توجهات الإسلام السياسي في تونس ما بعد الثورة من الاشعاع إلى الاضمحلال التدريجي

مقدمة:

يعيش المجتمع التونسي منذ الثورة الى اليوم في ظل متغيرات متسارعة شملت جميع مناحي الحياة الإنسانية بكل ابعادها، السياسية والاقتصادية والاجتماعية وخاصة الدينية والتي كانت ضمن المسائل المحظورة والممنوع الخوض فيها، فالنظم السياسية الحاكمة منذ الاستقلال الى حدود سقوط نظام بن علي كانت تحتكر المجال الديني وتسيطر على مقوماته وتوجهاته وذلك في إطار مأسسته بما يتماشى مع خطها التحديثي وبما لا يتعارض مع مصالحها السياسية والخارجية، وبهذا بات الفضاء الديني مجالا محتكرا من السلطة عمليا وايديولوجيا، فقد سادت العلمانية تونس  منذ الخمسينات كما فُرضَت كتوجه عام للدولة وتحت ما يسمى اصلاح المؤسسات الدينية في تونس قام بورقيبة “بوضع حدًا لسلطة العلماء  )بشكل جزئي من خلال مصادرة جميع أراضي الأوقاف أو الحبوس كما وجرد الدين من الطابع السياسي من خلال الحد من التعليم الإسلامي والممارسات الإسلامية والتركيز على بعض الطقوس غير ذات أهمية. إذ كانت تُقفل المساجد ولم تُفتح أبوابها سوى في أوقات الصلاة، كما وأفرغت المكتبات أو أغلقت. أما الأهم من ذلك، فقد قضت حكومة بورقيبة على المستوى التعليمي المرموق في تونس ونقلت الوظائف التعليمية من جامع الزيتونة إلى جامعة تونس في ذلك الوقت، تحول التعليم الديني من نظام ديني إلى نظام أكاديمي[1]، وهذا التوجه خلق حركة احتجاجية دعوية ضمن عدة حركات احتجاجية أخرى مثل الشيوعية والماركسية…وتمثلت هذه الجماعة في حركة الاتجاه الإسلامي و التي تندرج ضمن حركات الإسلام السياسي بعد تغيير خطها من حركة دعوية الى حركة تصبو للفعل والمشاركة السياسية، وهذا المفهوم مرتبط أساسا بصعود التيارات الإخوانية في مصر ومنازعتها للسلطة، ومن ثم قيام الثورة الإيرانية في أواخر السبعينات  التي غيرت المشهد السياسي العربي والإسلامي، فقد كان “نجاح” هذه الثورة محفزا ودافعا أساسيا للحركات الإسلامية في مختلف أنحاء البلدان العربية للمطالبة بأحقيتها في ممارسة النشاط السياسي ولم لا المشاركة في السلطة، و قد طاردت النظم الحاكمة قبل الثورة جل كوادرها و منهم من تم نفيهم و آخرين زجوا بالسجن، لكن ابان موجات التغيير التي تمثلت أساسا في الثورات العربية خرجت الحركات الإسلامية من خندق المعارضة كقوى محظورة ومطاردة إلى قوة سياسية فاعلة، ، فهذه الجماعات التي تتخذ من الإسلام وسيلة للتعبئة “”لا تقيم تميزا في تصوراتها وممارساتها بين الدين والسياسة وهي بهذا تقوم بتسيس الدين وتديين السياسة”[2].

والحقيقة إن موضوع الحركات الإسلامية وإشكالية العمل السياسي من المواضيع الراهنة التي وجب الاهتمام بها خاصة وأن دخول الحركات الإسلامية مجال العمل السياسي يطرح عدّة إشكاليات حول موقع الإسلاميين كفاعلين سياسيين، لأن هذه الحركات تتسّم بسهولة الانتشار داخل الأوساط الاجتماعية والأهم من هذا اعتمادها على خطاب سياسي ممنهج من أجل التعبئة البشرية، لكن الأهم، سعيها لتبرير تدخلها في السياسة، من خلال تأكدها على أن الإسلام نظام عالمي فليس المهم أن المجتمع يتكون من أفراد مسلمين بل المهم أن يعتمدوا في بنائهم الاجتماعي والسياسي على الشريعة الإسلامية، وهنا بمعنى أدق السير نحو أسلمه الدولة، فنظرة هذه الحركات إلى نفسها كحركات اجتماعية وسياسية مبنية على الإسلام كدين ونظام إيديولوجي في الوقت نفسه ساهم بدوره في تعقيد هذه الظاهرة وتداخلها، إذ يختلط فيها الديني بالثقافي والاجتماعي بالسياسي…وفي اطار سعي هذه الحركات لإعادة صياغة الهوية الدينية “للمجتمع التونسي” في فترة الانتقال الديمقراطي التي اتسمت بالهشاشة السياسية، برزت ثلة من المتطرفين والأصوليين سيطروا نوعا ما على المشهد الديني في تونس و تصاعدت موجات عنف باسم الدين لم تعهد البلاد مثلها ابدا، وكان لها عدة استتباعات اجتماعية وعقائدية، كما برزت أيضا عدة حركات دينية أخرى مثل المسيحية والبهائية، على غرار بروز الشيعة كطائفة فاعلة بعد تخفيها ما قبل الثورة خاصة مع دعم السلطة الإيرانية للثورة التونسية وتأكيدها على مساندة خيار الشعب التونسي في تقرير مصيره وهذا ما سنوضحه لاحقا في التحليل. فمن خلال هذه الورقة سنحاول أولا دراسة صعود حركة النهضة وسيطرتها على المشهد السياسي ما بعد الثورة، وأهم المفاهيم التي راهنت عليها في خطاباتها السياسية الاستقطابية كالقيم الدينية والهوية والأخلاق الإسلامية. ثانيا سنبرز أهم الحركات الدينية الأخرى التي غزت النسيج الاجتماعي التونسي خاصة الحركات الراديكالية والديانات غير الإسلامية التي ظهرت الفضاء العام إبان الثورة ناهيك أيضا دراسة مواقف حركة النهضة والنظام السياسي الإيراني تجاه بعضهما البعض وعلاقتها بانتشار التشيع في تونس. وأخيرا سنوضح أسباب تراجع حركة النهضة واضمحلالها التدريجي من الذهنية التونسية تباعا مع تقهقرها السياسي.

فما هو مسار تشكل حركة النهضة بهيئتها السياسية ما بعد الثورة؟ وكيف تجلى الحضور الإيراني في علاقته بها، ومدى ارتباطه بالمدى الشيعي في تونس؟ وما هي أهم الحركات الدينية الأخرى التي هيمنت على النسيج الاجتماعي التونسي ما بعد الثورة؟ وأخيرا كيف فقدت حركة النهضة شعبيتها وسطوتها السياسية؟

وللإجابة عن هذه الطروحات سنعتمد على المنهج الوصفي التحليلي من خلال اعادة تحليل البيانات والقراءات التي لها علاقة بموضوع الظاهرة المدروسة، خاصة أهم العوامل المساهمة في تنامي وتزايد الحركات الدينية بكل أنواعها وايديولوجياتها ابان الثورة.

1-قراءة في المفاهيم

  • الحركات الإسلامية:

إن مجرد الحديث عن الحركات الإسلامية يلزم الباحث بمسلمات وافتراضات عدة وذلك من خلال سيرورتها البنائية وطريقة استقطابها لعناصرها ولكن الأكيد أنه يجدر بنا الإشارة إلى “صعوبة الحديث بشكل تفصيلي وفي بحث واحد عن الجماعات الإسلامية في الدول العربية إذ أن هذا الموضوع متشعب بحيث لا يمكن إيفاؤه حقه إلا من خلال العديد من الأبحاث والدراسات“.

فالحركات الإسلامية تعتمد على الجانب الديني لتفعيل حضورها على الساحة الاجتماعية وهي تتخذ من الدين وسيلة للتعبئة لذلك ولتحليل هذه الظاهرة كان لابد من اعتماد المقاربة الدينية لما يحمله هذا الحقل السوسيولوجي من ميكنزمات ابتسمولوجية لتفسير وتحليل موضوع البحث ويؤكد الدكتور عبد اللطيف الهرماسي على أن الضرورة المنهجية تقتضي دراسة الدين كظاهرة اجتماعية بما تقتضيه من اقتصار الباحث على تفسير الاجتماعي بما هو اجتماعي و“الامتناع عن إقحام التفسيرات الميتافيزيقية في العمل العلمي إلى نزع الشرعية بالمطلق عن تلك التفسيرات التي هي مبرر الإيمان ووجود الظاهرة الدينية[3]من جانب آخر، يهدف علم اجتماع الدين أساسا لدراسات المجتمعات من حيث بناها الداخلية وعلاقاتها الجدلية ويسعى لتحليل الأسس الاجتماعية للمبادئ التي تحكم الجماعات البشرية خاصة ضمن المجال الديني فالسوسيولوجيا لا تسعى في تحليلاتها لتأمل الظاهرة الدينية وإنما البحث في طبيعتها ودورها الاجتماعي والتغيرات التي تعتري هذه الطبيعة وهذا الدور في سياق التطور التاريخي بينما تهتم المعرفة بالجانب السياسي، وقد ذهب البعض إلى أن الحركات الدينية لها خصائص تميزها عن غيرها وهي قدرة الدين على إعادة توجيه شخصية وسلوك الفرد جذريا كما أن للدين “”قدرة على إحداث الاندماج والتضامن الاجتماعي”[4]

وفي نفس السياق يؤكد دوركايم على دور الدين في تحديد حياة ومواقف وسلوك الأفراد والجماعات إذ يقول “الدين هو منظومة متلاحمة من الاعتقادات والممارسات المرتبطة مع الأشياء المقدسة بمعنى مفصولة، ممنوعة، معتقدات وممارسات تجمع في جماعة أخلاقية واحدة”[5].

