الوظيفة التواصلية للكتب المقدسة وضرورة تبني الرمز بوصفه أحد مفردات اللغة الدينية

مُلخص

تدور الدراسة حول اللغة الدينية وهو مبحث جديد داخل مباحث الفلسفة؛ ويعد وليداً بين فلسفة اللغة وفلسفة الدين يستقي من كلٍ منهما، وتدور تساؤلاته الرئيسة حول إمكانية تطبيق مفاهيمنا على الطبيعة الإلهية، وتأثير تصوراتنا عن الإله في العوامل الثقافية أو التحيزات الضارة([1])، ويشتغل مبحث اللغة الدينية على  الجمل التي تفترض كيانًا دينيًا كالله أو صفة دينية كالقداسة، ومدى عمل هذه الجمل داخل الذهن الإيماني، ومدى التزامها اللفظي والحرفي بمفرداتها([2]). وتُعنى الدراسة بإشكالية تطابق المفاهيم الإنسانية على الطبيعة الإلهية، ومدى اتساق الكتب المقدسة مع العقل العلمي المعاصر، وإلى أي مدى تصدق الإحالة/ الرَدِّيّة في اللغة الدينية. وتعمل الدراسة من مدخل لساني على توضيح البعد الرمزي في اللغة الدينية، عبر إبراز البعد التواصلي للنصوص المقدسة وإعلانها عن نفسها كرسالات/ خطابات من اللامتناهي (الله) إلى المتناهي (الإنسان)، وما يفترضه من التزام اللامتناهي بتقديم نفسه في إطار المتناهي، وهذا الالتزام لا يعني مطابقة مفاهيم المتناهي على اللامتناهي بقدر ما يعني أن هذه الصورة الممكنة للمتناهي والنسبي أن يفهم بها اللامتناهي.

وتأتي الدراسة حاملة أربعة عناصر تنتقل من واحد للأخر العنصر الأول: البعد التواصلي للكتب المقدسة؛ من خلال المناهج اللسانية يتم توضيح الوظيفة التواصلية للخطاب، ومن خلال المنهج التحليلي الاستقرائي يوضح العنصر الدور التواصلي للكتب المقدسة. ويحمل العنصر الثاني عنوان: الرمز بوصفه أحد مفردات اللغة الدينية؛ وعبر دراسة الزمان والأزل لولتر ستيس يتم توضيح ضرورة الرمز بوصفه أداة يتم التعبير من خلالها عن اللامتناهي في مفردات وتصور المتناهي، وهو ما يعبر عنه ولتر ستيس حضور الأزلي في الزماني، ومن خلال اتفاق الفيلسوف الألماني بول تيليش والفيلسوف الفرنسي بول ريكور معه. والعنصر الثالث الذي عنوانه: الرمز والمرموز إليه؛ من خلال دراسة ستيس يتم توضيح اقتراب الرمز للتصور المتناهي له أكثر من اقترابه من الطبيعة الإلهية المرموز إلهيا، وذلك لما اعتادت عليه الكتابات المقدسة من وصف هذه الطبيعة بنفي كافة التصورات عنها. كما يتم تسليط الضوء على مقترح الفيلسوف الإنجليزي أنتوني كيني الذي يسمه باللارَدِّيّةِ؛ وهي تعني عدم قابلية المفردات الدينية للإحالة إلى شيء يحكم بصدقها وذلك لما تعرفه اللغة الدينية من الرمزية التي تجعل الإحالة غير ممكنه من ناحية، ومن ناحية أخرى أن اللغة الدينية تنطلق من التسليم بصدق هذه المقولات وليست في حاجة للبرهنة عليها، كما يتم توضيح دور اللاتحديد الإلهي في عدم تطابقه مع المرموز إليه. ويأتي العنصر الرابع والأخير بعنوان: في بناء الرمز؛ ويوضح مدى خضوع الرمز في بنائه لمقومات وشروط البيئة الخطابة، كما يشير إلى تكوينات الرمز وهما: القصة والاستعارة، وضرورة وجودهما في اللغة الدينية ودور كل منهما.

الكلمات المفتاحية: اللغة الدينية – الرمز – الكتب المقدسة – الوظيفة التواصلية

 

مدخل

إذا انطلقنا من اعتبار اللغة “بنية تمثيلية معرفية في أذهان المتكلمين”([3]) كما يقدمها محمد غاليم، فهذا يعني أنها تمثل ما هو أكبر من الإشارة إلى الأشياء، فهي تعد الصورة التي يستطيع أن يقدم فيها الفكر نفسه، والتي من خلالها يمكن أن نفهم كيفية عمل ذهن المتكلم وفكره. من هنا تأتي الدراسة المقدمة لدراسة اللغة الدينة؛ باعتبارها بنية معرفية في أذهان المتكلمين تتجاوز المعنى اللفظي لها؛ فعبارة (الله موجود) حسب اللغة الدينية لا تحمل خبرًا عن الوجود الإلهي فقط، بل إنها تعطي تمثيلا ذهنيًا وشعوريًا لوجود مفارق حاضر دائما إلى جوار الفرد في حالات العجز، والاحتياج، والحزن، والفرح، وما إلى ذلك. وترتكز الدراسة على البعد التواصلي للكتب المقدسة وما يفترضه من حضور للمتلقي في هذه النصوص؛ حيث إنه يمثل غاية هذه النصوص وعليها أن تلتزم بمدركاته ومفرداته الخطابية وأفقه المعرفي. ومن خلال ما تمثله الكتب المقدسة من خطابًا تواصليًا بين اللامتناهي والمتناهي/ الله والإنسان، بالنسبة للنسق الإيماني، يأتي طرح الرمز بوصفه أحد مفردات اللغة الدينية وهو ما تقدمه الدراسة من زاوية البعد التواصلي، استنادا إلى الفائض الدلالي الذي يحمله الرمز من جهة، حيث يعد مفردة جيدة للتواصل -خاصة التواصل الروحي/ الإيماني- لما يعطيه من إمكانية إسقاط الفرد لرغباته على الرمز أكثر مما يؤطر له الرمز ويوجهه. ومن جهة أخرى لما يعطيه من إتاحة المساحة للتنزيه الإلهي داخل النسق الإيماني، الذي يجعل أي صفة غير مطابقة له، ولا يمكن وصفه بغير النفي وابعاد الصفات والتصور عنه؛ لذا فيكون التعبير عنها رمزيًا هو شكل التعبير المرضي للذهن الإيماني.

وإذا كان الذهن الإيماني يصر على تنزيه وتعالي اللامتناهي (الله) وعدم قابليته للتصور، فإن الرمز هنا الذي يخبر عنه لا يكون مشابها له بقدر ما يكون صورة تقريبية يقبلها العقل الإنساني التصوري الاستدلالي عنه؛ فالرمز هنا لا يشير إلى المرموز إليه بقدر ما يعطي مساحة للمستقبل بصياغة المرموز إليه حسب احتياجه. ويتكون الرمز من البيئة المعنية بالخطاب كونه ملزم بشروط إنتاج المعنى داخلها حسب مهمته التواصلية، لذا يتكون الرمز في اللغة الدينية من مكونين أساسين هما القصة والاستعارة، وتعد القصة المكون الأول؛ وذلك لما تعنيه من إمكانية مفتوحة على القراءة، كما أنها تأتي لتقدم قصدية يرغب فيها الخطاب من المُخاطب، وما يستلزمه هذا من قوة إقناع قد تعز على اللغة التنظيرية للطابع الإيماني المؤبد الذي تقدم به النصوص المقدسة نفسها، فالقصة تعرف القراءة المتجددة على الدوام خلاف التنظير. وتعبر الاستعارة عن المكون الثاني للرمز في اللغة الدينية، فالاستعارة جزء من البنية التكوينية للوعي الإنساني، كما انها تحضر حين يعز التعبير الحرفي، فعادة ما تشير إلى ما هو أوسع ومجاوز للتعبير الحرفي، والتعبير الحرفي يمثل جزء منها، ولكنها لا تقف عنده، بل تتجاوزه. وعليه فالدور التواصلي بين اللامتناهي والمتناهي الذي تقدم به الكتب المقدسة نفسها، يستدعي تبني الرمز بالمكونين الأساسيين له (القصة والاستعارة) في بنيته الخطابية.

