نحو نظرية جديدة للحدود فى الفقه الإسلامي: الجزء الثالث

تكوين

النظرية الاجتماعية للحدود

فى هذه النظرية دراسة الحدود ليست دراسة أصولية فقهية؛ بل هى دراسة من ناحية الاجتماع، ببنية هياكليه الثقافية، والسياسية، والاقتصادية، وأثرها المباشر فى فى عملية التشريع، من خلال الحضور الفعلى لهذا الاجتماع فى النص ذاته.

فهى دراسة تحاول أن ترصد، متى تبنى النص هذا الاجتماع، وكيف تحول هذا الاجتماع جزءا من بنية النص، فصار النص محملًا بالأعراف والقوانين السائده؟ فهى فى جوهرها دراسة فى علاقة الحدود بالأعراف القائمة، وهل تبنى النص هذا الأعراف، مما قد يحول دون اعتبار هذه التشريعات(القوانين) جزءا من جوهر الدين، ويفتح الباب أمام إمكانية تغييرها عند الاقتضاء، من دون أن يعنى ذلك الخروج من دائرة الدين، خلافًا للمفهوم السائد للتدين.

من نظريات الفقه الاسلامي؟

دراسة الحدود، هنا إذن، دراسة اجتماعية، من منظور تاريخى، قانونى، دينى، توفر لدينا منطوق جديد للمسألة. دراسة فى مجال تأثيرالاجتماع فى النص، أو مراعاة النص للإجتماع، فهى تسأل إلى أى مدى راعى النص التشريعى الواقع, والنظام الاجتماعى السائد، وتأثر به؟

بمعنى أدق هى لا تسأل سؤال، هل العبرة بعموم اللفظ، أم بخصوص السبب؟ إنما تسأل هل العبرة بمجرد النص، أم بمضمون النص؟ هنا تختلف زاوية النظر، ويختلف الحكم.

فالعبرة بمجرد النص: تعنى أن مجرد ورود الحكم فى النص أنه صار مطلقًا فى الزمان، بغض النظر عن المحيط الاجتماعى الذى استدعى وروده. وما اذا كان هذا المحيط لا يزال قائما ببنيته، وهياكله، الثقافية، والاقتصادية.

أما كون العبرة بمضمون النص فيعنى[1]: وجوب النظر فى المضمون؛ كى نفرق بين الكلى المطلق، والجزئى النسبى المتداخل فيه اعتبار الاجتماع الانسانى، ومن ثم فهو متغير بتغير هذا الاجتماع، وتعد مسألة القوانين والتشريعات أوضح مثال تتجلى فيه هذه التغيرات، وفق تغير الاجتماع.

يقول الطاهر بن عاشور -رحمه الله-[2]: فنحن نوقن أن عادات قوم ليست يحق لها – بما هي عادات – أن يُحمَل عليها قوم آخرون في التشريع، ولا أن يُحمل عليها أصحابُها كذلك. نعم يراعي التشريع حمل أصحابها عليها ما داموا لم يغيّروها، لأن التزامهم إياها واطرادها فيهم يجعلها مُنَزَّلة مَنْزِلَة الشروط بينهم يُحملون عليها في معاملتهم إذا سكتوا عما يضادُّها.

المجتمع، والدين، والقانون[3].

قد يوجد مجتمع لا يعرف التوحيد، ولا الدين الحق؛ تلك حقيقة لاينازعها عقل؛ من

أجل ذلك كانت الحكمة الإلهية تقتضى، إرسال الرسل لتلك المجتمعات.

لا يوجد مجتمع بلا قانون.

فى المقابل، لا وجود لمجتمع ما، دون شكل من أشكال القانون، فهو ضرورة، وإفراز من أفرازات المجتمع، وخصائصه الحتمية.

جوهر القانون، والدين.

ومن ثم فالقانون فى جوهره انسانى نسبى، عكس الدين، الذى هو فى جوهرة إلهى متعالى مطلق.

ولكن إذا كان الإجتماع قد يوجد بلا دين، فإن الدين لا يوجد خارج الاجتماع، وهذا ما يجمع بين الدين والتشريع. ومن خلاله يتجاوران  تجاورًا ضروريًا، يقرأ عادة بشكل يثير اللبس حول تداخل عضوى بينهما ربما لا يكون حتميًا فى الحقيقة.

فعند حضور الدين داخل المجتمع تشتغل العلاقة بينه وبين التشريع؛ التى تهدف فى المقام الأول لضبطه من خلال قانون القانون الألهى االقيمى المتعالى الكلى، الذى يمثل مظلة حاكمة لهذا الاجتماع.

هذه الحقيقة يعكسها تاريخ النص القرآنى ذاته بوضوح تام، عبر مرحلتيه المكية والمدنية، إذ توفر لنا المرحلة المكية فرصة مثالية وتقدم شاهدًا صريحًا على وجود الدين بدون تشريع.

ففى مكة لم يكن المجتمع مجتمع المسلمين برغم وجدوهم، ووجود الدين، لكنهم قلة مستضعفون وسط مجتمع الشرك والمشركين، هنا غاب المجتمع المسلم، وحضر الدين والمسلمون، فغاب التشريع.

أما المرحلة المدنية فتقدم نموذجا مختلفًا، يتفاعل فيه الدين مع الاجتماع، من خلال ميلاد مجتمع مسلم جديد، يقدم له النص تشريعات تراعيه، وتصلحه، وتعبر عنه.

يظهر ذلك بوضوح، وبلا غرابة، عبر مسألة العبودية، فالدين من ناحية النص الكلي أستهدف تقليص العبودية؛ حتى يمكن القول أن الدين رتب حرمة العبودية حسب جوهرة الأخلاقى، من خلال دعوته لذلك وتحبيبه والحض الواضح من ناحية قانون القانون-الأخلاق-؛ لإنهاء حالة الرق والعبودية التى تطعن فى عمق الكرامة الإنسانية المحمية من قبل النص الدينى الكلى المتعالى عن النوازع البشرية، بعكس النص التشريع الجزئى الذى أعترف بجوازها.

فهنا فارق بين التشريع-القانون- الذى يراعى مصلحة المجتمع ومرتبط به، لذا فهو نسبى متغير، وبين جوهر الدين الكلى المطلق الذى لا يقبل التغيير.

أساس النظام القانونى فى المدينة

وحينما نتصفح القرآن الكريم، النص الذى لا خلاف فى صحته، سنلاحظ كيف تفاعل هذا النص مع الواقع، كيف راعى هذا الواقع؟ الذى كانت تحكمه قوانين وتشريعات مستمدة من أعراف هذه المجتمعات.

حتى يمكن القول،إن قاعدة الإساس فى النظام التشريعى(القانونى) الذى أعتمده الرسول فى المدينة بأعتبارها موطن التشريعات(القوانين) حيث بداية المجتمع المسلم، هو ذلك القانون العرفى السائد فى المحيط العربي، من ذلك على سبيل المثال، الأحكام التى تتعلق بالقتال فى الاشهر الحرم، وتوزيع الغنائم، والأخماس، والصفايا، والقسامة، والدية، ومقدارها، وكونها على العاقلة.

تلك مجرد أمثلة على كون القاعدة الإساسية فى النظام التشريعى(القانونى) الذى أعتمده الرسول فى المدينة، هو ذلك القانون العرفى السائد فى المحيط العربي، كان النص يقر هذا العرف، وكان هذا العرف هو القاعدة، والاستثناء تعديله، والذى غالبا ما يكون جزئيًا، وهو ما يعكس حقيقة التداخل على أرض الواقع بين النص والاجتماع[4].

ما هي الحدود السبعة في الاسلام؟

ونحن نوقن-، كما يقول،الطاهر بن عاشور -رحمه الله-[5]– أن عادات قوم ليست يحق لها – بما هي عادات – أن يُحمَل عليها قوم آخرون في التشريع، ولا أن يُحمل عليها أصحابُها كذلك.

الأدلة على إن العرف كان قاعدة الإساس فى النظام التشريعى القانونى.

1-تشريع القتال فى الأشهر الحرم

فقوله تعالى: يَسْـَٔلُونَكَ عَنِ ٱلشَّهْرِ ٱلْحَرَامِ قِتَالٍۢ فِيهِ ۖ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ ۖ وَصَدٌّ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ وَكُفْرٌۢ بِهِۦ وَٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِۦ مِنْهُ أَكْبَرُ عِندَ ٱللَّهِ ۚ وَٱلْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ ٱلْقَتْلِ ۗ وَلَا يَزَالُونَ يُقَٰتِلُونَكُمْ حَتَّىٰ يَرُدُّوكُمْ عَن دِينِكُمْ إِنِ ٱسْتَطَٰعُواْ ۚ وَمَن يَرْتَدِدْ مِنكُمْ عَن دِينِهِۦ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُوْلَٰٓئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَٰلُهُمْ فِى ٱلدُّنْيَا وَٱلْءَاخِرَةِ ۖ وَأُوْلَٰٓئِكَ أَصْحَٰبُ ٱلنَّارِ ۖ هُمْ فِيهَا خَٰلِدُونَ.(سورة البقرة آية 217)

علينا قراءة هذا النص مرتين[6]، الأولى، قراءة مجردة حسب البنية النصية فقط، دون النظر لأى اعتبارات أخرى، الثانية، فى ضوء المعطيات والظروف التى لابست ظهوره، والتى يبينها سبب نزول هذه الآية.

