في ذكرى رحيل الإمام محمد عبده: الجزء الرابع…تطوّراته العلمية، وتحولاته الفكرية من التثوير إلى الإصلاح

تكوين

الفكر الديني ابن بيئته يَتأثّرُ بها كما يُؤثّر فيها، فيُصاب بالجمود، ويتحوّل إلى حالة من الترديد في المجتمعات الآسنة، ويُجدد نفسه، ويمضي بالإنسان إلى الأمام في المجتمعات الحيّة، على حد قول شيخ الأزهر د. محمود شلتوت “البيئة تطْبع الإنسان بطابعها، وتحمله بقوّتها وسلطانها، على أن يعيش كما تعيش، ويُفكر كما تُفكر، ورغم ذلك يظهر، من الحين بعد الحين، أفرادٌ يجعل الله منهم مظهر رسالة خاصة إلى الأمة.. فينشأ الواحد منهم برأسه، أو أمّة في نفسه، لا يتأثر ببيئته، ولا يتقيد بقيودها، ولا يزن الأشياء بميزانها، بل بالعكس يُؤثر هو فيها، ويقتحم عليها حصونها، ويعيش معها ما عاش في كفاح وجلاد، وهو في كل يوم يفتح فتحا جديدا، ويدكُّ حصنا عنيدا، ويتعهد من وراء ذلك بُذورَه التي يضعها حتى ترسخ أصولها، وتسمق فروعها، وتُؤتي أكلها كلّ حين بإذن ربها أولئك هم المصلحون في كل زمان ومكان: منهم رسل الله المبلّغون عنه، المؤيَّدون بوحيه، ومنهم دون ذلك من عباقرة الأمم وأفذاذ التاريخ، ولقد كان الشيخ محمد عبده من هؤلاء العباقرة الذين عصمهم الله من التأثر ببيئاتهم، ومكّنهم من التأثير فيها”. فعندما بدأ الشيخ مسيرته التعليمية في أواخر التاسع عشر لم يكن العالم الإسلامي يعرف بيئة للتعليم الديني أحسن حالا من دروس الجامع الأزهر، وبعض المساجد، مثل المسجد الأحمدي بطنطا، ولم تكن تلك البيئة أفضل حالا من المجتمع الذي يُحيط بها.

حياة الشيخ محمد عبده

لم يرضَ الشيخ محمد عبده، وهو ابن الثامنة عشر بطلبِ شيوخه في الجامع الأحمدي أن يسمع، ويحفظ جيدا، مستعينا بالمتون، وأن يكفّ عن كثرة الأسئلة التي وصفوها بأنّها مضيعة للوقت، وتشتيت للذهن، ففُوجئ – كما يروى في مذكراته – بالمدرسين يستخدمون اصطلاحات نحوية وفقهية غير مفهومة، ويأخذون المبتدئ بما يأخذ المنتهي في التعليم، فالطالب المبتدئ يبدأ بإعراب البسملة في أول دروس النحو، ولم يكن قد عرف شيئا عن الإعراب.

فقرّر أن يرجع إلى قريته؛ ليشتغل مع إخوته بالفلاحة، وهذا ما رفضه أبوه، فأعاده رغماً عنه إلى دروس الجامع الأحمدي بطنطا، وتكرر هروب الشيخ مرة ثانية ليس إلى قريته، بل إلى قرية “كنيسة أورين” مركز شبرا خيت بمحافظة البحيرة؛ حيث يعيش خالُ أبيه الشيخ درويش الذي أخذ محمد عبده بطريقة في التعليم أنفع من طريقة الأزهر، والجامع الأحمدي حينها، وهي فتْحُ بابِ النّقاش لكلّ سؤال يجول بخاطره، والتفكير معه، ليس بهدف الإجابة؛ بل بهدف التدريب على التفكير، وتقليب الاحتمالات، بما يُوقظ العقل من سُباته، ويحرّره من الاستسلام الكامل لأفكار غيره.

إقرأ أيضاً: الإمام محمد عبده بعيون طه حسين المبصرة

وجد محمد عبده في كُتب الشيخ درويش عاطفة وروحانية لم يجدها في متون دروس الجامع الأحمدي الجافّة، يقول الإمام محمد عبده عن صحبته للشيخ درويش خضر “رأيتني أطير بنفسي في عالم آخر غير العالم الذي كنت أعهده.. وأتسع لي ما كان ضيقا، وصغر عندي من الدنيا ما كان كبيرا”.

وبدأ يتميّز في عقله، للمرة الأولى، الفرق بين إسلام الوحي وتدين المسلمين الذي يُظنّ أنّه الإسلام، يقول: “سألت الشيخَ درويش: ما هي طريقتكم؟ فقال: طريقتنا الإسلام، فقلتُ أو ليس كلّ هؤلاء بمسلمين؟ قال: ولو كانوا مسلمين لما رأيْتهم يتنازعون على التّافه من الأمر، ولما سمعتهم يحلفون بالله كاذبين بسببٍ وإقربغير سببٍ”. ويستطرد الإمام معلقاً على أثر هذه العبارات في نفسه، قائلا: “هذه الكلمات كأنّها نار أحرقت جميع ما كان عندي من المتاع القديم، متاع تلك الدعاوى الباطلة، والمزاعم الفاسدة، متاع الغرور بأننا مسلمون ناجون، وإن كنّا في غمرة ساهية”.

