التدينُ السلفيُّ وسيرورةُ تفعيلُ البعدِ الإنجازيِّ للهُوية الدِّينيَّة: التطرفُ بوصفه فعلٌ إنجازيٌّ لدى الشباب السلفي

ملخص:

إنَّ فهم ظاهرة التطرف الديني في علاقتها بالتدين السلفي من المنظور السوسيولوجي يقتضي الوقوف على التركيب والتعقيد الذي يطالُ بنيتها بعيدًا عن الاستنتاجات أحادية-البعد والتي تختزلُ التطرف الديني- السلفي في محددات اقتصادية مثل الفقر واجتماعية مثل التهميش والجهل. ترتكزُ فرضيتنا على فكرة مفادها أن التطرف -باعتباره تغييرًا جذريًا- لدى الشباب السلفي كاشف عن البعد الإنجازي للهُوية الدينية الذي يَسمحُ التدين السلفي بتكوينه اجتماعيًا وسيكولوجيًا وبإعادة تفعيله وإنتاجه خطابيًا وتيولوجيًا. إنَّ الحديث عن التطرف الديني هو حديث عن سيرورة تكوُّن الهُوية الدينية داخل الشباب الملتزم الذي يجدُ في التدين السلفي التعبيرَ الأكثرَ إنجازيةً عن هُويته الفردية من طريق تجاوز الهُوة بين القول والفعل وبين الخطاب والممارسة بوصفه شكلًا من أشكال التغيير الذاتي. الهُوية الإنجازية إذًا هي هُوية متطرفة بالأساس، ذلك لأنها تستند إلى البعد الطهراني والجوهري للذات الذي يأخذُ منحىً دينيًّا عبرَ الالتزام الديني في شكله السلفي بفهمه المثال الأعلى للالتزام لدى الشباب السلفي.

مقدمة:

من بين مداخل فَهم إشكالية التطرف الديني هو تفكيكُ جدلية الفكر والواقع، ونقترحُ في هذا الإطار فَهمُ الفكر بوصفه مستوىً من مستويات الواقع وليس مقابلًا له، ذلك أن الفكر واقعٌ لم يتحقق بعد، وتبنيه هو رغبة في ترجمته لاعتباره الواقع الذي يجب عليه أن يكون بدلًا عن الواقع الملموس والمعاش؛ ومن ثم نُميز بين مستويين من الواقع: الواقع الفعلي الموضوعي الذي هو فكر قد تحقق، والواقع المثالي المرتقب الذي هو فكر في طور التحقق بالقوة فرديًا أو جماعيًا. تكون الشرعية إذًا شرعية سلطة ومصلحة ورهان مرتبطة بعقلانية الفاعل وسياقه قبل أن تأخذ شكلًا أيديولوجيًّا أو لاهوتيًّا.

قد تُسعفنا هذه الفرضية في فهم إشكالية التطرف الديني لدى الشباب السلفي، لأننا سنتوقفُ عن تقديم إجابات جاهزةٍ من قبيل فَهم التطرف الديني مفعولًا من مفعولات الأيديولوجية السلفية ومدى التأثير السلبي الذي تمارسه في الشباب، الشيء الذي يقتضي ضمنيا أن الفكر مقابلٌ للواقع ومحدد له، بيد أن عملية تبني الأيديولوجية السلفية هي ترجمة لواقع زمني يدخل فيه الفردي والنفسي والاجتماعي والاقتصادي والوجودي.

من هذا المنظور يكون أساس التطرف الديني واقعيٌّ بامتياز، إلا أن عناصر تقويمه خطابية وآليات ضمان استمراره أيديولوجية في إطار بنية علاقات حاضنة، إننا هنا بصدد الحديث عن زمنية التطرف Temporalité de la radicalité، الذي يُنتجُ واقعيًا في المدى القريب، وتقويمهُ خطابيًا- تيولوجيا في المدى المتوسط، وتعزيز استمراره أيديولوجيا في المدى البعيد.

إن فَهمَ ظاهرة التطرف الديني من المنظور السوسيولوجي يقتضي الوقوف على التركيب والتعقيد الذي يطالُ بنيتها بعيدًا عن الإجابات أحادية -البعد والتي تختزلُ التطرف الديني في محددات اقتصادية مثل الفقر واجتماعية مثل التهميش والجهل، بينما تنخرط هذه المحددات في إطار نماذج مثالية – بالتعبير الفيبيري- قد تسهم في فهم الظاهرة لكنها ليست مفسرة ومحددة لها. في هذا الإطار أصبح عامل الزمن محددًا في فهم ظاهرة التطرف الديني وذلك من طريق اعتبار التطرف سيرورة وبناءً وليس فعلًا مجردًا أو معطى جاهزًا، أي أنَّ إدخال عامل الزمن في حديثنا عن التطرف يسمحُ لنا بالانتقال من الحديث عن التطرف بوصفه مؤثرًا إلى اعتباره كاشفًا Révélateur عن بنية معقدة.

سنقفُ على بعض أوجه هذا التصور الأولي للتطرف الديني  مشتغلين على إشكالية التدين السلفي في علاقته بالالتزام الديني من جهة، وبالتطرف من جهة أخرى من منظور الإنجازية الهوياتية Performativité identitaire.

تتركزُ فرضيتنا الأساسيةُ في فكرة مفادها أن التطرف لدى الشباب السلفي[2] كاشفٌ عن البعد الإنجازي للهُوية الدينية، الذي يسمحُ التدين السلفي بإعادة تفعيله وتشكيله اجتماعيًا وسيكولوجيًا وبإعادة تفعيله وإنتاجه خطابيًّا وتيولوجيًّا. وإنَّ الحديث عن التطرف الديني هو حديث عن سيرورة تكوُّنُ الهُوية الدينية لدى الشباب الملتزم الذي يجد في التدين السلفي التعبير الأكثر إنجازية عن هويته الفردية من طريق تجاوز الهوة بين القول والفعل وبين الخطاب والممارسة بوصفهما شكلًا من أشكال التغيير الذاتي. التطرف إذًا هو مفعول من مفعولات الفعل الإنجازي للهُوية الدينية، أي الرغبة في ردم الهوة بين الهُوية المتاحة والهُوية المرغوب فيها.

سوف نعتمدُ في فحصنا ومقاربتنا لهذه الفرضية على خمس مستويات من الإنجازية تُميز التدين السلفي: المستوى الانفعالي-الصدامي والمستوى الفردي-الاستثنائي والمستوى العملي-المباشر والمستوى الشمولي-الجذري والمستوى الخطابي-الظاهري، وسنحاولُ الوقوف على الخصائص السوسيولوجية لكل مستوى من هذه المستويات في علاقتها بالالتزام الديني والتطرف بوصفهما ترجمةً لعقلانية الفاعل السلفي وسياقه.

