الاسلاموفوبيا: من خطاب المظلومية الأصولي إلى قراءة الذات

تكوين

في الخطاب الأصولي هناك مجموعة من الخطوط الحمراء أو المسكوت عنه، الذي يراد له أن يبقى كذلك ليحقق غاية من الغايات الخفية والمعلنة لدى هذا العقل المهووس بالمظلومية.

الخطاب الأصولي

وكلما أراد الباحث أو القارئ أو المتتبع أن يقترب من خطوط التماس هذه، تحول الخطاب الأصولي إلى حالة هجومية دفاعية بوسائل مختلفة، تبدأ بالتشكيك وتنتهي في بعض الأحيان بالتصفية الجسدية، أو استعمال العنف في حدوده القصوى كما هو متعارف عليه في الأدبيات الأصولية المتطرفة. هذه الصورة التي تشكلت بفعل عوامل متعددة جعلت الآخر، أو هذا المختلف الذي يحمل أفكارا مخالفة، أو يعتقد بمعتقدات مغايرة، يكوّن صورة سلبية عن العقل والفكر الأصولي انطلاقا من الواقع، ومن التجربة العملية التي أسس لها هذا النوع من التفكير. غير أن الإنسان المسلم لا زال يتعامل مع الصّورة النّمطية التي تشكّلت حوله بنوع من التشكيك، وفي بعض الأحيان من خلال التجاهل، أو الاختفاء وراء خطاب مؤامراتي لا يحقق الغاية من البحث المعرفي الجاد، أو حتى دون أنْ يطرح السّؤال حول الدّوافع والأسباب التي جعلت من العقل الأصولي بمفهومه الحركي عقلا متهما، أو على الأقل يتوجس منه المختلف بشكل يدعو للتأمل والتفكر. فالناظر في العقل الغربي اليوم يجده يتهم الأصوليات والحركات الدينية، أو الإسلام السياسي بشكل عام بكل التهم، بما في ذلك تهم الإرهاب والإقصاء والعنف والتخلّف. والمشكلة ليست في طبيعة هذه التهم، فهذا الأمر مفهوم وممكن ومتاح, ولكن الأخطر هو أن العقل الأصولي بدل أنْ تستوقفه هذه الصّورة ليعيد تشكيل الذات من منظور نقدي، يستحضر الأبعاد الفكرية والثقافية والفلسفية -التي تدعو هذا الآخر أن يتوجس ويتفكر ويوجه التهم الخطيرة- يختار التواري من جديد خلف جرحه النّرجسي، وصورته المثلى، ونقاء مراحله التاريخية، ليقرأ كل هذه المشاهد قراءة متشككة، وبخلفيات مؤامراتية، وحسابات سياسوية تضيع عليه اكتشاف الذات من جديد، وقراءة التاريخ بأفق بحثي وليس بعمق إيديولوجي يحرر الذات من الخطأ وينزهها على مكامن الضعف الإنساني، ورغبات الإنسان، وطموحات السلطة والسيف المرافقة للتاريخ الإنساني بشكل عام. ويقرأ الذات فقط من سياقات المظلومية والمؤامرة والإسلاموفوبيا، أو التحول الدراماتيكي للإسلام إلى دين للرعب والتطرف والإرهاب الفكري. فلماذا هذا التوجس؟

  • الإسلاموفوبيا: تاريخ من التضليل الأصولي

قد يكون الخوف من الإسلام موجودا ومبررا، وهذه حقيقة لا ينكرها الواقع، وربما يزكيها التعامل الغربي أو الشرقي مع كل المكونات والتركيبات الفكرية الإسلامية، ولكن ما كان هذا الأمر ليحظى بهذا الانشغال، وهذا التوجس، أو لنقل هذا الاتهام الخطير لولا الشواهد الكثيرة لما قامت به الأصوليات، أو حركات الإسلام السياسي من عنف ممنهج ضد الذات، وضد الآخر ومصالحه لمدة تجاوزت الثمانين سنة، أي على الأقل منذ ظهور الإخوان المسلمين، وما تفرع عنهم من حركات متطرفة عنيفة، تأخذ بالعنف في حدوده القصوى كما هو مشاهد، أو واضح من خلال أدبيات هذه الحركات. ولكن الشيء غير المفهوم، أو على الأقل غير المبرر من الناحية المنهجية أو المعرفية، هو إنكار هذا الواقع من خلال اختراع ما يسمى بالإسلاموفوبيا، أو رهاب الإسلام بالصورة التي يروج لها العقل الأصولي، وكأن الغرب أو غيره من المختلفين عقديا يخاف من الإسلام، لأنه مجرد دين يختلف معه عقديا. ولو كان هذا الأمر صحيحا لكان الأمر ينطبق أيضا على باقي الأديان الشرقية وغيرها. في حين أن التركيز في العالم المعاصر يبدو أنه متمحور حول الإسلام، خاصة في شقه الحركي السياسي، وليس الإسلام كديانة توحيدية مثلها مثل باقي الأديان الأخرى. لكن كما العادة يختار الإسلام الحركي أن يتوارى خلف توظيف بعض المفاهيم المشوبة بنوع من الغموض والضبابية ك ” الإسلاموفوبيا “، أو ” رُهاب الإسلام “، حتى يستطيع أن ينزه الذات، ويديم الأزمة، ونبقى نحوم حول دوائر الفراغ في علاقتنا بالآخر، وتداعيات الارتباط به خاصة من ناحية التهم التي تكال للمسلم اليوم، والصورة النمطية التي تشكلت بفعل عوامل كثيرة عن سلوكياته وتصرفاته وسيكولوجيته.

