لا رجم فى الإسلام

تكوين

لازالت رحلتنا مستمرة لبحث مسألة الحدود، بذات المنهج، نبدأ من تراثنا الفقهى القديم نرتب مسائلة، نحلله، نرسم صورة تراثية واضحة، ثم ننطلق نحو أفق الإجتهادات الفقهية الجديدة، وكان آخر ما تم بحثه مسألة الرجم، وقد تبين لنا بعد البحث استحالة تطبيق هذا الحد من الناحية التراثية، والآن نبحث مدى ثبوتية هذا الحد، هل الرجم حد ثابت بلا خلاف بين الفقهاء أم فى ثبوته خلاف من الأساس؟

أما قديما فقد أشرنا إلى وجود هذا الخلاف فى مقالنا السابق، وقلنا أن أول ظهور لهذا الخلاف كان فى خلافة عمر رضى الله عنه، ثم تطور، ووضحت معالمه، وتجسد فى مذهب الخوارج، وبعض المعتزلة، الذين نفوا كون الرجم حدًا للزنا، واكتفوا بالجلد فقط.

الرجم كان سياسة لا حدًا

ظل هذا الخلاف مكتومًا من الناحية الفقهية، حتى اُعيد بحثه فى الأعصر المتأخرة، وتبناه علماء، وفقهاء كُثر، وصار رأيًا معتمدًا لجمع من أهل العلم، أمثال الشيخ “محمود شلتوت”[1] شيخ الأزهر الأسبق، واالشيخ “عبدالوهاب خلاف”، والدكتور “مصطفى الزرقا”[2]، الذين رأوا بعد البحث والدارسة، إن الرجم فى الإسلام كان سياسةً وليس حدا مفروضًا، فهو متروك  للحاكم على سبيل التخيير، إن شاء أخذ به، وإن شاء تركه.

حد الرجم

الرجم واجب على التخيير لا التعيين

ويمكننا أيضا وضع رأى الشيخ عبد المتعال الصعيدى رحمه الله مع هؤلاء، فقد كان يري أن حد الرجم ليس حدًا واجبًا على التعيين، إنما هو واجب على التخيير، فالذى يجب على الحاكم، هو مجرد العقوبة التى يمكن أن تكون، الجلد، أوالحبس، أو الفداء”دفع فدية”، أو القتل(لا الرجم) فى بعض الحالات، كما يمكن الاكتفاء بالإمساك فى البيوت فقط[3].

رأى الشيخ أبوزهرة

أما الشيخ محمد أبو زهرة -رحمه الله- فقد أعلنها صراحة أن الرجم كان شريعة يهودية نسخها الإسلام وأنهى حكمها، ففى مؤتمر ندوة التشريع الإسلامي المنعقدة في ليبيا عام 1972م، وقف قائلاً[4]:

إني كتمت رأيًا فقهيًّا في نفسي من عشرين سنة، وكنت قد بحت به للدكتور عبد العزيز عامر، واستشهد به قائلا: أليس كذلك يا دكتور عبد العزيز؟ قال: بلى. وآن لي أن أبوح بما كتمته، قبل أن ألقى الله تعالى، ويسألني: لماذا كتمت ما لديك من علم، ولم تبينه للناس؟

هذا الرأي يتعلق بقضية “الرجم” للمحصن في حد الزنى، فأننى أرى أن الرجم كان شريعة يهودية، أقرها الرسول في أول الأمر، ثم نسخت بحد الجلد في سورة النور.

ما حكم الرجم في الاسلام؟

فى حين ذهب الدكتور”محمد المختار الشنقيطي”[5] أستاذ الأخلاق السياسية وتاريخ الأديان بجامعة حمَد بن خليفة في قطر، إلى ما هو أبعد من ذلك حيث قال :إن الرجم من المصائب الفقهية الكبرى في تاريخ الإسلام، وهو أبلغ مثال على التخلي عن المحكمات القرآنية واتباع الآثار المضطربة.

 يقول الإمام أبوحنيفة بشأن الرويات: كل ما خالف القرآن فليس عن رسول الله وان جاءت به الرواية[6].

وقد كان يفترض جريًا على السياق أن يكون نفى حد الرجم هو قول الأحناف،

لأنهم يرون أن عام القرآن لا يخصص ولا ينسخ بخبر آحاد، لكن هذا لم يحدث، حيث أعتقدوا أن أحاديث الرجم، هى دائرة، بين التواتر، والمشهور، وهذا غير صحيح،  ومن ثم توجب علينا بحث أدلة النافين لحد الرجم، وعدم اعتباره، مطلقًا، أو حصره فى إطار السياسة الشرعية.

هل ذكر الرجم في القرآن الكريم؟

كانت جملة الأدلة التى  استدل بها هؤلاء القوم متمثلة فى الآتى:

1-قوله تعالى فى حق الأمة المتزوجة إذا زنت (فَإِذَاۤ أُحۡصِنَّ  فإن أتين بفاحشةٍ فعليهنَّ نصف ما على المحصنات من العذاب ذلك لمن خشي العنت منكم وأن تصبروا خيرٌ لكم والله غفورٌ رحيم) والرجم لا يتنصف وهذا هو وجه الدليل:

فقوله تعالي (( فإذا أُحصِنَّ )) أي تزوَّجن (( فعليهنَّ نصف ما على المحصنات )) أي المتزوجات الحرائر. والجلد هو الذي يقبل التنصيف، مائة جلدة ونصفها خمسون ، أمَّا الرجم فإنَّه لا ينتصف؛ لأنَّه موت، والموت لا ينتصف.

لذا لم يستطع جمهور الفقهاء تجاوز هذه الدلالة، فاضطروا للتأويل، اضطررًا نابًعا من اعتقاد وجوب الرجم فى حق المزوجة، والآية لا تسعفهم ولا تدل على ذلك، فكان التأويل والخلاف، قال ابن عاشور فى التحرير والتنوير[7]:

-وهذه الآية تحير فيها المتأولون لاقتضائها أن لا تحد الأمة في الزنى إلا إذا كانت متزوجة، فتأولها عمر بن الخطاب، وابن مسعود، وابن عمر-رضىى الله عنهم أجمعين-بأن الإحصان هنا الإسلام، ورأوا أن الأمة تحد في الزنا سواء كانت متزوجة أم عزبى، وإليه ذهب الأئمة الأربعة.

ولا أظن أن دليل الأئمة الأربعة هو حمل الإحصان هنا على معنى الإسلام، بل ما ثبت في الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن الأمة إذا زنت ولم تحصن؛ فأوجب عليها الحد. قال ابن شهاب فالأمة المتزوجة محدودة بالقرآن، والأمة غير المتزوجة محدودة بالسنة. ونعم هذا الكلام.

قال القاضي إسماعيل بن اسحق: في حمل الإحصان في الآية على الإسلام بعد؛ لأن ذكر إيمانهن قد تقدم في قوله {مِنْ فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ} وهو تدقيق، وإن أباه ابن عطية.

وقد دلت الآية على أن حد الأمة الجلد، ولم تذكر الرجم، فإذا كان الرجم مشروعا قبل نزولها دلت على أن الأمة لا رجم عليها، وهو مذهب الجمهور، وتوقف أبو ثور في ذلك، وإن كان الرجم قد شرع بعد ذلك فلا تدل الآية على نفي رجم الأمة، غير أن قصد التنصيف في حدها يدل على أنها لا يبلغ بها حد الحرة، فالرجم ينتفي لأنه لا يقبل التجزئة، وهو ما ذهل عنه أبو ثور.

2-قوله تعالى(الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة) الألف واللام في الزانية، والزاني، تفيد العموم، عموم الزناة بلا تمييز، محصنين أو غير محصنين.

