المرأة العربية بين هيمنة الاستشراق والتحديات القومية

مقدمة

يعد الاستشراق مجالًا مهمًا من أجل فهم العلاقة المعقدة بين الشرق والغرب، خصوصًا فيما يتعلق بصورة المرأة الشرقية في الخطابات الغربية. يُظهر تحليل جذور هذه التصورات أن الصورة الجسدية للمرأة الشرقية لم تكن أداة ترفيهية أو فضولية فقط، بل كانت وسيلة هيمنة تُوظَّف في السياقات الثقافية والسياسية، كي تعكس عمق التصادم الثقافي بين الشرق والغرب وتُستخدم المرأة بوصفها رمزًا لهذا الصراع. يثير هذا الواقع تساؤلات مهمة عن تأثير تلك التصورات في فهم المرأة العربية والإسلامية لذاتها، وإمكانية تفكيك الصور النمطية التي رسختها السلطة الاستعمارية حتى تفرض هيمنتها الثقافية.

عند دراسة النظام الاجتماعي الذي نشأ حول مفهوم “الحريم”، يتضحُ أن هذا النظام ليس اختراعًا إسلاميًا بحتًا، بل يمثل امتدادًا لإرث حضارات سابقة مثل الإغريق والرومان. ومع ذلك فإن السؤال المحوري هنا هو: هل كانت المجتمعات الإسلامية متلقٍ سلبي لهذه المفاهيم فقط، أم أن الإسلام أضاف بُعدًا جديدًا في التعامل مع الفصل بين الجنسين؟ الإجابة تكمن في تحليل تطور الحريم عبر العصور، فينعكس هذا النظام بوصفه وسيلةً من أجل تنظيم العلاقات بين النساء والرجال، لكنه يعكس أيضًا التحولات الاجتماعية والسياسية التي طرأت على المجتمعات الإسلامية، مما أضفى على مفهوم الحريم تعقيدات جديدة ترتبط بالهوية والثقافة.

وفي سياق الحركات القومية والإصلاحية تتضح التناقضات بين الدعوات من أجل تحرير المرأة وبين الممارسات الفعلية التي حدَّت من دورها في المجتمع. يُطرح هنا التساؤل عما إذا كانت هذه الحركات تستهدف فعليًا تحقيق مساواة جندرية حقيقية، أم أنها استغلت تحرير المرأة بوصفها أداة سياسية لمواجهة الاستعمار؟ يُظهر التحليل أن تحرير المرأة لم يكن هدفًا قائمًا بذاته، بل كان جزءًا من مشروع سياسي أكبر، وهو ما يفسر الإخفاقات المتكررة في تحقيق العدالة الجندرية في المجتمعات العربية والإسلامية حتى اليوم.

الاستشراق وسلطة المعرفة

في إطار دراسة الاستشراق التي قام بها إدوارد سعيد (1978)، يظهر أن الاستشراق لم يكن مجرد تصوير ثقافي للشرق، “بل كان أسلوبًا للهيمنة الغربية على الشرق عبر إعادة هيكلته والسيطرة عليه. يرى سعيد أن تفكيك هذه التصورات الاستشراقية ضروري لفهم استمراريتها وتجددها على مر الزمن، مما يتيح فرصة لتحليل الخطابات الغربية المتنوعة، سواء الفنية أو الأدبية أو السياسية.”([1]) استنادًا إلى منظور الاستشراق الذي ناقشه سعيد يَظهر أن الهيمنة الغربية لم تقتصر على الاحتلال العسكري أو السياسي، بل امتدت إلى تشكيل التصورات الثقافية عن الشرق بهدف السيطرة على هويته. يعكس هذا الطرح الحاجة إلى تفكيك الصور النمطية السائدة عن الشرق، بما يسمح بفهم أعمق للتصادم الثقافي الذي يتجدد عبر الزمن.