على هذا الأساس ستكونُ محاورُ ورقتنا البحثية على الشكل الآتي:

  1. الفعل الإنجازي والهُوية الدينية: التجربة الذاتية بوصفه محددًا للالتزام الديني
  2. البناء الانفعالي للهُوية السلفية: الرفض الاجتماعي بوصفه باعثًا على الثبات والاستمرارية
  3. التدين السلفي ومحاولة بناء الهُوية الفردية: بين تقدير الذات واعتراف الآخر
  4. التدين السلفي وثنائية “افعل ولا تفعل”: من التعدد والتعقيد إلى البساطة واليقين
  5. شمولية التدين السلفي بوصفه ترجمةً فعليةً لإرادة التغيير الذاتي وخلق الانسجام الهُوياتي
  6. التدينُ السلفي وسيرورة الانتقال من التعدد الاجتماعي-السيكولوجي إلى الوحدة الخطابية-الحرفية
  7. زمنية التدين السلفي ومراحل التطرف: عقلانية الفاعل وسياقه بوصفه محددًا

 

  1. الفعل الإنجازي والهُوية الدينية: التجربة الذاتية كمحدد للالتزام الديني

 

ينخرطُ حديثنا عن الإنجاز أو الأداء Performance في بعده اللساني-التداولي ضمن نظرية أفعال الكلام لدى أوستين من خلال كتابه «How to do things with words» الذي كانت ترجمته الفرنسية تحت عنوان «Quand dire c’est faire»، أي كيف ننجز شيئًا ما من طريق قوله أو عندما يكون القول فعلًا في حد ذاته، فيكون فَهم الكلام وإدراكه تشخيصًا لمضمونه وتحديدًا لغرضه التداولي أي قيمته وقوته الإنجازية.[3]

يسعفنا هذا البعد الدلالي في الوقوف على علاقة الفعل الإنجازي بالهُوية، وكيف أن الإنجازية كما ترى جوديت بتلر، ليست فقط دورًا يُؤدى، بل إنها عملية يتماهى فيها الفرد مع ما يقتضيه الدور بوصفه مضمونًا وغايةً مع تغيير شامل لهويته، حتى يكون التغيير الخارجي والسلوكي خطوة أولى في عملية إعادة تشكيل الهُوية الذاتية. إنَّ الإنجازية الهُوياتية بهذا المعنى هي تكرار وطقس ممتد في الزمان وليست مجرد تعبير لا تأثير فعلي أو سُمك هُوياتي له.[4]

إنَّ سيرورة الإنجازية الهُوياتية تنطوي بالضرورة وفي المقام الأول على طقوس تكون مرتبطة بالجسد يُعبرُ باستخدامها عن هذه الإنجازية والقبضُ عليها زمانيا. [5] تستمد هذه الطقوس شكلها وبنيتها من المتاح دينيًا واجتماعيًا من طريق أبعاد التنشئة الاجتماعية والدينية التي يُعادُ تفعيل مضامينها الإنجازية (الرجوع إلى طريق الحق والهداية الإلهية والاستقامة على هدي الله والالتزام بأوامر الله…)؛ وهذا ينطبق سواء في مرحلة الالتزام الديني التقليدي أو في مرحلة الالتزام السلفي.

نُشيرُ إلى أن مسألة ارتداء النقاب أو الخمار  عند النساء السلفيات لا تكفي في نظرهن كي يصبحن سلفيات على الحقيقة، حيث يقتضي الأمر ترجمة ما تنطوي عليه الهُوية السلفية في شموليتها والعمل على الالتزام بها في المدى الطويل طقسًا وسلوكًا وتشريعًا واعتقادًا.

ما يجعل النساء السلفيات يُفضلن ارتداء الخمار أو النقاب بدلًا عن الحجاب وهو الصورة الاجتماعية السلبية التي أصبح الحجاب يأخذها، لأنهُ أصبح مرتبطًا بالموضة والزينة وأزياء أخرى مثل الجينز، إذ لم يعد يلعب دورًا إنجازيا في البعد الديني المرتبط بالتقوى كما أنه لم يعد يشكلُ رسالة واضحةً بخصوص الأخلاق.[6]

في سياق آخر نشيرُ إلى أن مرحلة القلق الوجودي أو ما يمكن أن نسميه بالهشاشة الوجودية بواسطة طرح سؤال المعنى والمرتبط بتجارب الموت والاكتئاب والخوف والوحدة، تجعلُ الفرد ينخرط في حقل حيادي سيكولوجيًا، الشيء الذي يجعله قابلًا لكل صورة  فتصبحُ هُويته بلغة دريدا هُوية فرماكونية أي حقلًا لإمكانات متناقضة؛[7] في هذا الإطار بالتحديد يُفعلُ المعنى المستبطن للالتزام الديني (الله اهدينا، الله ارد بنا، الله ارجعنا إلى الطريق) كونها رغبةً في الخروج من الضعف السيكولوجي، في حين لا يأتي التدين السلفي إلا في مرحلة متقدمة زمانيًا بوصفه نوعًا من أنواع تحقيق الالتزام الديني في مثاليته وشموليته.

إذا عَرَّفَ دوركايم الدين بوصفهِ الحياة وقد أُخذت بجدية، [8] فإن الالتزام الديني بشقيه (التقليدي والسلفي) ينطوي لدى الشباب السلفي على قناعة مفادها استحالة العودة إلى الوضع السابق والتخلي عن الالتزام، مع عملية استئناف إنجازي للدين في ممارساته اليومية من طريق محاولة خلق تماسك هُوياتي وإضفاء معنى وانسجام على الحياة في شموليتها. [9]

يسعى الشباب السلفي بممارسة التزامه الديني بشقيه في خلق التناسق/الاتساق الذاتي Consistance مستخدمًا عملية التوفيق بين الأقوال/القناعات والأفعال/السلوكيات في الحياة الاجتماعية، إلا أنها تأخذ بعدًا وجوديًا وسيكولوجيًا في أثناء مرحلة الالتزام الديني التقليدي وبعدًا اجتماعيًا وفرديًا في أثناء مرحلة الالتزام الديني السلفي.

فيما يتعلق بإجابات الشباب السلفي بخصوص نمط حياتهم قبل الالتزام الديني التقليدي، لاحظنا أنها إجابات وصفية ذات بُعد مستقر ومتكرر زمانيا مثل: “كانت حياتي عادية”، “كنت  ككل الناس”، “كنت مثل الآخرين لا فرق بارز”،” لا شيء جديد، كان كل شيء اعتيادي”، “لم تكن لحياتي معنى”؛ في حين كانت إجاباتهم بخصوص نمط حياتهم بعد الالتزام الديني أكثر ارتباطًا بالجدة والتغيير مثل: “لقد أصبحت أكثر تميزا”، “خرجت من المألوف وغيرت الكثير من سلوكياتي”، “أصبحت حياتي استثنائية مقارنة مع ما كانت عليه”، “أصبح لحياتي معنى بعد الالتزام”.

نربطُ إذًا هذا التغير في تَمَثُّلِ الحياة قبل الالتزام الديني التقليدي وبعده بالإنجازية الهُوياتية التي حُققت في المستوى الوجودي والسيكولوجي بسبب تجاوز لحظات غياب المعنى والهشاشة النفسية وردم الهُوة بين الذات والمعنى الوجودي؛ إلا أن هذه الإنجازية الهُوياتية في المستوى الفردي والاجتماعي بوصفها تجاوزًا لغياب الاعتراف والاستقلالية الذاتية وردم الهوة بين الذات والمعنى الاجتماعي لن تَتَحقق إلا مع الالتزام السلفي بوصفهِ مرحلةً متقدمةً من الالتزام الديني.

كانت إجابات الشباب السلفي بخصوص نمط حياته بعد الالتزام السلفي إجابات مرتبطة بأبعاد الفردنة والاستقلالية والاعتراف الاجتماعي التي حُققت مثل: “أصبح الناس يحترمونني”، “رغم الرفض الأسري لارتداء الخمار إلا أن الجميع أصبح يحترمني داخل الثانوية”، “أصبح الناس يوقرونني في الشارع ولا يجرؤون على قول كلمات نابية في حضرتي”، ” أصبحت أكثر استقلالية وضبطا لحياتي الشخصية”، “أحس أنني أكثر حرية واستقلالية مما كنت عليه سابقا”.

 يرتبطُ الالتزام الديني عمومًا بلحظة مصيرية في مسار حياة الفرد،[10] وبسيرورة الهشاشة التي يعيشها ويسعى في تجاوزها سواء أكانت اجتماعية أم سيكولوجية أم وجودية. إنَّ الأمر يتعلق إذًا بتجربة الفرد الذي يحاول التعبير عنها في أشكال ذاتية وفردية،[11] ويكون الالتزام الديني شكلًا من أشكال هذا التعبير الذاتي المتاح اجتماعيا وثقافيا.