رجم الزانى بين مطالبة الطالبين والإستحالة الفقهية

وروى البخارى في صحيحه في باب رجم المحصن أن التابعيُّ الجليل  سُلَيْمانُ الشَّيْبانِيُّ سأل الصَّحابيَّ عبدَ اللهِ بنَ أبي أَوْفَى رَضِيَ الله عنه: هلْ رَجَم رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم؟ قال: نَعَمْ. فسَأَله: أكان قبْلَ نُزولِ سُورةِ النُّورِ أمْ بَعْدَ نُزولِها؟ يُرِيدُ قولَ اللهِ تعالَى: {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ} [النور: 2]، قال: «لا أَدْرِي». ووجه الدليل :

فسؤال التابعى الجليل فيه شك منه أن رسول الله رجم، فسأل، فلما تأكد-حسب الرواية- أن رسول الله رجم، سأل عبد الله بن أبى أوفى-رضى الله عنه-، هل كان ذلك قبل نزول سورة النور أم بعدها، إذ لو كان الرجم قبل نزول سورة النور، فهذا يعنى أن آية النور ناسخة للرجم، وأما إن كان الرجم بعد نزول آية النور، فهنا ننتقل لقضية أخرى، وهى هل عام القرآن تخصصه السنة أم لا؟

وقد اتفق الفقهاء على أن السنة تخصص عام القرآن متى كانت متواترة[8]، أومشهورة.

أما إذا كان حديثًا آحادًا، فالأحناف قالوا[9]: إنه لا يخصص عام القرآن ولا ينسخة، أما الشافعية والحنابلة، فقالوا: إن حديث الآحاد يخصص عام القرآن. أما المالكية فأحيانًا يخصصون عام القرآن بالسنة وأحيانًا لا يخصصون، والذى عليه المتأخرون منهم أنه يخصص متى وافق عمل أهل المدينة، وإلا فلا[10].     

  وهذا ما فهمه ابن حجر وأشار إليه فى شرحه على صحيح البخارى حين قال[11]:

وفائدة هذا السؤال أن الرجم إن كان وقع قبلها فيمكن أن يدعى نسخه بالتنصيص فيها على أن حد الزاني الجلد وإن كان وقع بعدها فيمكن أن يستدل به على نسخ الجلد في حق المحصن لكن يرد عليه أنه من نسخ الكتاب بالسنة وفيه خلاف وأجيب بأن الممنوع نسخ الكتاب بالسنة إذا جاءت من طريق الآحاد وأما السنة المشهورة فلا.

ابن حجر يرد.

ثم قال ابن حجر[12]:

 وقد قام الدليل على أن الرجم وقع بعد سورة النور لأن نزولها كان في قصة الإفك واختلف هل كان سنة أربع أو خمس أو ست على ما تقدم بيانه والرجم كان بعد ذلك فقد حضره أبو هريرة وإنما أسلم سنة سبع وبن عباس إنما جاء مع أمه إلى المدينة سنة تسع.

الرد

أما ابن عباس فلم يصرح بحصوره واقعة الرجم، ولو صرح لكان ادعى للإشكال، ولكنه لم يفعل فلا إشكال‘ إنما الذى صرح فهو أبو هريرة فىيما رواه عنه سفيان ابن عيينة وقد حكم الترمذى رحمه الله على هذه الرواية بالوهم فيها من قبل سفيان حيث قال[13]: وَرَوَى سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَزَيْدِ [ص:41] بْنِ خَالِدٍ، وَشِبْلٍ، قَالُوا: كُنَّا عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَكَذَا رَوَى ابْنُ عُيَيْنَةَ الحَدِيثَيْنِ جَمِيعًا عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَزَيْدِ بْنِ خَالِدٍ وَشِبْلٍ وَحَدِيثُ ابْنِ عُيَيْنَةَ وَهِمَ فِيهِ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ أَدْخَلَ حَدِيثًا فِي حَدِيثٍ، وَالصَّحِيحُ مَا رَوَى مُحَمَّدُ بْنُ الوَلِيدِ الزُّبَيْدِيُّ، وَيُونُسُ بْنُ عُبَيْدٍ، وَابْنُ أَخِي الزُّهْرِيِّ، عَنْ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَزَيْدِ بْنِ خَالِدٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِذَا زَنَتِ الْأَمَةُ» وَالزُّهْرِيُّ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ شِبْلِ بْنِ خَالِدٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَالِكٍ الأَوْسِيِّ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: إِذَا زَنَتِ الأَمَةُ وَهَذَا الصَّحِيحُ عِنْدَ أَهْلِ الحَدِيثِ، وَشِبْلُ بْنُ خَالِدٍ لَمْ يُدْرِكِ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّمَا رَوَى شِبْلٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَالِكٍ الأَوْسِيِّ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهَذَا الصَّحِيحُ، وَحَدِيثُ ابْنِ عُيَيْنَةَ غَيْرُ مَحْفُوظٍ، وَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ شِبْلُ بْنُ حَامِدٍ وَهُوَ خَطَأٌ، إِنَّمَا هُوَ شِبْلُ بْنُ خَالِدٍ وَيُقَالُ أَيْضًا شِبْلُ بْنُ خُلَيْدٍ.

وبحكم الترمذى على رواية سفييان بن عيينة التى فيها التصريح بشهود الواقعة بكونها وهم منه، نعود لمحل الإشكال، وهو توقف عبداالله بن أبى أوفى الصحابى الجليل، فى كون الرجم بعد سورة النور أم قلبها، والأصل البراءة حتى يأتى دليل ولم يأت بعد، فتبقى آيات سورة النور هى الدليل وهى غير منتفية بدليل آخر، ومن ثم فلا حد للزانى أيًا كان محصنًا أو غير محصن غير الرجم.

قال الشيخ أبوزهرة فى تفسيره[14]: إن احتمال نسخ الرجم بآية من سورة النور احتمال ناشئ عن دليل، وما كان النسخ نسخ قرآن، إنما هو نسخ سنة، إذ الرجم لم يثبت إلا بالسنة.

3- وأوضح من ذلك كله آية الملاعنة بين الزوج، وزوجة، التى زنت ولم يراها أحد سواه، فشرع ما سمى باالملاعنة، حيث يشهد الزوج أربع شهادات بالله أنه صادق قد رأها، وتبرأ الزوجة، بأن تحلف أربع مرات بالله إنه لمن الكاذبين، فإن حلفت بُرأت وأن لم تحلف يقام عليها الحد، قال: وَٱلَّذِينَ يَرمُونَ أَزوَٰجَهُم وَلَم يَكُن لَّهُم شُهَدَآءُ إِلَّآ أَنفُسُهُم فَشَهَٰدَةُ أَحَدِهِم أَربَعُ شَهَٰدَٰتِ بِٱللَّهِ إِنَّهُۥ لَمِنَ ٱلصَّٰدِقِينَ (6) وَٱلخَٰمِسَةُ أَنَّ لَعنَتَ ٱللَّهِ عَلَيهِ إِن كَانَ مِنَ ٱلكَٰذِبِينَ (7) وَيَدرَؤُاْ عَنهَا ٱلعَذَابَ أَن تَشهَدَ أَربَعَ شَهَٰدَٰتِ بِٱللَّهِ إِنَّهُۥ لَمِنَ ٱلكَٰذِبِينَ (8)

ووجه الدليل قوله تعالى:(وَيَدرَؤُاْ عَنهَا ٱلعَذَابَ) فرغم أنها متزوجة إلا أنه قال:وَيَدرَؤُاْ عَنهَا ٱلعَذَابَ. والمفروض ويدرأ عنها الموت لكنه قال: وَيَدرَؤُاْ عَنهَا ٱلعَذَابَ ولم يقل الموت، والعذاب غير الموت بنص القرآن قال تعالى: {لَا يُقْضَىٰ عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَلَا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذَابِهَا}فاطر،35. فالموت غير العذاب.

