المثقفون العرب: من اليُتم إلى الحصار

تقديم:

ثمة بنية سياسية وثقافية ومجتمعية ودينية وسيكولوجية، مُتجذرة في العالَم العربي، تنظر بريبةٍ من جهة، وقسوة من جهة ثانية، إلى أي نشاط معرفي، ما يجعل مهمة المُثقَّف العربي في التعامل مع مُجمل القضايا الفكرية الطَّاغية على مجتمعاتنا، مهمة بالغة الصعوبة، فهو يتحرَّك في حقل من الألغام القابلة للانفجار في أي لحظةٍ، بل لطالما انفجرت في وجه الكثيرين على طول القرن الماضي[1]، فازداد الوضع سوءاً، إذ تعمقت مشاكلنا بشكلٍ لافتٍ وقوي، ما شوَّه نظرتنا للعالَم وجعلها غير سوية من ناحية، وغير مُواكبة لروح العصر الحديث من ناحية ثانية.

الثقافة في المجتمعات العربية

تحاول هذه المقالة البسط لتبعات هذه البِنى المتعدِّدة: سياسياً وثقافياً ومجتمعياً ودينياً وسيكولوجياً، ومدى تأثير ذلك على تجذُّر مُحاربة الثقافة في المجتمعات العربية. لكن قبل ذلك تحاول هذه المقالة فهم الأسباب العميقة التي أنتجت هذه البِنى، ما أفضى إلى: 1- يُتم المُثقَّف العربي من جهة. و2- حصاره من جهة ثانية.

الجذور:

شكلَّت الحالة الثقافية في العالم العربي مع بدايات القرن التاسع عشر منحىً فارقاً وفريداً، فبعد عطالة دامت قرابة الـ 700 عام على ممارسة أي نشاطٍ عقلي حقيقي، تمَّ استئناف الفعل المعرفي، بما هو إعادة اعتبار للنشاط العقلي مع بدايات القرن التاسع عشر. وكان من اللافت أن كتاباً فذاً مثل (مقدمة ابن خلدون) قد أُهْمِلَ في تلك الأزمنة كدلالة عميقة، لكنها مأساوية، على ما آلت إليه أوضاع الأمة العربية من تفسُّخ وانحلال، وإقصاء، بوعيٍ أو بدون وعي، لما هو معرفي تحديداً، ولم يعد الاعتبار، أو جزء من الاعتبار، لهذا الكتاب إلا مع بدايات عصر النهضة.

إقرأ أيضاً: العرب والإستعصاء الديمقراطي…بنية مغلقة أم إشكال تاريخي؟

قبل هذا، الحضارة العظيمة لا يمكن لها أن تقوم قيامتها الكبرى، دون أن تستندَ في أعماقها على أركان معرفية قوية ومتينة وعلى درجة عاليةٍ من الإحكام، بحيث تستقيم ويقوى عودها، فتُفضي بالتالي إلى بناءِ معمارٍ حضاري كبير: ثقافياً وفنياً وعلمياً واقتصادياً واجتماعياً ونفسياً وسياسياً وعسكرياً…إلخ. والحضارة العربية الإسلامية، بما هي حضارة عظيمة استطاعت أن تبسط سيطرتها على العالَم في فترة من الفترات، مرَّت بمراحل عدَّة من الانبثاق والتأسيس والانتشار والترسُّخ والعَظَمَة، وصولاً إلى الانحطاط. فمن آداب العرب وأديانهم وفلسفاتهم ونبوءاتهم وقصصهم وأشعارهم، وصولاً إلى (مقدمة ابن خلدون) آخر أنفاس الحضارة العظيمة؛ مروراً بتأسيس دينٍ جديد، نشأت بإزائه فرق وآراء، وتشكلت رؤى ومذاهب وطوائف وإثنيات وجماعات، وانبثقت علوم وآداب وفنون وفلسفات جديدة، وانتشرت أنماط متعددة من المآكل والمطاعم والمشارب…إلخ، ما جَذَّرَ وعمَّقَ أساسات هذه الحضارة، التي ابتدأت كرَحِمٍ استوعب جُملة هائلة من الأسئلة الشائكة والشائقة، احتملت بدورها عدداً كبيراً من الإجابات التي أفضت إلى مراحل الانبثاق والتأسيس والانتشار والترسُّخ والعَظَمَة والانحطاط من ثمَّ، بعد أن أغلقت الرَّحِم الولَّاد للأسئلة المُحفزة على الإبداع بمختلف مجالاته، وتحوَّلت إلى قبر مميت لأي إبداعٍ جديد. بانتقال الحضارة من مرحلة (الرَّحِم) إلى مرحلة (القبر)، لم يتم إغلاق أبواب الأسئلة فحسب، بل تمَّ الاصطلاح، أيضاً، على إجابات أخيرة ونهائية وغير قابلة للتعديل على تلك الأسئلة التي شغلت العقل العربي لأكثر من ثمانية قرون، وأبدعت حضارة فريدة. بإزاء حالة الإغلاق التي ختمت الجانب المعرفي، وختنت عقول الناس، طوعاً وكرهاً، بالتالي، حدث نوعٌ من الجفاء، بين السُّلط القائمة: سياسية ودينية واجتماعية ونفسية وثقافية حتَّى؛ وبين الفعل المعرفي الذي أصبح يُنظر إليه بعين الرِّيبة والاستغراب، لما يُشكّله من خطر على السُّلَط وأبنيتها القائمة. وقد تجلَّى هذا الجفاء عبر منظومتين مركزيتين، كما أُقدِّر، يمكن من خلالهما فهم طبيعة عمل المُثقَّف العربي الذي يجعل من عمله هذا عملاً يتيماً من جهة، وعملاً مُحاصَرَاً من جهة ثانية؛ كما أسلفت.