القراءة الأولى المجردة، تقول لنا أن النص يتضمن قاعدة قانونية أو حكمًا تكليفيًا، هو تحريم القتال فى الشهر الحرام باعتباره إثم كبير بنص الآية(يَسْـَٔلُونَكَ عَنِ ٱلشَّهْرِ ٱلْحَرَامِ قِتَالٍۢ فِيهِ ۖ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ) ثم يضيف تحفظًا مفاده أن الصد عن سبيل الله، والكفر به، وإخراج أهل المسجد الحرام(المهاجرين) منه هو إثم أكبر؛ لأن الفقتنة أكبر من القتل.

لكننا مع القراءة الثانية التى تقترن بسبب النزول سنعلم أن النص كان يعالج حالة

واقعية بعينها، تتعلق بسرية عبدالله بن جحش رضى الله عنه وأ رضاه، والتى جرت أحداثها فى السنة الثانية من الهجرة، قبل غزوة بدر، وأن هذا التحفظ كان يعنى استثناء قتال مشركى قريش من حكم التحريم، ورفع الأثم والحرج عن أصحاب هذه السرية.

هذا المعنى غير مصرح به فى النص المجرد، ولكنه كان فى غاية الوضوح للمخاطبين به، بحكم كونهم طرفًا فى الواقعة التى يتعلق بها النص، وهنا تتجلى علاقة الاجتماع بالنص التى تعطيه بعدًا آخر أوسع من القراءة المجردة، فلم يعد الأمر هو مجرد تقرير حرمة القتال فى الشهر الحرام، فقد كان هذا حكمًا معروفًا فى محيط الجزيرة العربية آنذاك، بل كان الغرض هو الرد على تشهير القرشيين بالرسول وأصحابه باعتبارهم خارجين عن الأعراف المتفق عليها، والتخفيف فى الوقت ذاته، من عقدة الذنب التى ظل يعانيها أصحاب السرية حتى نزلت الآية.

وهو ما يضعنا مباشرة حيال ضرب من ضروب المعالجة السياسية يتم فى إطار إدارة الصراع مع القوى المناوئة للمسلمين ممثلة هنا فى كفار قريش، وليس حيال فعل تشريعى بالمعنى الدقيق.

ويمثل هذا النص، فى حد ذاته، نموذجًا من النماذج الدالة، على آنية المعالجة، ومحلية المضمون، الذى ينتمى إلى اجتماعيات الغزو القبلى فى الجزيرة العربية، والتى لم يعد لها وجود الآن.

ويؤكد أيضًا أن النص الدينى ليس استثناء من قاعدة تبعية التشريع القانونى للاجتماع، فقد اعتمد النص العرف الاجتماعى السائد، ليس فقط كمصدر يستعين به فى خيارته، بل جعله القاعدة التى تسرى فى ما لا يرد بشأنه نص.

فالحكم بحرمة القتال الأشهر الحرم، لم يكن نزلت به آية قبل هذه، مما يعنى أن الحرمة كانت عرفًا معروفًا، فى الواقع العربي المحيط بالمسلمين، ويأتى النص لمناقشة هذا الحكم الموجود، فيجعله قاعدة ثم يستثنى منها، كان هذا المفهوم-أغلب الظن-حاضرا فى وعى الجيل الإسلامى الأول الذى عاصر النص، وظل حاضرًا وإن بتغير طفيف فى وعى الجيل الثانى، بدليل أن بعض التابعين جعل هذه الآية ناسخة لحكم تحريم القتال فى الشهر الحرام، ذلك الحكم الذى لم يكن نزلت به آية قبل هذه الآية مما يعنى أن الحرمة كانت عرفًا معروفًا.

2-قسمة الغنائم

وهو ما ينطبق على حكم الخمس الذى طبقه الرسول صلى الله عليه وسلم بالتأسيس

على الأصل العرفى أيضًا، أو بمعنى أدق أقره الرسول، حيث كانت أول قسمة للغنائم على يد الصحابى الجليل عبدالله بن جحش فى سريته التى نزل بسسبها قوله تعالى: يَسْئَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرامِ. وكانت آخر السنة الثانية من الهجرة النبوية فى شهر رجب[7]، قبل أن يعود النص لتبنيها صراحة فى سورة الأنفال التى نزلت بعد غزوة بدر، فى شهر رمضان من نفس السنة الهجرية[8]، مما يعنى أن العرف كان أساس التشريع القانونى، الذى يتعاطى معه النص لكونه الأنسب لهذا المجتمع، والسؤال هل العرف من خصائصة الإستمرار والتأبيد، أم التغيير بتغير الزمان، والمكان، والأحوال؟.

يقول القرطبي رحمه الله[9]:”وَقَالَ لَهُمْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَحْشٍ-فى السرية التى نزلت فيها آية القتال فى الشهر الحرم-: اعْزِلُوا مِمَّا غَنِمْنَا الْخُمُسَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَفَعَلُوا، فَكَانَ أَوَّلَ خُمُسٍ فِي الْإِسْلَامِ، ثُمَّ نَزَلَ الْقُرْآنُ:” وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ فَأَقَرَّ اللَّهُ وَرَسُولُهُ فِعْلَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَحْشٍ وَرَضِيَهُ وَسَنَّهُ لِلْأُمَّةِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَهِيَ أَوَّلُ غَنِيمَةٍ غُنِمَتْ فِي الْإِسْلَامِ”

ففى هذا التعقيب الذى أدلى به القرطبي، يبدو عبدالله بن جحش ابن عمة الرسول صلى الله عليه وسلم، وكأنه هو من اخترع حكم تخصيص حصة للرسول صلى الله عليه وسلم من الغنائم الناجمة على الحرب، والحقيقة أن هذا كان معروفًا فى التقاليد القبلية قبل الإسلام[10].

نحو نظرية جديدة للحدود فى الفقه الإسلامي: الجزء الثاني

قال الأصفهانى فى شرح ديوان الحماسة[11]: قال أبو عبيدة: كان رئيس القوم في الجاهلية إذا غزا بهم فغنم أخذ من جماعة الغنيمة ومن الأسرى والسبى على أصحابه المرباع، وهو الربع، فلذلك قال (لك المرباع منها) فصار هذا الربع الذي كان في الجاهلية للرئيس في الاسلام خمساً. وكان له الصفى: واحد الصفايا من جماعة الغنائم والأسلاب والكراع قبل القسمة، وهو أن يصطفى لنفسه شيئاً: جارية أو سيفاً أو فرساً أو ماشاء، وبقى الصفى على حاله في الإسلام: اصطفى النبي صلى الله عليه وسلم سيف منبه ابن الحجاج ذا الفقار يوم بدر، واصطفى جوير ية بنت الحارث من بني المصطلق يوم المريسيع، فجعل صدقتها عتقها وتزوج بها، واصطفى صفية بنت حي ففعل ذلك بها.

لنجد أنفسنا مرة أخرى أمام تشريع قانونى مستمد من العرف المحيط بالجماعة المسلمة، تشريع من الواقع ، وللواقع، يقره النص لكونه الأصلح لهذا الاجتماع، أفلا يُعد ذلك قرينة على عدم ديمومة، وأبدية هذا القانون، إذ ماذا لو تغير العرف المستمد منه القانون، وتغير واقع الاجتماع المشرع له؟

3-القسامة من النظام العرفى

كذلك الدية، والقسامة أيضًا، كانت من النظام العرفى السائد، والقسامة، هى وسيلة اثبات فى حال ما إذا كان القاتل مجهولا، أو كانت الأدلة على أحد بعينه غير كافية مع توافر الشبهة، وهى بلا شك وسيلة اثبات غير يقينية.تقوم على القرينية، وتفرض المسؤولية الجماعية فى ظل نوع من الاجتماع الديمغرافى تتوزع تجماعته السكانية توزيعًا منفصًا على اساس العشيرة أو القبيلة.

وقد أقر رسول الله القسامة على ما كانت عليه فى الجاهلية كما روى مسلم ، رحمه الله فى صحيه.

فهنا التشريع والقانون يستمد مرة أخرى من العرف، فهل يكون تشريعًا قانونيًا ملزمًا أبدا.

ربما هذا ما فهمه بعض الفقهاء ممن روى عنهم إبطال القسامة رغم ورود النص.

قال القاضي[12]: حديث القسامة أصل من أصول الشرع وقاعدة من قواعد الأحكام وركن من أركان مصالح العباد وبه أخذ العلماء كافة من الصحابة والتابعين ومن بعدهم من علماء الأمصار الحجازيين والشاميين والكوفيين وغيرهم رحمهم الله تعالى وإن اختلفوا في كيفية الأخذ به وروي عن جماعة إبطال القسامة وأنه لا حكم لها ولا عمل بها وممن قال بهذا سالم بن عبد الله وسليمان بن يسار والحكم بن عيينة وقتادة وأبو قلابة ومسلم بن خالد وبن علية والبخاري وغيرهم وعن عمر بن عبد العزيز روايتان كالمذهبين.