وقال أيضًا: لَأُعَذِّبَنَّهُۥ عَذَابًا شَدِيدًا أَوْ لَأَاْذْبَحَنَّهُۥ أَوْ لَيَأْتِيَنِّى بِسُلْطَٰنٍ مُّبِينٍ. اية21سورة النمل.

فالذبح وهو الموت غير العذاب كما هو واضح، إذن عقوبة المتزوجة هنا، وحدها شيئ غير الموت وغير الرجم، شيئ اسمه العذاب”و يدرأُ عنها العذاب” أي عذاب؟ الألف واللام في كلمة “العذاب” للعهد، أى العذاب المعهود والمعروف فى الآية الثانية من السورة حيث قالى تعالى: ٱلزَّانِيَةُ وَٱلزَّانِي فَٱجلِدُواْ كُلَّ وَٰحِد مِّنهُمَا مِاْئَةَ جَلدَة وَلَا تَأخُذكُم بِهِمَا رَأفَة فِي دِينِ ٱللَّهِ إِن كُنتُم تُؤمِنُونَ بِٱللَّهِ وَٱليَومِ ٱلأٓخِرِ وَليَشهَد عَذَابَهُمَا طَآئِفَة مِّنَ ٱلمُؤمِنِينَ (2)

فثَبَت بهذا أن عذاب المزوّجة إذا ثبتت عليها الفاحشة بنص كتاب الله هو مئة جلدة.

4-: قوله تعالى :(يا نساء النبي من يأتِ منكن بفاحشةٍ مبينة يُضاعف لها العذاب ضعفين وكان ذلك على الله يسيراً) فعقوبة نساء النبي كما واضح فى الآية مضاعفة، والرجم موت والموت لا يُضاعف. فلزم ان يكون العذاب شيئ غير الرجم وكونه بالألف واللام(يعنى للعهد) أى أنه شيء معروف، وقابل لأن يُضاعفن وهو الجلد، ومن ثم فلا رجم فى الإسلام.

مناقشة المثبتون لحد الرجم

5-لم يكتف هؤلاء الفقهاء الذين نفووا كون الرجم حدًا واجبًا بإيراد ما سبق من أدلة وأنما ناقشوا أدلة المثبتين لحد الرجم مستدلين بما ثبت ثبوتًا قطعيًا فى كتاب الله تعالى من حرمة النفس البشري، من نحو قوله تعالى: (وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا) [سورة الفرقان ـ الآية 68]، وقوله أيضًا:(وَلاَ تَقْتُلُواْ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ وَمَن قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلاَ يُسْرِف فِّي الْقَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنْصُورًا) [سورة الإسراء ـ الآية 33]

وقوله تعالى:” مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا ” (المائدة32)

وقوله فى سورة النساء: (وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا) [سورة النساء ـ الآية 93]

فكل ما سبق من آيات واضحات فى كتاب الله تعالى تجعل حرمة النفس البشرية من أعظم الحرمات، فهى بنيان الرب الذى لا يصح هدمه إلا بدليل قطعى الثبوت قطعى الدلالة، ولا شك أن الرجم قتل وعقوبة قاسية ولم يثبت إلا بأحاديث مضطربة المتون، معلولة الأسانيد، مثل حديث الداجن، وحديث المجنونة،وحديث الغامدية.

6- وقد وردت مشتقات كلمة الرجم فى كتاب الله تعالى 14 مرة منها 5 مرات بمعني الرجم الفعلي أو الطرد وهم :

مثل قوله تعالى: (إِنَّهُمْ إِن يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ يَرْجُمُوكُمْ أَوْ يُعِيدُوكُمْ فِي مِلَّتِهِمْ وَلَن تُفْلِحُوا إِذًا أَبَدًا) (الكهف 20) وقوله: (قَالَ أَرَاغِبٌ أَنتَ عَنْ آلِهَتِي يَا إِبْراهِيمُ لَئِن لَّمْ تَنتَهِ لَأَرْجُمَنَّكَ وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا) (مريم 46) وقوله تعالى:(قَالُواْ يَا شُعَيْبُ مَا نَفْقَهُ كَثِيرًا مِّمَّا تَقُولُ وَإِنَّا لَنَرَاكَ فِينَا ضَعِيفًا وَلَوْلاَ رَهْطُكَ لَرَجَمْنَاكَ وَمَا أَنتَ عَلَيْنَا بِعَزِيزٍ)(هود 91) وقوله: (قَالُوا لَئِن لَّمْ تَنتَهِ يَا نُوحُ لَتَكُونَنَّ مِنَ الْمَرْجُومِينَ) (الشعراء 116) وقوله:(قَالُوا إِنَّا تَطَيَّرْنَا بِكُمْ لَئِن لَّمْ تَنتَهُوا لَنَرْجُمَنَّكُمْ وَلَيَمَسَّنَّكُم مِّنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ) (يس 18)

إذن الرجم معروف ومذكور فى القرآن، ومع ذلك لم يشر الحق تبارك، وتعالي من قريب، أو بعيد، في آى من هذه الآيات، إلي كونه عقوبة للزنا، أو لأي جريمة آخري، ومما يدعو إلي التأمل، أن الآيات الخمس السابقة، قد أومأت إلي أن الكفار مثل؛ قوم نوح، وقوم شعيب، وقوم لوط، وقوم ابراهيم، هم الذين تصدر عنهم هذه الجريمة الشنعاء لما فيهم من قلوب قست وماتت لخلوها من الإيمان؛ إذ كانوا يرهبون بها الذين يخرجون عن طاعتهم.

7- كثير من أسانيد أحاديث الرجم، غير صحيح، أو مختلف فى صحته، وما صح من ناحية السند فهو معل من ناحية المتن، وأسوأ العلل، تلك التى تعنى الطعن الضمني في حفظ القرآن، والمناقضة الصريحة لمضامينه، فمن قال بالرجم بناء على تلك الرويات فهو قائل بتحريف القرآن وعدم حفظه تبعًا لها–عياذًا بك اللهم.

مثل: 1-حديث الداجن: روى ابن ماجه وأبو يعلى والدارقطني وغيرهم من طريق محمد بن إسحاق عن عبدالله بن أبي بكر ابن حزم عن عمرة بنت عبدالرحمن عن عائشة رضي الله عنها، قالت: «لقد نزلت آية الرجم ورضاعة الكبير عشرًا، ولقد كان في صحيفة تحت سريري، فلما مات رسول الله صلى الله عليه وسلم وتشاغلنا بموته دخل داجن فأكلها»[15]

2- روى البخاري (6830) ومسلم (1691) عن ابن عباس رضي الله عنهما أن عمر بن الخطاب صعد المنبر فخطب الجمعة ، وكان مما قال رضي الله عنه فقال : (إِنَّ اللَّهَ بَعَثَ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْحَقِّ ، وَأَنْزَلَ عَلَيْهِ الْكِتَابَ ، فَكَانَ مِمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ آيَةُ الرَّجْمِ ، فَقَرَأْنَاهَا ، وَعَقَلْنَاهَا ، وَوَعَيْنَاهَا ، رَجَمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرَجَمْنَا بَعْدَهُ ، فَأَخْشَى إِنْ طَالَ بِالنَّاسِ زَمَانٌ أَنْ يَقُولَ قَائِلٌ : وَاللَّهِ مَا نَجِدُ آيَةَ الرَّجْمِ فِي كِتَابِ اللَّهِ ، فَيَضِلُّوا بِتَرْكِ فَرِيضَةٍ أَنْزَلَهَا اللَّهُ ، وَالرَّجْمُ فِي كِتَابِ اللَّهِ حَقٌّ عَلَى مَنْ زَنَى إِذَا أُحْصِنَ مِنْ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ ، إِذَا قَامَتْ الْبَيِّنَةُ ، أَوْ كَانَ الْحَبَلُ ، أَوْ الِاعْتِرَافُ) . زاد أبو داود (4418) : (وَايْمُ اللَّهِ ، لَوْلَا أَنْ يَقُولَ النَّاسُ : زَادَ عُمَرُ فِي كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ، لَكَتَبْتُهَا) وصححه الألباني في صحيح أبي داود . فهل كان عمر يخاف الناس في القرآن؟! وأين باقى أصحاب رسول الله من هذا، كيف سكتوا على نقصان آية من كتاب الله؟!