لم ينشأ خطاب الإسلاموفوبيا من فراغ، بل كانت هناك دوما دوافع أساسية تجعل من هذا التأثير يمتد إلى حدوده القصوى، وفي المقابل كان هناك خطاب للمظلومية تختفي وراءه الأصوليات الدينية، وحركات الإسلام السياسي خاصة في الشق العنيف منها. ولم تستطع يوما أن تخرج هذه الحركات عن هذه القاعدة التي تسائل فيها الواقع الثَّقافي والدّيني والسّياسي الذي تعيشه مجتمعاتنا، والحالة التي وصلنا إليها من الانحدار الثقافي والفكري. إذْ لا زال سؤال الخوف من الإسلام يلقي بظلاله على المشهد الإسلامي، خاصة بعد الأحداث الدامية التي عرفتها الولايات المتحدة الأمريكية، والحرب الأمريكية الأفغانية والعراقية. كل هذا المشهد ولّد حالة من الرهاب أو الخوف الدراماتيكي من كل ما هو إسلامي خاصة في شقه السياسي. وما لم تجب هذه الحركات العنيفة والمتطرفة على البنيات المؤسسة للعنف في تفكيرها فسيظل الأمر على ما هو عليه دون تشكيل أي رؤية للحل، أو بلورة رؤية نقدية لمواضيع لها أثرها في تشكيل الوعي القادم بمستقبل الدّين. وما دامت ثقافة العنف هي الدّعامة الأساسية لمجموعة من الأصوليات الدّينية، فإنّ ثقافة الخوف من الإسلام أو ” الإسلاموفبيا “ ستتكرّس يوما بعد يوم، بفعل هذه الصّورة النّمطية التي تشكّلت في وعي الآخر، وبسبب هذا التّجاهل المقصود للبنيات المؤسِّسة للعنف داخل ثقافتنا وتراثنا الفقهي والرّوائي.

رهاب الإسلام

من هذا المنطلق فخطاب الإسلاموفوبيا أو رهاب الإسلام، لا يمكن أن ندرجه ضمن الخطابات الجوفاء، أو المفاهيم الإيديولوجية التي تستهدف فقط التخويف أو التهويل الإعلامي، لأن الزاوية التي يتحرك فيها البحث هي زاوية معرفية وبحثية، تهدف إلى الكشف عن هذا الموضوع من جوانبه الخفية والمعلنة، وليس الغرض معالجته ضمن الخطاب التّعبوي والدِّعائي، حيث لا قيمة تحليلية أو تفسيرية كبيرة للمصطلحات أو المفاهيم التي يتم تداولها. فحديثنا هنا كما أشرنا سابقا يتطلّع إلى مقاربة الموضوع من زاوية معرفية بعيدا عن الشّعارات، في محاولة منّا لقراءة الذات، ونبش الماضي والذّاكرة، لنتخلّص من رواسب هذا العنف الكامن فينا، ونهيّئ الأرضية التي نتقاسمها مع من يختلف معنا. وإذا ما أردنا أن نكون موضوعيين قدر الإمكان لا بد أن نؤسس لهذه المعرفة البحثية انطلاقا من معطيات يدعمها الواقع التاريخي، والنصوص المؤطرة، والبنيات المؤسسة. لأن فكرة الإسلاموفوبيا ليست شعارا يمكن أن يخضع للمزايدات السياسوية الضيقة، وإنما هو واقع فعلي تعززه مجموعة من الوقائع، وتدعمه مجموعة من المعطيات التي حولت المسلم اليوم إلى متهم حتى يثبت العكس في ذهنية الغرب، مع أن الإسلام في بعده المعرفي والديني ومن خلال جذره اللغوي يدعم فرضية السلم والسلام، وليس العنف والتطرف، ولكن مع ذلك تجد من يحور هذا الجذر اللغوي ليجعل من العنف أصلا مؤسسا للبنية الفكرية التي ينطلق منها بعض المسلمين، ولو تدبرنا القرآن الكريم نفسه لوجدناه يفرق في الإنسان بين فئتين إمّا مسلمين أو مجرمين حينما قال:” أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ “[1] ليجعل بذلك الحدّ الفاصل بين النّاس، هو هذا الفارق بين الإسلام والإجرام. وما الإسلام إلاّ ذلك البعد الذي يعطي الانطباع بالسّلام كما جاء في بعض الرّوايات:” المسلم من سلم النّاس من لسانه ويده “[2].

السلم والسلام

هذا التحول الدراماتيكي من مفهوم شامل مؤسس على السلم والسلام، إلى دين ضيق تحتكره بعض الأصوليات وتتكلم باسمه حركات تحتكر العنف وتمارسه بشكل اندفاعي ومتوحش، هو ما ضيَّق من رحابة المفهوم، وساهم في تشكيل عقلية طائفية مذهبية لا تتجاوز حدود الأنا، وتعتبر نفسها بأنها شعب الله المختار، أو الطائفة المنصورة، أو الفرقة الناجية وغيرها من المفاهيم العنصرية والعصبية. وهذا التعاطي مع هذا المفهوم بهذا الشكل كان نتيجة خطأ معرفي ومنهجي بدأ بالتعامل مع القرآن الكريم باعتباره نصا ثانويا، أو نصا مهيمنا عليه يحتاج لبيان، وما ذلك البيان إلا تلك الروايات التاريخية التّي تؤكِّد على سقف ومشروع منْ أسّس لها كما أشار الصّادق النيهوم، حيث اعتبر بأنّ ما سمِّي حديث جبريل الذّي حصر الإسلام في الأركان الخمسة[3] هو صناعة أموية بامتياز حينما قال:” بأنّ اعتماد هذا الحديث في نظام إقطاعي من طراز النّظام الأموي فكرةٌ لا يقبلها الرسول ذاتُه ولا يجوز شرعاً أنْ تنسب إليه “[4]. فكانت بذلك الرواية جزءاً من المشروع الأموي في الحكم إضافة إلى السّيف[5].

