التوترات الفكرية بين النِسويّة والإسلام: دراسة في النظرية والتطبيق

تكوين

الملخص:

يبدو الخطاب النِسوي العربي خطاباً مُركباً ومُفعماً بالدلالات والمضامين المسكوت عنها، فهو يحمل في طياته جوانب عِدة. وعند معالجة قضية المرأة في التراث العربي الإسلامي تَتبدى أشكالٌ مُختلفة من المقاومة النفسية تكبح جِماح أيّ تجديد يطرأ على خطاب المرأة. وعلى الرغم من صيحات التجديد؛ إلا أن الراديكالية المُنمقة لا تزال تجذب المجتمع إلى الوراء دون جدوى، وكـأن النهضة زُرعت في أرضٍ جدباء. يطرح هذا التحليل التوتر بين التجديد والحفاظ على القيم التقليدية السائدة.

توجهات النسوية في العالم العربي

تعددت توجهات النِسويّة في العالم العربي بشكل كبير، من نِسويّة علمانية، وليبرالية، واشتراكية، وراديكالية، وأخرى إسلاميّة، وهذه الأخيرة، تسعى لإعادة قراءة النصوص الدينية من منظور معاصر، وبداخلها تتنوع التيارات في أفكارها وأهدافها، ومن بين هذه التيارات يمكن ذكر أربع تيارات رئيسية، الأول: يسعى إلى الحفاظ على الهوية والتقاليد الدينية الإسلامية ويمكن ربطه بالنسوية الإصلاحية. الثاني: يحاول إعادة تفسير النصوص الدينية بما يعزز المساواة والعدالة الجندرية، مما يجعله مرتبطاً بالنسوية التأويلية. الثالث يتبنى المبادئ الليبرالية في فهم الإسلام وتطبيقه على القضايا الجندرية، ويتداخل أيضاً مع النسوية التأويلية. أما التيار الرابع، فهو يعارض التفسيرات التقليدية التي تُستخدم لتبرير التمييز ضد المرأة، ويطرح تفسيراً جديداً للنصوص الدينية يركز على المساواة وحقوق المرأة، مما يجعله متماشياً مع النسوية الرافضة. ويمكن أنْ تختلف وتتعدد تلك التيارات بحسب السياقات الثقافية والاجتماعية والسياسية المحددة لها، وتُشكل هذه التصنيفات أداة مفيدة لفهم التنوع الكبير داخل الحركة النِسويّة في العالم العربي، ورغم الفوارق بين هذه التيارات إلا أنَّها تتداخل وتتفاعل مع بعضها البعض في سياقات معينة.

وتنطلق هذه الورقة، من التساؤل حول ماهية النِسويّة الإسلاميّة؛ وما إذا كان هناك خصائص أو قواعد تجعلها إسلامية أو تنفي عنها هذه الصفة. كما تتناول الورقة التحديات التي تواجه النِسويّة التي تُصف بالإسلاميّة، وتبحث في حدودها وأهدافها ومرجعتيها. بالإضافة إلى ذلك، تستقصي الورقة كيفية تعامل المنظومة الإسلامية بشكل عام مع قضية المساواة بين المرأة والرجل.

 

مدخل:

يُثير الحديث عن النسوية الإسلامية مفارقة عجيبة، وهي أن الحديث عن تيار النسوية الإسلامية يفوق بكثير الجهد المبذول في بناء النسوية الإسلامية ذاتها، وتعكس هذه المفارقة بشكل كامل ما تبدو عليه إشكالية الفكر في العالم العربي والإسلامي، فالفكر في هذه المنطقة من العالم لا يزال يعاني بشدة من ضعف عمليات الإبداع بما يحتاج إليه من أصالة معرفية، لأنه يتسم بقدر هائل من التبعية والتقليد المنهجي والموضوعي سواء للمعارف الإسلامية القديمة أو للمعرفة الغربية المعاصرة، وبذلك لا ننتج في المحصلة بحوثاً أصيلة ومبتكرة، ولكى نستطيع التخلص من هيمنة الذكر على الأنثى، محاولين تفكيك التاريخ البطريركي علينا “إعادة سرد التَّاريخ من وجهة نظر أنثويَّة، ومناداتها للتّجريب المستمر، وطرح برنامج ثوري يدعو إلى إعادة صياغة كل شيء([1])“.

يبدو أن الكلام على النِسْوية ذات الصبغة الإسلامية يعتبر شكلاً من أشكال التحدي. وقد أدركت المجتمعات الإسلامية مجموعة من الأسئلة حول مُشكِل المرأة وعلاقة ذلك بالإسلام وأحكامه وتعاليمه، ثم ما لبثت المرأة أن استأنفت هذه الأسئلة وأثارتها بدرجات متفاوتة. ويبقي التساؤل حول كيفية رؤية المنظومة الإسلامية لقضية المساواة بين المرأة والرجل، فالقرآن الكريم باعتباره المرجعية العليا للمسلمين، يقرّ بالمساواة الكاملة المبنية على مبدأ التماثل في المعايير الإنسانية والعقيدية بين الجنسين، لكن السؤال الذي يطرح نفسه هو: كيف تُطبق هذه المساواة على المستوى الاجتماعي؟ ([2]) هنا تبرز الحاجة إلى التفكير في قدرة المجتمعات الإسلامية على تبني مقاربات نقدية وجريئة تعيد قراءة النصوص الدينية والتاريخ من منظور نِسوي، ولكن هل يمكن تحقيق ذلك دون الاصطدام بحواجز تقليدية وثقافية تعيق مسيرة التجديد؟ أم أن هذه المحاولة ستظل مشروطة بتفسيرات وتأويلات تعيق تقدمها؟

أولاً: ماهية النِسويّة الإسلاميّة.

تُعد النسوية الإسلامية أحد فروع النِسوية العربية التي ظهرت كرد فعل لانتشار أفكار النِسوية الغربية، وانطلاقاً من ضرورة احترام الخصوصية الثقافية والدينية للمجتمعات العربية. ظهر مصطلح (النّسوية الإسلامية) في بداية الأمر خلال تسعينات القرن العشرين، ليصف جهود النّاشطات الإيرانيات عقب الثورة الإسلامية في السعي لانتزاع حقوق قانونية شرعية من داخل إطار المنظومة الفقهية الشيعية([3]). ظهر مصطلح النسوية الإسلامية لأول مرة على يد الناشطة الإيرانية زيبا مير حسيني (*)(Ziba Mir-Hosseini) ومن أبرز الحركات التي تجسدت فيها فكرة النسوية الإسلامية هي (حركة مساواة)، التي انطلقت كمبادرة عالمية في مؤتمر عقد في ماليزيا عام 2009 وحضره أكثر من مائتي وخمسين امرأة ورجلاً من حوالي خمسين دولة. وكانت حسيني من بين المؤسسات لهذه الحركة إلى جانب اثنتي عشرة شخصية أخرى)[4]).

وقد نال مصطلح (النسوية الإسلامية) شهرته على يد آمنة ودود (*) (Amina wadud) ويُذكر أن أول قراءة نقدية لهذا المصطلح جاءت من المؤرخة للحركة النسائية المصرية (مارغو بدران) في مقال لها بعنوان: (نحو نسوية إسلامية متعددة- نظرة إلى الشرق) ([5]). وقد تم الإعلان عن تيار النسوية الإسلامية رسمياً في برشلونة في عام 2005، حيث عُقدت ندوة تناولت موضوع النِسوية الإسلامية وطرحت خلالها سؤالين محوريين: ما هي النسوية الإسلامية؟ وهل يوجد ثمة نسوية إسلامية؟ ([6]) وقد عرفت أميمة أبو بكر (*) (Omaima Ab Bakr) النسوية الإسلامية (Islamic feminism)  بأنها: الجهد الفكري والأكاديمي الذي يسعي إلى تمكين المرأة انطلاقاً من المرجعيات الإسلامية، وباستخدام المعايير والمفاهيم والمنهجيات الفكرية المستمدة من هذه المرجعيات إلى جانب غيرها. يعتمد هذا التعريف للنسوية الإسلامية على ثلاثة عناصر أساسية: أولًا، أنها حركة فكرية وأكاديمية واجتماعية يشارك فيها كل من الرجال والنساء. ثانيًا، تهدف إلى تمكين النساء من خلال رفع الظلم ومواجهة جميع أشكال الإقصاء والتهميش والعزل والقهر، وتسعى لتعزيز قيم الحرية والعدالة والمساواة في العلاقات بين الجنسين. ثالثًا، تستند هذه الحركة إلى مرجعيات إسلامية أصيلة، مما يجعل منطلقاتها ومفاهيمها الأساسية متجذرة في الفكر الإسلامي. ([7]) من جانب آخر، عرفت بدران النسوية الإسلامية بأنها “خطاب وممارسة نسوية تم التعبير عنها ضمن إطار إسلامي”. وترى أن النسوية الإسلامية تستمد شرعيتها من القرآن، وتسعى لتحقيق الحقوق والعدالة للنساء والرجال على حد سواء. ومع ذلك، يظل السؤال مفتوحًا حول ما إذا كانت الهوية النسوية الإسلامية شيئًا يمكن إعلانه بوضوح أم يمكن استنتاجه من خلال الممارسات والخطابات المتبناة؟ ([8])

ومن هذا المنطلق، تسعى النسويات الإسلاميات إلى استثمار الطبيعة العالمية للإسلام التي تتجاوز الحدود القومية، بهدف تمكين أنفسهن بوصفهن نساء ومسلمات. ويقدم هؤلاء النِسويات نقداً للمؤسسات العالمية والمحلية الموجودة في محيطاتهن الضيقة واللاتي يعتبرنها ضارةً بحقوقهن كنساء مسلمات ومواطنات في بلدانهن وفي المجتمع العالمي، وتتخذ بعض النسويات الإسلاميات موقفاً صريحاً في رفض الرموز والممارسات التي يرين أنها تروج للقهر. بينما تتبع أخريات نهجاً أقل وضوحاً؛ إذ يستثمرن صورهن النمطية السلبية في خدمة أغراض إيجابية من خلال التنقيب في التاريخ والنصوص المقدسة عن اللغة والنموذج وبرنامج العمل تدعم قضيتهن. ([9])

بالنسبة للنسويات الإسلاميات، المزج بين التاريخ والنصوص المقدسة يعني تتبع حياة النبي محمد ﷺ والنساء القويات من حوله، مع الاشتباك المباشر مع النصوص التأسيسية للإسلام بدلاً من الاكتفاء بردود الأفعال على تفسيراتها التقليدية. هذا المزج يتضمن البحث في السياقات التاريخية التي نزل فيها القرآن وكتبت فيها التفسيرات، مع تطبيق الفهم المستخلص منها على الحاضر بهدف نقد الآليات التي أنتجت المعرفة الإسلامية. ([10]) بهذا النهج، بدأت بعض النسويات اللاتي ينطلقن من موقع النسويات الإسلاميات في إثارة التساؤلات حول الروايات التاريخية التقليدية وحول النصوص المرجعية التي تغفل ذكر النساء أو تَصُم وجودهن على الساحة بالضلال. تؤكد هؤلاء الكاتبات باستمرار على أن القرآن والسنة يظلان مفتوحين للاجتهاد، أي إعمال العقل في القضايا التي لا يتوافر فيها نص صريح للقياس عليه، سواء كان هذا الاجتهاد من قبل فقيه أو إنسان عادي.

