تكوين

تقديم:

تقترن الحداثة كنمط حياتي شامل تعيشه المجتمعات المتقدمة بشبكة من المفاهيم التي أدت لبلوغه كالمواطنة والمجتمع المدني والديمقراطية واحترام حقوق الإنسان وغير ذلك من المفاهيم التي كان تشكلت تدريجيا في الفلسفة الغربية وانتهى تجسيدها في أرض الواقع إلى تغيير جذري مس مختلف الجوانب الحياتية للإنسان الغربي، مقارنة بما كان عليه الحال في القرون الوسطى، وبعيدا عن الجدل الذي عرفه الفكر الغربي منذ الربع الأخير من القرن العشرين حول الحداثة وما بعد الحداثة، فإننا نستطيع القول أن الحداثة بمختلف مقوماتها قد تحولت إلى “موضة” فرضت نفسها كأحسن نموذج للعيش، ومن ثم أضحت مطلبا لكل المجتمعات قصد الاستفادة من مزاياها، خاصة الحرية والديمقراطية ورغد العيش.

والمجتمعات العربية والإسلامية لم تشذ عن غيرها في هذه المسألة، فقد كان السعي لبلوغ الحداثة مطلبا ومسارا تبنته النخب السياسية الحاكمة ونظرت له العديد من التيارات الفكرية، ولإن كانت الحداثة المادية قد تغلغلت بيسر –ولو بدرجات متفاوتة- في جل المجتمعات العربية الإسلامية، حيث أصبح الإنسان المسلم يستفيد من مختلف منتجات الحداثة المادية كغيره في المجتمعات الأوروبية، كما أن العديد من التنظيمات والمؤسسات الموجودة في مجتمعاتنا أصبحت تحاكي نظيراتها في الدول المتقدمة، ولو من الناحية الشكلية (مؤسسات إدارية، تعليمية، سياسية..الخ) إلا أن مسار بلوغ الحداثة الفكرية -بإجماع الكثير من المفكرين العرب والمسلمين- تواجهه الكثير من العقبات الكأداء، التي تمنع التحول الحقيقي من أفق التفكير القروسطي إلى أفق التفكير الحديث، وتمنع تحول الإنسان العربي المسلم من الفرد-الرعية إلى الفرد-المواطن الذي يؤدي واجباته وينال حقوقه دون مزية أحد.

يشرح محمد أكون وضعية حقوق الإنسان في البلدان الإسلامية معتبرا إياها دون المستوى مقارنة بما هو عليه الحال في المجتمعات الغربية يقول: “من المعلوم أن مبادئ الإخاء والتضامن واحترام حياة الأشخاص وأرزاقهم هي أشياء طالما تحدث عنها القرآن وكرر الحديث، وكذلك فعل التراث الذي تلاه، ولكن هذه المبادئ تطبق الآن في المجتمعات الإسلامية بشكل مأساوي مرعب، وفي جو من الإرهاب المعمم على المستويين المحلي والدولي(..)إن الأمر يتعلق فعلا بالإرهاب بالمعنى الحرفي للكلمة”[1]. هنا تكمن المفارقة التي نعيشها، فنحن نتغنى بسماحة الإسلام ودعوته لأرقى القيم التي تحفظ كرامة الإنسان واقعنا يقول عكس ذلك تماما.

فإذا كانت المادة 19 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان تنص على حرية الرأي والتعبير، وإذا كان التبادل الحر للأفكار والآراء هو أحد أثمن حقوق الإنسان، فإننا لازلنا نعاني في البلدان الإسلامية من غياب لغة الحوار مع الثقافات الأخرى، ولا الاعتراف بالآراء المختلفة عن رأيها، والأمثلة على ذلك كثيرة ومتنوعة، وكان من نتائج  ذلك انتشار العنف بشتى أنواعه وصولا للتصفية الجسدية كإعدام محمود محمد طه في السودان عام 1985، واغتيال فرج فوده عام 1992، ومحاولة اغتيال تجيب محفوظ في مصر، ومن قبل ما حدث مع طه حسين وعلي عبد الرازق، وآخرها ما حدث مع نصر حامد أبو زيد مع اتهامه بالردة والحكم بتطليق زوجته منه. وكذا والاغتيالات الكثيرة التي طالت مثقفين وإعلاميين في الجزائر في الشعرية الحمراء مع نهاية القرن الماضي، وغير ذلك من الأحداث التي تعكس الحالة المزرية لحقوق الإنسان في جل البلدان العربية الإسلامية

