الوجودية: فلسفة تمرّد وحرية وتفكّر في القلق الوجودي!!

تكوين

تمرّدت الشعوب، فاشتعلت الثورات.. تمرّد المفكّرون فانبثقت الفلسفة.. تمرّد الانسان على واقعه باحثاً عن أجوبةٍ تشفي قلقه حيال إشكاليات الوجود وما بعد الوجود، فكانت له الفلسفة الوجودية ملاذاً للانعتاق من قيود الضياع والخوف والملل.

ما هي مبادئ الفلسفة الوجودية؟

إنطلقت حملة البحث الفلسفيّ عن مفهوم “الوجود” منذ بدايات الفلسفة الاغريقية على مدى قرونٍ قبل الميلاد وبعده، واستمرّت، على تنوّعها واختلافاتها وأحياناً تناقضاتها، حتى القرن العشرين، حيث ثُبّت الوجود في مذهبٍ فلسفيّ خاص، مثّله الفلاسفة الوجوديون. وكان جان بول سارتر أبرزهم وأكثرهم جرأةً في التعبير عن تفكّره الوجوديّ الذي حاول نشره عبر مسرحياته ورواياته ومقالاته ومؤلّفاته. من هذا المنطلق، سنتناول الوجودية تعريفاً وأنواعاً، ثمّ سنعرض لفلسفة سارتر الوجودية وسنجري لها تقييماً، ثمّ سندرس تأثير الفكر الوجوديّ لدى بعض المفكرين والأدباء والشعراء العرب المعاصرين.

أولاً: تعريف الوجودية وأنواعها

  1. تعريف الوجودية

الوجودية تيّار فلسفيّ وأدبيّ يعتبر أنّ البشر يشكّلون جوهر حياتهم من خلال أفعالهم الخاصة، والتي لا تحدّدها المذاهب الفلسفية أو اللاهوتية أو الأخلاقية مسبقاً. هي إبراز لقيمة وجود الفرد في واقعه المحسوس، وفي اندماجه المجتمعي. “هي ملاحظة الوجود وجهاً لوجه، من جهة ما هو وسط نعيش فيه، ونفكّر فيه تفكيراً فعلياً.”]1[

هي فلسفة تؤكّد أولوية الوجود المُعاش، وترفض تحويل هذا المُعاش إلى مجرّد مفهومٍ أو تعريفٍ أو جوهر. وهي تقوم تالياً على الاعتقاد بأنّ ما يمكّن الانسان من امتلاك معنى خاصاً به، داخل عالمٍ يفتقر إلى المعنى الوجوديّ، هو تحديداً مزيجٌ من الوعي والارادة والمسؤولية الشخصية. ولكلّ فردٍ الحقّ والحرية في اختيار حياته وهدفه في هذه الحياة.

وحتى مع اعتبار البعض أنّ الوجودية انبثقت كردّة فعلٍ على مآسي الحرب العالمية الأولى، ما حدا العديد من مفكّري القرن العشرين إلى البحث عن فكرٍ يُعيد للفرد قيمته.. إلاّ أنها أضحت، مع كثرة الفلاسفة الوجوديين وغزارة نظرياتهم، عقيدةً فلسفيةً أساسية في ذلك القرن، وتستمرّ تأثيراتها حتى يومنا الراهن.

  1. أنواع الوجودية

  تيّاران رئيسان يتربّعان على عرش الوجودية:

من هو صاحب النظرية الوجودية؟

أ- الوجودية المسيحية

  من أبرز ممثّليها: الفيلسوف وعالِم الرياضيات واللاهوتي الفرنسي باسكال Blaise Pascal (1623-1662)، الكاتب والشاعر واللاهوتي الدانماركي كيركيجارد Soren Kierkegaard (1813-1855)، الفيلسوف الديني والسياسي الروسي بردييف Nicolas Berdiaeff (1874-1948)، الفيلسوف وعالِم الطبّ النفسيّ الألماني ياسبرس Karl Jaspers (1883-1969)، الفيلسوف الفرنسي مارسيل Gabriel Marcel (1889-1973)، والفيلسوف واللاهوتي الألماني الأميركي تيليش Paul Johannes Tillich (1886-1965).

إعتبر هذا التيّار الانسان تائهاً في الكون، وأنّ الايمان وحده قادر على حلّ مشكلاته، وأنّ الحرية شرط للوصول إلى الله. والوجودية المسيحية مدرسة فكرية تعتمد على ثلاثة تأكيدات رئيسة: الأول أنّ الكون متناقض في الأساس، وأنّ المفارقة الكبرى هي الاتّحاد المجدول على التسامي بين الله والانسانية في شخص المسيح. الثاني هو أنّ العلاقة الشخصية مع الله تتجاوز كلّ الأعراف والبُنى والأخلاق الراسخة في المجتمع. والثالث هو أنّ اتّباع الأعراف الاجتماعية ينبغي أن يكون خياراً شخصياً يتّخذه الفرد.

ب- الوجودية الملحدة

  من أبرز ممثّليها: الفيلسوف الألماني هايدغر Martin Heidegger (1889-1976)، (علماً أنه كان يرغب أن يُطلق عليه إسم “فيلسوف الكينونة” لاعتقاده أننا نصل إلى الكينونة عن طريق وجودنا. وبحسب المفكّر اللبناني د. مشير عون (1964-)، لا ينعت هايدغر نفسه “بالمفكّر الملحد”، إذ أنّ فكره يتجاوز تصنيفات التديّن والالحاد الميتافيزيقية.)، الفيلسوف الفرنسي سارتر Jean-Paul Sartre (1905-1988)، (وهو الذي سنسلّط الضوء على فلسفته الوجودية في القسم الثاني من الدراسة)، الفيلسوف الفرنسي مرلو بونتي Maurice Merleau-Ponty (1908-1961)، الفيلسوفة والباحثة والمفكّرة النسوية الفرنسية دو بوفوار Simone de Beauvoir (1908-1986)، الفيلسوف والناقد الثقافي الألماني نيتشه Freidrich Nietzsche (1844-1900)، الفيلسوف والكاتب والروائي الفرنسي كامو Albert Camus (1913-1960) (وكانت وجوديته تمتزج بالعبثية إمتزاجاً صارخاً).

إعتبر هذا التيّار الانسان حرّاً في الأساس، وأنّ الأمر يعود إليه وحده لإعطاء معنى لحياته، من خلال أفعاله واختياراته. وهو استبعاد لكلّ أشكال التعالي، ولكافّة المعتقدات الدينية في الفكر الفلسفي الوجودي. ينبغي إذاً على الانسان أن يحارب نزعة الخوف لديه، دونما الحاجة إلى أملٍ في أن ينقذنا إله أو قوّة خارقة للطبيعة. وفي الوجودية الملحدة، هناك كائن لا يمكن تحديده قبل وجوده، وهذا الكائن هو “الانسان” تحديداً (Le Dasein) الذي يظهر في العالم ويوجد، ثمّ يحدّد نفسه بعد ذلك، وهو يكون دوماً كما يختار أن يكون، أي أنه يحدّد جوهره بنفسه، فيكون وجوده نتيجة إرادته الواعية، ويكون بالتالي مسؤولاً عمّا هو عليه. وهنا تتعارض الفلسفة الوجودية مع الفلسفة المؤمنة بالحتمية، والتي تعتبر الماهية سابقة على الوجود. (وسيكون لنا تحليل مفصّل لنظرية “الوجود يسبق الماهية” لاحقاً ضمن فلسفة سارتر).

ثانياً: جان بول سارتر Jean-Paul Sartre

  1. حياته

  فيلسوف وروائيّ وناشط سياسيّ فرنسيّ. ممثّلاً التيّار الوجودي، طبع سارتر،عبر فكره وشخصيّته المميّزة، الحياة الفكرية والسياسية في فرنسا بين العامَين 1945 و 1970.

كان الولد الوحيد في عائلته المتحدّرة من البورجوازية، وكانت والدته تنتمي إلى عائلة مفكّرين وأساتذة. لم يعرف والده قط لأنه توفي العام 1906عندما كان سارتر عمره خمسة عشر شهراً، فترعرع في كنف جدّيه لأمّه في باريس، حيث كان هناك مكتبة ضخمة جعلته يكتشف الأدب باكراً، كما روى في سيرته الذاتيّة في كتابه “الكلمات” Les Mots ، وكان جدّه مدرّساً للغة الألمانية في جامعة السوربون. في سنّ السابعة عشرة، إلتحق سارتر بمدرسة “هنري الرابع” في السلك الثانوي في باريس، وهناك تعرّف على الفيلسوف والروائي الفرنسي نيزان Paul Nizan (1905-1940) وكان لا يزال كاتباً مبتدئاً، ونشأت بينهما صداقة إستمرّت حتى وفاة نيزان. العام 1924، إلتحق سارتر بالمدرسة العليا في باريس، حيث نال شهادةً عليا في الفلسفة العام 1929. العام 1931، عُيّن أستاذاً للفلسفة في ثانوية لوهافر Lycée de Havre ، العام 1937، أكمل تدريسه الفلسفة في مدينة نويي Neuilly . والعام 1938، نشر أولى رواياته “الغثيان” La Nausée ، وكانت تهدف إلى تقديم التجربة الفلسفية للوجود. إعتُقل مدّة صغيرة، ثمّ أُطلق سراحه العام 1941 وعاد إلى باريس.

لماذا رفض جان بول سارتر جائزة نوبل؟

رفض جائزة نوبل في الأدب العام 1964، مبرّراً ذلك بأنّ هذه الجائزة كانت سترفعه إلى منصّة التتويج، على رغم أنه لم يُكمل بعد كلّ مشاريعه، وكانت بالتالي ستحدّ من حريّته ومن قدرته على الانجاز والالتزام. إلاّ أنه في المقابل قَبِل الدكتوراه الفخرية من الجامعة العبرية في القدس العام 1976.