المثقف العربي

المنظومة الأولى: منظومة الخوف الدَّاخلي.

وهي منظومة قرَّت بالتقادم في وجدان الناس وضمائرهم، بعد أنْ تمَّ الاصطلاح على إجابات أخيرة ونهائية للأسئلة التي ساهمت مساهمة فاعلة في تشكيل معمار الحضارة العربية الإسلامية. إذ تسرَّبَ خوف عظيم على تلك الإجابات من أي زيادة أو نقصان، تحريف أو تخريب…إلخ بما هي، أي تلك الإجابات، مرجعية قصوى لهُويَّة الأمة وكينونتها، وحافظة لمعناها ومعنى أتباعها. بالتقادم، لم يترسَّخ هذا الخوف في وجدان الناس وضمائرهم فحسب، بل في بينة المجتمع ككل، بسُلطاته المختلفة، لذا أصبح عمل المُثقَّف محفوفاً بمخاطر جمَّة، ومن سلطات مختلفة، وعلى درجة عالية، أعني تلك السُّلطات، من الاقتدار المادي والمعنوي. أي أصبح المُثقَّف فرداً وحيداً ويتيماً في مواجهة بِنى مُنظَّمة وراسخة ومُقتدرة وباطشة، وذات مرجعيات ثابتة ومُحدَّدة. وبسهولةٍ أصبح الاستغناء عنه عملاً من ضمن الأعمال التي يُمارسها المجتمع، بسُلطاته المختلفة، بشكلٍ أوتوماتيكي. فبعد أن قرَّ المجتمع وثبتت أركانه، وأصبحت لديه جُملة من الإجابات المُطْلَقة وذات الصوابية العالية، لم يعد بحاجةٍ إلى مَنْ يُقلق راحته الأنطولوجية، عبر طرح مزيد من الأسئلة التي يُمكن أن تُثير شكوكاً أو طعوناً أو نقودات في بنية الإجابات القارة، ما يُشكِّل صدمة للمجتمع، إذ يشعر بأن يواطره أو أركانه غير ثابتة بما فيه الكفاية. وعليه، فقد تمَّ استبعاد عمل المُثقَّف في المجتمعات العربية، بشكلٍ شبه جذري. إلى أن أصبحت الثقافة برمّتها فعلاً مستغرباً ومُستنكراً في كثير من الأحيان على المستوى المجتمعي، ومن ضمن الاهتمامات المنسية وشبه المُهملة على المستوى السياسي.

بلغةٍ أخرى، بعد أن اصطلحت الأمة كاملة على نسقها الهَوَوَيِّ، بما هو مرجعية أنطولوجية لها، وذلك عبر إنجاز، استغرق هذا الانجاز عدَّة قرون، إجابات أخيرة ونهائية حول ثلاثية: 1- الإله. و2- الإنسان. و3- العالَم؛ وتعالقات هذه الثلاثية مع ثلاثية: 1- الأفكار. و2- الأشخاص. و3- الأشياء. حدث نوع من الجفاء بين الأمة مجتمعة[2] والفعل الثقافي، بما هو فعل قادر على إحداث شروخ وإزاحات في بينة الإجابات القائمة والقارَّة. وقد ظهر هذا الجفاء بشكلٍ جلي في القرنين الأخيرين، وأخذ مظاهر عدَّة من أهمها:

العمل الثقافي في المجتمعات العربية

أولاً: ما زال العمل الثقافي عملاً طارئاً في عموم البلاد العربية، وليس عملاً أصيلاً من صلب اهتمامات الاجتماع السياسي. فمن الحضور المتواضع للثقافة في عقول الناس ووجدانهم، إلى انحصار ثقافة القراءة في أناس بعينهم، إلى تهشيم صورة المُثقَّف في المجتمع، إلى نِسَبِ القراءة المتواضعة، إلى عمليات النصب والاحتيال والقرصنة التي تمارسها دور النشر، وما يرافقها من ضياع لحقوق المؤلف المادية والمعنوية، إلى تهميش دور المؤسسات الثقافية حتَّى على المستوى الرسمي، فهي من ضمن آخر اهتمامات السُّلطة السياسية…إلى آخر مظاهر طارئية الثقافة في المجتمعات العربية.

ثانياً: انطباع العمل الثقافي العربي بطابع فردي، أكثر منه انطباعاً مؤسساتياً[3]. ولو تتبعنا تاريخ العمل الثقافي في العالم العربي في القرنيين الأخيرين، لعثرنا على أسماء لمفكرين أكثر من عثورنا على أسماء مؤسسات ثابتة وراسخة. صحيح، وجدت بعض الأسماء لتجمعات ثقافية، لكن الغالب هي لأسماء فردية، ما أبقاها ضعيفة على مستوى التأثير المجتمعي. وفي تتبُّع أسباب ذلك يمكن التأشير على: 1- غياب نظام تعدُّد الأصوات في العالَم العربي، إذ ثمة إيمان عميق بالصوت الواحد، وهذا ينطبق في جذوره العميقة على المُثقَّف أيضاً، ففي اللحظات الحرجة يمكن أن يغلب طابعه الإلغائي، على طابع التعدُّد والتنوُّع الذي تُغذيه أو يفترض أن تغذيه الأنساق الثقافية. 2- غياب الروافد المالية الكبيرة والسخية، كتلك الروافد التي تُغذِّي المؤسسات الدينية على سبيل المثال.

ثالثاً: ممارسة المُثقَّف لدور التُقية، خشية من مُجابهة: 1- ضميره الذي يتحرَّك في فلك نسق المة الهُوياتي. [أو السُّلطة السيكولوجية]. 2- المجتمع الذي امتزجت مشاعره بثوابت الأمة، فصار تفكيك تلك الثوابت بحاجةٍ أولاً إلى تفكيك مشاعر الناس [أو السُّطلة الاجتماعية]. 3- المنظومة الدينية، التي اختلط فيها التدَّيُن بالدِّين، فاختلط ما هو سيكولوجي على مستوى التدين، بما هو معرفي على مستوى الدِّين، لذا صار الحديث عن الدِّين محفوفاً بمخاطر جمَّة وكبيرة، وعلى المُثقَّف أن يواجهها لوحده [ = السُّلطة الدينية]. 4- السُّطلة السياسية، على اعتبار أنَّ القوانين التي تُشرف السُّلطة السياسية على إنفاذها، هي لصالح البنى القارَّة في المجتمع، وليس لصالح أي عمل معرفي، لذا يبقى عمل المُثقَّف عملاً صعباً ومُنهكاً ومستهلكاً لحيواته المختلفة.

لماذا لا ينمو التسامح في المجتمعات العربية؟

إذاً، تشكلت منظومة الخوف الدَّاخلي زمنياً على مدار قرون طويلة، إلى درجة أنَّ الإقرار بما هو قائم معرفياً، وانسجامه مع روح السُّلط القائمة، صار يُعتبر حقيقة مُطْلَقة، ولا مجال لمناقشتها أو نقدها أو إعادة النظر فيها، لما تشكله من مرجعية روحية للأمة ككل. وقد عَبَرَ هذا الخوف، بوعي أو بدون وعي، إلى المجتمع ككل؛ من ضمائر الناس إلى جميع السُّلط القائمة في المجتمع: اجتماعية واقتصادية وسياسية ودينية واجتماعية. ما صعَّب المهمة أمام المُثقَّف العربي، وجعله وحيداً في مواجهة تيارات قوية وجارفة وتمتلك أدوات متطورة للبطش والتنكيل، دون أن يتحصَّل على أي حماية من أي نوع، وفي حال تحصَّلَ عليها، فلفترة محدودة ولأسباب مُتعلقة بطبيعة السُّلط القائمة، ليس إلا.

المنظومة الثانية: منظومة التخويف الخارجي.