معنى الردة

ضمن هذا السياق تطرح إحدى المشكلات المرتبطة بوضع حقوق الإنسان في البلدان الإسلامية، والتي كثيرا ما تتخذ ذريعة من قبل بعض الأوساط للقول بأن الإسلام لا يضمن حقوق الإنسان مثلما تضمنه الحداثة الغربية، ونقصد هنا، مسألة “الردة”، فرغم أن الله سبحانه وتعالى يقول: ﴿لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ ۖ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ ۚ فَمَن يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىٰ لَا انفِصَامَ لَهَا ۗ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾(سورة البقرة، الآية 256) ويقول أيضا: ﴿ وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ ۖ فَمَن شَاءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاءَ فَلْيَكْفُرْ ۚ إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا ۚ وَإِن يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ ۚ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءَتْ مُرْتَفَقًا﴾(سورة الكهف، الأية 29)، وعوض أن تتخذ هذه الآيات وغيرها أرضية تنظيرية للحرية الدينية، حدث العكس، خاصة مع حكم الردة القاضي بقتل المرتد.

والمرتد بصورة عامة هو الراجع عن دين الإسلام، وبعبارة أكثر تفصيل فـ”المرتد من ترك الإسلام بإرادته واختياره، وأنكر ما هو معلوم من الدين بالضرورة كإنكار الصلاة أو الصوم أو ما شاكل ذلك.. ويطلق بعض الفقهاء الكفر الطارئ على الردة تمييزا لها عن الكفر الأصلي الذي لم يسبقه الإيمان”[2]. وقد عرفت الدولة الإسلامية بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم ما سمي بــ “حروب الردة”، ذلك أن بعض القبائل بعد تولية أبي بكر كبر عليها أن تكون خاضعة لسيادة قريش، فارتدت وتطلعت إلى استرداد ما كانت تتمتع به من استقلال ذاتي، وانقسمت هذه القبائل المرتدة عن الإسلام إلى قسمين: قسم خرج عن الإسلام، وهم بنو طئ وغطفان وأسد وحنيفة وأهل اليمن الذين تزعمهم الأسود العنسي، أما القسم الثاني من المرتدين فقد ظلوا على إسلامهم ولكنهم لم يدفعوا الزكاة، وقالوا: “نقيم الصلاة ولا نؤدي الزكاة”.[3] وقد حارب أبو بكر الصديق هذه القبائل بلا هوادة، واستطاعت جيوش المسلمين القضاء على هذه الفتنة في ظرف وجيز، ومن ثم إعادة الهيبة والنفوذ للخلافة وللدولة الإسلامية على كامل القبائل والمناطق المنتمية إليها.

وقد وردت في القرآن الكريم العديد من الآيات المتعلقة بالردة والمرتدين، كقوله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ ۚ ذَٰلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ ۚ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ﴾ (سورة المائدة: الآية54) أو قوله: ﴿ يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ ۖ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ ۖ وَصَدٌّ عَن سَبِيلِ اللَّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِندَ اللَّهِ ۚ وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ ۗ وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّىٰ يَرُدُّوكُمْ عَن دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا ۚ وَمَن يَرْتَدِدْ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَٰئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ۖ وَأُولَٰئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ ۖ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ﴾(سورة البقرة: الآية 217).

غير أنه لم يرد أي نص في القرآن بقتل المرتد، و”آيات الردة الواردة في القرآن لم تشر إلى أية عقوبة دنيوية على كثرة هذه الآيات”[4]،  كلها تبين أن المرتد عليه لعنة وغضب من الله وهو خالد في جهنم..الخ. أما الأصل في القول بقتل المرتد فهو حديث الرسول صلى الله عليه وسلم -الذي رواه البخاري- “من بدل دينه فاقتلوه”. مع أن سيرته صلى الله عليه وسلم تؤكد تسامحه وعفوه ورحمته بالكثيرين ممن شتموه وآذوه، أما الذين أمر بقتلهم فقد ارتكبوا إلى جانب الردة جرائم أخرى تستلزم القتل.