3-رى ابن عبد البر فى التمهيد[16]: لَمَّا صدَرَ عمرُ بنُ الخطَّابِ رَضِيَ اللهُ عنه من

 مِنًى أناخ بالأَبْطَحِ، ثم كوَّمَ كُومَةً بطحاءَ، ثم طرَحَ عليها رِداءَهُ واستلقى، ثم مدَّ يدَيْهِ إلى السماءِ، فقال: اللهمَّ كَبِرَتْ سِنِّي، وضَعُفَتْ قوَّتي، وانتشرَتْ رعيَّتي؛ فاقبِضْني إليك غير مُضيِّعٍ ولا مُفرِّط، ثم قدِمَ المدينة، فخطَبَ الناسَ، فقال: أيُّها الناسُ، قد سُنَّتْ لكُمُ السُّننُ، وفُرِضَتِ الفرائضُ، وتُرِكْتُم على الواضحةِ إلَّا أنْ تَضِلُّوا بالناس يَمينًا وشِمالًا، وضرَبَ بإحدى يدَيْهِ على الأخرى، ثم قال: إيَّاكم أن تَهْلِكوا عن آيةِ الرَّجْمِ أنْ يقولَ قائلٌ: لا نجِدُ حدَّيْنِ في كتابِ اللهِ؛ فقَدْ رجَمَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، وقد رجَمْنا، والذي نفسي بيدِه لولا أن يقولَ الناسُ: زاد عمرُ بنُ الخطابِ في كتابِ اللهِ لكتبتُها: الشيخُ والشيخةُ فارجُموهما ألبتَّةَ؛ فإنَّا قد قرأناها. قال مالكٌ: قال يحيى بنُ سعيدٍ: قال سعيدُ بنُ المُسيَّبِ: فما انسلَخَ ذو الحجَّةِ حتَّى قُتِلَ عمرُ رَحِمَهُ اللهُ.

4- روى عبد الله بن الإمام أحمد في ” زوائد المسند ” (21207) ، وعبد الرزاق في ” المصنف ” (5990) ، وابن حبان في “صحيحه” (4428) ، والحاكم في “المستدرك” (8068) ، والبيهقي في “السنن” (16911) ، وابن حزم في “المحلى” (12/175) من طريق عَاصِمِ بْنِ بَهْدَلَةَ ، عَنْ زِرٍّ، قَالَ : قَالَ لِي أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ: ” كَأَيِّنْ تَقْرَأُ سُورَةَ الْأَحْزَابِ؟ أَوْ كَأَيِّنْ تَعُدُّهَا؟ ” قَالَ: قُلْتُ لَهُ: ثَلَاثًا وَسَبْعِينَ آيَةً ، فَقَالَ: قَطُّ ، لَقَدْ رَأَيْتُهَا وَإِنَّهَا لَتُعَادِلُ سُورَةَ الْبَقَرَةِ ، وَلَقَدْ قَرَأْنَا فِيهَا : ( الشَّيْخُ وَالشَّيْخَةُ إِذَا زَنَيَا فَارْجُمُوهُمَا الْبَتَّةَ نَكَالًا مِنَ اللهِ وَاللهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ) .

قال ابن حزم رحمه الله :”هَذَا إسْنَادٌ صَحِيحٌ كَالشَّمْسِ ، لَا مَغْمَزَ فِيهِ ” انتهى. إذن فأين ذهب باقى سورة الأحزاب؟ سيقولون نسخت. وهذا اجتهاد وتأويل ليوافقوا هذه الرواية، وهل يعقل أن نعرض كتاب الله للضياع وعدم الحفظ والشك عياذًا بك اللهم من أجل رواية؟   

8-وخيرًا فعل العلامة المحدّث الجوزقاني في كتابه (الأباطيل والمناكير) إزاء حديث

 الداجن المروي عن عائشة رضي الله عنها حيث قال: إنه حديث باطل ونص قوله[17]: أَخْبَرَنَا حَمَدُ بْنُ نَصْرٍ، أَخْبَرَنَا أَبُو طَالِبِ بْنِ الصَّبَّاحِ، أَخْبَرَنَا بْنُ لَالٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَلَمَةَ الْقَطَّانُ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَزِيدَ بْنِ مَاجَهْ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو سَلَمَةَ يَحْيَى بْنُ خَلَفٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْأَعْلَى، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ، عَنْ عَمْرَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، وَعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: «لَقَدْ نَزَلَتْ آيَةُ الرَّجْمِ وَرَضَاعَةِ الْكَبِيرِ عَشْرًا، وَلَقَدْ كَانَتْ صَحِيفَةٌ تَحْتَ سَرِيرِي، فَلَمَّا مَاتَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتَشَاغَلْنَا بِمَوْتِهِ، فَدَخَلَ دَاجِنٌ فَأَكَلَهَا» .

هَذَا حَدِيثٌ بَاطِلٌ، تَفَرَّدَ بِهِ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ، وَهُوَ ضَعِيفُ الْحَدِيثِ، وَفِي إِسْنَادِ هَذَا الْحَدِيثِ بَعْضُ الِاضْطِرَابِ.

9-ومن عجائب أحاديث الرجم ما رواه أبو داود أن عمر أتيَ بمجنونة قد زنت، فأمر بها عمر أن ترجم، فقد روى أبو داود عن عبدالله بن عباس أُتِي عمرُ بمجنونةٍ ، قد زنت فاستشار فيها أناسًا ، فأمر بها عمرُ أن تُرجَمَ ، فمرَّ بها على عليِّ بنِ أبي طالبٍ فقال : ما شأنُ هذه ؟ قالوا : مجنونةُ بني فلانٍ زنت، فأمر بها عمرُ أن تُرجَمَ . قال : فقال : ارجِعوا بها ، ثمَّ أتاه فقال : يا أميرَ المؤمنين ، أما علِمتَ أنَّ القلمَ قد رُفِع عن ثلاثةٍ ؛ عن المجنونِ حتَّى يبرأَ ، وعن النَّائمِ حتَّى يستيقظَ ، وعن الصَّبيِّ حتَّى يعقِلَ ؟ قال : بلَى ، قال : فما بالُ هذه تُرجَمُ ؟ قال : لا شيءَ ، قال فأرسِلْها ، قال : فأرسِلْها ، قال : فجعل يُكبِّرُ. أخرجه أبو داود (4399) خلاصة حكم المحدث : صحيح.