هنا تتجلّى أهمّية هذا الموضوع المتعلق بالخوف الوجودي من الإسلام، أو لنقل بالأحرى من المسلمين، كحالة بشرية متهمة إلى حين ثبوت العكس. فالمسلمون اليوم يعيشون مأزقا وجوديا يتمثل في الحالة التي يستعصي فيها التواصل الكوني مع الذات والآخر والمحيط، وتنعدم فيها سبل إيجاد الأفق إنساني الذي ينعم فيه الإنسان بالكرامة والحرية والعدالة والأمن الاجتماعي. فالحاجة إلى الأمن هي حاجة ملحة، وضرورة إنسانية لا يمكن الاستغناء، ومن خلاله ترتبط الأمور، وتتحقق المصالح. فالذّي يميّز رؤية الدِّين للأمن الاجتماعي، هو أنّه خالف تلك الرؤى الاختزالية للأمن الاجتماعي، التي اقتصرت على العوامل المادية مثل الفلسفات الوضعية والمادية والنّفعية. فكانت بذلك رؤية جامعة لمقوِّمات الأمن الاجتماعي الدّيني منها والفكري والمادي والإنساني كعوامل مستقلّة ومتفاعلة لتحقيق ضرورات العمران والأمن الاجتماعي. [6]

وإذا كان الأمن والأمان، والسلم والسلام هدفا استراتيجيا للإسلام، فإن موضوع الإسلاموفوبيا يضعنا أمام مأزق العلاقة بين الأمن والتنمية البشرية. وهو موضوع معقد ومركب لا بد من النظر إليه من وجهات وزوايا نظر مختلفة ومتنوعة حتى تتحقق الغاية من التنمية. فالشعوب والمجتمعات دون هذا المعطى الأمني يستحيل التواصل الحضاري بين مكوناتها على هذه الأرض، إذ لا يمكن أن يعيش الإنسان في ظل التخوفات والتوجسات من كل ما هو إسلامي، وفي ظلّ توتّرات دينية، أو صراعات مذهبية تعيد إنتاج العنف بوصفه تجلّياُ من تجلّيات الجهل المقدّس. فأيُّ تصوّر يقمع الحرّيات، ويسعى إلى تنميط الإنسان، وقولبته في شكلٍ واحد دون احترام مكوِّنات هويّته، يكون مآله الفشل في تحقيق نهضة الأمم. فالتّنمية البشرية إلى جانب تحقيق الشّروط الأساسية لإنسانية الإنسان تعترف بحرية النّاس وحقِّهم في الانتماء الديني[7]، وتضع حدًّا لكثير من الاضطرابات السّياسية التي يكون فيها الجانب الثّقافي والدّيني عاملاً سلبياً يعرقل عملية التنمية البشرية.

إقرأ أيضاً: “العصر الذهبي” للأمة: صناعة التاريخ المقدس أو عسكرة الإسلام

وهكذا فسؤال رهاب الإسلام أو الإسلاموفوبيا هو سؤال حقيقي، وليس سؤالا للاستهلاك الإعلامي، أو للتهويل الإيديولوجي المشحون بحمولات عاطفية أو عقائدية. وإذا أردنا أن نفهم عمق هذا السؤال المثير، فعلينا الوقوف مليا أمام شعارات من قبيل ” الإسلام هو الحل ” أو ” تطبيق الشريعة «، لنرى بأن هذه الشعارات ليست جزئيات منفصلة عن سياقاتها الإيديولوجية، أو تعبيرات ناشئة من خواء أو فراغ تنظيري. بل على العكس من ذلك هي تعبيرات واقعية وملموسة عن عمق نظري لحركات سياسية بلبوس ديني تشكل واقعا إقصائيا، وتمثل منظورا دينيا شموليا، وتهديدا لكلّ مظاهر التنوّع والاختلاف التي خلق الله عليها هذا الكون. وبما بأن هذه الحركات ليست في ذهنيتها هذا الاستيعاب لمظاهر الاختلاف والتنوع، فكان لزاما أن تفرز لنا هذا الواقع المخيف من الإسلام، وأن تكوّن صورة قبيحة على الإسلام والمسلمين، وتخلق رهابا وهروبا من البحث عن الصورة الحقيقية للجذر اللغوي للإسلام الذي ينطلق من قاعدة أساسها السلم والسلام، والأمن والأمان. وانطلاقا من وعينا بخطورة المدّ الأصولي الرّاديكالي، والحركات السياسية الدينية في شقها المتطرف والعنيف، يأتي هذا البحث ليشير إلى أهمية البحث من جديد في دوافع الإسلاموفوبيا، وقراءة الذات من منظور معرفي بحثي، وليس منظورا طوباويا مثاليا، إيمانا منا بأن خطاب المظلومية التي تلجأ إليه حركات الإسلام السياسي بمختلف تلاوينها هو خطاب يحمل بين طياته بذور فنائه وضعفه المزمن، لأن ثقافتنا حبلى بالعنف المقدّس، وبناءنا النظري الفكري يستند في الكثير من الأحيان إلى تنظيرات تختار العنف كجزء أصيل من تراثنا الإسلامي، وهذا ما لم يخضع لحدود الآن إلى النّقد الكافي أو التّمحيص أو التّشكيك في مصداقيته. إذ أنّ قتْل المرتدّ، ودونية المرأة، وتكفير الآخر، وخيرية الذّات، وإقصاء المختلف، هي دلالات تعبّر عن سياقاتها النّصية، وتنتمي إلى شكلِ الثّقافة المؤسّسة لها. خاصّة تلك الثّقافة ذات المنزع النصّي السّلفي الوهّابي. وبدل الإقرار بأنّنا أمام أزمة نصّية تستلزم النّظر في صحة بعض الموروثات، نكتفي بالتّلويح بأنّ هذا الأمر لا يمثل ” الإسلام الحقيقي “، وغير ذلك من العبارات التي لا تقدّم ولا تؤخّر من المشهد شيء.

