المسجد الأقصى قراءة ثانية في السردية الإسلامية الجزء الرابع

تكوين

جرت مراسلات في سنة ٤١ه/٦٦٢، بعد رحيل الخليفة الثالث والرابع رضي الله عنهما، بين معاوية والحسن بن علي انتهت بتنازل الحسن عن الخلافة لمعاوية، وسُمّيت هذه السنة بعام الجماعة، وفي هذا العام بُويع معاوية بالخلافة في مدينة القدس بما تحمله المدينة من تاريخ، وقداسة وجد فيها معاوية بن أبي سفيان شبيها بالمدينة المنورة التي شهدت بيعة الخلفاء الأوائل.

بيعة معاوية بالقدس

وكان لبيعة معاوية بالقدس إشارة إلى تاريخ جديد تُسطّره المدينة، فأغلب الظنّ أن بيعة معاوية بالخلافة كانت في المسجد العمري الذي كان يتسع لثلاثة آلاف مصلِّى، والذي احتفظ بمحراب عمر بن الخطاب قرابة عشرين عاما حكم فيها معاوية بن أبي سفيان، ثم كانت خلافة يزيد بن معاوية القصيرة المُلطّخة بالدماء، ولم يستطع بعده ابنه معاوية بن يزيد أن يقوم بأعباء الخلافة، فعُقد مؤتمر الجابية الذي حضره رؤساء العشائر اليمانية مع عدد من أبرز رجالات البيت الأموي، وفي هذا المؤتمر بُويع مروان بن الحكم بالخلافة (٦٤-٦٥ه/٦٨٤-٦٨٥م)، وبذلك انتقل الحكم الأموي من البيت السفياني إلى البيت المرواني، فتُعدّ خلافة عبدالملك بن مروان (٦٥-٨٦ه/٦٨٥-٧٠٥م) التأسيس الثاني للخلافة الأموية.. وجرت البيعة لعبدالملك في القدس كما جرت لمعاوية، فقد كانت مكة والمدينة والعراق ومعظم مناطق الشرق في بيعة وطاعة عبدالله بن الزبير.

شرع عبدالملك بن مروان بعد بيعة أهل الشام له بالخلافة في بناء قبة الصخرة الشريفة، وعمارة المسجد الأقصى، وكانت دوافعه إسلامية عربية، فعبدالملك مَنْ عرّب ووحّد الإدارة، فنقل الدواوين من الفارسية والرومية إلى العربية، وعرّب النقود، كذلك عمل على تعريب مدينة القدس التي لاقت منه رعاية كبيرة.

إقرأ أيضاً: الخروج عن السرديات المألوفة

بدأتْ القدسُ تأخذ طابعها الإسلامي العربي في عهد عبدالملك بن مروان (٢٦-٨٦ه/ ٦٤٦-٧٠٥م) وابنيه: الوليد وسليمان اللذين وَلِيَا الخلافة من بعده، فانحسرت اللغة والثقافة الإغريقية، لتحلّ الثقافة العربية مكانها بإسهامات المسيحيين العرب السريان الذين لعبوا دورا كبيرا في تعريب المدينة.([1]) وبُني المسجد الأقصى بصورته المعروفة اليوم، وظهر بوضوح ما يُطلق عليه الآن “الحرم القدسي” أو “الحرم الشريف” تلك المساحة المسورة من الأرض الواقعة فوق هضبة “موريا” في الجنوب الشرقي للبلدة القديمة بالقدس، وتُقدر مساحته ب١٤٤ ألف متر/ دونم تضم مجموعة من الآثار الإسلامية أهمها: مسجد قبة الصخرة والمسجد الأقصى أحد أهم المعالم العربية الإسلامية بطراز معماري متميز يجمع ما بين الطراز الأموي والعباسي والفاطمي والأيوبي والمملوكي..