شارك حياته مع سيمون دو بوفوار، وكانا التقيا لدى دراستهما الفلسفة في كلّية الآداب (جامعة باريس) ويومذاك وصفته “بالعبقريّ”. ومن العام 1949 وحتى وفاته، كان على علاقةٍ أيضاً مع الشاعرة والمترجمة الفرنسية فيان Michelle Vian (1920-2017).

العام 1945، أسّس مجلّة “الأزمنة الحديثة” Les temps modernes وأدارها بمساعدة  كلّ من سيمون دو بوفوار، ومرلو بونتي، والفيلسوف وعالِم الاجتماع الفرنسي آرون Raymond Aron (1905-1983)، وكان الهدف منها التعريف بالفلسفة الوجودية ونشرها من خلال الأدب المعاصر. وكان على تواصلٍ مع الحزب الشيوعي الفرنسي ومع التيّارات اليساريّة.

من أبرز أعماله: “التخيّل”  L’imagination (1936)، “تعالي الأنا الموجود” La transcendence de l’Ego  (1936)، “تخطيط لنظرية الانفعالات “Esquisse d’une théorie des émotions (1939)، “الوجود والعدم” L’être et le néant (1943)، “الأيادي القذرة” Les Mains sales (1948)، “الوجودية مذهب إنساني” L’Existentialisme est un humanisme (1946)، “خلف الأبواب الموصدة” Huis clos (1948)، “نقد العقل الجدلي” Critique de la raison dialectique (1960)، “أبله العائلة”: دراسة عن فلوبير في ثلاثة أجزاء L’Idiot de la famille (1971- 1972).

كان تأثّره واضحاً، إلى جانب هايدغر وكيركيجارد، بكلّ من الفيلسوف الألماني هيجل Georg Wilhelm Hegel (1770-1831)، والفيلسوف الألماني ومؤسّس الفلسفة الظواهرية هوسرل Edmund Husserl (1859-1938)، وطبيب الأعصاب النمساوي ومؤسّس مدرسة التحليل النفسي فرويد Sigmund Freud (1856-1939). وكان، إلى ذلك، صاحب الوحي والالهام لكلّ من دو بوفوار وكامو ومرلو بونتي. ويمكن القول إنه احتفظ طوال حياته بمعتقداته الاشتراكية المناهضة للبرجوازية، والمعادية للرأسمالية.

وقد أحدث إعلان وفاته في الخامس عشر من نيسان 1980 حزناً كبيراً في فرنسا ودولٍ أخرى. وفي يوم جنازته، في التاسع عشر من نيسان، نزل خمسون ألف شخص إلى شوارع باريس، ورافقوا موكبه تكريماً له. حشد هائل لفيلسوفٍ عرف كيف يؤثّر عميقاً في ثلاثة أجيالٍ من الشعب الفرنسي!

  1. فلسفة سارتر

  كان سارتر الممثّل الأول للوجودية في فرنسا، ويُعتبر كتاباه: “الوجودية مذهب إنساني” و”الوجود والعدم” التظهير الأمثل لتيّاره الفلسفي، وقد تطوّرت فلسفته، خلال عشرين عاماً، بين الوجودية والماركسية. ومن أبرز محطّات هذه الفلسفة:

أ- بعض مصطلحات سارتر في “الوجود والعدم”

أنكر سارتر في كتابه “الوجود والعدم” النظريات المثالية، وطرح ثلاث طرائق للموجود:

  • الموجود في ذاته L’être- en- soi : وهو “الوجود الملموس، غير المدرك لذاته وغير الممتلك القدرة على التغيير. وهذا يقتصر على الأشياء الجامدة”.]2[  هو “لا ينطوي على السلبية، بل هو كامل الايجابية… إنه غير مخلوق، وليس له علّة وجود، كما ليست له علاقة بموجود آخر.”]3[ . وقد حدّد له سارتر ثلاث خصائص: “الموجود يوجد، الموجود هو في ذاته، والموجود هو ما هو.”]4[
  • الموجود لذاته L’être- pour-soi : وهو “الوجود الواعي، المتغيّر وغير المكتمل”.]5 [ هو الوعي منظوراً إليه في ذاته، وكأنه في حالة انعزال. وهو بتعبيرٍ آخر، شوق إلى الوجود، ما يجعله قريباً من معنى “الآنية” (Dasein). هو القيمة الأساسية وراء الوجود، وتطابق عينيّ مع الذات.
  • الموجود للآخر L’être- pour- autrui: وهو “الوجود المرتبط بنظرة الآخر”.]6 [ هو بعد جديد للوجود حيث تكون الأنا موضوعاً بالنسبة إلى الآخر.

إلى ذلك، كانت له تعابيره الخاصة به، نذكر منها:

  • العدم Le néant : وهو ليس افتقاراً إلى الوجود، بل هو مرتبط بهذا الوجود ضمن علاقةٍ ثنائيةٍ وتبادلية. هو ظاهرة وجودية فردية، والانسان هو الوحيد القادر على إدراك العدم بوعيه وكينونته.
  • سوء النيّة La mauvaise foi : وهو موقف للوعي يلجأ الانسان إليه هرباً من القلق وإخفاءً لحريته. هو شكل من أشكال الكذب الذي يتميّز بخصوصيّة كونه كذباً على الذات.
  • الوقائعية La facticité : وهي العلاقة الضرورية القائمة بين ما هو لذاته وما هو في ذاته، وهي التي تسمح لنا بالقول بوجود ما هو لذاته.
  • الانسانية L’humanisme : وهي تركيز على الذات الانسانية، ودفعها في اتّجاه البحث عن معناها وهويتها، في ظلّ ما تعانيه المجتمعات من ضغوطٍ إجتماعيةٍ واقتصادية.
  • الحرية والمسؤولية La liberté et la responsabilité : والمفهومان يتكاملان ضمن حقيقة مواجهة أفعالنا في الحياة. يكون الانسان مسؤولاً بقدر ما يكون حرّاً.

وتكمن المعضلة الوجودية، في هذا السياق، في ما يختتم به سارتر كتابه بنفحة يأسٍ، لأنّ على الانسان أن يعترف بأنه ناقص لأنه يولد من العدم، ومن الممكن أن يسقط في الخداع الذاتي. لكنّ سارتر يستمرّ بتذكير الانسان بحريته وتعاليه ووعيه وبأنه صانع العالم.

ما هي الوجودية في نظر سارتر؟

ب- الوجود يسبق الماهية L’existence précède l’essence

  في كتاب “الوجودية مذهب إنساني”، وهو في الأصل المحاضرة الي ألقاها في التاسع والعشرين من تشرين الأول العام 1945، إعتبر سارتر أن ليس للانسان طبيعة محدّدة في شكلٍ مسبق. فهو إذاً حرّ في التعريف بنفسه من خلال مشروعه، وذلك في إطار الفعل الوجودي الابداعي. وعبارة “الوجود يسبق الماهية” تعني “أنّ الانسان يوجد أولاً، ويلتقي بذاته، ويظهر في العالم، ثمّ يحدّد هويّته بعد ذلك.”]7 [  هو لا يملك في البدء أيّة ماهيّة أو طبيعة، ثمّ يصبح في ما بعد ما يجعل من نفسه. هو يخلق قيمته الخاصة من خلال وعيه محدّداً معنى لحياته.

  في رأيه أنّ الله ليس موجوداً، والانسان حرّ في اختياره ماهيّته، لا بل هو في ذاته حرية. ووصل الحرية بالمسؤولية التي اعتبرها تشمل البشرية جمعاء، فوحده الفعل الملتزم يُنشئ كينونة الانسان ويتيح له أن يحيا حياةً مليئةً بالأمل بعيداً عن اليأس والتشاؤم. الانسان محكوم بالحرية، كُتب عليه أن يكون حرّاً، فلا مفرّ من الحرية الخلاّقة. “هو محكوم لأنه لم يخلق ذاته، ولكنه حرّ، ولأنه بمجرّد أن أُلقي في العالم، فهو مسؤول عن كلّ أفعاله.”]8 [  بذلك رفع سارتر الحرية الفردية إلى مصاف القيمة الأخلاقية التي تتجاوز حدود الروحانيات والايديولوجيات وحتى العلوم.

وبعدما ميّز في الكتاب ذاته بين الوجوديين المسيحيين من ذوي الانتماء الكاثوليكي مثل ياسبرس ومارسيل، والوجوديين الملحدين مثله هو وهايدغر على حدّ تعبيره، فقد أضاف سارتر “أنّ الوجودية الملحدة التي يمثّلها هو تقول إنه إذا كان الله غير موجود، فهناك، على الأقلّ، كائن وجوده يسبق ماهيّته، كائن يوجد قبل أن يتمّ تعريفه بأيّ مفهوم. وهذا الكائن هو الانسان، أو كما يقول هايدغر “الواقع الانساني.””]9[ 

  1. تقييم الوجودية السارترية

  لاقت أفكار سارتر حول منظور الوجودية كما رآها، وحول الفلسفة التحرّرية التي أطلقها، رواجاً كبيراً… ربّما لأنّ الناس، خلال فترة نشره كتاباته وإلقائه محاضراته، كانوا توّاقين إلى من يأخذهم نحو ثورةٍ إجتماعيةٍ متجدّدة، من نوعٍ آخر وذات أفقٍ لا محدود، تماماً كما فعل سارتر حين رفض “تعفّن” الديمقراطية الرأسمالية، ومحدودية الشيوعية في شكلها الستاليني، عطفاً على نقده وهن الاشتراكية الديمقراطية.

