألتراس والصراع الاجتماعي .. جدل الدين والهوية في الهامش

تكوين

ربما يسمح الفضاء الاجتماعي؛ باعتباره المحيط الحيوي الذي تتشكل فيه المفاهيم، بوجود نوع من العلاقات الممتدة بين معطيات هذا المحيط وأطرافه؛ بشكل يتيح تخلُّق المزيد من المفاهيم التي تصبح جزءً منه.

ومع انتظام الفاعلين داخل المجال العام في أداء أدوار متمايزة، يتشكل النسيج العمومي وتتجلى مكوناته الاقتصادية والطبقية؛ بما يتماهى مع منظومة الأدوار والأنشطة التي تُمارس في سياقات أبنية المجتمع وقدرات أفراده ومؤهلاتهم.

كيف يؤثر الدين على الهوية؟

وإذا كان جيل دولوز في تمييزه لدلالة المفهوم، يرى أنّه يأتي جوابًا عن سؤال الكيف؛ لكونه يمثل تجاورًا بين عدة مكونات، وليس توحيدًا لها، أو جواباً عن سؤال الماهية؛ لكونه يمثل سلسلة من التنويعات ودرجات الشدة[1]؛ فإنه بالضرورة يعبر عن تصور ذهني عام ومجرد، أو صورة عقلية تصقلها الخبرات لتنتج مدلولا التزاميا. وبالتالي فالمفاهيم لا تكون جاهزة في انتظارنا كما لو كانت أجساما سماوية، فليست هناك سماء للمفاهيم، بل هي قابلة للتجدد والتشكل بصورة دائمة[2].

ويمكن القول إنّ مفاهيم الصراع الاجتماعي، تنشأ وتتبلور في ضوء العلاقة بين المركز بكل ما يمثله من مؤسسات السلطة وأدواتها وخطابها الأيديولوجي، والأطراف بكل ما تمثله من تكتلات وحركات اجتماعية وسياسية، حيث تختلف المسافات البينية بين كل منها وبين المركز، وفقا لدرجة التماهي في شبكة المصالح والأولويات المشتركة، حتى إنه في أحيان كثيرة تضيق المسافات بين فريقين، ربما بينهما تنافر بنيوي، وقد تبتعد بين اثنين، بينهما نوع من الاتساق الأيديولوجي.

الهامش بين ضغط المركز وسيولة الأطراف

اقتصرت الدراسات الاجتماعية والسياسية، على ثنائية المركز والأطراف؛ بوصفها التفسير الأوحد للعلاقة بين الغرب والشرق في العصر الكولونيالي، أو داخل الدولة الوطنية، التي تحكمها نخبة بعينها، وكثيرا ما يتمّ الدمج بين الأطراف والهامش، للدلالة على مفهوم واحد؛ وبالتالي فإنّ الوجود داخل الهامش/ الأطراف؛ يعني ضمناً الاستبعاد من “المركز”.

وتأخذ العلاقة بين المركز والأطراف عدة أشكال: ثقافية وسياسية واقتصادية، تربط بينهما في سلسلة تتجلى في تراتبيتها عوامل الهيمنة، بحيث تصبح الأطراف دالة على تفوق المركز، باعتباره الآخر الذي يمارس دوماً، نوعاً من القمع.

ويمكن القول إنّ السلطة المركزية، تمارس سطوتها على كل المؤسسات في الدولة، وتمد أذرع الهيمنة إلى الأطراف، وهو ما أجهض قيام معارضة حقيقية، منذ تمكنت حركات التحرر الوطني من الحكم، ونتيجة لهذا الضغط الثقيل على الأطراف تمدّدت سلطة المركز بوصفها بنية فوقية مجهرية؛ لتقصي كل من يعارض سياساتها النخبوية. ولعبت ميكروفيزيائية السلطة دورها في اختراق العلاقات الاستراتيجية، لتصبح سلطة المركز مفعولا وأثرًا للمجموع، بتعدد مستويات تواجدها، وهو ما يمثل أساسا لا مرئيا لها، فالسلطة هنا منتشرة في الجميع وبين الجميع، وهو ما أضفى عليها طابع التعدد والكثرة، فهذه الميكروفيزياء وفقًا لفوكو “تظهر بالعكس علاقات القوى وتعرضها في عنصر لا شكلي وغير مبني” [3].  وهو ما يجعلها في مواجهة عدد لا نهائي من بؤر الصراع في منطقة أخرى، يمكن تمييزها، تنشأ في الهامش بعيدًا عن الأطراف.

وفي الوقت الذي تخضع فيه الأطراف للهيمنة (Hegemony)، بوصفها أكثر وجوه الاحتواء مهارة وذكاء وتعبيرًا عن القوة الناعمة للدولة كما يقول جرامشي[4]. كان الهامش يخضع للسيطرة (Domination)، والتي تتم عن طريق العنف واستخدام القوة، ويعاني باستمرار من تجاهل المركز لاحتياجاته، ويئن تحت وطأة القمع والاقصاء والعوز الاقتصادي، وعجز الأطراف المُهَيمن عليها عن التواصل معه أو تقديم حلول جذرية لإشكالياته المزمنة.