فهل كان عمر يجهل أن العقل مناط التكليف؟ هل كان يجهل أبسط قواعد الشرع الشريف، ووفقًا للحديث فليس عمر فقط الذى كان يجهل، بل كثير من أصحاب النبي، فقد استشاتر فيها أناسًا ثم أمر أن ترجم، فهل يعقل هذا؟

10-بقى فى أدلة المثبتين للرجم ما ورد فى الصحيحين(البخارى ومسلم) من

 روايات، اتخذوها حجة، ومستندًا، فيما ذهبوا إليه، والمقلدون يستبشعون رد أحاديث البخاري، ومسلم، ومع أن كثير من القدماء، والمعاصرين قد فعلوا[18].

لكن اختصارًا لإثارة الغبار، فستكون الوقفات مع هذه الرويات من ناحية المتن لا السند، وعليه يمكن القول، إن حد الرجم يرجع فى أقوى ما استند إليه إلى راويات وردت في الصحيحين، منها اثتنتان تحكي حضور النبي صلي الله عليه وسلم، وهما، رواية ماعز، ورواية الغامدية، أما الثالثة، فهى، منسوبة لعمرو بن ميمون عن رجم القردة، ولن يتطرق البحث لها لأنها ليست ذات دلالة، وغير منتجة فى القضية، ولا يوجد حادثة رجم آخري موثقة لا فى عصر النبوة ولا في عصر الخفاء الراشدين غيرهما، ويمكن أن ينتهى الجدل فى حديث ماعز، والغامدية، والجزء الأخير ممن يحل دمهم الثيب الزانى، إذا ما أعتبرنا مخالفتهما عموم القرآن تضعيف لهما، وفقًا لرأى الأصوليين حسبما أورد ذلك الشيخ أبوزهرة[19]، لكن يتعين الوقوف مع القصتين وقفات أخرى من ناحية المتن لنرى اضطرابهما كالآتى[20]:

من هو ماعز الذي رجم؟

القصة الأولي: رجم ماعز

فقد روي البخاري ومسلم وأصحاب السنن وغيرهم أن رجلا اسمه ماعز بن مال الأسلمي زنا بعد إحصان، فاعترف، فرجمه النبي صلي الله عليه وسلم، وتفاصيل هذه الحادثة تمتلئ بالتناقض والاضطراب، نذكر من ذلك :

التناقض الأول: كيفية علم النبي بواقعة ماعز.

– فقد روي البخاري (صحيح البخاري ح6815،6825) ومسلم (صحيح مسلم بشرح النووي 11/276- ح1691/16)، وأبو داود (سنن أبي داود 4/143- ح4419)

“أتي رجل رسول الله وهو في المسجد فناداه فقال: يا رسول الله إني زنيت وتكرر أعتراف ماعز (أربع مرات)، وفي كل مرة يعرض عنه النبي”

– وفي آخري روي مسلم بصحيحه أيضا (صحيح مسلم بشرح النووي 11/281- ح1693/19) هو وأبو داود (سنن أبي داود 4/145- ح4425)، وأحمد (مسند أحمد 1/245، 328-ح2203،3020)، وغيرهم “عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس أن النبي صلي الله عليه وسلم لقي ماعزاً، فقال النبي لماعز: أحق ما

ما بلغني عنك؟، قال ماعز: وما بلغك عني؟ قال بلغني أنك وقعت بجارية ال فلان، قال فشهد أربع شهادات ثم أمر به فرجم”

والتناقض هنا هو :

أن في الرواية الأولي ماعز هو الذي بادر النبي صلي الله عليه وسلم باعترافه، وأما في الرواية الثانية، فالنبي صلي الله عليه وسلم هو الذي بادر ماعز بسؤاله، إذن كيف سيبدأ النبي بسؤال ماعز، بينما ماعز هو الذي بدأ بالاعتراف؟

تعليق الأئمة:

النووي رحمه الله: قال العلماء: لا تناقض بين الروايات ثم راح يحاول الجمع بين المتضاد، فقال[21]:

فيكون قد جئ به إلي النبي صلي الله عليه وسلم من غير استدعاء من النبي وقد جاء في أن قومه أرسلوه إلي النبي، فقال النبي صلي الله عليه وسلم للذي أرسله: لو سترته بثوبك يا هزال لكان خيراً لك، وكان ماعز عند هزال، فقال النبي بعد أن ذكر له الذين حضروا معه ما جري له: أحق ما بلغني عنك إلي آخره.

الاستدراك في التعليق:

تغافل النووي رحمه الله عن روايات الصحيح الذي يشرحه، وفيها أن ماعزا ذهب للنبي، واعترف علي نفسه أربع مرات، والنبي صلي الله عليه وسلم يُعرض عنه في كل ذلك, فلو كان ماعزاً اعترف علي نفسه لما قال له النبي صلي الله عليه وسلم:أحق ما بلغني عنك؟ إذ إن هذا السؤال يظهر منه (بداهة)

  • مبادرة النبي صلي الله عليه وسلم لماعز، لا العكس.
  • انتفاء اعتراف ماعز للنبي صلي الله عليه وسلم.

التناقض الثانى: مكان و كيفية الاعتراف؟

– فقد روي البخاري (صحيح البخاري ح6815،6825)، ومسلم (صحيح مسلم بشرح النووي 11/276- ح1691/16)،وغيرهما: “أن ماعزاً ذهب إلي النبي صلي الله عليه وسلم بالمسجد، فناداه”

– وفي آخري روي أحمد بن حنبل في مسنده (1/245،328- ح 2203،3020)، ومسلم (انظر صحيح مسلم بشرح النووي: (11/281- ح1693/19) وأبو داود (انظر سنن أبي داود 4/145- ح4425) والترمذي (سنن الترمذي 4/27- ح1427) والنسائي، وأبو يعلي، والطبراني وغيرهم: “أن النبي صلي الله عليه وسلم لقي ماعز بن مالك فقال: أحق ما بلغني عنك؟”

والتناقض هنا هو:

أن في الرواية الأولي، ماعز هو الذي ذهب إلي النبي صلي الله عليه وسلم بالمسجد، وأما في الرواية الثانية، فالنبي صلي الله عليه وسلم هو الذي سأل ما عزا عندما لقيه، إذن: هل ذهب ماعز إلي النبي صلي الله عليه وسلم بالمسجد، أم أن النبي ص هو الذي سأل ماعزا عندما لقيه؟

تعليق أهل الحديث : لا يوجد.

حيث لم يذكروا أي شيء عن هذا الاستفسار!!

التناقض الثالث: شخصية المرأة المزني بها:

– فقد روي مسلم (صحيح مسلم بشرح النووي 11/281- ح1693/19)، وأبو داود (سنن أبي داود 4/145- ح4425)، وأحمد (مسند أحمد 5/216- ح21383) “بلغني أنك وقعت بجارية آل فلان”

– وفي آخري روي مسلم أن النبي صلي الله عليه وسلم (صحيح مسلم ح 1693)، وأبو داود (سنن أبي داود 4/143- ح4419)، وأحمد (مسند أحمد 5/216- ح21383)، وغيرهم (كما صححه الألباني) “إنك قد قلتها أربع مرات، فبمن؟ قال: بفلانة”

التناقض هنا هو :

أن في الرواية الأولي، المرأة المزني بها معروفة هنا للنبي صلي الله عليه وسلم، وأما في الرواية الثانية المرأة المزني بها غير معروفة للنبي صلي الله عليه وسلم،  إذن: هل كان النبي صلي الله عليه وسلم يعلم بالمرآة أم لا, والأهم هو، أين تلك المرأة من إقامة الحد عليها هي الآخري؟

ما هي قصة ماعز والغامدية؟

التناقض الرابع: اعتراف ماعز بالزنا:

– فقد روي البخاري (صحيح البخاري ح6815،6825)، ومسلم (صحيح مسلم بشرح النووي 11/276- ح1691/16)، وأبو داود (سنن أبي داود 4/143 ح4419)