  • الإسلاموفوبيا وعيوب تفكيرنا

لا تنشأ الإسلاموفوبيا في فراغ، فدوما للخطابات الإيديولوجية ما يدعمها من العناصر والأفكار، وهذا ما لا يريد الانتباه له خطاب المظلومية الأصولي، فمن تعود على الاختباء وراء الخطاب لا يريد أن يقرأ الواقع قراءة موضوعية، أو على الأقل تستحضر أبعادا ظلت ولا زالت خفية على البحث، أو لا يشار إليها بما يكفي حتى تصير واضحة لا لبس فيها. هنا يمكننا أن نتحدث عن عيوب تفكيرنا والعناصر المتحكمة فيها، فأي خطاب مهما بدت قوته لا بد أنه يحمل عناصر التفكك في جذوره، خاصة إذا كان يحتمي فقط بالشعارات والكلمات والعقلية المؤامراتية. ولعل أهم ما يعاني منه هذا الخطاب الأصولي ذي النزعة الجانحة إلى الاختباء والاختفاء، هو تلبسه بخطاب ماضوي لا يريد أن يعيش واقعه، بقدر ما يريد أن يوقف حركة التفكير الإنساني في نقطة مرجعية يعتبرها قد استجمعت كل عناصر الصفاء والكمال. وهذا ما يمكن أن نسميه بالنظرة الاسترجاعية للتاريخ، أي تلك النظرة التي تعتبر أن إمكانية إرجاع واسترجاع التاريخ والماضي يمكن أن يتحقق من خلال ترسيخ فكرة السلفية، أو التفكير الماضوي.  هذه الفكرة يعبر عنها البعض بالعود الأبدي كما أشار عبد الرحمن بدوي، وتعني أنّ مجموع الأحداث والظّواهر والأحداث سيتكرّر من جديد، بنفس النّظام والطريقة والمقدار الّذي وُجد فيه في الدّورة السّابقة على هذه الدّورة الثّانية. وهكذا تستمرّ الحال وتأتي دائما دورات جديدة لا نهائية ما دام الزّمان غير متناهٍ[8]. غير أن هذا الفهم لفكرة العود الأبدي له دلالات أخرى مغايرة كما أشار لوك فيري[9] وهو يشرح هذه الفكرة النتشوية المهمة. حينما نتحدث عن فكره العود الأبدي فإن هذا يطرح أمامنا سؤال الخلاص الإنساني أي أننا عندما نصبح في عالم لا يؤمن بالسماء ولا الكوسموس ولا الألوهية ولا الأخلاق والمثل العليا، فإن هذا يجعلنا لا نستطيع التمييز بين الخير والشر، أو بين ما يستحق أن نعيشه وبين ما لا يستحق. هنا ابتكر نيتشه عقيدة العود الأبدي لكي يجيبنا على هذا التساؤل، وذلك عبر تحديد معيار أرضي لانتقاء ما يستحق أن نعيشه وما لا يستحق. بمعنى آخر أن عقيدة العود الأبدي التي اقترحها نيتشه هي عقيدة خلاصية، أي في ظل غياب الميتافيزيقا والعالم الآخر علينا أن نتعلم حسب نيتشه التمييز بين ما يستحق أن يعيشه الإنسان وبين ما يخضع للفناء. هنا يمكن طرح التساؤل التالي: هل تريد فعلا القيام بعمل إلى ما لا نهاية؟ إذا كان الجواب بنعم فهذا سيشكل لك نقطة الارتكاز الأكثر صلابة، وهنا يجب أن تتعلم كيف تبعث من جديد، لأنك ستبعث في كل الأحوال، ولشرح الأمر بشكل أيسر فإذا كنت تعتبر الاجتهاد هو لحظة الفرح الأسمى فلتجتهد، وإذا كنت تعتبر الراحة هي المثل الأسمى فلترتح، وهكذا… المهم هو أن يتحقق هذا المراد. فعقيدة العود الأبدي ليست عودة الأحداث كما يتوهم البعض، ولا هي عودة إلى الأقدمين، فهي ليست في الواقع سوى معيار تقييم، ومبدأ لانتقاء لحظات من حياتنا نريدها أن تتكرر إلى ما لا نهاية.