والهامش واقع باستمرار تحت نير الاستغلال والقمع الدائمين، ومن الملاحظ تنوع كيفيات السيطرة التي يمارسها المركز على الهامش، فالسلطة إما أن تكسره حين تخضعه لأساليب العنف بكل درجاتها، وإما أن تستلب إرادته عن طريق الضغط الاقتصادي من خلال آليات السوق وتكريس أنماط الاستهلاك، وإما أن تترك له مساحة محدودة من الحرية بالشكل الذي لا يؤثر على سلطة المركز وسيطرته، ولا يعني هذا عدم التداخل في استخدام هذه الكيفيات، بل إنّ الأصل يبدو في تداخلها أو في تجاورها، وذلك حين تعمد السلطة إلى استخدام كل الأساليب القسرية والتعويضية والتلاؤمية لضمان بقائها[5] . وفي النهاية يخضع الهامش للسلطة المركزية من خلال أدواتها المؤسسية والأمنية، إلا إنه رغم هذا يمتلك بنية  يمكن في حال تنظيمها، أن تشكل قوة تمثل تهيدًا لسلطة المركز وقدرة على تعطيل فعاليته الميكروفيزيائية.

وإذا كانت الأطراف تشمل المؤسسات الموازية، من أحزاب الظل والتشكيلات النقابية المحدودة، ومؤسسات المجتمع المدني الصغيرة، فإنّ الهامش يشمل مساحة أكبر؛ تضم جماعات الرفاق، وأرباب الحرف، والعاملين ضمن أنشطة اقتصاد الظل، وكل أولئك الذين استبعدتهم الأطراف وقامت بتهميشهم.

جماعات الألتراس والبنية المكانية للهامش.

البنية هي الكيفية التي تنتظم بها عناصر أي مجموعة، وهي تعني كذلك جملة من العناصر المتماسكة فيما بينها، بحيث يتوقف كل عنصر على باقي العناصر الأخرى، وبحيث يتحدد العنصر بعلاقته بتلك العناصر؛ فالبنية هى مجموع العلاقات الداخلية الثابتة التي تميز مجموعة ما، بحيث تكون هناك أسبقية منطقية للكل على الأجزاء، أي إن أي عنصر من البنية لا يتخد معناه إلا بالوضع الذي يحتله داخل المجموعة، وعليه فالكل يبقى ثابتًا بالرغم مما يلحق عناصره من تغيير، وبهذا المعنى تشير البنية إلى صورة الشيئ أو هيكله أو التصميم الذي يربط أجزاؤه، وربما كانت كلمة هيكل أكثر صلاحية للتعبير عن هذا المعنى الاختباري لكلمة البنية، إذ المقصود من هذا المعنى ما يعطيه إيانا الواقع من صيغ، بحيث تكون البنية هي مجموع العلاقات التي تبدو لنا[6].

وتعبر اﻟﺒﻨﻴﺔ ﺍﻟﻤﻜاﻨﻴﺔ عن ﺴﻠﺴﻠﺔ من ﺍﻟﻌﻤﻠﻴﺎﺕ ﺫﺍﺕ ﺍﻟﻨﺴﻕ ﺍﻟﺘﻜﻭﻴﻨﻲ، وهي تتميز بخاصية ﺍﻻﻋﺘﻤﺎد ﻭﺍﻻﻋﺘﻤﺎد ﺍﻟﻤﺘﺒﺎدﻝ لمجموعة من العوامل ﺍﻟﻤﺘداﺨﻠﺔ؛ كالاقتصادية والطبيعية والطبوغرافية، حيث ترتبط طبيعة الحيز المكاني بالموارد البشرية والامكانات الاقتصادية المتاحة[7]. وبنية الهامش لا تعني الإشارة إلى وضع طبقي متمايز، حيث ينضوي تحت الهامش قطاع كبير ممن ينتمون إلى الطبقة الوسطى، التي تعاني الضغط الاجتماعي في ظل اقتصاديات السوق، وما دونها من طبقات أخرى تجمعها  خصائص وظيفية متشابهة، رغم تفاوت مستوى الثقافة والتعليم، لكن ﺍﻟﻔﻌﺎﻟﻴﺎﺕ ﺍﻻﻗﺘﺼﺎدﻴﺔ ﺍﻟﻤﻭﺠﻭدﺓ ﻓﻲ ﺍﻟﺤﻴﺯ، أعطت ﺨﺼﺎﺌﺹ ﻤﻜﺎﻨﻴـﺔ ﻭﻅﻴﻔﻴﺔ، وﺤﺠﻡ ﻤﺴﺘﻘﺭﺍﺕ ذات خصائص متشابهة، فخريج الجامعة القابع في الهامش يعاني البطالة والتهميش، ويضطر للاشتغال بأعمال تمارسها الطبقة العاملة وما دونها، والبنية المكانية للهامش ليست استاتيكية، ولكنها بنية حيوية دائبة الفعالية، تتميز بالحراك الدائم وعدم الاستقرار الاقتصادي، والهامش شاب بطبيعته، يمثل صغار السن فيه أغلبية كبيرة؛ نظرا لافتقاره إلى آليات تنظيم الأسرة، وثقافة تحديد سن الزواج بالنسبة للإناث.