ومن هنا نلاحظ أن الدين عند “دوركايم” هو شكل منظم للمقدس من جهة ومن جهة أخرى هو نمط للإنتاج المعايير الجماعية والوعي الاجتماعي وهو بالتالي ما يضمن ويحقق التضامن الاجتماعي وفي المقابل يعرف “الحقل الديني بأنه مجموعة من الخيرات الرمزية التي تهم مجال المقدس” ولهذا فالدين لا تنحصر وظيفته في تحقيق الانسجام الاجتماعي فقط، مثلما ترى الوظيفة، بل هو قادر على إنتاج التجديد والتغير الاجتماعي، أما “توران” فيرى أن “الدين يؤكد شخصية الفرد ويقاوم تدمير هوية الأفراد[6].

لهذا يرى الباحثين أن الحركة الإسلامية هي حركة اجتماعية وسياسية وتعتبر بوجه عام ردود فعل لتغييرات بنائية في المجتمع، ومن ثم تكون مرتبطة بمتغيرات أخرى مثل التحولات الاقتصادية والسكانية وبنية النظام السياسي ذاته. وأما أهم الأسباب التي تجعل علماء الاجتماع يتناولون الحركات الإسلامية على أساس أنها حركات اجتماعية وسياسية هو إصرار هذه الجماعات على تفعيل القيم والصور التقليدية في عملية التغيير والبناء، وما نقصده هنا أن الحركات الإسلامية تسعى إلى بناء نظام اجتماعي قائم على الإسلام وذلك بسبب عدة عوامل منها “مسائل مثل الهوية والتحديث وميراث الثقافي والمشكلات الاقتصادية والاجتماعية والمشاركة السياسية والسيطرة الأجنبية ثقافيا وسياسيا(32.1982.S.Ibrahim).

فالحركات الإسلامية في حقيقة الأمر هي حركات اجتماعية وسياسية تركز على كونها قوى سياسية في المجتمع لها أهدافها وخصائصها واستراتيجيتها، كما تتأثر بالظروف الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والفكرية السائدة شأنها في ذلك شأن أية قوى سياسية أخرى، وما صفة “الإسلامية” سوى تعبير عن الإطار الفكري الذي تنطلق منه هذه الحركات، لذلك فإن إعادة اكتشاف الإسلام وأسباب انتشار الحركات الإسلامية يعود بالأساس إلى دراستها كحركات اجتماعية وسياسية لا بتناولها كظاهرة للإحياء الإسلامي، وعلى الرغم من أن جل الباحثين الغربيين تناولوا الإسلام من جوانبه الثقافية والعقيدية دون الاعتراف به كقوة فعلية هامة في إحداث التغيير الاجتماعي، إلا أنه ومع بداية سنة 1979 أي مع قيام الثورة الإيرانية تغيرت النظرة للإسلام باعتباره محرك إيديولوجي وسياسي واعتبر مثال أعلى للمجتمع الإسلامي، فأصبح مصدرا لحركات سياسية شتى بل “مالت النظم السياسية في المجتمعات الإسلامية إلى إدراجه ضمن توجهاتها وأساليبها في إدارة البلاد”[7].

وقد زخر العالم الإسلامي بالحركات الإسلامية والتي تنوعت بين الحركات ذات التوجه السياسي الإصلاحي الديني كالحركة السنوسية في ليبيا، والحركة المهدية في السودان، وحركة محمد عبد الوهاب في الحجاز…او الحركات الصوفية كالتيجانية والقادرية والادريسية…وأخيرا الحركات الراديكالية او المتطرفة التي اتخذت التطرف كمنهج وأسلوب لتغير المجتمعات باعتبارها “جهاد” من أجل الدين. وهذا ما يدل على أن توجه مثل هذه الحركات ليس القيام بإصلاحات سياسية او اجتماعية او اقتصادية بل همهم هو جعل الدين أساس عملهم ومركز أهدافهم، وأولوياتهم هي كيفية تطبيق قيمه وأصوله وذلك وفقا لتصوراتهم الخاصة للدين.

ما يمكن قوله أن هذه الحركات هي نتيجة للأزمتين واجهتا المجتمع والنظم الإسلامية ونقصد هنا الأزمة العقائدية والأزمة الاجتماعية والسياسية، بمعنى آخر كيفية الحفاظ على العقيدة الدينية والجوانب الأخلاقية المرتبطة بها وإقامة دولة إسلامية تنشد العدل والمساواة، باختصار يمكن القول أن هاتين الأزمتين دفعت جماعات مختلفة لطلب الإصلاح والثورة على عدة متغيرات منها : التهديدات الخارجية ، اهتزاز القيم والمعايير، انتشار حالات القلق الاجتماعي ووقوع الاضطرابات الاقتصادية والسخط على الحكومات، لذلك حظيت معظم هذه الحركات الإسلامية ببناء تنظيمي قوي وذلك لقوة الاعتبارات الإيديولوجية التي تحملها إلى جانب الإصرار على تحقيق التغيير الاجتماعي الجذري وكذلك بطش الحكومات العربية بغالبية الحركات الإسلامية الرافضة لسياستها.

  • الإسلام السياسي:

بدأ الحديث عن الإسلام السياسي إبان الثورات العربية وتنامي ظهور الحركات الإسلامية على الساحة السياسية لهذه البلدان حيث يمكن القول هنا أنها باتت قوة اجتماعية وسياسية تستمد شرعيتها من اعتراف القوى الشعبية بها، ويجدر بنا الإشارة أن دراسة ظاهرة الإسلام السياسي جاء نتيجة متغيرات تاريخية وهنا يجب أن ننوه أن “العلاقة بين التاريخ وعلم الاجتماع هامة إذ تشكل المادة التاريخية إحدى أهم مواضيع البحث السوسيولوجي باعتبارها تحمل خصوصيات الوقائع”[8].

وقد أسلفنا سابقا أن انخراط الحركات الإسلامية في العمل السياسي جاء نتيجة متغيرات اقتصادية وفكرية بما فيها قضية الهوية وهي محرك أساسي للمنهج الإيديولوجي الذي اعتمدته هذه الحركات، وقد رأى بعض المختصين في الشؤون الإسلامية أن تنامي هذه الظاهرة “مقرونا بالشعور بالخيبة من فشل الحكومات والأيديولوجيات العلمانية إضافة إلى أزمة الهوية والشعور بالدونية تجاه الغرب”[9].

وعلل آخرون هذا التطور بالرجوع إلى أزمات أخرى بدءا من الأزمة الاقتصادية العالمية 1929 “مرورا بالأزمات الاقتصادية والسياسية التي ضربت العالم الإسلامي في النصف الثاني من هذا القرن [10]. ويضيف غيرهم الرأي بأن “هذه الحركات هي رد فعل دفاعي في المجتمعات الإسلامية التي دهمتها الحداثة وهددتها بالتفكك والانهيار[11]، كل هذه الأسباب ساهمت في تشكيل ظاهرة الإسلام السياسي، فالحركات الإسلامية تأثرت إلى جانب هذه الظروف بحركات فكرية وثقافية شكلت لديهم مفاهيم حديثة في عقلنه العمل السياسي وكيفية توظيفه ضمن المنظومة الدينية الإسلامية ونذكر من هؤلاء “أبو الأعلى المودودي” مؤسس الحركة الدينية بالهند في 1941 وحسن البنا” مؤسس حركة الاخوان في مصر، ومن بعده نجد “السيد قطب” الذي كان متأثرا بفكر حسن البنا، ومن هذا المنطلق بدأ تأثير فكر هؤلاء على بعض الشباب العربي والإسلامي والذين قاموا بتشكيل جماعات دعوية آمنوا بحس الجماعة الديني “وقد ساعد على تنمية هذا الشعور طبيعية النشاط الديني في حد ذاته باعتباره نشاط يدعم الشعور بالانتماء الجماعي”[12].

لكن أكبر محفز لتنامي ظاهرة الإسلام السياسي هي الثورة الإيرانية التي أعطت الأمل لبعض الحركات الإسلامية التي تؤمن بأن التغيير والإصلاح الديني لن يتم إلا من خلال السيطرة والمشاركة الفعلية في العمل السياسي، فهذه الثورة كان لها “تأثيرا استعراضي على الشباب كنموذج لقدرة الخطاب الديني على التعبئة والتغيير”[13].

أما في العشرية الأخيرة فقد تّم استخدام الإسلام السياسي كمصطلح إعلامي لوصف الحركات الإسلامية، وقد شاع تداوله بعد أحداث 11 سبتمبر 2001 خاصة في التحليلات الغربية مما أدى إلى عدم التمييز بين الإسلام كدين ومرجع عقائدي وبين الحركات الاجتماعية “التّي تتخذ من بعض الاجتهادات في تفسير وتطبيق الشريعة مرتكزا لها بمعنى “اللجوء إلى مفردات الإسلام كدين للتعبير عن مشروع سياسي[14].

أما في تونس “فالحركة الإسلامية ليست حركة إصلاحية وهي ترفض أن تكون مجرد جماعة دينية ينحصر دورها في العبادات والأخلاق بل هي حركة سياسية تطرح بديلا كاملا في الحياة الاجتماعية والسياسية والثقافية والاقتصادية[15]، لكنها تعرضت لعدة مطاردات أمنية وحملات اعتقال لأهم كوادرها وتقريبا مرت هذه الحركة بفترة خمود منذ 1990 إلى حدود قيام الثور سنة2010 التي كانت محفزا فعليا لبروزها من جديد واقتحامها لمجال السلطة بقوة وبحضور مكثف من خلال الأحزاب السياسية ذات التوجه الإسلامي، كذلك تنامي ظاهرة الأصولية الإسلامية والمتمثلة أساسا في حركات إسلامية متشددة والتي يرجعها بعض المحللين إلى أنها نتاج لإرهاصات سياسية وثقافية تتسم بالخصوصية نوعية سنبينها في سياق تحليلنا.