وبالعودة إلى بناء مسجد قبة الصخرة نجد المصادر الإسلامية ([2])  تُشير إلى أن عبد الملك بن مروان بدأ بناء القبة على صخرة بيت المقدس، وبناء المسجد الأقصى سنة ٦٥ ه، وأتمّها سنة ٧٢ه، (٦٨٥-٦٩٢م)، وقد رصد لبنائه خراج مصر لسبع سنين، وجّه خلالها الأموال والعمال، وجمع الصّناع من بلاد الشام، وأرسلهم إلى مدينة بيت المقدس، وأسند أمر إدارة العمل والإشراف عليه إلى رجاء بن حيوة، وكان عالما معروفا بالتقوى والاستقامة، ويزيد بن سلام، وكان من أهل القدس، وُلد بها، وعاش بها زمنا، وكان في بلاد الشام جميعُ ما أراده عبدالملك للبناء من مواد: من أخشاب، ورخام، وأحجار، وفسيفساء، وحرفيين ومهندسين على درجة عالية من الأهلية، والخبرة، والبراعة، وثابت تاريخيا أنّ كنائس الشام في العصر البيزنطي بُنيت بأيدي اختصاصيين محليين مع مواد محلية.

تصميم قبة الصخرة

وتكاد تجمع الدراسات على أن قبة الصخرة ذات تصميم فريد ورائد في تاريخ العمارة العربية والإسلامية، وكان قوام التصميم جدار خارجي مثمن الأضلاع، سهّل هذا الشكل ووجود الأروقة الحركة حول الصخرة لمن أراد الطواف للتعرف والتمتع بالمشاهدة، ومن ثم الصلاة، ويُروى أنّ عبد الملك بن مروان مَن صمّم مسجد قبة الصخرة، وكان تصميما فريدا وجديدا في بابه كما أشار إلى ذلك المقدسي في كتابه “أحسن التقاسيم” فوصف عبدالملك بن مروان القبة التي يُريدها للصنّاع، فصنعوا له قبة صغيرة تقع شرقي قبة الصخرة، يُقال لها “قبة السلسلة”، فأعجبه تكوينها، وارتضى هيئتها، فأمر بأن تكون القبة التي ستضرب على قبة الصخرة بالتكوين والهيئة نفسها.

وأرسل عبدالملك بن مروان إلى وكيليه الأموال الكثيرة لهذا الغرض، وأمرهما أن يُفرغا الأموال إفراغًا، فأكثرا النفقات، فبَنيَا قبة الصخرة أحسن بناء، وفرشاها بالرخام المُلوّن، وعملا للقُبّة جلالين أحدهما من اليود الأحمر للشتاء، وآخر من أدم للصيف، وحفَا القبة بأنواع الستور، ووضعوا أنواع البسط الملونة، وأقاما لها سدنة وخدامًا بأنواع الطيب والمسك والعنبر والماورد والزعفران، ويعملون منه غالية، ويبخرون القبة والمسجد من الليل، وجعل فيها من قناديل الذهب والفضة والسلاسل الذهب والفضة شيئًا كثيرًا، وكانوا إذا أطلقوا البخور شُمّ من مسافة بعيدة، وكان إذا رجع الرجل من بيت المقدس إلى بلاده تفوح منه رائحة المسك والطيب والبخور أيامًا، ويُعرف أنه قد أقبل من بيت المقدس وأنه دخل الصخرة، وكان فيه من السّدنة والقوم القائمين بأمره خَلْق كثير، ولم يكن يومئذ على وجه الأرض بناء أحسن، ولا أبهى من قبة صخرة بيت المقدس، فقد كان فيها من الفصوص والجواهر والفسيفساء وغير ذلك الكثير من الأنواع الباهرة.

وقد أمر عبدالملك وكيليه بالسخاء في الإنفاق، وأن لا يتقيدوا بأيّة قيود، ولما فرغ رجاء بن حيوة، ويزيد بن سلّام من تشييد المسجد على أكمل وجهٍ، وبقي من المال، الذي أنفقاه على ذلك ستمائة ألف مثقال، وقيل ثلاثمائة ألف مثقال، فكتبا إلى عبد الملك يخبرانه بذلك، فكتب إليهما قد وهبته لكما، فكتبا إليه إنّا لو استطعنا لزدنا في عمارة هذا المسجد من حُلي نسائِنا، فكتب إليهما إذ أبيتما أن تقبلاه، فأفرغاه على القُبة والأبواب، فسُبكت، وأُفرغت عليهما، فما كان أحدٌ يستطيع أن يتأمل القبة مما عليها من الذهب القديم والحديث. ([3])