تخلّى الإمام محمد عبده عن كراهيته للعلم، الذي فرّ منه، وقرّر أن يكون هو النموذج الذي ينبغي أن يكون عليه الباحث في العلم، وأقبل على الدرس والتحصيل، وأمعن الفكر فيما يقرأ، وتولّد بداخله – على خلاف شيوخه وأقرانه – حبٌّ أكثر للسؤال والبحث والتفكير، شجّعه عليه الشيخ درويش، فلولاه لانصرف الشيخ محمد عبده عن العلم إلى غيره، أو ربما تخرّج من الأزهر خامل الفكر.

أمضى محمد عبده خمسة أعوام من الدراسة في الجامع الأحمدي، التحق بعدها بالأزهر في منتصف شوال ١٢٨١هـ/ فبراير١٨٦٦م، حينها كان شيوخ الأزهر، ودارسوه منقسمين بين حزبين، على حد تعبير الشيخ مصطفى عبد الرازق، ([1]) “شرعيين (محافظين) يرون الخروج عن العلوم النّقلية تمردا على الأزهر، وصوفية يطمحون إلى أنواع من المعارف التي لها مساس بالتّصوف، فاختار الشيخ محمد عبده أن ينضمّ إلى أقل الحزبين جمودا، وأقلهما نُفرةً من الجديد، وهي المدرسة الصوفية المتصلة بالفلسفة والأدب، فأساتذة الشيخ محمد عبده في الأزهر الشيخ حسن الطويل والشيخ محمد البسيوني.. كان الأول متصلا بالحركة الصوفية المخلوطة بالفلسفة، وكان الثاني متصلا بالحركة الأدبية، على أنّ الشيخ محمد عبده لم يبعد كلّ البعد عن (الشرعيين) المحافظين على القديم، فحضر دروس زعمائهم المشهورين، كالشيخ عليش، والشيخ الرفاعي، والشيخ الجيزاوي، والشيخ الطرابلسي، والشيخ البحراوي.. ([2])

وكان مشايخ الجامع الأزهر، في ذلك الوقت، على حدّ وصف الشيخ عبد المتعال الصعيدي، “يجمدون على علومهم القديمة، ويعيشون في عزلة عن العالم، فلا يشعرون بما أصاب الإسلام والمسلمين، ولا يهمّهم إلا أنفسهم داخل الأزهر، كأنهم رهبان في دَيْر، وليس عليهم مسؤولية أمام الله عن إهمالهم في شأن دينهم ودنياهم، وفي شأن المسلمين الذي أوقعوهم مثلهم في جمودهم. فاتصل الشيخ محمد عبده بجمال الدين يأخذ عنه في المدّة التي أقامها بمصر، وكانت على قصرها صاحبة الأثر في حياته، ولولاها لقضى حياته في ركود كما قضاها غيره من علماء الأزهر، وظهر هذا الأثر فيه وهو لا يزال طالبا، فكان يقوم بتدريس بعض الكتب في الأزهر على طريقة أستاذه جمال الدين، لا يجمد فيها على مذهب في الأصول أو الفروع، بل يأخذ بما يقوم عليه الدليل الصحيح”. ([3])

فلم يكن الغرض من العلم عند الأزهريين حينها -على حد قول الشيخ مصطفى عبد الرازق- البحث للتحقيق والمقارنة والتمحيص، وإنما الاكتفاء بنقل ما قاله الأقدمون نقلا صحيحا، فسادَ بينهم فكرة أنّ المعاصرين والأجيال الجديدة تسيرُ نحو الانحطاط، فصِلتهم بالنبي صلى الله عليه وسلم في تباعد مستمر كمن يسير في طريق هابط من أعلى إلى أسفل، وأنّ الأئمة المجتهدين هم الذين عاشوا في عصور ذاهبة في أعماق الماضي، لا يستطيع الحاضر أن يُدرك غبارها”.

وهذا على نقيض ما دعا إليه الشيخ محمد عبده، الذي أنكر، في تفسيره لسورة العصر، ما عليه الناس من ذمّ عصورهم، ونسبة ما شاءوا من الخير إلى ما كان قبلهم من العصور، ودعا إلى تعلّم العلوم الجديدة، والاستفادة مما استحدث من معارف.