  • الهوية:

أغلب الحركات الدينية هي نتاج لهوية ما او بتعبير أصح هي نتاج لأزمة هوية، فهذا المفهوم يطلق على نسق المعايير التي يعرف بها الفرد، فهي حقيقة الشيء او الشخص المطلقة التي تحوي ثوابته ومبادئه، هي باختصار الذات والأصل والمرجعية والانتماء، وفي إطار الهوية تتشكل وتتفاعل العديد من الحقول المعرفية مما يخلق نوعا من الديناميات ك “الأنا” و “الاخر”، وال “انا” وال “نحن”، وقد أوضح اريكسون Erikson  ان هناك عدة شروط ذات صلة عميقة بالهوية وضرورية لقيامها، ومن هذه الشروط “الشعور بوحدة الشخصية و تكاملها، و الشعور بالوحدة و الاستمرارية الزمنية، والشعور بالمشاركة العاطفية، و الشعور بالثقة و الاستقلال و المراقبة الذاتية”[16] .

فالهوية هي رابطة روحية ضميرية بين الفرد ومجتمعه يسعى من خلالها إلى المحافظة على المقومات التي استمدها من محيطه الاجتماعي من الانهيار و التحلل في ظل المتغيرات الاجتماعية التي يشهدها العالم، لكن هذا لا ينفي وجود حالات من التمرد على العادات والتقاليد والأعراف والقيم المجتمعية، مما يعزز حالات الاغتراب الاجتماعي لدى الفرد وهذا ما عبر عنه اريكسون Erikson “بأزمة الهوية”،  وهي نتاج لفشل الفرد في الاستقرار ضمن هوية محددة، اذ يقول ” ان لفقدان الهوية أحيانا و اضطرابها و أزمتها أحيانا أخرى اثرها الواضح على شعور الفرد بالعزلة و الاغتراب، و ينعكس ذلك بالتالي على صحة الفرد النفسية حيث انحلال الشخصية و صراع القيم و سوء التوافق”[17]، وهذا ربما ما ينطبق على الجماعات الإسلامية المتطرفة او ما يصطلح عليها بالجماعات الراديكالية ناهيك عن العابرين من الإسلام الى ديانات أخرى، فجلهم “يعيشون حالات اغتراب يهجرون مجتمعاتهم لعدم اتساق ذواتهم مع هذه المجتمعات، فيمارسون أقسى درجات العنف”[18] و بالتالي يعاد هنا انتاج هويات ذات خصوصية نوعية تتماشى مع متغيرات الوضع وراهنية الفعل الاجتماعي، و هو ما يحيلنا الى ان الهوية ديناميكية تبنى وفقا لتفاعلات و التبادلات الاجتماعية السائدة.

2-حركات الإسلام السياسي في تونس، النشأة والتطور

*حركة النهضة

تعد حركة الاتجاه الإسلامي سابقا (حركة النهضة حاليا) من الحركات الاحتجاجية التي برزت في بداية السبعينات ضمن عدة حركات أخرى والتي منها اليسارية والماركسية…وكلها نتاج لغياب العدالة الاجتماعية وعجز الدولة التونسية عن تحقيق التنمية الشاملة التي كانت من أهم الأهداف التي وجب تفعيلها ابان الاستقلال، لكن وبسبب التجارب التنموية والسياسات الاقتصادية الفاشلة التي تم اعتمادها من قبل النظام الحاكم مثل تجربة التعاضد في 1961 والتي ساهمت إلى حد كبير في انتشار البؤس وتعاظم الفقر الذي استفحل في صفوف العملة وصغار الموظفين والمزارعين. وبدأت الاعتراضات والتنديدات المساندة للحركات النقابية مما أسفر عن إيقاف الحبيب عاشور عن ممارسة أي نشاط حزبي وذلك يوم 28 جوان 1965 وتواصلت الاحتجاجات إلى حدود 1969 حيث سقطت التجربة الاشتراكية واتهم أحمد بن صالح بالخيانة العظمى ومن ثم عزله”[19]، وعلى إثر الدعم المالي من صندوق النقد الدولي تبنت تونس التجربة اللبرالية وهو مازاد في الفوارق الاجتماعية بين البرجوازية مدعومة بجهاز الدولة والحزب الحاكم وبين الفئات الشعبية التي أقل استفادة من مكتسبات التحديث”[20].

هذا وقد تنامت ظاهرة الجهوية بين مختلف الجهات الداخلية ومناطق الساحل في البلاد التونسية، اذ كانت كل الاستثمارات تقريبا موجهة للمدن الساحلية مقابل استلاب الثروات والمواد الأولية من المناطق الأخرى مما دفع بسكان هذه المناطق للهجرة نحو المدن الكبرى ” وبالتالي تشكل حزام فقري حولها كنتيجة حتمية لهذه العوامل تولدت أزمة قيم على الصعيد الاجتماعي التونسي وتنامت الهوة بين الريف والمدينة في ظل هذه التنمية غير المتكافئة وتمركز الشمولية الاقتصادية الاستثمارية والاجتماعية والثقافية بين المناطق الساحلية، تعاظمت التناقضات الطبقية بعمقها الاجتماعي [21]، كما نتج عنها ارتفاع في نسب العاطلين عن العمل وانتشار الآفات الاجتماعية، وحدوث خلل في النظم الاجتماعية على مستوى الأفراد، مما جعل من تلك الأزمة أمرا واقعيا يجبر الدولة على أخذه بمعيار الجد في برامجها التنموية، هذا بالنسبة للجانب الاقتصادي اما بخصوص الجانب الديني نجد ان بورقيبة كان من أشدّ المعجبين بمصطفى كامل أتاتورك والمنهج الذي انتهجه في بناء الدولة التركية، كما كان دائم الإشادة بالدولة الفرنسية ونظمها فأراد أن يصنع من الدولة التونسية نموذج موازي لهذين النموذجين وكانت أهم عقبة بالنسبة له هي العقيدة الإسلامية التي رأى أنها السبب الرئيسي في إعاقة التقدم، لهذا وجب القطع الكلي مع هذا الموروث التقليدي من أجل بناء مجتمع حداثي وهذا ما يؤكد عليه الدكتور منصف وناس في قوله ” فقد هدم الخطاب البورقيبي المرجعية الدينية التقليدية واستبدل بها مرجعية جديدة أساسها التحريض على مقاومة التخلف مسميا هذه الممارسة معركة وجهاد”[22]، وقد شنّ بورقيبة ” حملة على كلّ مظاهر الإسلام المنظم والمؤسس وغايته كانت هدم الذاكرة الجماعية والمرتكزات الأساسية للذاكرة الإسلامية الوطنية”[23]، و تجلى هذا في إصدار أمر ” 31 ماي 1956 و18 جويلية 1957 الذي ينص على فكّ الأحباس المخصصة للأغراض دينية”[24]، و إصدار مجلة الأحوال الشخصية في 1956 والتي تعد من أهم إنجازات بورقيبة الحقوقية رغم أن العديد من خريجي الزيتونة اعتبروا المبادئ التي تضمنتها هذه المجلة هو خرق واضح لتعاليم الإسلام ومقوماته العقائدية والشرعية، خاصة في مسألة تجريم تعدد الزوجات ومنعه، ناهيك عن توحيد القضاء وفقا للنظم القانونية الفرنسية وبالتالي إغلاق المحاكم الشرعية، وإعطاء الحق للمرأة في المطالبة بالطلاق أمام القضاء و هو أمر غير مألوف في المجتمع التونسي، هذا وقد أباح التبني و إلحاق المتبني بالقائم بالأمر وهو ما اعتبره بعض علماء الدين انتهاكا فعليا لقدسية القرآن الذي حرم هذا الامر ونهى عنه صراحة، ولم يكتفي بورقيبة بهذه الإجراءات بل ذهب الى أكثر من ذلك “”فقد سمح بورقيبة لنفسه أن يعبث بالمؤسسة الدينية من خلال غلق الجامعة الزيتونية وحل جمعية الأحباس والاستخفاف بالقيم الإسلامية[25]، وإباحة عدم الصيام وتأميم المساجد وغيرها من الممارسات التي كان واضحا فيها خطه التحديث في مقابل إزاحة الانموذج التقليدي بل والقطع معه معتبرا أن الحداثة والتقدم لا يمكن بنائهما إلا من خلال “الإيمان بالقومية والعلمية والعقلانية وإقصاء الدين والتفسيرات الغيبية عن واقع العلاقات والتعاملات الاجتماعية واقتصادية”[26]. وهو “ما يستوجب بالضرورة تحديثا ثقافيا”[27]، كل هذه العوامل خلقت حركة احتجاجية اتخذت من الدين وسيلة للتعبئة والاحتجاج أمام الاستراتيجيات الفاعل السياسي والتي منها “إضعاف القوى الدينية أو العقائدية الإسلامية في المجتمع”[28]، طبعا هذا الى جانب الحركات الاحتجاجية الأخرى كالحركات العمالية والحركات النقابية لكن كان الاحتجاج الديني هو الأبرز في تلك الفترة لعدة اعتبارات أهمها حالة الفراغ الديني الذي خلق حالة من الاغتراب العقائدي والذي تبلور أساسا في خلو المساجد الا من بعض المسنين، مما حذا بثلة من الشباب بإنشاء حركة دعوية بدأت من المنازل ثم المساجد للتجديد الخطاب الديني، بل ويمكن القول إعادة إنتاجه وإحيائه داخل المجتمع، ثم تمادت هذه الحركة إلى الفضاء العام بالأخص الجامعات والمعاهد التي كان محور تحركهم الدعوي المتمثل في الذود عن الهوية الإسلامية التونسية ضد الخط التحديثي البورقيبي، وقد كانت هذه الحركة متعددة الروافد والمرجعيات الفكرية والعقائدية مثل الصوفية والاخوانية، والسلفية أيضا.