أولًا: البعد التواصلي للكتب المقدسة.

تعد وظيفة فعل التكلم الأساسية هي التواصل؛ فكل كلام يحمل شيئا ما يرغب أحد طرفي الفعل الكلامي في وصوله إلى الآخر، وتلعب الكلمة في هذا الحدث دور الوسيط بين الطرفين وتعمل على حمل المعنى من الطرف المتكلم إلى المستمع، وليست هي المعنى في ذاته على كل حال، ونجد لهذا أثرًا في محاورة كرتيليوس لأفلاطون فيقول: “سقراط: إذن فالاسم ألة التعليم والتمييز بين طبائع الأشياء، تماما كما يميز المكوك خيوط النسيج”([4]) فالكلمة ليست الشيء نفسه أو المعنى حسب ما يذكر أفلاطون ويظهر هذا جليا فيما بعد في هذه المحاورة، بيد أنها الصورة التي تم الاتفاق عليها لتوصيل المعنى أو للتعبير عن الشيء([5]). ويساند الواقع والذهن الإنساني نظرية أفلاطون حول الكلمة باعتبارها أداة الاتصال بين البشر ورسول المعنى فيما بينهم، فثمة معنى يتم استنباطه من الكلمة التي تم الاصطلاح عليها من قبل السامع، وهو في الوقت عينه في ذهن المتكلم، ويكون الاتفاق على هذا المعنى شبه قائم عرفيا بين الأذهان، ويعد هذا الاتفاق متوارث بيئيا، حيث تورث كل بيئة لقاطنيها والمولودين فيها مجموعة من الكلمات تم الاصطلاح عليها لتشير إلى الأشياء والمعاني.

وللفيلسوف الإنجليزي بول جرايس Paul Grice (1913-1988) نظرية يطلق عليها قصد المتكلم theory of speaker’s meaning مفادها أن للفعل الكلامي غاية وهي توصيل قصد المتكلم إلى المستمع، ولا يتم التواصل إلا إذا وصل هذا القصد ويكون للفعل الكلامي دوره وغايته([6]). ومن خلال هذه النظرية يستنتج الفيلسوف الفرنسي المعاصر فرانسوا ريكاناتي Francois Recanati (1952) أن عملية التواصل في هذا الحين تشترط أن يكون “المكان والزمان مكونان لمضمون القول”([7]) كي يشترك طرفي الحدث الكلامي في الأفق الدلالي، ويشتركا في الخلفية المعرفية ليتم التواصل، أو لنقل على الأقل أن يكون المستمع عارفا بالخلفية المعرفية للمتكلم كي يتمكن من فهم قصد المتكلم([8])، فاستنتاج المعنى يستلزم الاشتراك في الفضاء الدلالي.

كذا فإن أي حدث كلامي له غاية يسعى من خلال الكلام الشفهي أو الخطاب المخطوط أن يوصلها إل الطرف الآخر، وإلا كان فارغًا من مضمونه غير ذي قيمة، وهذا البعد التواصلي يشترط وضع الخلفية المعرفية والعرفية للمستمع في الحسبان عند صياغة الكلمات أو كتابة الخطاب من قبل المتكَلِم/ المخاطِب، أو العكس ليكون المستمع على علم بالخلفية المعرفية والعرفية للمتكلم/ المخاطِب، كي يتمكن من فهم ما يقصده. وتعلن الكتابات المقدسة عن نفسها في شكل خطابي؛ فتقدم نفسها في صورة خطابٍ أو بلاغ للناس يحمله رسول منهم عن الله يطالبهم بالإيمان به ويحفزهم على احترام الإنسانية عادة ويسعى لوجود نوع من الاتزان الاجتماعي داخل هذه الجماعة عبر سن بعض الشرائع، ففي اليهودية نجد في سفر الخروج الإصحاح الثالث (موسى والعليقة): ” إِنِّي قَدْ رَأَيْتُ مَذَلَّةَ شَعْبِي الَّذِي فِي مِصْرَ وَسَمِعْتُ صُرَاخَهُمْ مِنْ أَجْلِ مُسَخِّرِيهِمْ. إِنِّي عَلِمْتُ أَوْجَاعَهُمْ، فَنَزَلْتُ لأُنْقِذَهُمْ مِنْ أَيْدِي الْمِصْرِيِّينَ،… وَالآنَ هُوَذَا صُرَاخُ بَنِي إِسْرَائِيلَ قَدْ أَتَى إِلَيَّ، وَرَأَيْتُ أَيْضًا الضِّيقَةَ الَّتِي يُضَايِقُهُمْ بِهَا الْمِصْرِيُّونَ، فَالآنَ هَلُمَّ فَأُرْسِلُكَ إِلَى فِرْعَوْنَ، وَتُخْرِجُ شَعْبِي بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ مِصْرَ”، والمسيحية تذكر في العهد الجديد: “لِأَنْ هَكَذَا أَوْصَانَا ٱلرَّبُّ: قَدْ أَقَمْتُكَ نُورًا لِلْأُمَمِ، لِتَكُونَ أَنْتَ خَلَاصًا إِلَى أَقْصَى ٱلْأَرْضِ. )أَعْمَالُ ٱلرُّسُلِ ١٣:‏٤٧(” كما نجد أيضا “وَلَكِنَّنِي لَسْتُ أَحْتَسِبُ لِشَيْءٍ، وَلَا نَفْسِي ثَمِينَةٌ عِنْدِي، حَتَّى أُتَمِّمَ بِفَرَحٍ سَعْيِي وَٱلْخِدْمَةَ ٱلَّتِي أَخَذْتُهَا مِنَ ٱلرَّبِّ يَسُوعَ، لِأَشْهَدَ بِبِشَارَةِ نِعْمَةِ ٱللهِ) .أَعْمَالُ ٱلرُّسُلِ ٢٠:‏٢٤)” وفي الإسلام فإن القرآن يلح على هذا الأمر حيث يقول: ” وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ” (الأنبياء 107) وفي موضع آخر ” وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَاحْذَرُوا ۚ فَإِن تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّمَا عَلَىٰ رَسُولِنَا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ” (المائدة 92) ويزداد إصراره على البلاغ في ورود عبارة ((البلاغ المبين)) سبع مرات ويحدد وظيفة النبي ﷺ في البلاغ المبين قائلا: ” فَإِن تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلَاغُ الْمُبِينُ” (النحل 82). وغيرها من الكتابات المقدسة بالنسبة لمعتنقيها التي جاءت تعلن نفسها كرسالات ربانية من الله اللامتناهي للبشر.

ويمثل إعلان الكتب المقدسة عن نفسها كرسالة إلهية للإنسان افتراضاً منطقيا وهو التزامها بقيود العقل الإنساني ومدركاته المحكومة بسياقه الزمني، أي أن للإنسان دور في بنائها حيث أنه مستقبِل لها ويحتم عليها هذا أن تراعي لغة استيعاب الإنسان ونسبيته الإدراكية، خاصة إذا كانت من كائن لا متناهي متعال حسب النسق الإيماني عادة، وإلا انتفت عنها وظيفتها التواصلية وأضحت غير ذي قيمة أو تأثير فعلي. ومن الزاوية اللسانية فثمة نظرية تسمى بـ((الافتراض المسبق)) مفادها؛ أن في ذهن المتكلم “ما يفترض صحته وصدقه قبل أن يصدر قولته”([9])، ويتأثر الافتراض المسبق بالسياق، فللمتكلم افتراضه المسبق الذي يحاول أن يقدمه في كلماته، وخير ما يعبر عنه في هذا السياق ما قاله المفكر المصري عبد الجواد ياسين (1976) “يأتي التصور، منطقيا، قبل الخطاب. كل خطاب مسبوق بتصور ذات”([10])، فالخطاب عادة ما يقدم إلى ذات تحمل في داخلها تكوين اجتماعي يكون تصوراتها ومفاهيمها ومفرداتها اللغوية؛ لذا على الخطاب الموجه لها أن يفترض مسبقًا تصوراتها ويضعها ضمن بنيته الخطابية ويصيغ الخطاب وفقا لهذه التصورات، وإلا كان غير ذي معنى أو سبب لوجوده.