بإزاء منظومة الخوف الدَّاخلي، التي جعلت من المُثقَّف يتردَّد أساساً في مقاربة هُويَّة الأمة وثوابتها القائمة، لأنه لن يضطر ساعتها إلى أن يتعامل معها معاملة معرفية فحسب، بل عليه مواجهة المجتمع ككل أيضاً؛ من ضمائر الناس إلى أعلى السُّلط وأعتاها. بإزاء هذه المنظومة، نشأت منظومة التخويف الخارجي، لكي لا يترك الأمر رهناً لضمائر المثقفين، بل أن يتم إخضاعه، بشكلٍ مبدئي وحاسم، لجُملة من العقوبات المميتة. ومع الزَّمن ترسخت منظومة التخويف هذه على عدَّة مستويات:

المستوى الأول: الرُّوح الشعبية

فضمير الناس هو بحدِّ ذاته قوة تخويف هائلة وعنيفة، تضغط باتجاه مُحاسبة أي عمل بحثي أو فكري يمكن أن يطال هذه الرُّوح المرجعية لضمائر الناس، ويمسّ مُسلماتها المبدئية. وإذا كان من ميزة لهذه الرُّوح فهي روح غير مضبوطة بأي ضابط، نظراً لعدم عقلانيتها، فهي تندفع بسرعات عالية، لذا يمكن تتحوَّل إلى أعمال انتقامية، ولو على حساب الدولة والقانون.

[كنموذج على قوة التخويف هذه يمكن أخذ حادثة قتل الكاتب المصري “فرج فودة”، أو حادثة طعن الروائي المصري “نجيب محفوظ”]

المستوى الثاني: الرُّوح العالِمة أو الرُّوح المُثقَّفة

وهي روح يتمثلها العقل الثقافي ذاته، فهو، بمعنى من المعاني، يرفض نظام تعدُّد الأصوات كما أسلفت، لذا فإنه يسعى للنيل من أي صوت مُغاير لصوته أو للصوت المُتفَّق عليه. وهذا ينطبق على السياق العام الذي تجري فيها المقاربات البحثية والفكرية، أو بالأحرى حول مآلات تلك المقاربات، وهذا ناتج بالأساس عن مُحدِّدات بحثية مُسبقة، يُصبح الخروج عليها خروجاً على ثوابت العقل العالِم. وإذا كان من نموذج يمكن الحديث عنه في هذا المقام، فهو نموذج “نصر حامد أبو زيد”، إذ تمَّ استهدافه من قبل أساتذة جامعات، يفترض أنهم يؤمنون بالبحث العلمي. إنَّ الأشخاص الذين استهدفوا كل من “فرج فودة” و”نجيب محفوظ” هم من فئات شعبية لا تعرف شيئاً عن أهمية الفكر والأدب، لكن في حالة “نصر حامد أبو زيد” كانت الكارثة مزدوجة، فالذين استهدفوه هم أساتذة مثله، لكن كانت لديهم مُحدِّدات بحثية مُسبقة، ينبغي أن تصل إلى نتائج أُطرها العامة معروفة سلفاً، لكن حدث وأن أحدث “نصر حامد أبو زيد” خرقاً في بنية تلك المُحدِّدات، ما جعلهم يثورون عليه، ويحرمونه من حقوقه، ويرفعون قضية عليه لفصله عن زوجته، إلى أن وصل به الأمر أن يُغادر مصر كلها، والتي لم يعد إليها إلا في وقت لاحق، وعقب فترة طويلة من الهجرة.

المستوى الثالث: الرُّوح القانونية

إذ تتم شرعنة جُملة من القوانين لحماية هُويَّة الأمة وقيمها الفاعلة في الاجتماع السياسي من الأخطار التي يمكن أن يُشكلها العقل الثقافي ساعة يشرع في تفكيك تلك الرُّوح وفهم ماهويتها. فهذه الرُّوح هي رقيب مُسَلَّط على عقول المثقفين، إذ يُمكن لأي كان –فرداً أم جماعة أم حتَّى الدولة ذاتها- أن يرفع ضدهم قضايا في المحاكم، حتى على جُملة بسيطة أو عادية أو حتَّى منزوعة عن سياقها. ولنا نموذج في هذا المقام بالمفكر السوداني “محمود محمد طه”، الذي صدر به، في نهاية المطاف، حُكماً بالإعدام، بعد أن أدين بتهمة الرِّدة عن الدِّين الإسلامي.