أخذ الإمام محمد عبده من شيوخ الجامع الأزهر على طريقتهم في التعليم، حتى التقى بجمال الدين الأفغاني ([4]) في شهر المحرم ١٢٨٧هـ/ ١٨٧٠م واستمع إلى دروسه في الرياضيات والفلسفة، وهي علوم جديدة لم يكن قد سمع عنها من قبل، غير أنّ مشايخه في الأزهر حذّروه من تلك “العلوم الشيطانية”، وأخذوا، كما يحكي الشيخ “يتقوّلون على السيد جمال الدين الأفغاني وعليّ الأقاويل، ويزعمون أنّ تلقي تلك العلوم قد يُفضي إلى زعزعة العقائد الصحيحة”.

دخل الشيخ محمد عبده في حيرةٍ لم تطل؛ ففي إجازته التي يقضيها في قرية “كنيسة أورين” جلس يحكى للشيخ درويش خضر عن تحذيرات شيوخه له من الاستماع إلى دروس الفلسفة والرياضيات، وهنا جاء دور “الشيخ درويش” في الردّ على هذه الأقاويل بحجة بسيطة ومقنعة، قائلا: “لا شيء من العلم ممقوت عند الله، ولا شيء من الجهل محمود لديه، إنّ الله هو العليم الحكيم، وإنّ أعدى أعداء العلم هو الجاهل، وما تقرّب أحد إلى الله بأفضل من العلم والحكمة”.

ساعدَ التوجهُ الصوفي للشيوخ درويش خضر، وحسن الطويل، ومحمد البسيوني الإمامَ محمد عبده ألّا يتأثر بالمدرسة الحرفية الجامدة الجافّة لكن في الوقت نفسه أضرّ بالإمام، فكانت الصوفية حينها تدعوه إلى الصوم عن الكلام، والجنوح إلى العزلة، كما طبعت تفكيره بنوع من الخيال الصوفي المبالغ فيه، وجعلته باحثا عن كمال معرفي لا يُمكن أن يتحقق.. كل هذا سيتغيّر بتجربة جديدة عاشها الشيخ مع الوافد إلى القاهرة جمال الدين الأفغاني الذي سيصطحب الشيخ إلى عالم الفلسفة وعالم السياسة وسيخرجه من عزلته إلى قهوة متاتيا([5])

وكما تخلّص محمد عبده من أغلال التقليد سيتخلّص من منهج التثوير الذي تبنّاه أستاذه جمال الدين الأفغاني الذي توثّقت علاقته بالإمام منذُ أوّل لقاء جمعهما، عندما اصطحب الشيخ حسن الطويل تلميذه محمد عبده للقاء الأفغاني الذي توقف في طريقه إلى استانبول بالقاهرة، وقضى بها أربعين يوما، أخذ يتردد خلالها على الجامع الأزهر، الذي سرعان ما عاد إليه ثانية، فلم يتحمل قصرُ الخلافة في إستانبول جمالَ الدين الأفغاني سوى عام واحد، فكما استقدمه الخليفة إلى عاصمة الخلافة أمر بترحيله عنها، ليستقبلَ في مصر سنة ١٢٨٨هـ – مارس١٨٧١م بحفاوة بالغة من الخديوي إسماعيل ووزيره رياض باشا، اللذين منحاه فرصة الدعوة إلى أفكاره؛ أملاً في استكمال ما بدأه رفاعة رافع الطهطاوي (١٢١٦هـ/ ١٨٠١ م – ١٢٩٠هـ/ ١٨٧٣م) ورجاء التّخلص من نفوذ الأجانب الذي طغى على نفوذ الخديوي المثقل بالديون.

قضى جمال الدين الأفغاني ثمانية أعوام في مصر، انخرط معه فيها الشيخ محمد عبده الذي عمل بالتدريس بمدرسة دار العلوم بعد حصوله على عالمية الأزهر، فعلى حد تعبير شيخ الأزهر د. مصطفى عبد الرازق تخلّص الأستاذ الإمام بصحبته للأفغاني من الخمول الصوفي، والحيرة في التماس الكمال العلمي، فخلعه جمال الدين الأفغاني من التصوف بمعنى الدروشة، والانصراف للتحنث والرياضة إلى معنى جديد للتصوف.

وبدافعٍ من ثورية الأفغاني وتعجّله، أو لأسباب لم تتكشّف للباحث تخلّى الأفغاني عن الخديوي إسماعيل، وساند مساعي ابنه توفيق باشا في أن يحلّ محلّ والده، فترأس الأفغاني وفد المصريين إلى قُنصل فرنسا بمصر، وأبلغوه أن حزباً بمصر قد تشكّل، ويُطالب بأن يتنازل الخديوي إسماعيل عن الحكم لولده توفيق الذي كان عضوا بمحفل الأفغاني.