إقرأ أيضاً: المسجد الأقصى مدلول واحد أم مدلولات متعددة.. قراءة ثانية في السردية الإسلامية الجزء الثالث

وكان كل يوم اثنين وخميس يأمران بالزعفران فيدق أو يطحن، ثم  يُخمر من الليل بالمسك والعنبر والماء وورد الجوري، ويخمر في الليل”، وكان يجري تخليق الصخرة حتي يغمروها من الداخل، ثم يخلقون القبة، ويأتون بعد ذلك بالمجامر، وقد وضعوا فيها أروع أنواع العود والبخور، وبعد انتشار الرائحة في المكان كله” تشمر الستور فيخرج البخور، ويفوح من كثرته حتي يبلغ رأس السوق، فيشم الريح من يمر من هناك.. ثم ينادي مناد: ألا إن الصخرة قد فتحت للناس، فمن أراد الصلاة فيها فليأت، ، فيقبل الناس مبادرين إلي الصلاة في الصخرة، فأكثر الناس من يدرك من أن يصلى ركعتين، وأقلهم أربعاً، فمن شم رائحته قال: هذا من دخل الصخرة، ثم تُغسل آثار أقدامهم بالماء، وتمسح بالآس الأخضر، وتنشف بالمناديل، وتغلق الأبواب، وعلى كل باب عشرة من الحجبة، ولا تفتح إلا يوم الاثنين ويوم الخميس، ولا يدخلها في غيرهما إلا الخدم، وكان في وسط قبة الصخرة سلسلة علقوا عليها “درة ثمينة” وقرني كبش إبراهيم فداء ولده، وتاج كسرى، وكان الفراغ من عمارة قبة الصخرة والمسجد الأقصى في سنة ثلاث وسبعين من الهجرة الشريفة. ([4]) وهذا ما يُفيد أن أعمال البناء قد استغرقت ثمانية أعوام شملت كل شيء من الأساسات حتى نهاية أعمال التشييد.

وقد أُختلف حول دافع عبدالملك إلى تعظيم صخرة بيت المقدس، وضرب قبة عليها، تُعد من أروع الآثار الإسلامية، فهناك مَنْ يقولُ: أنّه قصد أن يُغيّر ملامح المدينة من المعمار البيزنطي لتُصبح مدينة عربية إسلامية، فبنو مروان من حكّام بني أمية الذين خاضوا معركة معمارية فنية مخطط لها، قصدوا منها منافسة المعمار الكنسي البيزنطي في المدينة، فكما بنى الأمويون المسجد الأموي في دمشق، والمسجد النبوي في المدينة، بنوا مسجد قبة الصخرة والمسجد الأقصى بالقدس، “فمن الواضح أنّ عبد الملك بن مروان خاض ببناء قبة الصخرة، والمسجد الأقصى معركة مدروسة تغلب فيها على عوامل الجذب التي امتلكها أبنية الكنائس البيزنطية، ونجح في معركته، فغدت القدس مدينة عربية إسلامية، وانحسرت فيها الثقافة الإغريقية ولغتها”. ([5])

فيرفض أصحاب هذا الرأي أن يكون عبدالملك بمكانته العلمية قد قصد بهذا التشييد توجيه الناس إلى الطواف حول الصخرة والتبرك بها بدلا من الذهاب إلى مكة التي خرجت عن طاعة الأمويين ووقعت تحت تأثير عبدالله بن الزبير عدة سنوات. ([6]) ويرون أنّه كان يرمي من وراء تعظيم الصخرة والحفاظ عليها هو إنشاء بناء يعتز به المسلمون في بلاد الشام. ([7])