لعل الفرضية الأساسية في هذا السياق هي كون الإنجازية الهُوياتية لدى الشباب السلفي مرادفة للتطرف بوصفها سيرورةً، وذلك بفهمها إرادة للتغيير الذاتي لا مكان للإرجاء والتأجيل فيه ورغبة في ردم الهُوة -التي يختلف حجمها من فرد لآخر- بين الفردي والاجتماعي على أساس ثنائية التقدير الذاتي والاعتراف الاجتماعي، ومن ثم يكون الاختلاف بين الشباب السلفي في درجة التطرف لا في طبيعته، وذلك وَفق عقلانية الفاعل السلفي وسياق التزامه الديني.

 

  1. البناء الانفعالي للهُوية السلفية: الرفض الاجتماعي بوصفها باعثًا على الثبات والاستمرارية

 

يلعبُ الجانبُ الانفعالي في سيرورة التدين السلفي دورًا إنجازيًا من طريق أشكال الصدام بين النمط السائد للتدين والنمط الجديد الذي يُعدُّ غريبًا في نظر المجتمع، يأخذُ التدين السلفي في البداية شكلًا سلميًا في المستوى السيكولوجي كونه استجابةً تلقائيةً لحاجة اجتماعية، مثل ارتداء النقاب كي تتجنب أشكال التحرش أو عدم سماع الموسيقى ومصافحة النساء للحد من أشكال العلاقة مع تجربة الماضي، يتحولُ هذا الشكلُ السلمي إلى شكلٍ انفعالي وصدامي، عندما تبدأُ العلاقة مع المحيط الأسري والاجتماعي للفرد الملتزم في التوتر (رفض ونقد وصراع وتهكم…)، الشيء الذي يجعلُ هذا الأخير متمسكًا أكثر بتدينه السلفي الجديد، بسبب رؤيته له بوصفه الحق في مواجهة الباطل، وكلما كان الرفضُ المجتمعي أكبر، كان التمسك والثبات  بالالتزام الديني في شكله السلفي أشد.

ينخرط التدين السلفي في بعده الانفعالي لدى الفرد الملتزم فيما يسميه موسكوفيسي Moscovici بالتعدد المعرفي للمراحل Polyphasie cognitive، وذلك من طريق المواجهة بين القديم والجديد، [12] أي بين الأنماط القديمة لتفسير الواقع الاجتماعي (موروثات ثقافية وتنشئة اجتماعية…) والخطاطات المعرفية الجديدة (الحس الفردي والرغبة في الحرية والاستقلالية).

يكون إذًا رد فعل الآخر حافزًا في تحقيق إنجازية هُوياتية تأتي في خضم ما يمكن تسميته بصراعية أو نضالية الذات Combativité de soi، أي الانخراط في توتر هُوياتي بين الماضي والحاضر، ويتسم هذا الصراع الداخلي بالقدرة على صنع القرار الشخصي والرغبة في التعبير الذاتي وإرادة تغيير الحاضر وتنظيمه.[13]

في السياق نفسه يرتبطُ البعد الانفعالي والعاطفي، كما ذهب إلى ذلك كلود كوفمان، بعملية إغلاق المعنى، لأنهُ يساعد في اتخاذ القرار دون المرور بعملية التفكر والعقلنة Réflexivité et rationalité التي تكون هي المسئولة عن مسألة تعدد المعنى وقبول منطق التأويل:[14]

“أعرف نفسي جيدا، ولو لم أتخذ قرار الالتزام في تلك اللحظة رغم الصراعات التي خضتها لما استطعت أن ألتزم، ولكنت غيرت رأيي لأني سأعطي لنفسي أعذارا أخرى من أجل لتماطل.” (ي[15]  (ذكر)، 30 سنة، متزوج)

نشيرُ إلى أن الاعتقاد الديني حاضر في سيرورة البناء الانفعالي للهُوية السلفية، فيصبح مبدأ الصبر على الأذى والامتحان الإلهي هو الضامن للنصر الذاتي على الآخر والباعث على الثبات والمواجهة، مع التذكير أن هذا الاعتقاد يُفعلُ في مرحلة متقدمة ترتبط بأشكال استجابة المحيط الأسري والاجتماعي:

“كان التوتر حادا داخل أسرتي، حيث كان الرفض والنقد قويا بسبب ارتدائي للخمار، ولكن صمودي وإصراري كان أقوى لأني أعرف أن المؤمن ممتحن في الدنيا وعليه الصبر رغم الصعوبات والتحديات التي يمكن أن تواجهه.” (أ (أنثى)، 27 سنة، متزوجة)

يتعلقُ الأمر إذًا بعملية تحيين وتفعيل الاعتقاد الديني وَفق سياق الفرد الملتزم، إلا أن هذا الاعتقاد لا يُعدُّ في نظرنا محددًا بنيويا على شكل هابتوس يفرضُ نفسهُ على إرادة الفرد، ذلك لأنه مرتبط بعقلانية الفاعل الذي يرغب في الالتزام ويبحث عن أشكال الحفاظ عليه، ويعدُّ الاعتقاد الديني في هذا المستوى آلية من آليات الدفاع عن هذه الإرادة الذاتية بواسطة الاستعانة بسلطة الميتافيزيقي على الاجتماعي في إطار انفعالي وصراعي من أجل البقاء الذاتي والهُوياتي.

تأتي الإنجازية الهُوياتية في هذا الإطار بوصفها انسجامًا وتماسكًا داخليًّا بين البعد الانفعالي الباعث على الإصرار والثبات والبعد الاعتقادي الضامن لمصداقية هذا الأخير والبعدُ الذاتي الذي يرتكز على الحرية والاستقلالية الفردية كونهُ أساسًا لتقدير الذات والاعتراف الاجتماعي.

 

  1. التدين السلفي ومحاولة بناء الهُوية الفردية: بين تقدير الذات واعتراف الآخر

يتولد التطرف لدى الشباب السلفي من البعد الفردي والاستقلالي الذي تبدأ عملية الوعي برهاناته بواسطة جدلية الذاتي والاجتماعي في إطار مبدأ الاعتراف. ثمة في هذا الإطار نمطين من الفردنة تختلف بمقتضاهما درجة التطرف: نمط الفردنة المتاحة والمراد ترجمتها ونمط الفردنة المرغوب في اكتسابها اجتماعيًا.

يتعلقُ النمط الأول بتأكيد الذات لدى الفرد وإضفاء طابع الشرعية الدينية على البعد الفردي والاستقلالي الذي كان يتمتع به في الماضي، ويكون التغيير السلوكي جذريًّا لأنه تغيير لأشكال الفردنة السابقة على الالتزام بوصفها انحرافًا وضلالًا:

“على الرغم من أن الجميع يحترمني ويقدرني، إلا أن نظرتهم إلىّ تنم عن حكم قيمة يعتبر ما أقوم به هامشي وغير معترف به اجتماعيا، وقد كان هذا يؤثر فيّ كثيرا. (…) كان علي القطع مع سلوكيات لم أكن واعيا أنها خاطئة ومحرمة شرعا.” (ي.(أذكر)، 30 سنة، متزوج)

يتعلقُ النمطُ الثاني بالرغبة في تحقيق الذات وليس في تأكيدها بنزع الاعتراف والاحترام من الآخر، وتكون أشكال التطرف لدى هذه الفئة أقل حدة وتشددًا من الفئة الأولى لأنها لا تعمل على القطع مع سلوكيات فردية سابقة لعدم وجودها، ذلك لأنها كانت تنخرط في سلوكيات معيارية معترف بها اجتماعيا ودينيا:

“الحمد لله لم أكن أدخن أو أصاحب الفتيات أو أمارس سلوكيات خارج عن المألوف، إلا أنني كنت انطوائيا ومنعزلا على نفسي، ولم تكن لدي الجرأة في أن أتكلم مع الناس في العلن وبكل أريحية. (…) بعد التزامي تغير كل شيء، حيث أصبح الجميع يقدرني ويحترمني بل ويستشيرني في أمور الدين لأنني ملتزم، فكنت أحدثهم وأنصحهم دون أي إشكال.” (ر. (ذكر)، 29 سنة، عازب)