وفي دراسة بعنوان ((نقد الخطاب الديني)) للمفكر والباحث المصري نصر حامد أبو زيد (1943-2010) يقول عن النص الديني والمقصود هنا القرآن “من الواقع تكوّن النص، ومن لغته وثقافته صيغت مفاهيمه”([11]) كما يقدم الباحث الأميركي المعاصر كلنتون بيلي Clinton Baily (1936) دراسة بعنوان ((ثقافة البدو في الكتاب المقدس)) يحاول فيها رصد وصف الكتاب المقدس (التوراة/ العهد القديم) للبدو وثقافتهم ويقول: “إن التوراة عندا تصف شخوصها الرئيسية المبكرة كرحل، فهي بذلك تزودنا بخصائص ثقافتهم الدنيوية والسلوك الاجتماعي”([12]) ويحاول في هذه الدراسة رصد حياة البدو وما جاء به النص التوراتي عنها، ليثبت الحضور الثقافي لحياة البدو في النص التوراتي، وهو ما يثبت تبنيها لهذه الثقافة ولغة أهلها كي تتمكن من الالتقاء بهم معرفيا والتواصل معهم. فحسب نظرية ميشيل فوكو Michel Foucault (1926-1984) عن الأفق الابستيمي/ المعرفي*، فليس بإمكان أي خطاب أن يتجاوز شروط انتاج المعنى داخل الافق الاجتماعي والتاريخي القائم، وهذا ما يفسر عبارة أبو زيد بأن النص تكون من الواقع، كما يفسر دافع دراسة بيلي ونتائجها، فإذا كان له أن يتجاوز شروط انتاج المعنى داخل هذا الافق المعرفي كان في حكم العدم، أو كالذي يحدث مجموعة لا تعرف غير العربية بأي لغة أخرى كالإنجليزية أو الألمانية.

ثانيًا: الرمز كأحد مفردات اللغة الدينية.

اذا كانت الكتابات المقدسة ذات بعدٍ تواصلي وتعلن عن نفسها كذلك فإن ذلك يفرض تساؤلًا عن كيفية هذا التواصل، خاصة أنه حسب النسق الإيماني يكون بين اللامتناهي واللامحدود (الله) مع المتناهي والمحدود (الإنسان) وحاول الفيلسوف الانجليزي ولتر ستيس  Walter Terence Stace(1886-1967) في كتابه ((الزمان والأزل)) أن يعالج هذه الأمر ويصرح ب: “إن كل كينونة إنما هي قيد، إن لم نقل بأن الوجود نفسه قيد. فليس وجودك سوى ارتباطك بما أنت كائنه، أو تقيدك بصميم كينونتك. وأما الدين فهو التعطش إلى اللاوجود الذي هو مع ذلك وجود!”([13]) فالذات الإنسانية مقيدة بعالم الوجود الإنساني وكائنة داخله والمعلومات تصلها فقط عبر الحواس الخمس([14])؛ إذن هي عاجزة عن تصور ما هو غير خاضع لهذه الحواس، وتصوراتها تتكون من خلال هذه الحواس، وفي حالة عجز عن تجاوز تصورتها مهما فعلت. ويرى ستيس أن الله/ اللامتناهي الديني “ليس له آخر. وبهذا المعنى لا يمكن لكل من المكان أو الزمان أن يكون لا متناهيا”([15])، تبعا لرؤيته للوجود كقيد ورؤيته للامتناهي كغير مُقيد أو مشروط، يرى أن الالتقاء/ النزول بين الأزلي والزماني يكون رمزيا، فـ “العلاقة القائمة بين الله والعالم، لا يمكن أن تُعد أكثر من مجرد مجازات واستعارات … بل ربما كانت له علاقة بالعالم يعجز العقل البشري عن تصورها.”([16])؛ لذا يقر ستيس بأن العقل الإنساني التصوري القائم على الاستدلال والتمييز المستعين بالحواس في بناء تصوراته لابد وأن يكون عاجزًا عن إدراك الحقيقة الإلهية([17])، فالحقيقة الإلهية عادة ما تأتي في صيغة نفي الصفات عنها وعدم قابليتها للتصور، ويعز على العقل الإنساني تصور ما لا يقبل التصور؛ لذا يحاول بناء تصور قريب منه، ولا يعني هذا التصور أبدا القبض التام على ما هو غير قابل للتصور أو الحصر بقدر ما يعني أنه محاولة لبناء صورة تقريبية ذاتية له، فالرمز (وهو لغة الخطاب الديني) حسب ستيس ليس مطابقا لم يعبر عنه، ولكنه يحمل شيئا من الصدق وشيئا من الكذب، والرمز الذي حظه من الكذب أقل يكون أقرب للتعبير أحيانا([18]).

ويتفق في هذه الناحية الفيلسوف الألماني بول تيليش Paul Tillich (1886-1966) مع ستيس، فيذكر تيليش صراحة بأن “اللغة الرمزية وحدها قادرة على عما هو أقصى”([19]) ويخص تيليش اللغة الدينية بهذا ويحدها كالآتي: “لغة الإيمان هي لغة رموز”([20]) ويتفق مع ستيس في أن الرمز هو أداة التعبير عن اللامتناهي للمتناهي، والرمز في بنائه لا يكون قصديا، بل إنه ينبع من اللاشعور الفردي والجماعي، وللوظيفة التي تؤديها الرموز في البناء الإيماني كونها تسعى إلى مخاطبة الجزء الوجداني في الإنسان فلا يتم الاعتراف بها ما لم يقر بها البعد اللاشعوري لوجود الانسان([21]). فالرمز حسب تيليش يفتح في أنفسنا أبعاد جديد ربما لم نكن نستطع الوصول إليها لولا الرموز، كما أنها في الوقت عينه تفتح مستويات من الواقع تظل منغلقة أمامنا([22])، وهنا يعطي تيليش للرمز بعد نفسي حيث يعبر عن مكنونات داخلنا، وهو ما يتفق مع طبيعة الإيمان الوجدانية الذي يقدم بها نفسه ويقبلها المؤمنين، حيث يمثل تعويضا كبيرا عن الخسارات الدنيوية، كما أنه يمثل شكلًا من أشكال الاشباع الروحي للإنسان، فضلا عن أنه يعطي للإنسان إجابات عن تساؤلات لا يستطيع العلم أو الفلسفة الإجابة عنها.

ويشترك الفيلسوف الفرنسي المعاصر بول ريكور Paul Ricoeur (1913-2005) مع ستيس وتيليش في القول بأن الرمز ضروري في الخطاب الإلهي الإيماني المقدس، حيث يقول في كتابه ((نظرية التأويل)): “ليس العنصر الروحي بقضية لغوية، وإن قدر له أن يصاغ لغويا”([23]) فالمقدس حسب ريكور أبعد من اللغة ومجاوز لها حتى وان تم التعبير عنه لغويا فهذ تعبير رمزي يشير إلى ما هو أبعد من المعنى اللغوي، وله فاعلية وسطوة داخل الإنسان خاصة المسائل ذات البعد الروحي([24])، واللغة المفهومية في نظر ريكور تكون عاجزة عن استنفاد المعنى المقصود وراء البعد الروحي؛ لذا تلجأ إلى الرمز كونه يعمل بالأساس حسب ما يطرحه ريكور كـ((فائض دلالة))([25])، وهنا يأخذ الرمز بعد الفيض في الدلالة التي تبيح للفرد الالتقاء معه ذاتيا، ويضع فيه ما يعبر عنه، خاصة أن الحديث هنا عن البعد الروحي في الإنسان الذي يعمل من خلال الالتقاء الوجداني، وهذا ينقلنا إلى طرح الفيلسوف الإنجليزي وليام جيمس (William James) (1842 – 1910) عن تنويعات التجربة الدينية وامتلاك كل فرد نمطه الديني.