تتجلى هذه التناقضات الثقافية في رحلة ابن بطوطة في القرن الرابع عشر، حينما عد موقف أمير تركي ينهض أمام امرأة، وهو ما كان يَعُدُّهُ “العجب العجاب”([2]). يكشف هذا المشهد عن اختلافات داخل الإمبراطورية الإسلامية، فقد كانت بعض الشعوب الإسلامية مثل الأتراك تتيح للنساء تولي مناصب إدارية، على عكس الخلفاء العباسيين الذين كانوا أكثر تحفظًا.

فيما يتعلق بتطور صورة شهرزاد في الثقافة الغربية، يُظهر التحليل كيف هُمش البُعد السياسي والفكري لشخصيتها، فقد جرى تقديمها في الطبعة الغربية لعام 1985 من “ألف ليلة وليلة” بوصفها راقصة، مجردة من قوة خطابها وسلاحها الأساسي وهو الكلام. في عرض الباليه الذي أقيم في برلين، كان التركيز على الجسد والرقص فقط، مما يعكسُ تجاهلًا متعمدًا للقوة العقلية التي تمثلها شهرزاد، والتي استطاعت التأثير في شهريار بعقلها وكلامها، “حين حاولت تصويب كلماتها إلى عقله.”([3])

تشير المرنيسي إلى أن شهرزاد الحقيقية لا ترقص، بل تفكر وتتحدث، فهي تنسج حكايات بالغة الجمال عبر الكلمات حتى يفقد شهريار رغبته في قتلها بسبب تأثير حديثها فيه. تسلط الضوء هنا على الاختلاف الجوهري بين التصورات الغربية والشرقية لشهرزاد، في تجاهلهم للعقلية التحليلية والقوة الفكرية التي تميزها، مقابل التركيز الغربي على الجانب الجسدي والإغراء. ([4]) هذا التجاهل يثير تساؤلات عن السبب وراء حصر الغرب مفهوم الإغراء في الجسد متجاهلًا قوة العقل، وتتساءل أيضًا: هل يمكن بناء تصور دقيق عن المرأة العربية اعتمادًا فقط على أسطورة فارسية؟

وفي سياق تاريخي أوسع خلال القرنين السابع عشر والثامن عشر، كان الفرنسيون يثورون في الشوارع مطالبين بالمساواة للجميع. وقد انتصرت هذه المساواة هنا وهناك إلا في مجال اقتناء لوحات الحريم، لقد أمضى أعظم الفنانين الأوروبيين -على غرار دومينيك (1780- 1876) يرسمون لوحات الحريم في باريس وروما، مثل لوحة “الحمام التركي” لإنغر التي اشتراها متحف اللوفر عام 1862 ([5]). يُظهر هذا التوجه إلى تصوير الحريم بوصفهم فضاء للإثارة والمتعة وأن البرجوازيين الأثرياء كانوا يسعون لإرضاء نزعاتهم الاستهلاكية بينما كانوا يناقشون حقوق الإنسان والمساواة في مجلس الشيوخ. يمكن تفسير هذا التهكم في رسم صور الحريم الشرقي على أنه رد ثأري للاستعمار القديم، أو ربما كان يهدف ببساطة إلى إغراء الزبائن من النخبة الأوروبية.”([6])

في هذا السياق، يُنظر إلى كلمة “حريم” في المخيال الغربي بوصفها مرادفةً للإثارة الجنسية، فيُصور بوصفه فضاءً تملؤه المتعة الأبدية والنساء العاريات، حتى أصبحت فكرة الحريم جزءًا من الخيال الاجتماعي والثقافي في الغرب. ومع ذلك يتضح أن هذا المفهوم لم يكن اختراعًا إسلاميًا بحتًا، بل كان له جذور في الحضارات السابقة مثل الإغريق والرومان، الذين مارسوا الحجر على النساء ضمن هياكل اجتماعية مماثلة ([7]) يُضاف إلى ذلك أن هذا المفهوم الغربي قد أدى إلى تكوين “حريم” خاص بالثقافة الغربية، أثر فيه الفن الشرقي الذي اطَّلع عليه الغربيون مما جعله يمثلُ جزءًا من خيالهم الاجتماعي والثقافي.