من هذا المنطلق يعد الاحتماء بالماضي إحدى عيوب تفكيرنا ونقطة الضعف الكبرى في علاقتنا بالتراث، والإشكاليات المرتبطة به، فالعيش داخل الماضي وفي صلبه يطرح علينا العديد من الأسئلة المنهجية والمعرفية في كيفية مواجهة الواقع بواقع مغاير له حيثيات تشكله، وملابسات تطوره، إذ لا يعقل أن نستجلب الحلول من موتى اجتهدوا لزمانهم، وواقعهم، وأعرافهم، ونحاول تنزيلها بشكل حرفي على وقائع مختلفة بشكل جذري على تلك المرحلة الزمنية من الماضي، مهما كانت نظرتنا إلى هذا الماضي سلبية أو إيجابية. وحينما نطرح مسألة التراث للنقاش، أو العلاقة مع الماضي أو الموروث الثقافي والفكري التاريخي، فإننا نكون أمام إشكاليات لها علاقة بالتقديس من جهة، والتدنيس من جهة أخرى. إذ لا يمكن أن نتحدث عن التراث وإمكانية النقد في ظل واقع يقدس الموروث والأشخاص والأزمنة، ويختار له التواري بين ردهات التاريخ، وانتقاء لحظات منه، وسحبها على التاريخ كله، بشكل يوحي أننا أمام أزمة عقل، وليس أزمة موروث. وهذا واضح للعيان في طريقة تعامل العقل السلفي مع قضية التراث، فكل ما يفعله هذا العقل هو التمجيد لحقبة تاريخية، دون تمحيص ونقد لما تخللها من إشكاليات ووقائع، تضفي عليها طابع الإنسانية والبشرية، بدل الإصرار على أنها حقبة تاريخية تجاوزت حدود البشرية، ووصلت إلى حدود الكمال الإنساني. هنا يمكننا أن نتحدث أن القراءة السلفية أو الماضوية للتاريخ هي إحدى نقاط الضعف في التفكير السلفي، إذ يتبين للباحث والقارئ والمتتبع أن هذه القراءة لم تسلم أيضا من البواعث والدوافع الإيديولوجية، وهذا واضح من خلال الكم الهائل من التشويه والتزوير والإخفاء التي يحاول هذا العقل أن يطمسها حتى يضفي على الأشخاص والأزمنة طابع القداسة المفترضة.

  • نحن والتراث: الجابري قارئا لأزمة العقل العربي

تعددت الأبحاث والدراسات في مقاربة التراث، كل من زاويته البحثية والفكرية والإيديولوجية، غير أن قراءة الجابري للتراث تبقى من المقاربات المهمة في التعاطي مع هذا الموضوع الهام والحساس، لأنه يلامس جانبا من جوانب التفكير الإنساني، وأيضا لأن له علاقة بموضوع يأخذ طابع القداسة في بعض المنظورات الفكرية، خاصة تلك التي تتمسك بالمقاربة الماضوية للتراث. وحينما نتحدث عن الجابري فإننا نتحدث هنا عن قراءة للتراث ضمن قراءات أخرى ساهمت بدورها في تشكيل طرق التعاطي مع هذا الإرث الإنساني. لهذا كان الجابري يسمّي قراءته للتراث بالمعاصرة، فهي قراءةٌ لأنّها تتجاوز مسألة البحث والدّراسة لتعطي للمقروء معنىً أو تأويلاً. كما أنّها معاصرة، لأنّها تحرص على جعل المقروء معاصراً لنفسه على صعيد الإشكالية، والمحتوى المعرفي، والمضمون الإيديولوجي[10]. أمّا عن معاصرة المقروء لنا فهي إضفاء المعقولية على المقروء، بتوظيفه في إغناء الذّات، وإعادة بنائها. وإذا أردنا أن نستفيض أكثر في شرح هذه العلاقة مع التراث يمكننا أن نستحضر هنا ما كتبه الطيب التيزيني حول اتجاهات التعاطي مع التراث، أو المقاربات التي تعاطت مع الإرث الإنساني، وقد تم تقسيمها إلى أربعة اتّجاهات أساسية:1– النّزعة السّلفية 2- النّزعة المعاصرة 3- النّزعة التّلفيقية 4- النّزعة التّحييدية. وإنْ كان التّيار الفكري المعاصر الأكثر مقاربة لهذا المنتوج التراثي، هو التّيار الفكري السّلفي، الذي انشغل أكثر كما يقول الجابري من غيره بالتّراث، وإحيائه، واستثماره في إطار قراءة إيديولوجية سافرة، أساسُها إسقاط صورة المستقبل المنشود، المستقبل الإيديولوجي على الماضي. ثمّ البرهنة انطلاقا من عملية الإسقاط هذه، على أنّ ما تمّ في الماضي يمكن تحقيقه في المستقبل[11]. وهذا الأمر كنا قد تحدثنا عنه حينما أشرنا إلى أن عقيدة العود الأبدي النيتشوية كما تم فهمها قد تم تحويرها وتشويهها ليصير معناها هو إمكانية استرجاع التاريخ والماضي بشكل أبدي أزلي، وهذا مجانب للصواب حسب قراءة لوك فيري التي أشرنا إليها سابقا وأوضحنا معناها.

إنّ القراءة السّلفية للموروث الدِّيني من وجهة نظر الجابري هي قراءةٌ لا تاريخية في تمجيدها للماضي. ولو تأمَّلنا قليلاً لوجدْنا بأنّ هناك مأخذان يأخذهما الجابري عن التيّار السّلفي والحداثي على حدٍّ سواء. فالأول: انكبَّ على التّراث من غير أنْ يستطيع أنْ يجعله معاصراً لنا. والثّاني: أراد أنْ يستورد مقوِّمات الحداثة، ويستورد حتى أصولها، أراد أنْ يُحدِّث دون أنْ يؤصِّل[12].