ينخرط هذا التغيير في سياق برغماتي أوسع يشمل البعد الديني نفسه، ونشير في هذا الصدد إلى أن كل فرد يتبنى كما ذهب إلى ذلك أورفلي برجيتا، مجموعة من الآراء والمبادئ بخصوص قضايا معينة، إلا أنه يلجأ في مراحل معينة من حياته إلى تجربة منتجات جديدة وتغيير ثقافة استهلاكه، وتسعفنا الدراسات عن التسويق في فهم هذا التغير باستعمال عمليات الإقناع التي تنهجها للدفع بالمستهلك لاستخدام منتجات جديدة.[16]

نضيف إلى هذا الطرح البعد الذاتي للمستهلك والمرتبط بعقلانيته، التي باستخدامها يحاول خلق انسجام وتماسك هُوياتي، ولعل عمليات الإقناع التي تؤدي إلى تغيير في الآراء أو المبادئ لا تأخذ مفعولها إلا بفضل قوتها الإنجازية التي يبحث الفرد عن تحقيقها هُوياتيا.

في هذا الإطار يُعدُّ التدين السلفي هو المنتج القابل للاستهلاك، إلا أن عملية اختياره مرتبطة بالبعد الفردي والاستقلالي الذي تتيحه للفرد الملتزم من جهة، وبالبعد الإنجازي التي تخلقه بواسطة الانسجام الداخلي والتماسك الهُوياتي في علاقة الفرد بذاته والآخر.

في هذا السياق تُترجِمُ عملية الانفلات من الهُوية المعيارية-الجماعية والتأسيس لهُوية ذات طابع فردي وشخصي انخراطَ الفرد في سيرورة التذويت كونها توسيعًا لإمكانات الهُوية الذاتية. تتم هذه العملية من طريق الخروج من النمط السائد للتدين (جماعي واعتيادي وتكراري وشفهي) إلى نمط جديد يسمح لنا بربط الممارسة الطقسية بالمعرفة الدينية، بالإضافة إلى الحس الاستثنائي الذي يخلقه التدين السلفي لدى الفرد الملتزم من طريق التقدير والاعتراف الذي يكتسبه داخل محيطه الاجتماعي، خصوصًا وأنه يحقق انتقال هُوياتي من تدين متوارث (تنشئة اجتماعية) إلى تدين اختياري (حرية الاختيار).

لاحظنا أن شخصية السلفي أو تَمَثُّل هذه الشخصية مرتبط بالاستقلالية والوقار والبساطة، ومن ثم تُعدُّ نموذجًا للشباب الذي يتخذُ قرارًا بالالتزام الديني، لأنهُ يجدُ في التدين السلفي فرصة لتقدير الذات والثقة بالنفس والتعبير عن استقلاليته الفردية. ومن ثم فإن تبني الأيديولوجيا السلفية لدى الشباب ليست فقط نتيجة قوتها الفكرية ومطابقتها للواقع، بل كذلك لاستنادها إلى السلطة الكاريزمية التي يتمتع بها الفاعل السلفي:[17]

“حتى قبل التزامي كانت نظرتي للسلفيين نظرة احترام وتقدير، حيث كانوا يفرضون أنفسهم واحترامهم على الآخرين، فلم يكن أحد يجرأ على شتمهم بل كانوا مرجعا لبعض الشباب الذي يلجأ إليهم ليسألهم في أمور الدين، وكنت أرى فيهم مثالا يحتذى.” (ي. (ذكر)، 30 سنة، متزوج)

هذا التَمَثُّل الاجتماعي للتدين السلفي باستعمال الأفراد الممارسين له يجعلُ أشكال تلقيه لدى الفرد الملتزم مرتبطة في البداية بالأبعاد الذاتية والاجتماعية والسلوكية من طريق الاستناد إلى ممارسات الأفراد قبل أن تأخذ أبعادًا موضوعيةً وخطابيةً بالرجوع إلى سلطة النصوص الدينية.

ما يميزُ التدين السلفي إذًا هو الهُوية الفردية التي يحاول بناءها، من أجل “إضفاء قيمة مطلقة على التدين الشخصي وعلى علاقة الفرد بدينه”، ولذا يكون الالتزام الديني اختيارًا فرديًّا لا يخضعُ إلى بنية التنشئة الاجتماعية التقليدية، مما يؤدي وَفق، أوليفيي روا، إلى “ابتذال للمعرفة الدينية” أو “دنيوة العامل الديني” حيث تتوارى السلطة الدينية الجماعية ويصبح لكل فرد حرية اختيار شيخه وإمامه.[18]

نشيرُ في هذا الصدد إلى أن حديثنا عن التدين التقليدي-الجماعي، كما حدد خصائصه حسن رشيق، هو حديث عن تدين متاحٌ وسهل المنال، بديهي، مستبطن وممارس في الحياة اليومية بشكل شفهي دون رجوع الفرد إلى الممارسة الخطابية اللاهوتية المحضة؛[19] وهذا التدين الجماعي ذو هُوية شفهية هشة وغير خطابية، بينما يرنو الشباب السلفي إلى بناء هُوية تتأسس على سلطة النص والخطاب الديني للإقناع والاقتناع في المدى البعيد.

 

  1. التدين السلفي وثنائية “افعل ولا تفعل”: من التعدد والتعقيد إلى البساطة واليقين

إن ما يقدمه التدين السلفي من إجابات جاهزة وبسيطة في المستوى السلوكي والعملي يسمح بالخروج من مرحلة تعدد الاختيارات التي كانت تُميز نمط حياة الشباب السلفي قبل التزامه، ومن ثم الانخراط في ثنائية “افعل ولا تفعل”، في هذا الصدد تلجأ الذات -حينما تكون مُنهكة من كونها ذاتًا حرةً في الاختيار [20] الشيء الذي يخلق لديها نوعًا من التنافر الذهني cognitive Dissonance بين الخطاب والسلوك- إلى البحث عن هُوية جاهزة وسريعة المفعول، وغالبًا ما تكون أهم مميزات هذه الأخيرة هي الثبات والوضوح والبساطة واليقين والشمولية، وهذا ما يقدمه التدين في شكله السلفي.

تتجلى إنجازية التدين السلفي في المستوى السلوكي  بشكله البسيط والتطبيق المباشر لتعاليمه، حتى يُنتقلُ من الخطاب المجرد بخصوص الدين إلى الممارسة العملية لهذا الأخير، وذلك من طريق تحول “التعاليم السلفية إلى سلوكيات ملموسة، وليس إلى مجرد تعلق عاطفي بالدين لا أثر له في السلوك.”[21]

في هذا الصدد يَرجعُ الواقع بكل تعقيداته وإشكالاته إلى مجموعة من الاختيارات البسيطة ذات البعد الثنائي الخير/الشر،[22] وهذا ما يعطي جاذبية للتدين السلفي لدى الشباب الذي يبحث عن أشكال سلوكية تعينهُ في الخروج من نمط حياة يتميزُ أساسًا بهامش كبير من الحرية في الاختيار:

 “لم أعد بحاجة لكثرة التفكير لشراء ملابسي واتباع الموضة، فقد أصبح الأمر الآن بالنسبة لي جد واضح في أمور الدين: على المرأة أن ترتدي النقاب، هذا كل شيء.” (آ (أنثى)، 27 سنة، متزوجة)

“اخترت هذا الشكل من الالتزام الديني لأنه بسيط، فلماذا نقوم بتعقيد الحياة، فالأمر واضح جدا وسهل المنال، كما أنه يضفي البساطة على الحياة.” (ز (أنثى)، 20 سنة، عازبة)

“الأمر بسيط وواضح، ليس هناك الكثير من التفسيرات والتأويلات التي تضعك في حرج وارتباك وكثرة التفكير.” (ع (ذكر)، 23، عازب)

يخلقُ هذا الاستعمال الاجتماعي والبرغماتي لتعاليم التدين السلفي نوعًا من التطابق بين الفاعلية والحقيقة، فتأخذ المزايا التي يكتسبها الشباب بفضل التدين السلفي شكلًا مطلقًا بواسطة اعتبار هذا الأخير حقيقة الدين والأصل الوحيد له، وهذا قبل تبني الخطاب اللاهوتي السلفي الذي يأتي في مرحلة متقدمة من التدين السلفي.