“فناداه، فقال: يا رسول الله إني زنيت، فاعرض عنه حتي ردد عليه أربع مرات”

– وفي آخري روي مسلم (صحيح مسلم بشرح النووي 11/284- ح1695/22)، وأحمد وغيرهما: “أن ماعزا جاء إلي النبي صلي الله عليه وسلم أربع مرات كل مرة يقول للنبي: أنه زني وفي المرة الرابعة قال له النبي: فيم أطهرك؟ فقال: من الزنا”

والتناقض هنا هو:

أن في الرواية الأولي، أن النبي علم بجريمة ماعز من أول مرة، وأما في الرواية الثانية، أن النبي صلي الله عليه وسلم لم يعرف بجريمة ماعز إلا بعد المرة الرابعة، ولو قال ماعز من المرة الأولي بوقوع الزنا منه لما قال له النبي صلي الله عليه وسلم بعد المرة الرابعة : فيم أطهرك؟

التناقض الخامس: مجئ ماعز للنبي:

فقد روي البخاري (صحيح البخاري ح

6814،6815،6820،6823،6824،6825)، ومسلم (شرح

النووي(11/284- 281- 276- ح1691/1694- 16/1695-20/22)،

“أتي رجل من المسلمين رسول الله صلي الله عليه وسلم”

“جاء ماعز بن مالك إلي النبي صلوات ربي وسلامه عليه”

“أن ماعز بن مالك الأسلمي أتي رسول الله صلوات ربي وسلامه عليه”

وفي آخري روي البخاري، ومسلم (صحيح مسلم بشرح النووي 11/280- 279- ح1692)، وغيرهما أن ماعزا جئ به وأتي به: “جئ به إلي النبي صلي الله عليه وسلم” “أتي رسول الله صلي الله عليه وسلم برجل قصير”

والتناقض هو:

أن في الرواية الأولي، ماعز بن مالك الأسلمي أتي رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأما في الرواية الثانية، فأن هناك من أتى بماعز للنبي، فأى الروايتين

أصدق ؟

التناقض السادس: رد النبي لماعز:

– فقد روي مسلم في صحيحه (صحيح مسلم بشرح النووي 11/280- ح1692/18)”أن النبي صلي الله عليه وسلم رد ماعزاً مرتين ثم أمر به فرجم” بينما روي مسلم في صحيحه (صحيح مسلم بشرح النووي 11/288- ح1695/23)

“أن ماعزا اعترف بالزنا، وأن النبي صلي الله عليه وسلم رده ثلاث مرات” وفي آخري روي مسلم في صحيحه (صحيح مسلم بشرح النووي 11/275- ح1691/15)”أن النبي صلي الله عليه وسلم ردٌ ماعزاً أربع مرات وفي رواية أنه رده مراراً”

والتناقض هو:

 هل كان الرد مرتين أم ثلاثاً أم أربعاً؟

التناقض السابع: ماذا قال ماعز للنبي:

– فقد روي مسلم (صحيح مسلم بشرح النووي 11/284 – ح1695/22)، وأحمد والدارقطني، وغيرهم”أن بعض الصحابة قالوا : ما توبة أفضل من توبة ماعز، أنه جاء إلي النبي صلي الله عليه وسلم فوضع يده ثم قال: اقتلني بالحجارة”

– وفي آخري روي أبو داود (سنن أبي داود 4/144 – ح4420)، وأحمد والدارقطني، وغيرهم”“أن ماعزاً لما وجد مس الحجارة صرخ براجميه قائلا :يا قوم ردوني ألي رسول الله فإن قومي قتلوني، وغروني من نفسي، وأخبروني أن رسول الله صلي الله عليه وسلم غير قاتلي”

والتناقض هنا هو:

لو كان ماعز قال: “اقتلني بالحجارة ” لما قال إن قومه غروه، ولو كان قومه غروه لما كان قال للنبي صلي الله عليه وسلم “اقتلني بالحجارة”

التناقض الثامن:

موقف النبي من تنفيذ الرجم

موقف النبي من التنفيذ:

– فقد روي البخاري ومسلم (صحيح مسلم بشرح النووي 11/279 -281 –ح 1692/17 – 1694/21)، وغيرهما”أن النبي قال بعد أن رجم ماعز”إن الله لا يمكنني من أحد منهم (الزناة) إلا جعلته نكالاً”

– وفي آخري روي أبو داود (سنن أبي داود 4/143 – ح 4419)، وأحمد (مسند أحمد 5/721 – ح 21383)، وغيرهما”أن النبي صلي الله عليه وسلم قال بعد أن علم بمحاولة ماعز الهرب من الرجم:”هلا تركتموه لعله أن يتوب فيتوب الله عليه”

والتناقض هنا هو:

واقع بين ما نُسِبَ للنبي (بزعم الرواة)، علما بأن رواة، رواية تمني النبي ترك ماعز، هم رجال مسلم، علي قول الألباني، وغيره.

التناقض التاسع: كيف مات ماعز:

– فقد روي مسلم بصحيحه (صحيح مسلم بشرح النووي 11/281 – ح 1694/20)، وأبو داود، وأحمد، وغيرهم”أن رجمة ماعز رجموه بجلاميد الحجارة حتي سكت، وذلك بعد أن جري واشتد في الجري وأدركوه”

– وفي آخري روي أبو داود (سنن أبي داود 4/143 – ح 4419)، وأحمد (مسند أحمد 5/721 – 21383)، وابن أبي شيبة، وغيرهم: “أن ماعزا جري واشتد حتي أعجز أصحابه، فلقيه عبد الله بن أنيس فنزع له بوظيف بعير، فرماه به فقتله”

والتناقض هو:

ففي الرواية الأولي، أن رجمة ماعز، رجموه بجلاميد الحجارة حتي سكت، وذلك بعد أن جري، واشتد في الجري، وأدركوه، وأما في الرواية الثانية، فإن ماعزا جري، واشتد حتي أعجز أصحابه، فلقيه عبد الله بن أنيس، فنزع له بوظيف بعير، فرماه به فقتله، فلو كان كما جاء في صحيح مسلم، ماعز حُفر له فكيف جري؟

التناقض العاشر: حفروا لماعز أم لم يحفروا له:

فقد روي مسلم (صحيح مسلم بشرح النووي 11/281 – ح1694/20) وغيره عن أبي سعيد الخدري قوله”فما أوثقناه ولا حفرنا له”

وفي آخري روي مسلم (صحيح مسلم بشرح النووي 11/288 – ح 1695/23)،

وغيره”فلما كان الرابعة حفر لهُ ثم أمر به فرُجِم”

والتناقض هنا هو:

هل حفروا لماعز، وأوثقوه، أم لم يحفروا له، ولم يوثقوه؟! ترتب علي هذا التناقض بين رويات الصحيحين، تخبط، وتفرق الخلف :

  • فقال أبو حنيفة، ومالك، وأحمد في المشهور عنهم: لا يحفر للمرجوم، والمرجومة.
  • وقال أبو حنيفة في رواية أخري والظاهر أنه بعد أن بلغه الحديث الآخر هو قول أبويوسف، وأبو ثور: يحفر لهما. فعلي المذهب الحنفي: يُحفر للمرجوم، ولا يُحفر للمرجوم.
  • وقال بعض المالكية : يحفر لمن يرجم بالبينة، ولا يحفر لمن يرجم بالإقرار.
  • وقال الشافعية : لا يحفر للرجل سواء أقر، أم أقيمت عليه البينة.