ثانيا: من الردة إلى الخيانة:

لقد أثارت قضية نصر حامد أبو زيد الكثير من ردود الفعل المستنكرة لها، وكتبت مقالات كتب عديدة حولها، وهي في اعتقاد الكثيرين تعبر عن نكسة كبيرة وارتكاس لحقوق الإنسان في مجتمعاتنا، وتثير إشكالية عميقة يمكن صياغتها بالشكل الآتي: هل تم اتهامه ومحاكمته ثم الحكم عليه وفق آليات وقوانين عصرنا أم وفق آليات ومفاهيم العصور الوسطى؟ أهمية طرح هذه الإشكالية تكمن في التنبيه إلى ضرورة استحضار السياق التاريخي والتغيرات الكبيرة التي حدثت في مجتمعاتنا الراهنة والقوانين التي تنتظم بها حياتنا، إذا ما قورنت بالأوضاع السائدة في صدر الإسلام وبدايات الدولة الإسلامية، يقول أحد الباحثين: “النظام العام الإسلامي ليس وصفة جاهزة مكتملة إنما هو واقع اجتماعي صلب قائم في الجماعة وبإرادتها، وإنه متطور، وبالتالي يجب التعريف به وتحديده في كل سياق اجتماعي وتاريخي(..) والخطأ والخطر الكبيرين أن نتصور أمة إسلامية فوق التاريخ لها نظامها العام الثابت، أكيد هناك قيم ثابتة ولكنها لا تمثل كافة عناصر هذا النظام العام”[5].

يرى المفكر التونسي محمد الشرفي أنه “في وجود حكم الردة فإن حرية المعتقد أو الحرية الدينية في الإسلام هي فعلا حرية ذات اتجاه واحد، الدخول حر والخروج ممنوع، وقد دفع نصر حامد أبوزيد ثمن ذلك، اذ اعتبر نتيجة أعماله الفكرية وآراءه مرتدا وخارجا عن الإسلام، وأصدرت محكمة الاستئناف بالقاهرة حكم التفريق بينه وبين زوجته بتاريخ 14 يونيو 1995 فوجد نفسه مجبرا على مغادرة وطنه مع زوجته”[6].

يعلق الشرفي على قرار المحكمة قائلا: “إن معرفة ما إذا كان هذا الزواج أو ذاك صالحا أو فاسدا أو قابلا للفسخ ينبغي أن يكون مما لا يعني إلا الزوج والزوجة ولا دخل لغيرهما فيه البتة، وإذن فتدخل طرف ثالث في هذا المجال أمر لا يمكن قبوله أو التغاضي عنه(..) لما يمثله من مس لا يغتفر بحقوق الإنسان”[7]، في نفس السياق حين أجاب المؤرخ التونسي محمد الطالبي محاوره حين سأله عن موقفه من قضية نصر حامد أبو زيد قائلا: “مسكين غبي من يحسب نفسه على حق عندما يقول يجب تطليق نصر حامد أبو زيد من زوجته، من كلفه بهذا؟”[8]، ليصل الطالبي إلى نتيجة “خطيرة” وهي أن “حكم الردة كتبه الفقيه بإملاء من رجل السياسة لكي يكون بيد رجل السياسة سيف(..)ولأن حكم الردة يبيح الإجرام فكل مسلم صحيح ينبغي أن يفتك سلاح الموت وسلاح القتل من يد المجرم بأن يقول: حكم الردة لا أصل له في الإسلام ولا أصل له في القرآن”[9]،  لكي يصبح الإسلام كما هو في الأصل دين حرية وحلم وتسامح وقبول للآخر المختلف، وهذا ما يتفق مع نظرة محمد أركون لحقوق الإنسان، حيث يرى أن احترامها يبدأ من هذه اللحظة التي يكف فيها المسلمون عن التمييز بين المؤمن والكافر، وبين المسلم وغير المسلم، فكل واحد من هؤلاء إنسان وله حقوق بصفته تلك، وعلى رأس هذه الحقوق حرية التفكير والتعبير والاعتقاد ما لم يتعارض ذلك مع حرية الآخرين أو يشكل خطرا عليهم.