شاهد أيضاً: تطرف النسوية

والجدير بالذكر، أن القواعد والقوانين الإسلامية ليست جامده ولا تسير من أعلى إلى أسفل فقط، بل هي قواعد ديمقراطية تنبثق عن اتفاق مجتمعي مستمد من الفهم الفردي لشريعة الله، دون إعلاء قيمة المفسر تبعاً لهويته أو مكانته. لذلك، يجب على من ينادون بحقوق النساء أن يأخذوا الأعراف والمؤسسات الثقافية السائدة في حسبانهم عند تفسير الشريعة. لضمان أن فهمهم للثقافة يكون مهيمنًا، دون السماح للآخرين بفرض تفسيراتهم الخاصة. يجب أيضًا على هؤلاء أن ينتبهوا إلى الافتراضات والمناهج التي أنتجت المفاهيم التقليدية وكذلك محتوي مبادئ الشريعة. عندما يبحث المفسرون في التاريخ والنصوص المقدسة عن خارطة للمستقبل سيجدون الفردي والجمعي مجدولين معاً. ([11])

يتضح هذا المزيج عند دراسة قضية المرأة في الحضارة الإسلامية، حيث نجد أن العديد من المفاهيم والأحكام التي فسرها الفقهاء في القرون الوسطى لا تزال سائدة وكأنها حقائق أزلية، رغم أنه يمكن تفسيرها بطريقة تقدمية وإنسانية أو معالجتها بأسلوب آخر. ومن خلال الاطلاع على بعض المصادر، نجد أن العديد من الآراء التي تؤدي إلى تكريس دونية المرأة في المجتمع الإسلامي ليست مرتبطة بحقيقة النصوص الإسلامية، كما يظهر أن آراء بعض الفقهاء والمتشددين كانت تتغير حسب المواقف والأزمان؛ إذ تتحكم الكثير من المأثورات والمواقف التقليدية بنظرة قديمة تفسرها بشكل ذاتي وقابل للتبديل حتى من قِبل هؤلاء المفسرين ومدارسهم. ويبدو أن العديد من الأفكار والمفاهيم السائدة في ذهن الرجل عن المرأة هي تراكمات تاريخية طويلة تمتد منذ العصر الجاهلي، هنا يبرز السؤال: هل هناك أرضية معرفية مشتركة يمكن أن تلتقي فيها النسوية مع الإسلام؟

ثانياً: الأطـــــــر المرجعيــة.

  1. إن تسمية الاتجاه النسوي الإسلامي يتضمن انطلاقه من المرجعية الإسلامية، حيث إنه يعرف نفسه بذلك. ففي بعض المدارس والمراحل، اعتمدت النسوية على الماركسية أو الفكر الليبرالي أو منظومة حقوق الإنسان والمواطنة كمرجعيات. حتى أن بعض المدارس طورت رؤى نسوية متكاملة تنبع من الخبرة النسوية ذاتها ولا تتبع أي أيديولوجية محددة، بل تحمل منظورها الخاص للعالم.([12])
  2. تحتل قضية النوع في المنظور الثيولوجيا The theology)) (*) أهمية محورية في النظرية الاجتماعية والتشريعية الإسلامية، مما يتجلى في الثقل الذي تحظى به العلاقة بين المرأة والرجل في هذه المنظومات. كما هو الحال في أي منظومة عقدية ودينية، يجب أن تنبع النظريات الاجتماعية والتشريعية في الإسلام من قضايا الثيولوجيا الكبرى مثل: الألوهية والخلق وعلاقة الإله بالمخلوق والغايات التي حددها الخالق للحياة والإنسان.
  3. التفت المدارس النسوية بتياراتها المختلفة حول قيمتين أساسيتين هما: الحرية والمساواة للمرأة. يطرح هنا السؤال حول موقف النسوية الإسلامية في ظل هيمنة قيمة العدل، وموقع قيمتي الحرية والمساواة في هذه المنظومة، فما موقف النسوية الإسلامية في ظل هيمنة قيمة العدل؟ وما موقع قيمتي الحرية والمساواة في هذه المنظومة؟ يشير مفهوم العدل في أبسط معانيه إلى التوازن بين ما لشخص ما وما عليه من حقوق والتزامات. وعليه يري البعض أن مفهوم العدل مفهوم إجرائي يحيل إلى مصدر معين (قانون أو غيره) يحدد الحقوق والالتزامات. ويطرح هؤلاء انتقاداً مفاده أنه ليس كل مرجعية قانونية محددة للحقوق والالتزامات تضمن بالضرورة العدل بمعني التوازن، في واقع الأمر أن دراسة مفهوم العدل في المنظومة الإسلامية يحيلنا إلى قيمة أخرى أشمل لكنها شديدة الصلة بها هي قيمة الحق. والحق مفهوم إسلامي أصيل شديد التميز والثراء لم يلقْ ما يليق بمكانته في المنظومة الفكرية الإسلامية من عناية في مجال التأصيل. ولكن استناداً إلى جهد فردي في دراسة هذا المفهوم، فإنه مفهوم له أبعاد أنطولوجية وأبستمولوجيا معاً وهو يشير إلى دلالتين تخص كل منهما أحد البعدين لكنهما في النهاية مترابطتان ([13]).

ويتساءل البعض عن نطاق الإطار المرجعي في الإسلام، هل يقتصر على القرآن الكريم فقط، أم يشمل القرآن والسنة النبوية معاً، أم يتضمن أيضاً الإجماع والاجتهادات الفقهية والتفسيرية؟ هذه التساؤلات تثير قضية مهمة تتعلق بالتمييز بين الثوابت والمتغيرات في الشريعة الإسلامية، فغالباً ما تتجه النسويات المسلمات إلى تحديد الثوابت في القرآن والسنة النبوية، والتمسك بها، بينما يُنظر إلى الاجتهادات المتعلقة بتفسير الأحكام واستنباطها كمتغيرات تحتمل النقد وتقديم اجتهادات بديلة. وعلى الرغم من الجهود الكبيرة المبذولة في تطوير مناهج الاستنباط وأصول الفقه، فإن العديد من هذه الاجتهادات تعكس تأثيرات ثقافية تاريخية لعصرها، ولا يمكن منحها صفة المطلق. يتضح هذا الأمر بشكل جلي في النصوص الفقهية والتفسيرية المتعلقة بالمرأة، حيث يكشف أي تحليل لها من منظور سوسيولوجيا المعرفة عن حيف ذكوري يعكس بنية المجتمع وثقافته والعصر الذي نشأت فيه.

ثالثا: الأسس الفكريـــة.

  1. في ظل وجود نصوص فوقية، فإن المنهج الاستقرائي لا يصلح وحده لبناء المعرفة، بل يتعين أولاً إفساح مجال مهم لاستنباط الأحكام والقيم من النصوص المنزَّلة، ومن ثمَّ يتعين على المفكرات النسويات إجراء عمليات توفيق مستمرة بين نتائج الاستقراء والاستنباط تتجلي بشكل أساسي من خلال إسهامهن الحتمي في علمي؛ التفسير، والفقه، اللذين يحظيان بسلطة كبيرة في المنظومة الإسلامية.
  2. رغم أن منهجيات ما بعد الحداثة وما بعد البنيوية، والتفكيكية خاصة، تمارس حالياً سلطة كبيرة في الفكر النسوي، إلا أن منهجية وأدوات إنتاج العلوم الإنسانية لا تخضع لمبدأ الرائجة أو نظرية التقادم. تظل جدواها مرتبطة بمدى قدرتها وفعاليتها في التعامل مع مادة المعرفة وخصائصها، ومع الأهداف التي يقصدها الباحثون.
  3. تمثل النزعة النقدية سمّة أصلية في الفكر النسوي، وهي تستهدف في المقام الأول تحليل وكشف المكوْن الانحيازي الذكوري في البناءات الفكرية والاجتماعية الإنسانية، وصولاً إلى صيغ أكثر إنسانية وأقل عدائية وانحيازًا ضد المرأة سواء في المجتمع أو الثقافة على حد سواء، فالفكر النسوي الإسلامي لا يختلف عن التيار النسوي العام في هذه الغاية، لكنه يكتسب مذاقاً وأهدافاً وطبيعة خاصة تنبع من مرجعيته ([14]).

وفي ظل وجود الاتجاه النسوي الإسلامي خارج سجلات وقائع النسوية المصرية، نجد أن الباحثون والباحثات الملتزمون والملتزمات بالعلمانية، إما أن بعضهم أنكر وجود النسوية الإسلامية، والبعض رفضها بشكل أيديولوجي أي نقاش أكاديمي حول هذه التشكيلات على سبيل إبراء الذمة، بل رفضوا حتى الدراسات الرصدية لها، لكنها نسوية لأنها تسعي لتحرير الإناث من حيث هن نساء، وهي إسلامية لأنها مستمدة من المبادئ والقيم الإسلامية. ([15]) وعلى صعيد آخر يطرح (فهمي جدعان) هدف النسوية الإسلامية قائلاً: “هو أن يقومَ كل من علماء ومثقفين ونساء جميعاً ببعث حركة تحرر نسوي في نطاق الإسلام وبه، مبتعدات عن أكثر التأويلات تضييقاً باسم الإسلام نفسه؛ إذ تعلن النساء عن معارضتهن للممارسات الثقافية التميزية، وللطابع الإسلامي الزائف لبعض الممارسات وللعنف الزوجي وذلك تأكيداً لاحترام حق النساء في المهور والطلاق والملكية.. الخ.”([16]) وإذاً، قد وُجِّه لمصطلح النسوية الإسلامية انتقاداً مزدوجاً؛ يرى التيار المتحرر أن هذا المصطلح مظلّة مرجعية من خلالها تُقمع المرأة، بينما يرى التيار المتشدد أن هذا المصطلح يندرج تحت المعايير الغربية التي تهدف إلى تدمير المجتمع وضرب أعرافه وقيمه.