والهامش تنتابه بشكل عام حالة من عدم الرضا عن المركز، ويتهم الأطراف بالانتهازية، مع رفض الخضوع لأذرع الهيمنة التي يمدها المركز عبر مؤسساته، ويعاني كذلك من احباط دائم من محاولات الأطراف الباهتة للتحدث باسمه، والمزايدة بمتاعبه. وعليه يمكن القول إنّ الهامش هو ذلك الجزء الحيوي من المجتمع الخاضع لسيطرة الدولة أمنيا والبعيد عن دوائر اهتمامها، والغارق في إشكالياته واهتماماته الخاصة.

والمجتمع ككيان، بحسب توصيف بيير بورديو، تنتابه حركة دينامية مستمرة تتلاقى عبرها وتتشكل حقول ومجالات عدة، بحيث يتولد عن تلك الحركة تركيب وتنضيد محاور ومساحات يتموقع فيها الفاعلون كل وفق احتياجاته ورهاناته، حيث تتشكل المجموعات ارتكازا على أبنية هرمية تعتبر حجر الزاوية في خلق حالة خاصّة، تخضع لمعطيات المجتمع وأدواته، وتمثل الرياضة حقلا يكتفه زخم شديد الحضور في الفضاء الاجتماعي، لما لها من تأثير واسع على قطاعات عريضة من الفاعلين الاجتماعيين[8] . ومع الوقت تشكلت ذوات أدائية فاعلة ضمن تلك الكتلة البشرية الهامشية الكبيرة، تمركزت حول النشاط الرياضي. وبحسب جرامشي فإنّ الكتلة البشرية لا تتميز ولا تصبح مستقلة من تلقاء نفسها، إلا عن طريق تنظم نفسها بالمعنى الواسع، ولا تنظيم بدون منظمين وبدون قادة[9]. وعليه، فقد ظهرت روابط المشجعين، وشخصية “كبير المشجعين” أو رئيس الرابطة، وذلك منذ تصدر المشهد الرياضي فاعليات البني التحتية للمجتمع، لكن تلك الروابط كانت تابعة بشكل أو آخر لسلطة مركزية؛ هي مجالس إدارات الأندية، والتي تتبع بدورها اتحادات الكرة الخاضعة مباشرة لسلطة الدولة، التي حرصت باستمرار على التدخل في توجيه مسارات النشاط الرياضي، والهيمنة عليه من خلال الدعم المادي.

كان ظهور مجموعات الألتراس في المشهد المصري، مؤشرا هاما على تشكل قوة منظمة خرجت من الهامش، وامتد نشاطها إلى مساحات مغايرة لما هو متوقع، خاصّة في ظل النقلة النوعية التي أحدثتها في الملاعب، من حيث أساليب التشجيع الحديثة، والتنظيم الفائق، والقدرة على الحشد والتوجيه.

ومع قيام ثورة كانون الثاني (يناير) 2011، أبدت تلك المجموعات تفاعلا كبيرا مع الحدث السياسي، وتجاوزت في حراكها “محدودية التأثير” الذي اكتنف القوى الثورية والنخب التقليدية، فيما يخص قدرتها على تنظيم نفسها والتواجد في الشارع الثوري وتوظيفه، كما نحجت في إدخال معطيات جديدة للتفاعل بين الشباب، وهو تفاعل يحمل في مكوناته الاهتمامات المشتركة، وأبجديات لغة خاصة لا يفهمها غيرهم، ما منح المد الثوري رئة جديدة للتنفس، بظهور نموذج غير مألوف فرض نفسه على الشارع الثائر بلا توقف، وهو ما أثار الكثير من التساؤلات الممزوجة بالدهشة ونظرات الاعجاب حينا، أو التوجس والرفض حينا آخر، في حين واصل الألتراس نشاطهم على خطوط المواجهة الأولى دونما أدنى اكتراث بما يقال عنهم.

ولعل التسمية ذاتها تجيب عن شيئ مما يبدو غامضا في طبيعة وسلوك الألتراس، فــــ ألتراس (Ultras) كلمة لاتينية تعني الشيء الزائد عن حده، وهي سمة اقترنت بالألتراس منذ البدايات الأولى[10]. ولعل القبضة الأمنية وسيطرة المركز بشكل مطلق من أهم الأسباب التي أدت إلى ظهور الألتراس بشكل متأخر في المنطقة العربية، حيث  ظهرت أولى مجموعات الألتراس في تونس العام 1995، وسرعان ما انطلقت من تونس إلى منطقة الشمال الأفريقي خاصة مصر والجزائر والمغرب[11].

الألتراس وتفكيك الأنا

يتشكل الوعي الجمعي من خلال تفكيك الـ “أنا”، وخلق نموذج إدراكي واحد يحل  محل الذات، ويتمركز حول مجموعة من الافتراضات والمبادئ التي تقع خارجها، لكن هذا لا ينفي الذاتية بشكل قاطع، وإن كان يتحكم في توجهاتها، بحيث ينشأ نظام للتفكير من مجموع ما تمفصل في البنى الذهنية؛ من قيم وعقائد وأفكار وخبرات؛ مهمتها رسم الأطر التي يتشكل في سياقاتها الفعل الانساني، وهو ما يطلق عليه الباراديم Paradigm، وهو بحسب توصيف توماس كوهن نسق قابل للتغيير في كل مراحله، من خلاله تتخلق التصورات وعليه تتحدد المواقف [12].