وقد اعتبر الكثير من الإسلاميين آنذاك ان حركتهم هي ردة فعل على حملات التغيير فهي باختصار مشروع ضد مشروع، وقد تدعمت هذه المحاولات التغيرية خاصة “إثر التأثير الاستعراضي للثورة الإيرانية على الشباب كنموذج قدرة الخطاب الديني على التعبئة والتغيير”[29]، وطبعا كباقي الحركات الاحتجاجية الأخرى قام النظام البورقيبي بشن جملة من الاعتقالات وانتصبت لثلة من كوادرها المحاكمات بتهمة التآمر على أمن الدولة، و قد بقيت العلاقة بين النظام والحركة علاقة مد وجزر إلى حدود 1987 إثر قيام النظام النوفمبري، الذي قام برد الاعتبار النوعي للهوية الدينية التي همشها النظام البورقيبي فقد أعاد فتح جامعة الزيتونة، وسمح بإذاعة خطب صلاة الجمعة و الأذان عبر أجهزة الإعلام المرئية والمسموعة”[30].

ولكن رغم هذا لم تعترف السلطة بشرعية الحركة الإسلامية على اعتبار أنها تتعارض مع مدنية الدولة بكل مقوماتها، إلى جانب أن قانون الأحزاب يمنع تأسيس أحزاب على أساس العرق أو الدين ـأو اللغة، وهو ما حذا بالحركة الى تغيير إسمها فأصبحت “حركة النهضة” وذلك من أجل أن تكون فاعلة سياسيا في البلاد، وفي سنة 1989 دخلت الحركة في صراع مع النظام النوفمبري على إثر إعلان نتائج الانتخابات والتي أقرت فوز الأخير بنسبة كبيرة، وهذا ما عدته الحركة تزويرا تم على إثرها شن حمالات اعتقال ومحاكمات بحق كوادرها والمنخرطين فيها تراوحت بين السجن والاعدام، وفيهم من طلب حق اللجوء في بلدان أجنبية، ومنذ ذلك التاريخ لم يظهر أي نشاط للحركة الى غاية قيام الثورة التونسية التي كانت فرصة لهم من أجل البروز والتموقع في صلب المجتمع التونسي الذي كان آنذاك فضاء خصب للاحتوائهم وطبعا هذا يعود لعدة اعتبارات منها:

استثمار الذاكرة الموجوعة من أجل كسب التعاطف بسبب الهرسلة التي تعرضوا لها من قبل النظامين السابقين، كما طرحت كبديل سياسي له مصداقية دينية على حد تعبير التونسيين (ناس تخاف ربي) خاصة بعد ترويجها خلال حملتها الانتخابية لمثالية سياسية واقتصادية تتماهى مع النموذج التركي الاردوغاني أو ما يمكن أن نطلق عليه التدين العلماني، وقد لاقى هذا الترويج قبولا واسعا في الأوساط الشعبية التونسية وتبلور هذا أساسا في النتائج الانتخابات التشريعية في 2011 والتي تمكن خلالها حزب حركة النهضة من الحصول على 89 مقعد من جملة 217، فقد اعتقد العديد من التونسيين أن حركة النهضة ستطبق الشريعة الإسلامية وأن تتمسك بالأصولية في توجهاتها السياسية.

  • حركات سياسية أخرى ذات توجه ديني

كانت الثورة مجالا أو بلغة أصح متنفس فعلي للعديد من الحركات الدينية التي اختارت المنحى السياسي لبلورة وجودها وتحقيق أجنداتها الفكرية، معتمدة في ذلك على القواعد الجماهرية والاجتماعية الداعمة لها ومن بين هذه الحركات نجد حزب التحرير، وهو تكتل سياسي إسلامي يدعو إلى إعادة إنشاء دولة الخلافة الإسلامية وتوحيد المسلمين جميعا تحت راية الخلافة، تأسس في مدينة القدس سنة 1953 على يد تقي الدين النبهاني وقد انشرت هذه الحركة في تونس في بداية الثمانينات وتعرض أفرادها للمحاكمة في تونس لأول مرة سنة 1983، وحتى في العهد النوفمبري تمت محاكمتهم في مارس 1990، ومارس 2007، وأخيرا جوان 2007، وقد عادت هذه الحركة للعمل السياسي ابان الثورة بقيادة رضا بالحاج، كما برزت في الفضاء الاجتماعي آنذاك من خلال فاعليها الحاملين لراية الخلافة التي يرونها كحقيقة حتمية وأن مدنية الدولة هو توجه غربي و مسار علماني مرفوض، وأن صلاح “الأمة” لن يتم إلا  باعتماد الشريعة الإسلامية قلبا وقالبا، وقد مثل هذا الحزب اشكالا فعلي خاصة بعد منحه تأشيرة العمل الحزبي يوم 17 جويلية 2012، فقد امتازت برامجه بالشمولية والكونية والحتمية، وقد دعا في وقت سابق إلى تغيير النظام السياسي في تونس مما دفع السلطات التونسية إلى تعليق نشاط الحزب في عدة مناسبات بسبب مجاهرته بالتحريض على الكراهية والعنف وتكفير الفرقاء السياسيين المنتميين لروافد فكرية أخرى كاليساريين و الشيوعيين … إلى جانب رفضه لقواعد العيش السلمي الذي يفرضه الاختلاف، كما تم منعه من إقامة مؤتمره السنوي، وهو ما اعتبره بعض السياسيين سابقة تتعارض مع الديمقراطية الوليدة في البلاد، ورغم منحه العديد من الفرص إلا أنه تمادى في غلوه الى درجة اقراره بوجوب الجهاد كما أنه جرم الانتخابات باعتبارها من الممارسات الغربية، و لهذا فقد سُحبت منه رخصة العمل الحزبي ولم يبقى منه إلا بعض التصاريح الإعلامية تارة أو بعض البيانات الخاصة بكوادره تارة أخرى.

ومن حركات الإسلام السياسي الأخرى التي عرفتها تونس إبان الثورة خاصة بعد الانتخابات التشريعية 2019، نجد حزب الرحمة الذي حاز على 3 مقاعد داخل البرلمان وقد أسسه صاحب إذاعة للقرآن الكريم يسمى (س.ج) والذي كان مهاجر في كندا قبل أن يتم ترحيله دون عائلته لتونس بعد توجيه عدة تهم له منها شبهة إرهاب وتزوير وتدليس…وغيرها من التهم التي أنكرها في عدة منابر إعلامية، وقد امتاز مؤسس هذا الحزب بدعوة إلى الدين وإعادة إحياء العقيدة الإسلامية في صفوف التونسيين وذلك من خلال الإذاعة التي يمتلكها، وقد رأى بعض المحللين أنه قد استعمال فن الخطابة الدعوية للتعبئة السياسية موظفا في هذا اذاعته الخاصة وهو ما تعارض مع قانون الانتخاب، ناهيك أنه وبدخول المجلس قد أثار الجدل بتصاريحه التي تنم عن انعدام الخبرة السياسية والتعبيرية حتى أنه وصف النواب المنظوين تحت لواء حزبه ب (النعاج أي الخراف). كما اثار حزب آخر الجدل في الانتخابات الفارطة باعتباره حسب رأي الكثير من المحللين والسياسيين “بوق المتطرفين” في المجلس، والمقصود هنا هو حزب ائتلاف الكرامة الذي فاز ب 20 مقعدا داخل البرلمان بقيادة المحامي المعروف (س.م)، الذي دائما ما كان يدعو الى استرجاع الدولة التونسية حقوقها في تسيير مواردها ورفع يد الفرنسيين عنها على اعتبار أن عدة اتفاقيات مازالت تكرس للهيمنة الاستعمارية الفرنسية التي مازالت سارية المفعول من الاستعمار إلى اليوم، وهو ما حمس العديد من المواطنين للانتخاب حزبه أملا منهم في تكريس دعواته الإعلامية داخل المجلس من خلال سن قوانين تحفظ للتونسيين حقوقهم، وكانت دعواته هذه تعبئة سياسية غير مباشرة لعدة  أعوام حصد ثمارها حينما خاض غمار الانتخابات التشريعية، لكن مع فوزه  صاحبته العديد من الأوصام منها “محامي الارهابين”، “بوق الفوضى والإرهاب”، ” صوت التكفير برعاية الاخوان”، كل هذه التوصيفات مردها دفاعه في وقت سابق عن العديد من الارهابين في ساحات القضاء إلى جانب جداله الدائم مع النواب الممثلين عن حزب الدستوري الحر، و كأن بالمجلس التأسيسي اصبح حلبة للصراع بين جل الفرقاء السياسيين خاصة الإسلاميين ضد الدستوريين و تبادل الاتهامات بينهم.