4-الدية من النظام العرفى.

أما الدية، ففى الجاهلية كانت الدية عقوبة بديلة عن القصاص، وقد اعتمدها القرآن كعقوبة بديلة عن القصاص فى القتل العمد، وكعقوبة أصلية فى القتل الخطأ.

يقول صاحب المنار[13]: وَالدِّيَةُ مَا يُعْطَى إِلَى وَرَثَةِ الْمَقْتُولِ عِوَضًا عَنْ دَمِهِ أَوْ عَنْ حَقِّهِمْ فِيهِ، وَهِيَ مَصْدَرُ وَدَى الْقَتِيلَ يَدِيَهُ وَدْيًا وَدِيَةً – كَعِدَةٍ وَزِنَةٍ مِنَ الْوَعْدِ وَالْوَزْنِ – وَيُعَرِّفُهَا الْفُقَهَاءُ بِأَنَّهَا الْمَالُ الْوَاجِبُ بِالْجِنَايَةِ عَلَى الْحُرِّ فِي نَفْسٍ أَوْ فِيمَا دُونَهَا، وَقَدْ أَطْلَقَ الْكِتَابُ الدِّيَةَ وَذَكَرَهَا نَكِرَةً فَظَاهِرُ ذَلِكَ أَنَّهُ يُجْزِئُ مِنْهَا مَا يُرْضِي أَهْلَ الْمَقْتُولِ وَهُمْ وَرَثَتُهُ قَلَّ أَوْ كَثُرَ، وَلَكِنَّ السُّنَّةَ بَيَّنَتْ ذَلِكَ وَحَدَّدَتْهُ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي كَانَ مَعْرُوفًا مَقْبُولًا عِنْدَ الْعَرَبِ.

وكشأن القصاص اكتفى القرآن بالنص صراحة على مبدأ الدية، محيلًا بذلك على

النظام العرفى القبلى فى ما يتعلق باحكامها التفصيلية.

وبالنقل عن هذا النظام استبقى الفقه الإسلامى أحكام الدية المتعارف عليها فى

المحيط العربي الجاهلى: نوع المال المقبول غالبًا(الأبل) ومقداره(مائة) ومسؤولية الأداء التى تتعدى مسؤولية الفاعل إلى عشيرته أو قبيلته(المعاقلة) ومن ثم تعد خروجا على أصل المسؤولية الفردية، ومبدأ شخصية العقوبة. لا باعتبار القبيلة مسؤولة أو ذات وزر إنما هى نوع من التضامن والتكافل[14].

حيث تذكر المصادر أن أول من حكم فى الديات بمائة من الأبل فى الجاهلية هو المطلب بن هاشم[15]، وقيل غيره[16]، وهو الحكم الذى أقره الرسول وقضى به.

إذن الوحى يحيل على الواقع العرفى الذى يعرفه الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، وقد ثبتت الأخبار عن رسول الله أن الدية مائة من الأبل. لكن القرطبي على سبيل المثال ينسب تقدير الدية بمائة من الأبل مباشرة الى رسول الله  دون إشارة الى كونها سنة تقريرية[17].

هنا مشكلة العقل الفقهى الذى جعل القرآن حين سكت عن التفصيل لم يكن يحيل الى النظام العرفى السائد، بل على سنة الرسول، أى على نوع آخر من الوحى، ولكن بما أن الرسول حسب ما هو ثابت فعليًا يأخذ من الواقع العرفى، فمعنى ذلك أن الوحى يحيل على الواقع العرفى، وهى ذات النتيجة التى يرفض العقل الفقهى فى أغلبه أن يصرح بها. وبالتالى لم يكن واردًا بالنسبة له التعاطى مع فكر التمييز بين ما هو دين كمطلق ثابت، و التشريع كمعطى اجتماعى متغير، ولو كان محمولا على النص. والنتيجة هنا هى أن فعل الرسول المستعار مباشرة من الواقع الاجتماعى المتغير يصير حكما ثابتا لا يجوز تغييره[18].

رغم أن الفقهاء قد ميزوا بالفعل بين مستويات متعددة من أفعال الرسول صلى الله عليه وسلم، لكن فكرة التمييز بين الدين المطلق الثابت، وبين التشريعات القانونية كمعطى اجتماعى متغير بتغير أنساق هذا المجتمع ولو كانت محمولة على النص الثابت لكنها من جملة المتغيريات، فهذا هو الذى لم يحقق بشكل دقيق بعد، وهوالمطلوب تحقيقه من العقل الفقهى، لماذا؟

حتى لا تكون النتيجة هنا أن فعل الرسول المستعار مباشرة من الواقع الاجتماعى المتغير يصير حكما ثابتًا لا يجوز تغييره، فالمنطقة الاجتماعية من النص، هى المنطقة الأسرع تعرضاً لعوامل التغير بفعل الاجتماع[19]. وقد مارس الفقه بالفعل تغيير الأحكام لكنه لما عجز عن رؤية البعد الاجتماعى فى نص توقف وصار المجتمع فى واد والفقه فى واد اخر.

يقول القرطبى-رحمه الله-ناقلًا عن  الشافعى رحمه الله[20]:  دِيَةُ الْحُرِّ الْمُسْلِمِ مِائَةٌ مِنَ الْإِبِلِ لَا دِيَةَ غَيْرُهَا كَمَا فَرَضَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. هَذَا قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَبِهِ قَالَ طَاوُسٌ. قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: دِيَةُ الْحُرِّ الْمُسْلِمِ مِائَةٌ مِنَ الْإِبِلِ فِي كُلِّ زَمَانٍ، كَمَا فَرَضَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

لكن هذا القول السابق للشافعى رحمه الله كان على المدى القصير، إذً لم يصمد أمام الواقع المتغير من مكان إلى مكان، فكان قوله الثانى، الذى أشار إليه القرطبي أيضًا[21]: قَالَ الشَّافِعِيُّ الدِّيَةُ الْإِبِلُ، فَإِنْ أَعْوَزَتْ فَقِيمَتُهَا بِالدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ عَلَى مَا قَوَّمَهَا عُمَرُ، أَلْفَ دِينَارٍ عَلَى أَهْلِ الذَّهَبِ وَاثْنَا عَشَرَ أَلْفَ دِرْهَمٍ عَلَى أَهْلِ الْوَرِقِ.” وانظم الشافعى -رحمه الله- بذلك لطائفة من أهل العلم الذين قالوا[22]: عَلَى أَهْلِ الْإِبِلِ مِائَةً مِنَ الْإِبِلِ.

وَاخْتَلَفُوا فِيمَا يَجِبُ عَلَى غَيْرِ أَهْلِ الْإِبِلِ، فَقَالَتْ طَائِفَةٌ: عَلَى أَهْلِ الذَّهَبِ أَلْفُ دِينَارٍ، وَهُمْ أَهْلُ الشَّامِ وَمِصْرَ وَالْمَغْرِبِ، هَذَا قَوْلُ مَالِكٍ وَأَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ وَأَصْحَابِ الرَّأْيِ وَالشَّافِعِيِّ فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ، فِي الْقَدِيمِ. وَرُوِيَ هَذَا عَنْ عُمَرَ وَعُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ وَقَتَادَةَ. وَأَمَّا أَهْلُ الْوَرِقِ فَاثْنَا عَشَرَ أَلْفَ دِرْهَمٍ، وَهُمْ أَهْلُ الْعِرَاقِ وَفَارِسٍ وَخُرَاسَانَ.

نحو نظرية جديدة للحدود فى الفقه الإسلامى (1-3)

فرغم ورود النص على الأبل، لكن عمر رضى الله عنه قبل البديل، فهل كان عمر مصدر التشريع أم أن الاجتماع المتغيرأدى إلى تشريع متغير.

يقول الإمام محمد عبده بعد عرض جملة من النصوص[23]: وَلَوْ صَحَّ لَمَا وَجَدْنَا لَهُ مَخْرَجًا إِلَّا فَهْمَ عُمَرَ وَغَيْرِهِ مِنَ الصَّحَابَةِ أَنَّ مَا كَانَ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – لَمْ يَكُنْ حَتْمًا، وَأَنَّهُمْ عَلِمُوا مِنْهُ أَنَّ الْأَمْرَ فِي الدِّيَةِ اجْتِهَادِيٌّ وَمَدَارَهُ عَلَى التَّرَاضِي كَمَا أَشَرْنَا إِلَى ذَلِكَ فِي بَيَانِ ظَاهِرِ عِبَارَة الْآيَة.

ثم يضيف مرجحًا مفصحًا عن رأيه[24]: وَجُمْلَةُ الْقَوْلِ أَنَّ الرِّوَايَاتِ الْقَوْلِيَّةَ وَالْعَمَلِيَّةَ مُخْتَلِفَةٌ مُتَعَارِضَةٌ، وَلِذَلِكَ اخْتَلَفَ فِيهَا الْفُقَهَاءُ وَظَاهِرُ الْآيَةِ أَنَّ أَمْرَ الدِّيَةِ مَنُوطٌ بِالْعُرْفِ وَبِالتَّرَاضِي، وَالْأَقْرَبُ أَنَّ اخْتِلَافَ السَّلَفِ فِي الْعَمَلِ كَانَ لِأَجْلِ هَذَا.