لهذا يقترح:

  • أ‌. ضرورة القطيعة مع الفهم التّراثي للتّراث: بما أنّ الفكر العربي المعاصر كلّه، ينتمي من ناحية المنهج والرؤية للاتّجاه السّلفي في التّفكير. لا يجب الاختيار بين هذا المنهج، أو ذاك من المناهج الجاهزة سلفاً ( القراءة السلفية/ الليبرالية/ اليسارية ). بل فحْص العملية الذِّهنية التي سيتمّ بواسطتها، ومن خلالها استخدام المنهج. بمعنى آخر علينا نقد العقل، لا استخدامه بهذه الطّريقة أو تلك[13].

يلفت الجابري أيضاً داخل هذا المنهج المقترح، الانتباه إلى مسألة القطيعة الإبستمولوجية. فتوظيفُها في هذا السِّياق لا تعني بالضّرورة التخلي الكلّي عن مسألة التراث. فهذه الرؤية نفسُها حسب الجابري، لا تنفكُّ عن القراءات السّلفية التي كانت نتيجة طبيعية لترسّبات الفكر التّراثي في عصر الانحطاط. فالقطيعة هنا تتجاوز المعنى الدّارج لتصير في مفهومها:” التخلّي عن الفهم التّراثي للتّراث. أيْ التحرّر من الرّواسب التّراثية في عملية فهمنا للتّراث.”[14].

ب- فصْل المقروء عن القارئ مشكلة الموضوعية: ليست الموضوعية هنا بالمعنى المتداول عنها. فما يريده الجابري أعمق بكثير من الدّلالة العادية، التي يقتضيها اللّفظ في مجال تداوله اللّغوي. فالموضوع هنا هو التّراث بشكلٍ عام، والمطلوب هو إيجاد فصل بين القارئ، وهذا الموضوع، لأنّ هناك اتِّصال كبير بين الإنسان العربي المعاصر، وتراثه إلى حدٍّ يصعب فصله. فهو الذي يشكِّل وجدانه، وفكره، وأحاسيسه. ففصْل الذّات عن التّراث عملية ضرورية، لأنّها تشكِّل الخطوة الأولى نحو الموضوعية، والمكتسبات المنهجية للعلوم الألسنية المعاصرة. ولاكتساب هذه الخطوة يقترح:[15]

  • المعالجة البنيوية: وتتلخّص في معاملة فكر صاحب النصّ ككلّ تتحكّم فيه ثوابت، ويغتني بالتحوّلات التي يجريها عليها حول محور واحد.
  • التّحليل التاريخي: ويتعلق الأمر أساسا بربط فكر صاحب النصّ الذي أعيد تنظيمه بمجاله التّاريخي، بكلّ أبعاده الثّقافية والإيديولوجية والسّياسية والاجتماعية.
  • الطّرح الإيديولوجي: إنّ التحليل التّاريخي سيظل ناقصاً، صورياً ومجرّدا، ما لم يسعفه الطّرح الإيديولوجي، أيْ الكشف عن الوظيفة الإيديولوجية التي أدّاها الفكر المعني الذي ينتمي إليه.
  • وصْل القارئ بالمقروء مشكلة الاستمرارية: اختراق حدود اللّغة والمنطق لا يتمُّ إلا بالحدس، فهو الذِّي يجعل الذّات القارئة تعانق الذّات المقروءة، فتعيش معها إشكالياتها ومشاغلها، وتحاول أنْ تطلَّ على استشرافاتها[16].

هذه القراءة التي تحدث عنها الجابري تمنحنا إمكانية رؤية العقل السلفي وتأثيراته على مقاربة مسألة التراث، فهي مقاربة في عمقها استرجاعية واستردادية لا تضيف أي شيء على مستوى القراءة والتأويل والمضمون. إذ أنها تكتفي فقط بنقل ما يمكن أن يكون لحظات ممجدة في التاريخ الفكري لهذا العقل، وتصويرها على أنها لحظات تتكرر في الزمان والمكان بشكل أبدي، وهذا هو العمق الإيديولوجي السلفي المنغلق على الذات، وعلى الآخر، وعلى المحيط القريب والبعيد. فالعقل السلفي هو عقل مغلق خاصة في علاقته بالنصوص المؤسسة، إذ لا يرى إمكانية تأويلها، أو قراءتها إلا بآليات داخلية تديم سلطتها، وتسلطها، حيث أصبح النص داخل هذه المنظومة الفكرية مؤطرا للعقل، بل سابقا عليه ومتحكما فيه، بل حتى النصوص نفسها أصبحت لها مستويات في الفهم والإدراك والمشروعية. فالنص الأصلي الذي يمثله القرآن الكريم مثلا أصبح نصا هامشيا، بحكم مجموعة من القواعد الأصولية التي جعلت المرويات تحظى بطابع مقدس جعلها حاكمة على النص القرآني ومهيمنة عليه. بل ازداد الأمر صعوبة حينما احتلت العلوم الشرعية مكانة أكثر من النص الأصلي نفسه.