رابعاً: اتجاهات النزعة النِسْوية.

حظيّت قضية المرأة في الفكر الإسلامي باهتمام هائل في مجال الدراسات الفكرية، ولعل أبرز ما يُفسر هذا الاهتمام هو الذهاب لمناطق شديدة الخصوصية، مما أدى إلى تصادم فكري وصراع قوي بين المنظمات الإسلامية والأنظمة الفكرية المغايرة، التي قدّمت نفسها للعالم العربي والإسلامي بشعار تحرير المرأة والنهوض بأوضاعها. ونتيجة لذلك برزت مشكلة المرأة بقوة في السجّال الاجتماعي كقضية حرجِة.

ورغم ذلك “تمكنت النسوية الإسلامية من فرض نفسها داخل النسوية العالمية، حيث استندت النسوية المعتدلة إلى أصول وجذور تركن إلى الإسلام الحنيف ذاته، معتبرة حضور المرأة منذ بدايات الإسلام دليلاً على ذلك. إلا أن هذه النسوية، بوصفها تياراً في التأويل ومن منظور حق المرأة في الاجتهاد، لم تظهر بشكل واضح إلا بعد أربعة عشر قرناً من ظهور الإسلام، واللافت في هذا السياق هو الطابع التزامني لظهورها في عدة أماكن داخل المجتمع الإسلامي العالمي؛ من الولايات المتحدة وأوروبا وآسيا، إلى جنوب أفريقيا والمغرب والمشرق.”([17])

في هذا السياق، تبلورت النسوية في المجال العربي الإسلامي في أشكال رئيسية: “(النسوية الإصلاحية) و (النِسْوية الرافضة) وبينهما نجد ما يمكن تسميته بـ(النِسْوية التأويلية) ينما يقع المنظور السلفي الإتباعي في أمر المرأة خارج الأشكال التي تتوافق مع مفهوم النسوية.”([18])  وفي هذا الإطار، طالبت بعض النسويات المسلمات بقراءة نسوية للنصوص الدينية، مع التركيز على الشعائر التي تخص المرأة، بهدف ضرورة الإصلاح الديني وإقامة تغييرات جذرية. وتأكيداً على هذه النقطة، يعتبر النسويات أن “فهمنا للدين يتغير حسب كل عصر تاريخي، وأن التفسيرات الدينية ينبغي أن تأخذ ذلك في الحسبان.”([19]) لذلك فإن إعادة قراءة الشريعة وتأويل نصوصها أمر ضروري، ويجب ألا تقتصر هذه القراءة على الرجال، بل تهدف إلى تقديم فهم حقيقي للدين وليس منحازاً.

*النسوية الإسلامية الإصلاحيــة:

منذ عصر النهضة العربي، اتخذت مسألة النصوص الدينية الخاصة بالمرأة أشكالاً متباينة، حيث ظلت ضمن ما يُعرف في الأدبيات الفكرية المعاصرة بالإصلاحية الإسلامية، وهي نزعة تحاول توظيف مبدأ الاجتهاد في فهم النصوص الدينية، بغية إزالة ما يبدو في التراث الديني من مظاهر غير عقلانية، وتقريب أحكام النصوص من المعطيات والحساسية الحديثة التي تحكمها -إلى حد كبير- أحكام العقل والعلم وقيم الحداثة الغربية، لكن هذه المساءلة تجاوزت الوظيفة التكيفية الإصلاحية، عندما بدأت بعض النساء المسلمات -خصوصاً من الشعوب الإسلامية غير العربية- بتحدي وتجاوز هذه الحدود التقليدية.([20]) هنا يظهر الفرق الواضح بين الإصلاحيين والسلفيين في تعاملهم مع النصوص الدينية؛ “فالإصلاحيون يسعون إلى تحقيق قدر من العصرنة المقيدة، محاولين التوفيق بين النصوص الدينية ومتطلبات التحديث، دون الخروج عن إطار النصوص أو تجاوزها. في المقابل، يتمسك السلفيون بظاهر النصوص ويرفضون بشكل قاطع أي محاولة للتأويل أو الاجتهاد.”([21]) تسعى الإصلاحية الإسلامية إلى تقديم قراءة مستنيرة للنصوص الدينية، ملتزمة بفهمها دون تجاوزها أو الخروج عنها. هذه المقاربة تعتمد على تفسير النصوص بما يتلاءم مع متطلبات العصر، مع الحرص على عدم الانحراف عن المبادئ الأساسية التي تقوم عليها تلك النصوص.

وفي هذا السياق، يمكن الإشارة إلى إسهام عائشة تيمور، الأديبة والشاعرة المصرية، التي قدمت طرحًا نسويًا في تفسير الخطاب الديني في كتابها “مرآة التأمل في الأمور” الذي نُشر عام 1892. يُعتبر هذا الكتاب أحد الأسس التي قامت عليها المقاربة النسوية في تفسير النصوص الدينية، حيث قدمت تيمور رؤية تسعى إلى التوفيق بين حقوق المرأة وتعاليم الدين، دون محاولة لخرق النصوص أو تجاوزها، بل من خلال فهم مستنير لها. هذا الطرح يتماشى مع النهج الإصلاحي الذي يسعى إلى تحديث الفكر الديني بما يتوافق مع التطورات المجتمعية دون الابتعاد عن جوهر النصوص. )[22](

في كتابها ركزت تيمور على القوامة؛ والقوامة مفهوم له دور كبير غاية في بناء المنظومة الفقهية الثقافية، ويمثل الأساس الذي تم البناء عليه لتبرير التفوق والسلطة الذكورية في المنظومة التأويلية بصفة عامة. وهي أول من قدم مفهوم القوامة المشروطة ضد القوامة المطلقة، بمعنى جعلها تدور حول التكليف الشرعي بالإنفاق كشرط للقيام باحتياجات الزوج، وإذا توقف الإنفاق انتفت الولاية، أي أنها ليست سلطة جوهرية متأصلة، بل مرهونة بإدراك الأزواج بمسئولياتهم المادية والمعنوية تجاه الأسرة. وكان هذا الطرح والجدل المثال حوله، بداية لظهور خطاب متميز للمرأة عن المرأة يناقش المفهوم الإسلامي لحقوقها وحقوق الرجل. إن خطاب عائشة تيمور –المبكر- قدم المرأة بوصفها إنساناً فاعلاً؛ إذ تتحدى الزوج غير المسؤول وتسعى لحماية أسرتها، بل وتفسير الآيات القرآنية بحيث تكون تجارب النساء ذات شرعية في الرسالة الإسلامية ومن دون محاباة للنوع الاجتماعي. ([23])  هذا يثير تساؤلاً مهماً: هل يمكن أن تشكل قراءة نسوية مستنيرة للنصوص الدينية -مثل تلك التي قدمتها عائشة تيمور- أساسًا لحركة نسوية أوسع ضمن إطار الدين الإسلامي؟ وكيف يمكن أن يؤثر هذا التفسير على الفهم السائد للقوامة والسلطة الذكورية في المجتمع؟

في كتاب السفور والحجاب (1928)، اعتمدت الكاتبة اللبنانية نظيرة زين الدين بشكل كبير على فكرة احتكار الرجال لتفسير الدين، والدفاع عن حال المرأة، سعت زين الدين إلى إعادة الاعتبار لروح النصوص القرآنية والأحاديث النبوية، مستخدمةً هذه النصوص كأدوات للاستدلال على الطريق نحو تعزيز الحقوق والمساواة والحريات. تناولت في كتابها العديد من القضايا المتعلقة بالمرأة مثل تعدد الزوجات، الطلاق، الإرث، والشهادة. وأكدت من خلال هذا الكتاب أن التزامها بالشريعة لا يعني بالضرورة التزامها بآراء بعض الفقهاء، مشيرةً إلى (إن الشرع في عرف الفقهاء ليس كل ما قاله هذا أو ذاك منهم، بل الشرع هو ما شرعه الله تعالى لعباده، وهو الكتاب والسنة). وعلى الرغم من الأفكار المهمة التي قدمها هذا الكتاب إلا أنه لم يخلُ من بعض التناقضات في الطرح. في هذه الفترة الزمنية، نجد أيضاً شخصيات بارزة مثل: باحثة البادية زينب فواز، وهدى شعراوي التي طالبت بحق التعليم الرسمي للإناث، وتعديل قوانين الأحوال الشخصية في برنامج مطالب الاتحاد النسائي عام 1923. هذا الاتجاه في الكتابات النسوية العربية المبكرة ربط بين تبلور الوعي النسوي ونقد الإنتاج الذكوري للمعرفة والممارسة الدينية. تطور وازدهر هذا الاتجاه في أعمال فاطمة المرنيسي)*) خلال السبعينيات والثمانينيات، حيث قامت بإجراء بحوث متعمقة في التراث واستخدام مناهج تحليلية لطرح رؤى نقدية وتفسيرية جديدة. كما نجد هذا النهج أيضاً في كتابات عزيزة الحبري، وهي لبنانية الأصل مقيمة في الولايات المتحدة، التي تناولت مفهوم القوامة في مقال لها عام 1982، حيث حاولت تقديم تفسير مختلف عن السائد في ذلك الوقت. لاحقاً، قامت الحبري بدراسة التراث التفسيري والفقهي من منظور يأخذ في الاعتبار العدالة والوعي النسوي بالحقوق. ([24])