إذن الإمام محمد عبده يري أن مقدار الدية كان سنده العرف الذى وجده الرسول صلى الله عليه وسلم، وليس أمرًا توقيفيًا، فلو كان عرف العرب على غير ما وجده

النبي لأمضاه.

فليس من سمات العرف الخلود، أوالعموم، إذ هو متغير بتغير الأحوال والاعتبارات الاجتماعية ومن ثم كان اجتهاد عمر فى الدية بغير الأبل والشاة.

لذا بعد التحقيق لم يجد الشيخ شلتوت رحمه الله أدنى حرج فى القول بإن قيمة الدية وأصنافها ليست مما يجب الإلتزام به فيقول[25]: ومما يجب التنبيه له أن الأصناف المذكورة هناك ليست واجبة الاتباع بل جوزوا العدول عنها الى قيمتها، وما كانت الأصناف الواردة فى السنة إلا لأنها الميسورة وقت التشريع وقد جرت عادة العرب على التعويض بها.

ثم يضيف: أما نظرية اتحاد قدر الدية الى جميع الناس فهى مبنية على أن الدية فى مقابلة الدم فقط والناس فى نظر الشريعة من هذه الحيثية سواء. وهذا لايمنع الحاكم-القاضى- من أن يقدر الأضرار التى تصيب الورثة بموت مورثهم فيحكم بالنظر إليها بما يعوض عليهم ما فاتهم من الانتفاع به.

ويظهر من ذلك أن القاضى ليس ملزمًا، بالوقوف عند الحد المقدر شرعا للدية؛ متى تبين له ذلك، فيصح له أن يزيد فى مقدارها، أوينقص منها، حسب كل حالة، متى تخاصم الطرفان ولم يتراضيا.

5-المعاقلة:

كذلك المعاقلة فهى تشريع(قانون) كان معروفًا فى الجاهلية، وليس فى كتاب الله ذكر للعاقلة، بل أن نصوصه العامة، والخاصة، تؤدى إلى ايجاب الدية على الجانى وحده. حيث  قرر الإسلام أن مسئولية الجناية لا يتحملها غير الجانى وحده، فقال تعالى فى كتابه الكريم: ولا تكسب كل نفس إلا عليها ولا تزرو.

وظاهر النص القرآنى الخاص الوارد فى الدية، يعطى دلالة واضحة أن الدية على القاتل، (ومن قتل مؤمنا خطأ)

وبهذا الأصل -كما يقول الأمام الأكبر الشيخ شلتوت[26]-أهدر الإسلام ذلك النظام الذى كان سائدًا عند العرب، وهو مسئولية القبيلة عن جناية الواحد منها.

فكيف إذن وجدت المعاقلة طريقها للتشريع الإسلامى إن كان ظاهر النص الخاص فى الدية يجعلها على الجانى وحدة وكذلك دلالة النصوص العامة؟

وجدت المعاقلة طريقها للتشريع الإسلامى من السنة، تقريرًا لنظام عربى اقتضاه ما كان بين القبائل من تناصر  وتعاون، كما يقول الإمام الأكبر الشيخ شلتوت، لكنها-المعاقلة- ليست من باب تحميل غير الجانى مسئولية الجانى، وإنما هى من باب المواساة والمعونة، فى جناية صدرت من غير قصد، ويدل على هذا أنها لا تشترك فى دية العمد الذى يسقط فيه القصاص.

ففى صحيفة المدينة التى كتبها النبى بين المهاجرين والأنصار واليهود، جاء فيها[27]: الْمُهَاجِرُونَ مِنْ قُرَيْشٍ عَلَى رِبْعَتِهِمْ (ومعنى ربعتهم الحال التى جاء الإسلام وهم عليها) يَتَعَاقَلُونَ، بَيْنَهُمْ، وَهُمْ يَفْدُونَ عَانِيَهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَالْقِسْطِ بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ، وَبَنُو عَوْفٍ عَلَى رِبْعَتِهِمْ يَتَعَاقَلُونَ مَعَاقِلَهُمْ الْأُولَى، كُلُّ طَائِفَةٍ تَفْدِي عَانِيَهَا  بِالْمَعْرُوفِ وَالْقِسْطِ بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ، وَبَنُو سَاعِدَةَ عَلَى رِبْعَتِهِمْ يَتَعَاقَلُونَ مَعَاقِلَهُمْ الْأُولَى، وَكُلُّ طَائِفَةٍ مِنْهُمْ تَفْدِي عَانِيَهَا بِالْمَعْرُوفِ وَالْقِسْطِ بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ، وَبَنُو الْحَارِثِ عَلَى رِبْعَتِهِمْ يَتَعَاقَلُونَ مَعَاقِلَهُمْ الْأُولَى….الخ.

إذن هى استعارة من الواقع خروجًا عن الأصل لصالح الواقع، من باب المواساة والمعونة من مبلغ الشرع الشريف وحاميه الأمين النبى الكريم صلى الله عليه وسلم.

ولإستقرار هذا الواقع أعصر طويلة، تناسى الفقه الأصل، وتبنى الواقع، وجعله واجبًا، وجوبًا شرعيًا، فلما تغير هذا الواقع، صار القول بهذا الوجوب أمر فيه حرج.

ورغم أن ابن قدامة رحمه الله-على سبيل المثال- يقر أنها على سبيل المواساة، والإعانة، لكنه يجعلها واجبة، فيقول[28]:

ولا نعلم بين أهل العلم خلافا في أن دية الخطأ على العاقلة. قال ابن المنذر: أجمع على هذا كل من نحفظ عنه من أهل العلم. وقد ثبتت الأخبار عن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – أنه قضى بدية الخطأ على العاقلة، وأجمع أهل العلم على القول به. وقد جعل النبي – صلى الله عليه وسلم – دية عمد الخطأ على العاقلة، بما قد رويناه من الأحاديث، وفيه تنبيه على أن العاقلة تحمل دية الخطأ، والمعنى في ذلك أن جنايات الخطأ تكثر، ودية الآدمي كثيرة، فإيجابها على الجاني في ماله يجحف به، فاقتضت الحكمة إيجابها على العاقلة، على سبيل المواساة للقاتل، والإعانة له، تخفيفا عنه، إذ كان معذورا في فعله، وينفرد هو بالكفارة.

لكن تغير العرف جعل ثمة سؤال يطرح من أهل التحقيق والعلم، ما هى طبيعة الحكم (التعاقل)؟  أهو حكم عام، ثابت، مؤبد، يجب إعماله فى كل زمان ومكان، أم هو مرتهن باعتبارات الواقع والعرف المتغير يدور معها وجودًا وعدمًا؟

اختار الإمام الأكبر-الشيخ شلتوت رحمه الله- العودة للأصل، فجاء الحكم على غير ما قاله ابن قدامة رحمه الله، وما اختاره الفقه القديم، فقال بعد التحقيق عن حكم العاقلة[29]: جاء فى السنة أن العاقلة هم الين يدفعون الدية، أو يشتركون فيها، وكان ذلك  إقراراً لنظام عربى اقتضاه ما كان بين القبائل من تناصر  وتعاون، وليس تشريعًا عامًا ملتزمًا فى جميع الأزمنة والأمكنة دون النظر إلى الأحوال والاعتبارات.

يقول الطاهر بن عاشور[30]: فنحن نوقن أن عادات قوم ليست يحق لها – بما هي عادات – أن يُحمَل عليها قوم آخرون في التشريع، ولا أن يُحمل عليها أصحابُها كذلك. نعم يراعي التشريع حمل أصحابها عليها ما داموا لم يغيّروها، لأن التزامهم إياها واطرادها فيهم يجعلها مُنَزَّلة مَنْزِلَة الشروط بينهم يُحملون عليها في معاملتهم إذا سكتوا عما يضادُّها.

6-الحدود عرف اجتماعى

وبهذه الطريقة يمكن الحديث عن الحدود فى مثل هذا السياق الذى نزل فيه التشريع الكريم، سياق مجتمع بسيط غير مركب، فهى تشرع فى الواقع للواقع، بسببه ومن أجله. فالموضوع التشريعى(القانونى) دائمًا يتعلق بمجتمع معين بالذات، ولو واجه النص مجتمعا آخر لتجادل مع واقع مختلف فأقر منه وعدل فيه، ولكنا بصدد أحكام مختلفه عما نقرأه الآن[31].

وواقع الأمر إن الذين قالوا بكون بعض الحدود، هى عقوبات سياسية، يعنى أنهم اعترفوا بالاثر الاجتماعى فى النص.

فأول من قطع في السرقة في الجاهلية الوليد بن المغيرة ثم جاء الإسلام بتقريره[32].

وكانوا يقطعون يد السارق إليمنى، ويصلبون قاطع الطريق. وقد صلب النعمان بن المنذر رجلا من بني عبد مناف بن دارم، من تميم، كان يقطع الطريق. وقطعت قريش رجالا في الجاهلية في السرق.