وعليه، خرجت من الهامش مجموعات الألتراس، لتنخرط أعداد كبيرة من الشباب في إطار فعل جماعي يفوق من حيث العدد والتنظيم روابط التشجيع القديمة، واللافت أنها رغم خروجها من الهامش، إلا إنها تنتمي في معظمها لأندية مركزية كبيرة، لكنها لم تكن تابعة بأي حال لمجالس الإدارات أو لأي سلطة أخرى، وبدا الأمر وكأنها مجموعات ريزومية اتسمت بهذا النوع من التكامل الفضفاض، وهو تكامل غير عضوي لا يدور في فلك مركز أو تؤطره أيديولوجيا ما.

ويعد التماسك الداخلي أبرز سمات الألتراس، حيث أصبحت المجموعة مجتمعا بديلا[13]، وقد تراءت فكرة المجتمع البديل من خلال تماسك المجموعة الواحدة وتنظيمها بشكل يمكن إحالته إلى مبدأ العقل الواعي؛ الساعي إلى هدم تابوهات المعاناة اليومية الرتيبة في الهامش، والبحث عن بدائل جديدة، حيث تمظهرت رغبات تحقيق الذات في شكل رؤى أدائية جماعية، كان التشجيع الحماسي المتواصل أبرز تجلياتها، وفق بنية أدائية متصاعدة تصل ذروتها في حالة الفوز على الفريق المنافس، فيكون الاحتفال الهستيري تعبيرًا عن الحياة المكبوتة، وانفلاتا من صيرورة الواقع وظروفه القاسية.

ولحالة الألتراس دلالة وجودية هامة، فالإنسان بحسبانه موجود في سياق العالم، يدرك ما يحدث، ولا ينعزل عن جملة الظروف الحياتية وعن علاقاته مع الآخرين، وهو ما يفرض ضرورة التوجه إلى العالم الداخلي للفرد صوب الأنا العارفة التي تصنع نفسها بنفسها[14]. ونتيجة لعجز تلك الأنا عن تحقيق الذات لأسباب خارجية قاهرة، كان الاتفاق الجمعي على تفكيك الأنا وصهرها في بوتقة واحدة؛ تسعي لتحقيق انتصار رمزى، يتجاوز في دلالته المشهد الرياضي الكلاسيكي بكل أبعاده.

خرجت مجموعات الألتراس من الهامش بكل آلامه وانكساراته؛ تعبيرا عن ذلك الصراع الوجودي المحموم مع المركز، وتجسيدا لانزياحات الالم الذاتي باتجاه تشكيل منحى معارض؛ تبرز تشكيلاته من خلال استدعاء كل مبررات الحياة وأحلام الواقع المستلب واسقاطها على الفريق المنتصر.

الألتراس والسياسة

كان ظهور الألتراس في مصر مصحوبا بالتوجس والريبة من قبل الأجهزة الأمنية، وكانت مسيرات الألتراس (الدخلات) تمثل تحديا لقانون الطوارئ، الذي يمنع التجمهر بكافة أشكاله، كما بدأت وسائل الاعلام تلتفت لظاهرة الألتراس، وهو التفات صاحبه سيل من الاتهامات بتكريس التعصب والتسبب في الفوضى وأعمال العنف، وفي وقت قصير أصبح الألتراس في مواجهة مباشرة مع قوات الأمن، التى ضيقت عليهم الخناق، فتعرضوا للتفتيش الذاتى الصارم قبل دخول المباريات، وسرعان ما أدار الجميع ظهورهم للألتراس، فكانت مجالس ادارات الأندية تتنصل منهم عقب كل مواجهة مع الشرطة، لكنهم ظلوا في إطار مجموعة متعصبة من مشجعي الكرة، ليس لهم أي نشاط سياسي، وبالتالي لم تبالغ أجهزة الشرطة في قمع الألتراس، وإن واصلت التضييق عليهم، وفي المقابل ردّ الألتراس بالهتافات التى تمثل تعريضا مباشرا بضباط الشرطة، وغالبا ما كان الأمر ينتهى بمواجهات يعقبها اعتقال عدد من شباب الألتراس، خاصة في اللقاءات ذات الصبغة الجماهيرية .

ومع البدايات الأولى لثورة يناير، لم يكن هناك موقف محدد للألتراس ككيان، وهو ما جاء في بيان أصدره ألتراس أهلاوي[15]، ومع تصاعد الأحداث تزايد دور الألتراس ككيان بشكل ملحوظ في ظل تزايد المواجهات مع الشرطة، حتى أصبحوا في وقت قصير في صدارة المواجهات التي شهدتها جمعة الغضب في أنحاء البلاد، كما لعبوا دورا رئيسا في مواجهات موقعة الجمل، وكان ذلك بداية الاحتكاك الأول للألتراس بعالم السياسة، قبل تصدر المشهد الثوري في أحداث محمد محمود الأولى، وأحداث مجلس الوزراء، ثم جاءت أحداث بورسعيد وما صاحبها لتضع الألتراس طرفا مباشرا في كل المواجهات رغبة في الانتقام والقصاص.