ويمكن القول، إن إسهامات الكاتبات مثل: عائشة تيمور ونظيرة زين الدين وفاطمة المرنيسي وعزيزة الحبري تمثل محاولات جادة لتفكيك الهيمنة الذكورية في تفسير النصوص الدينية وإعادة صياغة الفهم الديني من منظور نسوي. هذه الجهود تبرز التحدي المستمر الذي تواجهه المرأة في العالم الإسلامي، حيث تسعى لإيجاد توازن بين التزامها بالشريعة وتحقيق العدالة والمساواة في الحقوق. تجدر الإشارة إلى أن هذه الكاتبات لم يكتفين بمجرد طرح نقدي للنصوص الدينية، بل قمن بتقديم تفسيرات بديلة تعتمد على إعادة قراءة النصوص المقدسة من منظور مختلف. هذا النهج لا يسعى فقط إلى إحداث تغيير في الوضع الاجتماعي للمرأة، بل يسعى أيضاً إلى تجديد الفكر الإسلامي بشكل يتماشى مع التحديات المعاصرة. ومع ذلك، يبقى التساؤل قائماً حول مدى قدرة هذه الجهود على التأثير في التيارات الدينية السائدة وعلى تحقيق تغيير ملموس في المجتمعات الإسلامية. فبينما توفر هذه الكتابات أساساً نظرياً قوياً، يبقى التحدي في تحويل هذه الأفكار إلى حركات اجتماعية وسياسية قادرة على إحداث تغيير حقيقي. إن استمرار هذه الجهود النسوية في نقد وإعادة تفسير التراث الديني يعكس أهمية الدور الذي يمكن أن تلعبه المرأة في تجديد الفكر الإسلامي وتحديثه. هذا التوجه يحتاج إلى دعم مجتمعي واسع وقبول أكبر لفكرة أن الفهم الديني يمكن أن يكون متنوعاً وقابلاً للتطور، بما يحقق مقاصد الشريعة من عدالة ومساواة وحقوق.

في هذا الإطار، يمكن الإشارة إلى أن تأويل وتفسير النصوص الدينية من منظور نسوي يمثل تحولًا جوهريًا في الفكر النسوي العربي. هذا التحول يعكس ضرورة إعادة النظر في التراث التفسيري والفقهي بمنظور يأخذ بعين الاعتبار العدالة الاجتماعية والنوع الاجتماعي. هذه الجهود تشكل جزءًا من تطور أوسع في الفكر النسوي الذي يسعى إلى إعادة تشكيل الثقافة والمعرفة الدينية بطريقة تعكس تجارب النساء وحقوقهن في المجتمع بشكل أكثر إنصافًا وشمولية.

*النسوية الإسلامية الرافضة:

ترجع بدايات نزعة الرفض النسوي الإسلامي إلى أواخر العقد الأخير من القرن العشرين، حيث ظهرت مجموعة من الكتابات التي نشرتها تسليمة نسرين في عدد من الصحف خلال عامي 1989 و1990. وإذا كانت هذه الفرقة من النسويات المسلمات تُعرف بالرفض الواضح للتفسيرات الدينية التقليدية، فإن من الطبيعي أن يُثار الشك حول انتمائهن للإسلام، خاصة وأن بعضهن لم يترددن في الإعلان عن تخليهن عن الإيمان في نهاية المطاف. من أبرز ممثلات هذه النزعة تسليمة نسرين، وأيان حرسي، وإرشاد منجي ([25]).

تسليمة نسرين، (*) على وجه الخصوص، بدأت منذ طفولتها تطرح أسئلة غير اعتيادية حول الدين والقرآن، ومع مرور السنوات وتقدمها في العمر، أصبحت رؤيتها النقدية تجاه قضايا الدين أكثر وضوحاً وتطوراً. تساؤلاتها كانت تعكس شكوكاً عميقة وإنساناً بالغاً واعياً، وليس مجرد استفسارات طفولية. تساءلت نسرين، على سبيل المثال، كيف يمكن قبول فكرة تفوق الرجال على النساء؟ وكيف يمكن تقبل ضرب الرجل للمرأة؟ ولماذا يكون نصيب الرجل في الميراث ضعف نصيب المرأة؟ وما الذي يبرر حق الرجل في الطلاق بمجرد لفظه؟ وكيف يُقبل بأن تكون شهادة المرأة نصف شهادة الرجل؟ هذه الأسئلة تعكس نزعتها النقدية تجاه الفهم التقليدي للدين الإسلامي. في خطابها الثوري الموجه للنساء والذي بدأته في مقالاتها الصحفية، نادت نسرين: “يا نساء العالم الثالث، إذا كنتن كائنات بشرية، وإذا كنتن شجاعات، أنشئن حزبكن السياسي الخاص بكن. إنكن لن تذهبن بعيداً إن ظللتن رهينات أزواجكن أو أباءكن. ابتكرن شعاركن الخاص بكن!” ([26]) وترى نسرين أنه من المستحيل تغيير قَدَر المرأة ما دمنا نتمسك بالقيود التي تفرضها علينا الكتب. وتعتقد أن الدين يُستخدم كأداة لتجريد المرأة من إنسانيتها وحقوقها، حيث يتم اضطهاد النساء بطرق مختلفة تحت ذريعة الدين. ([27]) في نظرها، الكتب المقدسة تستغل المرأة وتخفض من شأنها إلى مستوى العبودية.

في مقال المعنون الإلحاد تصرّح نسرين قائلة: إنني شخصياً لا أؤمن بأي دين، ومع ذلك في المجتمع، أنا رغم أنفي وبصورة آلية مسلمة الهوية. وتشير نسرين إلى أن في البلدان النامية لا يُعترف بحق الفرد في اختيار دينه أو التخلي عن دينه، مما تعتبره أحد مظاهر التخلف التنموي الذي تعاني منه هذه البلدان. وتؤكد نسرين أن العلمانية هي الأمل الوحيد للمجتمعات، حيث تعتقد أنه من غير الممكن إعادة تأكيد قيمة الإسلام دون تكريس مسحة من التفوق الضارة. ([28])

ومن هذا المنطلق، يصبح من الواضح أن نقد نسرين لتوجيهات الإسلام وتشريعاته يأتي في إطار رفضها لما تعتبره إنكاراً لمبدأ المساواة بين الذكر والأنثى. وتشير نسرين إلى أن تشريعات الزواج القسري، والزواج التعددي، والطلاق تساهم في ظلم النساء. وهي ترى أن المرأة كائن حر، ويجب أن تدرك من الآن فصاعداً أن حياتها ملك لها وحدها، وليست ملكاً لأي شخص آخر. لقد انطلقت نسرين لتعبر عن أحلام النساء المجهضة في مجتمعها، لكنها أخفقت، عندما نسبت الوضع المتدني للنساء إلى الإسلام كنص ديني. يمكن اعتبار نسرين ذات نزعة إنسانية حرة تعبر عنها روح غاضبة ومذهب إلحادي صريح، فضلاً عن تقلبها في منعطفات يسارية.

أما أيان حرسي،(*) فإنها على عكس تسليمة نسرين التي قادت نضالها ومعاركها على أرض وطنها، اتخذت من أوروبا، وبالأخص هولندا، مسرحًا لصراعاتها ومطامحها المتعلقة بماضيها وصدماتها. بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر عام 2001، أعلنت حرسي بأنها هجرت الله ودخلت في الإلحاد عن تخليها عن الإيمان بالله ودخولها في الإلحاد. كانت تسعى لإصلاح أحوال المسلمين والمسلمات من خلال الدعوة إلى انقلاب جذري على الدين الإسلامي نفسه. ([29]) لهذا السبب، أصبحت حرسي هدفًا لغضب المسلمين وكراهيتهم، نتيجة لنقدها الراديكالي العنيف للإسلام، والنبي محمد، والقرآن الكريم. كما أنها رفضت الفلسفة النسبية وسياسة التعددية الثقافية التي تتبعها الحكومة الهولندية والأوروبية عمومًا، خوفًا من أن تُتهم بالتسامح مع الإسلام. وجدت حرسي في الفضاء الأوروبي، وخاصة الهولندي، بيئة مناسبة لتوجيه نقدها الصارخ للإسلام وتراثه، مستخدمة الكلمة والصورة والصوت للتعبير عن رفضها. على الرغم من ذلك، تؤكد حرسي أنها لا تحمل كراهية للإسلام كدين؛ إذ تعترف بمحاسنه، مثل التعاطف والكرم والتكافل الاجتماعي ومساعدة الفقراء. لكنها ترفض الإسلام كقاعدة أخلاقية ونمط حياة، خصوصاً بسبب مواقفه تجاه المرأة.([30])

زعمت أيان حرسي أن الثقافة الإسلامية ودين الإسلام وأخلاق الإسلام هي الأصل في تخلف عالم الإسلام وفي تجاوز الغرب له وتفوقه عليه. وأعتقد أن أفكارها ربما كانت نتيجة التجربة اللاإنسانية التي مرّت بها حرسي في صباها، خاصة تجربة الختان. قد يكون موقفها من الإسلام رد فعل على هذه التجربة المؤلمة، مما دفعها للابتعاد عن أهلها والهجرة إلى هولندا، حيث كفرت بالمبادئ والقيم نتيجة لتجربتها المريرة. وعلى الرغم من أنها تنكر تماماً أن حادثة الختان لها دور في ثورتها على الدين، إلا أنها تعترف بأنها شعرت بالدونية العرقية، وحملت كراهية لثقافتها الخاصة، إذ كانت ترغب في أن تكون بيضاء، مما جعلها تشعر بالوخز على الصعيدين الديني والعرقي.

وأخيراً، تطرح إرشاد منجي: (*)  مشروعاً يتضمن وجهين: الأول: نقدي راديكالي، والثاني: بنائي تأسيسي يعتمد على ما تسميه (عملية اجتهادية). وتؤكد منجي، بصفتها مسلمة شابة، أنها مؤهلة للقيام بهذه العملية. تعتقد أن الرأسمالية الواعية دينياً والمدفوعة نسوياً قد تكون السبيل إلى إصلاح الإسلام بطريقة ليبرالية. ومع ذلك، تتساءل: هل يمكن لمثل هذه الفكرة أن تحقق النجاح؟ ([31]) تبدو عملية الاجتهاد التي تقترحها منجي واعدة كمقاربة لتطبيق إسلام ليبرالي، لكن الوعد يمكن أن يتعثر، وربما يتوقف تماماً، ما دامت مواثيق “حقوق الإنسان” الإسلامية تمنح الرجل امتياز الإنفاق على الأسرة ومسؤولية رعايتها، وتحرم المرأة من حق الكسب بعملها الشخصي. ([32])

برغم تجاوزات منجي في بعض التأويلات أو الحكم التعسفي على بعض الآيات القرآنية، أجد أنها، على عكس تسليمة نسرين وأيان حرسي، تظل معترفة بوجود الله وتؤمن بأن تأويل النصوص القرآنية يظل في علم الله وحده، فهو القادر على التوفيق بين التناقضات التي قد تُطرح في النصوص. طرحت منجي حلاً مقترحاً لعلاج هذه المشكلة مستلهماً من تجربة السيدة خديجة بنت خويلد، حيث ترى أن الثقافة الإسلامية قد منحت المرأة حقها الاقتصادي على قدم المساواة مع الرجل، وهي حقيقة لا يمكن إنكارها.