3-الحركات الراديكالية والجماعات الدينية الجديدة في تونس

  • الحركات الراديكالية

الحقيقة ان الحركات الراديكالية او ما يصطلح على تسميتها بالحركات الجهادية ليست وليدة الثورة بل هي سابقة لها، ولكن الثورة كانت فرصة لبروزها بعد قمعها وتقويضها من قبل نظام بن علي، فالمتأمل في بروز هذه الحركات سيلاحظ أن مجال نشاطها في التسعينات وبداية الالفية الثانية كان خارج حدود البلاد التونسية، فقد هاجر العديد من التونسيين نحو البوسنة للانخراط في الجماعات الجهادية سنة 1992 إثر حربها مع  صربيا، ومن ثم التحق العديد من الشباب الجهادي التونسي بحركة طالبان وذلك سنة 1994 لدعمها في حربها ضد الاتحاد السوفياتي سابقا، كما انخرط بعض من هؤلاء ضمن المقاتلين الشيشانيين، لكن أكثر نسبة من الشباب الجهادي الملتحق بمناطق النزاع كان في حرب العراق ضد القوات الامريكية في سنة 2003، والمتأمل هنا سيتسأل عن سبب انخراط هؤلاء في هذه الحركات وضمن مجال جغرافي بعيد كل البعد عن مناطق التوت، نقول أنه ربما كان “دافعهم الأساسي هو الذود عن الهوية الإسلامية  القومية العربية ومقاومة المحتلين سواء كانوا روسا أو أمريكان وما يحملونه من أنموذج استعماري حداثي لطمس الهوية الإسلامية العربية وهو شيء مرفوض باعتبار أن الإسلام هو الأساس الفكري والهوياتي والإيديولوجي للعالم الإسلامي[31]. أما بالنسبة لظاهرة التطرف في تونس فالأكيد انها شهدت تغييرات جذرية ونوعية في كيفية التحرك والتواجد في الفضاء العام، فمثلا أول محاولة إرهابية عايشها المجتمع التونسي كانت “أحداث سليمان سنة 2006” والتي أحبطها الجهاز الأمني والعسكري آنذاك واللذان يمتازان بقوة استخباراتية عالية الجودة، ناهيك عن سرعة التحرك والسيطرة ويتجلى هذا في أن ” عدد المساجين الذين حوكموا بمقتضى قانون (مكافحة الإرهاب) تحت نظام بن علي حوالي 2000 سجين، كان منهم حوالي 350 من المصنفين من (ذوي التدريب العسكري) أو ممن نشطوا في تنظيمات عسكرية في أفغانستان والجزائر والعراق”[32] ، لكن بعد الثورة عايش المجتمع التونسي نقلة نوعية في جل المجالات السياسية والاجتماعية والاقتصادية وبالأخص الأمنية فبعد سقوط النظام وعودة حركة النهضة إلى الواجهة السياسية، أرادت أن تبرهن انفتاحها على جل المكونات الاجتماعية واستعدادها لبدء مرحلة جديدة مثلها مثل الأحزاب المنتخبة الأخرى، ولهذا أصدرت هي وشركاؤها السياسيين مرسوم “العفو التشريعي العام” سنة 2011،  وشمل هذا العفو المحكومين السالف ذكرهم، وهو ما مثل بلاء على المجتمع التونسي خاصة بعد احتكار هؤلاء الفضاء العام وتوظيفيه لدعواتهم الدينية الأصولية والتي شملت الجانب الجهادي، وهذه النقطة تعد علامة فارقة في التاريخ تونس كما أنها نقطة سلبية تسجل للنظام الحاكم آنذاك بقيادة حركة النهضة، لكن الملاحظ في هذه الفترة أيضا أن هذه الحركات اتسمت بالتنوع ما بين السلفية العلمية التي تتبنى فكرة الدعوة بالكلمة الطيبة والوعظ الديني وترجّي المقاتلة بالسلاح، فمنهجها يقوم على الدعوة داخل المساجد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وترسيخ الأخلاق والقيم الإسلامية، وذلك بهدف تغيير المجتمع تدريجيا والوصول به إلى حدود الشرع الصحيحة، أما رأيهم حول السياسة  فالمنخرطون في هذه الحركة يرون أنّ العمل السياسي هو مجرّد ممهاة للعالم الغربي وبالتالي فالمنظومة الحكومية لا تمثلهم و لا يعترفون بها مع تأكيدهم بوجب القطع مع الحاضر باعتباره متنصل من القواعد الدينية، والتبجح بالحضارة الإسلامية بما فيها من عزّة وفخر، أما السلفية الجهادية فلها قناعة أنّ النمط التغييري لا يتم إلا من خلال الجهاد بالسلاح فهم يرغبون  في محاربة “الطغيان” والانحلال الديني وذلك من خلال الموت في سبيل تطبيق شريعة الله على الأرض، والحقيقة أنّ لديهم قناعة كاملة ومتجذرة بأنّ الإسلام الصحيح أي “الإسلام الأول” لا يمكن تحقيقه إلاّ بخطاب الجهاد المسلح والدعوة للانتهاج سياسة السلف الصالح من أجل استرداد أمجاد الماضي وذلك بالقطع مع كل مظاهر الحداثة والتشبه بالغرب وتفعيل الخلافة كنظام للحكم، فهم يرفضون الدولة كإطار للانتماء باعتبارها نتاج للمنظومات الغربية “الكافرة” على حد تعبيرهم.

لكن رغم الفرق النسبي بين هذين التيارين إلا أنهما يصنفان ضمن الحركات الأصولية، ومن بين هذه الحركات نجد “حركة أنصار الشريعة” بقيادة أبو عياض التي صنفت كحركة إرهابية من قبل الحكومة التونسية، كما توجد تقارير تشير إلى تورطها في عملتي الاغتيال السياسي التي شهدتهما تونس في 2012، هذا ونجد أيضا ” كتيبة عقبة ابن نافع” و” كتيبة جند الخلافة”…وقد اتسمت هذه الحركات أو الجماعات بسلاسة اختراق المجموعات الشبابية المتعطشة للدين بسبب افتقدها للهوية الدينية بعد تجفيف ينابيعها من قبل النظام البورقبي والنوفمبري مما جعلهم أرضية خصبة لعملتي الدمغجة والتوظيف، هذا دون اعتبار استغلال الجماعات الاصولية للهشاشة الاجتماعية والمادية التي يعايشها هؤلاء والتي تجعلهم يثورون ضمنيا على النظم الحاكمة وعلى الدولة، باختصار ينسلخون عن انتمائهم الوطني ويصبحون منتمين للفكر الجماعة التي تقودهم إلى رحلة البحث عن الذات والهوية وصولا إلى مرحلة التكفير عن الذنب، وهذه الاستراتيجية وظفتها هذه الجماعات في كل المساجد التي سيطرت عليها والتي قاربت 6000 مسجد طبعا هذا أمام عجز الدولة عن احتواء هذه الحركات المتمردة في مرحلة أولى، و كان من نتائج هذا الانفلات حسب ما افادى به التقرير الذي أعدّه فريق العمل التّابع للجنة الأمن الداخلي لمجلس النّواب الأمريكي أكد “أن تونس تحتل صدارة ترتيب البلدان بأكبر عدد من الشباب الذين غادروا بلادهم للالتحاق ببؤر التوتر حسب الأرقام التي قدمتها وزارة الداخلية التونسية لسنة 2016 فقد ذهب أكثر من 3000 شاب للقتال في سوريا وقتل من بينهم 800 بينما رجع 600 إلى تونس”[33]، “وبناء على أرقام عدد الجهاديين والمتعاطفين معهم من أنصار الشريعة نجد حوالي 10 ألاف تونسي متأثرين بالأطروحات الجهادية ومستعدين للجهاد خارج البلاد”[34]، وحسب دراسة قدمها المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية حول الارهاب من خلال الملفات القضائية وجدوا في 1000 عينة أن 40% هم من الحاملين لشهادة علمية أو لديهم مستوى جامعي في حين أن 33% لديهم مستوى تعليمي ثانوي، و13% متحصلين على شهادة في التكوين المهني و4% حاملين لشهادة الباكالوريا، و10% تعليم ابتدائي، كما مثل العنصر النسائي 3.5%، أما أعمارهم فهي تتراوح ما بين 15 و 35 سنة من ذكور وإناث وأغلبية هؤلاء الشباب هم شباب خريج جامعات مثل الطب والفيزياء والكيمياء والاعلامية والهندسة وكلهم متأثرون بهذا الفكر الإيديولوجي ويوظفون قدراتهم العلمية في العمليات الارهابية المنظمة”[35]، وهنا نرى أن الجماعات الراديكالية عرفت كيف تستثمر وتوظف المشاكل التي يعانيها الشباب خاصة الضغوطات الاجتماعية والنفسية وحاجتهم للانتماء الهوياتي في ظل الاختلالات القيمية التي اتسم بها الفضاء الاجتماعي العام والخاص مما عمق حالة الاغتراب النفسي والاجتماعي لديهم، وفي ظل هذا الشعور بالإقصاء يلجئون إلى  منظومة القيم الدينية كإطار هوياتي لتخفيف وطأة حالة اليأس  التي يعيشونها وهنا يمثل الدين البعد القيمي والملجأ الذي يعطي نوعا من الاستقرار النفسي فهو المسكن لحالات القهر والغليان و هذا ما يؤكده ماكس فيبر بقوله “يظل الدين عزاء المحرومين، إذ يبقى دائما في خدمة المساكين يقدم لهم العون على تحمل الحياة ويحول دونهم والسقوط في اليأس والقنوط“، خاصة أمام سياسة التهميش التي تنتهجها الدولة إزاء هؤلاء والتي يمكن أن نقول بأنها سياسة دفع وتغريب تساهم إلى حد ما في تسهيل عمل الجماعات الأصولية.

  • الجماعات الدينية الجديدة

الحقيقة هي ليست جماعات دينية جديدة بل فيها من جاوز الأكثر من مائة عام بتواجده داخل الفضاء الاجتماعي التونسي، لكن وبحكم السياسات المتبعة من قبل النظم الحاكمة تم التعتيم عن وجودها في إطار تأسيس أحادية الشعب التونسي التي تطال الدين والانتماء الحزبي… لهذا تم تطويق حراكها كسائر الحركات الدينية الأخرى ومن بين هذه الجماعات نجد:

– أولا، البهائية التي أتمت أكثر من مائة سنة بولوجها إلى البلاد التونسية على يد محي الدين الكردي وهو بهائي مصري وذلك سنة 1921، ورغم إقامة أول مؤتمر بهائي في تونس سنة 1956، إلا أن سلطات ما بعد الاستقلال لم تمنحهم ترخيصاً قانونياً لممارسة نشاطهم، لكنها غضت البصر في ذات الوقت عن المركز البهائي العام في العاصمة التونسية وعن نشاطاته الى غاية 1969، فقد أصدرت السلطات قانوناً يتعلق بـ”الاجتماعات العامة والمواكب والاستعراضات والتظاهرات والتجمهر”، انجر عنه حل المحفل الروحاني الإقليمي لشمال غرب إفريقيا الذي كان مقره تونس. لكن المحفل الروحاني البهائي التونسي عاد للنشاط بعد انتخابات ذاتية منذ عام 1972 لكن دون اعتراف رسمي أو قانوني، وفي سنة 2008 تم تكفيرهم بفتوة صادرة عن مفتي الديار التونسية، والكثير من رجال الدين يعتبرون الديانة البهائية من العقائد الهدامة في المجتمعات المسلمة ويعدونها صناعة استعمارية لضرب الهوية الإسلامية، ويدعمون رأيهم بتواجد مقر حج البهائيين في منطقة الكرمل بحيفاء وتحت إشراف سلطة الاحتلال الصهيوني، لكن يجب أن ننوه إلى حقيقة اجتماعية أن أغلبية الشعب التونسي يجهل هذه الجماعة و تعالميها كليا، ولكن بعد الثورة خرجت الحركة البهائية للعلن من خلال تكوينها لجمعية تنشط ضمنها في المجال الاجتماعي والحقوقي من أجل تفعيل الاعتراف بها كمكون أساسي من مكونات المنظومة الوطنية التونسية، وتأكيدا منهم على أن الاختلاف في الدين لا ينفي الانتماء للوطن.