من هذا المنطلق تُأخذ الصلاة بوصفها شكلًا طقسيًّا وعمليا ومباشرا ومنتظما، مكانة كبرى لدى الشباب السلفي، خاصة وأنها تكون أول ما يُلتزمُ به وبتفاصيله (أحكام الصلاة وكيفية صلاة النبي…)؛ ولعل ما يميز هذا الطقس الديني هو بعده الإنجازي الذي من طريقه يمكنُ ملاحظة الهوة بين الخطاب والواقع،[23] كما أن الصلاة هي الطقسُ الأكثر انتظامًا وكثافةً كونها ممارسة ومن ثم تحدٍّ يجبُ علينا الظفر به من أجل تحقيق الإنجازية الهُوياتية على الأقل طقوسيًّا. [24]

تترجَم إنجازية الهُوية الدينية إذًا في شكل التزام ديني طقسي (الصلاة) كونها خطوة أولى في المدى القريب، قبل أن تتطور وتتوسع لتشمل باقي مناحي الحياة في أفق بناء هُوية متماسكة ومنسجمة في بعديها الخطابي والممارساتي (الاعتقادي والسلوكي) في المدى البعيد.

يستندُ الشباب السلفي في هذا السياق إلى الخطاب النبوي أكثر من استنادهم إلى الخطاب القرآني، ويمكنُ تفسير هذا الاختلاف الاستدلالي كون الخطاب القرآني خطابًا قابلًا للتأويل، كما أن مضامينه هي مضامين كونية، بينما يتميز الخطاب النبوي بالوضوح والمباشرة، كما أن مضامينه هي مضامين تفصيلية للحياة اليومية، الشيء الذي يسمح للمتلقي بالتطابق المباشر مع مقتضياته، لأنهُ يجد فيها حلولًا عملية وبرغماتية لتساؤلاته وإشكالاته النفسية والاجتماعية والاقتصادية.

يُحيلنا هذا الاختلاف إلى ما أشرنا إليه سابقًا فيما يتعلق بخصائص التدين السلفي مثل البساطة والبرغماتية والبعد الفردي، ولعل الخطاب النبوي يسمحُ بترجمة فعلية لهذه الخصائص على أرض الواقع، بينما يُقدمُ الخطاب القرآني المبادئ الكونية والكليات الأساسية التي ينبني عليها الدين دون الدخول في الفروع والتفاصيل الجزئية.

إن عملية الانتقال من التعقيد إلى البساطة في نمط العيش والتفكير لدى الشباب السلفي هي في نظرنا إفراز من إفرازات الحداثة التي فقدت أساسًا من أسسها في تجربة الالتزام السلفي وهو التفكير المتعدد والمفتوح، هذا على الرغم من إبقائها -في تجربة الشباب السلفي- على مبدأ آخر من مبادئ الحداثة وهو مبدأ الفردنة الذي على أساسه استطاع الشباب السلفي إعادة تملك بُعد البساطة واليقين الذي يُميز التدين السلفي.

 

  1. شمولية التدين السلفي بوصفه ترجمةً فعليةً لإرادة التغيير الذاتي وخلق الإنسجام الهُوياتي:

ترتكزُ الهُوية الشاملة المميزة للتدين السلفي والتي ترنو إلى تنظيم جميع مناحي الحياة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والأسرية والثقافية، على ما هو ظاهري وخارجي (الجسد واللباس)، فبواسطته تترجم الهُوية المرغوب فيها على حساب الهُوية المتاحة، ويكون البعد الراديكالي في الانتقال من الهُوية المتاحة إلى الهُوية المثالية مرتبطًا بحجم الهوة بينهما في إطار سياق الفرد الملتزم وزمنية التزامه الديني:

“لا أذكر أن التزامي السلفي كان جذريا، حيث كنت أصلا ملتزما بالطقوس الدينية ولكن ليس بشكل منتظم وفي جميع المجالات، حيث كنت أسمع الموسيقى وأصافح النساء ولم تكن لدي لحية، إلا أني بعد الالتزام حاولت أن يكون الدين نمط حياة وليس فقط طقوس وعبادات.” (ر (ذكر)، 29 سنة، عازب)

“لم أكن أصلي وكنت بعيدا عن الدين بكل معنى الكلمة، حيث كنت أصاحب الفتيات وأقوم بأعمال شغب وصراعات، إلا أن التزامي الذي لم أكن أعرف أنه يسمى بالسلفية سمح لي بالقطع مع جميع سلوكيات الماضي، رغم أن الجميع قد استغرب من ذلك حتى أسرتي.” (ي (ذكر)، 30، عازب)

يتجلى البعدُ الشمولي في التغيير الكلي الذي يقتضيه الالتزام السلفي فيما يخص جميع مناحي الحياة اليومية في المأكل والمشرب والملبس وغيرها، الشيء الذي يسمح للهُوية الفردية بالتنامي والتوسع حياتيًّا بوصفه ترجمةً فعلية لإرادة التغيير الذاتي وتجاوز التنافر السيكولوجي بين الخطاب والممارسة.

إنَّ البعد الشمولي للتدين السلفي يرتكز على فكرة محورية تجعل من الإسلام حلًّا لجميع مشاكل العالم وشرور الإنسانية، وهذه الإطلاقية الميتافيزيقية تخلق لدى المتلقي نوعًا من الراحة النفسية والقبول بالقدر الإلهي. [25]يرى الشباب السلفي نفسه في هذا الإطار مستثمرًا في مهمة شبه نبوية، وينتقل بذلك التزامه الديني من كونه ثمرة قراره الخاص إلى فهمه بوصفه نتاجًا لإرادة وهدي إلهي. [26]

تتوافق شمولية التدين السلفي إذًا مع رغبة الفرد الملتزم دينيا في تحقيق إنجازية هُوياتية تضمن له تماسك داخلي واعتراف خارجي؛ وذلك من طريق انخراط التدين السلفي في إطار معرفة مطلقة، مقبولة من لدن الجميع صحيحة دائمًا وأبدًا ولا يمكن مناقضتها، لأن ذلك يعدُّ تشكيكًا في الحس السليم والفطرة الإنسانية في نظر الشباب السلفي. [27]

 

  1. التدين السلفي وسيرورة الانتقال من التعدد الاجتماعي-السيكولوجي إلى الوحدة الخطابية-الحرفية

إنَّ عملية الانتقال من البعد الاجتماعي (العملي) إلى البعد الخطابي (اللاهوتي) في ممارسة التدين السلفي مرتبطة لدى الشباب السلفي بالحاجة إلى أسس معرفية وشرعية سواء من أجل الدفاع عن تدينه أو الاقتناع به والثبات فيه زمنيا.

يكونُ اللجوء إلى سلطة النص في سياق الفرد السلفي ترجمة للخوف السيكولوجي من النكوص والتخلي عن الالتزام، ومن ثم الرغبة في إضفاء الطابع المطلق واللازمني على التزامه كونهُ صلاحيةً دائمةً Validité continue للهُوية الجديدة التي تحتاج إلى تقعيد خطابي من أجل ضمان استمراريتها في الزمان.