وصدر قرار السلطان العثماني بعزْل إسماعيل باشا، وتولّى توفيق حكم مصر عام ١٨٧٩، وقدّم الخديوي توفيق جمال الدين الأفغاني في محفل عام، قائلا: “أنت موضع أملي في مصر أيها السيد”، ولم تمضِ سوى شهور، واتّهم الخديوي توفيق “أمله في مصر” بتأسيس جمعية سرّية لإفساد الدين والدنيا مشيراً بذلك إلى “الحزب الوطني الحرّ” و”جمعية حلوان”، وقُبض على “جمال الدين الأفغاني” وخادمه “أبو تراب”، وأودعا باخرة عند السويس سارت بهما إلى بومباي بالهند في ٢٤ أغسطس ١٢٣٦هـ – ١٨٧٩م، وكانت هذه آخر أيام الأفغاني في مصر التي ودعها بقوله: “إنني خرجت من الديار المصرية وما ألّفت كتابا، ولكني تركت لكم أثرا يُغنى عن جميع الكتب، وهو محمد عبده، وكفى به لمصر عالما”. ([6])

وصدرت أوامر الخديوي توفيق بتحديد إقامة الشيخ محمد عبده في قريته محلة نصر، فلم يغادرها لمدة عامٍ، حتى قبل الخديوي مساعي وزيره رياض باشا، فرضي عن الشيخ عبده، وأعاده إلى القاهرة سنة ١٢٩٧ هـ – ١٨٧٩م، وأسند إليه رئاسة تحرير جريدة الوقائع المصرية، الجريدة الرسمية للحكومة، فنجح الشيخ محمد عبده في جعلها منبراً إصلاحياً يستهدف الشعبَ أكثر من الحكومة بمقالاته في إصلاح التعليم وطريقة الحكم، فالشيخ رأى الإصلاح يأتي ببناء وعي الشعب، أو ما أطلق عليه تربية الشعب تربية تُساعده على قبول النهوض، والسير في طريق الإصلاح مخالفا نهْج أستاذه جمال الدين الأفغاني الذي رأي الإصلاح يُفرض من أعلى، فالحكومة هي المرجو إصلاحها؛ لتفرض الإصلاح بعد ذلك على الشعب.

وأتت الرياح بما لا تشتهي السفن، فاصطدم الشيخ بالسلطة التي كان قد قرّر مهادنتها، فعندما قام أحمد عرابي باشا بحركته المطالِبة بالتسوية بين طوائف الشعب وإعلان الدستور انحاز إليه الشيخ، رغم أنّه في البداية كان على خلاف مع عرابي ورجاله، فتمسّك الشيخ أول الأمر برأيه في تنبيه الرأي العام، وإنهاض الأمة على أسس التربية والتعليم؛ لتُوكل إليها حقوقها، وهي أمينة عليها، وأنّه ليس من المصلحة أنْ نُفاجئ البلاد بأمر قبل أن تستعد له، وحذّر في بيت “طلبة عصمت باشا” قائد الإسكندرية “أن هذا الحركة قد تجرّ البلاد إلى احتلال أجنبي يستدعي تسجيل اللعنة”، وابتسم “أحمد عرابي” وقال: “أبذل جهدي في ألا أكون مورد هذه اللعن”.([7])

مذهب الشيخ محمد عبده

لكن ما إن بدأت الأحداث تتصاعد إلا وكان الشيخ محمد عبده في طليعة المثقفين الذين أسهموا في الثورة، وأصبح أحد قادة الحركة الوطنية المصرية يبثّ أفكاره عن الحرية والعدالة على صفحات الوقائع المصرية، التي وضع لها نظاما حديثا في إدارتها وتحريرها، وجعلها تصدر باللغة العربية وحدها، فتحوّلت من جريدة حكومية إلى جريدة ثورية، تنشر خيانات أعداء الثورة، وتُمجد مؤيدي الثورة، وعاونه في ذلك عدد من تلاميذ الأفغاني من أمثال: عبدالكريم سليمان، وسعد زغلول، وإبراهيم الهلباوي الذين حرّضوا في مقالاتهم ضد الخديوي توفيق الذي تعرّض لمحاولة عسكرية اغتيال فاشلة.

وانبرى الشيخ محمد عبده يخطب في الجموع يُحَرّضهم على الثورة، ويشرح لهم في خطبه معاني القومية، وأهمية أن تعتمد الحركة الوطنية على جميع عناصر الأمة بلا استثناء، ويحثّ المواطنين على التبرع بالأموال، ويمتدح المديرين الذين بذلوا جهودا في هذا الشأن.

وفي ٩سبتمبر ١٨٨١م انضمّ الأزهر للثورة، فخرج الأزهريون في مظاهرات انتهت بتنحية شيخ الجامع الأزهر محمد العباسي لانحيازه للخديوي، وحلّ بدلا منه الشيخ شمس الدين الإمبابي الذي أفتى بضرورة عزل الخديوي توفيق، وأفتى الشيخ حسن العدوي بشرعية عصيان الخديوي، وأفتى الشيخ محمد عليش بأنّه لا يصحّ أن يكون توفيق حاكماً للمسلمين بعد أن باع مصر للأجانب.