*النسوية الإسلامية التأويلية:

يأتي اتجاه النسوية الإسلامية التأويلية كمنهج يسعى إلى إعادة قراءة النصوص الدينية بما يعزز مبادئ العدالة والإنصاف والمساواة بين الجنسين، وفق ما أطلق عليه “النسوية التأويلية”، وهي مقاربة اقترحتها شخصيات بارزة مثل آمنة ودود، أسماء برلاس(*)، وفاطمة المرنيسي وأخريات([33]). ويُعد المُشكل الأساسي -في هذا الاتجاه- هو قراءة النصوص أو تأويلها، في سياقها التاريخي وفي جملة معطياتها، لتُفهم وفق منظور نسوي إسلامي دون مساس بمصداقية النص الديني وبالأسس اللاهوتية والفلسفية التي يستند إليها، أي وفق نهج أطلقُ عليه نهج تعقّل الإيمان. “فمنذ مؤتمر برشلونة، قيل إن كلمة السر الكبرى: ليس الإسلام هو الذي يضطهد النساء، وإنما القراءة الذكورية له هي التي تفعل ذلك!”([34])

بدأت آمنة ودود أبحاثها ودراساتها حول علاقة المرأة بالقرآن الكريم في عام 1986، وفي ذلك الوقت، لم تدرك الأهمية الكبيرة للسعي نحو تحقيق قراءة نسوية شاملة للقرآن. وقد أوضحت ودود أن مسألة المرأة في الإسلام ليست حكراً على أي فرد أو جماعة بعينها، ([35]) بل تتعلق بأن الرجل هو الذي يقيد المرأة بناءً على اعتبارات أخلاقية واجتماعية، تم تبنيها كمسلمات في الفكر الإسلامي. لذلك، ترى ودود أن المرأة مستبعدة تماماً من الخطاب المؤسس الذي يوضح الأسس الإنسانية للإسلام. وتقول ودود: “إن السؤال عن الاختلافات بين الجنسين تعتمد على خطأ منهجي حيث إن قياس المرأة بالرجل هو ما يعزز الفكرة القائلة بأن الرجال هم المعيار وهذا يعني أن الرجل هو الإنسان الكامل.”([36]) وبذلك، يصبح الرجل هو المقياس المثالي الذي ينبغي أن تُقاس به المرأة. وتضيف ودود: “أنا مدركة تماماً أن القرآن يخاطب مستمعيه الأولين في سياق الظروف الاجتماعية والتاريخية والثقافية التي نزل فيها. وقد أثرت تلك الظروف بالضرورة في البنى اللغوية في القرآن.”([37])

ولا يمكن أن نجهل الصدمة التي أحدثتها ودود، في العالم بأسره عندما أقدمت على إمامة الرجال والنساء في الصلاة في الثامن عشر من مايو من العام 2005(*)، وهي بذلك “عززت ودود الصوت النسوي للإسلام وأقرت بالمساواة بين النساء والرجال حتى في أهم عمل رمزي وهو إمامة الصلاة، متجاوزة بذلك بعض التقاليد المسيحية المطبقة في أمريكا وربما فاقتها في بعض السياقات. ورغم المقاومة الشرسة والاتهامات الباطلة التي وجهت إليها، دعمت هذه الخطوة فكرة الأمريكيين عن الإسلام“([38]). سعت ودود إلى التفريق بين الخطاب الديني الموجه لمرحلة زمنية معينة في ظروف محددة، وبين ما نحن عليه في عصرنا الحالي، مشيرة إلى أن الرجال غالباً ما يستخدمون بعض التفسيرات لصالحهم، مما يؤدي إلى قمع المرأة، والتقليل من شأنها، وسلب حقوقها.

أما أسماء بَرْلاس، فهي تُعتبر من أبرز الوجوه النسوية التأويلية، وتطرح تساؤلاً جوهرياً حول ما إذا كان الإسلام يدعو إلى اضطهاد النساء، فتقول: “إن القرآن لا يربط بين الجنس والجندر، ولا بين الجنس وتقسيم العمل، ولا بين خصائص ذكورية وأنثوية، وبين النساء والغريزة والعاطفة، بل على العكس، لا يُضفي القرآن على البشر طبيعة ثابتة، بل يُمثلون الكليَّة وتضيف أن القرآن يشير إلى خلق البشر من نفس واحدة ويؤكد المساواة بين الجنسين في السلوك الأخلاقي أمام الله، حيث إن المعيار الوحيد للتمييز في الإسلام هو معيار سلوكي وأخلاقي وليس جنسياً.“([39])  بما هي مسلمة مؤمنة، تؤكد برلاس على أن كل دين مفتوح على قراءات متعددة، وأنه ليس لأحد أن يحتكر تفسيره للإسلام، إذ لا توجد كهنوتية أو سلطة دينية في الإسلام. وتعبّر عن ذلك قائلة: “إن القرآن لا يُبارك الصور النمطية، علاوة على أنه يعترف بالاختلافات بين الجنسين، ولكنه لا ينادي بالتمييز الجنسي، فيعترف القرآن بالخصوصية الجنسية، ولكنه لا يربطها بأية رموز جنسية.”([40])

برلاس تعقد أيضاً مقارنة بين نظرة المسيحية والإسلام إلى الجنس، مشيرة إلى أن الإسلام، بوصفه ديناً ومجتمعاً، ينظر بإيجابية إلى الجنس، على عكس الاتجاهات السلبية المرتبطة بالمسيحية. فتقول: “الجنسانية لا تشكل خطراً على المسلمين، كما أن الرغبة الجنسية تخدم مشيئة الله ومصالح الفرد في آن واحد.”([41]) ورغم ذلك، ترى برلاس أن المرأة في الإسلام تعرضت للدونية نتيجة للقراءات الخاطئة للنصوص الدينية. ولذلك، تدعو برلاس إلى “تجديد موقف الإسلام من مسألة المرأة”، لأن تعاليم القرآن تقدم نماذج يُحتذى بها لكل من النساء والرجال. وترى أن القراءات المختلفة للقرآن يمكن أن تفسر ما آل إليه حال النساء؛ وتقترح الإسلاميات إعادة النظر في النصوص الدينية المعيارية، كما تحث فاطمة المرنيسي على سبيل المثال.”([42]) تعتبر المقارنات التي عقدتها أسماء برلاس بين الإسلام والمسيحية في النظر إلى الجنس لافتة للنظر، حيث تُظهر الإسلام في ضوء إيجابي مقارنة بالمفاهيم السلبية التي ارتبطت بالجنس في السياقات المسيحية. هذا يعزز من قوة الحجة التي تقدمها النسويات التأويليات بأن النصوص الدينية الإسلامية تحمل إمكانيات كبيرة لتفسيرها بطرق تدعم حقوق المرأة وتضعها على قدم المساواة مع الرجل.

إن القراءة النسوية التأويلية، كما يتضح من هذا الطرح، تسعى إلى فك ارتباط النصوص الدينية بالقوالب النمطية التقليدية التي رسخت التمييز الجنسي على مدى قرون. بدلاً من ذلك، تدعو هذه القراءة إلى استكشاف النصوص في سياقاتها التاريخية والثقافية، والتأكيد على أن المعيار الوحيد في الإسلام للتمييز هو السلوك الأخلاقي وليس الجنس. ومع ذلك، يبقى التحدي في قدرة هذه القراءات النسوية على الانتشار وتحقيق تأثير ملموس في المجتمعات الإسلامية التي غالباً ما تهيمن عليها قراءات تقليدية للنصوص الدينية. يتطلب هذا التغيير دعماً مجتمعياً وثقافياً واسعاً، وقبولاً لفكرة أن التفسير الديني ليس ثابتاً، بل يمكن أن يتطور ليعكس القيم الأخلاقية والمعرفية الحديثة.

خامسا: التفسير والاجتهاد في النسوية الدينية.

تلعب النصوص الدينية دوراً محورياً في تشكيل الفهم الاجتماعي والثقافي، مما يخلق تحديات كبيرة عند تفسيرها في ضوء التحولات الاجتماعية والتاريخية. مع مرور الزمن، ظهرت إشكاليات متعددة تتعلق بكيفية التوفيق بين النصوص القرآنية وواقع المجتمعات المعاصرة، خاصة فيما يتعلق بقضايا المرأة والتفسيرات الفقهية. كما أن تأثير الأيديولوجيات المختلفة على توجيه الفكر الديني أثار تساؤلات حول استقلالية هذا الفكر ودوره في تحقيق العدالة والمعرفة الحقيقية. في هذا السياق، تبرز أهمية إعادة قراءة النصوص الدينية والتفكير في كيفية توجيهها لتتماشى مع المقاصد العليا للشريعة وتحقيق توازن بين التراث الديني والموروث الشعبي.

وتجسد فاطمة المرنيسي جانباً من هذه الإشكاليات عندما تطرح أهمية “إنظام التسلسل التاريخي للوحي على درجة من الأهمية لمعرفة الناسخ من المنسوخ، أي في حالة وجود آيتين متناقضتين متعلقتين بواقعة واحدة.”([43]) وهذا يسلط الضوء على ضرورة التميز “بين النص التاريخي وتاريخية التفاعل مع النص”.([44]) ومن هذه التساؤلات ما يتعلق بالقراءات السبع للقرآن الكريم، حيث يختلف النطق وبالتالي قد يختلف المعنى، “فإذا كانت القراءات متفقة على صيغة واحدة ومضمون واحد فلا إشكال في ذلك، ولكن إذا اختلفت القراءات واستلزم هذا الاختلاف تغييرات في الحكم، فلابد من التماس دليل يثبت جواز الاستلال بها، ومع عدم مثل هذا الدليل، يجب الرجوع إلى الأصول.