ظهور الألتراس على الساحة السياسية، استرعى انتباه التيارات الإسلاموية، وحاولت بعض الأذراع سبر أغوار عالمهم الغامض، واستخدامهم كطرف في النزاع السياسي؛ وفي البداية ظهر الألتراس كجماعة جامحة ترفض الانقياد، وركزوا جهدهم في مطلب واحد هو الثأر، وأخذوا موقفا مغايرا لكل القوى الثورية التي حاولت كسر الحصار عن مدينة بورسعيد، حيث ناصبوا كل ما هو بورسعيدى العداء، وأعلنوا المقاطعة والحصار، وبدا وكأن الجماعة التي انطلقت من الهامش، تسعى إلى الاعتماد والاكتفاء الذاتى، وعدم تقبل أي دعم من الآخرين؛ لضمان الولاء التام من الأعضاء، وفقا للقاعدة الأشهر من قواعد الألتراس وهى: أن ” يظل الولاء قائم للمجموعة المكونة وعدم الانضمام لأخرى بشكل مطلق “.

ويرتبط الدور السياسي للألتراس بعدة محفزات، لخصها تقرير المركز الاقليمي للدراسات الاستراتيجية في النقاط التالية: [16]

– نزعات التمرد: تُسيطر على فكر الألتراس نزعات التمرد، ورفض السلطة بما فيها سلطة إدارة النادي الذي يقومون بتشجيعه، نتيجة سيطرة الشباب على تكوين هذه المجموعات ممن يغلب على تفكيرهم الاستقلالية، ورفض القواعد التي يعتبرونها بمثابة قيودٍ على الإبداع في التشجيع، فضلا عن ميلهم الفطري للمغامرة والمخاطرة وتصعيد المواقف باعتبارها قيمًا تُظهر التميز الفردي لاحتلال موقع مركزي داخل المجموعة، وهو ما يجعل انضمامهم للحركات الاحتجاجية أكثر احتمالية، على غرار مشاركتهم في الاحتجاجات في دول الثورات العربية خاصّة في مصر وتونس.

– رفض السلطة: يتجلى رفض السلطة لدى مجموعات الألتراس في توتر علاقتهم بالشرطة، ورفعهم شعارات عالمية الانتشار مناهضة للشرطة مثل “A.C.A.B” وهو اختصار لعبارة معناها “كل رجال الشرطة أوغاد”؛ تعبيرًا عن العداء المستحكم لعناصر الشرطة، وهو ما يتجلى في الاشتباكات المتكررة مع قوات الشرطة التي تتولى تأمين مباريات كرة القدم، وترديد الألتراس لشعارات معادية للشرطة خلال التشجيع، خاصّة في ظل منع الشرطة لأدوات التشجيع التي يعتمد عليها الألتراس، لا سيما الشماريخ وزجاجات المياه والعصى المستخدمة في رفع الأعلام، وهى الأدوات التي تُستخدم في أعمال الشغب.

– توظيف العنف: تقوم فكرةُ الألتراس على الدفاع عن النادي الذي تشجعه الجماهير ضدّ المنافسين، واعتبار مجموعات الألتراس المنافسة كخصوم، وهو ما يتجلى في ثقافة الألتراس في بعض دول المغرب العربي خاصة، والاشتباكات التي عادةً ما تتكرر بين مشجعي الأندية الرئيسية في المغرب والجزائر، والتي تتدرج بدايةً من محاولة سرقة أدوات التشجيع الخاصة بالخصوم مرورًا بالتراشق بالألفاظ والاشتباكات بالأيدي وانتهاءً بالعنف وأعمال الشغب الجماعية. وعلى الرغم من رفض بعض قيادات ومجموعات الألتراس لهذه الممارسات، فإنّ تعدد المجموعات ولا مركزيتها وافتقادها قيادةً أو بنيةً تنظيمية مؤسسية يُصعِّب من احتواء العنف.

– الانتماء البديل: تقوم روابطُ الألتراس على اعتبار النادي بمثابة دائرة الانتماء الأولى، قبل الانتماء الوطني بسبب حالة الاغتراب، واختلال العلاقة بين المجتمع والدولة، ومن ثمَّ يميل أعضاء الألتراس للتعظيم من ناديهم، واعتباره “وطنًا” و”دولة” تقترن به كافة المقومات المعنوية للانتصار والمجد، ونتيجة لهذا التعارض بين دوائر الانتماء يميل الألتراس إلى رفع شعارات الحرية، ورفض الضوابط والقيود التي تفرضها قوات الأمن، وهو ما يؤدي إلى تأجيج التوترات والصدامات بين الأمن والألتراس.

أضف إلى ذلك القدرة الهائلة على التنظيم، والتحرك الجماعي، مع تحديد الأولويات، وهي أولويات لم تكن تتفق في أحيان كثيرة مع أولويات القوى الثورية الأخرى، وهو ما سبب قدرا هائلا من الخلافات والمعارك الجانبية.

ويمكن القول إن طبيعة الألتراس تحتم حدوث هذا النوع من المعارك الجانبية، فالألتراس ليس لهم خط سياسي محدد، وتحركاتهم تأتي على شكل وحدات أدائية تخلو أحيانا من التركيب المنطقي، لكنها تتميز بكونها وحدة واحدة، فهم جماهير كرة انخرطوا في موجة ثورية فرضت عليهم تحديا جديدا محملا بالرغبة في الثأر، اختبروا قوتهم في الشارع، ونتيجة لتماساكهم ووضوح الهدف وعدم التشتت خلف أهداف جانبية، في البداية، أو مشاريع سياسية، نجحوا في تحقيق انتصار تصوروا معه أن الفرصة باتت مواتية لحصد المزيد من المكاسب، لكنهم في ظل قراءتهم الجزئية للأحداث ينطلقون وبطبيعتهم الحادة والغاضبة، فلا يعترفون بصداقات أو تحالفات دائمة فهم في رؤيتهم لكثرتهم وقوتهم غير مبالين أو مهتمين بالتحالف مع الآخرين.