تشيرُ المرنيسي إلى أن الإسلام ظهر في القرن السابع الميلادي، لكن الحريم لم يكن اختراعًا إسلاميًا بحتًا، بل سبقه إليها الإغريق الذين مارسوا الحجر على النساء في أثينا قبل أحد عشر قرنًا، فقد كان الفصل بين الجنسين جزءًا من تصميم المنازل، مع إقامة النساء في الغرف الخلفية بينما يمارس الرجال أنشطتهم في الفضاءات العامة. كذلك تبنَّى الرومان هذه الفكرة، رغم تمتع النساء الرومانيات بمزيد من الحرية”. ( ([8]“وقد سار الرومان على خطى الإغريق في إنشاء الحريم والحجر على النساء لدى علية القوم، وإن كانت الرومانيات أكثر حرية وتحررًا. وكانت ظاهرة الرقيق معروفة كذلك لدى الرومان، وعددهم يعكس ثروة وقوة السيد الذي يملكهم ([9]). وفي تعقيبها على هذا الإرث التاريخي تقول المرنيسي إن العرب في فترة الجاهلية لم يكونوا هم من اخترعوا الحريم، بل استوردوه شأنهم في ذلك شأن استيراد السيارات الفاخرة في العصر الحديث. وتؤكد أن التغيرات الاجتماعية التي صاحبت العصر العباسي أسهمت في تعزيز الاختلاط بين الأعراق والثقافات، مما منح الإسلام القدرة على تجاوز أصوله العربية ليصبح مجتمعًا متعدد الثقافات.

من طريق هذا التحليل يُسلط الضوء على أن الحريم ليس ظاهرة عربية إسلامية فقط، بل هو أيضًا جزء من الإرث الغربي، يَختزل دور المرأة في الإغراء الجسدي. يُبرز التحليل أن هذا المفهوم لا يزال حاضرًا في الثقافة الغربية، فهو يعدُّ الحريم فكرة تثير خيال الرجال. إن التحرر الحقيقي للمرأة لا يمكن تحقيقه عبر تصورات نمطية مفروضة من الخارج أو الداخل. يبقى السؤال إذًا: هل يمكن للمرأة العربية أن تتحرر من قيود الحريم القديم والجديد من طريق مشروع قومي تحرري، أم أن الطريق للتحرر النسوي هو المفتاح لتفكيك هذه القيود؟ وهل يمكن الجمع بين المسارين حتى نحقق العدالة الجندرية والتحرر السياسي معًا؟

نسوية أم قومية!

قدمت التحليلات النسوية ما بعد الكولونيالية رؤية نقدية متميزة للعلاقة بين الجنسين في المغرب، متجاوزةً التصورات التقليدية للحركة الوطنية التي عبر عنها زعماء مثل علال الفاسي (1910-1974).”([10]) هذه الرؤية تناولت مفهوم “تحرير المرأة” في إطار ما بعد الاستقلال، كاشفةً أن هذا التحرر ظل مشروطًا بحدود معينة، تعكس الطابع البرجوازي الصغير للحركة الوطنية وتأثير المفاهيم الاستعمارية فيها. في هذا السياق يُركز على أن المشروع الوطني كان نتاجًا لمزيج بين مبادئ الإسلام السلفي وبعض مفاهيم المستعمر، مما أظهر القيود التي واجهتها الحركة التاريخية لتحرير المرأة.