تأتي عملية الرجوع إلى النص الديني في حرفيته Littéralité بوصفها ترجمةً لسيرورة اجتماعية وسيكولوجية للفرد الملتزم وليست سابقة عليها،  فبالخروج من أشكال التأويل المتعدد للنص الديني والانخراط في تصور حرفي يسمح بترجمة مبدأ “سمعنا وأطعنا” من أجل تجاوز الهوة بين الدين (التيولوجي) والتدين (الاجتماعي والنفسي) في مستوى الخطاب بعدما تحقق في مستوى الممارسة، ليصبح التدين لدى الشباب السلفي هو الدين في تطبيقه الحرفي والكامل.

ثمة في هذا السياق جدلية بين فاعلية المرجعية السلفية في ممارستها الاجتماعية ومشروعيتها الخطابية باستعمال النصوص الدينية، كون هذه الأخيرة ترتبط بسياق الفاعلين وزمنية التزامهم السلفي، فبينما نجد مثلا لدى السلفيين الملتزمين دينيا حتى قبل تدينهم السلفي ارتباطا بالنص الديني منذ البداءة، نجد لدى السلفيين الذين كان التزامهم الديني مرتبطا بتدينهم السلفي رجوعا إلى النص الديني في حالات معينة: إقناع الآخر المخالف، إجابة السائلين عن الدين والخوف من النكوص…).

في هذا المستوى فقط يمكن الحديث عن الانتماء السلفي أيديولوجيا من جهة الأفكار لا من جهة التنظيمات، فينتقلُ من التعدد الاجتماعي والسيكولوجي لاستعمالات التدين السلفي إلى الوحدة التيولوجية النصية التي تعيدُ ضبط وتقويم ما اعوج في التزام الأفراد ومن ثم وضع اللبنة الأخيرة في صرح الإنجازية الهُوياتية للفرد السلفي.

نستنتجُ إذًا أن الطقس الديني لم يعد كافيا لدى الشباب السلفي في ضمان استمرارية إنجازية الهُوية الدينية، ومن ثم ضرورة الاعتماد على خطاب ديني له سلطة إنجازية على المؤمنين به، ويقتصر هذا الخطاب في التدين السلفي على القرآن والسنة وَفق فهم السلف الصالح كونه مدخلًا واحدًا ووحيدًا في فهم الإسلام.

 

  1. زمنية التدين السلفي ومراحل التطرف: عقلانية الفاعل وسياقه بوصفه محددًا

إن سلوك الفاعل الاجتماعي كما ذهب إلى ذلك ماكس فيبر، هو سلوك عقلاني بالتعريف Par définition،[28] وهذه العقلانية مرتبطة ارتبطًا بسياق الفاعل، فثمة علاقة جدلية بين عقلانية الفاعل (دوافع وأهداف وحوافز ورهانات ومصالح…) وسياقه الاجتماعي والثقافي والسيكولوجي. [29]

نشيرُ إلى أن عملية الانتقال والجمع بين مراحل التدين السلفي (الانفعالية والفردية والعملية والشمولية والخطابية) تخضعُ إلى منطقي عقلانية الفاعل وسياقه Rationalité de l’acteur et son contexte وَفقًا لزمنية التزامه الديني.

ننخرط إذًا في البارادغم الفيبيري حتى نؤكد أن فهم ظاهرة التدين السلفي لا يتحقق إلا من طريق إرجاع الظاهرة إلى مجموع الفاعلين المكونين لها، كما أننا سنعتمد على نماذج مثالية Types idéaux قد تسعفنا في فهم التعقيد والتركيب الذي يطال ظاهرة التدين السلفي كون التطرف مرتبطًا بمستويات الالتزام به.

ثمة في هذا الصدد أربع نماذج مثالية للشباب السلفي، والتي بواسطتها يمكن فهم وتفسير المستويات المتعددة التي يمكن أن يتخذها التدين السلفي لدى الشباب في علاقته بالتطرف:

 

سلفيون باستقلالية قبلية

Salafistes autonomes à priori

أي إن التزامهم السلفي سمح بترجمة البعد الفردي والاستقلالي السابق على التزامه الديني. يكون التدين السلفي لهذه الفئة أكثر راديكالية وبوتيرة متسارعة ومكثفة لمستويات الإنجازية.
 

سلفيون باستقلالية بعدية

Salafistes autonomes à postériori

أي إن التزامهم السلفي سمح باكتساب البعد الفردي والاستقلالي الذي كان نتيجة لالتزامهم الديني. يكون التدين السلفي لهذه الفئة أقل راديكالية مع البعد التدرجي لمستويات الإنجازية.
 

سلفيون بالتزام ديني قبلي

Salafistes engagés à priori

أي إن التزامهم السلفي جاء في زمن متقدم من التزامهم الديني. نجد هذا النوع من الالتزام الديني لدى الفئة الثانية من السلفيين (استقلالية قبلية)، ومن ثم يكون تدينهم السلفي أقل انفعالية وحرفية.

 

 

سلفيون بالتزام ديني بعدي

Salafistes engagés à postériori

أي إن التزامهم الديني ارتبط زمنيا بالتزامهم السلفي. نجد هذا النوع من الالتزام الديني لدى الفئة الأولى من السلفيين (استقلالية قبلية)، ومن ثم يكون تدينهم السلفي أكثر انفعالية وحرفية.

 

نشيرُ على سبيل الإجمال لا التفصيل إلى أن عملية الخروج من السلفية Processus d’exit – لهؤلاء الأفراد الذين لم يعودوا يعدُّون أنفسهم سلفيين خطابًا وممارسةً -مرتبطة هي الأخرى بزمنية الالتزام السلفي في علاقتها بمستويات التطرف وَفق عقلانية الفاعل وسياقه، فنجد أن أول مستوى من مستويات الخروج من التدين السلفي يتوافق بنسبة كبيرة مع مستوى الالتزام الأول، ويكون القاسم المشترك هو البعد الاجتماعي والسيكولوجي لعملية الخروج قبل أن يأخذ شكلًا دينيًّا من طريق تبني تأويل جديد للخطاب الديني أكثر انفتاحا.

وهكذا يتبينُ لنا بعض مظاهر العقلانية التي تنقلُ التصور الديني الموحد (السلفي) لدى الشباب السلفي من عموميته وبعده الكلي إلى أجزائه المتناثرة وترجماته المتعددة وَفقًا لمجموعة من العناصر العقلانية الفردية والتي تنخرط في سياق اجتماعي وسيكولوجي مركب.

 

خلاصة تركيبية:

 

في ختام بحثنا هذا نأتي على تقديم أهم الخلاصات العمومية التي أسعفنا بحثنا الميداني على بنائها بخصوص إشكالية الفعل الإنجازي للتدين السلفي في علاقته بالتطرف لدى الشباب السلفي:

  1. الهُوية الإنجازية هي هُوية متطرفة بالأساس، لأنها تستند إلى البعد الطهراني والجوهري للذات الذي يأخذ منحى دينيا من طريق الالتزام الديني في شكله السلفي بوصفه المثال الأعلى للالتزام لدى الشباب السلفي.
  2. إن الإنجازية الهُوياتية لدى الشباب السلفي مرادفة للتطرف كونها سيرورة، بوصفها إرادة للتغيير الذاتي لا مكان للإرجاء والتأجيل فيه ورغبة في ردم الهوة بين الفردي والاجتماعي على أساس ثنائية التقدير الذاتي والاعتراف الاجتماعي؛ ومن ثم يكون الاختلاف بين الشباب السلفي في درجة التطرف لا في طبيعته، بافتراض عقلانية الفاعل السلفي وسياق التزامه الديني.
  3. تترجَم إنجازية الهُوية الدينية في شكل التزام ديني طقسي (الصلاة) كونها خطوة أولى في المدى القريب، قبل أن تتطور وتتوسع لتشمل باقي مناحي الحياة في أفق بناء هُوية متماسكة ومنسجمة في بعديها الخطابي والممارساتي (الاعتقادي والسلوكي) في المدى البعيد.
  4. إنما ارتداء النقاب أو الخمار للنساء السلفيات لا يكفي في نظرهن ليصبحن سلفيات على الحقيقة، فالأمر يقتضي ترجمة ما تنطوي عليه الهُوية السلفية في شموليتها والعمل على الالتزام بها في المدى الطويل طقسًا وسلوكًا وتشريعًا.
  5. ينطوي الالتزام الديني لدى الشباب السلفي على قناعة مفادها استحالة العودة إلى الوضع السابق والتخلي عن الالتزام، مع عملية استئناف إنجازي للدين في ممارساته اليومية من طريق محاولة خلق تماسك هُوياتي وإضفاء معنى وانسجام على الحياة في شموليتها.
  6. يسعى الشباب السلفي من طريق التزامه الديني في خلق الاتساق الذاتي مستخدمين عملية التوفيق بين الأقوال/القناعات والأفعال/السلوكيات في الحياة الاجتماعية، إلا أنها تأخذ بعدًا وجوديًا وسيكولوجيًا في أثناء مرحلة الالتزام الديني التقليدي وبعدًا اجتماعيًّا وفرديًّا في اثناء مرحلة الالتزام الديني السلفي.
  7. إنَّ الاعتقاد الديني حاضر في سيرورة البناء الانفعالي للهُوية السلفية، فيصبح مبدأ الصبر على الأذى والامتحان الإلهي هو الضامن للنصر الذاتي على الآخر والباعث على الثبات والمواجهة، مع التذكير أن هذا الاعتقاد يُفعلُ في مرحلة متقدمة ترتبط بأشكال استجابة المحيط الأسري والاجتماعي.
  8. تأتي الإنجازية الهُوياتية بوصفها انسجامًا وتماسكًا داخليًّا بين البعد الانفعالي الباعث على الإصرار والثبات والبعد الاعتقادي الضامن لمصداقية هذا الأخير والبعد الذاتي الذي يرتكز على الحرية والاستقلالية الفردية كونها أساسًا لتقدير الذات والاعتراف الاجتماعي.
  9. إن تمثل شخصية السلفي مرتبط بالاستقلالية والوقار والبساطة، ومن ثم تُعدُّ نموذجًا للشباب الذي يتخذ قرار الالتزام الديني، فيجد في التدين السلفي فرصة لتقدير الذات والثقة بالنفس والتعبير عن استقلاليته الفردية. ولذا فتبني الأيديولوجيا السلفية ليست فقط نتيجة قوتها الفكرية ومطابقتها للواقع، بل لاستنادها أيضّا إلى السلطة الكاريزمية التي يتمتع بها الفاعل السلفي.
  10. تتجلى إنجازية التدين السلفي في المستوى السلوكي في  البساطة والتطبيق المباشر لتعاليمه، فينتقلُ من الخطاب المجرد بخصوص الدين إلى الممارسة العملية لهذا الأخير.
  11. يخلقُ الاستعمال الاجتماعي والبرغماتي لتعاليم التدين السلفي نوعًا من التطابق بين الفاعلية والحقيقة، فتأخذُ المزايا التي يكتسبها الشباب بفضل التدين السلفي شكلًا مطلقًا من طريق فهم هذا الأخير حقيقة الدين والأصل الوحيد له، وهذا قبل تبني الخطاب اللاهوتي السلفي الذي يأتي في مرحلة متقدمة من التدين السلفي.
  12. يتجلى البعد الشمولي للتدين السلفي في التغيير الكلي الذي يقتضيه الالتزام السلفي فيما يخص جميع مناحي الحياة اليومية، الشيء الذي يسمح للهُوية الفردية بالتنامي والتوسع حياتيا بوصفها ترجمةً فعليةً لإرادة التغيير الذاتي وتجاوز التنافر السيكولوجي بين الخطاب والممارسة.
  13. تتوافقُ شموليةُ التدين السلفي مع رغبة الفرد الملتزم دينيًّا في تحقيق إنجازية هُوياتية تضمنُ له تماسكًا داخليًّا واعترافًا خارجيًّ، وذلك من طريق انخراط التدين السلفي في إطار معرفة مطلقة مقبولة من لدن الجميع وصحيحة دائمًا وأبدًا ولا يمكنُ مناقضتها.
  14. تأتي عملية الرجوع إلى النص الديني في حرفيته وظاهره بوصفه ترجمة لسيرورة اجتماعية وسيكولوجية للفرد الملتزم وليست سابقة عليها؛ فيخرجُ من أشكال التأويل المتعدد للنص الديني وينخرطُ في تصور حرفي يسمحُ له بترجمة مبدأ سمعنا وأطعنا من أجل تجاوز الهوة بين الدين (التيولوجي) والتدين (الاجتماعي والنفسي) في مستوى الخطاب بعدما تحقق في مستوى الممارسة، فيصبح التدين هو الدين في تطبيقه الحرفي والكامل.
  15. إنَّ عملية الانتقال والجمع بين مراحل التدين السلفي (الانفعالية والفردية والعملية والشمولية والخطابية) تخضع إلى منطقي عقلانية الفاعل وسياقه وَفقًا لزمنية التزامه الديني.

 

 

قائمة المصادر والمراجعِ:

باللغة العربية:

  1. أبو اللوز عبد الحكيم، الحركات السلفية في المغرب: بحث أنثروبولوجي وسوسيولوجي، مركز دراسات الوحدة العربية، سلسلة أطروحات الدكتوراه (79)، الطبعة الثانية، بيروت، 2013.
  2. روا أوليفيي، الإسلام المعولم، ترجمة عزيز لزرق، مركز طارق بن زياد، 2004، في: عزيز لزرق، الدين والسياسة: الدعوة والثورة، دفاتر وجهة نظر (31)، الطبعة الأولى، مطبعة النجاح الجديدة، الدار البيضاء.

باللغة الفرنسية:

  1. AMGHAR Samir, Les salafistes français : une nouvelle aristocratie religieuse ? in Maghreb-Machrek, n°183, printemps 2005.
  2. BENEDICTE Harvard, DUCLOS NICOURD Sandrine, Pourquoi s’engager ? : Bénévoles et militants dans les associations de solidarité, PAYOT, Paris :
  3. BOUDON Raymond, La place du désordre : Critique des théories du changement social, Presses Universitaires de France, 1 édition, Paris, 1984.
  4. BOUDON Raymond, et BOURRICAUD François, Dictionnaire critique de la sociologie, Paris : Presses universitaires de France, Quadrige/PUF, 4eme édition, Paris, 2011.
  5. BUTLER Judith, Trouble dans le genre. Le Féminisme et la subversion de l’identité (Traduit de l’anglais (États-Unis) par Cynthia Kraus), Paris, La Découverte, 2006.
  6. DERRIDA Jacques., La pharmacie de Platon, Paris, Seuil, 1972.
  7. EHRENBERG Alain, La fatigue d’être soi : dépression et société, ODOL JACOB, Paris, 1998, Février 2008.
  8. EL AYADI Mohammed, RACHIK Hassan, TOZY Mohamed, L’Islam au quotidien. Enquête sur les valeurs et les pratiques religieuses au Maroc, Éditions Prologues, Collection Religions et Société, 2007.
  9. JEFFREY Denis, Distinguer le rite du non-rite, In La fabrication des rites, sous la direction de Denis Jeffrey et Angelo Cardita, Collection Sociologie au coin de la rue, Québec, Presses de l’Université Laval, 2015.
  10. KAUFMANN Jean-Claude, L’invention de soi. Une théorie de l’identité, Paris, Armand Colin/SEJER, 2004.
  11. LE PAPE Loïc, Engagement religieux, engagements politiques : Conversions dans une confrérie musulmane, Archives de sciences sociales des religions [En ligne], 140 | octobre – décembre 2007, mis en ligne le 02 juillet 2011, consulté le 11 octobre 2012. URL : http:// assr.revues.org/11463 ; DOI : 10.4000/assr.11463.
  12. ORECCHIONI C. K, Énonciation de la subjectivité dans le langage, Paris, Armand Colin, 1980.
  13. ORFALI Birgitta, Sociologie de L’adhésion : rêver, militer, changer le monde, Éditions Zagros, Collections Sociologies, Paris, première édition : 2005.
  14. RACHIK Hassan, Éloge des identités molles, la Croisée des Chemins, Casablanca, 2016.
  15. ROUSSELET Jean, L’allergie au travail, Éditions du Seuil, Paris, 1974.
  16. VERJUS Maud, La question de l’engagement : d’hier à aujourd’hui, Essai d’une typologie, Cesep, Centre de Formation des Cadres Culturels, décembre 2008.
  17. WEBER Max, Le savant et le politique, Plon, Paris, 1959.