يقدم وليام جيمس مجموعة محاضرات مثيرة للإعجاب تحت عنوان تنويعات التجربة الدينية، يقدم فيها اختلاف التجربة الدينية بالنسبة لكل فردٍ عن الآخر، كما انه يشدد على واقعية هذه التجارب بالنسبة للذين مروا بها، والحق أن هذا الطرح يعمل على توضيح التجربة الدينية كونها ف الأخير تجربة روحية تعبر عما يدور في داخل الفرد كما أنها تعبر أيضا عن اللامتناهي، وتمثل في العديد من الأحيان مساحة الالتقاء بينهما في التجربة الدينية، حيث يجد الفرد فيها ما يرضيه وما يشبعه روحيا وفي الحين ذاته يقدم اللامتناهي (المقدس) نفسه فيها. ويصرح وليام جيمس أنه ليس مخلوقات “مثل البشر، موجودة في مثل هذه الأوضاع المختلفة ومقدرات مختلفة، أن تكون مكلفة بالمهام نفسها وبالواجبات نفسها … فلا يمكن للإلهي أن يعني صفة واحدة، وانما يلزم أن يعني مجموعة من الصفات”([26])، من هذه الزاوية يمكن القول أن الرمز يبيح للذوات الجزئية أن تجد نفسها وما يرضيها في النسق الإيماني الكلي اللانهائي من خلال الرمز، وذلك لما يبيحه الرمز من مساحة فضفاضة تمكن الأفراد من الالتقاء معه روحيا ورؤية أشياء تمس ذواتهم الداخلية فيه.

وحيال هذا الأمر يضرب جون وسدوم (Jon Wisdom)(1904-1993) مثالا مهم للغاية: بعد غياب مدة طويلة عاد شخصان إلى حديقتهما اللذان أهملاها ولكنهما وجدا بين أعشابها نباتات قديمة يانعة، فقال أحدهما للأخر من الضروري أن يكون بستاني يعتني بها بين الحين والأخر، وحين سألا الجيران قالوا أنهم لم يروا قط أي شخص يعمل في الحديقة، قال الرجل الأول ربما يعمل وهم نيام، وقال الأخر لا يمكنه فعل هذا دون إصدار صوت وكان الجيران سيعرفون حينها، ولو كان ثمة من يعتني بها لأزال هذه الأعشاب. قال الأول: أنظر إلى الترتيب الجمالي غير العشوائي الذي عليه هذه النباتات، ثمة هدف واضح في ترتيبها وشعور بالجمال. أعتقد أن شخصا يأتي، شخصا خفيا لا تراه أعين البشر. وأعتقد أننا كلما دققنا النظر اتضح لنا الامر أكثر وازددنا تأكدا. فتجولا في الحديقة فاحصين إياها… فكانا أثناء فحصهما يجدان أشياء تعطي دلالة على وجود بستاني، وأشياء أخرى تعطي دلالة عكس ذلك، فيزداد الأول يقينا بوجود بستاني، ويزداد الأخر يقينا بعدم وجود بستاني… فقال الأول: ما زلت أعتقد أن ثمة بستانيا يأتي، في حين قال الأخر: لا أعتقد ذلك([27]). فحسب هذا المثال كان كل فرد يجد ما يتمناه أو ما يتفق مع بعده الروحي في الأمر، ويذكر وسدوم أن من الممكن أن يكون أحدهما على حق والآخر على خطأ وقد يقدم كلا الطرفين الأسباب المنطقية والمقنعة بالنسبة له، ويظل يرى الأول أنها حديقة يرعاها بستاني في حين يرى الآخر أنها برية لا بستاني يهتم لأمرها. ويرجع هذا إلى أنهذه المسألة ليست عقلانية أو غير عقلانية ولا ملائمة أو غير ملائمة، فـ”الاختلاف فيما يتعلق بقضية وجود الله مرهون بمشاعرنا، فهو أكثر من مجرد خلافات علمية (تحلها التجربة العلمية أو الإحالة للأرقام الرياضية والبيانات المنطقية) فهو أكثر شبها بالاعتقاد في رؤية الجمال في شيء ما”([28]( تحكمه العملية الوجدانية للفرد؛ لذا يشترك الفرد فيها بمقدار الذي يشترك فيها اللامتناهي بتقديم نفسه، حيث يكون الفرد هو المستقبل لهذا التقديم، ويستقبله بشكل يرضي احتياجه في العالم للإشباع الروحي، فيصوغه بالشكل الذي يرضيه.

فيمكن القول أن اللاتحديد الإلهي يحمل إمكانية مفتوحة على الصياغة والتصور؛ تبيح لكل فرد تبني تصوره الداخلي والخاص عن الله وصياغة الصورة التي ترضيه عن نمط الألوهة ولعل هذا ما يسميه بول ريكور فائض المعنى([29])، ويعد هذا سر بقاء الدين رغم الرهان على زواله بوصفه إمكانية لصياغة الذات لنمط الأولوهة الذي يرضها ويعوض ما تفتقده في خضم الحياة. وتفترض إمكانية الحديث عن اللانهائي واللامحدد بشكل يمكن الفرد من الدخول في نمط الصياغة، استخدام الرمز كلغة تعبيرية لما يحمله الرمز من انفتاح على المعنى يعطي مساحة كافية للذات تمكنها من صياغة نمطها الخاص والمرضي بالنسبة لها عن الألوهة، وذلك لاعتبار الألوهة في العديد من الأحيان تعويض عن العجز والنقصان البشري. وما من شيء يمكن أن يعبر عن اللاتحديد الإلهي غير الرمز؛ لذا يعد الرمز أحد مفردات اللغة الدينية، فالمهمة التواصلية للنصوص المقدسة تقتضي بأن يكون الرمز أحد أهم مفردات اللغة الدينية، فكما هي الترجمة شكل من أشكال تقارب الثقافة والمعنى والشرح، كذا يجيء الرمز في اللغة الدينية، فهو ليس مطابقا للطبيعة الإلهية ولكنه بشكلٍ ما تعبير تتمكن من خلاله تقديم صورتها فيه للعقل الإنساني التصوري الاستدلالي بشكل يلتزم بنسبيته الإدراكية.

ثالثًا: الرمز والمرموز إليه.