في سياق ثورة 1919 على سبيل المثال، بدأت المرأة المصرية تتحرك ناحية الحياة العامة، وظهرت مطالبات بحقوقها السياسية والاجتماعية، هذا التحرر لم يكن منفصلًا عن النضال الوطني، فقد عُدَّ جزءًا من الحركة القومية التي سعت لاستعادة كرامة الأمة في مواجهة الاستعمار. ومع ذلك ظهرت تناقضات بين الخطاب التحرري والتطبيق العملي، فبينما دعمت بعض الشخصيات السياسية مثل سعد زغلول دور المرأة في الحياة العامة، إلا أنه فُضل تأجيل منحها حقوقها السياسية خوفًا من حدوث انقسام في الأمة، مشيرًا إلى أنه سيعطي المرأة حق الانتخاب بعد خروج آخر جندي بريطاني من مصر. تحقق ذلك بالفعل في عام 1956 بعد الجلاء، فقد حصلت المرأة المصرية على حق الانتخاب.)[11]( وهذا ما حدث في بالفعل. ومع تأسيس الاتحاد النسائي المصري بقيادة هدى شعراوي في ثلاثينيات القرن العشرين، بدأ التوجه ناحية استقلالية الحركة النسوية، مما أثار تساؤلات عن دوافع مشاركة المرأة في ثورة 1919([12]) وما إذا كانت هذه المشاركة نابعة من شعورها الوطني أو بحثًا عن ذاتها. تظهر هذه التساؤلات الحاجة إلى مراجعة الدور الذي لعبته الحركات القومية في تشكيل العلاقة بين النضال الوطني والنضال النسوي، وتدفع إلى التفكير في كيفية تحقيق تحرر حقيقي للمرأة، ليس بوصفها جزءًا من مشروع سياسي مؤقت، بل كونها جزءٌ لا يتجزأ من إعادة بناء المجتمعات بعد الاستقلال.

هذا الوضع يعكسُ ما أشارت إليه تحليلات ليلى أبو لغد والمرنيسي بخصوص القيود التي واجهتها حركات التحرر النسائية في سياق ما بعد الاستعمار، التي اتسمت بالقيود البنيوية التي منعتها من تحقيق تغييرات جوهرية في أوضاع المرأة، فقد كانت هذه الحركات تحاول الموازنة بين استيعاب الحداثة والحفاظ على التقاليد الثقافية والدينية، مما أدى إلى تطبيق حداثة سطحية دون تحدي النظام الأبوي المتجذر بعمق. هذه المقاربة سواء في مصر أو في السياقات الأخرى التي تناولتها المرنيسي، لم تكن تهدف إلى تغيير جذري في هيكلية السلطة أو العلاقات الجندرية، بل كانت تركز تركيزًا أساسي على تحقيق مكاسب سياسية واستخدام قضايا المرأة حتى تُعزز الشرعية الوطنية والاجتماعية.

تُظهر تحليلات المرنيسي بوضوح نقدها للأنظمة السياسية التي أعادت إنتاج أشكال جديدة من القمع والاستبعاد، فقد جرى تقليص دور المرأة إلى أداة تكميلية فقط من أجل تحقيق الشرعية الوطنية داخل الأسرة والمجتمع، وقد سعت بعض الأنظمة إلى “ربط الدستور بالشريعة لإضفاء طابع شرعي ديني على القوانين.”([13]) وهو ما عدتهُ المرنيسي وسيلة لإضفاء شرعية على السيطرة الأبوية، “مما قلَّص من فرص تحقيق تحرر حقيقي للمرأة، لأن هذه الإصلاحات استوعبت الحداثة ظاهريًا دون أن تتحدى الهياكل الأبوية بعمق” ([14]). وبذلك ظل دور المرأة مقيدًا بالمعايير الثقافية التقليدية التي تبرر استبعادها. هذا الوضع يعكس استمرار استخدام القيم الدينية والتقليدية لتبرير القيود المفروضة على حقوق المرأة، مما يجعل تحقيق تحرر فعلي بعيد المنال في ظل استيعاب جزئي للحداثة دون السعي في تفكيك النظام الأبوي.

ومن ناحية أخرى يتضح من تحليل ليلى أبو لغد أن تحرير المرأة بعد الاستقلال لم يكن مسعى قانوني أو اجتماعي لتحسين وضعها فقط، بل كان جزءًا من مشروع قومي أكبر يستهدف إعادة بناء الهوية الوطنية والتخلص من آثار الاستعمار. ومع ذلك لم تكن هذه الجهود موجهة ناحية الاعتراف بالمرأة كونها فردًا مستقلًا يتمتع بكامل الحقوق، بل ركزت على دورها الرمزي بوصفها حاملة للهوية الوطنية والشرف مما أدى إلى تعزيز القيم التقليدية.