أما المرأة فقد صاروا فيها ثلاثة مذاهب:

الأول:يستحب الحفر لها، إلي صدرها.

الثاني:الحفر وعدمه متروك لاختيار الإمام.

الثالث:إن ثبت زناها بالبينة استحب الحفر لها، وإن ثبت بالإقرار فلا يستحب الحفر لها. وعقب النووي بقوله:وهذا المذهب ضعيف.

القصة الثانية: رجم امرأة يطلق عليها الغامدية

التناقض الأول : هل ماتت الغامدية قبل فطام الصبي أم بعده

– فقد روي مسلم (صحيح مسلم بشرح النووي 11/288 – ح 1695/23)، وغيره أن النبي ص قال للغامدية: “إذهبي فأرضعيه حتي تفطميه فلما فطمته أتته بالصبي في يده كسرة خبز فقالت هذا يا نبي الله قد فطمته وقد أكل الطعام فدفع الصبي إلي رجل من المسلمين”

وفي آخري روي مسلم بصحيحه (صحيح مسلم بشرح النووي 11/291 – ح 1696/24)، عن ان النبي قال:”لا نرجمها وندع ولدها صغيراً ليس له من يرضعه فقام رجل من الأنصار فقال إلي رضاعة يا نبي فرجمها”

والتناقض هنا هو:

هل ترك النبي الغامدية حتي أرضعت ابنها وكبر وفطمته, أم ان النبي لم يُمهل الغامدية حتي ترضع طفلها وتفطمه وأسلمه للأنصاري ليكفل رضاعته؟

أين زوج الغامدية المحصنة؟

أين الزاني ليقام عليه الحد هو الاخر؟

هل ظل الرواي عامان متتاليان يوثق تلك القصة الواهية؟

تعليق الأئمة:

النووي رحمه الله قال[22]: فهاتان الروايتان ظاهرهما الإختلاف، فإن الثانية صريحة في أن رجمها كان بعد فطامه، وأكله الخبز، والأولي ظاهرها أنه رجمها عقب الولادة، ويجب تأويل الأولي، وحملها علي وفق الثانية، لأنها قضية واحدة، والروايتان صحيحتان، والثانية منهما صريحة لا يمكن تأويلها، والأولي ليست صريحه، فيتعين تأويل الأولي، ويكون قوله: في الرواية الأولي، قام رجل من الأنصار، فقال إلي رضاعه، إنما قاله بعد الفطام، وأراد بالرضاعة، كفالته، وتربيته، وسماه رضاعا مجازا!!

فالنووى رحمه الله يقر إقرارًا واضحًا بالإختلاف، وبصحة الروايتين، ولا يجد مخرجًا سوى وجوب التأويل، ويأتى التأويل بعيدًا متكلفًا حلًا للإشكال التضاد، وما ذلك تعظيمًا لأمر الرويات، بإحسان الظن، وعدم تصور إمكان القول ببطلان عقوبة الرجم من الأساس. 

التناقض الثاني : هل حفروا للغامدية أم لا؟

فقد روي مسلم بصحيحه (صحيح مسلم بشرح النووي 11/288- ح 1695/23)، “ثم أمر بها فحفر لها إلي صدرها وأمر الناس فرجموها” وفي آخري روي مسلم بصحيحه (صحيح مسلم بشرح النووي 11/291- ح 1696/24)”ثم أمر نبي الله فشكت عليها ثيابها ثم أمر بها فرُجمت”

والتناقض هنا هو:

هل حفر النبي للمرجومة إلي صدرها وأمر الناس فرجموها، أم أن النبي لم يحفر

 للمرجومة وإنما اكتفي بشك ثيابها عليها؟

ولهذا تباينت أقوال أهل الفقه في الحفر من عدمه، حتى فى المذهب الواحد من أثر تناقض الروايتين.

ففى تبيين الحقائق للزيلعي الحنفي نجد قوله[23]: يحفر للمرأة لا للرجل لقول أبي سعيد فوالله ما حفرنا لماعز ولا أوثقناه الحديث وقال عبد الله بن بريدة عن أبيه حفر للغامدية إلى صدرها رواهما مسلم وأحمد وأبو داود ولأنها ربما تضطرب إذا أصابتها الحجارة فتبدو أعضاؤها وهي كلها عورة فكان الحفر أستر لها بخلاف الرجل ولا بأس بترك الحفر لها لأنه – عليه الصلاة والسلام – لم يأمر بذلك والربط والإمساك غير مشروع في المرجوم.

ويقع المرغنانى الحنفى رحمه الله فى ذات التناقض حينما يقول[24]: وإن حفر لها في الرجم جاز، «لأنه – عَلَيْهِ السَّلَامُ – حفر للغامدية إلى ثندوتها» وحفر علي – رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ – لشراحة الهمدانية. وإن ترك الحفر لا يضره، لأنه – عَلَيْهِ السَّلَامُ – لم يأمر بذلك، وهي مستورة بثيابها، والحفر أحسن، لأنه أستر، ويحفر إلى الصدر لما روينا، ولا يحفر للرجل لأنه – عَلَيْهِ السَّلَامُ -، ما حفر لماعز – رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ – ولأن مبنى الإقامة على التشهير في الرجال، والربط والإمساك غير مشروع.

لذا علق صاحب كتاب نصب الرواية الحنفى-أيضًا- مستدركًا على صاحب متن الهداية- المرغيناني- بعد أن أورد قوله السابق قال-أى صاحب كتاب نصب الراية-[25]: قلت: هذا ذهول من المصنف وتناقض، فإنه تقدم في كلامه أنه عليه الصلاة والسلام حفر للغامدية، وهو في مسلم.

الخلاصة

اضطر الفقهاء والشراح، إذن، لبذل مجهود، ومحاولات مضنية للجمع بين الروايات، وحل تناقضتها، حتى أن أحدهم كما سبق -بيانه-كان يقع فى ذات التناقض، دون أن يدرى  وما ذلك إلا لكثرته، فهو كم من التباين، والإختلاف كبير، تضمنته روايات ماعز، والغامدية، مما يجعل الإيمان بها، إيمان بالشئ، وعكسه، أو على أقل تقدير بضاعة مزجاة، تطرق إليها الإحتمال من كل مكان، والديل الذى يتطرق إليه الإحتمال يسقط به الإستدلال[26].

وحرمة النفوس، أصل متيقن، وإن إباحة ما كان كذلك، لا تكون إلا بحق، يتيقن ثبوته عن الشارع، كما يتيقن وقوعه على وجه لا شبهة فيه[27].

وعليه فقد انتهى فريق من العلماء المعاصرين، بعد البحث والدرس، أنه لا رجم فى الإسلام، وهو رأى بعض المعتزلة، والخوارج قديمًا، أو أن الرجم كان سياسة لا حدًا مفروضًا، أو أنه حد واجب على التخيير من بين عقوبات متعددة يستطيع الحاكم أن يأخذ بواحدة منها دون الأخرى، وهذه اجتهادات تقف على أرض الشريعة الغراء، تنطلق منها، وتعود إليها، لا تهملها، ولا تتركها، منحصرة فى القديم، فتموت واقعيًا، ولا تستصحب مستقبليًا، وهو اجتهاد معتبر، وأمر يستحق النظر.   

 

المراجع:

[1] فتاوى الزرقا، فتواه المعنونة بـ”حول رَجْم الزانِي المُحْصَن” ص 78، وقد أيد القرضاوى هذا الرأى.