منهم (وابصة) بن خالد بن عبد الله بن عمر بن مخزوم، سرق في الجاهلية فقطعت يده. قال هشام: وقطع (عوف) بن عبيد بن عمر بن مخزوم. وقُطع مرارا ثم سرق فرجم حتى مات. و (الخيار) بن عدى ابن نوفل بن عبد مناف. و (عبيد الله) بن عثمان بن عمرو بن كعب ابن سعد بن تيم، قطع في سرقة إبل. و (مدرك) بن عوف بن عبيد ابن عمر بن مخزوم. و (مليح) بن شريح بن الحارث بن أسد، و (مقيس)

بن قيس بن عدي السهمي وكانا سرقا حلي الكعبة في الجاهلية[33].

وربما كانت عقوبة القطع خاصة بقريش أو بعض القبائل العربية إذ كانت فكرة

معاقبة السارق بدفع مثلي المسروق أو جملة أمثاله فكرة موجودة عند الجاهليين أيضًا، ولا تزال معروفة في العرف القبلي. فيدفع السارق أربعة أمثال المسروق عند أكثر العشائر العراقية في الزمن الحاضر، ويسمون ذلك “المربعة”. وهي في الواقع من بقايا العرف الجاهلي في السرقة[34].

يمكن الحديث، إذًا، عن أحكام قرآنية تقريرية، مثل الحديث عن السنة التقريرية. وهو بعينه الحديث عن خيار تشريعى اجتماعى من قبل النص، لحكم من الأحكام المستقرة عرفًا. لم يترتب عليه فى الفقه نتائجه المنطقية، من رؤية هذا البعد الاجتماعى، بل اكتسب الحكم بمجرد تضمينه فى النص بعدًا إلهياً مطلقًا، وتحول إلى معطى ثابت، ومؤبد، كجزء من قانون الإيمان، فى تجاهل صريح للمعنى الاجتماعى، الكامن فى عملية النقل عن العرف المتغير[35].

فتبنى النص لهذه الخيارات الاجتماعية لا يعنى أنها تتحول إلى فكرة مطلقة لها ثبات القيم الكلية، بل يشير فحسب إلى اعتمادها فى سياق زمانى ومكانى بعينه، فالنص يتضمن ما هو مطلق ثابت، يمكن وصفه بأنه من الدين فى ذاته، وما هو اجتماعى قابل للتغيير لا يجوز إلحاقه بالدين فى ذاته، أى لا يجوز القول بتأبيده، لأن طبيعته المتغيرة سوف تفرض ذاتها فى أرض الواقع بقوة الاجتماع وقانون التطور[36].ص8

يقول الطاهر بن عاشور[37]: فنحن نوقن أن عادات قوم ليست يحق لها – بما هي عادات – أن يُحمَل عليها قوم آخرون في التشريع، ولا أن يُحمل عليها أصحابُها كذلك. نعم يراعي التشريع حمل أصحابها عليها ما داموا لم يغيّروها، لأن التزامهم إياها واطرادها فيهم يجعلها مُنَزَّلة مَنْزِلَة الشروط بينهم يُحملون عليها في معاملتهم إذا سكتوا عما يضادُّها.

ويضرب الطاهر ابن عاشور رحمه الله أمثلة اعتبرها من العرف رغم ورود النص عليها فى كتاب الله، وسنة رسوله، ورودًا يفهم منه الوجوب؛ لكنه لا يري ذلك، من منطلق أن العرف ولو كان منصوص لا يمكن أن يفيد الوجوب، فالوجوب تأبيد، والعرف لا يؤبد، كما سبق، فيقول رحمه الله:

ومثاله-أى مثال العرف المنصوص- قول مالك رحمه الله: بأن المرأة ذات القدر لا تجبر على إرضاع ولدها في العصمة، لأن ذلك عرف تعارفه الناس، فهو كالشرط،

وجعل قوله تعالى: {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ}  مخصوصاً بغير ذات القدر، أو جعله مسوقاً لغرض التحديد بالمدة، وليس مسوقاً لأصل إيجاب الإرضاع.

ومن معنى حمل القبيلة على عوائدها في التشريع – إذا روعي في تلك العوائد شيء يقتضي الإيجاب أو التحريم – يتضح لنا دفع حيرة وإشكال عظيم يعرض للعلماء في فهم كثير من نهي الشريعة عن أشياء لا تجد فيها وجه مفسدة بحال، مثل تحريم وصل الشعر للمرأة، وتفليج الأسنان، والوشم، في حديث ابن مسعود: “أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – لعن الواصلات والمستوصلات، والواشمات والمستوشمات، والمتنمّصات والمتفلّجات للحسن، المغيّرات خلق الله”. فإن الفهم يكاد يضل في هذا إذ يرى ذلك صنفاً من أصناف التزين المأذون في جنسه للمرأة كالتحمير والخلوق والسواك فيتعجب من النهي الغليظ عنه.

ووجهه عنديَ الذي لم أر من أفصح عنه، أن تلك الأحوال كانت في العرب أماراتٍ على ضعف حصانة المرأة. فالنهي عنها نهي عن الباعث عليها أو عن التعرض لهتك العرض بسببها.

وقد كان الصحابة يتأسون ما فعله رسول الله – صلى الله عليه وسلم -، أو قضى به، ولم يرد فيه نص لفظي يقتضي الدوام لأنه ينير لهم وجوه الحق، ولأن أحوالهم كانت قريبة من الحال التي

ومن الأمثلة في التحديد عكوف الفقهاء على ما صدر في عصر الخلفاء من تحديد مقادير الجزية والخراج والديات وأروش الجنايات، مع أن بعض تلك المقادير قد يطرأ عليه نقص القيمة أو الرواج، فلا يصلح لأن يبقى عوضاً لما عُوض به فيما مضى.

اجتهادات عمر، تطبيق عملى، لأثر البعد الاجتماعى فى النص.

 

لعل هذا –البعد الاجتماعى فى النص- هو ما كان يدركه الفاروق عمر رضى الله عنه وأرضاه، ويعرفه جيدًا، ومن ثم كانت  اجتهاداته التى لم يسبق إليها، والتى أحدثت جدلًا فقهيًا كبيرًا، وذلك لوجود النص، ومع ذلك يجتهد عمر رضى الله عنه بما يخالفه، وحاشا عمر أن يخالف نصًا ليس له فيه خيار، أو نظر.

لقد رأى عمر أن هذه النصوص، وما تضمنته من أحكام، كاانت أحكامًا ذات طابع اجتماعى مباشر، أوغير مباشر، كقضية الطلاق ثلاثًا، أوذات بعد أقتصادى،

أوسياسي، كأحكام الحرب، والعلاقات مع الاقليات الكتابية، فاجتهد فى كل هذه المواطن.

لكن العقل الفقهى مرة أخرى لا يستطيع رؤية البعد الاجتماعى الواضح فى جل هذه

التى اجتهد فيها عمر رضى الله عنه، فراح يبرر، ويعلل من هنا وهناك.

ففى قضية وقوع الطلاق ثلاثًا يجتهد عمر رضى الله عنه مع وجود نص فى كتاب الله، وسنة النبي، اجتهادًا يخالف ظاهر النص، وخالفه فيه غير واحد من الفقهاء من بعده، بل ويخالف فيه اليوم أهل عصرنا الحاضر[38]، فقد قال تعالى: الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ، ثم قال : فَإِن طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِن بَعْدُ حَتَّىٰ تَنكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ.

والمقصود أن الطلاق يقع بالفعل مرة فمرة، وللزوج بعد كل من المرتين أن يراجع زوجته، فإذا طلقها الثالثة لم تحل له حتى تنكح زوجًا غيره.

وحكمة هذا النص واضحة؛ فالطلاق فصم لحياة الزوجية تترتب عليه نتائج خطيرة لكل من الزوجين، وتتعداهما لأبنائهما، وكثيرًا ما يسوء أثرها في هؤلاء الأبناء طيلة حياتهم؛ لذلك أباح الكتاب مراجعة الزوج زوجته بعد الطلقة الأولى، وبعد الطلقة الثانية، واشار إلى أن الطلاق يجب أن يسبقه سعي للتوفيق بين الزوجين في قوله تعالى: وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِّنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِّنْ أَهْلِهَا إِن يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللهُ بَيْنَهُمَا.

فإذا تعذر التوفيق ووقعت الفرقة بالطلاق جازت المراجعة مع ذلك مرتين، ولكيلا

يستخف أي الزوجين بعد ذلك بفَصْمِ عُرْوَةِ الزواج، فرض الكتاب ألا يحل للزوج

مراجعة زوجته بعد الطلاق الثالث حتى تنكح زوجًا غيره.

فإذا قال الرجل لزوجته: أنت طالق ثلاثًا، لم تكن إلا طلقة واحدة؛ لأن الطلاق فعل يقع لا قول يُلفظ، والآية جعلته مرة بعد مرة، وكان الحكم كذلك في عهد النبي وفي عهد أبي بكر، وسنتين من خلافة عمر رضى الله عنه، كما جاء في صحيح مسلم عن ابن عباس أنه قال: كان الطلاق على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم،  وأبي بكر وسنتين من خلافة عمر، طلاق الثلاث واحدة، فقال عمر بن الخطاب: إن الناس قد استعجلوا في أمر قد كانت لهم فيه أنَاةٌ، فلو أمضيناه عليهم!