– ثانيا، المسيحية بمختلف أطيافها من الإنجيلين، الأسقفين، الكاثوليك، الخمسينين، والسبتين…فهي تعد ديانة متجذرة في التاريخ التونسي وهذا ما تؤكده الشواهد التاريخية كالمعالم والرسومات والكنائس الرومانية، لكن بعد الفتوحات الإسلامية في مرحلة أولى اعتنق الكثير من السكان المحلين الإسلام مع بقاء بعضهم على دينهم إلى حدود قيام دولة الموحدين التي خيرتهم بين الإسلام أو الإبادة، وخلال هذه الفترة اندثرت الكنيسة المحلية لتعود للظهور من جديد خلال الفترة الاستعمارية بعد أن اعتنق بعض التونسيين الديانة المسيحية وبقي الكثير من عوائلهم على هذه الديانة، فمن خلال بحث ميداني قمنا بإجرائه وجدنا أن بعض العائلات التونسية تمثل الجيل الرابع والخامس من العابرين، هذا وقد اعتنق العديد من الأفراد المسيحية خلال حمالات التنصير منذ ثمانينات القرن الماضي إلى اليوم، وقد تراوحت أساليب التنصير ما بين الاغراءات المادية وامتيازات السفر الى أوروبا وغيرها من الأساليب…لكن هذا لا يعني أن كل الذين اعتقدوا في المسيحية كان لسبب براغماتي أو مادي بل وجدنا أفراد اعتنقوا هذه الديانة عن قناعة و إيمان فعلي، بدليل أن الكثير منهم يعتنقها منذ أكثر من عقدين،  ولكن أغلب العابرين كانوا يخفون عقيدتهم خوفا من النبذ الاجتماعي الذي عادة ما يبدأ من الأسرة وصولا إلى الفضاء العام، ناهيك عن توصيفهم بأوصام تنم عن العمالة الأجنبية والجوسسة مسقطين عنهم خاصية المواطنة. لكن بعد الثورة أصبح الكثير منهم يعلن عن عقيديته رغم تعرضهم للعنف المادي والمعنوي من طرف جماعات سلفية وحتى من قبل مواطنين عاديين. فاعتناق المسيحية شهد ذروته خاصة ما بعد الثورة بسبب نفور الشباب التونسي من الخطابات السياسية التي اعتمدت الدين للتواصل الاجتماعي ولتعبئتيها السياسية، إلى جانب طبعا بروز الحركات الدينية المتشددة التي أصبغت على الدين الإسلامي صورة التوحش وخاصة منها داعش والعمليات الإرهابية التي شهدتها البلاد التونسية على فترات متباعدة وهذا ما شكل لهم أزمة أسميناها “أزمة النموذج السياسي”، وهذا ما جعلهم يتبنون أي تشكيك في عقيدتهم التي توارثوها عن آبائهم طبعا باعتبار حالة التفقير الديني للشباب التونسي. ينشط اليوم العديد من المسيحيين ضمن عدة جمعيات أغلبها حقوقية ولهم تجمعاتهم الخاصة التي يحاولون من خلالها إعادة انتاج مجتمع بديل عن المجتمع الأصل الذي رفضهم في مرحلة أولى ورفضوه في مرحلة ثانية ليشكل لدى أغلبهم أزمة انتماء للوطن.

– أخيرا، نجد التشيع الذي تغلغل في المجتمع التونسي خاصة في مناطق الجنوب إبان الثورة من خلال الحسينيات التي أشرفت على اغلبها السفارة الإيرانية بالبلاد التونسية، لكن لا يعني هذا انها ظاهرة جديدة بل على العكس تمام فالتشييع برز في تونس منذ السبعينات القرن الماضي وتجلت ملامحه مع تأسيس جمعية أهل البيت الثقافية في ديسمبر 2003. لكن اعتبرت الثورة التونسية فرصة هامة لتنامي المد الشيعي في تونس، فالمتأمل في علاقة النظام السياسي الإيراني بالنظام السياسي التونسي آنذاك بقيادة حركة النهضة سيرى نوعا من التوافق السياسي وقد جسدته المواقف الرسمية الإيرانية ومن بينها تصريح الناطق الرسمي بإسم الخارجية الإيرانية “رامين مهمانبرست” الذي قال فيه: “ ما يهمنا جميعا هو تحقيق إرادة الشعب التونسي في أحسن الظروف، على اعتبار أن تونس يمكن أن تؤدي دورا هاما في العالم الإسلامي”[36]، وفي نفس السياق نجد تصريح الرئيس الإيراني آنذاك “محمود أحمدي نجاد” وفيه أشار إلى: “أن الشعب التونسي أسقط الديكتاتورية بشعارات إسلامية مطالبة بالعدالة، ودعا الغرب خاصة أمريكا وإسرائيل إلى عدم التدخل في الشؤون التونسية، مؤكدا أن الشعب التونسي يسعى إلى إقامة الأحكام التونسية ولن يستسلم مرة أخرى للغرب”[37]، وفي هذين التصريحين وجود إشارات ضمنية إلى أن النظام السياسي الجديد بقيادة حركة النهضة سيكون إسلامي بحت تماشيا مع الثورة الإيرانية التي تعد إحدى الروافد الفكرية لها، وهذا ما حذا بالمسؤولين الإيرانيين في تصريحاتهم أن الثورة التونسية هي ممهاة للثورة الإيرانية وأنها رد على التهميش والتغريب الديني، وهذا ليس صحيح وهي مغالطة تاريخية لأن الثورة التونسية هي رد فعل على التهميش الاقتصادي وعلى غياب مقومات العدالة الاجتماعية لا الدينية. لكن رغم الاتفاقيات التي أبرمتها الحركة مع تركيا العدو التاريخي لإيران، ورغم طرد السفير السوري من البلاد التونسية في 2012، إلا أن العلاقة بين النظامين كانت جدا وطيدة “فقد سعت شخصيات بارزة في حركة النهضة إلى إقامة علاقات اقتصادية أفضل مع إيران، ومن بينها مؤسسها راشد الغنوشي، وصهره رفيق بن عبد السلام وزير خارجية تونس في الفترة من 2011 إلى 2013، إلى جانب رئيس البرلمان مصطفى بن جعفر ومحمد منصف المرزوقي الذي شغل منصب الرئيس بين عامي 2011 و2014، واستعرضت إيران آفاق توسيع العلاقات البحرية مع تونس وتطوير موانيها وقطاعاتها الصناعية والتجارية، والبنية التحتية للسياحة، وفي إطار لجنة التعاون المشتركة، سعى البلدان إلى خلق فرص عمل في هذه القطاعات في كلا َ البلدين. واستكشفا توسيع قطاعي الزراعة وتصنيع السيارات وتشجيع الرحلات الجوية المباشرة، وتخفيف قيود التأشيرات”[38].

وليس هذا فقط بل قامت السفارة الإيرانية باستقطاب العديد من الأكاديميين في إطار التعاون العلمي، ناهيك أيضا عن تنظيم رحالات ممولة بالكامل للعديد من التونسيين إلى إيران للتعرف على ثقافتها، وهذا ما انجر عنه اعتناق الكثير من التونسيين للمذهب الشيعي الذي لم يتجاوز في أول الثورة بضعة آلاف أما اليوم وحسب معطيات ميدانية وليست رسمية بلغ عدد التونسيين الشيعة مليون ومائة ألف. وككل المختلفين دينيا فإن الشيعة كان لهم نصيبا من النبذ والرفض، لكن الملاحظ هنا أن تعامل المجتمع التونسي مع المختلف أساسه استبطان الصراعات الأيديولوجية والتاريخية بمعنى صراع السنة والشيعة، أما بالنسبة للمسيحيين فاسترجاع الذاكرة الموجوعة التي خلفها الاستعمار، ناهيك أن جهل التونسيين بأن مجتمعهم متعدد يجعلهم يعتقدون أنهم يعيشون ضمن مؤامرة تهدد أمنهم الاجتماعي ومنظومتهم القيمية والمعيارية والتي عادة ما يكون أساسها الدين، لهذا وغشية من الإخلال بالأمن العام تم إقرار قانون حرية الضمير في دستور 2014 كضمان للحريات التي كرستها الثورة، ولمبادئ المواطنة الكاملة والمساواة أمام القانون، لكن أغلب الحقوقيين أقروا بأنه قانون شكلي وليس فعلي بدليل الانتهاكات والتجاوزات التي تطال المختلفين اجتماعيا و دينيا.