 

أما المفكر المغربي محمد عابد الجابري فيعتقد أنه ينبغي علينا إعادة النظر في مفهوم المرتد في الفقه الإسلامي، كيف ذلك؟ بعبارة موجزة: ينبغي زحزحة المفهوم من الحقل الديني إلى الحقل السياسي، بمعنى آخر من التحول من مفهوم الردة إلى مفهوم الخيانة أو العمالة، وتفصيل ذلك أن “المرتد” بعد قيام الدولة الإسلامية لم يكن مجرد شخص يغير عقيدته لا غير، بل هو شخص خرج عن الإسلام عقيدة ومجتمعا ودولة، وإذا أخذنا بعين الاعتبار أن دولة الإسلام في المدينة زمن النبي وزمن الخلفاء الأربعة، كانت تخوض حربا مستمرة (مع المشركين العرب، ثم مع الروم والفرس) أدركنا أن “المرتد” زمن هذه الدولة هو في حكم الشخص الذي يخون وطنه ويتواطأ مع العدو زمن الحرب-بالتعبير المعاصر-وحروب الردة على عهد أبي بكر كانت ضد أناس لم يقتصروا على “خيانة” دولة الإسلام التي انضموا إليها زمن النبي، بل ذهبوا إلى ابعد من ذلك، إذ نظموا أنفسهم للانقضاض عليها بعد عصيانهم لقوانينها(أي الامتناع عن دفع الزكاة)..فالمرتد بهذا المعنى هو من خرج على الدولة الإسلامية “محاربا” أو متآمرا أو جاسوسا للعدو..[10]. وموقف الجابري هذا يمكن اعتباره امتدادا لموقف الشيخ محمد عبده مع بداية القرن العشرين، وكذا محمد أبو زهرة فيما بعد، حيث ميزا بين المرتد المقاتل للمسلمين والذي يجب قتاله وبين المرتد غير المقاتل الذي لا يجب قتاله، وهذا اعتمادا على نص الآية الكريمة قوله تعالى: ﴿ إِلَّا الَّذِينَ يَصِلُونَ إِلَىٰ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُم مِّيثَاقٌ أَوْ جَاءُوكُمْ حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ أَن يُقَاتِلُوكُمْ أَوْ يُقَاتِلُوا قَوْمَهُمْ ۚ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَسَلَّطَهُمْ عَلَيْكُمْ فَلَقَاتَلُوكُمْ ۚ فَإِنِ اعْتَزَلُوكُمْ فَلَمْ يُقَاتِلُوكُمْ وَأَلْقَوْا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ فَمَا جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ عَلَيْهِمْ سَبِيلًا﴾(سورة النساء: الآية 90).

وإذا، فحكم الفقه الإسلامي على “المرتد” بهذا المعنى ليس حكما ضد حرية الاعتقاد، بل ضد خيانة الوطن والدولة، فضلا عن الدين، والتواطؤ مع العدو أو التحول إلى لص أو عدو محارب، ومن هنا نفهم كيف يربط الفقهاء بين حكم المرتد وحكم المحارب، ذلك أن المرتد في الخطاب الفقهي الإسلامي هو صنف من أصناف “المحاربين” وحكمه يختلف من فقيه لآخر حسب ما يكون المرتد محاربا بالفعل أم لا. فالمرتد المحارب يقتل باتفاق الفقهاء، أما قبل أن يحارب فقد اختلفوا هل يستتاب أو لا-واختلفوا في تفاصيل ومدة الاستتابة-أم يقتل من دون استتابة، كما ميز الفقهاء بين المرتد إذا حارب وهو في دار الإسلام، وبين المرتد إذا لحق بدار الحرب(أرض العدو). كل ذلك يدل دلالة واضحة على أن فقهاء الإسلام كانوا يفكرون في “المرتد” لا من زاوية أنه شخص يمارس حرية الاعتقاد، بل من زاوية أنه شخص خان المجتمع الإسلامي وخرج ضده نوعا من الخروج[11].