فلماذا اجتهد عمر رضى الله عنه فى الطلاق الثلاث فأمضاه بكلمة واحدة، فى مخالفة لظاهر النص، مخالفة لا نستطيع نحن اليوم إمضائها فتكون مخالفة حتى لظاهر الحكمة.

الجواب هو اختلاف الاجتماع بين عصر النبي، وأبى بكر، وعصر عمر رضى الله عنهما، ففى عصر اتسعت رقعة الدولة وخرجت خارج حدود الجزيرة العربية، ففتحت بلاد الشام، والعراق، ومصر، ودخل الفرس، والروم، وغيرهم من أجناس أهل الأرض، مع العرب، وتغيرت الحالة المجتمعية، بهياكلها، الثقافية، والسياسية، والاقتصادية؛ فغير عمر-رضى الله عنه-الحكم فى محضر أصحاب رسول الله الذين يدركون أهمية عنصر الاجتماع فى بنية النص التشريعى(القانونى).

اجتهد عمر رضى الله عنه أيضًا، فى مسائل أخرى ذات بعد اجتماعى، فى الزواج،

والطلاق، وحقوق الزوجية، والأمومة، اجتهاد كان له أثر فى التشريع الإسلامى من بعد[39].

فنهى عن نكاح المتعة، وجرى المسلمون من أهل السنة على رأيه من يومئذ، ومنع

بيع أمهات الأولاد، وكن يبعن فى حياة الرسول صلى الله عليه وسلم وفى عهد الصديق[40].

اجتهاد عمر فى قسمة الغنائم.

ولما فتح المسلمون بلاد بلاد العراق، والشام، وانتصروا بالقادسية، وفتحوا المدائن وجلولاء، وحمص، وحلب، وغيرها من المدن وغنموا منها، فكان ما غنموه يفرز خمسه ويُرسل إلى أمير المؤمنين، وتقسم أربعة أخماسه بين الجند المنتصرين[41]، عملًا بقوله تعالى: ﴿ وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ إِن كُنتُمْ آمَنتُم بِاللَّهِ وَمَا أَنزَلْنَا عَلَىٰ عَبْدِنَا يَوْمَ الْفُرْقَانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ ۗ وَاللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾[ سورة الأنفال: 41]

فلما فتحوا بلاد السواد بالعراق أردوا قسمتها على هذا النحو، فيكون خمسها لبيت المال، ويقسم سائرها بين الجند الذين اشتركوا فى فتحها، فخالفهم عمر رضى الله عنه فى قسمة الأرض، وذهب الفقه فى ذلك مذاهب تبريرية، وتأويلية مختلفة، تسند إلى النص، وتتأول لعمر رضى الله عنه[42]، ومرة أخرى تغيب عنهم رؤية البعد الاجتماعى فى النص، رغم حضوره الواضح فى محاججة عمر رضى الله عنه لمخالفيه.

إذ يقول عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ لمخالفيه فيما ذهب إليه[43]: فَكَيْفَ بِمَنْ يَأْتِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ فَيَجِدُونَ الأَرْضَ بِعُلُوجِهَا-العجم- قَدِ اقْتُسِمَتْ وَوُرِّثَتْ عَنِ الآبَاءِ وَحِيزَتْ، مَا هَذَا بِرَأْيٍ.

فَقَالَ لَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنهُ: مَا الأَرْض والعلوج إِلَّا مَا أَفَاءَ

اللَّهُ عَلَيْهِمْ. أى على الفاتحين.

فَقَالَ عُمَرُ: مَا هُوَ إِلا كَمَا تَقُولُ-يعنى فعلًا الأمر كما تقول- وَلَسْتُ أَرَى ذَلِكَ، وَاللَّهِ لَا يُفْتَحُ بَعْدِي بَلَدٌ فَيَكُونُ فِيهِ كَبِير نبيل؛ بَلْ عَسَى أَنْ يَكُونَ كُلا عَلَى الْمُسْلِمِينَ؛ فَإِذَا قُسِّمَتْ أَرْضُ الْعِرَاقِ بِعُلُوجِهَا، وَأَرْضُ الشَّامِ بِعُلُوجِهَا فَمَا يُسَدُّ بِهِ الثُّغُورُ وَمَا يَكُونُ

لِلذُّرِّيَّةِ وَالأَرَامِلِ بِهَذَا الْبَلَدِ وَبِغَيْرِهِ مِنْ أَرْضِ الشَّامِ وَالْعِرَاقِ؟

لم يرضى الفاتحون قول عمر فأكثروا عليه وَقَالُوا له: أَتَقِفُ مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَيْنَا بِأَسْيَافِنَا عَلَى قَوْمٍ لَمْ يَحْضُرُوا وَلَمْ يَشْهَدُوا، وَلأَبْنَاءِ الْقَوْمِ وَلأَبْنَاءِ أَبْنَائِهِمْ وَلَمْ يَحْضُرُوا؟

أعتراض واضح، ومحاججة من خصوم عمر، ودفاع من عمر عن رأى فماذا قال

عمر؟ كَانَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لَا يَزِيدُ عَلَى أَنْ يَقُول: هَذَا رَأْي.

فلما رأوا إصراره على رأيه قالوا فاستشر. فجمع المهاجرين الأولين فاختلفوا، فبقى عبد الرحمن بن عوف على رأيه أن تقسم لهم حقوقهم. ورأى على وعثمان وطلحة رأى عمر.

ولو كان مجرد ورود الحكم فى النص، يفيد القطع بهذا الحكم؛  لما انضم لرأى عمر أحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وترك النص، بل وما استطاع عمر المخالفة، ولما قال له مخالفوه: فاستشر.

أرسل عمر إلى عشرة من كبار الأنصار من الأوس والخزرج وقال لهم:  إِنِّي لَمْ أُزْعِجَكُمْ إِلا الخراج لأَنْ تَشْتَرِكُوا فِي أَمَانَتِي فِيمَا حُمِّلْتُ مِنْ أُمُورِكُمْ؛ فَإِنِّي وَاحِدٌ كَأَحَدِكُمْ وَأَنْتُمُ الْيَوْمَ تُقِرُّونَ بِالْحَقِّ، خَالَفَنِي مَنْ خَالَفَنِي وَوَافَقَنِي مَنْ وَافقنِي، وَلَيْسَ أُرِيدُ أَنْ تَتَّبِعُوا هَذَا الَّذِي هَوَايَ، مَعَكُمْ مِنَ اللَّهِ كِتَابٌ يَنْطِقُ بِالْحَقِّ؛ فَوَاللَّهِ لَئِنْ كُنْتُ نَطَقْتُ بِأَمْرٍ أُرِيدُهُ مَا أُرِيدُ بِهِ إِلا الْحَقَّ.

قَالُوا: قُلْ نَسْمَعْ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ قَالَ: قَدْ سَمِعْتُمْ كَلامَ هَؤُلاءِ الْقَوْمِ الَّذِينَ زَعَمُوا أَنِّي أَظْلِمَهُمْ حُقُوقَهُمْ. وَإِنِّي أَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ أَرْكَبَ ظُلْمًا، لَئِنْ كُنْتُ ظَلَمْتُهُمْ شَيْئًا هُوَ لَهُمْ وَأَعْطَيْتُهُ غَيْرَهُمْ لَقَدْ شَقِيتُ؛ وَلَكِنْ رَأَيْتُ أَنَّهُ لَمْ يَبْقَ شَيْءٌ يُفْتَحُ بَعْدَ أَرْضِ كِسْرَى، وَقَدْ غَنَّمَنَا اللَّهُ أَمْوَالَهُمْ وَأَرْضَهُمْ وَعُلُوجَهُمْ فَقَسَّمْتُ مَا غَنِمُوا مِنْ أَمْوَالٍ بَيْنَ أَهْلِهِ وَأَخْرَجْتُ الْخُمُسَ فَوَجَّهْتُهُ عَلَى وَجْهِهِ وَأَنَا فِي تَوْجِيهِهِ، وَقَدْ رَأَيْتُ أَنْ أَحْبِسَ الأَرَضِينَ بِعُلُوجِهَا وَأَضَعَ عَلَيْهِمْ فهيا الْخَرَاجَ وَفِي رِقَابِهِمُ الْجِزْيَةَ يُؤَدُّونَهَا فَتَكُونُ فَيْئًا لِلْمُسْلِمِينَ: الْمُقَاتِلَةِ وَالذُّرِّيَّةِ وَلِمَنْ يَأْتِي مِن بَعْدِهِمْ. أَرَأَيْتُمْ هَذِه الثغور لَا بُد لَهَا مِنْ رِجَالٍ يَلْزَمُونَهَا، أَرَأَيْتُمْ هَذِهِ الْمُدُنَ الْعِظَامَ -كَالشَّامِ وَالْجَزِيرَةِ والكوفة وَالْبَصْرَة ومصر- لَا بُد لَهَا مِنْ أَنْ تُشْحَنَ بِالْجُيُوشِ، وَإِدْرَارِ الْعَطَاءِ عَلَيْهِمْ؛ فَمِنْ أَيْنَ يُعْطَى هَؤُلاءِ إِذَا قُسِّمَتِ الأَرَضُونَ والعلوج.