على سبيل المثال، قوله تعالى: (وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْن) (*) بتشديد الطاء تارة، وتخفيفها أخرى، يعكس هذا الأمر بوضوح، ففي قراءة التخفيف يكون المراد: فيجوز قربهن حين النقاء ولو قبل الاغتسال. وعلى قراءة التشديد لا تحصل الطهارة إلا بالاغتسال، فلا يجوز قربهن إلا بعده، ولا يجوز بمجرد النقاء.”([45]) بمعنى إذا قرئت الكلمة (يَطْهُرْنَ) بتخفيف الطاء، يُفهم منها أن الطهارة تحصل بمجرد انقطاع الطمث، أي بمجرد أن تصبح المرأة نقية من الحيض دون الحاجة إلى الاغتسال، وبالتالي، يجوز للزوج أن يقرب زوجته ويعود إلى العلاقة الزوجية بمجرد النقاء، حتى قبل أن تقوم بالاغتسال. وإذا قرئت كلمة (يَطَّهَّرْنَ) بتشديد الطاء، فإن الفعل يدل على الطهارة الكاملة التي لا تحصل إلا بالاغتسال. لا يجوز للزوج أن يقرب زوجته إلا بعد أن تغتسل، فلا تكفي مجرد النقاء من الدم، بل يجب الاغتسال كشرط أساسي لعودة العلاقة الزوجية. هذا الاختلاف في القراءات يعكس تعقيدًا في الفهم الفقهي ويؤكد على أهمية التفسير الدقيق للنصوص الدينية لفهمها بشكل صحيح.

فضلاً عن ذلك، يُعرف القرآن بأنه “حمال أوجه”، مما يعني أن نصوصه تحتوي على تعبيرات وألفاظ تحتمل تفسيرات متعددة، مما يتيح مرونة في الاستنباط الفقهي والتشريعي. هذه التعددية قد تكون لغوية أو نحوية أو بلاغية، أو تتعلق بالسياق التاريخي والاجتماعي. ويبرز هذا المفهوم في قوله تعالى: (وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ) (**) هذه الآية تؤكد على أن التأويل والدقيق لبعض آيات القرآن لا يعلمه إلا الله والراسخون في العلم، وهم العلماء الذين يتمتعون بفهم عميق وراسخ لعلوم الدين واللغة. هذا التعدد في الأوجه يخدم المقاصد العامة للشريعة التي تسعى إلى تحقيق العدالة، والرحمة، المصلحة العامة. لذلك، فإن التنوع في تفسير النصوص يساعد في تحقيق هذه المقاصد بصورة متوازنة وعادلة، ومن هنا نشأ علم التفسير.

في هذا السياق، يشير الطيب بو عزة إلى أنه “على الرغم من أني غير متخصص في الجانب الإسلامي، فإني أعيب على العقل المسلم فلم ينتج تفسيراً للقرآن الكريم في القرن العشرين، سيقال إن هناك كتبًا تُطبع وسلسلة مجلدات في تفسير القرآن، نعم، لكنها ليست للقرن العشرين والحادي والعشرين. النبي (ﷺ) حين تحدث في حديث طويل عن القرآن قال: لا تنقضي عجائبه، ولا يعنى هذا إطلاق الدلالة وانفتاحها. ولكن، يعني أن القرآن يشبه المحيط تغترف منه بحسب قدراتك الإدراكية.”([46])  من هذا المنطلق، يُفهم الدين في السياق الاجتماعي إما كانعكاس لفكرة المجتمع ككل كما يرى دوركايم، أو كانعكاس للعلاقات الاجتماعية التي تحركها بنية المجتمع الاقتصادية بحسب رؤية ماركس. وفقاً لهذه النظريات، يُقرأ الدين كظاهرة جماعية موضوعية تتراجع فيها الذات الفردية، ([47]) ولكن تم إهمال الفردية لصالح الجماعية؟ ([48]) ويضيف علماء السياسة أن “للأيديولوجيات حتمية لا يمكن إنكارها في تشكيل السلوك الاجتماعي، حيث تحتم الأيديولوجية السائدة في مجتمع معين نظامًا سلوكياً محددًا” ([49]).

تطرح فاطمة المرنيسي هذه الفكرة موضحةً أن مصطلح “نحن المسلمين” لا يعكس الإسلام كخيار فردي أو شخصي، بل يشير إلى حالة مدنية تشمل الهوية الوطنية، بطاقة الهوية، جواز السفر، وقوانين الأسرة والحريات العامة. على عكس الانتماءات الفكرية الأخرى، مثل الماركسية التي نادراً ما تتعارض مع القوانين الوطنية، فإن الإسلام يتداخل بعمق مع القوانين والمؤسسات الاجتماعية. وترى المرنيسي أن الخلط بين الإسلام كعقيدة دينية شخصية وبين الإسلام كقانون ودين للدولة كان أحد الأسباب الرئيسية لفشل الحركات الماركسية واليسارية في البلدان الإسلامية. ([50]) من هذا المنطلق، يمكن النظر إلى إحدى الأطروحات التي تطرح فكرة أن “في بنية اللاهوت لا يوجد إلا الذات”، حيث يُفهم اللاهوت أولاً كتصور ذاتي، وثانياً كخطاب موجه إلى الذات. وعندما يتم فرض خطاب اللاهوت من قبل المؤسسة وتحويله إلى عقيدة جماعية، فإنه لا يبقى ضمن بنية اللاهوت الأصلية، بل يصبح تعبيراً عن سلطة المؤسسة أو سطوة العرف الاجتماعي الذي تم دمجه في الدين. وف قاً لهذه الرؤية، لا تستطيع الذات إدراك ذاتها بشكل كامل، لأنها مشغولة دائماً بإدراك الموضوعات الجزئية، وبالتالي لا يمكن أن تكون موضوعاً خارجياً يحدث الانطباع في ذاتها. ([51])

ويُظهر هذا كيف أن الدينامية بين الفرد والمجتمع تتأثر بشكل كبير بقوى اجتماعية واقتصادية أوسع. كما أن تنوع الأوجه في تفسير النصوص القرآنية يعكس مرونة الشريعة الإسلامية وقدرتها على التكيف مع الظروف الاجتماعية والتاريخية المتغيرة. هذا التعدد في التفسيرات يعكس قدرة النص الديني على الاستجابة لتحديات مختلفة، مما يجعله ملائماً لكل زمان ومكان. إضافة إلى ذلك، يُثير تأثير الأيديولوجيات على تشكيل السلوك الاجتماعي تساؤلات حول دور هذه الأيديولوجيات في توجيه الوعي الديني والجماعي. كما يدفعنا للتفكير في كيفية تأثيرها على تفسير النصوص الدينية ضمن سياقات اجتماعية متباينة. هذا الربط بين التأويل الديني والسياق الاجتماعي يُبرز أهمية مراجعة التفسيرات التقليدية للقرآن بشكل يراعي التحولات المستمرة في المجتمع، ويضمن تحقيق توازن بين استجابة النص للتحديات الراهنة والمحافظة على مقاصد الشريعة الأساسية. تثير هذه التأملات تساؤلاً محورياً: هل يمكن للمرأة في المجتمعات الإسلامية أن يعيد تعريف علاقته بالدين بعيداً عن الأطر التقليدية والمؤسسية، وبالتالي يساهم في تجديد الفكر الإسلامي بما يتناسب مع التحديات المعاصرة؟ وهل يمكن أن يتحقق هذا دون أن يتعرض الفرد للضغوط الاجتماعية والسياسية التي تفرضها المؤسسات القائمة؟

وعلى الرغم من التحديات، نرى أن الله عز وجل حريص على تربية إرادة المؤمن، بحيث تصبح قوية وواعية بما يمكنها من مواجهة الحياة وأهواء النفس. قال تعالى: “بَلِ الْإنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ.”(*) تربية الإرادة وتقويتها عملية صعبة، تتطلب عملاً دؤوباً، ووعياً مستمراً، ورؤية ثاقبة، وهي أمور ضرورية لتحقيق النمو الروحي والفكري. ([52]مما يبرز أهمية الوعي الذاتي الذي يعزز من المسؤولية الذاتية والمحاسبة الداخلية.

 في هذا السياق، يشير الجابري، إلى أهمية التمييز بين المحتوى المعرفي والمضمون الأيديولوجي في الفلسفة الإسلامية حتى نتمكن من فهم التنوع والحركة التي تزخر بها وربطها بالواقع والتاريخ”.([53]) مع مرور الوقت، يحدث تحول من صياغة الواقع وترشيده إلى تبرير هذا الواقع من خلال منحه غطاءً أيديولوجياً ومشروعية دينية.([54]) هذا التحول يُثير تساؤلات حول كيفية تأثير الأيديولوجيا على الفكر الديني وتوجيهه لخدمة مصالح معينة بدلًا من أن يكون وسيلة لفهم الواقع وتحسينه.

إلى جانب ذلك، تبرز فكرة أخرى تنتقد اختلاط الفكر الديني والتعبيرات الشعبية والموروثات الاجتماعية، والعبارات الدّارجة، حيث يؤدي هذا الخلط إلى اضطراب في المفاهيم، بحيث يبدو الفكر الديني كما لو كان موروثاً شعبياً أو يظهر الموروث الشعبي وكأنه المفهوم الديني، أو تبدو العبارات الدينية وكأنها تعبيرات دارجة. هذا الاختلاط يؤدي إلى تشويش القيم وخلط الأقوال، مما يدفع بالمجتمع إلى حالة من الفوضى الفكرية التي يصعب فيها التمييز بين الواقع والوهم، وبين الحقيقة والادعاء. ([55]) السؤال المطروح هنا: كيف يمكن للفكر الإسلامي أن يستعيد دوره في ترشيد الواقع بدلاً من تبريره؟ وهل يمكن إعادة تشكيل العلاقة بين الفكر الديني والموروث الشعبي بطريقة تحافظ على نقاء الفكر وتوجيهه نحو تحقيق العدالة والمعرفة الحقيقية؟ هذه التساؤلات تأخذ بعداً أعمق عندما نربطها بقضايا المرأة، حيث يتضح أن العلاقة بين الفكر الديني والموروث الشعبي تلعب دوراً حاسماً في تشكيل الأدوار الاجتماعية والحقوق التي تمنح للنساء.