هذا المأزق الفكري الذي تعيشه كل السلفيات بما في ذلك السلفية الإسلامية جعلها دوما في مواجهة كل التيارات الحداثية والتنويرية على مدار التاريخ، لأنها نظرية ونمط في التفكير لا تتجاوز حدود النقل والنص، بل تقدم هذا الأخير على العقل في حالة التعارض والتناقض، وهي الحالة التي سار عليها هذا التفكير منذ نشأته الأولى، واستمر كذلك إلى حدود عالمنا المعاصر دون أن يتزحزح على هذه النمطية القاتلة. فالأزمة النصية ليست أزمة مرتبطة فقط بنصوص لها ظروف وتاريخية نشأتها، بل أيضا هي أزمة تأويل وفهم، على أساس أنها عقلية مجدت قواعد الأصول والتفسير والفقه، وجعلتها حاكمة حتى على النص الأصلي كما سبق الإشارة إلى ذلك. وهذا الأمر مبني على فكر مسبق ونظرة تختزل كل الحقيقة في النص، ولكن بفهم وتأويل ظاهري لا يتجاوز حدود الفهم السطحي، أو ما توافق عليه القدماء والسلف، في إشارة واضحة منهم بتقديس الأفهام، والأشخاص والمعاني والأفكار. ومع ذلك فإنّ الملاحظ للاستقصاء اللّغوي الذي قام به نصر حامد أبو زيد لمفهوم النص، يتبين له بأنّ الدَّلالة التي يمكن أنْ تكون ملازمة للفظ ” النَّص ” هي البروز والانكشاف والارتفاع. ولم تخرج دلالتها عن هذا الإطار. فحسب أبو زيد ظلَّ اللّفظ محافظا على دلالته، وإنْ تحوّل اصطلاحيا إلى معنى إجرائي يدلُّ على الواضح الذي لا يختلف فيه اثنان، أو هو ما لا يحتاج إلى بيان من غيره.  ودلالة النّص التّي لجأ إليها الشّافعي في رسالته، هي نفسُها الدّلالة السّابقة التّي عدّت النّص بمثابة الواضح الذي لا يحتاج إلى بيان، حين قال:” فجِماع ما أبانه الله لخلقه في كتابه مما تعبَّدهم به، لما مضى من حكمه جل ثناؤه من وجوه: فمنها ما أبانه لخلقه نصّاً. مثل جمل فرائضه، في أن عليهم صلاة وزكاة وحجًّا وصوما. وأنه حرَّم الفواحش ما ظهر منها وما بطن. ونصُّ الزنا والخمر وأكل الميتة والدم ولحم الخنزير، وبيَّن لهم كيف فرض الوضوء مع غير ذلك مما بيّن نصّاً «.

إذن فالشّافعي وعلى دربه سار الكثير مِمَن اشتغل في الحقل الفكري الديني، من مجالات واختصاصات متعدّدة، استعملوا لفظ ” النَّص ” بالمدلول الواضح، والبيِّن، والمستغني عن البيان. وهي دلالات تضعنا أمام مجموعة من الإشكاليات المرتبطة بتحديد أنواع النصوص، فهل هناك نصٌّ واحد أم نصوص متعدّدة؟. فالنّص بهذا التحديد يقتضي التّعالي على التّدخّل البشري في عملية الفهم والتأويل، ويضع مسافة بين النّص بوصفه مصدراً، وبين المتلقّي وأدواته المعرفية. لهذا قالوا عبارتهم المشهورة: لا اجتهاد مع نص. فحسب هذا الفهم تتوقف حدود الفهم والتأويل والقراءة عندما يكون هناك نص، ولكن ما وجب التنبه إليه هو أن هذه العبارة، أو لنقل القاعدة الفقهية كانت سببا مباشرا في تعطيل أهمية الاجتهاد، وبالتالي إضاعة الكثير من الأمور الناتجة عن تفعيل الاجتهاد البشري، ومواكبة التطورات المعاصرة، وخلق ديناميات اجتماعية تقلب النظرة إلى الاجتهاد خارج دائرة النص. فإذا لم نجتهد في النصوص التراثية ففي ماذا سنجتهد؟ في نهاية المطاف النص هو بوصلة العقل الأصولي، وإذا لم يجتهد في فهم النص، واستلهام مقاصده، والانفتاح على امتداداته وإشاراته، تحول النص إلى عائق، وتخلف المجتمع، ولما حققت الإنسانية ما وصلت إليه لو ظلت متشبثة بفقه النصوص. ومن هنا يمكننا أن نفهم عبارة الجبران أن التراث مسودة كذب أكثر مما هو مسودة معرفة. لذا فطمعنا أن نخلص الدين من الكذب حتى وإن لم نصل إلى الحقيقة.

لكن ماذا تفيد هذه العبارة لا اجتهاد مع النص؟ هل هي سليمة من الناحية المنطقية؟

هنا يمكننا أن نشير إلى بعض المغالطات التي تحتوي عليها هذه العبارة[17]:

  • الاختلاف في مفهوم النّص: هل النّص في سياق هذه القاعدة يقصد به النّص قطعي الثّبوت وقطعي الدلالة؟ أم هو النّص ظنيُّ الثّبوت وظنيُّ الدلالة؟. فلو سلَّمنا جدلاً بأنّ المقصود هنا هو القطعي الثّبوت والقطعي الدلالة، بمعنى أنّ قطعي الدّلالة هو ذلك النّص الواضح الذي لا يحتمل تعدُّد المعاني، واستبدلْنا العبارة ” لا اجتهاد مع وجود نصّ ” بعبارة ” لا اجتهاد مع وجود نصّ قطعي الدلالة “، فإنّنا حينها سنحوِّل كما يقول عادل ضاهر العبارة الأصلية إلى مجرد تحصيل حاصل، مؤدّاه أنْ لا اجتهاد مع وجود نصّ لا يحتاج إلى اجتهاد. والعبارة الأخيرة لا شكّ أنّها لا تقول شيئا .
  • معيار اتّفاق العقول: وهي قاعدة مفادها أنّ العقول تتّفق على معنى النّص، أيْ بصورة أدقّ اتّفاق العقول حول الحكم المقصود من النّص. ويشترط لتحقيق هذا المبتغى، أنْ لا يكون النّص قطعي الدلالة في الماضي والحاضر والمستقبل مثار خلاف بين الناس، أو بين منْ توفّرت فيه شروط النّظر في النّصوص الشرعية. فإذا تأمَّلنا في هذا المعيار وجدناه مخالفا للمنطق، لأنّ المستقبل مفتوح والوقائع متجددة، ولا يمكن أنْ يعرف الإنسان إمكانية استخراج معاني النصوص، بالحكم بثبات الفهم والمعنى وحبس الاجتهاد .
  • اعتبار النّص القطعي الدلالة، هو ذلك المرتبط بشقّ الشّريعة خاصة في مسألة الحدود: ويكفي أنَّ النّصوص نفسها التي تُعدّ عند فريق قطعية الدّلالة لا تحتاج إلى اجتهاد، هي عند فريق آخر خاضعة للتَّأويل والتفسير، ليسقط هذا البناء النّظري غير العقلاني في بنية المؤسَّسة الدينية التقليدية، التي أغلقت باب الاجتهاد بقواعد خلقتها وأنتجتها، وسيّجت من خلالها عملية الابتكار والإبداع في مجال المعرفة الدينية.

 

المراجع:

[1] –  سورة القلم الآية 35/36

[2] – في بعض الروايات في مسند أحمد. رقم الحديث: 301(حديث مرفوع) 301 قَالَ : وَأَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ، عَنْ أَبِي الْخَيْرِ، أَنَّهُ سَمِعَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرٍو، يَقُولُ : إِنَّ رَجُلًا سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلامُ، فَقَالَ : أَيُّ الْمُسْلِمِينَ خَيْرٌ؟ فَقَالَ : ” مَنْ سَلَّمَ النَّاسَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ “. انظر الرابط التالي:

http://library.islamweb.net/hadith/display_hbook.php?bk_no=39&hid=301&pid=12559

[3] – رواه البخاري في كتاب الإيمان، باب قول النبي صلى الله عليه وسلم بني الإسلام على خمس. انظر الرابط التالي: http://hadith.al-islam.com/Page.aspx?pageid=192&BookID=24&PID=7

[4] –  النيهوم، الصادق. الإسلام في الأسر من سرق الجامع وأين ذهب يوم الجمعة. دمشق: دار الريس للكتب والنشر، 1995.ط3. ص: 52.

النيهوم، الصادق. إسلام ضد الإسلام. (ط3). دمشق: دار الريس للكتب والنشر، 2000. ص: 21

[5]– الورداني، صالح السيف والسياسة في الإسلام الصراع بين الإسلام النبوي والإسلام الأموي. دار الرأي للطباعة والنشر والتوزيع،1999، ط1. ص 168

الورداني، صالح. أهل السنة شعب الله المختار. مكتبة مدبولي الصغير،1996، ط1. ص: 25

[6] – عمارة، محمد. الإسلام والأمن الاجتماعي. القاهرة: دار الشروق، 1998،ط1. ص: 24/25

[7] – يعد ما كتبه Amartia Sin  حول التنمية، فتحاً جديدا في تطوير مفهوم التنمية، حيث نظر إليها بكونها عملية توسيع في الحريات الحقيقية التي يتمتع بها الناس، واعتبر أنّ الحرية هي ما تقدّمه التنمية، لهذا يجب التركيز على هذا الهدف الأشمل بدلاً من التركيز على بعض الوسائل الجزئية، أو على عدد من الأدوات التي يجري انتقاؤها عمدا. انظر:

صن، أمارتيا.( 2004). التنمية حرية. (ع.303).  سلسلة عالم المعرفة. ص: 15

[8] – بدوي، عبد الرحمن. خلاصة الفكر الأوروبي: سلسلة الفلاسفة. نيتشه. الكويت: وكالة المطبوعات، 1975،ط5. ص:252.

[9] – لوك، فيري.تعلم الحياة سأروي لك تاريخ الفلسفة. ترجمة سعيد الولي. ص: 283.

[10] – الجابري، محمد عابد. نحن والتراث : قراءة معاصرة في تراثنا الفلسفي. بيروت: المركز الثقافي العربي، 1993، ط6. ص: 11.

[11] – المرجع نفسه. ص: 12

[12]– عبد السلام، بن عبد العالي. سياسة التراث: دراسات في أعمال محمد عابد الجابري. الدار البيضاء،: دار توبقال للنشر، 2011،ط1. ص: 47.

[13] – نحن والتراث. ص: 20

[14] – المرجع نفسه.  ص: 21

[15] – المرجع نفسه. ص: 23 وما بعدها

[16] – المرجع نفسه. ص: 25

[17] – ضاهر، عادل. أولية العقل: نقد أطروحات الإسلام السياسي. لبنان: بيروت. دار أمواج للطباعة والنشر والتوزيع،2001. ص: 305

    اقرأ ايضا

    المزيد من المقالات

    مقالك الخاص

    شــارك وأثــر فـي النقــاش

    شــارك رأيــك الخــاص فـي المقــالات وأضــف قيمــة للنقــاش، حيــث يمكنــك المشاركــة والتفاعــل مــع المــواد المطروحـــة وتبـــادل وجهـــات النظـــر مــع الآخريــن.

    error Please select a file first cancel
    description |
    delete
    Asset 1

    error Please select a file first cancel
    description |
    delete