ولا شكّ في أنّ الله الذي هاجمه سارتر لا يشبه قط إله الديانات السماوية. فكان في رؤيته إلهاً متسلّطاً يسيطر على الانسان ويستعبده ويتحكّم فيه عن طريق الاحساس بوخز الضمير، فأنكر الله علناً وجاهر بإلحاده، حتى أنه قال إنّ الموت سيأتي عاجلاً أم آجلاً، وستزول كينونتنا لأننا لا شيء سوى حياة محكومة بالفناء. وهذا ما أثار ضدّه ردود فعلٍ سلبيةٍ طبيعية من جانب المؤمنين بالله الذين رأوا في وجوديّته دفعاً للانسان للوقوع في حالةٍ من اليأس وانعدام حالة الطمأنينة الداخلية. وهنا كان موقف لغابريال مارسيل الذي شدّد على أنّ الفيلسوف الذي ينكر الماورائيات والعالم الآخر، إنما يسجن نفسه داخل دائرة مغلقة على المحايثة الوجودية. وذهب بعض النقّاد إلى حدّ اعتبار أنّ الحرب العالمية الثانية أطلقت شرارة الصراع من أجل الانسان والانسانية، بعد مجازر رهيبة في حقّ الملايين من البشر، من جميع الأطراف المتحاربة.. فرغب سارتر، في رأيهم، في “استغلال” هذا الوضع، وحفظ مكانةٍ مميّزةٍ له على الساحة الفكرية. فكتب ما كتب، ليس عن قناعةٍ راسخة، بل عن استراتيجيةٍ مسبقة.

وفي الوقت ذاته، كان سارتر على إدراكٍ تامّ بالحملة النقدية التي تناولت تفكّره الوجودي، في مقابل كثيرين من مؤيّديه. فقال إننا اتّهمنا بإظهار العار الانساني، وبإهمال “الجانب المضيء من الطبيعة الانسانية”]10[ وبتناسي حتى ابتسامة الأطفال؛ واتّهمنا كذلك “بإنكار حقيقة المؤسّسات الانسانية وجدّيتها”]11[ ، وبتسليط الضوء على ما هو سيئ في حياة الانسان. وفي السياق ذاته، ذكر سارتر أنه أُخبر عن سيّدة، عندما تفوّهت بسبب عصبيّتها بعباراتٍ غير لائقة، قالت معتذرةً: “أظنّ أنني أصبح وجودية.”]12[

وعلى رغم إقرار سارتر بالتهجّم “غير المبرّر” عليه كما اعتبره، فإنّ تقييم أفكاره الوجودية استمرّ خلال حياته وبعد رحيله. فالبعض رأى في وجوديّته دعوةً للانسان لتقديس ذاته، وتحرّره من قيود الوعي الجماعي وممارساته، إلى حدّ تخطّي نعتها بالالحادية وصبغها بطابع الاتّجاه العدمي والعبثي المحرّض على التمرّد وعلى التفلّت من كلّ الموروثات، تحقيقاً لمبدأ سارتر القائل بتحقيق الانسان وجوده في شكلٍ حرّ. ورأى البعض الآخر أنّ وجودية سارتر هي دعوة إلى الانطواء والعزلة الاجتماعية. فبمجرّد قوله “إنّ الآخرين هم الجحيم بعينه”، فإنه جعل العلاقة بين الأنا والآخر قائمةً على احتماليةٍ كبيرة للتصادم مع الآخرين. وهذه الانطوائية تُعدّ إنهزاميةً، والسبب الرئيس في معاناة الانسان وشقائه.

من جهته، إنتقد الفيلسوف والمفكّر الألماني الأميركي ماركوز Herbert Marcuse (1898-1979) فلسفة سارتر الوجودية، لا سيّما أفكاره الواردة في كتابه “الوجود والعدم” لأنه أسقط، في رأيه، على طبيعة الوجود نفسه، سماتٍ خاصة محدّدة للعيش في مجتمعٍ حديثٍ قمعي، كمثل القلق واللامعنى. فقال: “بقدر ما تكون الوجودية عقيدةً فلسفية، فإنها تظلّ عقيدةً مثالية: وهكذا تصبح الوجودية جزءاً من الايديولوجية ذاتها التي تهاجمها، وتكون راديكاليّتها وهميّة.”]13[  

وحتى على صعيد المواقف السياسية الشخصية، يحقّ لنا أن نتساءل: كيف أيّد سارتر الاستقلال الجزائري، وأيّد، في الوقت عينه، تأسيس دولة إسرائيل؟ في الأمر تناقض فاضح حقاً، مع أنه أصبح في وقتٍ لاحق أكثر حساسيةً إزاء النضال الفلسطيني. وفي هذا الاطار، يُذكر أنّ سارتر زار القاهرة مع سيمون دو بوفوار العام 1967، وكان يُعتبر يومذاك نصيراً لحركات التحرّر في كوبا والكونغو والجزائر، كما  كان قد وقف إلى جانب مصر أثناء العدوان الثلاثي العام 1956، لكنه ما لبث أن انحاز العام 1967 إلى صفّ إسرائيل، ما أدّى إلى تحوّل النظرة العربية إليه تحوّلاً جذرياً.

التعددية في عهدة الفلسفة

يبقى أنه لو كنا مع سارتر أو ضدّه، فلا يمكن أن ننكر أهمية تشديده على مبدأ الحرية لدى الفرد، حتى وإن اتّخذت هذه الحرية بعض المعاني التي تخرج عن السياق العام المتّفق عليه في الاجمال. وهذا ما خلق قبولاً ملحوظاً لمنهجية تفكّره الوجودي ولمحتواها في آن في أوساط شعبيةٍ من جهة، وفكرية ثقافية من جهةٍ ثانية، خصوصاً في مرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية، ولا سيّما فئة الشباب منهم، ليس في فرنسا فحسب، بل في معظم الدول الأوروبية، وفي الولايات المتّحدة الأميركية، وكذلك في عددٍ من البلدان العربية. وعندما أطلق سارتر “صرخته المدوّية” حول الوجود السابق للماهية، على حدّ تعبير المفكّر د. مشير عون، فإنه أراد للانسان “أن يستثمر حريته في بناء ماهيّته التاريخية المتطوّرة، فيحقّق ذاته تحقيقاً متدرّجاً.”]14[ مضيفاً أنّ الوجودية ليست “هروباً من الواقع، بل اضطلاع حصيف بتحدّيات الزمن الراهن، والتزام رصين يقضي باستنقاذ الانسان من متاهات الضلال الأيديولوجي. وليست فلسفة التشاؤم واليأس والقنوط والتوحّد الأناني الانعزالي، بل فلسفة الالتزام الواثق والفعل التغييري الذي يحدّد الانسان بواسطة أعماله وإنجازاته وإسهاماته في التاريخ.”]15[

وأخيراً، وفي الاجابة على انتقادات وجوديته بأنها تشاؤمية، وتحصر الانسان في ذاتيته الفردية، قال سارتر: “إنّ الوجودية ليست فلسفة تأمّل وسكون، لأنها تحدّد الانسان طبقاً لما يفعل، وهي ليست فلسفة متشائمة، لأنها تضع مصير الانسان بين يديه، ومن ثمّ فهي أكثر الفلسفات تفاؤلاً، وهي تدفع الانسان للعمل، ولا تثنيه عنه، بل إنها لا ترى له أملاً إلاّ في العمل، فالعمل هو سبب استمرار الانسان في الحياة، وإذاً تكون الوجودية فلسفة أخلاق عمل والتزام.”]16 [

ثالثاً: تأثير الوجودية في الفكر العربي المعاصر

  عندما أراد الفكر العربي المعاصر الانعتاق من العقائد المتوارثة، والتي كانت ترفض الانفتاح على مدى عقود، إصطدم بعقباتٍ مجتمعيةٍ عدّة. وكان الأمر طبيعياً في بلاد منغلقةٍ على ذواتها، ورافضة أيّ تغيير. إلاّ أنّ عدداً من المفكّرين والأدباء والشعراء العرب كسروا هذا الطوق لشدّة توقهم إلى ولوج عملية التحديث الفكري، فاطّلعوا، في عمقٍ وتأنٍ، على التيارات الفلسفية الرائجة في أوروبا في القرن العشرين وما قبله، والتي أحدثت لدى البعض منهم تأثيراتٍ جذرية على صعيديّ الفكر والمنهج. وكانت الفلسفة الوجودية من بين المذاهب الفلسفية التي كان لها وقعها الآسر، على رغم تعارضها مع جوانب عدّة من الخلفية الثقافية العربية.

  1. عبد الرحمن بدوي (1917-2002)

  فيلسوف وجودي مصري. بدأ تأثّره بالأدب الانكليزي وهو بعد في الرابعة عشرة من عمره، ومال إلى الرومانسية الفرنسية، وإلى الأدب الألماني عبر قراءته الشاعر الألماني غوته Johann Gœthe (1749-1832)، وسهّل عليه ذلك إنتماؤه إلى “الطبقة الراقية والحاكمة.”]17[ وفقاً لتعبيره.

أراد والده أن يدخله كلّية الحقوق لأنّ غالبية الوزراء كانوا يتخرّجون منها، فرفض وأصرّ على دخول كلّية الآداب. وكان الفيلسوف الفرنسي لالاند André Lalande (1876-1963) من أبرز أساتذته، وكذلك المؤرّخ الفرنسي ذو الأصل الروسي كويري Alexandre Koyré (1892-1964).

العام 1944، حصل على الدكتوراه من جامعة القاهرة، وكان عنوان الأطروحة: “الزمان الوجودي”. فكانت هنا العبارة الشهيرة للأديب والناقد المصري طه حسين (1889-1973): “للمرّة الأولى نشاهد فيلسوفاً مصرياً”، إضافةً إلى إجادته اللغات الفرنسية والايطالية والانكليزية والألمانية والاسبانية واليونانية والتركية واللاتينية والفارسية، ما جعل منه طاقةً فكريةً فذّةً على مستوييّ التأليف والترجمة. وكان معجباً بألمانيا النازية لأنها كانت تقوم، في رأيه، على ركائز تربية عسكرية صارمة، كما كان متأثّراً، في الوقت ذاته، بنيتشه “فيلسوف القوّة”.

من جهةٍ أخرى، كان غزير الانتاج، وله ما يقرب من المئة وخمسين كتاباً. إلاّ أنّ فلسفته الوجودية تمظهرت تحديداً في أربعة مؤلّفات: “الزمان الوجودي” (1945)، “الموت والعبقرية” (1945)، “الوجودية والانسانية في الفكر العربي” (1947)، و”دراسات في الفلسفة الوجودية” (1961).