إذا كان اللاتحديد الإلهي والبعد التواصلي للكتب المقدسة يفرضان الرمز كمفردة داخل اللغة الدينية، فما هي علاقة الرمز بالمرموز إليه فهل هي علاقة تشايه أم علاقة تقارب؟ وإذ كانت تشابه فما جدوى الرمز؟ وان كانت تقارب فإلى أي مدى يكون متقارب مع المرموز إليه؟ وبخصوص هذا الأمر يرى ولتر ستيس أن علاقة الرمز بالمرموز إليه ليست علاقة تشابه، بل هي ما يمكن أن يقال عنها أنها علاقة قرب يختلف في الشدة والضعف([30])، فثمة رموز تكون قريبة في التعبير -غير متشابهة- عن الله وهي التي تبتعد عن مستوى الوجود الجمادي، فالنفس والشخصية يعدان الرمزان الأقرب في تعبيرهما عن الله، في حين أن أي تصور جمادي هو أبعد من ذلك في التعبير عنه، ويرى ستيس أن لفظ (القوة) يشير إلى أبعاد جمادية أكثر منها معنوية، كالجاذبية والالتحام وما إلى ذلك، لذا يعد مفهوم القوة رمزًا أبعد في تعبيره عن الله([31]). وإذا كان ستيس يرى في العقل أو النفس أو الشخصية رموز تقترب في تعبيرها عن ما هو إلهي، لكنه يشير إلى أنه ليس بالمفهوم عن العقل والنفس والشخصية، فالرمز الذي يشير إلى الله لا يجد “تبريرًا له في فكرة وجود سلم كوني الوجود”([32]) حسب تعبير ستيس؛ أي أنه لا يعبر عن م نتصوره نحن من هذه المفاهيم، ولا سبيل لإدراك هذه المفاهيم في ذاتها “اللهم إلا بالرجوع إلى ((الحظة الأزلية)) منظورًا إليها من الداخل”([33])، فلا يمكن للذات الإنسانية أن تطابق مفاهيمها على ما هو إلهي إلا إذا امتلكت عقلًا إلهيًا ونظرت للطبيعة الإلهية الذي يعبر عنها ستيس بال ((الحظة الأزلية)) من الداخل وهو أمر يعد مستحيلًا ما دام الإنسان في إطار الزماني/ المتناهي. فحسب ستيس -وتؤيده النظريات المعاصرة- العقل الإنساني ليس في استطاعته تصور ما لا سبيل إلى تصوره، ولكنه يضع مكان ما لا سبيل لتصوره ما يرقى إليه خياله من التصور؛ وعليه فيعد الرمز أقرب للعقل الإنساني منه للحقيقة الإلهية، وفي الوقت عينه هو الوسيلة الإنسانية –المحكومة بالتصور- لمعرفة اللامتناهي/ الله. فلا يمكن أن تعبر الصورة المطروحة عن الله/ اللامتناهي (اللامتصَوَر) في ذاته، وذلك للدور الكبير الذي تلعبه الذات في بناء هذا التصور.

ومن الزاوية اللسانية يلتقي الفيلسوف الإنجليزي أنتوني كيني Anthony Kenney (1931) مع ستيس في أن الرمز لا يشبه المرموز إليه، ومن المعروف عن كيني أنه يقول باللارَدِّيَّة unreductionistc*؛ وهي نظرية مفادها أن المفردات التي تتحدث عن المتناهي لتخبرنا عنه لا يمكن ردها إلى أصل ماهوي؛ أي لا يمكن أن ترد هذه الجمل إلى ماهية ما تخبر عنه، أو لظاهره كي تحكم بصدق هذه الجمل، فحسب كيني الله غير قابل للوصف أو التصور؛ ومن ثم لا يكون الحديث عنه سوى تقرير أنه غير قابل للوصف([34])، وإذا كان ثمة بعض الصفات التي تقدم للعقل الإنساني فإنها تكون رمزية غير قابلة للرد إلى الماهية أو الظاهر، كون الطبيعة الإلهية غير قابلة للوصف أو التصور. فنجد أن كيني يقول “إن كنا نستطيع التحدث عنه الله، فإنا لا نستطيع التحدث عنه حرفيًا. فإن كان الأمر كذلك، فسيكون الله غير قابل للوصف حرفيا، لكنه قابل للوصف استعاريا”)[35](، والاستعارة لا يمكن الحكم بصدقها حرفيا، حيث أن الصدق يتم وفق اللعب اللغوية ومفهوم الله لا ينتمي لأي لعبة لغوية، ويرفض كيني القول بأن ثمة لعبة لغوية خاصة باللغة الدينية، ويصر أن الحديث عن الله استعاري. ويصرح بأن: “الاستعارية اللاهوتية لا رَدِّيَّةِ، فهي لا يمكن أن تصبح استعارة ميتة البتة، ولا يمكن أن نستبدل بها لغة حرفية”)[36](، ورغم غموض مفهوم الألعاب اللغوية عند كيني إلا أنه يصر على أن الحديث عن الله لارَدِّي وأنه حديث رمزي لا يعبر عن ماهية الله أو صورته، وذلك لأن الماهية أو الصورة يتم تكوينها من الخبرة الإنسانية والتصور الإنساني، والله غير قابل للتصور، لذا يكون الحديث عنه كما يصر كيني استعاريا.

فيرى كيني أن مفردة (الله) خارج اللعبة اللغوية، ورغم غموض مفهوم اللعبة اللغوية عند كيني إلا أن هذه النظرة بشكل ما تعد إلى حد غير قليل واقعية، فمفردة (الله) لا تحمل مفهوم محدد يمكن أن يجعلها تقع ضمن لعبة لغوية، بل إنها تتمتع بمرونة كافية لتكون مثل اللوحة البيضاء التي يخط عليها كل إنسان مفهومه عنها، وهذا مشهود داخل السياقات الإيمانية؛ فلكل إنسان تصوره الخاص عن الله، فثمة من يراه كصديق ومن يراه كمحب كالصوفية مثلا، ومن يراه محاسب ومقايض، ومن يراه منتقمًا في حالات الظلم مثلًا، وعبر عن هذا الاديب الروسي مكسيم جوركي Максим Горький (1868-1936) في روايته الأم قائلا: “أنا لم أكن أتحدث عن الله الطيب الرحيم الذي تؤمنين به، بل عن ذلك الإله الذي يستعمله الكهنة مثل العصا لتخويفنا والذي يحاولون باسمه جعل الشعب بأسره ينحني أمام إرادة البعض”([37])، فضلا عن ما طرحه وليام جيمس في كتابه تنويعات التجربة الدينية؛ ومن ثم فإن هذه المرونة المفاهيمية التي لا تتمتع بها لقية المفردات اللغوية تعطي هذه المفردة ميزة عدم الانتماء إلى أي لعبة لغوية، خاصة أنها عادة ما تقدم نفسها في صورة وجدانية غير قابلة للترجمة الحفية أو الوضعانية أو المنطقية على كل حال.

والخطاب الإلهي المقدس بوصفه موجهًا للعقل الإنساني يعد مرهونا بنسبية الإنسان الإدراكية، وملزمًا بصياغة خطابه وفقا للمفردات الإنسانية فهو بمثابة تجلي لما هو إلهي ومتناهي في صورة ماهو بشري ومتناهي، والرمز هنا لا يعد معبرًا عما هو إلهي بقدر ما يعبر عن التصور الإنساني له، خاصة أن الانساق الإيمانية والديانات ترفض إسقاط التصورات الإنسانية على ما هو مقدس وتعمل على تنزيهيه في أغلب الأحيان. ومن الجانب الإنساني للعملية الإيمانية فإن الذات تفرض بصمتها أيضا عند تلقي هذا التجلي، فحسب المثال الذي قدمه وسدوم سابقًا فإن الإنسان يضع في الرمز داخل العملية الإيمانية ما يرغب فيه وينقصه في هذه الحياة أكثر مما يعبر هو عن الطبيعة الإلهية، وهذا ما يدفع عبد الجواد ياسين للقول بأن: “كل ذات، داخل أي ديانة، تملك تصورًا لاهوتيًا جوانيا خاصا بها، لا يتطابق حرفيا مع أي تصور لاهوتي آخر بما في ذلك التصور الرسمي الصادر عن المؤسسة باسم الديانة التي ينتمي إليها”([38]) فالإيمان عملية وجدانية وليست منطقية استدلالية وهو ما يعني أنها فردية بالدرجة الأولى؛ لذا يعد عصيا على الفرد تطبيق تصور ذاتي آخر على تصوره دون أن ينبصم ببصمته كونه في نهاية الأمر المسؤول عن هذه الصياغة، خاصة وإن كانت ذات طابع وجداني لا يخضع لمنطق أو لغة القياس أو الاقتناع.