وبعد أقلّ من أسبوع ضُربت الإسكندرية بالمدافع البريطانية، على وجه الدقة في الساعة الثامنة من يوم الإثنين غُرة رمضان ١٢٩٩هـ – ١٧يوليو ١٨٨٢م، واستمرت الأحداث على ما هو معروف حتى سلّم أحمد عرابي في ١٤ سبتمبر ١٨٨٢ سيفه لقائد القوات الإنجليزية الزاحفة إلى القاهرة التي دخلتها في ١٥ سبتمبر دون مقاومة تُذكر، وانتكست أعلام الثورة العرابية، ووقع في التاريخ المصري ما كان قد حذّر منه ” الشيخ محمد عبده “.

وبدأت فترة تصفية الحسابات من جانب سلطات الاحتلال والخديوي ضد العرابيين والوطنيين، وقُبض على ” الشيخ محمد عبده “، وبقي في السجن ثلاثة أشهر، وُجهت إليه فيها إهانات لا تتفق مع مركزيه الديني والاجتماعي، وصدر الحكم بنفيه إلى بيروت ثلاث سنوات امتدت إلى ستّ سنوات بسبب مواقفه الصلبة ضد الخديوي، وفي ٢٣ديسمبر ١٨٨٢ أصدر “الخديوي توفيق” أمراً بإلغاء جرائد الزمان، والسفير، والطائف، والمفيد، والنجاح لقطع ألسنة الثورة العرابية.

 

في المنفى التقى الشيخ محمد عبده بجمال الدين الأفغاني مرة أخرى، فبعد عام ونصف قضاها الشيخ في بيروت، سافر إلى باريس سنة ١٣٠٢ هـ – ١٨٨٤م بدعوة من الأفغاني، ليصدرا معا صحيفة العروة الوثقى في ١٣ مارس ١٨٨٤، التي عنيت بإفهام الشرقيين واجباتهم التي كان التفريط فيها موجبا لسقوطهم، وشحذ همم الشعوب من الفتور وانحطاط العزائم، ودعوة المسلمين كافّة إلى التمسك بالأصول التي كان عليها أسلافهم، وإبطال الزعم بأن المسلمين لا يتقدمون في مضمار المدنية، وتقوية الروابط والصلات بين الأمم الشرقية، ورفع لواء الجامعة الإسلامية، وتنكيس أعلام بريطانيا في الهند ومصر والتحريض على الثورة ضد المستعمرين، سيما الإنكليز والمستبدين من الملوك، وكانت تُرسل إلى مصر وغيرها من البلاد سرا، لكن المستعمر والسلطة المستبدة حالت دون المجلة، فتوقفت عن الصدور بعد العدد الثامن عشر، وفي بعض المصادر بعد العدد العاشر.

وفي سنة ١٩٣١ كشف محمد رشيد رضا في مجلة المنار أن صحيفة العروة الوثقى التي صدرت ١٨٨٤ كانت لسان جمعية سرية عُرفت بالاسم نفسه أسسها الأفغاني وعبده عندما التقيا في بيروت، وظلّت سرية حتى كشف عن ميثاقها محمد رشيد رضا بعد أن أصبحت على حد قوله من الحوادث التاريخية، وذيّل مقاله بنص اليمين الذي وضعه الشيخ محمد عبده؛ ليُقسم به المنتسب إليها.

وبتوقّفِ “العروة الوثقى” افترق الأستاذ والتلميذ، وذهب الأفغاني إلى إستانبول، وذهب “محمد عبده” إلى طرابلس الشام، ومنها إلى بيروت حيث انشغل بالتعليم، فعمل بالتدريس في المدرسة السلطانية، وكتب للتدريس فيها رسالة التوحيد سنة ١٨٨٥ بلغة تناسب العصر، ودعا فيها إلى فتح باب الاجتهاد، ولم تصرفْه عقوبةُ النفي إلى بيروت عن محاولات الإصلاح السياسي، فوضع رسالتين في الإصلاح: أولهما في شرح طُرق إصلاح الدولة العثمانية، والثانية في إصلاح ولاية الشام، وأرسلهما إلى إستانبول.

استفاد الشيخ محمد عبده من إقامته في باريس فتعلّم اللغة الفرنسية، واطّلع على حضارة أوروبا الحديثة، فجمع بين مصادر الثقافة القديمة والحديثة مما قوّى في نفسه دافع الإصلاح الاجتماعي والسياسي وضرورة أن يسبقه إصلاح ديني، فتعدّ سنوات باريس في حياة الشيخ محمد عبده، وما أعقبها من سنوات المنفى في بيروت بداية لمسار جديد ابتعد به الشيخ عن مسار الأفغاني القائم على التغيير الثوري الذي يعتمد على التغيير من أعلى، ويدعو إلى الصدام مع المستعمرين والحكام والجامدين من علماء الدين، فكانت فكرة العمل السري والتغيير بالقوة عند الأفغاني بداية الطريق الذي سيدعو له محمد رشيد رضا، ويمضي فيه تلميذه حسن البنا، وتخرج منه جماعات التمايز بالإسلام عن المسلمين.