[2]-انظر: فتاوى الزرقا ، -ص 391 : 395،وانظر:” كفاية المسلم في العقيدة والفقه والأخلاق والفكر والفرق والأديان” خالد سليم عبد الفتاح ص 280، ط: دار الكتب العلمية، وانظر أيضًا: “الجريمة والعقوبة فى الفقه الإسلامى” عبد العزيز بن محمد الصغير، ص 127، ط: الناشرAl Manhal, 2015

[3] -انظر”فى الحدود الإسلامية” للشيخ عبد المتعال الصعيدى، ص 61: 66، والكتاب عبارة عن مخطوط، بمكتبة الأزهر، لم يطبع، وقد حصلت على نسخة منها.

[4] -انظر: “فتاوى الشيخ محمد أبو زهرة” جمع وتحقيق، الدكتور محمد عثمان شبير، ص 673، ط: دار القلم، دمشق.

[5] – https://hmahran.com/blog-posts/%D9%84%D8%A7-%D8%B1%D8%AC%D9%85-%D9%81%D9%8A-%D8%A7%D9%84%D8%B4%D8%B1%D9%8A%D8%B9%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%AE%D8%AA%D8%A7%D8%B1-%D8%A7%D9%84%D8%B4%D9%86%D9%82%D9%8A%D8%B7%D9%8A/

[6] -إذ يعتبر ذلك-مخالفة الرواية للقرآن- علة تطعن فى صحة الرواية يقول القاضى أبويعلى الحنبلى: كخبر الواحد يجوز إثبات الحكم به فيما لم يرد القرآن بخلافه، ولا يجوز قبوله  فيما يخالف القرآن. انظر: العدة في أصول الفقه (5/ 1434) القاضي أبو يعلى ، محمد بن الحسين بن محمد بن خلف ابن الفراء (المتوفى : 458هـ) حققه وعلق عليه وخرج نصه : د أحمد بن علي بن سير المباركي، الأستاذ المشارك في كلية الشريعة بالرياض – جامعة الملك محمد بن سعود الإسلامية، الناشر : بدون ناشر، الطبعة : الثانية 1410 هـ – 1990م.

وربما هذا يعتمد على الأثر  المروى عن رسول الله: انه دعا اليهود فسألهم فحدثوه حتى كذبوا على عيسي، فصعد المنبر فخطب الناس فقال: إن الحديث سيفشو على، فما أتاكم عنى يوافق القرآن فهو نى، وما أتاكم عنى يخالف القرآن فليس عنى.   

[7]– التحرير والتنوير(4/94)ط: دار المعرفة-بيروت.

[8] – انظر قوله فى الغيث الهامع: يجوز تخصيص الكتاب بالسنة المتواترة بالإجماع كما حكاه الصفي الهندي، وقال الآمدي: لا أعلم فيه خلافا ومنهم من حكى خلافا في السنة الفعلية. “الغيث الهامع شرح جمع الجوامع” (ص: 324)ط: : ولي الدين أبي زرعة أحمد بن عبد الرحيم العراقي (ت: 826هـ)، المحقق: محمد تامر حجازي، ط: دار الكتب العلمية، الطبعة: الأولى، 1425هـ – 2004م.

[9] – الغيث الهامع قوله: في تخصيص الكتاب بخبر الواحد مذاهب.

أحدها وبه قال الجمهور: الجواز مطلقا فإنا لو لم نعمل الخاص لزم إبطاله مطلقا، وحكاه ابن الحاجب عن الأئمة الأربعة.

قال الشارح: لكن الحنفية ينكرونه.

الثاني: المنع مطلقا، حكاه ابن برهان عن طائفة من المتكلمين. “الغيث الهامع شرح جمع الجوامع” (ص: 325)

[10]انظر: “فتاوى الشيخ محمد أبو زهرة” جمع وتحقيق، الدكتور محمد عثمان شبير، ص 672، ط: دار القلم، دمشق.  

[11] فتح الباري لابن حجر (12/ 120)دار المعرفة بيروت.

[12] فتح الباري لابن حجر (12/ 120).

[13] سنن الترمذي ت شاكر (4/ 40) الناشر: شركة مكتبة ومطبعة مصطفى البابي الحلبي – مصر.

[14] زهرة التفاسير (10/ 5143)

[15] سنن ابن ماجه (1944)، وتأويل مختلف الحديث لابن قتيبة (310)، ومسند البزار (298)، ومسند أبي يعلى (4587)، وسنن الدارقطني (4376). ومسند الإمام أحمد بلفظ ودخلت دُويبة لنا فأكلتها» (6/269).

[16] الراوي:عمر بن الخطاب المحدث:ابن عبدالبر المصدر:التمهيد الجزء أو الصفحة:23/92 حكم المحدث:صحيح.

[17] انظر “الأباطيل والمناكير والصحاح والمشاهير” (2/ 184) ط: دار الصميعي للنشر والتوزيع، الرياض – المملكة العربية السعودية، مؤسسة دار الدعوة التعليمية الخيرية، الهند.

[18] الدارقطني رد 200 من أحاديثهما، وكذلك فعل ابن حزم، والباقلانى، والسيوطى، وغيرهم، وفى عصورنا هذه رد ابن عثيمين، وابن باز والألبانى وهم رموز السلفية النصوصية المعاصرة، أحاديث فى الصحيحين https://www.youtube.com/watch?v=fYEtEhK5CZ8

[19] وكذا الجزء الأخير من حديث لا يحل دم امرئ، ومنهم الثيب الزانى، انظر: “فتاوى الشيخ محمد أبو زهرة” جمع وتحقيق، الدكتور محمد عثمان شبير، ص 673، ط: دار القلم، دمشق.  

[20] -أعتمدت فى هذه الوقفات، بالمعنى أو بالنص، على بحث بعنوان(أصـل عقوبة الـرجــم – دراسة أصولية). 

[21]-“المنهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج أبو زكريا محيي الدين يحيى بن شرف النووي (المتوفى: 676هـ) ج11 ص 197،ط: دار إحياء التراث العربي – بيروت، الطبعة: الثانية، 1392.

[22] شرح النووي على مسلم (11/ 202)

[23]تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق وحاشية الشلبي (3/ 171)ط2:دار الكتاب الإسلامى.

[24] البناية شرح الهداية (6/278: 279)ط: الناشر: دار الكتب العلمية – بيروت، لبنان، الطبعة: الأولى، 1420 هـ – 2000 م

[25]نصب الراية (3/ 325)، ط: مؤسسة الريان للطباعة والنشر – بيروت -لبنان/ دار القبلة للثقافة الإسلامية- جدة – السعودية، الطبعة: الأولى، 1418هـ/1997م.

[26] -قال صاحب البحر المحيط فى أصول الفقه:  أن الاحتمال تارة يكون في دليل الحكم وتارة في محل الحكم فالأول هو الذي يسقط به الاستدلال دون الثاني. انظر: البحر المحيط في أصول الفقه (2/ 308) بدر الدين محمد بن بهادر بن عبد الله الزركشي ـ سنة الوفاة 794هـ، تحقيق ضبط نصوصه وخرج أحاديثه وعلق عليه: د. محمد محمد تامر، ط: دار الكتب العلمية، سنة النشر: 1421هـ – 2000م

[27] -“الاسلام عقيدة وشريعة” للإمام الأكبر الشيخ محمود شلتوت، ص 346،ط:دار الشروق.

    اقرأ ايضا

    المزيد من المقالات

    مقالك الخاص

    شــارك وأثــر فـي النقــاش

    شــارك رأيــك الخــاص فـي المقــالات وأضــف قيمــة للنقــاش، حيــث يمكنــك المشاركــة والتفاعــل مــع المــواد المطروحـــة وتبـــادل وجهـــات النظـــر مــع الآخريــن.

    error Please select a file first cancel
    description |
    delete
    Asset 1

    error Please select a file first cancel
    description |
    delete