رابعًا: في بناء الرمز

“النص لا يشرح ذاته إلا عبر ثقافة المتلقي” عبد الجواد ياسين([39])

يحمل الرمز الديني عادة دلالة أوسع من النطاق اللغوي، كالرموز المعنوية والمادية المقدسة مثل الكعبة والحجر الأسود عند المسلمين، والصليب عند المسيحيين، وحائط المبكى والهيكل عند اليهود، وغيرهم من الرموز المقدسة لمعتنقيها، بيد أن الدراسة معنية بالرمز في اللغة الدينية؛ لذا ما سيتم تناوله هنا هو الرموز في النصوص المقدسة، وكيفية بناءها. وحسب الطبيعة التواصلية للنصوص المقدسة تشترط التقاء الإنسان في الرمز وإلا انتفت عملية التواصل، وما أفضى إليه العنصر السابق أن الرمز يعد أقرب للتصور الإنساني منه للطبيعة الإلهية، وحسب نظرية الافتراض المسبق فإن الرمز في بناءه يتبع شروط انتاج المعنى لدى المُستقبِل كونه في الأخير غاية النص والنص موجه إليه؛ لذا فيأتي الرمز مكونًا من بيئة وعقل ومفردات المُستَقبِل؛ لذا سيتم العمل على توضيح بناء الرمز من خلال أفق المستَقْبِل الشروط الابستمية لإنتاج المعنى في بيئة الخطاب.

القصة/ الأسطورة

تعطي القصة كمكون للرمز إمكانية من فائض المعنى والانفتاح الدلالي أكثر مما يعطيه أي مكونٍ آخر، فتحمل القصة قراءات بعدد ما لها من قراء، فالحكاية تحمل اتساعًا دلاليا يمكن الفرد من الالتقاء معها شعوريا حيث يعطيها معنى خاص في داخله، ويذهب إلى الاتصال الدلالي معها ليجعلها تعبر عما يحتاجه؛ إذا كان في حاجة إلى النصرة يرى فيها هذا، الخروج من نوبات اليأس وبعض جرعات الأمل يرى فيها هذا، يمكن القول إنها تمكنه من إسقاط رغباته أكثر من أي مفردة أخرى. ومن جهة المُتكلم فإنها تقدم بديلا حواريًا أفضل وأوسع من التنظير، وتحضر في العديد من الأحيان للتعبير عما يعجز التنظير عن صياغته، فالتنظير يحمل المباشرة التي لا تمكنه من دلالات فضفاضة، على العكس من السرد كما يقول أمبرتو إيكو(Umberto Eco)‏ (1932 – 2016) ([40]). وحضور القصة في الخطابات المقدسة يشير إلى مدى حضورها داخل الوعي الإنساني، حيث تشكل أحد أجزاء الوعي الإنساني الذي جعلها تمثل مفردة من مفردات الخطاب المقدس، خاصة إذا كان عقل المخاطب ابن طبيعة إنسانية حكائة تميل إلى القصص أكثر من ميلها للتنظير.

كما يشير الباحث والمفكر الجزائري محمد أركون (1928-2010) إلى المكانة المرموقة للأسطورة*، التي أعادها علم أنثربولوجيا الاجتماع بعد أن ظهرت محاولات عديدة تعمل على عقلنة الخطاب الديني ونزع الأسطرة والطابع الرمزي عنه، حيث أوضحت أن الأسطورة تمثل الحكاية المثالية الرائعة الناشئة في أحضان الحالة الثقافية للفئة الاجتماعية، والتي تمثل في العديد من الأحيان مفردًا جيدًا للخطاب الموجه للفئة الاجتماعية الناشئة في أحضانها([41]). ويعتبرها أركون صحيحة لتأثيرها بفاعلية في وعي الإنسان. ويعتبرها أركون رمزية بالدرجة الأولى، ويعتبر الحديث عن الجنة المليئة بالحوريات تعبيرا مجازيا، وكذا أيضا رمزية الإحساس بالخطيئة والاحساس بالذنب، وغيرها من الرمزيات. ولا تعد الأنظمة الخطابية والمعرفية مفارقة لواقعها الاجتماعي والثقافي بأي شكل من الأشكال، حيث تلتزم البنية الخطابية بأن تكون هاضمة ومستوعبة الحاجات الإنسانية المتغيرة، ولغة الفهم المتعارفة، والشفرات الثقافية، التي تكمن في هذا الإطار الزمكاني، أي الجغرافي التاريخي ([42])، خاصة إذا كانت تعلن عن نفسها كخطاب إيماني وجداني، حيث يمثل الولوج إلى حاجات الإنسان وواقعه الاجتماعي مطلبًا أساسيًا للتواصل الوجداني، ليجد الإنسان في هذه الخطابات ما يعبر عنه.

ويقدم الفيلسوف البريطاني بريثويت (Richard Bevan Braithwaite) (1900- 1990) نظرية هامة للغاية تنظر إلى رمزية القصة في الخطاب الديني ومدى مصدقيتها التاريخية، خاصة أن الكتب المقدسة يتم محاكمتها في أحيانٍ عديدة من زاوية مصدقيتها التاريخية بأدوات علم التاريخ. ويرى بريثويت أنه من التأكيد الديني على الإيمان (تبعا لنظرته للإيمان العملي/ الأخلاقي، أو وظيفته العملية/ الأخلاقية) على القصة أن تتضمن فكرة أكثر من مصداقيتها التجريبية([43])، فليس من الضروري أن يعتقد المؤمن بصدق القصة بقدر ما هو ضروري أثرها الفكري في سلوكه الأخلاقي.” فالاعتقاد الديني هو التأكيد على نية تنفيذ سياسة سلوكية معينة يسعى إليه عبر قصص مرتبطة بالقصد في ذهن المعتقد”([44]) ويحدد بريثويت أن مفردة القصة (story) بأنها المفردة الأكثر حيادية في هذا الأمر ويقول: “ما أسميه قصة سماها ماثيو أرنولد حكاية خرافية، والمصطلحات الأخرى التي يمكن استخدامها هي حكاية، خرافة، أسطورة. ولقد اخترت كلمة “قصة” كأكثر مصطلح حيادي، مما يعني لا أن القصة مصدق أو أن هذا غير مصدق”([45]). فبريثويت يرى أن القصة بذكرها في النص الديني لا يلزم أبدا صحتها تاريخيا بقدر ما يلزم أثرها الأخلاقي في سلوكه، وهذا ينسجم مع رؤيته للغة الدينية؛ كلغة يمكن التحقق منها أخلاقيا، أي أن لها وظيفة انفعالية تنظم من خلالها سلوك الإنسان([46]). ما يشير إليه برثويت أن القصة تمثل رمزا ذات قصد عملي في لواقع القائم، وهو أمر بشكل أو بأخر موجود في المكون الديني، حيث تأتي الكتب المقدسة حاملة القصة بهدف تشريع ما، أو الحث على فعلٍ ماز

الاستعارة/ المجاز

تملك الاستعارة كما تملك القصة فائضا دلاليا أيضا ولكنه هنا على المستوى اللساني لا على مستوى الذهن، فالاستعارة هي بشكل بسيط استبدال كلمة من لعبة لغوية إلى لعبة لغوية أخرى لتعطى معنى مجاوز للمعنى الحرفي للكلمة كـ (الله راعي، كتب الله شريعته في قلوب الناس، يد الله فوق أيديهم)، ولا تقف هذه العبارات على معناها الحرفي إذا هي تملك فائضًا دلاليا يجعل الوقوف الحرفي عليها يخل بمعناها أحيانا، ويرى مايكل سكوت Michael scott (1971)* أن “التأثير الذي تُحدثه الاستعارة في مُتلقيها لا يحدده مضمونها بل هو أكثر شبه بظاهرةٍ بدائيةٍ”([47])، فما تقدمه الاستعارة من تأثير يكون أبعد من مضمونها الحرفي، فما تعطيه عبارة (الله راعي) من معنى ليس كما تعطيه (سليمان راعي)؛ إذ تعني الأولى بالنسبة للمستمع (المؤمن) أن ثمة ما هو مفارق للوجود وتخضع قوانين الوجود لأمره يرعاه وينظر لاحتياجاتهن وهذا المفارق يتصوره هو كيف يشاء، ولا تعني الرعاية هنا كما هي في العبارة الثانية، إذ تمل الرعاية هنا أيضًا البعد الروحي والنفسي الذي تعجز عنه عبارة (سليمان راعي)، فإذا كانت القصة في إحدى زواياها تحمل قصدًا عمليًا في رمزيتها، فإن الاستعارة تعبر في غالبية الأمر عن تضامن شعوري في اللغة الدينية، وتعطي تأثيرا وجدانيا أكبر، ولعل هذا ما يعنيه سكوت.