إعتبر بدوي، في إطار طرحه مفاهيم الوجود والعدم والحرية والفردية والزمان…، أنّ “غاية الموجود أن يجد ذاته داخل ووسط الوجود.”]18[  وكان شديد التأثّر بهايدغر، وقد ترجم لفظة Dasein الهايدغرية إلى كلمة “آنيّة”. رأى بدوي أنّ هايدغر كان أوّل من درس فكرة العدم بمدلولَيها الوجودي والميتافيزيقي، وتلمّس في هذا العدم شرطاً لتحقّق الوجود، وجزءاً يدخل في تكوين طبيعة الانسان. والعدم، بحسب بدوي، ليس الخلاء الذي يدخل الوجود فيه، بل هو مركّب أساسيّ في بنية الوجود، وهو ما سمّاه “العدم الوجودي”. إلى ذلك، وكما وصل بين الموت من جهة، والحرية والفردية من جهةٍ ثانية، في كتابه “الموت والعبقرية”، فقد وصل هاتَين الحرية والفردية أيضاً بالعدم. وهنا طرح بدوي تساؤله حول الفرد الحرّ، فقال إننا كلّما ارتبطنا بالناس والأشياء، تنقص حرّيتنا، وهي تزيد مع تحرّرنا التدريجيّ من هذا الارتباط. وهذا ما يتقاطع مع اعتبار سارتر وجود الآخر “مجرّد ضرورة عرضية بالنسبة إلى الذات.”]19[  (إلاّ أنّ هذا التقاطع لم يمنعه من توجيه انتقاداته السلبية في وجه سارتر، كما سنرى لاحقاً.).

ومن مفهوم الحرية، ينبثق مفهوم الامكان الذي يسمح للذات الانسانية أن تختار الممكن بواسطة الارادة، فتنزع نحو التحقّق ضمن زمانٍ وصفه بدوي بالتناهي، “وهذا التناهي لا يعبّر عنه سوى العدم”، هذا العدم الذي هو “الشرط الضروري للتحقّق”]20[ ، وهذا التحقّق الذي هو “بطبيعة الحال الانتقال من الامكان إلى الواقع.”]21[ وخلاصة القول، في هذه المسألة، أنّ بدوي رأى استحالة “استبعاد الزمان من تفسير الوجود، ذلك لأنّ الزمان هو العلّة الأساسية في تحقيق الامكان، ولما كان الامكان لامتناهياً، وكان من المستحيل اجتيازه، كان تحقيق كلّ الامكانات مستحيلاً. فبالزمان وحده يتمّ تحقيق الفعل الذي هو خروج الذات نحو غيرها، وتحقيق هذا الفعل ليس سوى تحقيق إمكانية وسلب لامكاناتٍ أخرى ومنعها من التحقّق، أي منعها من الوجود.”]22[

لكنّ المفارقة أنّ بدوي المتأثّر بكيركيجارد وهايدغر، لم يجد في فلسفة سارتر منحى وجودياً، فاعتبر كتابه “التخيّل” مجرّد مؤلّف في مجال علم النفس، و”الوجود والعدم” مزيجاً منسّقاً من التحليلات النفسية؛ لا بل ذهب إلى حدّ قوله إنه ترجم هذا الكتاب الأخير ليثبت للقارئ العربي أنّ سارتر أديب وروائيّ وباحث نفسانيّ متأثّر بعلم الظواهرية، وليس فيلسوفاً وجودياً. وممّا كتبه بدوي في هذا المجال وتحديداً عن ياسبرس إنه كان “من بين الفلاسفة الوجوديين المعاصرين أكثرهم إنتاجاً، وأوضحهم تفكيراً، وأوسعهم اهتماماً، وأقربهم إلى التفكير الانساني اليوم. ليس فيه غموض هايدغر، ولا جفاف لغته، ولا ضراوة اصطلاحاته، وليس فيه عبث سارتر ولا دعاواه الفجّة.”]23[

طبعاً، كانت لبدوي الحرية في تلمّس الانتماء الوجودي لدى من يريد ويختار، لكنّ إنكاره وجودية سارتر هو إنكار أقلّ ما يُقال فيه إنه خاطئ وغير موضوعي، إضافةً إلى أنه كان، إلى حدّ ما، إستعلائياً في طريقة رفضه وتقييمه ونقده.

  1. سهيل إدريس (1923-2008)

  كاتب وروائيّ لبناني، ولد في بيروت. كان من مؤسّسي إتّحاد الكتّاب اللبنانيين وأمينه العام لعدّة دورات. درس في الكلّية الشرعية ليتخرّج منها رجل فقه وعالم دين. وتعلّق، خلال هذه المرحلة من دراسته، بمواد الأدب واللغات.

العام 1940، نزع عنه زيّه الديني، الأمر الذي لم يكن سهلاً مطلقاً خصوصاً في ذلك الزمن، وغادر إلى فرنسا بعدما حصل على منحةٍ من وزارة التربية. وكان هدفه أن ينال الدكتوراه في الأدب العربي من جامعة السوربون، وقد حصل عليها العام 1952. من أبرز أعماله: في القصص: “أشواق” (1947)، “نيران وثلوج” (1948)، “كلّهنّ نساء” (1949)، “الدمع المرّ” (1956) ؛ في الرواية: “الحيّ اللاتيني” (1953)، “الخندق الغميق” (1958)، “أصابعنا التي تحترق” (1962).. وكان كتابه الأخير “ذكريات الأدب والحبّ” (2002)، إضافةً إلى مسرحياته ودراساته وترجماته.

في باريس، تأثّر بالوجودية الفرنسية، لا سيّما في فكر كلّ من سارتر ودو بوفوار. ولدى عودته إلى لبنان، أنشأ مجلّة “الآداب” العام 1953 بالاشتراك مع كلّ من الأديب والفقيه والاعلامي اللبناني بهيج عثمان (1921-1985)، والأديب والمترجم اللبناني منير البعلبكي (1918-1999)، ثمّ تفرّد بالمجلّة العام 1956 ساعياً إلى بلوغ مقالاتها هدف التحديث في الأدب والشعر والفلسفة. وقد عملت المجلّة على نشر الفكر الوجودي في البلاد العربية. وكان لإدريس الفضل الأكبر في تقديم الفلسفة الوجودية إلى القارئ العربي، ليس فقط عبر مؤلّفاته ومقالاته، بل كذلك عبر ترجمته كتب “الغثيان”، و “الأيدي القذرة”، و “الكلمات” (سيرتي الذاتية)، و “دروب الحرية” لسارتر، وكتاب “الطاعون” (La peste) لكامو. وكما قال: “لقد تأثّرت بالرواية الوجودية موضوعاً وتقنيةً.”]24[ 

كان إدريس شديد الاعجاب بمفاهيم سارتر الوجودية كالحرية والمسؤولية، وبمواقفه المدافعة عن الشعوب المظلومة والمضطهدة. وكان دائم الاطّلاع على مجلّة “الأزمنة الحديثة” التي كان يديرها سارتر، وعلى تواصلٍ واحتكاكٍ مباشرَين مع العديد من الكتّاب فيها. فكان، في نظر الكثيرين، من أبرع من عرّف بالوجودية السارترية كموقفٍ فلسفيّ وأدبيّ وسياسيّ. (علماً أنه لم يخفِ بعد ذلك خيبة أمله من مواقف سارتر الملتبسة من القضية الفلسطينية بعد حرب العام 1967.).

ما هي دلالة الحي اللاتينى؟

وفي روايتَيه “الحيّ اللاتيني” و “الخندق الغميق”، حاول إدريس إظهار وجوب التعبير عن هموم الانسان في العالم العربي، في إطارٍ وجودي، فتماهى حسّه القوميّ مع قناعته الوجودية ليكوّن خطّاً رافضاً للفلسفات القائمة على الجوهر أو المثالية المفرطة. من هنا جاء قوله: “لقد كان أدبنا الكلاسيكي يصوّر البشر على غير حقيقتهم، إذ يتجاوز بهم أوضاعهم البشرية ويرفعهم إلى رتبة المثال، فينظر إليهم الناس من بعيد معجبين مشدوهين، ويداخلهم اليأس من أن يصبحوا مثلهم أبطالاً. أمّا اليوم، فليس هناك بطل منعزل إلاّ وله هدفه الانساني، وله صداه في مواطنه.”]25[ 

ومن الروائيين التجديديين المتأثّرين بالوجودية، كانت الكاتبة والأديبة اللبنانية ليلى بعلبكي (1934-2023)، (والتي عُرفت بتمرّدها الأدبي، وبرواياتها التي أثارت ضجّةً وردّات فعل متناقضة من جانب المثقّفين، وحوكمت لجرأتها في التعبير الكتابي). بعلبكي شاطرت إدريس رؤيته الوجودية الواقعية، وقالت: “.. كلّ إنتاجٍ، كلّ جديدٍ في الأدب والفنّ والعلم نقاومه نحن، إن لم يساهم في خدمة الانسانية، ومساعدتها في منحها حرية استمرارها. البطل اليوم، بطلنا هو الانسان العظيم العظيم حيناً، والتافه التافه حيناً آخر. بطلنا هو الانسان العادي الذي تشدّه الأرض إلى قذارتها فيغوص فيها، وتدعوه السماء إلى أنوارها، فتتحدّى عينه الشمس في الظهيرة.”]26[  وكانت بعلبكي على صواب إذ انّ إدريس الوجودي رسم شخصيّات الروايتَين رسماً واقعياً، بين شخصيةٍ منتفضة في وجه الانقياد، وشخصية تحرّكها الآفات، وشخصية في علاقتها مع الأنا ومع الآخر، وشخصية المرأة المدعوّة إلى التحرّر من قيود الأعراف الدينية والاجتماعية.