4-الإضمحلال التدريجي لحركة النهضة

بدأت حركة النهضة تعيش بوادر أزمة ثقة شعبية تجلت أساسا في انتخابات 2014 و2019، فقد تراجع عدد مقاعدها في البرلمان مقارنة بسنة 2011، ويعود هذا التراجع في الثانية إلى أن الكثير ممن صوتوا لها في أول انتخابات بعد الثورة كانوا ينتظرون منها تفعيل النظام الإسلامي كبديل للحكم الجمهوري أو المدني، وخاصة التيارات الإسلامية التي أشرنا لها آنفا والتي شكلت قاعدة جماهرية هامة للحركة، نظرا إلا أنها اثناء حمالاتها الانتخابية أكدت في خطابها على أن هدفها الرئيسي هو تدعيم أسس وقيم الإسلام والحد من التفسخ الأخلاقي وفتح أبواب الحرية أمام الشعب، لكن ومع بقاء النظام السياسي متمسكا بعلمانية الدولة التونسية قام هؤلاء بالانسلاخ عن الانتماء الضمني للحركة باعتبارها خانت توجهاتهم وطموحاتهم في تأسيس دولة الخلافة او لنقل تأسيس دولة تعتمد الدين كمرجعية أساسية للحكم والتشريع وهذا ما يؤكده حايم ملكا بقوله: سعت قيادة النهضة السياسية إلى استمالة السلفيين، بهدف كسب دعمهم في الانتخابات إلى جانب ذلك، وبصفتها حركة إسلامية تعرضت للاضطهاد على مدى عقود، كان من الصعب على حزب النهضة التفكير في اضطهاد الإسلاميين الآخرين إذ اعتبر الكثيرون في الحزب أن الشباب الجهاديين والنشطاء السلفيين كأبناء متمردين لا بد من التعامل معهم بدقة. على نطاق أوسع، شملت حركة النهضة فصيلً سلفيًا محافظًا يسعى إلى حماية الشباب السلفيين والنشطاء الجهاديين السلفين”[39].

ومن الأسباب الأخرى لهذه الخسارة نجد توجهاتها السياسية وخاصة منها تحالفها مع حزب نداء تونس الذي يضم العديد من التجمعيين القدماء، والتي رأى فيها بعض المنتمين لها أنه “التحالف مع الشيطان” رغم انها في انتخاباتها الأولى قامت باستقطاب التجمعيين الذين ساهموا الى حد ما في تمويل حمالاتها الانتخابية في بعض الجهات، وليس هذا فقط سبب عزوف المواطنين او تراجعهم في انتخابات الفارطة بل نجد أيضا عدة عوامل أخرى كالعوامل الاقتصادية التي كانت هي المحور الأساسي الذي قامت عليه الثورة و لكن بسبب فشل استراتيجيات الحكومات المتعاقبة ارتفعت أسعار المواد الأساسية والمعيشية للمواطن بنسب تصل الى 83 %، وكذلك ارتفاع نسب البطالة عما كانت عليه من قبل خاصة في صفوف الشباب الجامعي وسياسة المحاباة التي يعتمدها أصحاب المناصب في تعيين الموظفين الذين غالبا ما يكونون من ضمن عائلاتهم أو معارفهم كل هذه العوامل خلقت نوعا من الضغينة على النظم الحاكمة”[40]، كما ارتفعت القدرة الشرائية للتونسيين ب 4 % سنة 2018 حسب بعض المصادر. هذا وقد تردى الجانب الأمني خاصة منذ بداية سنة 2012 التي شهدت اغتيالات سياسية هي الأولى من نوعها في تونس إلى جانب عدم الكشف عن الجهات المتورطة في هذه الاغتيالات مما يجعلها المتهمة الأولى،  ناهيك عن التفجيرات الإرهابية وجرائم الذبح والقتل للعسكرين والأمنيين وكل هذه الصور هي صورة غير مألوفة للمواطن التونسي الذي حمل المسؤولية لحركة النهضة باعتبارها مساهمة بسياستها في تردي الوضع الأمني، هذا دون اغفال صراعاتها السياسية مع الفرقاء الآخرين وهذا الصراع عمق حالة من انعدام الثقة تجاه المنظومة السياسية التونسية، وخاصة بروز حالة من النفور تجاه قيادات حركة النهضة خاصة لزعيمها راشد الغنوشي، لذلك بارك الشعب التونسي قرار 25 جويلية الذي أطاح بكل الفرقاء السياسيين الذين رسموا ملامح الأزمة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية للمجتمع التونسي وعلى رأسهم حركة النهضة، وهذا أكبر دلالة على فشل مشروع حركات الإسلام السياسي، وأيضا دلالة على وجود رفض مجتمعي لخيار “أسلمة” أو “أخونة” الدولة.

خاتمة:

لكل مجتمع إنساني نظام يتخذه أساسا لتنظيم الحياة الاجتماعية، وتنسيق العلاقات التي تربط أفراد هذا المجتمع بعضهم ببعض، وتربطهم بغيرهم، وهذا النظام يتنوع إلى أنماط مختلفة، فمنه ما يتعلق بشؤون السياسة ونظام الحكم، ووظائف السلطات المشرعة والمنفذة، وعلاقاتها بعضها ببعض، وعلاقاتها بالأفراد، وطبعا كلها تخضع لمجهر الدراسة والتحليل السوسيولوجي، وقد حاولنا في ورقتنا هذه ابراز سيرورة تشكل الحركات الدينية في تونس والعوامل المساهمة في ظهورها  او الوعاء الاجتماعي الذي تبلورت من خلاله، خاصة في كيفية بروز حركات الإسلام السياسي في البداية كحركات اجتماعية احتجاجية ثم تغيير خطها الحراكي من دعوي الى سياسي، وهو ما يحلينا الى ان هذه الحركات لم تكن تبحث عن التموقع السياسي بل كانت تبحث عن امتلاك السلطة. كما حاولنا ايضا ابراز كيف ان سيطرت الدولة ما قبل الثورة على الدين وهيكلته ضمن مؤسسة التدين الرسمي ساهم الى حد كبير في بروز التعصب والتطرف والعنف كظاهرة مكبوتة تحتل موقعا هامشيا صلب المجتمعات ولأنظمة، ولكنها تطورت وفقا لظروف معينة فهي ظاهرة كامنة لا تتغير إلا تحت وطأة ضغوطات وعوامل اجتماعية واقتصادية وسياسية وهذا طبعا ما بيناه في دراستنا هذه، كما تطرقنا الى قضية التعدد الديني التي هي رهن الموروث الثقافي الذي يعزز النبذ الاجتماعي، و هو أمر يتسم بالخطورة في ظل ما تعايشه تونس من دينامية على مستوى الظاهرة الدينية خاصة في ما يتعلق بظاهرة الغلو الديني والتطرف لذلك فالخيار الاجتماعي الوحيد هو إعادة تعزيز القيم والمعايير المشتركة بين الجماعات الدينية المختلفة لترسيخ مبادئ التعايش السلمي في ظل وطن يتسع للجميع باختلافاتهم الفكرية و الدينية و السياسية، وأخيرا بينا أسباب تراجع شعبية حركة النهضة وأسباب اضمحلالها التدريجي من المشهد السياسي اثر السخط الاجتماعي الذي طالها بسبب الأزمات التي عايشها المجتمع التونسي في ظل عشرية حكمها.

 

قائمة المصادر والمراجع:

المراجع العربية:

-الجلاصي صبرين (2019)، الدين في تونس: دراسة سوسيولوجية في أشكال التدين التونسي، مجلة دراسات في العلوم الإنسانية والاجتماعية المجلد 02 العدد 13.

– الجورشي صلاح الدين(1989)، الحركة الإسلامية مستقبلها رهين التغييرات الجذرية، في ” عبد الله النفيسي (محرر) الحركة الإسلامية: رؤية مستقبلية، أوراق في النقد الذاتي، مكتبة مدبولي القاهرة.

-الكحلاوي طارق (2014)، الثابت والمتحول في مسيرة التيار السلفي الجهادي في تونس، مؤلف جماعي بعنوان (السلفية الجهادية في تونس، الواقع والمآلات)، المعهد التونسي للدراسات الاستراتيجية.

– التواتي مصطفى(1991)، الحركة الاستعمارية بتونس الإسلام والسياسة ط1، مؤلف جماعي، مطبعة النجاح الجديدة دار البيضاء المغرب.

– السمالوطي نبيل(1996)، الدين والتنمية في علم الاجتماع دار المطبوعات الجديدة للطباعة والنشر والتوزيع والدراسات، الإسكندرية.

– الهرماسي عبد اللطيف (2012)، في الموروث الديني الإسلامي قراءة سوسيولوجية تاريخية (ط1) بيروت لبنان التنوير للطباعة والنشر والتوزيع.

– الهرماسي عبد اللطيف(1985) ، الحركة الإسلامية في تونس: اليسار الاشتراكي، الإسلام والحركة الإسلامية ط1. بيرم للنشر تونس.

– بلوح رشيد (2011)، إيران والثورتان التونسية والمصرية، (المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، نيسان).

– بن فضيلة فاطمة(1990)، الحركة الإسلامية في تونس: وحدة الهدف وازدواجية الخطاب: رسالة ختم الدروس الجامعية، كلية العلوم الإنسانية والاجتماعية تونس.

– بن الحاج موسى آمال(2005) ، المسألة الدينية في الخطاب السياسي البورقيبي شهادة تعمق في البحث، كلية العلوم الإنسانية والاجتماعية بتونس، الحبيب بورقيبة الجزء الحادي عشر، نشريات وزارة الاعلام.

– بوقرة عبد الجليل، مقاربة تاريخية حول “المحاولة الانقلابية” لسنة 1962 وتداعياتها المجلة التاريخية المغاربية عدد 103-102، مؤسسة التميمية للبحث العلمي والمعلومات.

-تركماني عبد الله(2010)، دراسة بعنوان: الإسلام السياسي خيارات وسياسات، مركز الجزيرة للدراسات، نشرت يوم24 شباط.

-ظريف محمد(1992)، الإسلام السياسي في الوطن العربي ط2، منشورات المجلة المغربية لعلم الاجتماع السياسي، المغرب.

-على حيدر إبراهيم(1990)، “الأسس الاجتماعية للظاهرة الدينية: ملاحظات في علم اجتماع الدين” في: -عبد الباقي الهرماسي وآخرين، الدين في المجتمع العربي (بيروت مركز دراسات الوحدة العربية).

-علاني أعلية(2014)، أنصار الشريعة بتونس وتكلفة الظاهرة الارهابية، ورقة علمية قدمت في مؤتمر صعود الراديكاليّة الدينية في العالم العربي في 22/06/2014، عمان الأردن.