فَقَالُوا جَمِيعًا: الرَّأْيُ رَأْيُكَ؛ فَنِعْمَ مَا قلت وَمَا رَأَيْت، وَإِن لَمْ تَشْحِنْ هَذِهِ الثُّغُورَ وَهَذِهِ

الْمُدُنَ بِالرِّجَالِ، وَتُجْرِي عَلَيْهِمْ مَا يَتَّقَوَّوْنَ بِهِ رَجَعَ أَهْلُ الْكُفْرِ إِلَى مُدُنِهِمْ؛ فَقَالَ: قَدْ بَانَ لِيَ الأَمْرُ فَمَنْ رَجُلٌ لَهُ جَزَالَةٌ وَعَقْلٌ يَضَعُ الأَرْضَ مَوَاضِعَهَا، وَيَضَعُ عَلَى الْعُلُوجِ مَا يَحْتَمِلُونَ؟ فَاجْتَمَعُوا لَهُ عَلَى عُثْمَانَ بْنِ حنيف وَقَالُوا: تبعثه إِلَى أهل ذَلِكَ؛ فَإِنَّ لَهُ بَصَرًا وَعَقْلا وَتَجْرِبَةً؛ فَأَسْرَعَ إِلَيْهِ عُمَرُ فَوَلاهُ مِسَاحَةَ أَرْضِ السَّوَادِ فَأَدَّتْ جِبَايَةَ سَوَادِ الْكُوفَةِ قَبْلَ أَنْ يَمُوتَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ بِعَامٍ مِائَةَ أَلْفِ أَلْفِ دِرْهَمٍ، وَالدِّرْهَمُ يَوْمَئِذٍ دِرْهَمٌ وَدَانِقَانِ، وَنِصْفٌ، وَكَانَ وَزْنُ الدِّرْهَمِ يَوْمَئِذٍ وَزْنُ

الْمِثْقَالِ.

كل ذلك خطاب واضح فيه البعد الاجتماعى، فلم يعتمد فيه عمر رضى الله عنه على

النص، من كتاب، أو سنة سبقت، وقد حاججه مخالفوه محاججة شديدة بلغ من عنفها

أن اتهم أمير المؤمنين بالظلم[44].

وقد حدث مثل هذا الحوار بين عمر وأصحابه على أثر فتح الشام، وجعل أصحابه يحاجونه يومين، أو ثلاثة، أو دون ذلك. فقد أراد جماعة المسلمين أن يقسم عمر بينهم أرض الشام كما قسم رسول الله صلى الله عليه وسلم خبير، وكان أشد الناس الزبير بن العوام، وبلال بن رباح، لكن عمر أجابهم كما أجاب الذين حاوروه فى أرض العراق[45].

اجتهاد عمر فى سهم المؤلفة قلوبهم.

وكذلك فعل عمر رضى الله فى سهم المؤلفة قلوبهم، وهم صنف من الأصناف الثمانية المستحقون للزكاة، المنصوص عليهم فى كتاب الله، قال تعالى: ﴿إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ ۖ فَرِيضَةً مِّنَ اللَّهِ ۗ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ﴾ [ التوبة: 60] ومع ذلك لم يري عمر لهم سهم فى عصره، وقال: {فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر} [الكهف: 29] وعلى قوله مضى العمل فى عهد عثمان وعلى ومن بعده[46].

اجتهاد عمر فى المعاقلة.

أما الدية فكانت على العاقلة فعدل عمر عن هذه الخطة، فجعلها على أصحاب الديوان ولم يعترض عليه أحد، وبهذا الرأى أخذ الأحناف، وخالفهم الشافعية والحنابلة تمسكا بالنص الوارد عن رسول صلى الله عليه وسلم.

قال ابن قدامة فى المغنى[47]: ولا مدخل لأهل الديوان في المعاقلة. وبهذا قال الشافعي. وقال أبو حنيفة: يتحملون جميع الدية، فإن عدموا فالأقارب حينئذ يعقلون؛ لأن عمر – رضي الله عنه – جعل الدية على أهل الديوان في الأعطية في ثلاث سنين. ولنا، أن النبي – صلى الله عليه وسلم – قضى بالدية على العاقلة؛ ولأنه معنى لا يستحق به الميراث، فلم يحمل به العقل كالجوار واتفاق المذاهب، وقضاء النبي – صلى الله عليه وسلم – أولى من قضاء عمر، على أنه إن صح ما ذكر عنه، فيحتمل أنهم كانوا عشيرة القاتل.

واحتج الأحناف بفعل عمر فقالوا[48]:”والعاقلة أهل الديوان إن كان القاتل من أهل

الديوان يؤخذ من عطاياهم في ثلاث سنين” وأهل الديوان أهل الرايات وهم الجيش

الذين كتبت أساميهم في الديوان وهذا عندنا. وقال الشافعي: الدية على أهل العشيرة لأنه كان كذلك على عهد رسول الله عليه الصلاة والسلام ولا نسخ بعده ولأنه صلة والأولى بها الأقارب.

ولنا قضية عمر رضي الله عنه فإنه لما دون الدواوين جعل العقل على أهل الديوان، وكان ذلك بمحضر من الصحابة رضي الله عنهم من غير نكير منهم، وليس ذلك بنسخ بل هو تقرير معنى لأن العقل كان على أهل النصرة وقد كانت بأنواع: بالقرابة والحلف والولاء والعد. وفي عهد عمر رضي الله عنه قد صارت بالديوان فجعلها على أهله اتباعا للمعنى ولهذا قالوا: لو كان اليوم قوم تناصرهم بالحرف فعاقلتهم أهل الحرفة، وإن كان بالحلف فأهله والدية صلة كما قال، لكن إيجابها فيما هو صلة وهو العطاء أولى منه في أصول أموالهم.

لقد تمسك الشافعية والحنابلة بالنص دون مضمون النص، ليكتسب الحكم بمجرد تضمينه فى النص بعدا الهايا مطلقا وفقا لهذا العقل الفقهى ويتحول الى معطى ثابت ومؤبد كجزء من قانون الايمان، فى تجاهل صريح للمعنى الاجتماعى، الكامن فى عملية النقل عن العرف المتغير.

فى حين وفق الأحناف هنا لرؤية مضمون النص فى فعل عمر، فقالوا إن عمر جعل الدية على أهل الديوان اتباعا للمعنى، بمعنى أنه اعتبر السياق الأعم، السياق الاجتماعى السياسي الجديد.

الخلاصة

الخلاصة أن هناك فارق بين التشريع-القانون- الذى يراعى مصلحة المجتمع ومرتبط به، لذا فهو نسبى متغير، وبين جوهر الدين الكلى المطلق الذى لا يقبل التغيير.

وقد ثبت أن القاعدة فى النظام التشريعى(القانونى) الذى أعتمده الرسول فى المدينة بأعتبارها موطن التشريعات(القوانين) حيث بداية المجتمع المسلم، هو ذلك القانون العرفى السائد فى المحيط العربي.

ومن هذه القوانين كانت الحدود التى أستمدت من الواقع العرفى، من أجله، ولصالحه، فهى مرتبطة إذن بحالة الاجتماع المتغير النسبي، لا بجوهر الدين المطلق، وإن حُملت على النص، فالنص تبنى هذه الأعراف، مما قد يحول دون اعتبار هذه التشريعات(القوانين) جزءا من جوهر الدين، ويفتح الباب أمام إمكانية تغييرها عند الاقتضاء، من دون أن يعنى ذلك الخروج من دائرة الدين، خلافًا للمفهوم السائد للتدين. تمامًا كما فعل عمر رضى الله عنه، واجتهد مع وجود النص، بما يخالف -فى الظاهر- وليس فى الجوهر النص؛ لأنه فى الحقيقة نص محمل بطبيعة الاجتماع.

المراجع

[1] – انظر فى ذلك:”الدين والتدين التشريع والنص والاجتماع” للمستشار عبد الجواد ياسين،76، ط: المركز الثقافى العربي،الدار البيضاء المغرب، الثانية لسنة2014م.

[2] – مقاصد الشريعة الإسلامية” محمد الطاهر بن محمد بن محمد الطاهر بن عاشور التونسي (المتوفى: 1393هـ)، المحقق: محمد الحبيب ابن الخوجة. (3/ 268 ) ط: وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، قطر، عام النشر: 1425 هـ – 2004 م .

[3] -انظر فى ذلك:”الدين والتدين التشريع والنص والاجتماع”ص35 : 38.

[4] -انظر:”الدين والتدين التشريع والنص والاجتماع” ص62، ص76.

[5] – مقاصد الشريعة الإسلامية” محمد الطاهر بن محمد بن محمد الطاهر بن عاشور التونسي (المتوفى: 1393هـ)، المحقق: محمد الحبيب ابن الخوجة. (3/ 268 ) ط: وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، قطر، عام النشر: 1425 هـ – 2004 م .

[6]– انظر فى ذلك:”الدين والتدين التشريع والنص والاجتماع” للمستشار عبد الجواد ياسين،ص64: 65.