وفي روايته “أصابعنا التي تحترق”، إتّخذت الوجودية لدى إدريس صفة الاطلاق، فكان بطلها يرمي إلى التحرّر من كلّ أشكال الاستعباد في كلّ تفاصيل حياته التي أرادها اختياراً إرادياً فردياً. فرفض التحزّب  لأنّه يحدّ من حريته في مجاليّ الفكر والأدب. وهذا لا يعني عدم التزامٍ من قبله، بل عدم خضوع، بل كان في الواقع تعبيراً عن حقيقة تفكير المؤلّف الذي رفض الانتساب الحزبيّ الذي سيقيّد حكماً حريته، فيوقعه في عمى الانحياز بدلاً من إسهامه في القيادة الفكرية الهادفة. فالالتزام الحزبي قد يؤدّي إلى الانصياع فالضياع، وهذا ما ترجمه في سرده حياة إحدى شخصيات الرواية.

إلى ذلك، ربط إدريس بين مفهوميّ الحرية والقلق، في إطارهما الوجوديّ، فرأى أنّ القلق عند هايدغر منعقد على مسألة العدم وعبثية الحياة. فالانسان، بحسب وجهة نظره، يتّجه نحو العدم أو الموت، فلذلك هو في حالة قلق. إنّ تجربة القلق، كما اعتبر، تدفعنا “إلى أن نشعر بأنفسنا، وأننا هنا في العالم مهجورون بدون سندٍ أو مُعين. لقد ألقينا في هذا العالم بدون معرفة السبب… ووجود هذا الكائن.. يحدّه الموت، لا بل هو موجود من أجل الموت.”]27[ فيما يرتبط القلق في فكر سارتر بحريته وبمسؤوليته المطلقَتَين أمام ذاته وأمام الآخرين، هو القلق البسيط الذي لا يفصلنا عن العمل، بل يشكّل جزءاً منه وشرطاً لقيامه. لكنّ إدريس أضاف أنّ الانسان خلال عمله، غالباً ما يتعرّض لضغوطٍ قد تهدّد حريته، وتحوّل قلقه إلى خوفٍ يُعتبر جانباً طبيعياً في النفس البشرية.

  1. مطاع صفدي (1929-2016)

  مفكّر وروائي سوريّ، ولد في دمشق. تخصّص في الفلسفة، وكان متأثّراً بسارتر خلال دراسته الجامعية. نشر كتباً عدّة وترجمات تميّزت بطابعها البحثي الفلسفي، وتناول فيها الأفكار القومية والسياسية، وخصوصاً رؤيته الخاصة للفلسفة الوجودية. وقد هيمنت على مؤلّفاته أفكار عددٍ من الفلاسفة الفرنسيين، وكذلك مصطلحاتهم. نذكر منهم: فوكو Michel Foucault (1926-1984)، دولوز Gilles Deleuze (1925-1995)، (علماً أنّ صداقةً جمعته بدولوز وترجم له كتابه “ما هي الفلسفة؟” Qu’est-ce-que la philosophie? الذي أصدره العام 1991)، ودريدا Jacques Derrida (1930-2004).

العام 1981، أسّس صفدي “مركز الانماء القومي” في بيروت، وترأّس تحرير مجلّتيّ “العرب والفكر العالمي” و “الفكر العربي المعاصر”، داعياً إلى إحياء الفكر التنويري العربي. من أبرز مؤلّفاته: “فلسفة القلق”، “الثورة في التجربة”، “إستراتيجية التسمية في نظام الأنظمة المعرفية”، “نقد العقل الغربي: الحداثة ما بعد الحداثة”، “نظرية القطيعة الكارثية”، “نقد الشرّ المحض” (في جزئَين)، “الفلسفة براءة الصيرورة”، “دراسات وجودية”، “جيل القدر” و “ثائر محترف” (روايتان)، و”أشباح البطل” (مجموعة قصصية).

إعتبر صفدي الوجودية فلسفةً إستثنائيةً، وقد وسمت عمق تفكّره الفلسفيّ المنعقد على قناعته الوجودية والقومية في آن. ففي روايته “جيل القدر”، محاولة حثيثة لفهمٍ وجوديّ للانسان من خلال ذاته، وإتقان في تصوير التقاء النضال القومي بالوعي الوجودي. وفي “ثائر محترف”، ملامح وجودية تحطّ على مفهوم “الثورة” وجوانبها السلبية وبعض إخفاقاتها. فالعرب، بحسب رأيه، كانوا دوماً في حاجةٍ إلى ثورات الأفراد من خلال ثورة الجماعة، إذ انّ الثورة ليست مدرسةً تخرّج لنا الأبطال، بل هي أولاً وأخيراً تجربة البطل ذاته أمام ذاته.

واضح جداً تعلّق صفدي بالحرية السارترية المقترنة بالمسؤولية، وقد تبنّاها علناً في إبداعاته الأدبية. وإلى ذلك، فقد اطّلع على مسألة الوجود والعدم في فلسفة هايدغر، واعتبر أنّ نصوصه وأفكاره تجعل القارئ في حالة صدمةٍ دائمة نظراً إلى تميّزها وعمقها. وفي دراسته هذا الموضوع، وجد أنّ هايدغر كان يردّد سؤاله الميتافيزيقي: لماذا كان ثمّة وجود، ولم يكن بالأحرى عدم؟ ويمثّل العدم حال السويّة المطلقة. “فصحيح أنّ الانسان في حياته اليومية يكون على اتّصالٍ بموجودٍ دون آخر… بيد أنّ وحدة الكلّ تفاجئنا، فنشعر بها خلال تجربة الضجر الحقيقية.”]28[ هذا الضجر يقرّب بين البشر والأشياء، ويكشف عمّا هو موجود في كلّيانيته. أضف أنّ هايدغر طرح مفهوم القلق المختلف عن الشعور بالخوف. “ففي القلق، يشعر المرء بالضيق والضغط من دون أن يعلم سبب هذا الضيق؛ فكلّ الأشياء ونحن معها، تهوي إلى نوعٍ من الاستواء… وما يجثم فوق صدورنا هو هذا الموجود في كلّيته، حينما ينزلق إلى ما لا نهاية، ويفقد كلّ نقطة استنادٍ له. ففي انزلاق الموجود لا يبقى… إلاّ العدم. فالقلق إذاً يكشف عن العدم.”]29[

كان صفدي يرمي، من خلال وجوديته، إلى عملية تكوينٍ مزدوجة: تكوين الانسان كما ينبغي أن يكون قولاً وفعلاً، وتكوين الاستمرارية المنتجة في الاتّصال البنّاء بين الثقافتَين الغربية والشرقية. وقد حمل لقب “ناقد العقل الغربي”، لكن في إطار هدفية بناء النقد السليم، بعيداً من التملّق والمبالغة. وعن هذا التكوين، قال: “التكوين هو أن يكون المرء، ليس فقط على مستوى الفكرة، بل مادة للفكرة، قادراً على أن يصبح هو “المفكّر به”، وهو “ما ليس المفكّر به” في آنٍ واحد.”]30[ بمعنى أن يسعى دوماً وراء تجاوز ما لديه، واستشراف كلّ جديد. فكانت مسألة التكوين هاجساً بالنسبة إليه، وعنصراً أساسياً في فلسفته.

أخيراً، كان مفكّرنا العربيّ الوجوديّ دائم التشديد على أنّ الوجودية ليست منهجاً، بل هي حثّ للانسان على أن يكون ذاته، وعلى أن يتحرّر على مستوى شخصه، وعلى مستوى مجتمعه. ولا يخفى على أحد، كما اعتبر، ما تعاني منه مجتمعاتنا العربية من طغيانٍ إستعماريّ ومن تخلّف يبعدنا عن الحداثة التنويرية الهادفة.

  1. نجيب محفوظ (1911-2006)

  أديب وروائيّ مصري. ولد في القاهرة ونشأ في عائلةٍ محافظة دينياً؛ تأثّر بثورة العام 1919، وهو لم يزل طفلاً، وكان لهذه الثورة وقعها في تشكيل شخصيّته الأدبية والوطنية لاحقاً. تخصّص في الفلسفة، وكانت رسالته في الماجستير عن “الجمال في الفلسفة الاسلامية”.

إستمرّت مسيرته الأدبية حوالي سبعين عاماً، حيث نشر رواياتٍ وقصصاً ومسرحيات وسيناريوهات أفلام، شكّل من خلالها فلسفةً خاصةً إنعقدت على وجوديةٍ واضحة المعالم. من أبرز أعماله: الثلاثية التاريخية: “عبث الأقدار” (1939)، و “رادوبيس” (1943)، و “كفاح طيبة” (1944)؛ “القاهرة الجديدة” (1945)، “خان الخليلي” (1946)، ثلاثية القاهرة: “بين القصرَين” (1956)، و “قصر الشوق” (1957)، و”السكّرية” (1957)؛ “اللصّ والكلاب” (1961)، “الطريق” (1964)، “الشحّاذ” (1965)، “ثرثرة فوق النيل” (1966)، “يوم قُتل الزعيم” (1985)، “حديث الصباح والمساء” (1987)…

كتب في صحيفتيّ “الأهرام” و “الهلال”، وتولّى منصب مدير لمؤسّساتٍ عدّة، وكان رئيساً لمجلس الادارة العامة للسينما. حصل على جوائز عديدة، منها: وسام الاستحقاق من الطبقة الأولى (1962)، جائزة الدولة التقديرية في الآداب (1968)، جائزة نوبل للآداب (1988)، الوسام الرئاسيّ والدكتوراه الفخرية من الجامعة الأميركية في القاهرة (1989)…

إتّهم بالكفر وتعرّض، العام 1995، لمحاولة اغتيالٍ فاشلة على يد شابّين حُكم عليهما بالاعدام. وقد صرّح، في وقتٍ لاحق، أنه كان ضدّ عقوبة الاعدام في حقّهما.