وقد استوقف الدكتور عبد السلام حيدر أوجه الشبه بين تجربة محمد عبده وأفلاطون الحياتية، وما تبع كلّ تجربة من قرارات تكاد تكون واحدة، فأفلاطون عندما كان شاباً تعرّف على أستاذه سقراط وعندما حدث تحوّل سياسي في أثينا وقامت الحكومة الجديدة، أًصدرت قرارا باسم الديمقراطية بإعدام سقراط، فصُدم أفلاطون ويئِس من السياسة، وتغرّب، طوعا، بعد أن أيقن أن العدالة لا تتحقق بين جهلاء، وإنما ينبغي التمهيد لذلك بالتربية والتعليم؛ لذا عمل معلماً، وبعد عودته لأثينا أنشأ الأكاديمية، وعكف على التعليم بقية حياته.

محمد عبده عبقري الإصلاح

وحدث مثل هذا مع الشيخ محمد عبده؛ فتعرّف على أستاذه الأفغاني ومنهجه في التثوير، وعندما حدث تحوّل سياسي في مصر، غير أنّ سقراط رفض الهروب بينما هرب الأفغاني – على حد تعبير حيدر – ونُفي محمد عبده الذي قرر في أعقاب عودته من المنفى التركيز على التربية والتعليم، بعد أن زاد يئسه من السياسة، ولعن ساس ويسوس! سيما بعد أن قامت الخلافة العثمانية بتسميم أستاذه الأفغاني، وأيقن أن النهضة لا تتحقق بين جهلاء، وإنما ينبغي التمهيد لها بالتربية والتعليم، فعكف عليهما بقية حياته، ولا يستبعد حيدر تأثّر محمد عبده بتجربة أفلاطون وقراراته، فتعليقات محمد عبده على كتاب “البصائر النصيرية” كما تبدو في المجلد الثاني من أعماله الكاملة تدلّ على عمق معرفته الفلسفية، كما أنّه أشار إلى أفلاطون أكثر من مرة في “رسالة التوحيد”.

وإن اتفقت مع الدكتور عبد السلام حيدر في تشابه التجربة إلا أنّ تحوّل الشيخ محمد عبده عن مسار جمال الدين الأفغاني ومفارقته له لم يكن وليد ما وصفه حيدر بهروب الأفغاني؛ لأنّ الأفغاني وعبده التقيا مرة أخرى في باريس، وأصدرا معا العروة الوثقى، وأسسا جمعية سرية كشف عنها رشيد رضا بعد خمس وعشرين عاما من رحيل عبده، وأظنّ تحوّل الشيخ محمد عبده ناتج عن عدة عوامل منها: فشل تجربته مع التغيير الثوري المتمثل في ثورة عرابي، وانفتاحه أكثر على الثقافة الغربية في باريس، وتجربته العلمية في بيروت، فـ”عاد من النفي أكثر ملاينة للإنجليز مما أثار عليه مصطفى كامل باشا ورجال الحزب الوطني، حتى ساءت العلاقة بينه وبينهم بسبب ذلك”([8])، فالشيخ عاد من النّفي بفكر آخر غير الذي ذهب به، فأغلق باب السياسة، وهادن السلطة، وانشغل بإصلاح الأزهر والتعليم والقضاء، ومثل هذا التوجه لم يُولد فجأة، بل ظهر مبكرا في موقفه الواضح من تحركات أحمد عرابي، ونصائحه له بالتمهل وضرورة إعداد الشعب بالتعليم أولا؛ ليتحمل مسؤولية إدارة بلاده.

مذهب الشيخ محمد عبده

فصنع الإمام محمد عبده لنفسه مساراً إصلاحياً يُمثّل خلاصة تجاربه مع الأزهر والشيخ درويش خضر وجمال الدين الأفغاني ومنفاه في طرابلس الشام، وبيروت حيث انشغل بالتعليم، ورحلته إلى فرنسا، وعمله بالمحاكم الشرعية، والصحافة والتدريس في الأزهر ومدرسة دار العلوم.. استفادَ من هذا المسار الإصلاحي تلامذتُه، فانتهوا إلى أنّ العلم الشرعي شيء آخر غير المفهوم الذي ما يزال متداولاً في ثقافتنا، فيحكي الشيخ محمد مصطفى المراغي شيخ الجامع الأزهر أنّ أستاذه، الإمام محمد عبده، سأله بعد تخرّجه: ما العلم؟ يقول: “فأخذت أعرّفه له بما هو مشهور من أقوال العلماء، فلما انتهيت ردّ عليه الشيخ محمد عبده قائلا: العلم هو ما ينفع الناس، وكلّ ما لا ينفع النّاس لجموده، وبُعده عن عصرهم، ليس بعلم”.