– عزب خالد(2017)، البحث عن الانسان: الدين، التقنية، الهوية، شرفات سلسلة عدد 4، مكتبة الإسكندرية.

– غليون برهان(1991)، نقد السياسة: الدولة والدين ط 1، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت.

-غزي كمال(1984) ، “العوامل الموضوعية للانتعاشة الإسلامية في الساحل التونسي”: شهادة الكفاءة في البحث بكلية العلوم الانسانية و الاجتماعية بتونس

ملكا حايم(2014)، الصراع على الهوية الدينية في تونس والمغرب العربي، مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية.

– كبيل جيل(1992) ، يوم الله، الحركات الأصولية في الأديان الثلاثة، ترجمة نصيرة مروة قبرص : دار قرطبة للنشر وتوثيق الأبحاث).

– وناس منصف(1990)، الدين والدولة في تونس (1957 و1987) ورقة قدمت الى ندوة الدين في المجتمع العربي، بيروت، مركز دراسات الوحدة العربية.

– نوش كي بنفشه (2021)، سياسة إيران الثورة تجاه إفريقيا، مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية، الرياض.

-دراسة حول المراهقة(2018)، في حي شعبي في الضاحية الشمالية لتونس العاصمة بعنوان “المراهقة في الكرم الغربي سبع سنوات بعد ثورة 14 جانفي 2011 في تونس إعداد جمعية مبدعون.

[1] حايم ملكا، الصراع على الهوية الدينية في تونس والمغرب العربي، (مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية، 2014)، ص 02.

[2]  محمد ظريف، الإسلام السياسي في الوطن العربي، ط2، (المغرب، منشورات المجلة المغربية لعلم الاجتماع السياسي، 1992) ص 05.

[3]عبد اللطيف الهرماسي، في الموروث الديني الإسلامي قراءة سوسيولوجية تاريخية، ط1، (بيروت، لبنان، التنوير للطباعة والنشر والتوزيع، 2012)، ص 30.

[4] أعلية علاني، أنصار الشريعة بتونس وتكلفة الظاهرة الارهابية، (ورقة علمية قدمت مؤتمر صعود الراديكاليّة الدينية في العالم العربي، عمان الأردن، في 22/06/2014).

[5] Durkheim. Emile, Les formes élémentaires de la vie religieuse, éd PUF, (Paris,1985) p.60.

[6] Touraine. Alain, Critique de la modernité, 1992, Paris Fayard. Weber(Max)(1965), Essais sur la théorie de la science, traduit de l’allemand par Julien Feund .éd Plon, p365.

[7] جيل كبيل، يوم الله الحركات الأصولية في الأديان الثلاثة، ترجمة نصيرة مروة، (قبرص، دار قرطبة للنشر وتوثيق الأبحاث، 1992)، ص، 12.11.

[8] Weber. Max, Economie et société, Traduction du tome 1 par Julian Freund. éd. Plon. 1971,p 162.

[9]  John Esposito , Voices of Resurgent Islam (Oxford: Oxford University Press, 1983), p 100-104.

[10] إبراهيم على حيدر، الأسس الاجتماعية للظاهرة الدينية: ملاحظات في علم اجتماع الدين” في: عبد الباقي الهرماسي وآخرين، الدين في المجتمع العربي (بيروت، مركز دراسات الوحدة العربية، 1990)، ص 36.33.

[11] صلاح الدين الجورشي، الحركة الإسلامية مستقبلها رهين التغييرات الجذرية، في ” عبد الله النفيسي (محرر) الحركة الإسلامية: رؤية مستقبلية، أوراق في النقد الذاتي، (القاهرة، مكتبة مدبولي، 1989)، ص 147.

[12]Weber.Max, Economie et société, Traduction du tome 1 par Julian Freund. éd. Plon, 1971, p 440.

[13] كمال غزي، “العوامل الموضوعية للانتعاشة الإسلامية في الساحل التونسي”، (شهادة الكفاءة في البحث بكلية العلوم الانسانية والاجتماعية بتونس، 1984)، ص 54.

[14]عبد الله تركماني، الإسلام السياسي خيارات وسياسات، (مركز الجزيرة للدراسات، ورقة نشرت يوم24 شباط، 2010).

 [15] فاطمة بن فضيلة، الحركة الإسلامية في تونس: وحدة الهدف وازدواجية الخطاب: (رسالة ختم الدروس الجامعية، كلية العلوم الإنسانية والاجتماعية تونس،1990)، ص 20.

[16] Erikson. Erik. H, Identity, youth and grisis, (New York, Norton, 1968), p 40.

[17] Ibid, p 11.

[18]خالد عزب، البحث عن الانسان: الدين، التقنية، الهوية، (شرفات سلسلة عدد 4، مكتبة الإسكندرية، 2017) ص 38.

[19] صبرين الجلاصي، الدين في تونس: دراسة سوسيولوجية في أشكال التدين التونسي، مجلة دراسات في العلوم الإنسانية والاجتماعية المجلد 02 العدد 13، (2019) ص 120.

[20] مصطفى التواتي، الحركة الاستعمارية بتونس الإسلام والسياسة، ط1، مؤلف جماعي، (المغرب، الدار البيضاء، مطبعة النجاح الجديدة، 1991)، ص 198.

[21] صبرين الجلاصي، الدين في تونس: دراسة سوسيولوجية في أشكال التدين التونسي…مصدر سابق، ص 120.

[22] منصف وناس، الدين والدولة في تونس (1957 و1987)، (بيروت، ورقة قدمت الى ندوة الدين في المجتمع العربي، مركز دراسات الوحدة العربية، 1990)، ص 473.

[23] نفس المصدر السابق، ص 473.

[24] عبد اللطيف الهرماسي، الحركة الإسلامية في تونس: اليسار الاشتراكي، الإسلام والحركة الإسلامية، ط1، (تونس، بيرم للنشر، 1985)، ص 32.

[25] عبد الجليل بوقرة، مقاربة تاريخية حول “المحاولة الانقلابية” لسنة 1962 وتداعياتها، المجلة التاريخية المغاربية عدد 103-102، مؤسسة التميمية للبحث العلمي والمعلومات، ص 71.

[26] آمال بن الحاج موسى، المسألة الدينية في الخطاب السياسي البورقيبي، (شهادة تعمق في البحث، كلية العلوم الإنسانية والاجتماعية بتونس، 2005)، الحبيب بورقيبة الجزء الحادي عشر، نشريات وزارة الاعلام، ص02.

[27] نبيل السمالوطي، الدين والتنمية في علم الاجتماع، (الإسكندرية، دار المطبوعات الجديدة للطباعة والنشر والتوزيع والدراسات، 1996)، ص 26.

[28] برهان غليون، نقد السياسة الدولة والدين، ط 1، (بيروت، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، 1991)، ص 48.

[29] كمال غزي، “العوامل الموضوعية للانتعاشة الإسلامية في الساحل التونسي، مصدر سابق…ص 54.

[30] صبرين الجلاصي، الدين في تونس: دراسة سوسيولوجية في أشكال التدين التونسي…مصدر سابق، ص 123.

[31] صبرين الجلاصي، الدين في تونس: دراسة سوسيولوجية في أشكال التدين التونسي…مصدر سابق، ص 123.

[32] طارق الكحلاوي، الثابت والمتحول في مسيرة التيار السلفي الجهادي في تونس، مؤلف جماعي بعنوان (السلفية الجهادية في تونس، الواقع والمآلات)، (تونس، المعهد التونسي للدراسات الاستراتيجية، 2014)، ص 18.

[33] دراسة حول المراهقة في حي شعبي في الضاحية الشمالية لتونس العاصمة بعنوان “المراهقة في الكرم الغربي سبع سنوات بعد ثورة 14 جانفي 2011 في تونس إعداد جمعية مبدعون، جوان 2018 ص 8.

[34] أعلية علاني، أنصار الشريعة بتونس وتكلفة الظاهرة الارهابية، (ورقة علمية قدمت مؤتمر صعود الراديكاليّة الدينية في العالم العربي، عمان الأردن، في 22/06/2014).

[35] صبرين الجلاصي، الدين في تونس: دراسة سوسيولوجية في أشكال التدين التونسي…مصدر سابق، ص 125.

[36] رشيد بلوح، إيران والثورتان التونسية والمصرية، (المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، نيسان، 2011)، ص 04.

[37] نفس المصدر السابق…ص 04.

[38] بنفشه كي نوش، سياسة إيران الثورة تجاه إفريقيا، (الرياض، مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية، 2021)، ص 138.

[39] حايم ملكا، الصراع على الهوية الدينية في تونس والمغرب العربي…مصدر سابق، ص04.

[40] صبرين الجلاصي، الدين في تونس: دراسة سوسيولوجية في أشكال التدين التونسي…مصدر سابق، ص 125.

المراجع الأجنبية:

-Durkheim (Emile),(1985) : Les formes élémentaires de la vie religieuse , éd PUF, Paris .

– Erikson. E. H. (1968), Identity, youth and grisis, New York, Norton.

-Esposito. John (1983), Voices of Resurgent Islam (Oxford University Press).

Sad Eden Ibrahim(1982): Islamic Militancy as a social Movement (USA) Praeger.

Touraine (Alain), Critique de la modernité, 1992, Paris Fayard. Weber(Max)(1965) : Essais sur la théorie de la science, traduit de l’allemand par Julien Feund .éd Plon.

Weber (Max)(1971): Economie et société, Traduction du tome 1 par Julian Freund. éd. Plon.

    اقرأ ايضا

    المزيد من المقالات

    مقالك الخاص

    شــارك وأثــر فـي النقــاش

    شــارك رأيــك الخــاص فـي المقــالات وأضــف قيمــة للنقــاش، حيــث يمكنــك المشاركــة والتفاعــل مــع المــواد المطروحـــة وتبـــادل وجهـــات النظـــر مــع الآخريــن.

    error Please select a file first cancel
    description |
    delete
    Asset 1

    error Please select a file first cancel
    description |
    delete