وتتجاوز الاستعارة المعنى الحرفي لكنها لا تخلو منه فالمعنى الحرفي جزء أصيل في تكوين الاستعارة، فعبارة (الله راعي) تستلزم معرفة المعنى الحرفي لمفردة (الراعي) والتصور عن (الله) ولكنها لا تقف عند المعنى الحرفي، بل تتجاوزه إلى ما هو أبعد. والاستعارة تقع في بنيتها تحت التأثير العرفي للجملة، حيث أنها تكون عاجزة عن تجاوز المعنى العرفي للجمل الذي يعطى لها وظيفتها الحوارية، فعلى حد قول ريكاناتي: “فمعنى الكلمة، ما دام هذا الشيء موجودا، يطابق إمكانات استعمالها أو شروط استعمالها”([48])، على ذلك ليس بإمكان الاستعارة أن تتعدى المعنى العرفي المحدد لها. ويرى ريكور أن للاستعارة وظيفة اقناعية، فهب تعبر عن أحد الأدوات الخطابية التي تهدف إلى التأثير في الجمهور بوسائل تختلف عن الوسائل البرهانية، على حد قوله “بوسائل تجعل المحتمل أكثر جاذبية”([49]). ويحمل طرح ريكور عن الوظيفة الاقناعية للبلاغة التي تحمل في داخلها الاستعارة تبريرًا كافيا لتبني اللغة الدينية الاستعارة، حيث يعد الاقناع وظيفة الخطاب الإيماني حسب ما يعلن عن نفسه. ومن الزاوية الحوارية تبرهن على خروج الاستعارة من بينة العقل المخاطب، حيث أنها تعبر عن فعل الاقناع الذي يسعى عادة إلى استخدام ما هو مستحسن لدى الفرد والجماعة المعنية بالخطاب.

الخاتمة

من الضروري أن يملك الخطاب من استلزامات حوارية conversational implicatures التي تجعله مفهومًا ومقبولًا، ليؤدي وظيفته؛ فالفعل الكلامي عادة ما يكون ذا غاية ما مثل تبليغ مجموعة من المعلومات، أو قصدية حمل المتلقي على تصرف معبن، وهذا يفرض عليه تقديم نفسه في الصورة التي تجعله قابلًا للإد\راك، ويتم تحديده حسب المُخاطب وذهنيته([50])، فـ “مضمون القول يجب أن يُحلل على وفق الحدوس المشتركة بين كل الناس الذين يفهمون الكلام الملفوظ تمامًا”([51])، فالمفردات اللغوية لا تحمل في ذاتها أبعاد المعنى، ولكن يمكن أن يقال أنها رموزًا وسيطة تشير إلى المعاني؛ لذا يقع المعنى في أغلب الأحيان تحت التأثير العرفي والمتفق عليه. فحسب الرؤية الاصطلاحية للغة، لا تحمل اللغة أ كثر مما نضعه نحن فيها، وبهذا المعنى يعجز الخطاب عن تجاوز بيئته الخطابية، وهذا ما أشارت إليه الدراسة. وإذا كان المعنى محدد عرفيًا ومجاوز الحرفي والنحوي في أغلب الأحيان، والبيئة الخطابية ذات النسق الإيماني تعمل بنمط يختلف عن البيئة الخطابية للعلوم، حيث أنها لا تعترف بالرَدِّيَّة أو الإحالة على الصدق، وتحمل مقومات صدقها داخليًا وتنطلق من بديهية صدقها([52])، فإن اللغة الدينية تمتلك بهذا عرفًا خاصًا للمعاني، ونمطًا معرفيًا محكومًا من داخله، خاصة أن المسألة الإيمانية غير خاضعة للمقاييس المنطقية والوضعانية، ويعجز العقل الإنساني عن الحكم عليها بالنفي أو بالإيجاب؛ لذا فيكون للمؤمنين نمطهم المعرفي وطريقة عمل وفهم للغة الدينية خلاف غيرهم من غير المؤمنين.

ويعد الرمز أحد أهم مفردات اللغة الدينية، فهو يعطي للمؤمن أحقية بناء تصوره الإيماني والعقائدي من جهة، وفي الوقت نفسه يعطي للكتابات المقدسة صلاحية مؤبدة عبر الانفتاح الدلالي الذي يعطيه الطابع الاستمراري عبر التأويل. كما ان الرمز يمثل حيلة دفاعية عن المعتقد تجاه محاولات عقلنة العقيدة وفقا للنسق العلمي، وهو ما يجعلها تتعارض مع الانساق العلمية التي يعدها العقل الإنساني المعاصر أنماط الحقيقة، ومن ثم يتم رفض هذه الكتابات بالاحتكام إلى المناهج العلمية، في هذه الأثناء يعد الرمز حيلة دفاعية عن العقيدة والكتابات المقدسة. وحتى إذا كان الرمز يمثل حيلة دفاعية عن العقيدة فإن هذا يعبر الدور الذي يلعبه المعتقد الديني في حياة الفرد، والذي يعجز العلم عن إشباعه، مما جعله يعمل على انتاج حيلة تشرعن بقاء العقيدة والكتابات المقدسة.

والرمز بوصفه جزء من بنية الخطاب الديني -حسب ما تقرر اللغة الدينية- لا يخرج عن عقل واستيعاب المخاطب، فالرمز هنا يعبر عن الطريقة المثلى التي يمكن أن يتم فيها تقديم الغاية، والاقناع حسب النصوص الإيمانية ورهانها على الاقناع، وهذا يُلزم الرمز بالخضوع في تكويناته لبينة وعقل المُخاطب والالتزام بأدواته الخطابية. فالرمز هنا يعبر عن شفرة أو كود بين طرفين على كل منهما أن يعرف مفاتيحه، فمن غير المعقول تقديم رسالة بالإنجليزية لشخص لا يعرف غير العربية. والرمز في وظيفته أقرب للطابع الإنساني منه للتعبير الحرفي؛ فكثيرا ما نسعى في الحياة اليومية للتعبير عن مقاصدنا برواية حكاية أو قصة لنقدم من خلالها المقصد من قولنا ليكون أكثر تعبيرًا، والاستعارة كذلك فكثيرا من العبارات تكون عاجزة في ممعناها الحرفي عن تقديم ما نسعى إليه؛ لذا يتم اللجوء للاستعارة. فالرمز جزء أساسي من حياة الفرد إذ أنه يعرف ما هو مجاوز للحرفي والعقلاني والوضعاني، ويعجز المعنى الحرفي للتعبير عنها.

 

المراجع

[1] – راجع أحمد (كيان)، مقدمة كتاب فلسفة اللغة الدينية، لستايفر (دان)، ترجمته، دار الكتاب الجديد المتحدة بيروت، 2021، ص 13.

[2] – راجع، سكوت، (مايكل)، اللغة الدينية ، ترجمة كيان أحمد، دار الكتاب الجديد المتحدة بيروت، 2021، ص 17.

[3] – غاليم (محمد)، اللغة بين ملكات الذهن (بحث في الهندسة المعرفية)، درا الكتاب الجديد المتحدة، بيروت، 2021، ص 25.

[4] – أفلاطون، محاورة كراتيليوس، ترجمة عزمي سيد طه، وزارة الثقافة بالأردن، عمان 1995، ص 100.

[5] – راجع، المرجع السابق، ص ص 187- 195.

[6] -Op;cit, Grice (Paul), Studies in the Way of Words, Harvard University press, 1991, pp 22-40.

[7] – ريكاناتي )فرانسوا(، المعنى الحرفي، ترجمة أحمد كروم، دار الكتاب الجديد المتحدة، بيروت، 2018، ص 22.