تشيرُ أبو لغد إلى أن هذه المقاربة أسهمت في تكريس النظام الأبوي تكريسًا غير مباشر، فقد أصبحت المرأة أداة لتعزيز الأيديولوجيا الوطنية بدلًا من تغيير وضعها تغييرًا جذريًّا. انحصرت الإصلاحات في نطاقات سطحية تستوعب مفاهيم الحداثة دون أن تتحدى الهياكل الأبوية العميقة التي واصلت سيطرتها على مختلف جوانب الحياة الاجتماعية والسياسية. وهكذا ظل تحرير المرأة غير مكتمل، بسبب استخدام حقوقها بوصفها وسيلةً من أجل تعزيز الشرعية السياسية وتحقيق التماسك الاجتماعي بدلًا من العمل على تحرر فعلي يتجاوز التغييرات الشكلية. ([15])

يتضح من تحليل الحركات القومية والإصلاحية بعد الاستقلال أنها لم تنجح في تفكيك البنى الأبوية التي استمرت في هيمنتها على المجتمعات العربية، رغم شعاراتها الداعية إلى تحرير المرأة. فقد كانت هذه الحركات تهدف بشكل أساسي إلى تحقيق مكاسب سياسية وإضفاء الشرعية على الأنظمة الوطنية الجديدة بدلًا من العمل على إحداث تغييرات اجتماعية جوهرية. كان دور المرأة في هذه السياقات في الغالب رمزيًا، فقد استخدمت من أجل تعزيز التماسك الاجتماعي وإضفاء الشرعية على النظام، مع تغليب القيم التقليدية والقيام بإصلاحات سطحية تستوعب الحداثة شكليًا دون مواجهة جذرية للهياكل الأبوية المتأصلة.

نتيجة لذلك بقيت الأنماط الأبوية التقليدية مسيطرة، مما جعل أي جهود من أجل تحقيق العدالة الجندرية غير مكتملة، فقد ظلت المرأة محصورة في أدوارها التقليدية بوصفها رمزًا للشرف والعفة، بدلًا من الاعتراف بها كونها فاعلًا اجتماعيًّا مستقلًا قادر على المشاركة الفعَّالة في إعادة تكوين المجتمع. هذا الواقع يعكس تعقيد المشهد السياسي والاجتماعي في فترة ما بعد الاستعمار، فقد تداخل الدين والسياسة مع الحداثة لتشكيل العلاقات الجندرية، في هذه العملية غالبًا ما استخدمت الإصلاحات الشكلية لتعزيز الهياكل القائمة بدلًا من تحديها بشكل حقيقي.

في هذا السياق تُطرح تساؤلات مهمة عن مستقبل الحركة النسوية في العالم العربي: هل يمكن للمرأة أن تتحرر من قيود التقاليد والسياسة دون أن يكون هناك تفكيك جذري للنظام الأبوي؟ وكيف يمكن للحركات النسوية أن تتعامل مع التحديات المعقدة الناجمة عن تداخل الدين والسياسة والحداثة، في ظل السعي في الحفاظ على الهوية الثقافية؟ هذه الأسئلة تظل مفتوحة للنقاش، مما يتطلب استراتيجيات نقدية تتجاوز الإصلاحات السطحية، وتعمل على إعادة بناء المجتمع بطريقة تعزز مكانة المرأة كونها فاعلًا اجتماعيًّا وسياسيًّا حقيقيًّا.

خاتمة

تواجه المرأة العربية تحديات معقدة في مسيرتها إلى التحرر، بسبب أن الأنظمة السياسية والدينية تقف بوصفهم عقبات أمام تفكيك الهياكل الأبوية المتجذرة التي تُستغل لترسيخ الاستبعاد تحت ستار حماية الهوية الثقافية. إن استخدام قضية “تحرير المرأة” بوصفها أداةً سياسيةً من أجل تحقيق مكاسب ضيقة ما يزال يعوق الوصول إلى تغييرات جذرية تمس واقع المرأة بعمق.