إن إعادة تشكيل هذه العلاقة قد تفتح الباب أمام تمكين المرأة داخل المجتمعات الإسلامية، من خلال تعزيز تفسير النصوص الدينية بطرق تراعي التطورات الاجتماعية وتضمن العدالة بين الجنسين. وبالتالي، يُطرح تساؤل إضافي: هل يمكن للفكر الإسلامي أن يوفر إطاراً يدعم حقوق المرأة ويعزز من استقلاليتها، بعيداً عن القيود التي تفرضها التقاليد والموروثات الشعبية؟ وهل يمكن لهذا الإطار أن يوازن بين المحافظة على القيم الدينية وتحقيق مساواة حقيقية تساهم في بناء مجتمع عادل ومتقدم؟

الخاتمة

في الخطاب الفكري المعاصر، يظهر التناقض بين ادعاء الشمولية والعمومية في التعبير عن التجربة الإنسانية وبين الواقع الذي يكشف عن هيمنة الرؤى والمنظومات الفقهية التي تقليديًا ارتبطت بالذكور. على الرغم من زيادة الحضور النسائي في الكتابة الحديثة، يبقى السؤال حول قدرة المرأة على تجاوز الحواجز الجندرية والتعبير عن التجربة الإنسانية بكل تعقيداتها. هل يمكن للكتابة النسوية أن تصبح وسيلة فعّالة للتعبير عن ذات مفكرة وفاعلة تُعيد صياغة الفهم التقليدي للجندر وتُعبر عن مشترك إنساني أوسع؟

من الضروري أن نتساءل: هل تستطيع المرأة وحدها أن تعيد صياغة واقعها من داخل بنية ثقافية ذكورية وتطرح خطابًا يتجاوز محدودات تلك البنية؟ خصوصًا في ظل الضغوط المجتمعية التي قد تدفعها للكتابة من منظور ذكوري أو تبني قيم لا تعكس تجربتها الحقيقية؟ ليبقى السؤال الأعمق، كيف يمكن لهذا النوع من الكتابة أن يؤثر في الخطاب الفكري العام ويعيد صياغته ليشمل تجربة إنسانية حقيقية دون تمييز بين الجنسين؟

هذه التساؤلات تدعو للتفكير في دور المرأة في الفكر المعاصر، وإمكانية مساهمتها في صياغة خطاب فكري جديد يعبر عن التجربة الإنسانية بكل جوانبها، متجاوزة بذلك الأنماط التقليدية التي قد تحد من قدرة المرأة على التعبير عن ذاتها.

 

 الحواشي والمراجع:

[1] عبد الوهاب المسيري، قضيَّة المرأة بين التَّحرير والتَّمركز حول الانثى، نهضة مصر- القاهرة، ط1، 1999م، ص20.

[2] أماني صالح، الأبعاد المعرفية لنسوية إسلامية، في النسوية والمنظور الإسلامي، آفاق جديدة للمعرفة والإصلاح، مؤسسة المرأة والذاكرة، 2013، ص 15.

[3] أميمة أبوبكر، مقدمة النِّسويَّة والدِّراسَات الدينيَّة، ترجمة/ رنده أبو بكر، ط1، مؤسسة المرأة والذاكرة، 2012، ص 20، 21.

(*) (1952) عالمة أنثروبولوجيا قانونية إيرانية. تتناول أبحاثها الشريعة الإسلامية ومكانة الجنسين في الإسلام. عالمة أنثروبولوجيا، وباحثة متخصصة في الفقه الإسلامي ودراسات النوع والتنمية. حصلت على الإجازة في علم الاجتماع من جامعة طهران سنة 1974، ثم على الدكتوراه في علم الأنثروبولوجيا الاجتماعية من جامعة كامبردج سنة 1980. عملت أستاذة باحثة مشاركة في مركز الدراسات الإسلامية والشرق أوسطية في جامعة لندن. وشغلت عدة مناصب بحثية وتعليمية منها زميل كلية العلوم في برلين (2004-2005) وأستاذ زائر للقانون الدولي في جامعة نيويورك (2002-2008). وهي العضو المؤسس لحركة مساواة العالمية وتسعى الحركة إلى تحقيق العدل والمساواة داخل الأسرة المسلمة. أنظر إلى: Raja Rhouni, secular and Islamic feminist

[4] Raja Rhouni, secular and Islamic feminist critiques in the work of Fatima Mernissi, London,2010, p. 243

(*) هي مسلمة أمريكية، ومن أبرز النسويات إقداما وجرأة في ممارسة النسوية التأويلية الإسلامية، عُينت أستاذة للدراسات الإسلامية في جامعة فرجينيا كومنولث في العام 2007، تنسب نفسها إلى فكر ما بعد الحداثة وتنظر إلى انبعاث الإسلام في العالم من حيث هو حركة تسهم فيما بعد الحداثة وتقصد إلى إعادة تعريف الماضي من أجل فتح مستقبل دينامي له. لكن أصالتها الفذة تقع في تجليات فكرها النسوي ومشروعها في إعادة قراءة القرآن من ” منظور نسوي”. أنظر إلى: خارج السرب، فهمي جدعان.

[5] مجموعة باحثين، النساء في الخطاب العربي المعاصر، تحرير/ نهى بيومي ونهوند القادري، الكتاب التاسع، المركز الثقافي الغربي، لبنان، 2003-2004م، ص375

[6] يوسف عوض، النسوية الإسلامية: رؤية تحليلية من واقع الأدب المعاصر، الرؤية، العدد العاشر، شتاء 2012، ص67

(*) أستاذة الأدب الإنجليزي المقارن بجامعة القاهرة، وهي عضوة مؤسسة للمرأة والذاكرة وحاليا نائبة رئيس مجلس الأمناء بالمؤسسة. درَست في جامعات القاهرة ونورث كارولينا وكاليفورنيا-بيركلي، وتخصصت في الشعر الصوفي في العصور الوسطى، كما اهتمت بالموضوعات المقارنة بين الأدب العربي والإنجليزي. تتضمن اهتماماتها الأكاديمية الروحانيات النسائية في الإسلام والمسيحية، والتصوف النسوي، والمعرفة الدينية من منظور نسوي، والنساء في التاريخ الإسلامي، وقضايا النوع الاجتماعي في الخطابات الإسلامية، والتاريخ الثقافي. وقد نشرت عددا من المقالات حول الشعر العربي والإنجليزي، وغيرها من النصوص الأدبية في العصور الوسطى؛ كذلك تطور الخطابات الدينية، خاصة تلك المعنية بقضايا النساء. لها كتاب بعنوان المرأة والجندر (2002)، وهو معني بجهود النساء الفكرية لخلق خطابات تمكينية وتحريرية من منظور معرفي إسلامي. أنظر إلى: أميمة أبو بكر، النسوية والمنظور الإسلامي، مؤسسة المرأة والذاكرة.

[7] أميمة أبو بكر، النسوية والمنظور الإسلامي، آفاق معرفية جديدة، مؤسسة المرأة والذاكرة، 2013، ص10.

[8] Margot Badran, feminism in Islam, secular and religious convergences, oxford, 2009, p. 242.

[9] مريام كوك، النساء يطالبن بإرث الإسلام، ترجمة/ رنده أبو بكر، المركز القومي للترجمة، 2015، ص107.

[10] المرجع نفسه، ص108

[11] مريام كوك، النساء يطالبن بإرث الإسلام، ص108

[12] أماني صالح، الأبعاد المعرفية لنسوية إسلامية، مرجع سبق ذكره، ص 11، 12.

(*) علم الثيولوجيا أو اللاهوت هو علم يهتم بدراسة الدين، فهو يفحص التجربة الإنسانية للإيمان ويدرس الثيولوجيا الديانات المختلفة في العالم وتأثيرها على المجتمع. هو علم يفكّر ويفكّك ويحلّل الخطاب المسيحي عن الله وعلاقة الله بالوجود، وإسقاطات ذلك المفهوم وتلك العلاقة على وجود الإنسان ومصيره بشكل خاص، وعلى وجود الكون بشكل عام. في أنظر إلى: يوسف بن عدي، نجيب جورج عوض: الثيولوجيا وفلسفة الأديان، مقال نُشر في موقع مؤمنون بلا حدود، بتاريخ 10- نوفمبر 2016. https://www.mominoun.com/articles/

[13] أماني صالح، الأبعاد المعرفية لنسوية إسلامية، مرجع سبق ذكره ص.14

[14] أماني صالح، الأبعاد المعرفية لنسوية إسلامية، ص16،17

[15] فدوي الجندي، الحجاب بين الحشمة والخصوصية والمقاومة، ترجمة/ سهام عبد السلام، المركز القومي للترجمة، 2016، ص 376، 380

[16] فهمي جدعان، خارج السرب: بحث في النسوية الإسلامية الرافضة وإغراءات الحرية، الشبكة العربية للأبحاث والنشر- بيروت، ط1، 2010، ص47، 48

[17] يحيى بن الوليد، في النسوية الإسلامية المعتدلة، مجلة الفيصل، مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية، العددان 531، 532، جمادي الأول- جمادي الأخر 1442 يناير فبراير 2021، ص 156، 157.

[18] فهمي جدعان، خارج السرب، ص 34، 35.

[19] المرجع نفسه، ص 38.

[20] المرجع نفسه، ص24، 25 (منقول بتصرف)

[21] فهمي جدعان، خارج السرب، ص225، 35

[22] أميمة أبو بكر، المعرفة الدينية في العالم العربي، من منظور نِسوي: من النقد إلى إعادة البناء، فاطمة المرنيسي، سلسلة المحاضرات السنوية للمجلس العربي للعلوم الاجتماعي، مايو 2023، ص 25.

[23] المرجع نفسه، ص 26.