وإن كان في كتب التراث مَنْ يرى أنّ دافعَ عبدالملك بن مروان سياسي، وهو إشغال الناس عن الكعبة والحجّ، بحيث لا يلتفتون للمسير إلى غير بيت المقدس، فيقول اليعقوبي: “منع عبد الملك أهل الشام من الحجّ، وذلك أنّ ابن الزبير كان يأخذهم إذا حجوا بالبيعة، فلما رأى عبد الملك ذلك منعهم من الخروج إلى مكة فضجّ الناس وقالوا تمنعنا من حج بيت االله الحرام وهو فرض من االله علينا فقال لهم هذا ابن شهاب الزهري يحدثكم أن رسول االله قال لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام ومسجدي ومسجد بيت المقدس، وهو يقوم لكم مقام المسجد الحرام وهذه الصخرة التي يروى أن رسول االله وضع قدمه عليها لما صعد إلى السماء تقوم لكم مقام الكعبة فبنى على الصخرة قبة وعلق عليها ستور الديباج وأقام لها سدنة، وأخذ الناس بأن يطوفوا حولها كما يطوفون حول الكعبة، وأقام بذلك أيام بني أمية”.([8])

فبعض المصادر الإسلامية تذكر أن عبدالله بن الزبير عندما استولى على مكة والحجاز كان يخطب في أيام منى وعرفة ومقام الناس بمكة، وينال من عبد الملك ويذكر مساوي بنى مروان ويقول: إن النبي، صلى الله عليه وسلم، لعن الحكم بن مروان وما نسل، وأنه طريد رسول االله، ولعينه، وكان يدعو إلى نفسه، وكان فصيحًا، فمال معظم أهل الشام إليه، وبلغ ذلك عبدالملك فمنع الناس من الحج، فضجوا، فبنى القبة علي صخرة بيت المقدس والجامع الأقصى، ليشغلهم بذلك عن الحج ويستعطف قلوبهم، وكانوا يقفون عند الصخرة، ويطوفون حولها، كما يطوفون حول الكعبة، وينحرون يوم العيد، ويحلقون رؤوسهم، ففتح بذلك على نفسه بأن شنّع ابن الزبير عليه، وكان يشنع عليه بمكة، ويقول ضاهى بها فعل الأكاسرة في إيوان كسرى.. ([9]) ويُروى أنّ ابن مسعود وعائشة وابن عمر وعروة بن الزبير وابن الحنفية كانوا يُنكرون ما يقوله أهل الشام عن الصخرة، من أن الله وضع قدمه عليها. ([10])

ولا أميل إلى صحة ما جاء في تلك المصادر مما لا يتفق مع ما عُرف بهعبدالملك بن مروان  من كونه منأكثر أهل زمانه علماً وفقهاً ونباهة، فكيف يُقدم على صنيع يُعدّ خروجا على أحد أركان الإسلام! كما أن عبدالملك بن مروان عرف باعتزازه بالعروبة والإسلام وليس أدل على ذلك من تعريب الدواوين والنقود، فما قصد إليه عبد الملك بن مروان من منْحه المدينة رعاية كبيرة أن يصبغ المدينة صبغة عربية إسلامية تُواجه صبغتها البيزنطية، فلا يعدو الأمر عن كونه أراد منافسة المقدسات المسيحية في المدينة بمقدسات إسلامية يعتزّ بها المسلمون، وتلتف قلوبُهم حولها.

من جانب آخر تختلف الروايات التاريخية حول زمن تشييد المسجد الأقصى بمعنى المسجد ذو القبة الخضراء الذي يقع بمواجهة مسجد الصخرة على بعد خمسمائة متر تقريبا من مسجد الصخرة جنوبا في الناحية القبلية من الحرم القدسي.. هل كان في عهد عبدالملك بن مروان أم في عهد الوليد بن عبدالملك، فيُرجح كثير من المورخين أنّ المسجد الأقصى شُيّد بعد قبة الصخرة في عهد الخليفة الأموي عبد الملك بن مروان (٢٦-٨٦ه/ ٦٤٦-٧٠٥م) المؤسس الثاني لدولة الأمويين بعد التأسيس الأول لمعاوية بن أبي سفيان، ولا تزال الكتابة التاريخية في جدار قبة الصخرة من الداخل، والمكتوبة بخط كوفي بالفسيفساء تُشير إلى تاريخ الإنشاء سنة ٧٢ه، وقد اختار المقدسي والسيوطي هذا الرأي.