[7]-انظر: سيرة ابن هشام، ت السقا (1/ 601)ط: شركة مكتبة ومطبعة مصطفى البابي الحلبي وأولاده بمصر، الطبعة: الثانية، 1375هـ – 1955 م

[8]-سيرة ابن هشام ت السقا (1/ 612)

[9] – تفسير القرطبي (3/ 42)ط: دار الكتب المصرية – القاهرة، الطبعة: الثانية، 1384هـ – 1964م.

[10]-انظر فى ذلك:”الدين والتدين التشريع والنص والاجتماع” للمستشار عبد الجواد ياسين،ص66.

[11]– “شرح ديوان الحماسة” (ص: 718) أبو على أحمد بن محمد بن الحسن المرزوقي الأصفهاني (المتوفى: 421 هـ) (ص: 718) ط: دار الكتب العلمية، بيروت – لبنان، الطبعة: الأولى، 1424 هـ – 2003م، وانظر أيضًا: تاج العروس (38/ 428)ط: دار الهداية.

[12] – انظر: شرح النووي على مسلم (11/ 143)ط: دار إحياء التراث العربي – بيروت ،الطبعة: الثانية،1392 هجرية.

-[13] تفسير المنار (5/ 271) ط: الهيئة المصرية العامة للكتاب، سنة النشر: 1990م

[14]-انظر فى ذلك:”الدين والتدين التشريع والنص والاجتماع” للمستشار عبد الجواد ياسين،ص197.

[15] -انظر: الطبقات الكبير لابن سعد (1/ 70) ط: مكتبة الخانجي القاهرة، الطبعة الأولى، 2001 م.

[16] – الدين والتدين. ص 199.

[17] -تفسير القرطبي (5/ 315 : 316)

[18]-انظر فى ذلك:”الدين والتدين التشريع والنص والاجتماع” للمستشار عبد الجواد ياسين،ص200.

[19]-انظر فى ذلك:”الدين والتدين التشريع والنص والاجتماع” للمستشار عبد الجواد ياسين،ص86: 87.

[20] – تفسير القرطبي (5/ 316) أبو عبد الله محمد بن أحمد بن أبي بكر بن فرح الأنصاري الخزرجي شمس الدين القرطبي (المتوفى: 671هـ)تحقيق: أحمد البردوني وإبراهيم أطفيش الناشر: دار الكتب المصرية – القاهرة الطبعة: الثانية، 1384هـ – 1964م.

[21] – تفسير القرطبي (5/ 316)

[22] – تفسير القرطبي (5/ 316).

[23] تفسير المنار (5/ 274) ط: الهيئة المصرية العامة للكتاب، سنة النشر: 1990م

[24] – تفسير المنار (5/ 274)

[25]-. الإسلام عقيدة وشريعة، للإمام الأكبر الشيخ محمود شلتوت، ص316 ، ط:دار الشروق.

[26]– “الاسلام عقيدة وشريعة” ص315.

[27] -“السيرة النبوية” عبد الملك بن هشام بن أيوب الحميري المعافري، أبو محمد، جمال الدين (المتوفى: 213هـ) تحقيق: مصطفى السقا وإبراهيم الأبياري وعبد الحفيظ الشلبي،ص (1/ 501 : 502) ط: شركة مكتبة ومطبعة مصطفى البابي الحلبي وأولاده بمصر، الطبعة: الثانية، 1375هـ – 1955 م

[28]-“المغني لابن قدامة” أبو محمد موفق الدين عبد الله بن أحمد بن محمد بن قدامة الجماعيلي المقدسي ثم الدمشقي الحنبلي، الشهير بابن قدامة المقدسي (المتوفى: 620هـ)، (8/ 378)، ط: مكتبة القاهرة، تاريخ النشر: 1388هـ – 1968م.

[29] -. الإسلام عقيدة وشريعة، للإمام الأكبر الشيخ محمود شلتوت، ص 315، ط:دار الشروق.

[30] – مقاصد الشريعة الإسلامية” محمد الطاهر بن محمد بن محمد الطاهر بن عاشور التونسي (المتوفى: 1393هـ)، المحقق: محمد الحبيب ابن الخوجة. (3/ 268 ) ط: وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، قطر، عام النشر: 1425 هـ – 2004 م

[31] – الدين والتدين. ص244.

[32]-تفسير “التحرير والتنوير” (5/ 100)ط: الناشر: مؤسسة التاريخ العربي، بيروت – لبنان، الطبعة: الأولى، 1420هـ/2000م. التحرير والتنوير (5/ 100) وانظر أيضًا: “صبح الأعشى”أحمد بن علي القلقشندي، (1/ 496)، ط: دار الفكر – دمشق الطبعة الأولى، 1987م.

[33]– انظر:”المحبر”لمحمد بن حبيب بن أمية بن عمرو الهاشمي، بالولاء، أبو جعفر البغدادي (المتوفى: 245هـ)، تحقيق: إيلزة ليختن شتيتر، (ص: 327 : 328)،ط: دار الآفاق الجديدة، بيروت.

[34] – انظر:”المفصل فى تاريخ العرب قبل الإسلام” الدكتور جواد علي (المتوفى: 1408هـ)، (10/ 278: 279 ) ط: دار الساقي، الطبعة: الرابعة 1422هـ/ 2001م.

[35] – الدين والتدين. ص 221.

[36] – الدين والتدين. ص 8.

[37] – مقاصد الشريعة الإسلامية” محمد الطاهر بن محمد بن محمد الطاهر بن عاشور التونسي (المتوفى: 1393هـ)، المحقق: محمد الحبيب ابن الخوجة. (3/ 268 : 271) ط: وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، قطر، عام النشر: 1425 هـ – 2004 م

[38] -انظر:”الفاروق عمر” لمحمد  حسين هيكل، ج2 ص 256: 258 ، ط: دار المعارف، الطبعة العاشرة.

[39]-:”الفاروق عمر”  ص258.

[40]-“الفاروق عمر”  ص259.

[41] –“الفاروق عمر”  ص266.

[42]– انظر على سبيل المثال رأى الشافعية والحنابلة فى المغنى إذ يقول: (فخمس الفيء والغنيمة مقسوم على خمسة أسهم)…قال ابن المنذر: ولا تحفظ عن أحد قبل الشافعي في الفيء خمس، كخمس الغنيمة. وأخبار عمر تدل على ما قاله الشافعي، ولأن الله تعالى قال: {ما أفاء الله على رسوله من أهل القرى فلله} [الحشر: 7] إلى قوله: {والذين جاءوا من بعدهم} [الحشر: 10] . الآية. فجعله كله لهم، ولم يذكر خمسا. ولما قرأ عمر هذه الآية قال: هذه استوعبت المسلمين. ووجه الأول قول الله تعالى: {ما أفاء الله على رسوله من أهل القرى فلله وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل كي لا يكون دولة بين الأغنياء منكم} [الحشر: 7] فظاهر هذا أن جميعه لهؤلاء.

وهم أهل الخمس، وجاءت الأخبار عن عمر دالة على اشتراك جميع المسلمين فيه، فوجب الجمع بينهما، كي لا تتناقض الآية والأخبار وتتعارض، وفي إيجاب الخمس فيه جمع بينهما وتوفيق، فإن خمسه للذي سمي في الآية، وسائره ينصرف إلى من في الخبر، كالغنيمة. ولأنه مال مشترك مظهور عليه، فوجب أن يخمس، كالغنيمة والركاز. وروى البراء بن عازب، قال: لقيت خالي ومعه الراية، فقلت: إلى أين؟ فقال: «بعثني رسول الله – صلى الله عليه وسلم – إلى رجل عرس بامرأة أبيه، أن أضرب عنقه وأخمس ماله». المغني لابن قدامة (6/ 455).

[43] – انظر: “الخراج” أبو يوسف يعقوب بن إبراهيم بن حبيب بن سعد بن حبتة الأنصاري (المتوفى : 182هـ)، تحقيق : طه عبد الرءوف سعد ، سعد حسن محمد، ص 35: 36،ط: المكتبة الأزهرية للتراث.

[44] -“الفاروق عمر”، ص268.

-[45]انظر: “الخراج”، ص 36 : 37. و”الفاروق عمر”، ص269.

[46] – المغني لابن قدامة (6/ 475) ط: مكتبة القاهرة، تاريخ النشر: 1388هـ – 1968م.

[47] – المغني لابن قدامة (8/ 392: 393).

[48]-انظر:”الهداية في شرح بداية المبتدي” علي بن أبي بكر بن عبد الجليل الفرغاني المرغيناني، أبو الحسن برهان الدين (المتوفى: 593هـ)، المحقق: طلال يوسف،(4/ 506)،ط: دار احياء التراث العربي – بيروت – لبنان.

 

    اقرأ ايضا

    المزيد من المقالات

    مقالك الخاص

    شــارك وأثــر فـي النقــاش

    شــارك رأيــك الخــاص فـي المقــالات وأضــف قيمــة للنقــاش، حيــث يمكنــك المشاركــة والتفاعــل مــع المــواد المطروحـــة وتبـــادل وجهـــات النظـــر مــع الآخريــن.

    error Please select a file first cancel
    description |
    delete
    Asset 1

    error Please select a file first cancel
    description |
    delete