هذا التصاعد المأزوم يعكس حالة من الاغتراب النفسي، ليتولد في الذات المنغرسة في آلام الواقع غضبا دفينا ورفضا لكل أنواع الوصاية، في هروب قصدي يحاولون من خلاله استكناه الممكنات لذات جماعية تبحث عن واقع جديد، وبالتالي فنحن أمام مجموعة مغلقة وغامضة تنتفي داخلها الذاتية، ويبقى الانتماء للمجموع هو السمة الرئيسية، يرفض قادتها الظهور الإعلامي، ويتحركون بشكل تلقائي حاد وفقا لمتغيرات وقتية غير مقيدين ببرامج أو أيديولوجيا أو انتماء حزبي. هذا الكيان الغاضب والمتحمس يصعب التنبؤ بأفعاله أو السيطرة على أعضاءه، كما يصعب اختراقهم بشكل كلى، لكنهم ليسوا بمنأى عن الاختراق الجزئي غير المباشر، لكنهم يظلون عبئا على أي حزب أو كيان سياسي يحاول تسييسهم أو التحكم فيهم وتوظيفهم؛ لما لهم من طبيعة انفجارية تلقائية يصعب بل يستحيل التحكم فيها .

الدين إذا يقتحم الهامش ويطوق الألتراس

لا يمكن القول إنّ جماعات الألتراس المتمردة لا تخضع لأي سلطة، فهي ابنة الهامش بكل مكوناته الثقافية والدينية، وعلى الرغم من طبيعتها الأناركية، أمكن تمييز أهمية المكون الشعائري لدى هذه المجموعات، في شكل صلوات جماعية، أو ميل تجاه جماعات الإسلام السياسي، وكانت مجموعة “حازمون” الإسلامية السلفية، الموالية للمرشح الرئاسي السابق، حازم صلاح أبو إسماعيل، هي الأقرب من الناحية التكوينية لجماعات الألتراس، من حيث طبيعتها البنيوية الشبكية، وقدرتها على الحشد والتجييش، إلى الحد الذي أمكن معه رصد تجاوب أو ما يشبه التحالف الميداني، بين عناصر من الألتراس، وجماعة حازمون، وكذا الحشود الإخوانية الغاضبة، في أعقاب عزل الرئيس الراحل محمد مرسي.

مع وصول جماعة الإخوان إلى الحكم، والانتقال الشكلي من الأطراف إلى المركز، لم تكن الجماعة الفاعل الرئيس، بل كان ثمة فاعلين آخرين في المركز، ومع تصاعد وتيرة الصراع على السلطة، وفي عملية استدعاء ممنهج للمستوى الأدائي للألتراس لجأ فاعلون في المركز إلى الأطراف، لتظهر مجموعات البلاك بلوك، لتتحرك في محاولة لتكوين كتلة أدائية لها ذات الفعالية، بحيث يمكن توظيفها في سياق الصراع على الحكم، لكنها لم تحقق الهدف المنشود، وظلت محصورة في نطاق ضيق، وسرعان ما اختفت عقب أحداث 30يونيو 2013م، ذلك كونها كتلة جاءت من خارج الهامش لأداء مهمة مركزية فيه، فافتقدت تلك الخصائص التي منحها الهامش للألتراس.

تماهى حضور الألتراس في المجال العمومي ونسق الحراك الجماعي، حيث اتخذ شكل الدلالة والقانون والهوية فتطابق هكذا مع معطيات الذات الهامشية التي تعاني هذا النوع من الغياب أو التيه الذي تقاطع جزئيّا أو كلّيّا مع كلّ دلالات الوعي الجماعي، سعيا من وراء ذلك إلى خلخلة حالة القلق والغربة، بحثا عن فضاء مغاير يفضي إلى جواب حقيقي عن إشكالات الواقع وهمومه.

كما شكل الحراك السياسي للألتراس في المجال السياسي نوعا من أنواع الوعي بوصفه المجموع الكلي للعمليات العقلية التى يتمكن بواستطها الانسان من إدراك الواقع والتماهي مع مكوناته، لكونه – أي الوعي – شكلا متقدما من أشكال انعكاس الواقع الموضوعى الذي يتفاعل معه الانسان في ضوء أهدافه ومنطلقاته، وبالتالي يصبح قادراً على كشف أولوياته لكون الوعى نتاجاً من نتاجات التطور الاجتماعى[17]، وهو تطور جرى في الهامش نتيجة لانزياحات الفعل المعارض وخروجه من الأطراف تحت وطأة ضغط المركز واستبداده.

وتمثل روح الألتراس ذلك الانسحاق الطوعي للجماعة، حيث يتم تذويب العقول الجماعية داخل عقل واحد يسمى العقل الفعال اجتماعيا، وهو العقل المعيار الذي يلغي ما عداه [18]. هنا يغدو الفرد مسكونا بروح الفريق، وينقاد إلى الجماعة التي تقولبه، فيخضع للمنطق “التجميعي الهوياتي” الذي لا يعترف بغير المتعين، ولا يراعي الغيرية بحيث يخلق الفرد لنفسه هوية بالتوافق مع الإكراهات المفروضة عليه[19].