وميّز القاضي مجير الدين بين بناء تمّ في عهد عبدالملك وترميمٍ حدث في عهد الوليد، فبعد انتقال الخلافة إلى الوليد بن عبدالملك انهدمَ الجانبَ الشرقيَّ للمسجد، فقام الوليد بترميمها، ويروي أنّ المسجد قبل الوليد كان به “من القناديل خمسة آلاف قنديل، وكان يسرج مع القناديل ألفا شمعة في ليلة الجمعة، وفي ليلة النصف من رجب، وشعبان ورمضان وليلتي العيدين، وفيه من القباب خمسة عشر قبة سوى قبة الصخرة، وعلى سطح المسجد من شقف الرصاص سبعة آلاف شقفة وسبعمائة ووزن الشقفة سبعون رطلاً بالشامي غير الذي على قبة الصخرة، وكل ذلك عُمل في أيام عبد الملك بن مروان، ورتب له من الخدم القوام ثلاثمائة خادم، اشتريت له من خمس بيت المال وفيه من الصهاريج أربعة وعشرون صهريجاً كبار، وفيه من المنابر أربعة”. ([11])

من بنى المسجد الأقصى

بينما يرى “محمد كرد علي” في كتابه “خطط الشام”، أنّ الوليد هو مَن بنى المسجد الأقصى، وبهذا قال ابن فضل الله العمري في كتابه “التعريف بالمصطلح الشريف”، ويروي أن الوليد بن عبد الملك أمر بالفسيفساء -أي الترابيع الزجاجية المطلية بالذهب- فأتت من القسطنطينية؛ ليزين بها مساجد الشام ومكة والمدينة والقدس، فقبة المسجد الأقصى آية في الروعة ودقة الصنع، وكلها مكسوة بالفسيفساء الثمين، وإن لم يبق منها مع تقادم العهد سوى النذر اليسير.. ويُشير الدكتور سهيل زكار في دراسته حول المسجد ([12]) إلى رأي المستشرق البريطاني “كريزويل” القائل بأن بناء المسجد الأقصى كان في عهد الوليد بن عبدالملك، اعتمادا على ورقتين من البردي المصري، ترقيان إلى أيام “قرّة بن شريك العبسي” والي مصر للوليد بن عبدالملك حيث وردت إشارة إلى إعالة الصناع، والعمّال المهرة المستخدمين في بناء مسجد القدس، وهذه ليست حُجّة قاطعة، إذا قابلناها برواية تهدّم جزء من المسجد في عهد الوليد، وإعادته لإعماره من جديد.

كما أنَّ المسجد الأقصى يتمتع من حيث التصميم بسمات تُميّزُه عن مسجد دمشق الذي بناه الوليد بن عبد الملك، فالمسجد الأقصى بلا صحن، ولا يتوسط محرابَه جدارُ القبلة، وبلاطات المسجد الأقصى عمودية على جدار القبلة، وليس موازية له شأن مسجد دمشق في عهد الوليد.

بالإضافة إلى وجود تشابه كبير بين قبة الصخرة المُتَّفق على كونها في عهد عبد الملك والمسجد الأقصى في مواد العمارة والخشب والرخام والأعمدة والفسيفساء والنقوش البديعة، فهذا ما تُبرهن عليه العناصرُ المتبقية التي تعود إلى العصر الأموي، وإن طرأ على المسجد العديد من التعديلات وأعمال الترميم لتهدم أجزاء منه بفعل الزلازل.. وهذا يُرجح كون عمارة المسجد الأقصى كانت في عهد عبد الملك بن مروان، ويبقى سؤال لماذا يُوجد محراب للمسجد في الجهة الشرقية؟ والعصر الأموي لم يعرف تعدد المحاريب، فهو لم يعرفْ تعدد مذاهب أهل السنة، والراجح أنه كان بدافع المحافظة على المحراب الذي خطه عمر بن الخطاب، رضي الله عنه.