تأثّر محفوظ فكرياً  بالفيلسوف الفرنسي ديكارت René Descartes (1596-1650)، الذي ميّز بين نوعَين من الوجود: الوجود الموضوعي والوجود الفعلي أو الواقعي، والذي كان يقول “أنا أفكّر إذاً أنا موجود” بخلاف ما قاله سارتر من بعده. وكان لفكر الكاتب والفيلسوف الفرنسي فولتير François-Marie Arouet (1694-1778) أيضاً وقعه المهمّ على الكاتب كونه كان رمزاً لعهد التنوير والمدافع الجريء عن الحرّيات المدنية، ولا سيّما حرية المعتقد. كذلك كان تأثّره بالروائي والناقد الفرنسي بروست  Marcel Proust (1871-1922)، صاحب الرائعة الأدبية “البحث عن الزمن المفقود” A la recherché du temps perdu ، والتي تشكّل قراءتها غوصاً في مكنونات الوجود والعدم، من خلال وصفه استعادة لحظات الماضي. والواضح أخيراً كان اهتمامه بالأديب المصري مصطفى لطفي المنفلوطي (1876-1924)، الذي كان يدعو إلى وجوب التحرّر من الجهل والخمول والخرافات، ويرى معنى الوجود في الحياة كامناً في استثارة الألسنة الصامتة، وفي تحريك الأقلام الراقدة.

الفلسفة الوجودية نجيب محفوظ

وكانت الفلسفة الوجودية حاضرةً في العديد من مؤلّفاته، حيث تماهى اعتقاده الوجودي على مستوى المعنى برمزيةٍ خياليةٍ على مستوى المنهج، وحيث تبعثرت النزوعات العبثية لديه أحياناً لتزدان بها كلماته وتوصيفاته وحواراته، فتظهر لنا بعمقها الحقيقيّ.

قرأ محفوظ كتابات كامو ووافقه في قوله إنه لا يجد سبباً منطقياً أو معنى واضحاً لصيرورة العالم، فكان وجه الشبه بين “الغريب” L’Etranger و “اللصّ والكلاب” لمحفوظ. ومع انّ الاشكاليات الوجودية كانت مبهرة في فكر محفوظ، لا سيّما حول الحياة والموت، والعدالة والظلم، والحرية والعبودية… إلاّ أنه تعمّد تقديمها في إطارٍ مصريّ شعبيّ لا يشبه النسخ الأوروبية. كما كان تشابه أيضاً بين أسطورة سيزيف التي استوحاها كامو من الأساطير الاغريقية، و “ثرثرة فوق النيل” التي ضمّنها محفوظ معاني الوجود وعبثية الأقدار، إضافةً إلى التمرّد الكونيّ على الواقع السياسيّ والاجتماعيّ.

وفي مقارنةٍ أخرى بين روايتيّ “الغثيان” لسارتر و “الشحّاذ” لمحفوظ، نجد أنّ من وصفه سارتر ، ضمن إطارٍ سوداويّ تشاؤميّ، كان إنساناً يعيش وحيداً، يلازمه الشعور بالغثيان، يراقب الحاضر، يكتب يوميّاته، ويبحث في غوامض الوجود. ومع مرور الزمن المتمثّل بقيمة اللحظة الحاضرة، يألف البطل غثيانه، إلى أن يخلص إلى عبثية الوجود قائلاً: “إنّي وجدت مفتاح الكينونة… والواقع أنّ كلّ ما استطعتُ أن ألتقطه في ما بعد، يتلخّص في هذه العبثية الأساسية. عبثية: كلمة أخرى؛ إنّني أتخبّط تجاه الكلمات.”]31[ وبطل “الشحّاذ” أيضاً يصفه الكاتب وحيداً ومتأمّلاً، باحثاً عن معنى الحياة بعدما خرج منها ومن ازدحامها. هو يرمي إلى التخلّص من عذابه، ومن حالة سأمه من كلّ شيء، فيقول:”لا أريد أن أفكّر أو أن أشعر أو أن أتحرّك… كلّ شيء يتمزّق ويموت.”]32[ والموت لديه ممتزج بالمجهول والعدم. وفي الحرية، “أردتُ أن أكون”]33[  صرخة يطلقها بطل “الغثيان”، أمّا بطل “الشحّاذ” فيستخدم حريته سلباً في عجزه عن مواجهة الواقع. لكنّ الاثنَين يعيشان عزلةً قاسيةً كانت نتيجة ما أراداه، وهي موصولة بالقلق الوجودي.

وفي رواية “الطريق”، شخصيّات تكافح للانعتاق من عبء المحن لأنها حُرمت من السعادة طوال حياتها… هذه الرواية كسواها جعلت من نجيب محفوظ فيلسوفاً وأديباً كبيراً، وهو لم يتوانَ يوماً عن التعبير الحرّ عن أفكاره، وخصوصاً الوجودية منها، فكاد يدفع حياته ثمناً لصدقيّة التزامه التفكّري، وعدم تراجعه مطلقاً عن مبادئه وقدسيّة حريته.

.. ونصل بعد الفلسفة والرواية والأدب لدى مفكّرينا الأربعة حيث حفرت الوجودية عميقاً في مؤلّفاتهم، وطبعت حتى تفاصيل حياتهم.. إلى  الشعر الوجودي، مع ثلاثة شعراء خرجت فلسفتهم الوجودية من بين أبيات أشعارهم، فأسرت ولا زالت تأسر جيلاً كاملاً ممّن يتحسّسون الفلسفة بين سطور الشعر.

  1. إيليا أبو ماضي (1889-1957)

    إيليا أو ماضي، شاعر لبنانيّ من مواليد قرية “المحيدثة” المتنيّة المعروفة بجمال طبيعتها، وبكثرة مفكّريها وأعلامها. كان من أبرز شعراء المهجر، وأحد مؤسّسي “الرابطة القلمية” (وهي جمعية أدبية أسّسها أدباء مهاجرون لبنانيون وسوريون في نيويورك العام 1920). رحل إلى مصر العام 1902 بهدف التجارة مع عمّه. كان شغوفاً بالأدب وبحفظ الشعر ونظمه، وكانت أولى كتاباته في مجلّة “الزهور”. إضطر للهجرة إلى الولايات المتّحدة الأميركية العام 1912، بعدما طاردته السلطات المصرية لنظمه شعراً في موضوعاتٍ وطنيةٍ وسياسية. عمل في “المجلّة العربية”، وفي صحيفتيّ “الفتاة” و “مرآة الغرب”. أسّس مجلّة “السمير” العام 1929، ولم يعد إلى لبنان إلاّ العام 1948، حيث دُعي ليُكرّم في مهرجان الأونسكو. من أبرز أعماله: “تذكار الماضي” (الاسكندرية 1911) الذي ركّز فيه على مسألة الظلم والطغيان العثماني ضدّ بلاده، “ديوان إيليا أبو ماضي” (نيويورك 1918) حيث تعمّق في موضوعات الفلسفة والحبّ والتأمّل والوطن والطبيعة في إطارٍ حالمٍ وثائرٍ، “الجداول” (نيويورك 1927) وفيه قصائد فلسفية وجودية وإنسانية، “الخمائل” (نيويورك 1940)، وتضمّن دعوةً إلى التفاؤل بالحياة، “تبر وتراب” (1960)، وقد طُبع بعد وفاته.

وصفه من عرفه بأنه واقعيّ ومتفائل في آن، لكن كانت تعتمره كآبة تمظهرت في بعض أشعاره التي أسقط بين سطورها وطيّ معاني مفرداتها تساؤلات وشكّاً وقلقاً حول الوجود. والواضح أنّ الشاعر عاش قلقاً وجودياً، لم يترجمه كما فعل المنتسبون إلى المذاهب الفلسفة الوجودية، بل عبّر عنه من خلال أبياته الشعرية الزاخرة بالأفكار الوجودية، ضمن إطار “الأدب الوجودي”.

ولا شكّ في أنّ قصيدة “الطلاسم” التي تضمّنها القسم الثالث من ديوان “الجداول” كانت التعبير الأكثر عمقاً عن قلقه الوجودي إزاء أسرار الحياة والموت، وال “ما قبل” وال “ما بعد”، وقد تضمّنت أسئلةً وجوديةً حول الماورائيات والقدر والحتميّة وأسرار الكون والطبيعة ومصير الانسان… عبر موضوعات عدّة طرحها  كالبحر والدير والمقابر والقصور والأكواخ… من هنا، سنتطرّق إلى محتوى هذه القصيدة لنتلمّس فيها سحر الفلسفة الوجودية.

بدايةً، كلمة “طلاسم” مفردها “طلسم” أي اللغز، وهي تعني الأمور المبهمة. وتقع هذه القصيدة في واحدٍ وسبعين مقطعاً، حيث تتوالد الأفكار معبّرة عن حالة اللاأدرية فلسفياً، وذلك لوجود حقائق لا سبيل إلى معرفتها. واللاأدرية توجّه فلسفيّ بدأ لدى القدماء من الفلاسفة، وهو ينفي إمكان تحديد القيم الحقيقية للأمور الغيبية. وتُطلق اللاأدرية، عند المحدثين، على “إنكار قيمة العقل، وقدرته على المعرفة، أو على إنكار معرفة المطلق”]34 [  ، كما يرى عالِم الأحياء والأنتروبولوجيا الانكليزي هكسلي Thomas Henry Huxley (1825-1895)، “أو على القول ببطلان علم ما بعد الطبيعة، فإذا عرضت على أحد اللاأدريين مسألةً من مسائل هذا العلم، لم يتكلّم عليها بنفيٍ أو إثبات، بل توقّف عن الحكم فيها، لاعتقاده أنها لا تقبل الحلّ.”]35إ [

هكذا كان الأمر في قصيدة “الطلاسم” لشاعرنا، حيث سنعمد إلى عرض بعضٍ من مقاطعها المبنيّة على الشكّ الوجوديّ، وتحليل كلّ مقطعٍ على حدة.