(*) (1940- 2015)  من أسرة متوسطة الحال في أحد أحاريم مدينة فاس وهي من أشهر المدن التاريخية الأثرية في المغرب تقع في منطقة الريف ، واستنادا لما كتبه في كتابها (أحلام النساء الحريم) فإن المرنيسي التحقت في مراحل تعليمها الأولية بالمدارس الوطنية التي انتشرت في عهد الملك محمد الخامس، أما تعليمها الثانوي فقد كان في مدارس الإناث التي كان يتم تمويلها من الحماية الفرنسية، ودرست العلوم السياسية بجامعة محمد الخامس، وبعدها رحلت إلى باريس، وقرّرت دراسة علم الاجتماع في السوربون ، ثم غادرت إلى الولايات المتحدة والتحقت بجامعة برانديزBrandeis University ونالت منها درجة الدكتوراه في الاجتماع عام 1973، عادت إلى المغرب وعملت استاذًا بجامعة الملك محمد الخامس، وحققت كتاباتها شهرة وتُرجمت إلى عدة لغات. عملت كمستشار لعدد من المؤسسات الدولية كمنظمة اليونيسكو ومنظمة العمل الدولية وقد نالت عدداً من الجوائز الدولية تقديراً لمكانتها العلمية، بالإضافة إلى الكراسي العلمية التي تم إنشاؤها بعد رحيلها اعترافا بجهودها. وهي كراسي علمية تحمل اسمها وتتبنى مشاريع أكاديمية يستفيد منها الباحثين من أنحاء شتى (كرسي فاطمة المرنيسي بجامعة محمد الخامس، وكرسي باسمها أيضاً في بلجيكا والمكسيك). انظر:

https://www.goodreads.com/author/show/2792382.Fatema_Mernissi online: 1-1-2020

 [24] أميمة أبو بكر، المعرفة الدينية في العالم العربي، من منظور نِسوي، مرجع سبق ذكره، ص27، 28. (منقول بتصرف)

[25] فهمي جدعان، خارج السرب، ص89.

(*) (1962) في مدينة ميمنسنغ في باكستان الشرقية، التي أصبحت بعد الانفصال والاستقلال منذ العام 1971، بنجلادش، وشهدت في طفولتها وقائع  حرب الاستقلال مثلما شهدت في أسرتها السلطة العارمة لأب طبيب، والخضوع المهين لأم أمية. وألزمها والدها بالتوجه لدراسة الطب، فتخصصت في الطب النسائي وأتاح لها أن تدرك بعمق البؤس الذي يحيط بالنساء في البنغال، صرحت في مطلع سيرتها: “أستطيع أن أقول إنني منذ سن السادسة قد أدركت قسوة هذا العالم العظيمة، هذا العالم الذي لا يوجد فيه شيء أعظم شقاء من أن يحيا (إنسان ما) حياة امرأة ” وقد قُدمت للمحاكمة وقد صُدرت رواية (العار) التي كتبتها في بنجلاديش وصُدرت ترجمتها في مصر، وحصلت على جوائز وبسبب تهديد بعض الإسلاميين لها بالقتل فرّت إلى السويد في أغسطس 1994م، انظر إلى د. إبراهيم عوض افتراءات الكاتبة، تسليمة نسرين، ص17،19،125

[26] فهمي جدعان، ص 100.

[27] إبراهيم عوض، افتراءات الكاتبة البنجلاديشية، تسليمة نسرين، دراسة نقدية لرواية العار، زهراء الشرق للنشر، 1996، ص 132، 133 (منقول بتصرف)

[28] ارشاد منهجي، مسلمون وأحرار، متى توقفنا عن التفكير، دار الجمل للنشر، ط1، 2005، ص 242

(*) (1969) ولدت في مقديشيو في الصومال في العام  لأب منخرط في المعارضة السياسية المناهضة لنظام الاستبداد وعندما ولدت كانت والدها فالسجن ولم تراه الا وهي في سن السادسة، تعلمت الهولندية ثم عملت مترجمة في مراكز الرعاية الاجتماعية ، حصلت على دبلوم في العلوم السياسية ونشطت في الصحافة والاعلام حتي أصبحت نجماً يسير ذكره على كل شفة ولسان في وسائل الإعلام المقروءة والمسموعة . أنظر خارج السرب.

[29] فهمي جدعان، خارج السرب، مرجع سبق ذكره، ص132

[30] المرجع نفسه، ص 134، 137

(*) (1968) ولدت في أوغندا في العالم في أسرة مهاجرة من القارة الهندية، هاجرت مع أسرتها إلى كندا واستقرت في” فان كوفر” عام 1972 ، تلقت تعليمها الأولي في مدرسة مسيحية قبل أن يلحقها والدها بالمدرسة الإسلامية، مثلت هذه المدرسة صدمة بالنسبة لها إذ بدت على طرفي نقيض قبالة المدرسة المسيحية وكانت كثيرة التساؤل والاحتجاج فطردت من المدرسة وكان ذلك واقع أليم في نفسها ، وانكبت على التعرف على الإسلام بفضل المكتبات العامة ، وحصلت على شهادة الجامعية من جامعة كولومبيا،  وأصبحت محررة تليفزيونية وأنتجت فيلماً وثائقياً عن ( الإسلام الأصولي ) ساقت فيه المخاطر التي تعرضت لها بسبب دعوتها إلى الإصلاح وحقوق الإنسان في العالم الإسلامي، وحصلت على جوائز عديدة واشتهرت كـ(نسوية). أنظر إلى: ارشاد منهجي، مسلمون وأحرار.

[31] ارشاد منهجي، مسلمون وأحرار، متى توقفنا عن التفكير، دار الجمل للنشر، ط1، 2005، ص225

[32] المرجع نفسه، ص235، 236.

(*) عملت بالسلك الدبلوماسي في باكستان غير أنها فصلت من عملها بسبب نقدها للنظام العسكري، درست في باكستان الأدب الإنجليزي والفلسفة ثم الصحافة. غادرت باكستان إلى الولايات المتحدة في العام 1983 وحصلت على الدكتوراه في الدراسات الدولية من جامعة نقر بولاية كولورادو، فهي أستاذة العلوم السياسية بنيويورك. تعني في أبحاثها بالسياسة الدولية والمقارنة وبالإسلام والتأويل القرآني والمرأة والجنوسة، شغلت كرسي سبينوزا المرموق في جامعة أمستردام بهولندا لمساهماتها الرفيعة ومناقشتها لقضايا (المرأة والإسلام) دعيت لتقديم أعمالها حول القرآن والمرأة في عدد وفير من البلدان الأوروبية والآسيوية، ونقل بعض مؤلفات إلى لغات عدة. خارج السرب، ص59.

[33] خارج السرب، ص 255.

[34] فهمي جدعان، خارج السرب، ص225، 39

[35] Amina wadud, Quran and Woman, New York, oxford, 1999, p.8.

[36] Ibid, p.9.

[37] آمنه ودود، بحث في القرآن والجنسانية، ترجمة/ رنده أبو بكر، مؤسسة المرأة والذاكرة، 2012، ص 256.

(*) إذ إن بعض فرق الخوارج قد أجاز إمامة المرأة وخلافتها أيضاً، كالشبيبية ” أتباع شبيب بن يزيد بن أبي نُعيم الخارج في خلافة عبد الله بن مروان وصاحب الحروب العظيمة مع الحجاج بن يوسف الثقفي. وهم على ما كانت عليه الحَكَمية الأولي، إلا أنهم انفردوا عن الخوارج بجواز إمامة وخلافتها، واستخلف شبيب أمه غزالة، فدخلت الكوفة وقامت خطيبة، وصلًت الصبح بالمسجد الجامع، فقرأت في الركعة الأولي بالبقرة وفي الثانية بآل عمران. خارج السرب، ص50

[38] جمال البنا، جواز إمامة المرأة الرجال ومقالات أخرى، دار الشروق، 2011، ص13.

[39] أسماء برلس، القرآن والجنس/ الجندر والجنسانية، التماثل، الاختلاف، المساواة، ترجمة/ رنده أبو بكر، مؤسسة المرأة والذاكرة، 2012، ص238.

[40] المرجع نفسه، ص 251.

[41] المرجع نفسه، ص 240.

[42] Asma Barlas, Believing women in Islam, University of Texas Press, 2002, P.22.

[43] فاطمة المرنيسي، الحريم السياسي، النبي والنساء، ترجمة/ عبد الهادي عباس، دار الحصاد، دمشق، ص 199

[44] محمد شحرور، دليل القراءة المعاصرة للتنزيل الحكيم، ط1، دار الساقي، 2016، ص39

(*) (سورة البقرة: 222)

[45] السيد مير محمدي زرندي، بحوث في تاريخ القرآن وعلومه، ج1، ط1، الناشر، مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة، جمادي الأول 1420، ص 176

(**) (سورة آل عمران- 7)

[46] الطيب بو عزه، مقدمات أولية في الفلسفة واتجاهاتها (الحلقة الأولى) ج3، فيديو بموقع اليوتيوب، الناشر، مركز نماء للبحوث والدراسات، نشر بتاريخ/ 5 يونيو 2018، الدقيقة 43: 45

[47] عبد الجواد ياسين، اللاهوت، مؤسسة مؤمنون بلا حدود، 2019، ص33

[48] نور الدين السافي، التأويل وحق الاختلاف، تحرير وتقديم/ سعيد توفيق، فلسفة التأويل آفاقها واتجاهاتها، المجلس الأعلى للثقافة، 2017، ص51

[49] عبد الجليل محمد عبد الدايم، تطور الفكر التشريعي الإسلامي ومشكلات الحضارة، المجلس الأعلى للثقافة ،2011، ص 145

[50] فاطمة المرنيسي، الحريم السياسي، مرجع سابق، ص32،33.

[51] عبد الجواد ياسين، اللاهوت، مرجع سابق، ص43، 48

(*) (سورة القيامة- 14)

[52] محمد سعيد العشماوي، الإسلام السياسي، سينا للنشر، ط2، 1989، ص62

[53] محمد عابد الجابري، نحن والتراث، قراءات معاصرة في تراثنا الفلسفي، المركز الثقافي العربي، ط6، 1993، ص31

[54] نصر حامد أبو زيد، دوائر الخوف، قراءة في خطاب المرأة، المركز الثقافي العربي، بيروت، ط3، 2004، ص 168.

[55] محمد سعيد العشماوي، حقيقة الحجاب وحجّية الحديث، دار الطناني للنشر، ط3، 2013، ص15

    اقرأ ايضا

    المزيد من المقالات

    مقالك الخاص

    شــارك وأثــر فـي النقــاش

    شــارك رأيــك الخــاص فـي المقــالات وأضــف قيمــة للنقــاش، حيــث يمكنــك المشاركــة والتفاعــل مــع المــواد المطروحـــة وتبـــادل وجهـــات النظـــر مــع الآخريــن.

    error Please select a file first cancel
    description |
    delete
    Asset 1

    error Please select a file first cancel
    description |
    delete