وهذا ما فعله الشيخ المراغي عندما تولّى منصب قاضي القضاة، وشكّل لجنة إعداد قانون الأحوال الشخصية، فكلّفها بعدم التقيّد بالمذاهب الأربعة، كأوّل خرْق للتقليد، وطالبها أن تختار من بين المذاهب الإسلامية أيسر الأحكام التي تُوافق الزمان والمكان، وكان من ثمرة ذلك قانون “الوصيّة الواجبة”.

وهذا ما تعلّمه الشيخ محمود شلتوت في فتاويه؛ حين قرّر أن معرفة الحلال والحرام لا تكون بعرْض ما قيل في الكُتب، وأُثر عن الفقهاء، بل بإعمال عقل المفتي ودعوة المستفتي لإعمال عقله، الذي هو حجة الله على عباده في التعرّف على الحدّ الأوسط في مقتضيات الغريزة، التي لا بدّ منها في كلّ إنسانِ سويّ، فالوحي لم ينزل لانتزاع غريزة حبّ المال، إنما نزل بتعديلها على الوجه الذي لا جشع فيه ولا إسراف، ولا انتزاع غريزة حبّ المناظر الجميلة، وسماع الصوت أو النغم الممتع، لكن أراد تهذيب الغريزة وتعديل مسارها إلى ما لا ضرر فيه، ولا يصحبه شرّ، فهداية الوحي تُنظّم غريزة الإنسان على النحو الذي يصون الفرد والمجتمع

مضت عشرات الأعوام تحرّك معها مسار إصلاح الفكر الديني، حركة متباطئة؛ فما يزال الإصلاح أحادياً يتعهده رُوّاد الإصلاح واحداً تلو الآخر، غريباً غربة العقل في مجتمعاتنا، نُخبوياً غير قادرٍ على التغلغل في أعماق الأوساط الدينية والاجتماعية، عاجزا عن أن يتحوّل إلى تيار عام يهزّ ضمير الأمة، ويُوقظ شعورها بالمسؤولية تجاه مستقبلها.

 

قائمة المراجع:

([1]) من تلامذة الإمام محمد عبده، أول المصريين تدريسا للفلسفة الإسلامية في الجامعة المصرية، شغل منصب وزير الأوقاف في ست حكومات متوالية، ومنصب شيخ الأزهر.

([2]) تقديم الشيخ مصطفى عبدالرازق لكتاب دروس من القرآن الكريم للأستاذ الإمام محمد عبده، القاهرة الهيئة العامة للكتاب، ص١٠،٩ بتصرف.

([3]) المجددون، ص٤٠٠.