وعليه فإنّ بنية الألتراس أشبه في كثير من تجلياتها بالجماعات الدينية المغلقة، وعلى الرغم من أنّ الألتراس ككيان يبدو، بفعل تكوينه، بعيدا كل البعد عن الاحتواء والتوظيف، ولديه في نفس الوقت القدرة، ليس على تحريك الأطراف فحسب، وإنما تهديد سلطة المركز باستمرار، فإنّ الفعالية الدينية وحدها، هي المكون القادر على اختراق بنية الألتراس، وتوجيه مجموعاته نحو طرف دون آخر، في معادلة الصراع الاجتماعي، وهو ما حدث بالفعل في مناسبات خلت، وبشكل قد يحول تلك المجموعات إلى تنظيم راديكالي متطرف، تحت وطأة الضغط الاجتماعي الذي يتعرض له أفراده باستمرار في منطقة الهامش، وقدرة الأفكار الدينية المتطرفة على التسلل بنعومة إلى بنية التنظيم القابل لكل غلو في الرأي.

المراجع:

[1] عادل حدجامي : فلسفة جيل دولوز عن الاختلاف والتكرار، دار توبقال، الدار البيضاء، 2012، ص147.

[2] جيل دولوز، فيلكس غيتاري: ما الفلسفة، ترجمة مطاع صفدي، مركز الإنماء القومي – المركز الثقافي العربي، بيروت – باريس، 1987، ص ص 30-31.

[3] جيل دولوز: المعرفة والسلطة ــ مدخل لقراءة فوكو، ترجمة سالم يفوت، المركز الثقافي العربي، الدار البيضاء، 1987، ص 91.

[4] Antonio Gramsci: Contemporary applications, Taylor & Francis, New York, 2002, p.325.

[5] سالم العمودي : سيكولوجيه السلطة، مكتبة مدبولي، القاهرة، 1999، ص 45.

[6] عبد السلام بن عبد العالي : الميتافيزيقا، العلم والأيديولوجيا، ط2، دار الطليعة، بيروت، 1993، ص ص 11ــ 12.

[7] Stanislaw Ossowski: Class Structure in the Social Consciousness, Vol.102, Taylor & Frankis, New York, p.10.

[8] Eric Dunning, Dominic Malcolm: Sport: Sport and power relations, Taylor & Francis,New York, 2003,pp.286-287.

 

[9] David Forgacs (editor): The Antonio Gramsci reader, selected writings 1916-1935., the New York University Press, 1988, p.199.

[10] تعود بداية مجموعات الألتراس إلى عام 1929م حيث كون أنصار نادي “فرنسفاروش” المجري رابطة للمشجعين تميزت باتباع نمط خاص في التشجيع الحماسي والمستمر أثناء المباريات، وفي الأربعينيات من القرن الماضي ظهرت في البرازيل مجموعة تورسيدا Torcida بهدف تنظيم التشجيع في المدرجات وبث الحماس في نفوس اللاعبين، ومع مطلع الستينيات أصبحت تورسيدا جمعية رسمية لها هتافاتها الخاصة ويرتدى أعضاؤها زيا موحدا، ترفع الأعلام الكبيرة وتستخدم الألعاب النارية. وفي أوربا نشأ أول أولتراس في الملاعب الايطالية عام 1963م، وسرعان ما انتشرت الظاهرة في الملاعب الأوربية، حيث أثاروا موجات حماسية وصخب صاحب كل تحركاتهم في الملاعب المختلفة، خاصة مواكب الكورتيج Cortège وهى مواكب ينظمها الألتراس لمقار الفرق المنافسة وتكون شديدة الاستفزاز وغالبا ما تصاحبها مواجهات وأعمال عنف.

للمزيد انظر:

ــ Gabriel Kuhn‏:Soccer Vs. The State: Tackling Football and Radical Politics, PM Press,Oakaland.2011, pp.160-163.

[11] كون مشجعو نادي الافريقي التونسي أولتراس أفريكان وينرز، ولحقه أولتراس باردو بويز لمشجعي الملعب التونسي، ومع مطلع الألفية الجديدة انتشرت ظاهرة الألتراس في شمال افريقيا، وظهرت عدة كيانات في تونس والجزائر والمغرب صاحبها صخب جماهيري حاد وأعمال عنف تزامنت واللقاءات الجماهيرية الكبيرة، وفي مصر ظهر أولتراس أهلاوي وأولتراس وايت نايتس وأولتراس يللو دراجون عام 2007م، وهو ما نقل الملاعب المصرية نقلة نوعية كما وكيف، وضخ مزيدا من الحيوية والحماس افتقدته الملاعب المصرية طويلا.

لمزيد من الاطلاع على تاريخ الألتراس في المنطقة العربية :

-http://ultrasarabe.com/

[12]  Thomas S. Kuhn: The Structure of Scientific Revolutions University of Chicago Press ,2012, pp.23-25.