خاتمة:

هكذا نصل مع الجابري إلى نتيجة مهمة وهي أن الحديث عن حكم “المرتد” واستعماله ذريعة للانتقاص من احترام الإسلام لحقوق الإنسان وحرية المعتقد، أمر غير دقيق، كما أن القول بالتعارض بين النصوص التأسيسية للإسلام (القرآن والسنة) غير دقيق أيضا، فحكم المرتد ينبغي أن يفهم باستحضار السياقات التاريخية للمجتمعات الإسلامية، ويقارن في الأدبيات السياسية والقانونية المعاصرة مع “خيانة الوطن” أو التآمر على أمن الدولة والمجتمع، ولا يمكن أن نجد مدونة قانونية معاصرة تتسامح مع هذه الجريمة، أو تتساهل مع مرتكبها، فالخيانة العظمى، أو العمالة للعدو، أو التآمر على أمن البلد عقوبتها في الغالب هي المؤبد أو الإعدام. من جهة أخرى فالدولة بمفهومها الحديث تقوم على المواطنة والقانون الذي يضمن حرية التعبير والتفكير والاعتقاد، ما لم تتنافى تلك الحرية مع المصلحة العليا للوطن، ولم تشكل خطرا على حريات المواطنين الآخرين.

مراجع البحث:

1/ برهان زريق: نصر حامد أبو زيد بين التفكير والتكفير، دمشق: دار النمير، ط1، 1997.

2/عبد الحكيم الكعبي: عصر الخلفاء الراشدين، الأردن: دار أسامة، ط1، 2009، ص 18.

3/محمد أركون: الفكر الأصولي واستحالة التأصيل، ت: هاشم صالح، بيروت: دار الساقي، ط1، 1999.

4/ محمد الشرفي: الإسلام والحرية، الالتباس التاريخي، الدار البيضاء: دار الفنك، ط1، 2000.

5/محمد عابد الجابري: الديمقراطية وحقوق الإنسان، بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية، ط2، 1997.

6/محمد الطالبي: حوار مع جريدة الخبر الأسبوعي-الجزائر، العدد 99 ، السنة 2001.

 

 

 محمد أركون: الفكر الأصولي واستحالة التأصيل، ت: هاشم صالح، بيروت: دار الساقي، ط1، 1999، ص 217.[1]

 برهان زريق: نصر حامد أبو زيد بين التفكير والتكفير، دمشق: دار النمير، ط1، 1997، ص 47.[2]

 عبد الحكيم الكعبي: عصر الخلفاء الراشدين، الأردن: دار أسامة، ط1، 2009، ص 18.[3]

 برهان زريق: مرجع سابق، ص50.[4]

 برهان زريق: مرجع سابق، ص 34.[5]

 محمد الشرفي: الإسلام والحرية، الالتباس التاريخي، الدار البيضاء: دار الفنك، ط1، 2000 ص 70.[6]

 المرجع نفسه، ص 78.[7]

 محمد الطالبي: حوار مع جريدة الخبر الأسبوعي-الجزائر، العدد 99 ، السنة 2001، ص 13. [8]

 المرجع نفسه، ص 13.[9]

 محمد عابد الجابري: الديمقراطية وحقوق الإنسان، بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية، ط2، 1997،  ص ص 177-178.[10]

محمد عابد الجابري: مرجع سابق، ص ص 178-179.[11]

المزيد من المقالات

مقالك الخاص

شــارك وأثــر فـي النقــاش

شــارك رأيــك الخــاص فـي المقــالات وأضــف قيمــة للنقــاش، حيــث يمكنــك المشاركــة والتفاعــل مــع المــواد المطروحـــة وتبـــادل وجهـــات النظـــر مــع الآخريــن.

error Please select a file first cancel
description |
delete
Asset 1

error Please select a file first cancel
description |
delete