 

[1]– هذه الورقة في الأصل هي مداخلة ضمن لقاء علمي تحت عنوان “تعزيز دراسة الدين من مداخل العلوم الاجتماعية كمطلب لمواجهة ظاهرة التطرف”، السبت 27 اكتوبر 2021، مؤسسة مؤمنون بلا حدود، الرباط-المغرب. تستند الورقة إلى معطيات ميدانية لأطروحة دكتوراه في علم الاجتماع بخصوص «الالتزام الديني: حالة السلفيين في المغرب»، والتي نُوقشت في 20 فبراير 2020 بجامعة الحسن الثاني في كلية الآداب والعلوم الإنسانية، عين الشق، الدار البيضاء، المغرب.  (غير منشورة، باللغة الفرنسية)، ليست الورقة البحثية ترجمة لجزء من أجزاء الأطروحة، بل إعادة استثمار للمعطيات الميدانية. في هذا الإطار، استند بحثنا السوسيولوجي إلى معطيات ميدانية ضمت 48 مقابلة فردية أُجريت مع سلفيين رجال (26) ونساء (22) في المغرب، تتراوح أعمارهم بين 19 و40 عامًا، وهم سواء يمتلكون مستوى تعليم جامعي (طلاب وطالبات) أو يعملون في القطاعين الخاص أو العام (مدرسون وموظفون ورواد أعمال ومهندسون وأطباء وغيرهم).

 

[2] – كان تحديدنا لفئة المستجوبين السلفيين مرتبطًا ببعدين أساسيين: البعد الأول، هو الشكل الخارجي من طريق الهندام أو اللباس (الخمار أو النقاب للإناث، اللحية والقميص مع التقصير للذكور) ، البعد الآخر، هو التحديد الذاتي والتصريح بكونهم سلفيين بغض النظر عن الشكل الخارجي. على أساس هذين البعدين سوف يُحددُ معنى التدين السلفي في تعقيده وتركيبه من طريق ممارسات المنتمين إليه في علاقته بالخطاب المعتمد، هذا دون الدخول في التحديدات اللاهوتية والإيديولوجية والسياسية للسلفية عمومًا.

[3] -, C. K ORECCHIONI, Énonciation de la subjectivité dans le langage, Paris, Armand Colin, 1980.-p. 185

[4]– Judith BUTLER, Trouble dans le genre. Le Féminisme et la subversion de l’identité (Traduit de l’anglais (États-Unis) par Cynthia Kraus), Paris, La Découverte, 2006, p.14, 36

[5] – Denis JEFFREY, Distinguer le rite du non-rite, In La fabrication des rites, sous la direction de Denis Jeffrey et Angelo Cardita, Collection Sociologie au coin de la rue, Québec, Presses de l’Université Laval, 2015, p. 11

[6]– Mohammed EL AYADI, Hassan RACHIK, Mohamed TOZY, L’Islam au quotidien. Enquête sur les valeurs et les pratiques religieuses au Maroc, Éditions Prologues, Collection Religions et Société, 2007, p.255, 256, 257

[7] – Jacques DERRIDA, La pharmacie de Platon, Paris, Seuil, 1972, p. 264

[8] – Raymond BOUDON, et François BOURRICAUD, Dictionnaire critique de la sociologie, Paris : Presses universitaires de France, Quadrige/PUF, 4eme édition, Paris, 2011, p. 491

[9] – Loïc LE PAPE, Engagement religieux, engagements politiques : Conversions dans une confrérie musulmane, Archives de sciences sociales des religions [En ligne], 140 | octobre – décembre 2007, mis en ligne le 02 juillet 2011, consulté le 11 octobre 2012. URL : http:// assr.revues.org/11463 ; DOI : 10.4000/Assr.11463, p. 19

[10] – Havard BENEDICTE, Sandrine DUCLOS NICOURD, Pourquoi s’engager ? : Bénévoles et militants dans les associations de solidarité, PAYOT, Paris : 2005, p.85

[11] – Maud VERJUS, La question de l’engagement : d’hier à aujourd’hui, Essai d’une typologie, Cesep, Centre de Formation des Cadres Culturels, décembre 2008, p. 20

[12] – Birgitta ORFALI, Sociologie de L’adhésion : rêver, militer, changer le monde, Éditions Zagros, Collections Sociologies, Paris, première édition : 2005, p.180

[13] – Jean ROUSSELET, L’allergie au travail, Éditions du Seuil, Paris, 1974, p.14

[14] – Jean-Claude KAUFMANN, L’invention de soi. Une théorie de l’identité, Paris, Armand Colin/SEJER, 2004, p.74

[15] – أُحتفظَ بسرية أسماء المستجوبين، حيث طلبوا عدم كشف هويتهم، وقد اكتفيا بذكر الحرف الأول من أسمائهم.

[16] – Birgitta ORFALI, Sociologie de L’adhésion : rêver, militer, changer le monde, op.cit., p.41

[17] – Max WEBER, Le savant et le politique, Plon, Paris, 1959, pp 113-114

[18] – أوليفيي روا، الإسلام المعولم، ترجمة عزيز لزرق، مركز طارق بن زياد، 2004، في: عزيز لزرق، الدين والسياسة: الدعوة والثورة، دفاتر وجهة نظر (31)، الطبعة الأولى، مطبعة النجاح الجديدة، الدار البيضاء، ص.23

[19] – Hassan RACHIK, Éloge des identités molles, la Croisée des Chemins, Casablanca, 2016, p.22

[20]Alain EHRENBERG, La fatigue d’être soi : dépression et société, ODOL JACOB, Paris, 1998, Février 2008

[21]– عبد الحكيم أبو اللوز، الحركات السلفية في المغرب: بحث أنثروبولوجي وسوسيولوجي، مركز دراسات الوحدة العربية، سلسلة أطروحات الدكتوراه (79)، الطبعة الثانية، بيروت، 2013، ص.17

[22] – Samir AMGHAR, Les salafistes français : une nouvelle aristocratie religieuse ? in Maghreb-Machrek, n°183, printemps 2005, p. 22

[23]– Mohammed EL AYADI, Hassan RACHIK, Mohamed TOZY, L’Islam au quotidien. Op. Cit., p.231

[24]– Ibid., p.231

[25] – Samir AMGHAR, Les salafistes français : une nouvelle aristocratie religieuse ? in Maghreb-Machrek, n°183, printemps 2005, p. 22

[26] – Ibid, p. 28

[27] – Ibid. p. 22

[28] – Raymond BOUDON, et François BOURRICAUD, Dictionnaire critique de la sociologie, op.cit, p. 373

[29] – Raymond BOUDON, La place du désordre : Critique des théories du changement social, Presses Universitaires de France, 1 édition, Paris, 1984, p.61

اقرأ ايضا

المزيد من المقالات

مقالك الخاص

شــارك وأثــر فـي النقــاش

شــارك رأيــك الخــاص فـي المقــالات وأضــف قيمــة للنقــاش، حيــث يمكنــك المشاركــة والتفاعــل مــع المــواد المطروحـــة وتبـــادل وجهـــات النظـــر مــع الآخريــن.

error Please select a file first cancel
description |
delete
Asset 1

error Please select a file first cancel
description |
delete