[8] – راجع، المرجع السابق، صـ 13.

[9] – الخليفة (هشام إبراهيم عبد الله)، الافتراض المسبق بين اللسانيات الحديثة والمباحث اللغوية في التراث العربي الإسلامي، دار الكتاب الجديد المتحدة، بيروت، 2021، صـ 26.

[10] – ياسين (عبد الجواد)، اللاهوت، مؤمنون بلا حدود للنشر والتوزيع، الرباط- بيروت، 2019، ص43.

[11] – أبوزيد (نصر حامد)، نقد الخطاب الديني، ط3، المركز الثقافي العربي، بيروت- لبنان، 2007، ص 106.

[12] – بيلي (كلنتون)، ثقافة البدو في الكتاب المقدس، ترجمة أنور يوسف، دار الرافدين، بيروت، 2021، ص 55.

* – نظرية مفادها أن “داخل كل ثقافة ما وفي لحظة بعينها، ليس ثمة سوى الإبستمية التي تحدد شروط إمكان أي معرفة، سواء كانت تلك المعرفة التي تتزي بزي النظرية، أو تلك التي تدعم من خلف وبصورة ضمنية ممارسة ما” يمكن أن تراجع في هذا فوكو (ميشيل)، الكلمات والأشياء، ترجمة مطاع صفيدي – سالم يفوت – بدر الدين عرودكي – جورج أبي صالح – كمال اسطفان، مركز الإنماء القومي، لبنان، 1989 – 1990، صـ 153.

[13] – ستيس (ولتر)، الزمان والأزل: مقال في فلسفة الدين، ترجمة زكريا إبراهيم، الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة، 2013، صـ 41.

[14] – راجع، ستيس (والتر)، الزمان والأزل، صـ 114.

[15] – ستيس، الزمان والأزل، صـ 119.

[16] – المرجع السابق، صـ 171.

[17] – ستيس (والتر)، الزمان والأزل (مقال في فلسفة الدين)، ترجمة زكريا إبراهيم، الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة، 2013، صـ 105.

[18] – راجع، المرجع السابق، صـ 209.

[19] – تيليش (بول)، بواعث الإيمان، ترجمة سعيد الغانمي، منشورات الجمل، كولونيا، 2007، ص 51.

[20] – راجع المرجع السابق، ص 55.

[21] – راجع، المرجع السابق، ص 53.

[22] – راجع المرجع السابق، ص ص 52-53.

[23] – ريكور (بول)، نظرية التأويل: الخطاب وفائض المعنى، ترجمة سعيد الغانمي، المركز الثقافي العربي، الدار البيضاء، 2003، ص104.

[24] – راجع، ريكور، ص 107.

[25] – راجع، ريكور، ص ص 99، 97.

[26] – وليام جيمس، تنويعات التجربة الدينية، ترجمة، إسلام سعد – علي رضا، مركز نهوض للدراسات والنشر، الكويت – لبنان، ط 1، 2020، صـ 533.

[27] – Santoni, Ronald E., comp, Language and languages, Knowledge, Theory of (Religion), Religieuze taal, Waarheid, Kennis, Religiöse Sprache, Theologie, Indiana University Press, Bloomington, 1968, p300-301.

[28]– I bid,p305.

[29] – راجع، ريكور، نظرية التأويل، ص 97.

[30] – راجع، ستيس، الزمان والأزل، ص ص 220، 44.

[31] – راجع المرجع السابق، ص ص 220-221.

[32] – ستيس، الزمان والأزل، صـ 227.

[33] – المرجع السابق، الموضع نفسه.

* – نفي الرَدِّيَّةِ، وهي مذهب يرد المعطيات أو الظواهر المعقدة إلى نهايات مبسطة، وكما يقدمه هوسرل؛ فهو يعني إرجاع الشيء إلى ماهيته وحقيقته، وهذا الرد قسمان؛ الرد إلى الماهيات وهو موقف الفكر الذي ينظر إلى الماهيات، أو الرد إلى الظواهر وهوموقف الفكر الذي يعطي التجربة الداخلية والخارجية للظواهر فقط. راجع في هذا ، ستايفر (دان ر)، فلسفة اللغة الدينية (العلامة، والرمز، والقصة)، ترجمة كيان أحمد حازم يحيظ، دار الكتاب الجديد المتحدة، بيروت، 2021، ص 191، هامش المترجم.

[34] – راجع، سكوت (مايكل) اللغة الدينية، ترجمة كيان أحمد حازم يحي، دار الكتاب الجديد المتحدة، 2021، ص 294.

[35] – Kenney, Anthony, the unknown god: Agnostic essays, Continuum, London, 2005,p. 35. نقلا عن، سكوت (مايكل) اللغة الدينية، ترجمة كيان أحمد حازم يحي، دار الكتاب الجديد المتحدة، 2021، ص 294.

[36] – Kenney, Ibid, p.40.

[37] – جوركي (مكسيم)، الأم، ترجمة فؤاد أيوب وسهيل أيوب، ط 4، دار التنوير للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت، 2015، ص 75.

[38] – المرجع السابق، صـ 45.

[39] – ياسين (عبد الجواد)، الدين والتدين: التشريع والنص والاجتماع، دار التنوير، بيروت، 2012، ص 77.

[40] – متاهات أمبرتو إيكو، حوار أجراه ماريو موسكو مع إيكو، ص80، نقلا عن، أمبرتو إيكو، اسم الوردة، ت، أحمد الصمعي، ط1 دار الكتاب الجديد، بيروت، 2013، صـ9.

* – ويلزم التنويه عن أن الأسطورة في نطاق علم اللاهوت والدراسات الدينية لها أهمية بالغة، فهي أحد أهم مفردات اللغة الدينية، وتكتسب معنى أخر غير الخرافات والخزعبلات والعجائب، وتعني الحكايات والأحاديث التي قد يكون لها أساس تاريخي، وهذا ما جعلنا نرى أن مفردة القصة تكون معبرة هنا أكثر لما تحمله مفردة الأسطورة من انطباع سيء داخل السياق العربي. راجع في هذا، لوكستن (ستيفن)، اللغة الدينية، (دليل لدراسة فلسفة الدين)، ترجمة كيان أحمد حازم، ط 1، دار الكتاب الجديد المتحدة، بيروت، 2021 ص 71.

[41] – راجع، أركون (محمد)، قراءات في القرآن (الوصية الفكرية الاخيرة لمحمد أركون) ترجمة هشام صالح، دار الساقي، بيروت، 2017، ص 92.

[42] – راجع، أركون، الفكر الأصولي واستحالة التأصيل، صـ 314.

[43] – Braithwaite, R. B. (Richard Bevan), An empiricist’s view of the nature of religious belief, Cambridge [Eng.] University Press, 1955, p24.

[44] – ibid, p32.

[45] – ibid, p26.

[46] – راجع، سكوت، اللغة الدينية، صـ103.

* – أستاذ فلسفة الدين بجامعة مانشتر ويعد متخصصا في اللغة الدينية.

[47] – سكوت، اللغة الدينية، ص 277.

[48] – ريكاناتي، المعنى الحرفي، ص 11.

[49] – ريكور، نظرية التأويل، ص 88.

[50] – راجع، ريكاناتي، المعنى الحرفي، ص 29.

[51] – ريكاناتي، المرجع السابق، صـ 30.

[52] – راجع، صعب (أديب، دراسات نقدية في فلسفة الدين، دار النهار، بيروت، 2015، ص 88.

    اقرأ ايضا

    المزيد من المقالات

    مقالك الخاص

    شــارك وأثــر فـي النقــاش

    شــارك رأيــك الخــاص فـي المقــالات وأضــف قيمــة للنقــاش، حيــث يمكنــك المشاركــة والتفاعــل مــع المــواد المطروحـــة وتبـــادل وجهـــات النظـــر مــع الآخريــن.

    error Please select a file first cancel
    description |
    delete
    Asset 1

    error Please select a file first cancel
    description |
    delete