وقد حظيت مدينة القدس وسائر فلسطين بعناية الوالي الأموي سليمان بن عبد الملك الذي أسس مدينة الرملة وبنى مسجدها، واتخذها مقرا لحكمه، حتى كانت وفاة أخيه الخليفة الوليد بن عبد الملك، فلما أتى سليمانَ نعْيُ الوليد، توجّهَ من الرّملة إلى القدس، حيثُ جاءت الوفود لتبايعه بالخلافة، فكانتْ بيعتُه بالقدس مثْلَ بيعة معاوية وعبد الملك، فكان يجلس في صحن مسجد بيت المقدس، مما يلي الصخرة، تحت قبة، ولعلها القبة المعروفة بقبة سليمان (بن عبد الملك) عند باب الدويدارية، ويبسط البسط بين يدي قبته، عليها النمارق والكراسي، فيجلس، ويأذن للناس، فيجلسون على الكراسي والوسائد، وإلى جانبه الأموال وكُتَّاب الدواوين، وقد همّ بالإقامة ببيت المقدس، واتّخاذها عاصمة لدار الخلافة، وجمع الأموال والناس بها، إلا أنّه اضطر لمغادرته القدس والاستقرار بمرج دابق في شمالي بلاد الشام لِيشرف بنفسه على أعمال حملة كبيرة برية وبحرية بقيادة أخيه مسلمة بن عبدالملك أرسلها سليمان لفتح القسطنطينية. ([13])

يُتبع

 

المراجع:

([1]) شفيق محمود، تاريخ القدس، ٢١٤:٢١٠ الموسوعة الفلسطينية – الدراسات الخاصة ج٢، ص٣٢٣:٣٢٠.

([2]) أحسن التقاسيم للمقدسي، ص١٧١:١٦٥. الأنس الجيل، ج١، ص٢٧٥:٢٧٢. شفيق محمود، تاريخ القدس، ص٢٠٣:٢٠٠. القدس الإسلامية في أعمال برشيم ٨٣:٤١، الآثار الإسلامية الأولى ٦١:٣٣، دراسات في تاريخ وآثار فلسطين ج١، ص٦٥:٤٩، الموسوعة الفلسطينية القسم العام مادة “صخرة”، الداسات الخاصة، ج٢، ص٣٢٩:٣٢٥.

([3]) يُنظر: الأنس الجليل، ج١، ص٢٧٣،٢٧٢.

([4]) يُنظر: الأنس الجليل، ج١، ص٢٧٥،٢٧٤.

([5]) سهيل زكار، بناء المسجد الأقصى وقبة الصخرة، مجلة التراث العربي، رقم العدد ١١٣، ١يناير ٢٠٠٩..

([6]) يُنظر: الدكتور محمد ضياء الريس، عبدالملك بن مروان والدولة الأموية، الطبعة الثانية، القاهرة، ١٩٦٩، ص ٧٥،٧٤.

([7]) يُنظر: توفيق محمد عبدالجواد، تاريخ العمارة والفنون الإسلامية، ص٧٩،٧٨..

([8]) تاريخ اليعقوبي، ج٢، ص٢٦١.

([9]) يُنظر: البداية والنهاية، ج٨، ص٢٨٠،٢٨١. الأنس الجليل، ج١، ص٢٧٢. تاريخ اليعقوبي، ج٢، ص١٦١.

([10]) يُنظر: الإباضية عقيدة ومذهبا، ص٩٨.

([11]) الأنس الجليل، ص٢٨١،٢٨٠.

([12]) بناء المسجد الأقصى وقبة الصخرة، ص٦١،٦٠.

([13]) تاريخ الخليفة ج١، ص٤٢٥:٤٢٣. الطبري، ج٦، ص٥٥٣:٥٣٠، معجم بني أمية، ص١٦٤.

    اقرأ ايضا

    المزيد من المقالات

    مقالك الخاص

    شــارك وأثــر فـي النقــاش

    شــارك رأيــك الخــاص فـي المقــالات وأضــف قيمــة للنقــاش، حيــث يمكنــك المشاركــة والتفاعــل مــع المــواد المطروحـــة وتبـــادل وجهـــات النظـــر مــع الآخريــن.

    error Please select a file first cancel
    description |
    delete
    Asset 1

    error Please select a file first cancel
    description |
    delete