([4]) محمد جمال الدين بن السيد صفتر الحسيني الأفغاني وُلد بأسعد أباد من أعمال كابل بأفغانستان سنة ١٢٥٤هـ – ١٨٣م، انتقل مع والده إلى كابل حيث تعلّم علوم العربية والعلوم الدينية والفلسفية على اختلاف أنواعها، ثم رحل إلى الهند، فدرس العلوم الحديثة، وأتقن اللغة الإنكليزية، فجمع بهذا بين الثقافة القديمة والحديثة. وبعد أن رأى ما حَلّ بالهند من استعمار الإنكليز لها خرج لأداء الحجّ ودعوة المسلمين في موسم الحج إلى فكرة الجامعة الإسلامية، وأنشأ جمعية ومجلة أم القرى في مكة سنة ١٢٧٣هـ – ١٨٥٧م، ثم عاد إلى أفغانستان، واتّصل بأميرها دوست محمد خان، ثم اتّصل بعده بالأمير محمد أعظم، فجعله رئيس وزرائه، وبعد أن عزل الإنكليز الأمير محمد حاول جمال الدين إثارة الشغب الأفغاني على الإنكليز، غير أنه لم ينجح فرحل إلى الهند، وأخذ يعمل على إحداث ثورة إسلامية عامة على الإنكليز، ويدعو إلى الإصلاح الديني والسياسي والعلمي والاجتماعي بين أهلها حتى ضاق الإنكليز به، واضطروه إلى أن يرحل من الهند إلى مصر سنة ١٢٨٦هـ – ١٨٧٠م، فأقام بها أربعين يوما رحل بعدها إلى إستانبول بدعوة من السلطان عبدالعزيز الذي قرّبه إليه، وأمر بتعيينه عضوا في مجلس المعارف، فقام بإصلاحات أثارت الجامدين من رجال الدين، فناهضوه، وطعنوا في عقيتده، وكان الأفغاني في طبعه حدة وشدّة، فقابل ثورتهم بمثلها حتى رأت الحكومة العثمانية أنّه لا سبيل إلى التهدئة إلا بأمره بالرحيل عن استنابول، فرحل عنها إلى مصر سنة ١٢٨٨هـ -١٨٧١م، وظلّ بها ثمانية أعوام نُفي بعدها إلى الهند، فأقام بها ثلاث سنين، وآثر فيها الاشتغال بالعلم، وترك الاشتغال بالسياسة، وألّف في هذه المدة كتاب “الرد على الدهريين” الذي عُني فيه بردّ المطاعن الحديثة متجاوزا نطاق الكتب القديمة التي ركّزت على الشبه القديمة. رحل عن مصر بأمر من الخديوي إلى الهند قبيل اندلاع ثورة عرابي، وفي الهند عمل على إحداث ثورة ضد الإنكليز، فضيّقوا عليه حتى رحل منها إلى باريس، وهناك دعا الشيخ محمد عبده للحضور إليه من بيروت، وأصدرا معا مجلة العروة الوثقى التي توقفت بعد عشرة شهور، عاد بعدها الشيخ محمد عبده إلى بيروت، ومكث جمال الدين في أوروبا إلى أن دعاه سلطان فارس ناصر الدين شاه، فسافر إليه سنة ١٣٠٣هـ -١٨٨٦م، فقرّبه ناصر الدين شاه إليه، وعيّنه وزيرا للحربية على أن يجعله بعد هذا رئيسا لوزرائه، فقام بدعوته الإصلاحية في فارس حتى كثر أنصاره فيها، وقوي سلطانه، فخافه ناصر الدين شاه على سلطانه، وخشي منه الجامدون من العلماء على سلطانهم، فضيّقوا عليه، فاستأذن جمال الدين سلطان فارس في أن يأذن له في رحلة إلى روسيا، فساح مدة فيها، ثم انتقل منها إلى فرنسا، وهناك التقى به سلطان فارس ناصر الدين شاه مرة أخرى، وألحّ عليه في العودة معه إلى فارس؛ ليستكمل دعوته الإصلاحية، ويُسند إليه رئاسة وزرائه، فقبل إلا أنّه عندما أراد أن يُقيم حكومة دستورية على نظام حكومات أوروبا، قاومه أعداء الإصلاح من علماء الدين وغيرهم، وأفسدوا ما بينه وبين ناصر الدين شا،ه حتى نفاه من فارس، فقصد جمال الدين العراق، ثم قصد إنجلترا، فأقام بها، وأنشأ مجلة ضياء الخافقين، نهج فيها منهج العروة الوثقى، حتى دعاه السلطان عبدالحميد سنة ١٣١٠هـ -١٨٩٢م إلى إستنابول، وعاش مقربا في جواره، إلا أنه كان أشبه ما يكون بالسجن شديد الحراسة، فكانت جواسيس الخليفة تُحصى عليه حركاته وسكناته، حتى تُوفي سنة ١٣١٤هـ -١٨٩٦م. (ينظر: المجددون في الإسلام، ص ٣٧٤:٣٧٠)

([5]) قهوة متاتيا أو عمارة متاتيا ١٨٧٥م نسبة إلى المهندس الإيطالي الذي قام بتخطيط ميدان العتبة وكان ميدان العتبة والأوبرا الحاليين ميدانا واحدا اسمه “ميدان أزبك” نسبة إلى أزبك باشا العثمانى الذى اتخذ من تلك المنطقة المركزية فى وسط القاهرة مقرا له. قام الخديوي إسماعيل بإعادة تخطيط الميدان بمناسبة الاحتفالات العالمية التى صاحبت افتتاح قناة السويس ١٨٦٧، ويعود تاريخ قهوة متاتيا إلى ١٨٧٥م ظلّت عمارة متاتيا حتى هُدمت سنة ١٩٩٩ لصالح مشروع نفق الأزهر.. جلس على مقاعد هذا المقهى شخصيات ذات أسماء رنانة فى تاريخنا، أبرزهم على الإطلاق جمال الدين الأفغانى الذى ألقى أول خطاب سياسى له من هذا المقهى كما أسس من خلاله أول حزب سياسى فى التاريخ الحديث.. يكاد لم يمر يوم على الشاعر حافظ ابراهيم وهو بصحته ومتواجد بالقاهرة ولا يذهب لقهوة ماتيا.. عبد الله النديم، محمود سامى البارودى، الشيخ محمد عبده، سعد باشا زغلول، أحمد بك شوقى،إبراهيم بك الهلباوى أول نقيب للمحامين، إبراهيم عبد القادر المازنى، العقاد وغيرهم كانوا رواد لهذه القهوة..

([6]) المجددون، ص٣٧٣.

([7]) موسوعة هذا الرجل من مصر، ص٤٦٥.

([8]) المجددون، ص٣٧٢.

    اقرأ ايضا

    المزيد من المقالات

    مقالك الخاص

    شــارك وأثــر فـي النقــاش

    شــارك رأيــك الخــاص فـي المقــالات وأضــف قيمــة للنقــاش، حيــث يمكنــك المشاركــة والتفاعــل مــع المــواد المطروحـــة وتبـــادل وجهـــات النظـــر مــع الآخريــن.

    error Please select a file first cancel
    description |
    delete
    Asset 1

    error Please select a file first cancel
    description |
    delete