يظل مستقبل الحركات النسوية مرتبطًا بقدرتها على تجاوز مرحلة المقاومة إلى إعادة صياغة أدوار المرأة في المجالين الاجتماعي والسياسي، من طريق تطوير خطاب تحرري متجذر في السياق العربي قادر على مواجهة تحديات الاستشراق والقومية، يتطلب هذا المشروع إعادة بناء منظومة القيم الثقافية لجعل المرأة شريكًا أساسيًا في صياغة مستقبل أكثر عدالة.

ليبقى السؤال: هل تستطيع الحركات النسوية تجاوز القيود الراهنة وصياغة مشروع تحرري يحقق التغيير الجذري، أم أن تلك القيود ستظل تفرض حدودًا دائمة تحول دون تحقيق التحرر الفعلي، لتبقى المرأة عالقة بين شعارات الحداثة وقيود التقاليد؟

 

قائمة المراجع:

[1] إدوارد سعيد، الاستشراق، المعرفة السلطة الانشاء، ترجمة كمال أبو ديب، مؤسسة الأبحاث العربية، ص 43، 47.

[2] فاطمة المرنيسي، هل أنتم محصنون ضد الحريم ؟، ترجمة: نهلة بيضون، المركز الثقافي العربي، ص184، 185.

[3] فاطمة المرنيسي، شهرزاد ترحل إلى الغرب، المركز الثقافي العربي، الدار البيضاء، المغرب ط1، 2001، ص 57.

[4] فاطمة المرنيسي، شهرزاد ترحل إلى الغرب، مرجع سابق، ص 79.

[5] فاطمة المرنيسي، هل أنتم محصنون ضد الحريم؟ مرجع سابق، ص44، 45.

[6] المرجع نفسه، الموضع نفسه.

[7] مريام كوك، النساء يطالبن بإرث الإسلام، ترجمة/ رنده أبو بكر، المركز القومي للترجمة، 2015، ص118) منقول بتصرف).

[8] فاطمة المرنيسي، شهرزاد ترحل إلى الغرب، ص94،93.

[9] المرجع نفسه، ص96، 97.

[10] فاطمة المرنيسي، ما وراء الحريم الجنس كهندسة اجتماعية، ترجمة فاطمة الزهراء أزرويل، المركز الثقافي العربي، ط4، 2005م، ص 59.

[11]   أشرف مصطفى توفيق محمد، حريم في حياة الزعيم سعد زغلول، مركز الراية، ط1، 2000م، ص 105.

[12] المرجع نفسه، ص 62.

[13] فاطمة المرنيسي، الخوف من الحداثة، الإسلام والديمقراطية، ترجمة/ محمد الديبات، ط1، دار الحصاد، بيروت، 1994، ص65 (منقول بتصرف).

[14] فاطمة المرنيسي، موقع المرأة في عملية التقدم من خلال خطاب الحركات الوطنية العربية (نموذج المغرب)، مجلة أبحاث، عدد: 2، أبريل- يونيو، 1983، الناشر: عبد الله ساعف، دار المنظومة، 2018، ص44. (منقول بتصرف).

[15] Lila Abu-Lughod, Women. Feminism and Modernity in the Middle East, Princeton: Princeton University Press, 1998, p. 22.

    اقرأ ايضا

    المزيد من المقالات

    مقالك الخاص

    شــارك وأثــر فـي النقــاش

    شــارك رأيــك الخــاص فـي المقــالات وأضــف قيمــة للنقــاش، حيــث يمكنــك المشاركــة والتفاعــل مــع المــواد المطروحـــة وتبـــادل وجهـــات النظـــر مــع الآخريــن.

    error Please select a file first cancel
    description |
    delete
    Asset 1

    error Please select a file first cancel
    description |
    delete