قصيدة الطلاسم

جئت، لا أعلم من أين، ولكنّي أتَيت

ولقد أبصرتُ قدّامي طريقاً فمشَيت

وسأبقى ماشياً إن شئتُ هذا أم أبَيت

كيف جئتُ؟ كيف أبصرتُ طريقي؟

لستُ أدري!

أسئلة وجودية حول النشأة والخلق: الطريق مرسوم، الوجهة مجهولة، وحرية الاختيار معدومة. من أين جاء إلى هذه الحياة؟ إلاّ أنه جاء على أيّة حال، وسيستمرّ سائراً إن أراد ذلك أم لم يرد.. كيف حدث الأمر؟… هو ليس يدري!

أجديدٌ أم قديمٌ أنا في هذا الوجود

هل أنا حرّ طليقٌ أم أسير في قيود

هل أنا قائد نفسي في حياتي أم مقود

أتمنّى أنني أدري ولكن…

لستُ أدري!

هنا، يطرح أبو ماضي مسألة النفس الانسانية: هل هذه إطلالتها الأولى على الحياة، أم أنها كانت موجودةً سابقاً؟ هل هو الخلق أم التقمّص والعودات المتكرّرة؟ وهل صاحب هذه النفس حرّ أم مقيّد، مخيّر أم مسيّر؟… هو ليس يدري!

وطريقي، ما طريقي؟ أطويل أم قصير؟

هل أنا أصعد أم أهبط فيه وأغور

أأنا السائر في الدرب أم الدرب يسير

أم كلانا واقف والدهر يجري؟

لست أدري!

تساؤل وجوديّ مشروع حول طريق الانسان في الحياة. قد أموت طفلاً، أو شابّاً، أو مسنّاً. قد أصعد إلى أعلى القمم وأعتلي أهمّ المراكز، وقد يحدث العكس، فأغور تائهاً في هذا الطريق. هل أنا “المتحرّك” في هذا الدرب أم “الجامد”، والدرب هو الذي يسير؟ وهنا نستحضر مع أبي ماضي فكر كلّ من الفيلسوفَين الاغريقيَين هيراقليطس Héraclite (نحو 540- 480 ق.م.) وبارمنيدس Parménide (نحو 515- نحو 450 ق.م.). “فلا تستطيع أن تغتسل في مياه النهر الواحد مرّتَين، لأنّ مياهاً جديدة تجري دائماً عليك” مع الأوّل، ومع الثاني، إنكار للحركة والتغيّر. وقد تخطّاهما شاعرنا ليقول: ربّما كلانا واقف والدهر هو الذي يجري … وفي الواقع، هو ليس يدري!

وعن البحر قال:

فيك مثلي أيّها الجبّار أصداف ورمل

إنّما أنت بلا ظلّ ولي في الأرض ظلّ

إنّما أنت بلا عقل ولي، يا بحر، عقل

فلماذا، يا ترى، أمضي وتبقى؟..

لست أدري!

كم من البشر رحلوا عن الحياة أو رُحّلوا.. وبقي البحر، ذلك الجبّار الذي لا يملك ما أملكه أنا من ظلّ لشخصي ومن عقلٍ لوعيي.. ومع ذلك، هو يبقى كما كان، وأنا تنتهي رحلتي في الحياة وأغادر. فهل القيمة لمن يبقى أم لمن يمضي؟… هو ليس يدري!

وبعد أبياتٍ كثيرةٍ تمسّ الوجود في عمق كيانيّته، أنهى أبو ماضي قصيدته بالمقطَعَين الآتيّين:

أنا لا أذكر شيئاً من حياتي الماضية

أنا لا أعرف شيئاً من حياتي الآتية

لي ذات غير أنّي لست لأدري ماهية

فمتى تعرف ذاتي كنه ذاتي؟

لست أدري!

 

إنّني جئت وأمضي وأنا لا أعلم

أنا لغز… وذهابي كمجيئي طلسم

والذي أوجد هذا اللغز لغز أعظم

لا تجادل ذا الحجا من قال إنّي…

لست أدري!]36 [

في الأبيات تكرار بأنّ الانسان لم يأتِ إلى الحياة للمرّة الأولى، وهو نسيها بكلّ تفاصيلها، ولن يكون موته نهايةً محتّمةً، بل ربّما بداية جديدة، لكنها غامضة بالنسبة إليه. أنا ذات لا تدرك في العمق ذاتها، كما اعتبر.. أنا لغز “أوجده” لغز يفوقني قدرةً وعظمة.. (مع التشديد على اختيار فعل “أوجد” بدلاً من “خلق”)، أنا موجود، “نعم”، لكنّ الطلاسم تملأ وجودي، تؤرقه وتقلقه إلى ما لا نهاية.. إذاً أنا لست أدري!!

متأرجحاً بين الشكّ واليقين، في كنف لاأدريةٍ شعريةٍ / فلسفية.. تعرّض أبو ماضي للنقد واتّهم بالالحاد. إلاّ أنّ الأسئلة الأنطولوجية التي طرحها، لا سيّما في قصيدته المذكورة، هي أسئلة طبيعية ومشروعة، قد يعبّر عنها البعض في جرأةٍ، وقد يخبّئها البعض الآخر في قرارة نفسه، توجّساً من إطلاق الأحكام السلبيّة في حقّه، لكنها، في جميع الأحوال، تهدف إلى التعبير عن حالة الضياع في سرّ الوجود المختلط بالعدم. فقد “ماج تيّار وجوده بوجوده لأنه لمّا نظر لوجوده، رأى أنّ هناك ألف جهةٍ وجهة، فهو وجود، ولا يصدر من اللاشيء شيء، وأنه حادث والحادث مسبوق بالعدم، فإذا كان لوجوده اقتضاء أن يوجد بذاته، فلماذا لم يكن موجوداً قبل ذلك؟”]37 [

إيليا أبو ماضي.. الحالم والعقلاني، المتشائم والمتفائل، الباحث في الميتافيزيقيا والواقعي.. إستطاع أن يجسّد في أنغام أشعاره فلسفةً وجوديةً لا ولن تشبه  حتماً سواها!!

  1. صلاح عبد الصبور (1931-1981)

  شاعر مصري، ولد في مدينة الزقازيق. يُعتبر من روّاد الشعر العربي الحرّ والحداثة العربية. درس اللغة العربية في كلّية الآداب، في جامعة القاهرة العام 1947، وفيها تتلمذ على يد الشيخ أمين الخولي (1895-1966)، الذي كان أديباً ومناضلاً في ثورة العام 1919. وعمل في التدريس والصحافة.

تأثّر عبد الصبور بالشاعر والناقد الفنّي الفرنسي بودلير Charles Baudelaire (1821-1867)، وبالشاعر النمساوي ريلكه Rainer Maria Rilke (1875-1926) (الذي شدّد في أشعاره على مفهوميّ العزلة والقلق العميق)، وكذلك بالشاعر الانكليزي كيتس John Keats (1795-1821). من مؤلّفاته الشعرية: “الناس في بلادي” (1957)، “أقول لكم “(1961)، “تأمّلات في زمنٍ جريح” (1970).. إضافةً إلى مسرحيّاته الشعرية وما كتب من نثريات.

وكانت الوجودية حاضرةً بقوةٍ في غالبيّة كتاباته، إذ اعتبر حياة الانسان مسألةً وجودية أساسية، تسعى كلّ ذاتٍ إلى محاولة سبر أغوارها وفكّ رموزها، ولا سيّما منها تلك المتعلّقة بالموت… ذلك الموت الذي رأى فيه حقيقةً ملازمة للانسان، ترافقه منذ الولادة، وعليه أن يتعايش معها في كلّ خطوات حياته، فلا تشكّل لديه هاجساً أو اضطراباً، وعليها ألاّ توقعه في الحزن والكآبة والنزعة التشاؤميّة.

حياة الانسان فوق التراب، وجسده بعد الموت تحت التراب: حقيقة وجودية لا مفرّ منها.. كان قوياً، حالماً، وطموحاً في الحياة، وبعد الموت سيغدو جثّةً هامدة، وسيمضي إلى غروبه مستسلماً، كما جاء في قصيدته: “الملك لك”:

“وفي حفرةٍ من حفار الطريق

وهبناه للأرض باسم النبي

وجاء رجال، رجال غلاظ

ودقّوا الحديد على قبره

حديد الطريق

أواحدتي… فكرة طوفت رأسي ذاك المساء السحيق

أكان يدقّ صليب الحديد؟

على رأسه

يوم كان قوياً تضجّ الحياة بشريانه، ويفوح العرق

لو الأرض لم تزدرده إليها، أكان الحديد عليه يدقّ…؟

ومن موته انبثقت صحوتي

وأدركت يا فتنتي أنّنا

كبار على الأرض لا تحتها

كهذا الرجل.”]38[

لكن، وفي مقابل هذا التسليم بحقيقة الموت، وبوجوب التقليل من العبث والحزن، لم يتوانَ عبد الصبور عن ذكر أوجاع الحياة التي تؤدّي لدى الكثيرين إلى مأساةٍ، يعيشونها أو يثورون ضدّها. وهذا ما حداه إلى التوجّه إلى الله في قصيدة “مذكّرات بشر الحافي” بالقول: فأين الموت؟ أين الموت؟ أين الموت؟… هي صرخة موجعة لشاعرٍ وجوديّ غلبته الكآبة على رغم محاولته الحثيثة للتفلّت من أغلالها.

  1. عبد الوهاب البيّاتي (1926-1999)

  شاعر وأديب عراقي، ولد في بغداد. تخصّص في اللغة العربية وآدابها، وعمل مدرّساً، ثمّ صحافياً بدءاً من العام 1954 في “مجلّة الثقافة الجديدة” قبل أن تُغلق. إعتُقل بسبب مواقفه الوطنية، وغادر بلاده بعد ذلك متوجّهاً إلى سوريا، فلبنان ومصر.