[13] يتولى الإدارة الداخلية للألتراس مجموعات عمل صغيرة يسمونها بالتوب بويز (Top Boys)، تقوم كل منها بتنظيم فعاليات وأنشطة كل مجموعة، مثل تنظيم الرحلات، وتصميم وتنفيذ اللوحات، وتأليف الشعارات والهتافات، وتنظيم وقيادة التشجيع في المناسبات المختلفة، وبشكل عام الإشراف على جمع التبرعات من الأعضاء وغيرهم، والإشراف على شكل إنفاق التمويل داخل كل مجموعة، ولا يوجد للألتراس رئيس، بل يتكون من مجموعة من المؤسسين، الذين سرعان ما يتراجع دورهم بعد أن تصبح المجموعة قادرة على الوقوف على أرض صلبة تظهر شخصية «الكابو» في المدرجات، وهو شخص يتولى الهتاف وقيادة التشجيع طوال المباراة، وعادة ما يجرى تغيير «الكابو» بشكل مستمر. وتتم عملية الانخراط في الألتراس عادة مرة في السنة؛ حيث يؤدي المنخرط واجب الانخراط الذي يتم تحديد قيمته من طرف المجموعة، ويحصل على بطاقة أو ما شابه كدليل على الانضمام، والمنخرط  في مجموعة الألتراس يجب عليه احترام مبادئ وقوانين الألتراس، والحفاظ على منتجات المجموعة، وغالباً ما تكون الشريحة السِنية لشباب الألتراس ما بين 14 إلى 25 عاما مع اختلاف طبقاتهم الاجتماعية والثقافية، وتستخدم مجموعات “الألتراس” مصطلحات خاصة لا يفهمها إلا أعضاء الألتراس، من بينها مصطلح “الباش” أي “اللوجو” الخاص بالألتراس، وهو عبارة عن لافتة كبيرة يصل طولها إلى 10 أمتار أحيانًا، تحمل شعار المجموعة وألوان الفريق، ويتم اختيار الشعار بعناية من الأعضاء، وهناك أيضاً مصطلح “التيفو” وهي كلمة إيطالية تعني “المشجع”، وهي عبارة عن “دخلة” تقوم بها مجموعة الألتراس لتعبر عن رأي أو فكر، وغالبًا ما تكون في بداية المباراة، ومن أشهر شعاراتهم “روح الألتراس”، حيث تعتقد مجموعات الألتراس حول العالم في وجود ما يسمى بروح الألتراس، وهي روح يولد بها أعضاء الألتراس، ولا يكتسبونها مهما حدث، ويصفونها بأنها الروح المقدامة المثابرة، العاملة في صمت وجهد، لتحقيق أهداف عظيمة، لا يتم إنجازها إلا إذا انصهرت أرواح أفراد المجموعة في كيان واحد تحت علم ناديها، ولذا تطلق مجموعات الألتراس على نفسها “خط الدفاع الأخير” الذي يدافع عن كرامة واسم النادي الذي ينتمون إليه.

  • محمود عبده على، الألتراس: التوجهات السياسية لجمهور كرة القدم، الأهرام المسائي، 6 فبراير 2012.

[14] شحاتة صيام: علم الاجتماع المفتوح، أطروحات ما بعد الحداثة، دار روافد، القاهرة، 2014، ص 220.

[15] قبيل انطلاق ثورة يناير نشر جروب ألتراس أهلامي بيانا جاء فيه :” ردا على ما تناولته وسائل الاعلام في الفترة الأخيرة حول مشاركة جروب التراس أهلاوي في المظاهرات المزمع حدوثها يوم 25 يناير الجاري، يعلن جروب التراس أهلاوي أنه جروب رياضي فقط، وليس له أية اتجاهات سياسية أيا كانت نوعيتها أو انتماءاتها. لذلك فالجروب غير مشارك في المظاهرات المقرر حدوثها يوم الثلاثاء 25 يناير الجاري، أو أي تظاهرات سياسية أخرى.كما يؤكد الجروب على أن كلا من أعضاءه هو فرد حر في اختياراته السياسية، لذا فمشاركة أي عضو في أي جماعة سياسية أو أي حدث سياسي هو أمر خاص لا دخل للجروب فيه من أية ناحية. كما أن أي أفكار للأعضاء خارج مجال الرياضة هو تعبير مستقل عن ذاتهم”.

–       جريدة الشروق الجديدة، ع 27يناير 2011.

[16] المركز الإقليمي للراسات الاستراتيجية، إشكاليات الاستيعاب، الأدورار السياسية لمجموعات الألتراس في الدول العربية، وحدة التحولات الداخلية، القاهرة 5يناير 2015.

[17]  M. Rosenthal (Editor), P. Yudin (Editor): A dictionary of philosophy , Progress Publishers Printing , Moscow , 1964 ,  p. 430.

[18] إبراهيم محمود: جماليات الصمت في أصل المخفي والمكبوت، مركز الإنماء الحضاري، دمشق، 2002، ص17.

[19] شاكر عبد الحميد: من الكهف إلى الواقع الافتراضي، عالم المعرفة، ع 36، الكويت، فبراير 2009، ص88.

    اقرأ ايضا

    المزيد من المقالات

    مقالك الخاص

    شــارك وأثــر فـي النقــاش

    شــارك رأيــك الخــاص فـي المقــالات وأضــف قيمــة للنقــاش، حيــث يمكنــك المشاركــة والتفاعــل مــع المــواد المطروحـــة وتبـــادل وجهـــات النظـــر مــع الآخريــن.

    error Please select a file first cancel
    description |
    delete
    Asset 1

    error Please select a file first cancel
    description |
    delete