بإزاء هاتين المنظومتين: 1- منظومة الخوف الدَّاخلي. و2- منظومة التخويف الخارجي. يعيش المُثقَّف العربي، من بدايات عصر النهضة وحتَّى لحظتنا الرَّاهنة، وضعاً صعباً للغاية. فمن جهة يُعاني يُتماً مخيفاً، فهو يُناضل وحيداً، وعلى جبهات مختلفة ومتعددة دون أي إسناد أو دعم، في العموم؛ ومن جهة ثانية، تتم مُحاصرته من جميع الجهات، بما يُبقي على الوضع المعرفي، والحياتي بالتالي، على ما هو عليه في العالَم العربي.

لكن بطبيعة الحال، ثمة استثناءات، فحتَّى مع حالتي: 1- اليُتم. و2- الحصار. برزت أسماء واضحة في العالَم العربي، واستطاعت مشاريعها، وإنْ كانت فردية، أنْ تشق طريقها وتُثبت حضورها على مستوى الاجتماع السياسي. وبطبيعة الحال، مرة أخرى، فإنَّ حالتي: 1- اليُتم. و2- الحصار؛ اللتين يتعرض لهما المثقَّف العربي في العموم، وما يستتبع ذلك من استثناءات، هي عملية طبيعية، رغم قسوتها وألمها؛ تفرزها سيرورة الحضارة الإنسانية، وتُفضي بالتالي إلى وضع أكثر صحة وسلامة.

الهوامش:

[1]  انفجرت على سبيل المثال في وجه طه حسين ومعروف الرصافي وصادق جلال العظم ومحمد أركون ونصر حامد أبو زيد ونجيب محفوظ…إلخ.

[2]  في الغالب، وليس حُكماً مطلقاً. السياق العام يدعم هذا الجفاء، حتَّى مع وجود بؤر خارج هذا التصنيف.

[3]  ضمن مشهد حزين ومؤثِّر، كتب المفكِّر العراقي “جواد علي” عن كتابيه: 1- تاريخ العرب قبل الإسلام. 2- المفصَّل في تاريخ العرب قبل الإسلام. “وكتاباي هذان، هما عمل فرد عليه جمع المادة بنفسه، والسهر في تحريرها وتحبيرها، وعليه الإنفاق من ماله الخاص على شراء موارد غير متيسرة في بلاده، أو ليس في استطاعته مراجعتها بسبب القيود المفروضة على إعارة الكتب، أو لاعتبارات أخرى، قم عليه البحث عن ناشر يوافق على نشر الكتاب، ثم عليه تصحيح المسودات بنفسه بعد نجاحه في الحصول على ناشر، إلى غير ذلك من أمور تسلبه راحته وتستبد به وتضنيه، ولولا الولع الذي يتحكم في المؤلفين في هذه البلاد، لما أقدم إنسان على تأليف كتاب”. [المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام، جواد علي، ص 5].

ومما يُؤسف له أيضاً، أن تكريم “جواد علي” معنوياً! قد جاء على يد مُثقَّف آخر، بما يُبقي العمل المعرفي برمُّته في العالَم العربي، عملاً فردياً، منسياً، مُهمشاً. فقد أهدى “سعيد الغانمي” كتابه (ينابيع اللغة الأولى:  مقدمة إلى الأدب العربي منذ أقدم عصوره حتى حقبة الحيرة التأسيسية) إلى “جواد علي”: “”إلى روح العلامة الراحل: جواد علي، لم تقف معك مؤسسة، في إنجاز مشروعك الكبير، بل كنت فرداً. ما أكثر العقبات التي تخطيتها! وما أكثر ما أحسستَ بظلم ذوي القربى! لم تخلف مدرسةً، ولم تبنِ أكاديميةً، لكن عملك وحده كانَ مدرسةً شامخة، وأكاديمية بعدة طوابق”.

[ينابيع اللغة الأولى: مقدمة إلى الأدب العربي منذ أقدم عصوره حتى حقبة الحيرة التأسيسية، سعيد الغانمي، هيئة أبو ظبي للثقافة والتراث، أبو ظبي، الإمارات العربية المتحدة، ط1، 2009، ص 6].

    اقرأ ايضا

    المزيد من المقالات

    مقالك الخاص

    شــارك وأثــر فـي النقــاش

    شــارك رأيــك الخــاص فـي المقــالات وأضــف قيمــة للنقــاش، حيــث يمكنــك المشاركــة والتفاعــل مــع المــواد المطروحـــة وتبـــادل وجهـــات النظـــر مــع الآخريــن.

    error Please select a file first cancel
    description |
    delete
    Asset 1

    error Please select a file first cancel
    description |
    delete