أخذته الصحافة مرّةً أخرى إلى صحيفة “الجمهورية” في القاهرة. زار الاتّحاد السوفياتي سابقاً بين العامَين 1959 و 1964، ودرّس في جامعة موسكو. بين العامَين 1980 و 1989، أقام في إسبانيا، وتُرجمت دواوين شعره إلى اللغة الاسبانية.

من أبرز أعماله: “ديوان ملائكة وشياطين” (1950)، “أباريق مهمّشة” (1954)، “أشعار في المنفى” (1957)، “كلمات لا تموت” (1960)، “طريق الحرية” (باللغة الروسية) (1962)، “الموت في الحياة” (1968)، “عيون الكلاب الميتة” (1969)، “قصائد حبّ على بوّابات العالم السبع” (1971)… إضافةً إلى أعمالٍ أخرى كثيرة، حيث الشعر مجدول على الواقع والوجود، وحيث مسألة الموت حاضرة أبداً لتطرح تساؤلاته الميتافيزيقية.

لم يكتب البيّاتي أشعاراً نمطية، لأنه آمن بأنّ للشعر دوراً أنطولوجياً يساعد الانسان على إدراك حقيقة الوجود. فأتى طرحه الأسئلة الوجودية في غالبيّة قصائده، وكنا نلمس في البعض منها امتزاجاً لتوجّهَيه الماركسي والوجودي. إلاّ أنّ ثنائية الحياة والموت كانت هي الطاغية على مفرداته المؤثّرة، فكتب في قصيدة “الموتى لا ينامون”:

“عائشة ماتت، وها هي سفينة الموتى بلا شراع

تحطّمت على صخور شاطئ الضياع

قالت، ومدّت يدها: الوداع…

عائشة ماتت. ولكني أراها تزرع الحديقة

فراشة طليقة.”]39[

في هذه الأبيات، تعانق مفهوم “الموت” مع مفهوميّ “الضياع والوداع”، المعطوفَين على استمرارية النفس بعد الرحيل. سفينة الموتى ستقود الجميع! إنها جدليّة الحياة والنَفَس الأخير فيها، وهي جدلية تعانق ما كتبه البيّاتي في قصيدة “مسافر بلا حقائب”:

“من لا مكان

لا وجه، لا تاريخ لي، من لا مكان

تحت السماء، وفي عويل الريح أسمعها تنادي: تعال!…

في داخلي نفسي تموت، بلا رجاء

وأنا آلاف السنين

متثائب، ضجر، حزين

سأكون! لا جدوى، سأبقى دائماً من لا مكان

لا وجه لا تاريخ لي، من لا مكان.”]40[

اللامكان، واللاوجه، واللاتاريخ.. في رحلةٍ نحو عالمٍ لا يحتاج صاحبها إلى حقائب! إنه الموت الذي ينتشل النفس من الجسد، ليُلقي بها في حزنٍ أبديّ.

خاتمة

  إنكساروضياع بعد الحربَين العالميّتَين المدمّرَتَين، التمرّد على الكنيسة في سيطرتها على حياة الفرد، إنبعاث تقدّم علميّ هائل، وانطلاقة الحداثة في طريقة تفكير الأفراد وأساليب حياتهم… عوامل شكّلت ظروفاً مهّدت لنشأة الفلسفة الوجودية. فكان الفلاسفة الذين وسموا وجوديّتهم بإيمانهم، وأولئك الذين ابتعدوا بها ومن خلالها عن الايمان، على رغم استمرار مبدأ “الوجود الذي يسبق الماهية” نقطة التقائهم.

وقد تألّقت هذه الوجودية مع سارتر كما عرضنا لها في فلسفته، ولاقت أصداء مهمّة لدى عددٍ من المفكّرين والأدباء والشعراء في العالم العربيّ، والذين اخترنا منهم سبعةً لتبيان الأثر العميق للفلسفة الوجودية في كافة أنواع المعرفة والكتابة والمنهجية المتّبعة.

وجود، جوهر، كينونة، زمان، عدم، قلق، حرية، ذاتية… أليست هذه المصطلحات الفلسفية التي ما زالت تؤرق الانسان، وتشعل في نفسه تساؤلاتٍ ميتافيزيقيةٍ متناسلة؟ أليست هي ما تدفعه إلى مساءلةٍ متواصلةٍ لذاته ولما حوله، كما كان يفعل سارتر، على حدّ تعبير دو بوفوار؟!

أليس تحويل القلق الوجودي إلى وعيٍ للانسان بذاته، وبحرية قراراته واختياراته، إنتفاضةً في وجه الاذعان في حياةٍ مليئةٍ بالمطبّات والتجارب المريرة؟!

أليست الوجودية بحقّ تمرّداً صارخاً في وجه حالات القهر والاستلاب في زمنٍ ترتفع فيه شعارات واهية للحرية فيما شعوب الأرض، في غالبيّتها، مرتَهنة ومستعبَدة؟!

المراجع

]1[ – جميل صليبا، المعجم الفلسفي، بالألفاظ العربية والفرنسية والانكليزية واللاتينية، الجزء الثاني، دار الكتاب اللبناني، بيروت، لبنان، 1982، ص. 565.

]2[ – Jean-Paul Sartre, L’être et le néant, essai d’ontologie phénoménologique, Coll.TEL, Ed. Gallimard, 1943, p.34.

]3[ – Ibid, p.33-34.

]4[ – Ibid, p.34.

]5[ – Ibid, p.111.

]6[ – Ibid, p.265.

]7[ – Jean-Paul Sartre, L’Existentialisme est un humanisme, Coll. Pensées, Ed. Nagel, Paris, 1970, p.21.

]8[ – Ibid, p.37.

]9[ – Ibid, p.21.

]10[ – Ibid, p.10.

]11[ – Ibid, p.11.

]12[ – Ibid, p.12.

]13[ – ريتا دبابنة، الفلسفة الوجودية بين اللامعنى والحرية المطلقة، قناة ومنصّة المشهد، almashhad.com ، 11 يناير 2023.

]14[ – مشير باسيل عون، في الفرق بين وجودانية هايدغر ووجودية سارتر، نظرات فلسفية، Philosophical insights ، 9 آب 2023.

]15[ – المرجع نفسه.

]16[ – جان- بول سارتر، الوجودية مذهب إنساني، ترجمة عبد المنعم الحفني، مطبعة الدار المصرية، القاهرة، 1964، ص. 43-44.

]17[ – عبد الرحمن بدوي، سيرة حياتي، المؤسّسة العربية للدراسات والنشر، الطبعة الأولى، بيروت، ص. 32.

]18[ – عبد الرحمن بدوي، الزمان الوجودي، مكتبة النهضة المصرية، الطبعة الثانية، القاهرة، 1955، ص. 1.

]19[ – Jean-Paul Sartre, L’être et le néant, op.cit., p.348.

]20[ – أنس ناصيف، في وجودية عبد الرحمن بدوي ونقد الجابري لها: ماهية العدم ومركزية الزمان، academia-arabia.com .

]21[ – المرجع نفسه.

]22[ – المرجع نفسه.

]23[ – علي حسين، أنا أختار إذن أنا موجود، جريدة المدى، Al-Mada Reading Club/ Kurdistan ، 17 شباط 2020.

]24[ – خليل برويني وآخرون، الحرية الوجودية في الرواية العربية المعاصرة: دراسة في “أصابعنا التي تحترق” لسهيل إدريس، SID ، إضاءات نقدية (فصلية محكّمة)، السنة الخامسة، العدد التاسع عشر، أيلول 2015.

]25[ – رفيق رضا صيداوي، سهيل إدريس .. إبن “الخندق الغميق”، صحيفة “النهار”، بانوراما الصحافة، بيروت، بيروت، الثلاثاء، 26/02/2008 ، من موقع “صحيفة العرب”، alarab.co.uk. .

]26[ – المرجع نفسه.

]27[ – جان فال، “من تاريخ الوجودية”، ترجمة فؤاد كامل، مجلّة “المجلّة”، العدد 31، ص. 56-67.

]28[ – تهاني سنديان، مطاع صفدي… مفكّراً فلسفياً مفارقاً، مؤسّسة الفكر العربي، Aleph-lam.com ، 13/04/2024.

]29[ – المرجع نفسه.

]30[ – مطاع صفدي فيلسوف الجيل الذهبي، المجلّة العربية، arabicmagazine.net ، 28/06/2016.

]31[ – جان-بول سارتر، الغثيان، ترجمة سهيل إدريس، دار الآداب، 2004، ص. 181. 

]32[ – نجيب محفوظ، الشحّاذ، مطبوعات مكتبة مصر، الطبعة السابعة، 1982، ص. 8.

]33[جان-بول سارتر، الغثيان، مرجع مذكور، ص. 243.

]34[ – جميل صليبا، المعجم الفلسفي، مرجع مذكور، ص. 258.

]35[ – المرجع نفسه.

]36[ – تجد القصيدة كاملةً في المرجع الآتي: الطلاسم .. قصيدة إيليا أبو ماضي،  Kataba.1 wordpress.com.

]37[ – أحمد الشيخ عبد الحميد السماري، مع إيليا أبي ماضي في طلاسمه، شبكة كتب الشيعة، 1968، ص. 11.

]38[ – ديوان صلاح عبد الصبور، دار العودة، بيروت، 1986، ص. 457.

]39[ – عبد الوهاب البيّاتي، الأعمال الشعرية، المؤسّسة العربية للدراسات والنشر، 1995، ص. 71-72.

]40[ – عبد الوهاب البيّاتي، مسافر بلا حقائب، الديوان، aldiwan.net.

    اقرأ ايضا

    المزيد من المقالات

    مقالك الخاص

    شــارك وأثــر فـي النقــاش

    شــارك رأيــك الخــاص فـي المقــالات وأضــف قيمــة للنقــاش، حيــث يمكنــك المشاركــة والتفاعــل مــع المــواد المطروحـــة وتبـــادل وجهـــات النظـــر مــع الآخريــن.

    error Please select a file first cancel
    description |
    delete
    Asset 1

    error Please select a file first cancel
    description |
    delete